ما كان لمحمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، أن يتجرأ على الاتصال ببشار الأسد، لولا أنه أحس أن العالم، وبالذات الولايات المتحدة، منشغلين بمصائبهم الداخلية الناشئة عن تفشي فيروس "كورونا" في بلادهم، وبالتالي لن يلتفت إليه أحد ويحاسبه على هذه الخطوة، التي كانت تعتبر ولفترة قريبة، مجازفة كبيرة وخطاً أحمر بالنسبة للعديد من الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا.
يوصف ابن زايد، بأنه يتقن استغلال الفرصة، واللعب على الحبال بمهارة فائقة، لكن ما كان لأحد أن يتوقع أن يصل به اللعب إلى الاتصال ببشار الأسد مباشرة، وخصوصا ًأن كلماته في المحافل الدولية لاتزال ترن في آذان السوريين، والتي كان يصف فيها النظام السوري بأنه قاتل لشعبه، وبأنه يجب على المجتمع الدولي محاسب بشار الأسد ووضع حد لإجرامه.. فأين ذهبت هذه الكلمات، وما الذي دفع ابن زايد ليغير رأيه ويعاود الاتصال بالنظام السوري..؟، هل هي الأزمة الإنسانية والوقوف إلى جانب الشعب السوري في محنته في مواجهة كورونا، كما يدعي..؟ أما أنه بالأساس لم تنقطع علاقة الإمارات بهذا النظام، وقد حانت الفرصة لإظهار هذه العلاقة إلى العلن..؟
منذ عدة سنوات، أخبرنا أصدقاؤنا السوريون في الإمارات، بأنهم يواجهون مخاوف كثيرة من الملاحقة والترحيل إلى سوريا، جراء موقفهم المعارض لنظام الأسد، وذلك بعد أن وصلتهم تهديدات بأن يهتموا بأشغالهم فقط.. وأخبرونا بأنهم يعتذرون منا إذا لم يعلقوا على منشوراتنا الثورية، أو يكتبوا منشورات خاصة بهم. والكثير من هؤلاء الأصدقاء قام بإغلاق صفحته، أو تركها لأغراض ممارسة الشعائر الاجتماعية فقط، من تعزية وتوجيه المباركات في المناسبات السعيدة.
وعدا عن ذلك، فإن الكثير من رجال الأعمال السوريين المقيمين في الإمارات، والذين أظهروا دعمهم للثورة، تواروا عن الأنظار تماماً منذ عدة سنوات كذلك، وعلى رأسهم وليد الزعبي، الذي قيل إنه تم تهديده بشكل مباشر إن لم "يقعد عاقل"، وغيره الكثير من رجال الأعمال المقيمين في الإمارات، الذين لم يعد أحد منهم يجرؤ ولو على تقديم الدعم الإغاثي الإنساني لأبناء بلده في المخيمات.. طبعاً، وليس ببعيد عن ذلك، قرار إغلاق قناة الأورينت المعارضة مطلع الشهر القادم، والتي قيل إن صاحبها غسان عبود، تلقى أمراً مباشراً من حكام الإمارات بإغلاقها فوراً، وإلا لن يحصل له ولأعماله خيراً..
وعلى الرغم مما يقوله صاحب القناة، رجل الأعمال غسان عبود، من أنه سوف يغلقها لظروف خاصة به، أو أنه سوف يحولها لمنصة على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن المتابع لتوجهات عبود الاقتصادية في السنوات الأخيرة، لا بد أن يلحظ أنه بدأ يتجه لإخراج أعماله من الإمارات والذهاب بها نحو دول أخرى، منها أستراليا، والتي استثمر فيها حتى الآن أكثر من مليار دولار.. فبحسب الكثير من المراقبين، فإن غسان عبود، بدأ يستشعر الخطر في فترة مبكرة، وهو من جهة ثانية، أكثر رجال الأعمال السوريين في الإمارات استمراراً في دعم الثورة، وبشكل علني، وبالتالي بدأ يدرك بأن التقارب الإماراتي مع نظام الأسد قادم لا محالة، وأنه ليس بمستبعد أن يكون أول ضحايا هذا التقارب، نظراً لدور قناته الذي كان فعالاً على مدى السنوات التسع الماضية.
وعلى جانب آخر، يتساءل الكثيرون: ما الذي ستستفيده الإمارات وستجنيه، من علاقةٍ مع نظام مهلهل ومدمر وشعبه يكرهه، بينما لو اجتمعت الإنس والجن على أن تعيد تأهيله، فلن تكون قادرة على فعل ذلك..؟
هذا السؤال يحتاج إلى إجابة طويلة، غير تلك التي يتداولها الكثيرون من أن ابن زايد يكره الإسلاميين ويكره تركيا ويكره الثورات، ويكره الديموقراطية والحرية والتعددية.. بل الأمر له علاقة بأن ابن زايد يخاف من إيران، أكثر من خوفه من أي شيء في هذه الحياة، وعندما شعر أن إدارة الرئيس أوباما وبعدها ترامب، لم تقلل من مخاوفه تلك.. قرر التقارب مع ابن حافظ، ومن ثم الاتصال به بالأمس.. فهذا "العجي" وعلى الرغم من انتهاء صلاحيته في كل شيء، إلا أنه والحق يقال، لا يزال قادراً على الطلب من إيران أن تكف عن تخويف ابن زايد..
بالتأكيد المرحلة التي وصلنا إليها كحراك شعبي ليس بالأمر الجيد من التراجع على حساب النظام وحلفائه الروس والإيرانيين، ولا يخفى حجم الهجمة العسكرية التي تعرضت لها المنطقة وصولاً للتهدئة وبدء تطبيق اتفاق "روسي تركي" لضمان استمرارها
قبل عام تقريباً كانت المطالب الروسية تسيير دوريات مشتركة على حدود منطقة سوتشي الاتفاق الذي فرض علينا شمال غرب سوريا، وكان خط الدوريات على حدود سهل الغاب واللطامنة وكفرزيتا ومورك، ولكن قوبل برفض كبير من الفعاليات والفصائل وتعنت كبير ورفض للطرح التركي بأن هذه الدوريات هي شكلية على الحد الفاصل بين مناطق النظام والمعارضة وأنها كفيلة بتطبيق اتفاق سوتشي ومنع تمدد النظام أكثر ...
ولكن ماهي النتيجة "كانت التعنت والرفض ونحن بموقع ضعف عسكري وسياسي"، لتقوم روسيا بالتحضير لحملات كبيرة وضرب الاتفاق بدعوى عدم تنفيذه والنتيجة مانراه اليوم من حدود السيطرة من التراجع جراء ضعف التقدير العسكري والبعد الاستراتيجي للمعركة ..... فلا قبلنا بتسيير الدوريات ولا استطعنا صد الحملة العسكرية ووصلنا لفرض خارطة جديدة لحد الدوريات تبعد عشرات الكيلو مترات عن الحد القديم على حساب أجساد وأشلاء وعذابات المدنيين وتعنت البعض وعدم إدراكه لنتائج قراراته ....
مع تمدد النظام وغدر روسيا بكل الاتفاقيات ومواصلة القصف، وجد الطرف التركي الضامن للاتفاق نفسه أمام مرحلة جديدة وحساسة، دفعته للإسراع في تدارك الموقف المنهار على الأرض بإدخال تعزيزات عسكرية هي الأكبر لعدة أشهر، ولايمكن إنكار ما قدمه الجانب التركي من وقف تمدد النظام وضربه ضربات قوية وموجعة وإظهار القوة في مواجهة تغلب روسيا وتفوقها على الأرض والموقف الضعيف للفصائل في المواجهة وسرعة سقوط المناطق، وصولاً لحد السيطرة الحالية.
وبالتأكيد ماتم التوصل إليه من اتفاق لوقف النار هو ضرورة لأن روسيا لا تأبه بالقتل والاستمرار في نشر الموت وهذا كله على حساب عذابات ملايين المدنيين، وكذلك استنزاف الفصائل التي قدمت الكثير من الشهداء والعتاد في معارك الصد والمواجهة بدعم تركي واضح وغير مخفي، وبالتالي ظروف المرحلة عسكرياً تفرض علينا الخروج بأقل الخسائر على أقل تقدير والحفاظ على ماتبقى من مناطق محررة مع الإعداد والتجهيز لمرحلة نستطيع فيها استعادة ما خسرناه.
هذا الظرف يتطلب منا مراجعات حقيقية لمغبة القرارات اللامسؤولة التي تم اتخاذها سابقاً إبان الدوريات على حدود سوتشي والاتفاق القديم، والعمل على تجنب خسارة الاتفاق الحالي، على الأقل لحين إعادة ترتيب صفوفنا وأخذ كل أسباب الخسارة بالحسبان، وبالتالي يتطلب بشكل حقيقي تدعيم الموقف التركي الذي يهدد علانية بالتصعيد في حال ضربت روسيا بالاتفاق هذا في وقت باتت العين الدولية كلها ترقب روسيا التي غيرت من سياستها وباتت هي من تعلن عدم وجود انتهاكات خلافاً لسياساتها الماضية في تزييف الحقائق واتهام المعارضة بضرب الاتفاق لتستأنف التصعيد.
الدوريات على "أم 4" فرضتها المرحلة، واستثمار هذا الأمر لحين تبيان تفاصيل الاتفاق أمر بالغ في الأهمية من خلال التصرف بحذر، وعدم إعطاء روسيا أي حجة لإعادة التصعيد أمام الموقف التركي الساعي للحفاظ على ماتبقى من أرض محررة تضق بملايين المدنيين، وبالتالي باعتقادي أن منع الدوريات حالياً هو في صالح روسيا.
بالتأكيد التظاهر والتعبير عن الرفض لأي اتفاق يسلخ الأرض هو حق مشروع ولكن ضمن ضوابط تقودها وتحددها طبيعة المرحلة وتديرها شخصيات واعية وليس عنتريات مزيفة تظهر لتضع العصا بالعجلات وعند اشتعال المواجهة يغيب صوتها، ومن هنا فإن ماتقوم به بعض الأطراف المحسوبة على فصيل ما، ليست بالتأكيد في صالح المدنيين، فقد تكشف نفاقها وزيف ادعاءاتها سابقاً.
من يريد ضرب الاتفاق الذي خفف الموت وأوقف تمدد النظام، يجب أن يمتلك خيارات أخرى بديلة للشعب والمدنيين المحاصرين في بقعة جغرافية ضيقة، فالتعطيل والتشويش لايحمي المدنيين في حال استأنف القصف، ومن لايملك خيارات بديلة، هو يكرر سيناريوهات المراجل والعنتريات السابقة وربما يجر المنطقة لخسارة جديدة، قد يدفع ثمنها الجميع، وبالتالي لا خيار لدينا اليوم، وهذا ما فرضته علينا الأطراف، وعلينا التعاطي معه بما يكون فيه صالحنا.
استعادة المناطق التي سيطر عليها النظام مؤخراً لاتكون بالشعارات والتجييش على مواقع التواصل، بل بالعمل الجاد والإعداد التام ووضع الإمكانيات جميعاً على الجبهات وفي مواقع الرباط وعلى خطوط التماس والضرب بيد من حديد، فما سلب بالقوة لايستعاد إلا بمثلها لا بشعارات رنانة واستثمار بعواطف المدنيين وحراكهم ثم تركهم ضحية للموت، ولنا تجارب كبيرة تستوجب أن نتعلم منها ونأخذ العبر لنخدم قضيتنا ونستعيد كفرنبل وسراقب ومورك وخان شيخون ولانقف عند هذا الحد بل نعيد كامل التراب السوري لأهله وأبنائه عندما نكون صادقين في خدمة القضية والثورة وصون دماء الشهداء.
يقال عندما تتحدث المدافع تسكت السياسة ... كان واضحا اليوم أن الحرب لازالت هي المتحدثة حيث تطلب التوصل لصيغة الحل القديم الجديد( اللاحل) جلوس قادة الدول منفردين دون مشاركة العسكر ... بينما الواقع يقول إن القرارات في سوريا للعسكر أولا وأخيرا ..
قادة الجيش التركي (والذي يعتبر مؤسسة لها هيئتها الاعتبارية) وجدوا أنفسهم داخل الأراضي السورية محاصرين بتسعة نقاط نتيجة لتفاهمات السياسيين في محور أستانا . هذه النقاط تضم جنودا وعربات مدرعة ووسائط اتصالات. لكنها غير مؤمنة بغطاء جوي وغير حصينة ضد ضربات المدفعية بأقل تقدير ... عسكريا تلك النقاط هي جزء من الجيش التركي الذي وقع في الأسر ..
بغض النظر عن التفاهمات السياسية واختلافاتها فقد شن الحلفاء الروس والايرانيون والنظام هجومهم العسكري بطريقة قضم المناطق بسرعة لاتبدوا مطلقا إلا بطريقة الضغط على الطرف التركي مستغلين حصار نقاطه السابقة إضافة لتكرار طلب الروس من الأتراك بضرورة إخلاء تلك النقاط وهذا مارفضه وزير الدفاع التركي أكار عدة مرات مشددا على أن بلاده لن تقبل بإعادة الانتشار وإن تلك النقاط بناء على تفاهم سياسي.
الرد التركي المفاجئ كان بالبدء بإدخال كم ضخم جدا من القوات البرية إلى داخل الأراضي السورية والأكثر غرابة كان انتشار تلك القوات على خطوط وقرى التماس وليس تجمعها ضمن نقاط أو معسكرات فقط وأيضا دون غطاء جوي وهذا مازاد الأمر تعقيدا وشدد على التساؤل الذي يستدعي من قادة الجيش التركي التضحية بكم ضخم من القوات البرية دون غطاء جوي.
ان ضرب مقر تتجمع به القوات التركية كان الحل الوحيد أمام القوات الرديفة للنظام والروس وذلك لزيادة الضغط على الجيش التركي وانسحابه من خطوط التماس لتلافي الاحتكاك البري المباشر أو لإعادة انتشاره على شكل نقاط كالسابق يمكن تجنبها وحصارها لتشكل عامل قوة إضافي لقوات روسيا.
رد الفعل التركي كان عسكريا بامتياز تجاوز تصريحات الساسة الاتراك بدليل قدرة القوات الجوية التركية على فرض حظر جوي فوق الشمال السوري انطلاقا من الأراضي التركية عن طريق مناوبة منظومة الدفاع الجوي باستخدام طائرات f16 بعمق يصل حتى ١٢٠ كم وعلى كافة الارتفاعات.
تزامن الرد التركي بالقضاء على عدد هائل من المدرعات وراجمات الصواريخ للقوات الرديفة لروسيا باستخدام منظومة الطائرات المسيرة التي كانت تعمل بجو شبه مثالي وكأن روسيا قد قدمت تلك القوات صيدا سهلا لها دون أن تقوم قواتها الجوية بأي رد فعل أو حماية تلك القوات في مشهد يظهر رخص تلك القوات عندما يتعلق الأمر باحتمال نشوب احتكاك مباشر بين القوات الروسية والتركية.
التساؤل الأكثر أهمية كيف تجرأت القوات التركية على البدء بعمليتها الجوية وتدمير كم هائل لقوات الاسد والمليشيات الرديفة له دون الخوف من ردة فعل تلك القوات على النقاط التركية المحاصرة ... للإجابة على هذا السؤال يظهر للجميع قدرة القوات الروسية على ضبط قوات الاسد وأعوانه وثقة الجيش التركي أيضا بهذه القدرة ..
باختصار لقد حاولت القوات الروسية اختبار قدرة الجيش التركي على رد الفعل وإلى أي مدى يمكن أن يتقدم في حال تم تجاوز المصالح التركية أو تهميش الدور التركي .. لكن الإجابة كانت قاسية جدا وخاصة عندما بثت تركيا شريطا يظهر تدمير عربة بانتسر س١ وهي في حالة المناوبة القتالية باستخدام طائرة مسيرة .. هذا الإجراء كان من الممكن اخفاؤه عن الإعلام والتداول به على طاولة المفاوضات ليحقق الكثير من المكاسب التي يصعب تحقيقها .. لكن القرار التركي كان عسكريا واضحا بإظهار الجدية البالغة برد الفعل وأنه من غير المسموح المساس بهيبة الجيش التركي داخل متاهات السياسة.
الجدير بالذكر أن نظام بانتسير للدفاع الجوي صمم على قاعدة التنسيق الكهرطيسي مع منظومات اس ٤٠٠ وأحد أهم مهامه هي حماية أفواج اس ٤٠٠ من الصواريخ الجوالة والطائرات المسيرة .. هذا الأمر قد يدخل الفنيون الأتراك في حالة إعادة النظر بالشروط الفنية الخاصة باختبار وتقييم منظومة اس ٤٠٠ الموردة لتركيا والتي ستستكمل باقي مكوناتها بنهاية نيسان القادم .وهل كانت خطوة التوريد صحيحة مقابل التخلي عن برنامج الطائرات الشبحية اف٣٥ أم لا . ربما ستكون لنتيجة التقييم أهمية بالغة في إعادة رسم خارطة التوازن العسكري في الجوار الإقليمي لتركيا واستقرار البنية العسكرية التي تقوم روسيا بإعدادها شرق المتوسط.
يعتقد الساسة اليوم إنه تم إعلان وقف لإطلاق النار .. لكني أعتقد أنه مؤقت بحال القرار العسكري .. الجيش التركي في حال تطور الأعمال القتالية سيستخدم ذخائر أمريكية تم التصريح عن إمكانية تقديمها مباشرة في حال الحاجة .. هذا لا يعني عجز تركيا عن تذخير نفسها إنما يعني زيادة الإمكانات القتالية لوسائط القوى الجوية التركية بصواريخ جو – جو متطورة بعيدة المدى بالإضافة لتأمين قاعدة بيانات في الزمن الحقيقي لأرض المعركة خارج حدود التماس تؤمنها وسائط السطع والقيادة والسيطرة الأمريكية في الشرق الأوسط..
فالمهمة التالية للجيش التركي من وجهة النظر الروسية هي إزالة التنظيمات الارهابية ( الذين يقاتلون اليوم بدعم مباشر من تركيا ) والمهمة التالية للقوات الروسية من وجهة النظر التركية هي إعادة المهجرين إلى بلداتهم (الذين هجرتهم روسيا وحلفاؤها بداية ودمرت بلداتهم ) في حدود سوتشي .. بالإضافة لمهمة مشتركة بين الدولتين على الطريق الدولي شبيهة بتلك شرق الفرات.
بالنهاية حدث اللقاء الذي كان يرفضه بوتين . وتحدث لافروف عن جنيف والقرار ٢٢٥٤ بحيث أنه لم يسبق له أن تحدث بمسار لحل الازمة السورية خارج استانا وتثبيت الاسد في الحكم على سوريا خلف الخط الأصفر الذي رسمه الضابط له في مطار حميميم.
تواصل روسيا في استغباء المجتمع الدولي عبر تصريحات تطلقها وزارة الدفاع والخارجية بين الحين والآخر، مدعومة بقرار أن وجودها في سوريا شرعياً بطلب من حكومة "لاشرعية" للأسد، في وقت تعتبر أن كل القوات الأخرى في سوريا لاشرعية، وتحاول اللعب على هذا الوتر سياسياً، علاوة عن استخدام مصطلح حرب الإرهاب لمواصلة القتل.
وفي آخر تصريحات روسيا، ما وجهتها للجانب التركي "أحد ضامني منطقة خفض التصعيد الرابعة شمال سوريا" بأن تركيا تنتهك القانون الدولي في إدلب، من خلال زيادة عدد قواتها هناك، وذلك بعد تصاعد الضربات الجوية التركية ضد ميليشيات الأسد وروسيا وإيران هناك.
ورغم أن دخول القوات التركية يندرج في سياق الاتفاق الموقع بشأن منطقة خفض التصعيد الرابعة، الذي نقضته روسيا وتجاوزت كل تعهداتها، إلا أنها تحاول الهروب من ذلك باتهام الطرف الآخ بأنه هو من ينتهك القانون الدولي.
وأما ماتقوم به روسيا في إدلب وفي جل مناطق سوريا، فهو "تطبيق فعلي" للقانون الدولي، من خلال قتل المدنيين وتشريدهم وتدمير المدن واستهداف الطواقم الإنسانية وسيارات النازحين، فكل هذا يبيحه القانون الدولي وفق الرؤية الروسية، أما طائراتها فتلقي الورود على المدنيين يومياً بما يتواقف مع القانون الدولي الإنساني حتى.
ومن الصعب جداً أن تدخل في مقارنة بين المناطق التي حررتها فصائل الجيش الوطني مع القوات التركية في منطقة عفرين أو شرق الفرات، وبين المناطق التي دخلتها جحافل الاحتلال الأسدي الروسي أو التي دخلتها قوات التحالف الدولي وحلفائها قسد، من جميع النواحي الإنسانية أو التدمير.
بالمقارنة بين المناطق التي دخلتها القوات التركية والجيش الحر وبين مناطق احتلتها قوات الأسد وروسيا لنبدأ من القصير إلى أحياء باب عمر وباب سباع والوعر ومدينة حلب وصولاً لداريا والغوطة الغربية وفي النهاية الغوطة الشرقية وخان شيخون والهبيط التي شهدت أكبر حملة تدمير ممنهجة، ترى المناطق التي تدخلها جحافل هذه القوات تتحول لركام كامل بعد سلسلة تدمير مقصود وإنهاء لكل حياة في هذه المناطق لضمان عدم عودة المدنيين إليها.
ومنذ تدخلها في سوريا، تواصل روسيا على مرآى العالم أجمع في انتهاك كل القوانين الدولية والأعراف، واتخذت روسيا من الأراضي السورية خلال السنوات الماضية، ميداناً لتجربة أسلحتها المدمرة على أجساد الأطفال والنساء من أبناء الشعب السوري، فأوقعت الآلاف من الشهداء والجرحى بصواريخها القاتلة والمتنوعة، في وقت دمرت جل المدن السورية وحولتها لركام في سبيل تجربة مدى قدرة صواريخها على التدمير منتهكة بذلك كل معايير المجتمع الدولي الذي تعامى عن ردعها.
مما لاشك فيه أن حرب الإبادة التي تمارسها روسيا شمال غرب سوريا أكبر من كل الفصائل وفوق طاقتها على المواجهة مع الفارق الكبير الذي لايمكن مقارنته بقوة روسيا وإيران، ولكن هذا ليس مبرراً بالتأكيد لسقوط مناطق حصينة ومدن كبيرة وبلدات بتضاريس جغرافية شاسعة بهذه السرعة ودون مقاومة، مع أن حرب الشوارع والمناورة ولو بأسلحة خفيفة ومتوسطة ترهق النظام وتمنع تقدمه وعلى أقل تقدير تؤخر التقدم ....
سقوط كفرنبل وقبلها سراقب ومعرة النعمان وخان شيخون كان صادماً كونها مدن كبيرة تتيح للفصائل استنزاف النظام وحلفائه وخوض حرب شوارع كبيرة على مشارفها وضمن أحيائها مع خلوها من المدنيين والتي تعطي أريحية كبيرة وفق العرف العسكري للقوات المدافعة ولكن هذا لم يحصل ... وسيأتي اليوم الذي تفتح فيه هذه الملفات ويحاسب كل من خذل أهله والصادقين الذين يقاتلون بإمكانيات بسيطة...
سياسة روسية نفسها متبعة في الالتفاف والقضم، مع غياب السلاح الثقيل والمضاد للدروع عن بعض الجبهات ووجوده على جبهات أخرى وبالتالي طرح تساؤلات كبيرة عن الأسباب وسط غياب قادة الفصائل في تبيان مايجري من وقائع وأحداث متسارعة وسقوط مناطق كان يحلم النظام في الوصول إليها ...
بالتأكيد مايجري اليوم من خسارة وتراجع هو نتاج تراكميات لسنوات طويلة من التفرقة وإرهاق أبناء الثورة بالحروب الداخلية وعمليات البغي والملاحقة وإرهاق الحاضنة الشعبية بالقصف والتشريد والاعتقال والملاحقة والتضييق تتحمله كل القوى المسيطرة من بغت ومن فشلت في ردع البغي والتوحد، وكذلك النظام وحلفائه ممن زرعوا بيننا من يضعف ويفرق صفوفنا من تنظيمات وتيارات وشخصيات وأفراد وووووو .... وكرسوا كل ما يستطيعون من تقنيات وأسلحة لقهرنا والوصول بنا لما وصلنا له اليوم من ضعف ...
ورغم كل هذا العجز الذي وصلنا له، يبقى أملنا بالله وحده وبهمة وعزيمة الصادقين من أبناء الثورة المتمسكين بمبادئهم من مقاتلين ونشطاء وثوريين ومدنيين، يرفضون الضيم والمهانة والذل والركوع للنظام، ويبذلون ما يستطيعون للذود عن الدماء والأعراض والأرض والدين، فهم أملنا بعد الله، فتلك الدماء الطاهرة التي روت التراب السوري وعذابات المعتقلين ودعاء الشيوخ والأرامل والمشردين لن يضيع سداً وسنرى نوراً بعد ظلام وسيكتب الله لنا النصر على من قتلنا وشردنا وتاجر بدمائنا وسيكتب التاريخ بسطور من دم ونار تضحية شعب يناضل ويقاوم كل قوى الشر والظلام ويترقب اليوم الذي يبزغ فيه فجر الحرية المنشود، وماعلينا إلا العمل كلاً من موقعه ومكانه وبما يملك من قدرات وإمكانيات للوصول لهذا اليوم فلا وقت للطم وجلد الذات وتوجيه الاتهامات التي لن تعيد لنا مناطقنا وتجبر كسرنا.....
أثبتت معارك الأوتستراد الدولي من جنوبه حتى شماله فشل الاستراتيجية العسكرية للفصائل جميعاً سواء هيئة أو جيش وطني أو غيرها ووقوعها بذات الأخطاء القاتلة التي تسببت بخسارة مناطق شاسعة من المحرر سابقاً ولم تتعلم الدرس فوقعت بذات الفخ سواء عسكرياً أو سياسياً، في وقت واصل الاحتلال الروسي اتباع ذات السياسية في تجنب المواجهة المباشرة واتباع أسلوب الالتفاف وتقطيع أوصال المناطق.
كما فعل سابقاً في الالتفاف على ريف حماة الشمالي وخان شيخون واللطامنة وتحييد المناطق الحصينة، فعل في معرة النعمان وريف حلب واستطاع السيطرة على تلك المناطق بشكل سريع، علاوة عن أن الفصائل لم تستخدم التكتيك العسكري في المواجهة وخسرت أوراق كبيرة أبرزها ضرب النظام في الخواصر الخلفية لتشتيت صفوفه أيضاَ التحصن في المدن وخوض حرب الشوارع التي كانت كفيلة في استنزاف العدو مع عدم وجود المدنيين إلا أننا شاهدنا انسحابات سريعة من المدن وإخلائها حتى قبل وصول النظام إليها.
النظام وروسيا أتما السيطرة على كامل الطريق الدولي بين "حلب - دمشق" وهو ورقة سياسية واقتصادية كبيرة بالنسبة لروسيا، ومصلحة دولية مشتركة لأوربا والخليج وكثير من الدول خلافاً لتصريحاتها، وكذلك استطاعت روسيا والنظام السيطرة على خط حماية غرب الطريق الدولي ب 6 كم والهيمنة على كل المناطق المرتفعة الحاكمة، ولكن هل يكفي ذلك لإعادة فتح الطريق الدولي... ؟؟.
بالتأكيد لا فروسيا لاتستطيع حمايته من الهجمات والضربات بواسطة الصواريخ والقذائف والصواريخ المضادة للدروع وبالتالي تحتاج لاتفاق ما مع الطرف التركي لضمان تشغيل الطريق دون أي عوائق وهذا هو "مفتاح التهدئة" التي ستميل لها روسيا قريباً لإرضاء الأتراك وتفعيل اتفاق جديد "سوتشي معدل" يتضمن دوريات روسية تركية مشتركة لاحقاً على الطريق الدولي، وإخراج النظام كقوة عسكرية من المنطقة، مع تفعيل مؤسسات النظام في المدن والبلدات التي سيطر عليها وفتح مخافر شرطة بإشراف روسي، وقد يسمح للمدنيين لاحقاً دون المقاتلين العودة لتلك المناطق بضمانات مشتركة ولكن تحت راية النظام وسلطة مؤسساته ..
الأوتستراد الدولي M4 بين سراقب واللاذقية ليس بأهمية الأوتستراد الدولي الأول بالنسبة لروسيا، وهو موضع تفاوض بين الأتراك والروس، فتركيا ترفض أي عمل عسكري على المنطقة لتجنيب محاصرة شمال إدلب وبقائها بقعة مكتظة بالنازحين مايشكل أزمة إنسانية كبيرة ستتحمل عواقبها بالقسم الأكبر وحيدة، وبذات الوقت روسيا تحاول كسب الأمر كورقة تفاوضية يمكن أن تتخلى عنها لتحصيل مكاسب أخرى وبالتالي عدم حسم الملف حتى اليوم، لاسيما أن أي من الأرتال التركية لم تدخل جبل الزاوية مؤخراً لتثبيت أي نقطة جديدة في المنطقة.
وبسيطرة روسيا على الطريق الدولي والمدن الرئيسية الممتدة على طول الطريق والمناطق الصناعية المحيطة بمدينة حلب، باتت المناطق المحررة مجردة من أي مصادر قوة اقتصادية وعسكرية حتى، وباتت شبه محاصرة كقطاع "غزة" تستجدي الدعم الدولي الإنساني لملايين المدنيين القابعين في الخيام بعيداً عن ديارهم عبر الحدود المغلقة بوجههم، وباتت روسيا في مرحلة تؤهلها لإعادة تفعيل مسار الحل السياسي السوري بعد تعطيله لمرات عديدة لحين إتمام مشروعها في تمكين يد النظام وإعادة شرعنته دولياً من أبواب عدة.
عوامل كثيرة أوصلت بنا لهذه المرحلة من الانكسار، تتحملها جميع الفصائل والقوى السياسية، ولو خصصنا الشمال السوري، كانت "هيئة تحرير الشام" المسؤول الأكبر كونها الفصيل الذي كرس كل طاقاته لإنهاء مكونات الثورة وتهجير أبنائها والهيمنة على سلاحها، وعند بدء المعركة عدم قدرتها عن الدفاع عن المنطقة رغم الخسائر الكبيرة التي أمنيت بها بشرياً وعسكرياً إلا أنها لم تسحب حساب لهذه المرحلة ونصبت نفسها حكماً على المحرر ومدافعاً عنه، ولايمكن تبرير موقف باقي الفصائل وسكوتها.
بالدرجة الثانية المعارضة السياسية الخارجية من "ائتلاف وهيئة تفاوض وممثلي الفصائل" الذين خاضوا جولات التفاوض السياسي وفشلوا في تمثيل حراك الشعب السوري، وهم لازالوا يتربعون على مناصبهم مع تبادل الأدوار بينهم، دون حتى أن يوضحوا للناس ما وقعوا عليه في أستانا وسوتشي وغيرها من الاتفاقيات التي أنهكت المحرر من شماله لجنوبه، علاوة عن عدة أمور لايفسح المجال لسردها وتحتاج لمؤلفات طويلة لتفصيلها كانت عاملاً قوياً في إضعاف الثورة ووصولها لهذه المرحلة.
وباعتقادي فإن الطرف التركي الضامن لاتفاقيات "أستانا وسوتشي" المنتهية المفعول، يتحمل جزء كبير من المسؤولية، واليوم باتت تركيا الدولة الوحيدة المتبقية كحليف للشعب السوري الثائر، أمام اختبار تاريخي إنساني كبير ليثبت للشعب السوري أنه لن يتخلى عنه، ولاننكر الدور التركي في مساعدة الحراك الشعبي، ولكن موقفه الضعيف خلال العام الأخير كان في صالح تمدد روسيا وإيران، وصل لحصار نقاطه، قبل أن يدرك مدى الغدر الروسي، ويلجأ للتحشيد العسكري في المنطقة تزامناٌ مع سقوط قسم كبير منها، وصل الأمر لاستهداف عناصره واختلاط دمائهم بدماء أبناء الشعب السوري على ذات الأرض وبنفس الأيدي المجرمة.
ويتوجب أن نأخذ بالحسبان الضغوطات الدولية الممارسة على الأتراك وشاهدنا حجم الهجمة ليس من دول أوربا وأمريكا والخليج بل من أصغر الدول التي لايحسب لها أي حساب إبان عملية "نبع السلام" في ظل صراع دولي واضح لتقويض الدور التركي وقطع آخر يد تساعد الشعب السوري ولو إنسانياً، وبالتالي فإن تركيا التي وثقت بروسيا، وكشفت غدرها، لايمكنها تحمل تبعيات أي معركة غير محسوبة ومدعومة دولياً في مواجهة مباشرة مع روسيا في سوريا.
خسارة كل هذه المناطق خلال أشهر قليلة، بعد صمود لسنوات، لن يكون نهاية الثورة أو طريق الحرية الطويل الذي لايرتبط بأرض ومدينة، ولكن لابد أن يكون درس كبير لجميع الفصائل وأبناء الثورة، للإسراع لتدارك أخطاء الماضي وإنهاء التحزبات والخلافات وتوحيد القوى بشكل حقيقي بعيداً عن أي احتكار، ونبذ كل المتسلطين ومن ثبت فشلهم وزيف ادعائهم في حماية المحرر، وإعادة روح الثورة للمناطق المحررة بمن فيها من مدنيين يرفضون الظلم ويتطلعون لغد مشرق لاوجود للأسد وعصابته فيه.
تزاحمت الآلام والمآسي في ذاكرة الشعب السوري الذي عانى ما عانى مع هذا النظام منذ استيلائه على السلطة مروراً بالحرب المفتوحة التي أعلنها على الشعب عندما ثار لحريته وكرامته وصولاً لهذا اليوم الذي تستمر فيه براميل النظام المتفجرة بحصاد المزيد من أرواح السوريين وتدمير بيوتهم وأحلامهم.
لا يخلو يوم من أيام السنة من مجزرة سقط فيها ضحايا بقصف أو بإعدام ميداني وقد تفتق ذهن الوحش الذي استفزته شعارات الحرية عن ابتكار أبشع الأساليب لزيادة عدد الضحايا المدنيين من قصف الطيران والمدفعية التقليدي إلى البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية.
ولا يخلو يوم من أيام السنة من وفيات تحت التعذيب ولا من حالات اعتقال أو إخفاء قسري أو غيرها من ضروب الانتهاكات التي حاز النظام على واحد من أسوأ سجلات الانتهاكات على مر التاريخ.
تطالعك ذاكرة اليوم 15/1/2020 مثلاً بالآتي في 15/ 01/ 2013 استشهاد 237 شخصاً، بنيران قوات نظام الأسد في مختلف المحافظات السورية، بينهم 15 طفلاً و10 نساء، 99 شهيداً في مجزرة جامعة حلب؛ جرّاء قصف قوات نظام الأسد جامعة حلب في أول أيام امتحانات الجامعة، 24 شهيداً تم إعدامهم ميدانياً داخل منازلهم وحرق بعض جثثهم، بالإضافة إلى اعتقال العشرات من الأهالي من قبل قوات نظام الأسد في قرية الحصوية الواقعة بين حي القصور والكلية الحربية باتجاه ريف حمص الشمالي في 15/ 01 /2014، 47 على الأقل عدد ضحايا الجوع في مخيم اليرموك بدمشق في 15/ 01/ 2016 ، 5 شهداء وعدد من الجرحى في مدينة دوما بريف دمشق جرّاء قصف منازل المدنيين بقذائف عنقودية محرمة دولياً وبقذائف المدفعية ، وأكثر من 30 برميلاً متفجراً ألقتهم مروحيات نظام الأسد على أحياء مدينة داريا بالغوطة الغربية للعاصمة.
لا يخلو يوم من أيام ذاكرتنا وعلى مدار العام إلا وفيه أرواح زهقت وأسر فجعت وقلوب انفطرت وآلام لا تنتهي، وكلمة لا تنتهي هنا عندما ترد في سياق الإحساس بعمق الآلام التي تحيط بنا وكأنها بلا نهاية، فنفكر نحن أولياء الدم وأهل الفجيعة هل من نهاية.
ما الذي يمكن أن ينهي كل هذه الآلام ما الذي يمكن أن يشفي الأرواح من ندباتها الغائرة ما الذي يمكن أن يحدث حتى نمّر على مفكرة الأيام بيسر ونظرة للمستقبل كباقي البشر.
بالنسبة لي شيء واحد فقط كفيل بذلك هو أن يخرج هذا النظام من مفرداتنا للأبد بكل ما حمل وأن ترفع في مكان مجازره وفي ساحات وطننا صور شهداء الحرية ويبنى على أنقاض دولة الإجرام وطن الحرية والمساواة والكرامة التي تليق بسورية الحضارة وبشعب التضحيات حينها يمكن أن نمّر على مفكرة الآلام بأمل الغد التي دفعنا ثمنه دماً ودموعاً الغد الذي لا مكان فيه إلا للحرية وللحقوق وللمساواة وللكرامة، غد يطوي صفحة الظلم مرة وإلى الأبد.
من حقك أن تتبنى رأياً متشدداً أو رأياً هابطاً مهما يكن! لكنك لا تملك الحقيقة كاملة، وليس لك الحكم من منبرك على وسائل التواصل على أولئك الشباب الذين خرجوا إلى ليبيا للقتال، أو وصفهم بالمرتزقة دون الاطلاع على الحيثيات والظروف التي يعيشونها، أو البيئة التي انحدروا منها، فلا تحاول أن تقنع الناس بوجهة نظرك ما دام الالتزام بها من باب الحينية، وما دامت قناعتنا نحن البشر بالمجمل متغيرة وتصنعها الظروف المحيطة بنا.
ابتليت الثورة منذ اندلاعها بقناص ماهر في اصطياد أخطاء الجيش الحر، ولديه سرعة فائقة في جلد الثورة لأي سبب عارض، ومتطوع مجتهد مناوب على تشويه الجيش الوطني، ومشارك ملم ومتابع لصفحات النقاد الذين تقتات على اللايكات المحصلة نتيجة طعن العاملين في صفوف الثورة أو فعالياتها الوطنية أو الثورية، لصالح التنظيمات المتشددة، إنه الجيش الالكتروني الخليجي والذباب الإلكتروني الموازي لإعلام نظام الأسد والمزروع في صميم الثورة.
آلاف الشباب والفتيات كانوا أطفالا مع اندلاع الثورة في مطلع 2011م، بلغوا الرشد والثورة تعاني أمامهم من مخاض عسير، قتال داخلي لكسر عظم الثورة وثنيها وتفتيتها وحرفها عن مسارها، اختلطت بعدها البطولة بالتهور وفقدت الحاضنة الشعبية ثقتها بالخطابات الرنانة، وارتبط الدعم وفق منظور الحاضنة الشعبية بالفساد، وتحول نقل المعاناة إلى تسول وارتزاق، وأصبح الإعلام مطية للصاعدين الجدد ممن لا يملك رؤية واضحة، وغير ملم بتاريخ الثورة، وتتقاذفه الأمواج بين المذاهب الفكرية المؤدلجة والمدارس الجهادية المستوردة والتشكيلات والفعاليات الثورية الهشة.
تعاني الثورة من التشويه الممنهج من قبل الجيوش الالكترونية الخليجية المساندة للنظام السوري، كما يعاني الشباب في المناطق المحررة من التشتت وضياع الحقوق والضغط النفسي وفقدان القدوة والدليل، بسبب ضعف التعليم وعيشة المخيمات العشوائية مع الفقر والبطالة والتهجير، وانتشار مشاهد العنف والاغتصاب والقتل، هذه العوامل تسببت بالتشويه (الخُلقي) للمجتمع زاد عليه التآمر العالمي والتغرير بالسوريين، وخذلان مجلس أمن المصالح المتواطئ مع القوى المسيطرة عليه.
ليس دفاعا عن تلك الفئة المسحوقة نتيجة عوامل وظروف قاهرة، قادرة على التسبب بالانحراف لأولئك الشباب، مع العلم أن الحال في مناطق سيطرة النظام والمليشيات -متعددة الجنسيات- أشد بؤساً وانحطاطاً وتنتشر الجريمة الحكومية المرخصة من قبل النظام، ويتوزع الفساد أضعافاً مضاعفة من الرأس إلى القدم، إلا أن الأجهزة الأمنية قادرة على بسط سيطرتها وضبط وسائل التواصل لصالح النظام المجرم وهي قادرة على البطش بأي جهة تحاول أن تنال من هيبتها، على العكس تماماً مما هو عليه الحال في معقل الثورة ولا يتوفر في مناطق سيطرة المعارضة، كما أنه غاب الجيش الالكتروني الثوري المنظم، واقتصر الأمر على عمل الناشطين الذين تولوا المهمة، لكنهم يجدوا أنفسهم وجها لوجه أمام جيش الكتروني موازي للنظام ومحسوب ظلماً على الثورة.
يحق انتقاد تصرف أي مجموعة محسوبة على الثورة لإخلالها بصالح الثورة العام، إلا أن جعل تلك الأخطاء شماعة لرجم الثورة وتصوير من يعيش ضمن تنظيماتها بالمرتزقة تعميماً؛ هو عين الجهل وينم عن التبعية العمية لجهات حرصت على محاربة الثورة رغم ادعائها نصرتها، ولا يحتاج الأمر لكثير من البحث والتقصي لاكتشاف خلفية أولئك الأقلام، والذين يتبعون لمحطات ووسائل وشبكات خليجية، أو محسوبين على المذاهب المؤدلجة أو لديهم تارات شخصية مع أفراد ينتمون لتلك الجهات المستهدفة تظهر واضحة في المناكفات والتعليقات على منصات وسائل التواصل مثل تويتر وفيسبوك، تلك المنابر التي تمنح لطابور من الحمقى، أن ينالوا من قيادات مجتمعية والتشهير بهم، وقد كانوا قبل تلك الوسائل محجور عليهم ضمن بيئاتهم العائلية المغلقة، ولا يتسببون بأي ضرر للمجتمع لوجود الرادع، القادر على إسكاتهم فوراً، بينما وفرت شبكات التواصل للبلهاء والحمقى منابراً مجانية يخاطبون بها جماهيراً تائهة تتهافت على التفاهة لملئ الفراغ وتهرب به من واقعها، حيث أصبح لهم الحق بالحديث عن أي قضية دينية أو فكرية مهما كانت شائكة ومعقدة، مثلهم مثل أي عالم ممن يحمل أكبر الشهادات العلمية المتخصصة.
السوريون في نكبتهم العظيمة ليسوا بهذا المستوى الهابط التي تحاول الجيوش الإلكترونية القذرة تصويرهم بها، وليسوا ملائكة منزهين عن الأخطاء، ولو أن الدول المالكة لتلك الجيوش، والدول المتحضرة عانت ما يعانيه المجتمع السوري من القصف والظلم والتهجير والاعتقال والخوف والتفتت والقهر والحرمان والاستغلال لرأينا منها العجائب، ولكشف الغطاء عن الوجه الحقيقي لتلك المجتمعات الموصوفة بالإنسانية.
السوريون بأطيافهم بانوراما معقدة كانت متعايشة بصورة استثنائية، لكنها تعرضت لمحرقة طائفية عظيمة، في كل جزء من تلك اللوحة يتصاعد دخان برائحة البارود، وينتشر الرماد المشبع بالدماء نتيجة الجرائم وحرب الإبادة التي يتعرض لها السوريون عامة والإدلبيون خاصة لرفضهم أي نوع من أنواع المصالحة، ومهم لجأ أو هجر إليهم برعاية دولية، هؤلاء الشباب اليوم أحوج لليد الحانية التي ترعاهم، وتأخذ بيدهم بعيداً عن الحرب الطائفية، أو تنير لهم الطريق، وتزودهم بوسائل المعرفة بدلا من تلك الأقلام الجارحة الحاقدة، والمتناوبة على لسعهم بالاشتراك مع الذباب الالكتروني الساقط والحائم حول جراحها، لأن كسبهم هو الطريق الأقصر لترميم المجتمع السوري المترهل، وكسب عدائهم لن يزيد الأمر إلا سوءا.
من المؤلم أكثر من القصف والموت ما تعرض له المتظاهرين في باب الهوى اليوم وفي المرة الماضية، من مواجهة مباشرة من قبل أمنية هيئة تحرير الشام التي واجهت أبناء ريف إدلب الغاضبين ممن دمرت مدنهم وبلداتهم وقتل أبنائهم أو أقربائهم بالرصاص الحي واليوم بالغاز المسيل للدموع كما فعل الأسد بحق المتظاهرين وما أقساه من موقف عندما يجد ذلك الناشط الذي وثق كل جرائم النظام اليوم أمام من يظنهم أنهم لحمايته ليقوموا باعتقاله وضربه لمجرد أنه يحمل الكاميرا ليصور احتجاج الغاضبين ...
وما أقساها من موقف حين يجد ذلك المدني المشرد المهجر من أرضه وبلده بعد أن خسر كل شيئ ذلك المقاتل الملثم يحمل سلاحاً ويوجه بندقيته باتجاهه ليمنعه من حقه في التظاهر والغضب وتفريغ مافي قلبه من أوجاع وآهات وآلام لا يمكن للجبال أن تتحملها، وكيف يمكن لنا أن ننظر لهذا المشهد أو نحلله عندما نجد سلاح من يجب أن يحمينا يوجه لصدورنا.
طيلة السنوات الماضية واجه الشعب السوري كل أصناف العذاب والموت، وحرم من كل حقوقه في الحياة، فقط لأنه رفع صوته وطالب بالحرية وخرج لساحات التظاهر ليعبر عن رأيه، فواجهه الأسد بالرصاص والغازات المسيلة للدموع قبل أن يستخدم الطائرات والمدافع والراجمات والأسلحة المحرمة لقتل ذلك المتظاهر السلمي.
واليوم، يتكرر المشهد ولكن بأيادي وبنادق من المفترض أن تكون لحمايتنا لا لقتلنا، ليس الرصاص وحده، بل استخدمت الدبابات والرشاشات لاقتحام المحرر، وقتل الأخ أخاه وشابت العداوة بين أبناء القرية والبلدة والريف، وتقسم المحرر وأنهيت فصائل وقتل أبرياء في حملات بغي متكررة، لم يكن الأسد طرفاً فيها، قبل أن يواجه المتظاهرون بالرصاص في الساحات ضمن المحرر ويمنع رفع أعلام الثورة وتحرم مدن من التظاهر وتحاصر أخرى بالدبابات.
أن تصوب سلاحك لصدر مدني لست بثائر، أن تعتقل ناشطاً إعلامياً أو تضربه أو تهينه أو تصادر معداته لست بثائر، أن تغلق طريقاً في وجه متظاهر بدل أن تحميه لست بثائر، أن تمنع رفع علم الثورة لست بثائر، أن تطلق الرصاص في منطقة محررة لست بثائر، فالجبهات أولى بعنترياتكم ومراجلكم على المدنيين والنشطاء هم من رموز ثورتنا وصوتها للعالم.
ماذا لو فكرتم بغير هذه العقلية الأمنية التي مارسها وجربها النظام ولم تنفع حتى اليوم في قتل روح الثورة في صدور أبناء الشعب السوري، وماذا لو امتلكتم الطائرات ..؟ هل ستوجهوها لصدورنا .. ألم تحركوا الدبابات في المحرر وتطلقوا الرصاص على المتظاهرين وتحاصروا مدناً محررة .. ماذا بعد ..؟؟
ماذا لو فكرتم بوجع هذا الشعب وآلامه، وخرج منكم قائد رشيد أمام الجموع، ونادى بالمتظاهرين أن اسمعوني، وتحدث لهم بلغة القائد الحقيقي، وشرح لهم ماتواجهه المنطقة من عدوان، ووعدهم بالدفاع عنهم والثبات على الجبهات، وطالبهم بالتظاهر السلمي ووعدهم بتأمين التظاهرة وحمايتها ... ألم يكن خيراً من مواجهة شعب ثائر غاضب بالرصاص وتشويه صورة من يقاتل على الجبهات ويبذل دمه ليدافع عن الدين والأرض والعرض.
ماهو رد ذك الثائر المجاهد على الثغور وهو يواجه أعنف الغارات والقصف والجيوش، عندما يسمع أن أهله المهجرين من مناطقهم والهاربين من الموت يتعرضون للرصاص منه رفاق دربه ومن ظنهم يحمون أهله بغيابه، ماهو موقفنا اليوم أمام الله أمام محنة ومعاناة الشعب السوري كله، وماذا سنقول لمن دمر بيته وقتل أبنائهم وكيف سيثق بكم بأنكم ستحمون ماتبقى له من أرض وأطفال وأنتم توجهون الرصاص لصدره.
ثم من نصبكم حراساً للحدود التركية، ومن قال لكم أن المظاهرات ستضر الجانب التركي، بالعكس تماماً كثرة المظاهرات ونقل صوت المتظاهرة حتى لو اقتحموا الحدود هو ورقة تستخدمها تركيا أمام العالم علها تستطيع تخفيف القصف والموت من باب تهديد العالم بموجات اللاجئين في حال دخولهم الحدود وفتحها أمامهم وربما يكون خيراً ....
مقال: أحمد نور
المتتبع للقصف المتواصل والحملة الهوجاء من النظام وروسيا على ريف إدلب الجنوبي والشرقي، يدرك ملياً أن الهدف الأول هو تهجير جميع سكان المنطقة في تكرار لذات السيناريوهات التي اتبعتها روسيا خلال الحملات الماضية في المناطق التي سيطرت عليها عسكرياً ...
هذه الحملة تتزامن مع وصول حشود عسكرية كبيرة رصدتها الفصائل على محاور سنجار وأبو الظهور وطول خط الجبهة تتضمن قوات من النظام وميليشيات إيرانية وفلسطينية، وحسب الأخبار فإن هناك عدد كبير من الراجمات والمدافع الميدانية تم تثبيتها، كما تم توزيع العناصر الوافدة على طول خط الجبهة وهذا أمر بالغ في الخطورة ..
القصف المتواصل دون توقف وعمليات التهجير والتدمير والتحشيد العسكري يدل بشكل قاطع على وجود نية مبيتة لروسيا والنظام لشن عملية عسكرية في المنطقة "الغالب أنها ستكون من الريف الشرقي" كونها منطقة مكشوفة ولها السيطرة الجوية فيها بشكل كبير، وتجنبها الدخول في حرب المدن، وبالتالي اتباع سياسة الكماشة للتقدم على حزام واحد وتمكين حصار مناطق واسعة وبالتالي إسقاطها دون قتال ...
انتظار النظام حتى يبدأ الهجوم لن يكون في صالح الفصائل بالتأكيد، لأن المعركة غير متكافئة والنظام سيتبع أساليب عديدة من القصف للتمهيد قبل التقدم كما فعل في المرات الماضية، وهذا يتطلب اتخاذ الفصائل تدابير عاجلة أولا في ضرب هذه التعزيزات بقوة قبل تثبيتها في مواقعها وكذلك فتح معركة في غير مناطق هذه التعزيزات قد تكون في حلب أو خان شيخون مثلاً، تخلق حالة من التخبط للنظام وتخلط أوراقه ....
الركون لتطمينات بعض الشرعيين الذين لا يفقهون إلا تسكين المدنيين هو أمر بالغ في الخطورة، فقد سمعنا تطميناتهم وصوتياتهم وحثهم على الصبر مراراً وهم يقبعون في ملاجئ ومغاور تحت الأرض في المقرات أو خارج المنطقة التي تتعرض للقصف، بينما يعاني المدنيون في كل دقيقة ويلات الموت والنزوح والتشرد.
الحكومات المسيطرة على المنطقة والتي تدعي أنها حكومة عليها العمل بشكل حقيقي لمساندة المدنيين والوقوف على أوجاعهم والتخفيف عنهم وأبرز هذه الخطوات هو كف يدها عن ملاحقة المنظمات التي تعمل على تقديم المساعدة للنازحين، و وقف الإجراءات والقوانين التي سنتها والتي تزيد المعاناة، وملاحقة تجار الدم والحرب من المستثمرين على شتى المجالات سواء في تأجير المنازل أو البيع وغير ذلك لأن شدة التحكم والتسلط فاقت الوصف وهي ترقب دون حراك.
أيضا الفعاليات الشعبية في مناطق الشمال السوري، يتوجب عليها العمل على شكل تنسيقيات أو مجالس أو اي تكتل لمساعدة النازحين الهاربين من الموت والعمل على تأمين مايمكنهم من مساعدات الأهالي والإمكانيات المتاحة للتخفيف عنهم ....
الموقف اليوم يحتاج لوقفة جادة من الفصائل وتدارك أخطاء الماضي أو أننا لا محال أمام سيناريو جديد من سقوط المناطق بيد النظام وروسيا وخسارة أراضي ومدن جديدة، وخسارة شباب ومقاتلين بمعارك استنزاف لن تكون في صالحنا إن استمر الوضع على ماهو عليه ..... فاحذروا قبل فوات الأوان
"الزحف الى حلب".. بهذه الكلمات حدثني أحد القادة العسكريين في الشمال السوري المحرر، معتبراً أن كل ماسواها هي معارك عبثية لاستنزاف طاقات الفصائل، مؤكدة على ضرورة أن تلجأ الفصائل العسكرية في الشمال السوري لاتخاذ وسائل ردع سريعة لعنجهية روسيا والنظام تجاه المنطقة التي تضيق مساحتها المحررة تباعاً.
يقول القيادي، إن فصائل المعارضة تسيطر على عدة أحياء من الجهة الغربية بمدينة حلب، وهي ملاصقة لأحياء موالية يسيطر عليها النظام، ولكن هذه الجبهات هادئة نسبياً، مع أن لها أهمية استراتيجية بالغة في المعركة الجارية ضد قوى الظلام المساندة للنظام.
معركة هنا وأخرى هناك على جبهات ريف اللاذقية التي باتت بعيدة عن مناطق النظام الحساسة، وأخرى على جبهات ريف إدلب الشرقي التي لاتحمل أي بعد استراتيجي جغرافي أو عسكري يتيح للفصائل تحقيق توازن في الرعب والسيطرة والقوة على الأرض، وإنما هي - برأيه - معارك استنزاف حقيقية لعناصر الثوار وكادرها البشري، في وقت لايأبه النظام لخسائره البشرية هناك ولايهمه الأمر.
وطيلة السنوات الماضية، والنظام يحاول إبعاد الفصائل الثورية عن المناطق الحساسة لسيطرته في مناطق عديدة من التراب الثوري، حتى لايجازف بمعارك بمواقع حساسة تؤثر عليه، واستطاع بمساعدة روسيا حصر الثوار والفصائل في بقعة جغرافية ضيقة شمال سوريا، مع استنزافهم تباعاً بمعارك هنا وهناك يكون له المبادرة فيها.
ولم يبق للفصائل - وفق القيادي - أوراق كثيرة، بعد أن باتت مقيدة بالاتفاقيات الدولية التي أنهكت الثورة وحراكها، وجردتها من المناطق التي تسيطر عليها تباعاً، معتبراً أن "الزحف إلى حلب" والدخول في معركة حرب شوارع سينهك النظام وسيغير المعادلة العسكرية على الأرض كلياً ويضرب حسابات كل الدول التي تتلاعب في الملف السوري.
قرار "الزحف إلى حلب" يحتاج قيادة حقيقية لفصائل الثوار، تكون قادرة على اتخاذ قرار حاسم ومصيري في وضع إمكانيات حقيقية للمعركة، واختيار نخبة من المقاتلين "لاتستوجب أعداد كبيرة" من الاقتحاميين المدربين على الحرب من خلال مجموعات تتسلل لداخل مناطق العدو وتضربه ضربات يومية موجعة دون توقف.
هذا القرار والخيار هو الوحيد الكفيل اليوم بتغيير موازين القوى الدولية والعسكرية على الأرض، وهي "معركة الحسم" التي قد ترسم ملامح خريطة جديدة في المنطقة، وتلزم روسيا والنظام على الجلوس بشكل جاد للتفاوض ووقف القصف، وإلا أي معركة أخرى اليوم فهي معارك استنزاف لخيرة شبابنا وإضاعة للوقت لحين تغلب روسيا والنظام سياسياً وعسكرياً وتحويل أبناء الثورة لمحاصرين في بقعة جغرافية تتضاءل يومياً، عندها لن ينفع شيئ إلا الرضوخ.
"متلازمة الثراء" التي تلاحق الناشط في المجال الإعلامي الثوري بسوريا باتت معضلة كبيرة يواجهها ذلك الناشط في تغطياته والنظرة السطحية التي بات ينظر فيها أي مدني في المحرر، لتغدوا عبارة "تصورونا لتبيعوا وتقبضوا بالدولار" هي السائدة، في ظل استمرار الحرب والمعاناة اليومية التي يتوجب على أي ناشط نقلها وتغطيتها، مع مراعاة هذه النظرة السلبية تجاهه.
"الناشط الإعلامي" هو الاسم الشائع لكل ثائر سوري، جعل عدسات الكاميرا سلاحه ليواجه نظام الأسد وحلفائه وينقل صوت شعبه الثائر للخارج، وكان على رأس قائمة المطلوبين أمنياً لأجهزة النظام القمعية التي لاحقت النشطاء منظمي المظاهرات وناقليها للعالم، ليُغيب ذلك الحراك واستخدم لذلك ضروباً ووسائل عدة.
وبات الناشط الإعلامي منذ اليوم الأول لحراك الشعب السوري في سوريا، ركيزة أساسية وعامل حقيقي في نقل صورة الواقع السوري وحراك الشعب السوري التي حاول النظام تغييبها وتشويه صورتها، فاستطاع ذلك الناشط بأدوات بسيطة نقل الواقع وتكذيب النظام ودحض ادعاءاته، وانتقلت صور وفيديوهات ومعاناة الشعب السوري للعالمية عبر عدسات بسيطة ووسائل بدائية في بداية الحراك.
ومع تنامي الحراك الشعبي، كان للناشط دور بارز في تغطية القصف والموت والمجازر والحصار والتجويع ونقل صورة الواقع يومياً، مخاطراً بنفسه وبعائلته التي قد يطالها الاعتقال، ليخرج عبر الشاشات ينقل تفاصيل الحراك اليومي، وينقل الصورة الحقيقية، ليغدو المصدر الأول لوسائل الإعلام العربية والعالمية رغم خبرته المتواضعة.
وقدم "الناشط" ضروباً في البطولة في تغطية المعارك والقصف والمجازر، ولاقى ما لاقاه من اعتقال وقتل وملاحقة واستهداف، ولم يكن في قصر عاجي ينقل الواقع، بل كان بين الناس ومع المدنيين يواجه الحصار والجوع والموت والملاحقة، ويتخفى هنا وهناك ويتنقل بين منطقة وأخرى لنقل صورة أو مقطع فيديو مخاطراً بنفسه وعلى حسابه ونفقته دون أي مقابل.
ومرت السنوات، وشاع اسم الناشط الإعلامي، وبات الحراك الشعبي في مواجهة حرب مستعرة يومية، لا يمكن أن يغيب دور الناشط عن تغطية الوقائع، مع عزوف جل المؤسسات الدولية الإعلامية عن إرسال صحفيين لتغطية الموت اليومي، وعدم قدرتهم على التنقل وخوفاً من الاعتقال والاختطاف كما حصل للكثيرين، ليبقى هذا الناشط المدني صوت الثورة للخارج.
ولأن سنين الحراك الشعبي الأولى كانت عشوائية تفتقر للتنظيم، وبسبب غياب المنظمات الطبية والإنسانية وو .. الخ، كان ذلك الناشط يلعب كل الأدوار، كونه وسيلة التواصل بين الداخل والعالم الخارجي، ولعل اقحام الناشط بالعمل الإغاثي كونه الجهة الوحيدة للتواصل جعله في موضع شبه وباتت تكال له الاتهامات مع تسلمه أول مبلغ مالي من وكالة هنا أو مؤسسة هناك بات يعمل كمراسل لها على الأرض.
ورغم كل ماناله الناشط الإعلامي من نظرات سلبية واتهامات، إلا أنه واصل تغطيته ولم يغلق عدسة كمرته عن تصوير القصف والموت والمجازر ونقل المعاناة، كونها ضرورة لتوثيق الحدث ومايواجهه الشعب السوري والذي لولا عدسة هؤلاء النشطاء لم يسمع أحد بقتلهم وحصارهم وموتهم وحراكهم ضد الظلم، على غرار ماحصل لعشرات الآلاف من المدنيين إبان مجازر الثمانينات.
والكثير اليوم بات يرمق لكل حامل كمرة بعين الريبة، وأنه يصور ويلتقط الصور لأجل المال، ليس لأجل نقل صورة ومعاناة المدني والنازح والجريح والقابع تحت سقف منهار، سبب ذلك تلك الطفرة الإعلامية والصورة السلبية التي قدمها بعض المتسلقين على حساب تضحيات الشعب السوري، وعدم تحرك المجتمع الدولي طيلة السنوات الماضية رغم كل الموت الذي نقلت مشاهده، لتتزعزع ثقة المدني بأهمية التوثيق والتصوير ويبدأ بتوجيه الاتهام للناشط بأنك تصور لتقبض.
بالمقابل، ومع توسع الحراك الشعبي وتقدم الثورة في سنواتها، ظهرت طفرة كبيرة في المجال الإعلامي، لكثير من الأشخاص ممن جعلوا من العمل الإعلامي الذي وجدوا فيه منفعة شخصية للشهرة أو مالية لجمع المال على حساب تضحيات المدنيين، فانتشر العاملين في هذا المجال من النشطاء المحدثين، في الوقت الذي غاب قسم كبير من نشطاء الحراك الثوري الأوائل، بسبب سوء حال أو نزوح أو تهجير أو ضعف إمكانيات وغير ذلك، لتغدو الكمرة مصدر ربح لضعاف النفوس ولو على حساب معاناة المدنيين، مشوهين صورة الناشط ومسيرته.
ومن هنا انطلقت فكرة المتلازمة التي تقرن الناشط الإعلامي بالثراء، في ظل عملية استغلال كبيرة من كثير من الأسماء الإعلامية لأسمائهم التي ظهروا بها واشتهروا بها في نقل معاناة المدينين، وباتوا مصدراً للخبر، ولكن سرعان ما استغلوا هذه الأسماء للشهرة وتحقيق المنفعة وهم قلائل، يقابلهم من تبنوا الحراك من كثير من الشخصيات التي لم تعمل على الأرض أبداً وكانت تستقي الأخبار من نشطاء لم يتصدروا شاشات التلفزة ومواقع التواصل وعملوا بكل صدق وإخلاص، ليظهر غيرهم على حسابهم ويتصدروا الشاشات.
"أن تكون ناشطاً إعلامياً لايعني بالضرورة أنه ثري " هي الصورة الحقيقية التي يتوجب على عامة المدنيين فهمها، فليس كل ناشط ثري، فهو مثلكم يعيش بينكم ويكابد الحصار والنزوح والغلاء والموت مع عائلته، فيقتل ويجرح ويهدم منزله ويترك أرضه، ولكنه يواصل حمل كمرته لنقل معاناتكم ولفت الأنظار لاستمرار حراككم، رغم صعوبة التمييز اليوم بين من يحمل تلك العدسات لقضية أو لمنفعة شخصية، وهذه هي المعضلة الكبرى.