مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد

تنقّل أحمد الشرع، الذي صعد اسمه عقب قيادته معركة إسقاط الأسد، بين تنظيماتٍ جهاديةٍ وتحوّلاتٍ فكريةٍ وجدت لها مساحة جغرافية تطبيقية في الشمال السوري.

أمامَ أريكةٍ خشبيّةٍ موشّاةٍ بالصَّدَف العتيق في قصر الشعب بدمشق، وقف قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع ببدلةٍ رسميةٍ فضفاضةٍ – ربّما لتخفي تحتها مسدّساً أو سترةً واقية – مصافحاً رئيس المخابرات العراقية حميد الشطري بعد حديثهما عن ضرورة التعاون لمنع عودة نشاط خلايا تنظيم الدولة الإسلامية، وحماية السجون التي زُجّ بها مقاتلو التنظيم في الأراضي السورية. حديثٌ بانت فيه لكنةُ الشرع الدمشقيّةُ بلا ريب. قد يبدو مشهداً عادياً في بلدٍ شبّ عن طوق آل الأسد أخيراً على يدِ شابٍّ جامحِ الطموح تتهافت الوفود العربية والغربية إلى القصر لرؤيته، ويتخبّط بعض روّاد فندق الشيراتون قربَ ساحة الأمويين في دمشق، يذمّونه ورجالَه سرّاً ويتماوتون أمام أعضاء هيئته في سبيل رؤيته، علّهم ينالون سبقاً بصورةٍ ينفردون بها على وسائل التواصل الاجتماعي – أو للتاريخ – أو بتصريحٍ جديد.

لكنّ اجتماع هذين الشتيتَيْن ليس مشهداً عاديّاً بل فتحاً يشتهيه الشعراء، إذ قلّما يجود الزمان بفرصةٍ لتقف منتصراً بعدَ معركةٍ تاريخية أمامَ خصمٍ خَدَعْتَه، أو خَدَعْتَ أسلافَه الإداريين يومَ اعتقلوك في مطلع الألفية. يومها جلس شابٌّ سوريٌّ عشرينيٌّ زحف من دمشق ليجاهد في العراق، حاملاً هويّةً عراقيةً مزيّفةً أمام المحققين الأمريكان والعراقيين، وخاطبهم بلهجةٍ لا شائبة فيها حتى ظنّوه عراقيّاً فسجنوه خمسةَ أعوام. ثمّ دار الزمن دورته وأتى العراقيّون ليصافحوا ذلك الشابَّ على أرضه وفي القصر الرئاسي ويطلبوا منه مساعدتهم في القضاء على حليفِه الأقدمِ تنظيم الدولة، في رحلةٍ ضاربة الجذور والفصول خاضها رجلٌ، غُيِّرت أسماؤه وألقابه وصفاته مراراً، وغُيِّر معها تنظيمه وهيئته والآن حكومته.

أحمد الشرع، بأحدث أسمائه، أو قائد الإدارة السورية الجديدة بآخِر أوصافه، سليلُ آل الشرع من وجهاء الجولان السوريّ، وبها تكنّى بِاسمِه الجهاديِّ ذائعِ الصيت: الفاتح أبو محمد الجولاني. يتطابق اسمُه مع أحدِ أعلام آل الشرع الذين قادوا ثورة الزويّة السورية "المنسيّة" على الفرنسيين، وربّما يُشابِه سَمِيَّه كذلك في أنّه "المتَّكَأ لآل الشرع، والمُحدِّث اللبق" كما وصفه حسين، والد أحمد الشرع، في كتابه "ثورة الزويّة السورية المنسية 1920 – 1927"، الصادر سنةَ 2022.

أحمد، الذي قاد معركةً أسقطت في أيّامٍ معدودةٍ وعلى نحوٍ مفاجئٍ بشار الأسد وأنهت تسلّط عائلته نحو ستّة عقودٍ على رقاب السوريين، بدا لغير المتبصّرين بالشأن السوريّ شخصاً مجهولاً، أو ربما داهيةً ينتمي إلى تنظيمٍ جهاديٍّ مسلّحٍ يهدّد بإغراق المنطقة في دوامةٍ جديدةٍ من التشدّد والعنف. لكن ما يحمله أحمد الشرع من إرثٍ عائليٍّ، وما تحمله سيرته من تحوّلاتٍ في الخطاب والأفكار والعمل، يَشِيان بصورةٍ أعمق. فمِن عائلةٍ ذات جذورٍ سوريّةٍ أصيلةٍ، وعُمرٍ قضاه متنقّلاً بين التنظيمات المسلّحة، وعينيه المسلّطتين على حُكم آل الأسد، وصولاً إلى إطاحته ببشار وإنهاء حُكمه، تتكشّف ملامح صورةٍ شديدة التعقيد لمَن سَمَّى نفسَه أخيراً أحمد الشرع.

يبرز لنا كتاب "ثورة الزويّة السورية المنسية 1920 – 1927"، الذي كتبه الدكتور حسين الشرع والدُ أحمد الشرع، وثيقةً نادرةً عن تاريخ العائلة ومسقط رأسها. يحدّثنا حسين، الاقتصاديّ المختصّ بالنفط، أن عائلة الشرع بالأصل من قرية جيبين التابعة لمدينة فيق عاصمة منطقة الزويّة، جنوبَ محافظة القنيطرة في الجولان السوريّ المحتلّ. وهُم من العوائل الأصيلة في المنطقة، ويدّعون أنهم من سلالةٍ تتّصل بآل البيت. ويمتلكون نحوَ 85 بالمئة من أراضي مدينة فيق، وزيتوناً في وادي مسعود على تخوم المدينة، ولهم فيها بيوتٌ تسمّى "بيوت الشرع"، طال أذى الفرنسيين سكّانَها نكايةً بآل الشرع الثائرين الذين ارتحلوا إلى الأردن عقبَ قتلِهم مديرَ ناحية المنطقة في عشرينيات القرن الماضي، وكلَّ القوى الجديدة التي جاءت لإدارة المنطقة تحت راية الفرنسيين. وقد كان آل الشرع من أصحاب الحلّ والعَقد في المنطقة حتى سُمّيت قرية جبين سابقاً "عاصمة القرار" لأهميّتهم فيها. 

بعدَ أيّامٍ قليلةٍ من سقوط نظام الأسد كان وليد جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي بمسمّاه الرسميّ وزعيمُ الطائفة الدرزية في لبنان بمسمّاه الأهمّ غير الرسميّ، من أوائل الشخصيّات التي التقاها أحمد الشرع في قصر الشعب بدمشق. تطرّق الشرع في لقائه إلى الحديث عن أسلافه، وتحديداً طالب الشرع وقاسم الشرع أصدقاء سلطان باشا الأطرش القائد العامّ للثورة السورية الكبرى سنة 1925 وأحد رؤوس الطائفة الدرزية. وتحدّث الشرع عن دورهما في مواجهة الفرنسيين وفي "ثورة الزويّة المنسية التي لم يعرفها التاريخ"، كما وصفها والده. انتهز الشرع الفرصةَ ليطرح تناصّاً تاريخياً بين الثورة المنسيّة على الفرنسيين والثورة السورية على نظام الأسد، مشيداً بدور أهل السويداء من الدروز الذين شاركوا بالثورة و"ساعدوا بتحرير منطقتهم وعملوا تحت إدارة العمليات العسكرية"، التي تزعّمها الشرع نفسه.

بسط حسين علي الشرع، والدُ أحمد، ذو التوجّه العروبيّ الناصريّ الحديثَ عن سيرته الذاتية في مؤلّفاته، ومنها نتعرّف على العوامل التي شكّلت أحمد الشرع نفسه في طفولته وصباه، إذ قضى أباه حياته كولده، جوّالاً بين مدنٍ عربيةٍ عدّةٍ يتلمّس طريقه ويحصد خبرةً غذَّت طموحه السياسي.

في كتابه "قراءة في القيامة الثورية" الصادر عن دار نقش للطباعة بإدلب – مقرّ نفوذ ولده وقت صدور الكتاب – سنة 2022، يتوقّف حسين الشرع عند انقلاب الثامن من آذار 1963 الذي أنهى أيّ نفوذٍ لمؤيّدي الوحدة بين سوريا والعراق ومصر، بعد انفصامِ عُراها قبل ذلك بعامين. عقب الانقلاب بشهرٍ، اندلعت بمسقط رأس حسين الشرع في فيق مظاهراتٌ طالَبَت بالوحدة مرّةً أُخرى، واحتجَّت على استئثار ضبّاط البعث بالسلطة. أجّج الطّلابُ ومنهم حسين الشرع هذا الحَراك، الذي جابهه الجيشُ يومئذٍ بالرصّاص. اعتُقل حسين ولمّا يبلغ تسعة عشر عاماً بعد احتجاجه على خطبة مدير المدرسة، وهرب لاحقاً من السجن وذهب إلى الأردن، حيث سُجن مرّةً أُخرى وخُيّر بين الذهابِ إلى السعودية أو العراق، فاختار العراق. هناك استقرَّ في بغداد وأكمل دراسة الثانوية فيها ثم التحق بالجامعة ودرس الاقتصاد والعلوم السياسية مع التخصّص في النفط، وتخرّج سنة 1969. وفي أثناء دراسته، مُنِيَ العربُ بالهزيمة التي راجت تسميتها بالنكسة في الخامس من يونيو سنةَ 1967، فرجع إلى الأردن وعمل مع الفدائيين الفلسطينيين زمناً قبل أن يعود لإنهاء دراسته.

في سنةِ 1971 عاد والدُ الجولاني إلى سوريا، وسُجن مرّةً ثالثة. آنذاك خرج من سجنه بتسويةٍ مع شعبة الأمن السياسيّ بالمخابرات، وعمل مدرّساً للغة الإنجليزية في درعا. كان والد الشرع أيضاً ذا طموحٍ سياسيٍّ، إذ ترشّح لمجلس النُوّاب لكنّه لم يفُز. وترشّح لعضوية مجلس محافظة القنيطرة ونجح سنة 1972. وعُرف عن حسين الشرع وَلَعُه في تأليف الكتب. فقد انبرى حينَها لتأليف عددٍ من الدراسات عن قطاع النفط في سوريا. فكتب عن النفط العربي كتابين، أوّلُهما "البترول العربي بين الإمبريالية والتنمية (الامتيازات التقليدية)" الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت سنة 1973، والثاني "البترول والمال العربي في معركة التحرير والتنمية" الصادر عن الدار ذاتها سنة 1974. وأهمّ ما كتب كانت أطروحته "تخطيط الصناعات البتروكيميائية في سوريا" سنةَ 1975. 

مكث والد أحمد الشرع في السعودية منذ سنة 1979 حتى سنة 1988 حيث وُلِد ابنُه أحمد سنة 1982. عمل حسين في وزارة النفط (وزارة الصناعة والثروة المعدنية) باحثاً اقتصادياً عشر سنوات تقريباً وأصبح مديراً للشؤون الاقتصادية ومستشاراً في الوزارة. آنذاك كتب ستّة كتبٍ عن النفط والاقتصاد السعوديّ نُشرت ما بين دمشق والرياض. وكان له عشرات المقالات السياسية والاقتصادية المنشورة في صحيفتَي الرياض والجزيرة.

وفي سنة 1989 عاد والدُ الشرع مع أسرته إلى دمشق، وعمل مستشاراً لرئاسة مجلس الوزراء، ومديراً للعمليات في مكتب تسويق النفط التابع لرئيس المجلس وقتئذ محمود الزعبي. واستناداً إلى بعض المقابلات التي أجراها الباحثان حمزة المصطفى وحسام جزماتي وضمّناها تقريراً صحفياً نشرته "ميدل إيست آي" في يونيو 2021، انتهى المطاف بحسين الشرع ضحيّةً للظلم الإداريّ بعد رفضِه توقيعَ تحويلاتٍ اقتصاديةٍ غير قانونيةٍ طلبها مسؤولون في النظام السوري.

في دمشق حطّت عائلة حسين الشرع رحالَها جوارَ مسجد الشافعي في حيّ المَزّة، أحد الأحياء الراقية في العاصمة بمنطقة الفيلّات الشرقية. هناك عمل أحمد الشرع أثناء مراهقته في متجرٍ افتتحه والده للبقالة في دمشق بعد إنهاء عمله الحكومي، كما يَذكر في مقابلةٍ مطوّلةٍ أَجرَتها معه مجلة فرونتلاين ونُشرت في فبراير 2021. على أن هذه البيئة المكانية الأوسع التي نشأ بها الشرع، في حيّ المَزّة "غير المحافظ" – كما يصفُه في المقابلة – لم تدفعه نحو التيار الإسلامي. دفعته الانتفاضة الفلسطينية الثانية وهو في التاسعة عشرة من العمر ليفكّر "كيف يحقق واجب الدفاع عن الأمّة المضطهدة من المحتلّين والغزاة"، إلى أن نصحه أحدهم بالذهاب إلى المسجد والصلاة هناك، حيث وجد "معنىً آخَر مختلفاً عن المعنى الدنيويّ" دفعه للبحث عن الحقيقة التي وجدها بالقرآن، إذ درس تفسيرَه على يد شيخٍ فاضلٍ، فضّل عدمَ ذِكر اسمِه. 

آنذاك كان حسين الشرع من الناشطين السياسيين المدنيين المطالِبين بالتغيير الديمقراطي. فقد كان حاضراً في المحاضرة الافتتاحية لمنتدى الحوار الوطني في الثالث عشر من سبتمبر سنة 2000، في أثناء ما يُسمّى "ربيع دمشق"، وهو اسمٌ أُطلق على الشهور الأولى لبشار الأسد في السلطة، لِما شهدت سوريا من انفتاحٍ سياسيٍّ وفكريٍّ واجتماعيٍّ امتدَّ نحو سنة. ثمَّ كان من وجهاء المجتمع المدني الذين وقّعوا على "إعلان دمشق" سنة 2005، وهو إعلانٌ يدعو إلى إنهاء ما يزيد على ثلاثة عقودٍ من حكم آل الأسد والانتقال إلى نظامٍ ديموقراطيّ. ومنذ سنة 2020 عاد حسين إلى التأليف بغزارةٍ مرّةً أُخرى. لم تتوقف كتاباته هذه المرّة عند الاقتصاد والنفط، بل امتدّت لموضوعاتٍ أُخرى اقتصاديةٍ وأدبيةٍ واجتماعيةٍ، صدر أغلبها عن دار نقش للطباعة والنشر، مثل كتابه "القيامة السورية (في كيفية إعادة إعمار سوريا)" المنشور سنة 2022، وكتابه "الأحزاب السياسية في البلاد العربية" المنشور سنة 2023، عدا كتاب "ثورة الزويّة السورية المنسية" المذكور آنفاً. 

على التباين الفكريّ بين الأب والابن، أَقَرَّ أحمد في مقابلةٍ صحفيةٍ مبكرةٍ مع الصحفي الأمريكي مارتن سميث سنة 2021 أن تأثير والده عليه كبيرٌ، شخصياً وفكرياً في آن. إذ يقول إنَّ "القومية العربية تدفع الإنسان ليقاتل لحقوق المضطهَدين، وذاتُ طبيعةٍ ثورية". وأشار في المقابلة ذاتها إلى دور جَدّه الثوريّ ضدّ الفرنسيين، وإن كان "تركيزهما على الأمم العربية، بينما نوسّع نحن، كحركةٍ إسلاميةٍ، تركيزنا على كلّ الأمّة المسلمة"، إذ تختلف الأفكار بينما تتلاقى التأثيرات، كما في "الرغبة بالدفاع عن فلسطين والفلسطينيين المزروع في بيتنا طيلة الوقت" حسب قوله.

في أوائل سنوات الألفية، توالَت أحداثُ الانتفاضة الثانية ثم هجمات الحادي عشر من سبتمبر وما أعقبها من "حرب أمريكية على الإرهاب" بلغت ذروتها بغزو العراق، لتضرب آلاف الشباب في صميمهم، فاختار بعضُهم التظاهراتِ الواسعةَ بينما بحث آخَرون عن مساراتٍ أخشن. كان أحمد الشرع من الشقّ الثاني، فتوجّه إلى بغداد قبل أسبوعين أو ثلاثةٍ من بدء حرب العراق، ثمّ ذهب إلى الرمادي، ومنها رجع إلى بغداد التي كان فيها حين اشتعلت الحرب. ثمّ عاد إلى سوريا زمناً قبل أن يرجع في رحلته الثانية الحاسمة بعد أعوامٍ قليلةٍ إلى الموصل ويقضي معظم وقته هناك، كما يفصّل شخصياً في مقابلته مع مارتن سميث لفرونتلاين.

وعدا تأكيده الشخصي في المقابلات الصحفية التي أجريت معه، تتضارب روايات الباحثين والكتّاب المتابعين لمرحلة العراق الغامضة، وأثرها في حياة الشرع. لكن تعاضد الروايات يخبرنا أنَّ رحلة الجولاني الثانية إلى العراق كانت صوب الموصل سنةَ 2005 تقريباً. ولم يُعرف كيف صار عضواً في "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" ولا الدور الذي لعبه الجولاني آنذاك في التنظيم، وما إذا كان التحاقُه بالقاعدة قد سبق على تلك الرحلة الثانية. لكن عند تلك النقطة صار الجولاني جزءاً من "مجلس شورى المجاهدين" المنبثق عن تنظيم القاعدة في العراق، والذي ضمّ غالبيّةَ فصائل المقاومة السُنّية حينَها. تقول محلّلة الاستخبارات المركزية الأمريكية ندى باكوس في الفيلم الوثائقي "الجهادي" الذي أخرجه مارتن سميث سنةَ 2021، إن الجولاني كان يترأس خليّةً فاعلةً هناك تحت إمرة أبو مصعب الزرقاوي، أمير تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الذي سينبثق عنه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، والذي حافظ الشرع على عضويّته به. ومع ذلك، ينفي الشرع تماماً في مقابلته مع سميث أنه قد التقى الزرقاوي لتَباعُد الأماكن بينهما، ناهيك عن "البروتوكول الأمنيّ المشدّد" الذي أحاط به الزرقاوي نفسه والذي حال دون إتمام اللقاء.

على أيّ حالٍ، ومهما كان دور أحمد الشرع حينها، فقد قبضت القوّات الأمريكية سنةَ 2005 تقريباً على شابٍّ يحمل هويةً عراقيةً ويتحدث بلهجةٍ عراقيةٍ أقنعت المحقّقين وعملاءهم المحلّيين بأنّه عراقيّ. يقول باحثون مختصّون بشؤون الجماعات الإسلامية، منهم تشارلز ليستر في كتابه "الجهادية السورية" المنشور سنة 2015، إنه كان يُعرف بِاسم أوس الموصلي، ويقول الباحث الأردني المختص في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية في تصريحٍ صحفيٍ نشره موقع درج في ديسمبر 2024 إنه عُرف باسم عدنان علي الحاج. ولكن في النهاية، لم يكن هذا الشخص سوى أحمد الشرع نفسه، مؤكِّداً أن قلّةً قليلةً فعلاً كانت تعرف أنه سوريٌّ عند اعتقاله أولاً في سجن أبو غريب، ثم معسكر بوكا، وهو معتقلٌ مخصّصٌ لسجناء الحرب العراقيين أنشأه البريطانيون سنةَ 2003 ثم سجن كروبر في مطار بغداد. بعد ذلك سلّمته القوّات الأمريكية إلى العراقيين الذين وضعوه في سجن التاجي حتى إطلاق سراحه بعد خمسة أعوامٍ من الترحّل بين السجون.

كان في سجن بوكا نحو عشرة آلاف معتقلٍ، منهم تسعةٌ من قادة القاعدة في العراق ومؤسّسي تنظيم الدولة لاحقاً. يقول أحمد الشرع في مقابلته مع فرونتلاين سنة 2021 إن دوره في السجن كان "إيصال الإيديولوجيا الصحيحة لمن حوله، فقد أدرك أن العديد حوله يحملون أفكاراً مغلوطةً حول الإسلام والدفاع والجهاد"، بلا صِدامٍ ولا خلافٍ وبمنهجيةٍ مختلفةٍ عن الآخَرين "الذين كان الكثير منهم ضبّاط شرطةٍ سابقين [يشير إلى الجذور البعثية العراقية لداعش] وحاول بعضهم جعل السجن إمارةً إسلاميةً حصل بها العديد من التجاوزات التي رفضتُها، ودفعت الكثيرين للانتقال إلى مهجعي من مهاجع أولئك القياديين"، كما يقول.

كان من بين هؤلاء قياديٌّ مهمٌّ تأثر بمواقف الجولاني في السجن. خرج قبله بأربعة شهورٍ وتولّى تنظيم "الولاية الشمالية للدولة الإسلامية في العراق"، أي نينوى غالباً وتشمل الموصلَ وما حولها، وتحدّث مع زعيم التنظيم حينها أبو بكر البغدادي عنه. لذا عند خروجه، كان البغدادي أوّلَ شخصٍ التقاه الشرع وأخبره عن نيّته العملَ في سوريا، إذ كان من القلّة القليلة التي تعلم أن الشرع من سوريا ولم يكن عراقياً. قبل توجّهه هناك، استفاد الجولاني من تجربة العراق والسجن، وبين عامَيْ 2010 و2011 كتب وثيقةً من خمسين صفحةً بعنوان "جبهة النصرة لأهل الشام من مجاهدي الشام في ساحات الجهاد"، سرد بها تاريخ سوريا وجغرافيّتها وتنوّعها الطائفيّ وكيفية وصول عائلة الأسد إلى السلطة والفروق بين العراق وسوريا من حيث الأحزاب والإخوان والطائفية وغيرها، والعمل على تجنّب الأخطاء التي حصلت في العراق. إلّا أن نسختها ضاعت في دمشق.

أرسل الجولاني تلك الوثيقة مع والي الشمال إلى أبي بكر البغدادي، وطلبَ لقاءه للحديث عن ضرورة الذهاب إلى سوريا. يقول الجولاني، في لقائه مع مارتن سميث، إنه فوجئ بتهلهل كفاءة البغدادي التحليلية في قراءة الموقف، وبشخصيّته الضعيفة، وببُعده عن المشهد. ويزعم الشرع أن البغدادي – عقب خروجه من بوكا – قضى أعواماً في سوريا بعيداً عن المشهد العراقيّ، قبل أن يرجع حين التَقَيَا، ولذا لم يكن حتى معروفاً بين قياديّي تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية. 

وافق البغدادي فوراً، ومن هناك طلب الجولاني مئةَ مقاتلٍ لكن لم يرافقه إلّا ستّة مقاتلين، وطلبَ دعماً مادّياً فأعطاه البغدادي نحو خمسين إلى ستين ألف دولارٍ شهرياً لما يقارب سبعة أشهر، أنفقها في شراء عشرات البنادق، لم يستخدم معظمها بعد أن دُفنَت وصَدأَت، في رحلة عودة الشرع من العراق إلى سوريا أواخر 2011. رحلةٌ سيتغيّر معها الجولاني والبغدادي ويتغيّر انتماؤهما، وستُغيّر معهما الشرقَ الأوسطَ بأكمله موصلةً الشرع، بعد ثلاثة عشر عاماً حافلةً بالأحداث، إلى القصر الجمهوري السوري.

يوم الثلاثاء 10 ديسمبر 2024 بعد سقوط نظام الأسد، ومحاطاً بعناصر الأمن العامّ ومشايخ المسجد وطلّابه، دخل أحمد الشرع مسجدَ الشافعيّ في المَزّة – الحيِّ الذي نشأ فيه – مبتسماً حبوراً تلاحقه كاميرات الشبّان المذهولة من هذا الشابّ السوريّ الذي يبدو مثل أيّ سوريٍّ عائدٍ إلى حيّه وبيته. غير أنّه عاد منتصراً بعد أن قاد معركةً حقّقت أضخم إنجازٍ حلم به السوريّون طيلة 54 عاماً من حُكم عائلة الأسد، وهو إسقاط هذه العائلة.

متربّعاً في حارته ومسجده بين جيرانه وشيوخه، شرح الجولانيّ أهمّية المعركة، معركة تحرير سوريا من الأسد بأدواتٍ محلّيةٍ وداخليةٍ من غير دعمٍ خارجيٍّ. معركة لَم تُعِدْه إلى بيته فحسب، وإنما حالت دون تفكيك العربِ السنّةِ في سوريا، كما أشار إليهم في تلميحٍ واضحٍ إلى طائفية النظام السابق.

ما بيْن خطابِ الجولاني الأوّل المسجّل صوتيّاً من غير وجهٍ أو اسمٍ صريحٍ، الصادر عن "مؤسسة المنارة البيضاء" في الرابع والعشرين من يناير سنة 2012، وبيْن جلستِه شاهراً اسمَ أحمد الشرع متربّعاً على الأرض في مسجد طفولته وبين جيران حارته في الحادي عشر من ديسمبر سنةَ 2024، مرّ الرجل الذي يتصدّر واجهة سوريا وأخبارها الآن بتحوّلاتٍ وصراعاتٍ كثيرةٍ لم تقتصر رحلته فيها على دوائر الحرب والانتقال بين تنظيماتٍ عدّةٍ فقط، ولكنها كانت رحلة تجريبٍ وتعلُّمٍ طويلٍ. من أميرٍ في الظلّ داخل تنظيمٍ سلفيٍّ جهاديٍّ في بلدٍ مجاورٍ، إلى قائدٍ سياسيٍّ في العلن لا يُخفي طموحَه برئاسة سوريا القادمة.

يمكن رصد رحلة صعود الجولاني بدءاً من نهاية 2011 حين تأسيس تنظيم "جبهة النصرة لأهل الشام"، بعد أن قدّم مشروع الجبهة إيّاه إلى زعيم "دولة العراق الإسلامية" أبي بكر البغدادي، الذي كما أسلفنا وافق على رعاية المشروع وتمويله، وإضفاء الشرعية عليه بين الجهاديين السلفيين.

في سوريا أسّس الجولانيّ تنظيمَه مبتدياً بدائرةٍ ضيّقةٍ من الستّة الذين أتوا معه من العراق، مضيفاً إليهم الرفاقَ الذين عرفهم سابقاً وآخَرين انتقاهم وبايَعوه في سوريا، وهؤلاء أسّسوا مجموعاتٍ حولهم في شمال سوريا وجنوبها وشرقها عبر دائرة الثقة والانتقاء نفسها. وفي الرابع والعشرين من يناير سنةَ 2012، أعلن الجولاني عن التنظيم في خطابٍ نموذجيٍّ في انتمائه إلى السلفية الجهادية العالمية، تلقّفته المنتديات الجهادية ووسائل الإعلام، وزَخَرَ بمفردات الجهاد والشريعة والكفّار. هاجم الجولاني في خطابه العلمانيةَ وما أسماه "مشاريع الدول" بشأن سوريا، وخصّ بالذكر دولاً بينها تركيا، وحذّر من الانخداع بها. وقتئذٍ لم يعرف أحدٌ أن صاحب الصوت هو أحمد حسين الشرع، ابنُ حيِّ المَزّة في دمشق. وكلّ ما عرفه الناس أنه يلقِّب نفسَه "الفاتح" و"الجولاني". ولعلّ الجولاني عرف وقتها أنه يريد فتح دمشق بالذات، وليس روما أو كابل شأنَ الأدبيّات الجهادية.

حينئذٍ اختار معظمُ ناشطي الثورة السورية وسياسيّيها تكذيبَ هذا البيان واتّخاذَه صنيعةَ مخابرات الأسد، لنفي وجود جهاديين أو إرهابيين في صفوف الثورة السورية. واستمرّ هذا النفي وسردية المؤامرة واتهام النظام بالمسؤولية عن عمليات الجبهة اللاحقة للبيان، وخاصّةً التفجيرات الانتحارية التي راح مدنيّون بين ضحاياها كما في تفجير ساحة سعد الله الجابري بحلب في الثالث من أكتوبر عام 2012، وعملياتٍ أخرى قُتل فيها مدنيّون كثرٌ وتبنّتها الجبهة رسمياً، إلى أن اقتنع الجميع بأن الجبهة حقيقةٌ قائمةٌ وذهبوا باتجاه نفي صفة الإرهاب عنها حين صنّفتها الولايات المتحدة على لوائح الإرهاب في الحادي عشر من ديسمبر 2012. وكان احتجاجهم مَرَدُّه إلى عدم تصنيف النظام في القائمة نفسها، أكثر ممّا هو حماسة للجبهة.

يرصد الباحث حمزة المصطفى في دراسته "جبهة النصرة لأهل الشام من التأسيس إلى الانقسام" الصادرة في نوفمبر 2013 عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تجنّب الجولانيّ في تلك المرحلة تقديمَ جبهة النُصرة مشروعاً للحكم في سوريا، مخالفاً في ذلك الحركات الجهادية الشبيهة التي ظهرت في العراق ومالي، مكتفياً بترويجها جبهةً معنيّةً بالدفاع عن "أهل الشام". استخدم الجولاني في ذلك خطاباً استقطب به آلافَ السلفيّين الجهاديّين العرب والسوريين الذين يبحثون عن خطابٍ وتنظيمٍ أكثر صلابةً، مقارنةً بالشكل الشعبيّ وغير المؤدلَج أو البعيد عن الصلابة التنظيمية الذي وَسَمَ مجموعات الجيش الحُرّ. ولكن حتى في هذه المرحلة كان الجولاني يشعر بأهمّية عدم استعداء المجتمع أو ترهيبه، فقلّصت الجبهةُ عمليّاتِها الانتحاريةَ، وأكّدت في بعض البيانات أنها تحرّت خلوّ المدنيين قبل تنفيذها. ولكن استمرّ اتهام الجبهة بالمسؤولية عن عملياتٍ مثل تفجير مسجد الإيمان في مارس 2013 الذي قُتل فيه الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، وهو من مشايخ سوريا المشهورين خارجها وصاحب المواقف العلنية المؤيدة لنظام بشار الأسد، إلا أن الجبهة نفت مسؤوليتها بسبب عدد المدنيين الكبير بين الضحايا.

كان الجولاني يرى نفسَه صاحبَ مشروعٍ كبيرٍ، وكان يتنقل داخل مناطق سيطرة النظام، ويعقد اجتماعاتٍ سرّيةً، مع قادة فصائل جهاديةٍ أخرى يسألُهم مبايَعتَه. وقتئذٍ كان نمط عمليات الجبهة أشبهَ بتدخلٍ جراحيٍّ مقصودٍ تجاه أهدافٍ محدّدةٍ، بينما كان النشاط العسكري في الثورة السورية في معظمه من عمل مجموعات الجيش الحرّ المحلّية، والتي يعود إليها الفضل بسيطرة الثوّار على مساحاتٍ واسعةٍ من سوريا في سنة 2012 وبدايات 2013.

كانت هذه المجموعات أكثر انتشاراً ومغامرةً، ولو كلّفها ذلك خسائرَ بشريّةً واستنزافاً عسكرياً طويلاً. وحتى في السنوات اللاحقة من تطوّر جبهة النصرة، ظَلَّ الجولاني مقتنعاً بعدم دخول حروب استنزافٍ أو تكليف نفسه بأعمال "الرباط"، أي حراسة جبهات التماسّ الطويلة التي تستلزم عدداً كبيراً من المقاتلين، أو الانتشار على مسافاتٍ واسعةٍ لحفظ حدود السيطرة، ونَدَرَ أن اختارت الجبهة البقاءَ في مناطق محاصَرة. ركّز الجولاني مذ ذاك على بناء قوّات نخبةٍ هجوميةٍ مضمونةِ الولاء والفاعلية قادرةٍ على التدخّل لتغيير واقع السيطرة على الأرض.

في أبريل 2013 دخل الجولاني في صراعه الأكبر حين قرّرت دولة العراق الإسلامية التوسّعَ استغلالاً لانهيار الدولة المركزية في سوريا وتمدّد النقمة الطائفية في العراق. علم البغدادي أن الجولاني أخذ مالَ العراق وبنى تنظيمَه وحدَه في الشام، فأعلن البغدادي دولته في العراق والشام وحَلَّ جبهة النصرة، ولكن الجولاني رفض ذلك وأعلن البيعة لتنظيم القاعدة الذي أقرّ الجولانيَّ أميراً لفرعه في الشام. غادَرَ حينها كثيرٌ من الجهاديين العرب والأجانب جبهةَ النصرة إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام التي عُرفت اختصاراً بِاسم "داعش"، بينما احتمى الجولاني بمظلّة تنظيم القاعدة في مواجهة تنظيم الدولة، وأصبح تابعاً رسمياً للظواهري بعدما كان محسوباً عليه بتأويل خطابه وسلوكه.

استفاد الجولاني من داعش في صورة التمويل والدعم الأوّلي من الزرقاوي، ثمّ انقلب عليها، وخسر مجموعاتٍ جهاديةً كثيرةً انفصلت عنه بعد أن استفاد منها أيضاً. ومن أبريل 2013 حتى يوليو 2014 تقريباً، اختار الجولانيُّ الكُمونَ وتعميقَ صِلاتِه بالفصائل السورية لتدعيم الولاءات محلّياً، مع تأكيد شرعيّته الجهادية المستمَدّة من تنظيم القاعدة والترويجَ لنفسِه بديلاً أكثرَ "اعتدالاً" في نظر الجهاديين الرافضين لداعش، مكثّفاً نشاطَه العسكريَّ ضدّ نظام الأسدِ فقط، دون طرح نفسِه مشروعَ حكمٍ أو منافسةٍ للفصائل الأخرى. أفرزت تحرّكاته حمايةَ تنظيمه في إدلب مستفيداً من تدخّل جبهة أحرار الشام لحمايته من تكرار انقضاض مقاتلي الدولة الإسلامية على مقارّ جبهة النصرة في الرقة وحلب، والتي آلَت إلى القضاء على وجود جبهة النصرة في المنطقتين، كما يرصد حمزة المصطفى في دراسته.

لاحقاً، التزم الجولاني الحيادَ حين قرّر الجيش الحُرُّ شَنَّ حربٍ واسعةٍ على تنظيم داعش في بداية 2014، واختار عدمَ التورّط في الحرب الدموية الطويلة في دير الزور التي خاضها فرع جبهة النصرة هناك بقيادة ميسر الجبوري (أبو مارية القحطاني) مع الفصائل الأخرى، من دون وصول مؤازراتٍ من الجولاني. وعلى عتابِ أتباع جبهته في الشرق لتخلّيه عنهم، كان الجولانيّ يدرك أنه لا يريد أن يستنزف تنظيمه ولو كلّفه ذلك موارد النفط التي كان يجنيها من المنطقة الشرقية.

بعد فترة الكُمون هذه واسترداد عافية الجبهة على مستوى المال والكوادر وإبعاد تهديد داعش، بدأ الجولاني بتقديم نفسه مشروعاً للحكم بثوبٍ جهاديٍّ سلفيٍّ. فانتشرت في 11 يوليو 2014 خطبةٌ نُسِبَت له، حملت تأكيد نيّة الجبهة إقامةَ "إمارة إسلامية" وتطبيقَ الشريعة الإسلامية عبر محاكم شرعية. عقب تسرّب الخطبة صدر بيانٌ عن الجبهة في اليوم التالي نفى إعلانَ إمارةٍ إسلاميةٍ، لكنّه أكّد السعيَ لإقامتها وإقامة محاكم شرعيةٍ. وبدأ الجولاني على الفور سلسلة معارك ضدّ فصائل الجيش الحُرّ وحتى الفصائل الإسلامية الأقرب فكرياً له، ومنها جبهة أحرار الشام التي انقلب عليها بعد أن سبق لها الدفاع عنه ودعمه في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في إدلب، وذلك في معرض "حملة ردع المفسدين" التي أعلنتها جبهة النصرة في 21 يوليو 2014، وبدأها الجولاني بمعركةٍ ضدّ "جبهة ثوار سوريا" مستهدفاً إنشاء مناطق خاضعةٍ لحكم جبهة النصرة، والخلاص من المنافسين بالتدريج.

بدأ الجولاني تموضعَه المحلّي في جبل الزاوية في ريف إدلب بالقضاء على جبهة ثوّار سوريا التابعة للجيش السوري الحُرّ بقيادة جمال معروف. وخلال عامَيْ 2014 و2016 قضى تباعاً على فصائل أخرى من الجيش الحُرّ في ريف حلب وإدلب وحماة، بينما خاضت فروع الجبهة في درعا والغوطة الشرقية وريف حمص حروباً أمنيّةً حافلةً بالصدامات والاعتقالات والاغتيالات. كثّف التنظيم نشاطه القضائيّ عبر دور القضاء الشرعي، ولكن مركز التنظيم الأهمّ بقي في الشمال السوري، حيث يقيم الجولاني نفسه.

بعد وضع نواة سلطته الأولى في إدلب، أراد الجولاني الانتقال خطوةً أخرى نحو المحلّية ومشروعه الخاصّ غير التابع لتنظيمٍ أكبر، واستغلّ غيابَ الظواهري الطويلَ وعدمَ رَدِّه على الرسائل في سنة 2016، فأعلن فكَّ الارتباط عن تنظيم القاعدة وتأسيسَ "جبهة فتح الشام" في الثامن والعشرين من يوليو 2016، وظهر أوّلَ مرّةٍ بصورته ووجهه في إعلانها بعد تخفّيه الطويل.

بالطبع لم يكن هذا التحوّل مُرضياً للظواهري الذي شعر بالغدر عند عودته للتواصل مع جنوده وأتباعه، كما قال في رسالته "فلنقاتلهم بنياناً مرصوصاً" المنشورة في نوفمبر 2017. أدّى هذا التحوّل إلى انفصال القسم الموالي لتنظيم القاعدة عن الجولاني وتأسيسهم تنظيم حرّاس الدين في الثامن والعشرين من فبراير 2018، والذي ضمّ الشرعيّ العامّ السابق سامي العريدي والقائد العام السابق قسام الأردني وقائد فرع النصرة في الجنوب أبو جليبيب الأردني، وغيرهم.

بعد هذا الإعلان بأشهرٍ وتحت قصف الطيران الروسي خسر الثوّارُ الأحياءَ الشرقيةَ من مدينة حلب في نهاية 2016. لم يلبث الجولاني أن قام بتحوّلٍ آخَر نحو تثبيت المحلّية والاعتدال، فأعلن تأسيس "هيئة تحرير الشام" في الثامن والعشرين من يناير 2017 التي كانت عند تأسيسها اندماجاً بين عدّة فصائل، منها "جبهة فتح الشام"، ولم يكن الجولاني قائدَها الرسميَّ، ولكن بقي تنظيمه الكيان الحقيقي فيها. وأدرك الجولاني أن التنظيم الصلب هو الأهمّ، وهو ما يمكنه الهيمنة على أيّ تحالفٍ أوسع، ولو لم يكن قائدَه الرسميّ.

لم تلبث أن تفكّكت الفصائل التي انضمّت إلى الهيئة تباعاً، وحارَبَها الجولاني حتى قضى على معظمها، بالتزامن مع الحملات الإيرانية الروسية التي تسبّبت حتى نهاية 2018 بخسارة الثوّار كلَّ جيوبِهم خارج الشمال السوري، وهو ما زاد من جاذبية إدلب وريف حلب مركزاً للحكم بالنسبة للجولاني.

خاضت الجبهة صراعاتٍ ضدّ فصائل الثوّار في كلّ هذه الجيوب سابقاً في إطار صراعات السيطرة. تسبّبت هذه الصراعات في زيادة الهشاشة الدفاعية التي عجّلت سقوطَ فصائل الثوّار غير الجهاديين المعارضين للأسد. فقد سبق الاقتتالُ الداخليُّ سقوطَ الحيِّ الشرقيِّ في حلب في ديسمبر 2016 وسقوطَ الغوطة الشرقية في مارس 2018 وسقوطَ ريف إدلب الجنوبي وريفَ حماة الشمالي في الحملة الروسية 2019 - 2020، حيث شاركت الجبهة (ثمّ الهيئة) في الهجوم على تجمّع ألوية "فاستقم كما أُمرْت" – وهو فصيلٌ في الجيش الحُرّ في مدينة حلب – وسهّلت دخولَ داعش إلى مخيّم اليرموك في أبريل 2015 ما قالت ورقةٌ صادرةٌ عن معهد كارنيغي في الشهر نفسه أنه تحرّكٌ أفاد نظامَ الأسد لمَيلِ تنظيم الدولة الإسلامية لتجنّب محاربته. لاحقاً قالت مصادر بالجبهة لصحيفة الشرق الأوسط في تقريرٍ نُشر في أبريل 2016 أن الانسحاب كان تدعيماً لجبهة الشمال، ثمّ سحبت جبهة الجولاني قوّتها الرئيسة من الجنوب في نهاية 2015 عندما رأت أن المعركة ضد "الجبهة الجنوبية" ستكون محسومةً لصالح الأخيرة.

كان الصراع الرئيس للجولاني مع المنافس العسكري والشرعي الأكبر في إدلب، حركة أحرار الشام، التي خاضت تحوّلاتٍ حرجةً وخجولةً ومتردّدةً لحسم تموضعها إما مع قوى الثورة والجيش الحرّ أو مع القوى الجهادية. وحين حسمت الحركة في يوليو 2017 قرارها ورفعت علم الثورة وأعلنت تحالفها مع فصائل الجيش الحرّ في مشروع إدارة المناطق المحرّرة، شعر الجولاني بتهديد مشروعه فهاجم الحركة التي انهارت أمامه، حتى سيطر على معبر باب الهوى في الثالث والعشرين من يوليو 2017، موطّداً بذلك بداية حكمه في إدلب حيث أسّس بعدها حكومة الإنقاذ في الثاني من نوفمبر 2017.

استمرّت الصراعات بين الجولاني والفصائل الأخرى طويلاً خلال الأعوام ما بين 2017 و2019، وأعادت الفصائلُ مرّةً بعد مرّةٍ تشكيلَ نفسها في تحالفاتٍ جديدةٍ وخوض صراعات ضدّ الجولاني الذي عَدَّتْ مشروعَه غيرَ ثوريٍّ، بل معادياً للثورة وعَلَمِها وأهدافها. كما ظهر في بياناتٍ عديدةٍ للمجلس الإسلامي السوري وناشطين ثوريين، وفي هتافات المظاهرات ضدّ هيئة تحرير الشام في ريفي حلب وإدلب منذ عام 2017 حتى ما قبل معركة ردع العدوان في 27 نوفمبر 2024، وبادَرَ هو في أحيانٍ كثيرةٍ لهذه الصدامات لحسم سيطرته واستئصال المنافسين واغتنام أسلحتهم.

سنةَ 2018 خاضت "هيئة تحرير الشام" معاركها الأخيرة مع بقية الفصائل. أوّلاً مع "جبهة تحرير سوريا" التي جمعت حركة أحرار الشام وحركة نور الدين الزنكي، ثمّ معركتها الأخيرة ضد "الجبهة الوطنية للتحرير" التي جمعت الفصائل الثورية في إدلب. ودارت رحى المعارك شهوراً بين الهيئة وحركة الزنكي في ريف حلب الغربي، فكانت أكثرَ المعارك حصداً للأرواح من الجانبين. وتمكّن الجولاني عند حسم هذه المعركة في يناير 2019 من بسط سيطرته على إدلب، وتأكيد مرجعية حكومته "حكومة الإنقاذ" في حكم هذه المناطق.

إلّا أن حكم الجولاني لم يستقرّ طويلاً قبل أن تبدأ الحملة الروسية الإيرانية على إدلب وأرياف حلب وحماة، والتي خسرت فيها الفصائل نحو نصف مساحة سيطرتها، حتى جرى تثبيت خطوط وقف إطلاق النار باتفاق سوتشي بين الرئيسين أردوغان وبوتين في مارس 2020.

عقب اتفاق سوتشي، بدأ وعي أحمد الشرع بفكرة بناء الدولة، متّخذاً من إدلب نموذجاً مصغّراً أو معمل اختبارٍ لتطوير مهارات الحكم لديه. هذا التحوّل الذي يمكن أن نسميه "الطَوْر الحَوْكَمِيّ" تشبه فيه هيئةُ تحرير الشام بقيادة الجولاني منظمةَ التحرير الفلسطينية في سعيها إلى إقامة الدولة الفلسطينية، كما شرحه يزيد صايغ في كتابه "الكفاح المسلّح والبحث عن الدولة" المنشورِ سنة 1997. تصرّفت الهيئة حينها بمنطق بناء دولةٍ مصغّرةٍ في إدلب، ونموذجٍ لحكم الدولة في سوريا. وكما يقول صايغ فإن "السعي إلى الدولة يحدد عملية صوغ الأهداف ووضع الاستراتيجيات واختيار البنى التنظيمية وكيفية إدارة السياسة الداخلية في أثناء القسم الأعظم من النضال الذي يسبق إقامة الدولة. بدأت منظمة التحرير الفلسطينية بتقديم نفسها مؤسسةً 'دولانية' قبل أن تحوز على أرض". لكن كان للهيئة أرضٌ وقوّاتٌ مسلّحةٌ فعلاً، وبدا أن الشرع عَدَّ إدلب مرحلةَ تجريبٍ للانتقال من التنظيم إلى الدولة.

في هذا التحوّل الحَوْكَمِيّ والهدنة النسبية في إدلب، خرج الجولاني بين الناس وأصبح يظهر أكثر في الأسواق والاجتماعات مع الوجهاء المحلّيين والناشطين. كان الغطاء الشرعيّ للحكومة هو اختيارها من "المؤتمر السوري العام لتشكيل إدارة مدنية في المناطق المحررة"، الذي عُقد في سبتمبر 2017 بعد شهرين من هزيمة حركة أحرار الشام، وشارك فيه ناشطون وأكاديميون ووجهاء. اختار المؤتمر لجنة تأسيسية سمّت محمد الشيخ أول رئيس لحكومة الإنقاذ في نوفمبر 2017، مع أن نفوذ الجولاني بَقِيَ المتحكِّم بالحكومة.

كان ثمّة تحوّلٌ اجتماعيٌّ قاده أحمد الشرع لتدعيم صورة الهيئة وصورته. فقد أسّس شبكات علاقاتٍ بين الهيئة والمجتمع المحلّي، وترك الباب مفتوحاً لتأثير المجتمع المحلّي في تعديل سلوك الهيئة وخطابها نحو حالةٍ أكثر اعتدالاً ومحلّية. في هذه المرحلة ظهر طموحه السياسي والسعي إلى الاعتراف والشرعية الخارجية، ومحاولة توحيد الصفّ الداخليّ. فكان إقصاء الأجنحة الأكثر تشدّداً عمليةً مستمرّةً، مع تخفيف مظاهر "الحسبة" والرقابة على المجتمع دون إلغائها. وما عدا قمع مظاهرات حزب التحرير وأنصار تنظيم حرّاس الدين خلال الفترة ما بين 2020 و2024، فإنّ الهيئة تعاملت بنعومةٍ نسبيةٍ مع المظاهرات الشعبية التي سبقت معركةَ "ردع العدوان" التي قضت خلال أيّامٍ على حكم الأسد، وإن تخلّلت الفترةَ نفسَها حالاتُ قمعٍ أيضاً. وبلا شكٍّ فإن إغراء الاعتدال والاعتراف المحلّي والخارجيّ كان أكثر تأثيراً في تحوّل الجولاني إلى القائد أحمد الشرع، وهو ما لم يكن ليتحقق لو ظلّ خاضعاً لإغراء الشرعية السلفية الجهادية.

كثيراً ما واجَهَت تحوّلاتُ الخطاب لدى جبهة النصرة ثم جبهة فتح الشام ثم هيئة تحرير الشام حالةً من الهجوم السلفيّ الجهاديّ. مع قدرةٍ عاليةٍ على تماسك الصفّ الداخليّ، سَبَقَ الجولانيُّ أيَّ تحوّلٍ في سياسة تنظيمه ببناء التحوّل الخطابيّ لدى القواعد، ثم التحوّل الخطابيّ المعلَن، ثم التحول على مستوى السلوك والممارسة. وقد سمح هذا بإمكانية الضبط العالية للعناصر في كلّ مرحلةٍ، والذي ظهر جليّاً في مرحلة التحوّل نحو الحكم الوطني بعد سقوط النظام والتعامل مع تنوّع المجتمع السوريّ في المناطق الجديدة.

على مستوى إدارة الأزمات والصراعات، يمكن من تتبّع أسلوب الجولاني في قتال الفصائل وتفكيكها، ثمّ التعامل مع المظاهرات الشعبية ضدّه، معرفة الكثير عن استراتيجية إدارة الصراعات التي طوّرها لاحقاً في معركته الأخيرة الكبرى ضدّ النظام.

لم يكن الجولاني دمويّاً ضدّ خصومه عادةً، وكان يفضّل دائماً حسم معاركه بتفاهماتٍ مع أطرافٍ وتحييد أطرافٍ أخرى، واستعمال التهديد بالقوّة أكثر من القوّة نفسها، إلا حين يشعر بتهديد سيطرته. كما فعل مع حركة الزنكي في ريف حلب الغربي، أو صقور الشام في جبل الزاوية، أو ضدّ المتظاهرين في مدينة معرّة النعمان. واستعمل الجولاني أسلوباً مشابهاً في معركة ردع العدوان التي بدأت في 27 نوفمبر 2024 وانتهت بسقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر، باستعمال القوّة المركَّز، وكسر صفوف النظام الأُولى والتسبّب بحالة صدمةٍ وشعورٍ بالعجز، ما أتاح سلسلةً من الصفقات والتحييد والتفاهمات التي أطاحت بالنظام بأقلّ قدرٍ من الدماء.

كذلك تمكّن الجولاني من إجراء تحوّلاتٍ كبيرةٍ، وببراغماتيةٍ عاليةٍ، دون خسارة صفّه الداخلي أو القسم الأكبر منه على الأقلّ. حتّى وإن حصلت انشقاقاتٌ كثيرةٌ إزاءه، كان أبرزها انشقاق النواة الصلبة لمؤيّدي تنظيم القاعدة الأجانب وتشكيلهم تنظيم حرّاس الدين، إلّا أنه تمكّن من حسمها دائماً. ومع ذلك فهذه البراغماتية واعتدال الخطاب السياسيّ الموجّه للآخَر الأبعد، تقابله نزعة الحسم ضدّ الأطراف الأقرب، والتي تُخشى منافستُها على الشرعية والكوادر.

وفي مرحلة التحوّل نحو الخطاب الثوريّ الوطنيّ يواجه الشرع اختبارَ السيطرة على نزوعِه نحو إقصاء الأطراف التي تتبنّى الخطابَ نفسَه الذي يتبنّاه في هذه المرحلة، وهي الآن الفصائل والمجموعات الثورية المدنية أو العسكرية الأُخرى التي تحاول منافستَه على الشرعية الثورية التي تبنّتها قَبْلَه وضِدَّه سابقاً، وإن كان الشرع يمتلك رصيداً لا يمكن إغفاله بقيادته معركة "ردع العدوان" التي قصمت ظهرَ نظام الأسد.


المصدر:  مجلّة الفِراتْس

اقرأ المزيد
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"

طيلة ثلاثة عشر عاماً ونيف، نعمل كنشطاء من أبناء الحراك الثوري السوري، على نقل صوت السوريين وصرخاتهم في مواجهة آلة القتل الأسدية، لم تمنعنا ضعف الخبرات أو الاستهداف الممنهج للنظام والملاحقات الأمنية من إغلاق عدسات كمراتنا أو كسر أقلامنا التي تحررت من قيود النظام البائد بعد عقود من كم الأفواه ومصادر الرأي، فكانت ثورة السوريين، بداية بزوغ فجر حرية القلم والعدسة التي فضحت جرائم النظام وواجهت تضليله.


سنوات طويلة، استطاع فيها (الناشط الإعلامي) تقديم ضروب في التضحية والفداء، فقدم المئات من النشطاء أرواحهم رخيصة لنقل الصورة الحقيقية، منهم قضوا في معتقلات النظام، وآخرون في القصف وخلال تغطياتهم الميدانية، ومنهم بعمليات الاغتيال، تاركين خلفهم حملاً ثقيلاً على زملائهم لمواصلة الكفاح والتغطية، ومواجهة تضليل إعلام النظام الذي لم يدخر جهداً في تكريس الإعلام لشيطنة الثورة ومحاربتها وتشويه صورتها.


في الطرف المقابل، إعلاميون وصحفيون للنظام، لمعوا في "تشبيحهم" والرقص على جثث الضحايا، فكلما زاد التشبيح والدعوة للقتل وسفك الدم والتحريض والرقص على جثث الموتى، كلما ارتقى وظهر ولمع وبات من المقربين لضباط النظام وأزلامه، الذين منحوهم امتيازات كبيرة في مواقعهم وحياتهم، فبرز من هؤلاء كثر يصعب المقام لذكر أسمائهم، ارتبطت أسمائهم وصورهم بمشاهد الموت والدعس على الجثث، ودعوات القتل والتجييش لقتل السوريين.


واليوم، وبعد ثلاثة عشر عاماً ونيف، ومع انتصار ثورة السوريين، وفرار رأس النظام وأزلامه، تاركين خلفهم من كان لوقت قريب "يُشبح ويُحرض على القتل"، بدأت مرحلة الهروب للأمام، محاولين إظهار كرههم للنظام وإجبارهم على مساندته في مصطلح بات يعرف محلياً بـ "التكويع"، رغم أن الكثير من هؤلاء له تاريخ دموي طويل بأدلة مثبتة ودامغة عليهم روجوها بأنفسهم عبر حساباتهم ومواقع التواصل التي تداولت وتفاخرت طويلاً بدعسهم على جثث شهدائنا، يحاول هؤلاء أن يكون لهم دور في سوريا الجديدة، دون محاكمة، بل يتعالون وينافسون لإثبات دورهم على حساب أبناء الثورة الإعلاميين الذين ضحوا بالغالي والنفيس للوصول لهذا النصر.


يخرج إلينا البعض اليوم، ويُهاجم فكرة (الناشط الإعلامي) فهو بنظرهم لايملك شهادة صحفية، أو ثقافة وافية ليكون في صدارة الإعلام السوري، يتفاخر هؤلاء وجلهم من شبيحة النظام والمتسلقين بشهاداتهم التي نالوها في عهد النظام البائد، في محاولة لجني مكتسبات الثورة، وتصدر المشهد الإعلامي بحكم خبراتهم التي درسوها في مناهج النظام، مقللين من دور (الناشط) ومتفاخرين عليه بنظرة استعلائية بشهادات ورقية تؤهلهم للوظائف وتملك إعلام سوريا الجديدة.

 

(الناشط الإعلامي الثوري) ولادة بعد سنين من كم الأفواه والتضييق


عانت سوريا لعقود طويلة من التضييق الإعلامي وكم أفواه الكتاب وملاحقة الأقلام الحرة المنتقدة لسياسات نظام الأسد الحاكم "الأب والأبن" وزجهم في المعتقلات، إلا من نجا منهم واستطاع الخروج من سوريا لاجئاً في دول العالم.

واعتمد النظام طيلة العقود الماضية على الصوت الواحد عبر قنوات رئيسية وصحف ومجلات تتبع لأجهزة المخابرات مباشرة، وتنفذ تعليماتها، علاوة عن تضييق خدمات الإنترنت لمستويات كبيرة، ومراقبة أجهزة الاتصال والخوادم وملاحقة أي تحركات تعتبرها ضدها.


عام 2011 كان تحولاً كبيراً لعقود طويلة من الاحتكار الإعلامي والشاشة والصوت الواحد، مع انطلاق شرارة الاحتجاجات الشعبية للحراك الشعبي السوري المناهضة لنظام الحكم، فكان لابد من صوت ينقل صحيات الثائرين على النظام القمعي، ولعدم امتلاك الجرأة لدى جل العاملين في الحقل الإعلامي إلا من هو خارج الحدود، برزت فكرة (الناشط الإعلامي)، الذي أوجدته طبيعة المرحلة والحراك، ليحمل المسؤولية الأكبر في نقل صورة الاحتجاجات والانتهاكات بحقها للعالم، ويوصل صوت الثائرين.

كانت البدايات عبر تقنيات بسيطة، تعتمد على تصوير الموبايلات الحديثة، خلسة بعيداً عن أعين أجهزة الأمن وملاحقاتهم، واستطاع حاملي هذه المهمة من الثوار المتظاهرين، نقل جانب ولو يسيير من صورة الاحتجاجات، سرعان ماتعممت فكرة (الناشط) وغدت سمة عامة في جميع المناطق الثائرة، وبات (الناشط الإعلامي) الهدف الأول لأجهزة المخابرات، كونه استطاع بخبرات محدودة وتقنيات بسيطة، نقل الصورة، وتسليط الضوء على حراك الشعب السوري، فواجه الملاحقة الأمنية واعتقل العشرات بل المئات منهم، وبات "الناشط" أمام تحدي كبير في الاستمرار في نقل الصورة أو العيش ملاحقاً مطلوباً من أجهزة المخابرات والنظام وأعين العملاء والوشاة.

مع اتساع رقعة الحراك الشعبي في عموم المناطق السورية، بدأ التوجه من قبل أبناء سوريا من المغتربين عبر مبادرات شخصية وتجمعات كجمعيات أو هيئات تم تشكيلها في دول الاغتراب، لمساعدة الثوار السوريين في الجانب الإعلامي، فبدأت تدخل أجهزة الاتصال الحديثة كـ " استرا وثريا وإنمارسات" والتي كان يتم رصدها من قبل اجهزة المراقبة التابعة للنظام.


ولاحقاً بدأت تدخل أجهزة الأنترنت الفضائي أواخر عام 2011 وبدايات عام 2012، والتي يتم من خلالها الدخول لعالم الإنترنت ورفع الفيديوهات وإجراء الاتصالات دون تمكن النظام من التأثير عليها أو حتى مراقبتها منها "إسترا - أي دايركت - تووي"، وكانت هذه الأجهزة أحد أبرز دعائم استمرار التغطية والتي وصلت لجميع المناطق الثائرة بشكل كبير، وكان يتم تعبئة رصيدها من الخارج عبر أكواد مأجورة لشركات تشرف على هذه الأجهزة.

ورغم اتساع دائرة الحراك الشعبي، إلا أن أصحاب الخبرة من الإعلاميين بقي دورهم محدود وفي الظل، خوفاً من الاعتقال والملاحقة، شكل هذا تحدي جديد أمام (الناشط الإعلامي) الذي لايملك أي خبرة إعلامية، ليكون الناطق باسم الثوار، علاوة عن عدم قدرة الوكالات العالمية إرسال مراسليها للمناطق السورية، فكان صوت الحراك هو الناشط، وبدأ يخرج يومياً النشطاء عبر أثير الوكالات الإعلامية العربية والعالمية يومياً وبالصوت والصورة ومن جميع المناطق، ينقلون ببث حي ومباشر صوت الجماهير الشعبية، ويصورون الانتهاكات وعمليات القصف والقتل والاعتقال والتضييق على المدنيين، والتي أحرجت النظام دولياً وعرته أمام المجتمع الدولي بعد عجزه عن إخفاء هذه الصورة.

اتسع دور (الناشط الإعلامي) وبات هو صلة الوصل بين الداخل والخارج، فكان إضافة لنقله الصورة والواقع والمظاهرات، مسجلاً لانتهاكات النظام، يسجل بعدسته بخبرته المتواضعة كل مقطع بالتاريخ واليوم ويشرح فيه تفاصيل الحدث، والتي كانت وثائق كبيرة استندت إليها الجهات الحقوقية العالمية منها، لرصد انتهاكات النظام.


كما لعب النشطاء دوراً إنسانياً كبيراً، إذ بات الناشط صلة الوصل بين المناطق الثائرة، والمنظم لحملات الإغاثة من منطقة لأخرى، كذلك ايصال اي مبالغ مالية أو مساعدات تصل من المغتربين للمدنيين، هذا إضافة لتحول الناشط لمراسل حربي، بات يصور المعارك بين فصائل الثورة والنظام، وينقل بالصوت والصورة وقائع المعارك اليومية والقصف ويعرض نفسه وحياته للخطر لنقل أشد المعارك والحملات العسكرية.

وبرزت المئات من الوجوه الإعلامية لنشطاء الحراك الشعبي، ومنهم من وصل للعالمية، وشاع اسم (الناشط الإعلامي) بشكل كبير، قبل أن تبدأ كثير من الجهات إرسال صحفييها لمناطق يمكن التحرك فيها عبر الحدود، ولكن هذا لم يؤثر على عمل الناشط الإعلامي المحلي وبقي هو مصدر الأخبار الأول، لاسيما بعد تعرض الكثير من الصحفيين الأجانب للاستهداف من قبل النظام، وكذلك للخطف في أعوام 2013 و 2014 على أيدي الأطراف العسكرية المسيطرة لاسيما الأجانب، لمبادلتهم على مبالغ مالية كبيرة، وسجل اختطاف العشرات منهم، الأمر الذي حد من حركتهم وتراجع الكثير من الجهات عن إرسال مراسلين لهم، أثر سلباً على وصول صوت الثورة للوكالات والشعوب الغربية، ليبقى دور (الناشط الإعلامي السوري) هو الرائج، لتبدأ جل المؤسسات المهتمة بالشأن السوري بالاعتماد على هؤلاء النشطاء كمراسلين لها بشكل رسمي.

مابعد عام 2015 ومع اتساع المناطق المحررة، شهدت المرحلة طفرة كبيرة في العاملين في المجال الإعلامي، بعد أن تحول العمل هذا لدى الكثيرين، لمهنة أكثر من كونها قضية لنقل صوت الناس، فكان التوجه بشكل كبير لدى فئة ليست بقليلة للخضوع لدورات تدريبية لأقل من شهر، للتعلم على أساسيات استخدام الكمرة ووسائل التواصل، وامتهان العمل بالمجال الإعلامي، وهذا كان له تبعيات سلبية كبيرة على التغطية الإعلامية الثورة وصورة الناشط الإعلامي التي بدأت تتشوه لحد ما.

ولعل أبرز الصعوبات التي واجهت الناشط الإعلامي في سوريا، تمثلت في الملاحقة الأمنية للناشط من النظام ولاحقاً كل الأطراف، وعدم القدرة تأمين معدات العمل للتغطية الإعلامية في بدايات الحراك الشعبي، إضافة لصعوبة تأمين التواصل مع المؤسسات الإعلامية العربية والدولية لإيصال الصورة.

منها أيضاَ صعوبة التنقل بين المناطق بسبب حواجز النظام وبالتالي عدم القدرة على التغطية في مناطق ثائرة وكذلك عدم القدرة على إيصال التغطيات لوسائل الإعلام بسبب عدم توفر الانترنت والحاجة للتنقل لمناطق معينة لرفع التغطيات.

لاننسى نظرة المجتمع في بدايات الحراك الشعبي للناشط واعتباره مصدر البلاء وسبب القصف في حال صور في أي منطقة وعرضها على مواقع التواصل والقنوات الإعلامية، كانت من التحديات ولاحقاً خلال السنوات الماضية النظرة المادية للناشط واعتبار أن عمله في نقل صورة الواقع والتغطية الإنسانية والميدانية هدفها جني المال "الدولار" وفق تعبير الأهالي، وبالتالي بات الناشط مقيد بنظرة المجتمع وأمام تحدي كبير في تغيير نظرة الأهالي له للوثوق به في نقل الصورة الحقيقية.

أيضاَ ضعف الخبرات في المجال الإعلامي واقتصار العمل في البدايات على نشطاء متطوعين لايملكون أدنى خبرة صحفية أو تقنية لاستخدام معدات العمل، وعدم استقلالية الناشط وتحكم سياسات الجهات الإعلامية بترويج مواده واضطراره للعمل كمراسل أو كفري لانس ربما مع جهة لا يتوافق مع سياستها في كثير من المواقع

كذلك من الصعوبات عدم وجود أي كيان إعلامي جامع يجمع نشطاء الحراك الثوري ويحدد أطر عملهم ويدافع عنهم في وجه أي انتهاك أو عمليات استغلال، مع الولاء للسلطة القائمة في المنطقة التي يتواجد فيها الناشط، إذ بات العمل مستقلاً أمراً صعباً ويتطلب أن تكون على ارتباط بجهة ما أو تتمتع بعلاقة جيدة لتستطيع تسيير أمورك وعملك وإلا فأنت معرض لكثير من المشاكل.

تغير الأطراف المسيطرة على الأرض، واضطرار الكثير من النشطاء لترك مناطق نشأتهم وعملهم لمناطق أخرى خوفاً من الملاحقة والاعتقال من قبل الفصائل المسيطرة على منطقته حديثاً لتوجه ما أو أي أسباب أخرى

وتحكم وسائل الإعلام المحدثة سواء كانت سورية أو أجنبية، واضطرار الناشط للعمل في ظروف صعبة وضغط عمل كبير لقاء الحفاظ على عمله وتحمل سياسيات غير موائمة لمواقفه وتوجهاته وربما انتقاد زملائه له لعمله مع الجهة الفلانية لمواقف من سياستها.

ومنها أيضاَ استغلال تعب النشطاء وعملهم من قبل وسائل الإعلام، وعدم وجود عقود وضمانات وتعويضات لهم في حال تركهم العمل او أي خلاف مع إدارة المؤسسة، بالتالي ضياع حقوقيهم وتعبهم ربما لسنوات.

وليس أخيراً، تسييس الدعم للمؤسسات الإعلامية المحلية الناشئة سواء القديمة أو الحديثة، وارتباطه بأحزاب وتيارات ودول وتوجهات وحتى كيانات عسكرية، جعل من الإعلام المستقل ضحية لهذه السياسات وسبب انقطاع للدعم وأجبر الكثير من المؤسسات لاسيما الأولى في نقل الحراك الشعبي على العمل التطوعي لسنوات أثر على نتاجها واستمراريتها بذات الوتيرة، في وقت صعدت مؤسسات إعلامية ناشئة بفضل الدعم واستقطبت نشطاء جدد ليس لهم أي خلفية ثورية أو ناشئين جدد غير واعين لأهمية الحراك الثوري وأولوياته.

وألقى التهجير من مناطق لأخرى، بثقله على الناشط الإعلامي، كونه بدأ حياة جديدة في منطقة جديدة قد يجد صعوبة في التأقلم مع الحياة فيها وتأمين منزل ومايخلفه التهجير من فقدان العمل مع الجهة التي يعمل بها، كون جل الوكالات الإعلامية لها مراسلين في المنطقة التي هجر إليها الناشط وبالتالي التخلي عنه.

وأخيراً، الحصار في المناطق التي واجهت حملات عسكرية وحصار لأشهر وسنوات كالغوطة الشرقية وريف دمشق الجنوبي والغربي ومناطق أخرى بريف حمص، وماخلفه من تبعيات نفسية ومالية وتحديات أمام الناشط لمواصلة العمل في وقت كان لديه عائلة من زوجة وأولاد أو أهل يبحث لهم عن قوت يومهم، وصعوبة تأمين مستلزمات العمل.

واليوم، بات لزاماً على إعلام الثورة، أن يثبت حضوره الفاعل في المرحلة الجديدة من عمر سوريا، وأن ينظم نفسه ويعزز خبراته، ولاينسى فضح وتجريد هؤلاء الشركاء في دماء السوريين، والدفع لاقتيادهم للمحاكم لمحاسبتهم وفق القانون، فلم يكونوا يوماً دعاة سلام أو مغصوبين على التغطية، بل كانوا يتفاخرون بتشبيحهم ودعواتهم للتحريض والرقص والدعس على جثث الضحايا الأبرياء.


فالثورة لم تنته بسقوط الطاغية، بل بدأت منذ لحظة فراره وإنهاء حكمه الاستبدادي، ليسود القانون على الجميع، وبدأ الحراك الحقيقي لحفظ مكتسبات الثورة ومنع تسلق المتسلقين أي كانوا، وبات دور الإعلام الثوري أساسي ولكن يحتاج لتأطير وتنظيم ليكون صوتا حقيقياً ومؤثراً وفاعلاً سواء لدى أصحاب القرار أو المتسلقين، ولامشكلة مع من لم تتلطخ عدساتهم وأقلامهم بالدماء، ويريدون المشاركة في بناء الوطن.

كتبه: Ahmed Elreslan  (أحمد نور)

 

اقرأ المزيد
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد

تُعَدّ الشرعية مفهوماً أساسياً في علوم السياسة والقانون، إذ تعكس مدى قبول الشعب أو المجتمع لنظام الحُكم أو القرارات التي تصدر عنه. وبينما تُعتبَر الشرعية الدستورية ركيزة أساسية للنُظُم الديمقراطية المستقرة، تظهر الشرعية الثورية في لحظات التحوّل الجذري، عندما يتجاوز الشعب الأنظمة القائمة استجابةً لمطالب التغيير العميق. وفي مرحلة التحول السياسي التاريخي في سوريا، يبرز مفهوم الشرعية كعنصر أساسي لتعريف وتقييم النُظُم السياسية الناشئة وتحقيق الاستقرار. ويكتسب النقاش حول الشرعية الثورية والشرعية الدستورية أهمية كبرى، خصوصاً في سياق ما بعد سقوط نظام بشار الأسد.

بعد سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ظهرت إدارة العمليات العسكرية كقوة مركزية تولّت مسؤولية الحكم، مستندة إلى دورها الحاسم في إنهاء حكم بشار الأسد بعد سنوات طويلة من النضال الشعبي منذ انطلاق الثورة في العام 2011. ورغم نجاحها في فرض السيطرة على معظم الأراضي السورية، وتشكيل حكومة مؤقتة لتصريف الأعمال، فإن شرعية هذه الإدارة في قيادة المرحلة الانتقالية تبقى مَحلَّ جدل بين مختلف الفاعلين في الثورة السورية، وذلك في ظل الطابع الديناميكي والتحولي للوضع السوري في هذه المرحلة، وفي ظلّ السياق المعقد والمتغير الذي يثير مخاوف بشأن احتمالية تَفرُّدها بالسلطة. ذلك إلى جانب أن نهجها البراغماتي المُتقلّب يطرح تساؤلات بشأن مدى قدرتها على، أو رغبتها في، تحقيق انتقال سياسي يضمن المشاركة السياسية التعددية.

الشرعية الثورية؛ طبيعتها وحدودها
تُبنى الثورات في جوهرها على تجاوز القوانين القائمة وتعطيل الهياكل الدستورية التي تسندُ الأنظمة المستبدة، فليس هناك ثورة في التاريخ تُطيع القانون. ومن صُلب هذه الحقيقة يأتي مفهوم الشرعية الثورية، التي من خلالها يكتسب الشعب الحق في مقاومة السلطة المستبدة، والتي تستمد شرعيتها بالتالي من نفسها وليس من القانون. في هذا السياق ينشأ مفهوم الشرعية الثورية؛ من القوة الاجتماعية أو الشعبية والسياسية التي تدفع باتجاه تغيير جذري في النظام القائم، الذي يرى الشعبُ فيه نظاماً فاقداً للشرعية الأخلاقية أو السياسية. وتقوم الشرعية الثورية على أُسس ترتكز إلى الإرادة الشعبية، وإلى التغيير الجذري عبر إحداث قطيعة مع الماضي، على نحو ما تعكسه فلسفة هيغل في إفناء القديم بتحويله -على نحو جذري- إلى ضده. وتحملُ الشرعية الثورية مفهوما تكيفياً يعتبر الثورة وسيلة مشروعة لتحقيق الغايات السياسية والاجتماعية، وتُبرِّر تحطيم قانون الدولة في حالة الظلم والقمع، على أن تكون الثورة وفق الشرعية الثورية داعمة للعدالة وضمان الحقوق، وإحداث تغيير فعّال ودائم في النظام السياسي. 

وفي الحالة السورية، شكّلَ الشعبُ الشرعية الثورية من خلال الثورة الشعبية التي بدأت عام 2011 ضد نظام بشار الأسد، لكن هذه الشرعية تبقى مؤقتة، إذ تنتهي بمجرد تحقيق أهداف الثورة الأساسية، المتمثلة في إسقاط النظام القديم وإلغاء إطاره الدستوري، ووضع الأسس اللازمة لبناء نظام جديد يُعبّر عن تطلعات الشعب ويؤسس لمرحلة دستورية مستقرة. وربما هنا يظهر مفهوم المشروعية كمعيار يعتمد على مدى قبول الشعب، وعلى استمرارية هذا القبول، للقرارات والأنظمة التي تُتَّخذ خلال المرحلة الانتقالية.

رغم أن مفهوم المشروعية إشكالي، نظراً لصعوبة تحديد معيار موضوعي واحد لتعريفه، فإنه يمكن القول إن الحكومة التي تنشأ عقب ثورة شعبية قد تُعتبر غير شرعية من منظور قانوني جامد، لكنها تحظى بالمشروعية لأنها تستمد قبولها من الشعب، كونها تُعبِّرُ عن إرادة عامة تتطلّع للتغيير بما يمنحها التفويضَ اللازم لقيادة المرحلة الانتقالية.

الشرعية الدستورية: إطار الاستقرار
على النقيض من الشرعية الثورية، تأتي الشرعية الدستورية بوصفها شرعية النظام السياسي المُستمدة من الالتزام بالدستور، الذي يُعتبر العقدَ الاجتماعي الأعلى بين الدولة والمواطنين. وتقوم هذه الشرعية على مبادئ سيادة القانون واحترام الحقوق والحريات الأساسية من حيث المبدأ، وكذلك الفصل بين السلطات لضمان عدم تركيز السلطة في يد جهة واحدة. وينبغي أن يتم تأسيس الشرعية الدستورية من خلال انتخابات حرة ونزيهة، بمشاركة شعبية واسعة، وفي ظلّ إطار قانوني يحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم. 

مع ذلك، تُواجه الشرعية الدستورية تحدياتها الخاصة، إذ يمكن أن تُقوَّضَ سيادة القانون إذا تم التحايل على الدستور من قبل السلطات الحاكمة. ويبرز هذا الخطر بشكل خاص في مراحل التحول السياسي، حينما تكون المؤسسات ضعيفة والثقة الشعبية هشَّة أو قابلة للانعكاس. في سوريا ما بعد الأسد، يبقى السؤال الأبرز حول كيفية بناء نظام دستوري تمثيلي يُحقّق تطلعات الشعب، في ظل تَعدُّد القوى السياسية والعسكرية التي قد تتنافس على السلطة، وفي ظلّ تبايُنها من حيث القوة والتأثير وحتى الاتجاهات.

التبايُن والتكامُل 
ثمة تحديات مختلفة تواجه الشرعية بنوعيها (الثورية والدستورية)، إذ قد تنحرف الشرعية الثورية نحو الفوضى أو تُنتِجُ نظاماً استبدادياً جديداً إذا غاب الإطار القانوني الواضح والرؤية السياسية المستقبلية. أما الشرعية الدستورية، فقد تفقد فعاليتها إذا لم تَستند إلى إرادة شعبية حقيقية، أو إذا تحايلت السلطات على أُسسها. ويُضاف إلى هذه التحديات صعوبة الانتقال بين الشرعيتين، الأمر الذي التي يُشكِّلُ تحدياً في حد ذاته.

على الرغم من التباين الواضح بين الشرعية الدستورية والشرعية الثورية، فإن التكامل بينهما يصبح ضرورة في ظل التحولات السياسية الكبرى. إذ يمكن للشرعية الثورية أن تُمهِّدَ الطريق لإنشاء شرعية دستورية جديدة عبر انتقال مدروس ومخطط، وتُجسِّد الثورة الفرنسية (1789) مثالًا كلاسيكياً على الشرعية الثورية التي أطاحت بالنظام الملكي، وأرسَت شرعية دستورية جديدة. إن هذا التكامل خلال مرحلة الانتقال يُعَدُّ أمراً حيوياًِ لتحقيق العدالة والاستقرار، بما أنه يجسد العدالة السياسية والاجتماعية التي تمثل جوهر كلٍّ من الشرعية الثورية والدستورية.

بينما يخوض الشعب السوري أولى تجاربه في التحول السياسي منذ نصف قرن، يبرز الانتقال من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية كخطوة محورية تتطلب إدارة واعية ومنظمة. ويستدعي هذا الانتقالُ وضعَ خطوات واضحة ومدروسة لصياغة خارطة شاملة للانتقال السياسي، تُشرِكُ جميعَ شرائح المجتمع السوري في حوار وطني جامع وشامل يغيب عنه الإقصاء، لتحويل النضال الثوري إلى عملية دستورية متكاملة تضمن تحقيق الأهداف المنشودة للثورة ضمن إطار قانوني يحمي الحقوق ويوفر الاستقرار السياسي والاجتماعي.

يُشكِّلُ المؤتمرُ الوطني خطوة تأسيسية محورية في بداية مسار طويل لبناء الدولة السورية الجديدة، دولة ترتكز على العدالة والحرية والكرامة لجميع مواطنيها. إن هذا المؤتمر، الذي يُطرَح كنواة لميلاد سياسي جديد، لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تحضيرات دقيقة تبدأ بتشكيل لجنة تنظيمية شاملة. هذه اللجنة، التي تضمُّ ممثلين عن الأطياف السياسية والوجاهية والمجتمع المدني والخبراء، تتولى وضع جدول أعمال واضح ومحدد. يقوم المؤتمر على مبادئ أساسية لا يمكن التنازل عنها، أبرزها الالتزام بحقوق الإنسان، وسيادة القانون، والوحدة الوطنية، كخطوة ضرورية لتجاوز إرث الانقسام والاستبداد. ومع اتّساع وتعقيد القضايا المطروحة للنقاش، يأخذ المؤتمر ما يتطلبه من وقت لتناول قضايا المرحلة الانتقالية بشكل شامل ومدروس. يُتوَّجُ المؤتمر بإعلان وثيقة وطنية تشكل خارطة طريق للمرحلة الانتقالية، تتضمن تشكيل حكومة انتقالية جامعة تمثل مختلف المكونات السياسية والاجتماعية، وتكليف لجان تأسيسية لصياغة دستور دائم يُطرَح للاستفتاء الشعبي، وتنظيم انتخابات حرة تُشرف عليها جهات مستقلة لضمان النزاهة والشفافية.

يشكل المؤتمر الوطني بمعناه الحقيقي حجر الزاوية في بناء سوريا المستقبل، ويُعَدّ بداية مرحلة انتقالية شاقة، لكنها حاسمة في تحقيق الحرية والعدالة والمواطنة لجميع المواطنين. من شأن إطلاق هذا المؤتمر أن يضمن نقل سوريا من مرحلة الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية، مع الحفاظ على توازن القوى وتحقيق العدالة السياسية والاجتماعية.

المصدر: موقع الجمهورية

اقرأ المزيد
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة

لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً دفعنا لأجله الدماء الغالية، سقوط إمبراطورية عائلة الأسد تحت اٌقدام الثوار في الثامن من شهر كانون الأول لعام 2024، سيكون عيداً وطنياً لسوريا الحرة، سوريا التي نطمح لبنائها بقدرات شبابنا وأبناء ثورتنا، نتشارك فيها فرحة النصر اليوم مع كل أطياف الشعب السوري، لتكون سوريا لكل السوريين، ليست حكراً لأحد سواء شارك في هذه الثورة أم كان صامتاً إلا المجرمين ومن تورطت أيديهم بالدماء.


ثورتنا لم تنته، وواهم من يظن أننا حققنا الحلم، نحن بدأئنا في بناء أول لبنة في سوريا التي نطمح لها، سوريا التي يسود فيها العدل، وتتوزع فيها الخيرات، وتكون وطناً للجميع، لا لفئة أو طائفة تحتكرها، فالأسد كان حجرة عثرة كبيرة في الوصول لسوريا الحرة، وسقوطه يعني بداية المعركة الثورية، لصون المكتسبات التي ناضلنا لأجلها قرابة 14 عاماً، وقدمنا فيها الغالي والنفيس لنصل لهذا اليوم.

من هنا نبدأ في وضع حجر الأساس، والنضال لصون ماحققناه من نصر على طاغية العصر، لتكون ثورة السوريين مثلاً تدرسها الأجيال لعقود طويلة، تتعلم من شعبها معنى الصمود والصبر وتحمل كل الخطوب والعثرات للوصول للهدف، بدون تراجع أو انكسار، رغم تآمر كل قوى الشر ومساندة الطاغية، لكن صبر السوريين وتحملهم كان أكبر عائق أمام إعادة تعويم الأسد، فنال السوريون ما أرادو وكسرو شوكة أعتى نظام حارب شعبه بالنار والبارود.

هروب الأسد لايعني الفلات من العقاب، معركتنا الحقوقية مستمرة، في تسجيل كل جرائم الأسد، وإعادة طرحها أمام المحافل الدولية، وستكشف جرائم المعتقلات الكثير الكثير من الجرائم، التي ستلاحق ضباط وقيادات النظام وتقود بهم إلى السجون لنيل العقاب الذي يستحقون، فهؤلاء لامكان لهم في سوريا المستقبل، ولن نسامح ولن نقبل بأنصاف الحلول.

أبناء ثورتنا الحرة، صغاراً وكباراً، شيباً وشباباً، كلاً في مكانه وموقعه وخبراته، من الفلاح إلى الطبيب، لازال الطريق أمامنا طويلاً لنواصل مسيرة ثورتنا، ونحقق مرادنا، ونضمن حقوق أطفالنا في بلدة يسوده العدل، ويكون مثالاً يحتذى به للأجيال والشعوب، فلا تركنوا ولاتستكينو ولا تسلمو للأمر الواقع الذي يفرض خارجياً، حتى لايعود حكم الأسد بوجه جديد، فتضيع دماء شهدائنا، وعذابات معتقلينا.

 

كتبه: Ahmed Elreslan  (أحمد نور)

 

 

اقرأ المزيد
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 

إخوتي أحرار سوريا ... تنتابنا مشاعر الفرح والسرور والغبطة لما أكرمنا الله به من تحرير وفتح وعودة روح الثورة إلى بادئها، ولكن هذا لايعني أن نغفل أو نتغافل، فالمرحلة القادمة أعقد بكثير مما مضى، وينتظرنا عمل وجهد ووعي كبير، لفهم طبيعة المرحلة داخلياً وعلى مستوى جميع المكونات والملل والأطياف والطوائف، لتجنب أي مواجهة أو الدخول في أتون "حرب أهلية حقيقية" لاقدر الله، بالتأكيد ستسعى بعض الدول لتحقيقها.

لمست وعياً كاملاً من قبل "إدارة العمليات العسكرية" التي تقود معركة "ردع العدوان" وفهماً لأهمية العمل والوعي السياسي ومخاطبة جميع المكونات بالشكل الصحيح الذي يناسب المرحلة القادمة، علاوة عن مخاطبة الدول الخارجية التي تترقب وتتابع بنظرات ثاقبة ماسيجري، وبالتالي الأهم المحافظة على الانضباط في التعامل والعمل على تطبيقه في كل المناطق ومع كل المكونات دون تمييز، لنصل إلى سوريا موحدة وننسى كل الآلام، ونتجنب أي صدام قد يعود بنا للوراء، وهذه مسؤولية قيادات الفصائل وأخص "الجيش الوطني" بشكل رئيس ضمن مناطق سيطرته.

المرحلة القادمة مهمة، وتحتاج لتكاتف وتعاضد ونسيان الماضي لنستطيع بلوغ المستقبل، ونترفع عن كل الخصومات والخلافات ونترك إرث الشقاق ونلتف لبناء مستقبل بلدنا يداً بيد وكتفاً بكتب، من خلال الطاقات الكبيرة الموجودة لدى شبابنا وثوارنا، ولا أقول ننسى الدماء ونسامح المجرمين، فهؤلاء مصيرهم تحدده المحاكم الثورية وعلى مرآى العالم أجمع من رؤوس النظام وقادة ميليشياته وشبيحته.

لن تكون المرحلة القادمة سهلة أبداً، ولا تغرنا فرحة النصر، فما ينتظرنا شيئ كبير لاحتواء المشهد، وإعادة بناء الثقة بين مكونات الثورة العسكرية التي لاحظنا تكاتفها وذوبانها في معركة واحدة ضد عدونا، وأيضاَ مكونات الشعب السوري من كل أطيافه وفئاته وتياراته، لنطوي عهد الأسد الذي أنهك سوريا وشعبها ووضعنا في مواجهة دموية لسنوات طويلة، أيضاَ إعادة الثقة بين الحاضنة الشعبية الثورية التي التفت حول فصائها وقياداتها من خلال تخفيف الضغوطات وإفراغ السجون من أبنائهم المعتقلين لمواقف سياسية أو ماشابه.


أيضاً تتطلب المرحلة القادمة حذراً شديداً من إعادة بناء النظام لنفسه من خلال عناصره وشبيحته التي لاتزال منتشرة في المناطق المحررة، وبالتالي تنفيذ عمليات قتل واغتيال لزرع الفتن ونشر الفوضى التي ستخدم النظام بالمطلق، وهذا دور الأجهزة الأمنية والمدنيين على حد سواء، أيضاً لا أنسى أن أحذر من مغبة التفرقة العسكرية وخلق الخصومات والدخول في متاهة الصراع لأجل المنصب أو الولاء الخارجي، على غرار ليبيا فنخسر جميعاً.

ومما لاشك فيه أن إعادة بناء الدولة لن تكون سهلة، وتتطلب حراكاً واسعاً داخلياً وخارجياً لجذب رؤوس الأموال والاستثمارات وإعادة فتح المعامل وتشغيل الفئات المسحوقة من الشعب العاطل عن العمل، لتدور عجلة الإنتاج وتبدأ مرحلة الخروج من الاعتماد على الدعم والمساعدات الدولية، علاوة على ذلك التركيز على أهمية التعليم ونشر الوعي وإعادة بناء الجيل الصغير المحطم منذ ولادته، لتمكين هذا الجيل علمياً ليكون مهيئة للمشاركة الفاعلة في بناء سوريا المستقبل.

وإلى القوى السياسية في الخارج، لاسيما التيارات والشخصيات المستقلة وغيرها، التي تقول إنها تمثل تطلعات الشعب السوري، قد فشلتم طيلة سنوات مضت من تحقيق أي تقدم سياسي، وتماهيتم مع كل المؤتمرات والاجتماعات وقدمتم التنازلات منها الكثير ولم ينجح حراككم في تحرير معتقل، أو إدخال سلة غذائية لمحاصر، أو فرض موقف سياسي يحترم، أو حماية لاجئ، أو بناء علاقة مع أبناء الثورة الحقيقيين في الساحات، فشغلتكم المناصب والكراسي، فنصيحتي لكن أن تعلنوها حياداً وانصهاراً ضمن قوى الثورة الحقيقية في الميدان، فكفاكم تصريحات وبيانات استنكار وإدانة، فالكلمة الفصل ستكون من داخل سوريا بعد اليوم، فهم من يمثلون ثورتنا.


تحية إجلال وإكرام لكل حر شريف، لكل أم شهيد ومعتقل، لكل معذب قدم الغالي والنفيس وصمد رغم كل الخطوب رافضاً الأسد والخنوع حتى جاءه يوم الفرح بالتحرير والعودة للديار، ليتم تفريغ مخيمات الذل وتدميرها والخلاص منها قريباً بإذن الله حتى عودة آخر مهجر، في انتظار اليوم الذي ينال فيه المجرمون عقابهم ويفرح شعبنا بالنصر في ساحة الأمويين في دمشق رافعين صور "الساروت وشحادة وسكاف والصالح وأبو فرات ...." وآلاف الأبطال الذين قدموا دمائهم رخيصة لنصل لهذه المرحلة من عمر سوريا بدون الأسد.

كتبه: Ahmed Elreslan  (أحمد نور)

اقرأ المزيد
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية

لاقى الطرح الذي تحدث عنه "أحمد موفق زيدان" أحد عرابي مشروع "الجولاني" في إدلب، بما سمي "المشروع السني" في إدلب، حالة استهجان واستياء كبيرة في أوساط الفعاليات الثورية، وحتى ضمن أقطاب من "هيئة تحرير الشام" لما يحمله هذا الطرح من إقصاء وحصر لثورة السوريين بكيان واحد دون غيره، مهمشاً نضال الأحرار من كل المكونات والأطياف السورية.

صحيح أن الصرخات الأولى للحراك الشعبي الثوري كانت انطلاقتها المساجد، لكن لم تكن ثورة السوريين يوماً حكراً على مشروع أو تيار سواء كان سياسي أو ديني، وإنما كانت ثورة ضد الظلم الفساد حمل لوائها كل أطياف الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه، وكانوا صفاً واحداً في مواجهة غطرسة الأسد وجبروته، ورفعت شعارها الأوحد "ثورة لكل السوريين".


لم تكن تصريحات "زيدان" عبثية وارتجالية، بل جاءت استكمال لنهج مشروع "الجولاني" في إدلب، والتي باتت حكراً له، خط لها الحدود وأقام المعابر وفصلها عن محيطها الثوري، قبل ذلك سيطر على كل مقدرتها بعد سلسلة غزوات من البغي التي أقصى فيها جميع من ينافسه عسكرياً ومدنياً، وبنى كيانه الخاص به، لتحقيق مشروعه الإقصائي بامتياز.


وسبق أن تحدث "الجولاني" قائد "هيئة تحرير الشام" عن "المشروع السني" في مناطق سيطرة الهيئة، معتبراً أن المشروع لم يعد مشروع ثورة ضد ظلم وطغيان فقط، إنما تحوّل إلى بناء "كيان سنّي"، لأن أبناء السنة معرّضون لخطر وجودي في سوريا، رغم أغلبيتهم وكثرة عددهم، إذ إن نظام الأسد يعمل على تغيير الهوية السنية بهوية أخرى، من خلال تجنيس عدد كبير من الإيرانيين واللبنانيين وغيرهم.

وكان رد عليه الباحث "عباس شريفة" الذي اعتبر أن حديث "الجولاني" عن إقامة إقليم سني أو كيان سني نوع من السذاجة السياسية وعدم النضج السياسي، لأن مثل هذا الكلام يفتح المجال للحديث عن كيان كردي وكيان درزي وآخر علوي ما يؤدي إلى تمزيق سوريا إلى كيانات طائفية.


ويحمل "الجولاني" تاريخاً مثقلاً بالانتهاكات و"البغي" على الثورة السورية ومكوناتها، ولايزال يحاول تقديم نفسه على أنه حامل لواء الثورة والحريص عليها، متبنياً خطاباً مغايراً تماماً لما بدأ فيه مسيرته "الجهادية"، منقلباً على كل مبادئه ومعتبراً مشروعه هو "مشروع الثورة الوحيد" الذي يجب أن يفرضه على الجميع بقوة السلاح.

وبالعودة إلى تصريح "زيدان" الذي يعتبر أحد عرابي مشروع "الجولاني" في إدلب، إذ استنكرت فعاليات مدنية وثورية التصريح حول "المشروع السني" واعتبرته "تقسيم سوريا لكيانات دينية ومذهبية وقومية وطائفية"، وتمهيد للقبول بالتقسيم ضمن بقعة جغرافية صغيرة، وسيتبعه الحديث عن كيان علوي ومسيحي ودرزي و كردي... إلخ".


واعتبر هؤلاء أن ثورة السوريين قامت بكل أطياف الشعب السوري وقدمت الدماء والتضحيات من كل الأطياف والمكونات، ولايجوز حصر الثورة ولو في إدلب بكيان دون سواء، فهي ثورة السورريين والأرض المحررة هي محررة من حكم الأسد وليست ملكاً لـ "الجولاني" ومشروعه.


ورأى آخرون أن إطلاق مسمى الكيان السني على إدلب هو دعوة لكل قوى الظلام الطائفية في العالم بالتحشيد لقتال هذا الكيان والدخول في حرب دينية شبيهة بالحرب التي جرت في العراق وتحديداً في الأنبار حين بدأ بعض الناس الترويج لمشروع الكيان السني والذي نما واتسع وانتهى باجتثاث السنة سياسيا من العراق وسيطرة المشروع الإيراني.

وأكدوا أن الترويج لمصطلح "الكيان السني في إدلب" يعني التخلي عن عودة المهجرين من أهل السنة من جميع المدن والقرى السورية إلى بلادهم، وهو إقرار للنظام المجرم على جريمة التغيير الطائفي الديموغرافي في البلاد وتعزيز الطائفية.

ولعل المراقب لسلسة التحولات التي يجريها قائد "هيئة تحرير الشام"، يصعب عليه الموازنة بين الماضي والحاضر، مع حجم الهالة الإعلامية التي تسعى لترويج أفكار "الجولاني" الجديدة وتوجهاته، وعملية اصباغ مصلحة "الثورة والساحة" على أفعالهم وسياساتهم، وعلى الجميع بالمقابل تقبل الأمر دون النظر للتاريخ الأسود الحافل بالانقلابات والتحولات حتى على رفقاء "البغي".

فمن عايش "الجولاني" إبان حملات تدمير فصائل الثورة واحدة تلو الأخرى، عليه اليوم أن يقبل أن المشروع الذي يحمله ويتخذ من حكمه الانفرادي الإقصائي في "إدلب" نموذجاً، هو المشروع الثوري الوحيد المستمر، وأن هذا المشروع - القائم على "البغي" - سيحمل الثورة لمبتغاها ويحقق مطالبها، وعلى الجميع تقبله بل والمساهمة في تمكينه.

وسبق أن أكد الكاتب والباحث السوري "أحمد أبازيد" في حديث سابق لشبكة "شام"، أن مشروع "هيئة تحرير الشام" ليس مشروعاً ثورياً، لأنه لم يؤسس انطلاقاً من الثورة السورية، وإنما بدايته كانت امتداد لدولة العراق والشام الإسلامية، بقيادة "أبو بكر البغدادي"، الذي أرسل "الجولاني" إلى سوريا وأسس "جبهة النصرة" التي أصبحت تابعة لتنظيم القاعدة.

وأوضح "أبازيد" أن التنظيم الذي أسسه "الجولاني" لم يكن في أي يوم يعتبر نفسه جزءً من الثورة السورية بل كان طيلة السنوات التي سبقت تحولات "الجولاني" الأخيرة يعتبر نفسه طرف يحمل مشروع جهادي وإخوة منهج مقابل لمشروع الثورة والجيش الحر.

وبين الباحث أن مشروع "الجولاني" طيلة سنوات كان في حالة حرب مفتوحة، ضد الثورة كفصائل جيش حر حتى كرموز منها "الحرب على علم الثورة ومسمى الثورة"، وشيطنة كل ما يرتبط بالثورة، إضافة لمحاولة هدم كل المشاريع التي تنتجها، والحرب على النشطاء المدنيين واغتيالهم منهم "رائد الفارس وحمود جنيد" وغيرهم، وفق تعبيره.

وقال الباحث السوري إن مشروع "الجولاني" هو مشروع "معارض ومعاد لمشروع الثورة السورية"، وكان جزء من المشاريع الجهادية التي بنت شرعيتها لكونها معارضة لمشروع الثورة وتعتبره مشروع "قطري وعلماني ووطني" وهي تعتبر مشروعها "جهادي وإسلامي لتحكيم الشريعة".

وأوضح "أبازيد" أنه منذ تأسيس "هيئة تحرير الشام"، بات "الجولاني" في سياسية مختلفة، في محاولة إثبات كونه ينتمي إلى سوريا والثورة السورية، وإثبات الاعتدال والانفصال عن تنظيم القاعدة والتاريخ الجهادي القديم.

واعتبر في حديثه لشبكة "شام" أن هذه المحاولة تؤكد أن الماضي لـ "الجولاني" والذي كان ماض براغماتياً لم يكن عقائدي يتبنى عقيدة صارمة إنما "شخصية براغماتية انتهازية" تتبنى في كل مرحلة المبادئ التي تتيح له البقاء في السلطة، سواء حين كان في دولة العراق الإسلامية ثم جبهة النصرة وتنظيم القاعدة.

ولفت الباحث إلى أن "الجولاني" حاول التحالف مع فصائل إسلامية محلية ثم أصبح "هيئة تحرير الشام" لإثبات أنه فصيل لايمتلك أي عمق لتحكيم الشريعة ومنقطع عن السلفية الجهادية وبات يروج نفسه على أنه يحارب السلفية الجهادية ويقوم بلجم وتحجيم واعتقال المقاتلين الأجانب أو المهاجرين.

وختم "أبازيد" بالإشارة إلى أن التحولات الأخيرة لا يمكن أن الهيئة تحولت لمشروع وطني وثوري وإنما محاولة ركوب الشرعية الثورية والوطنية التي لم يتمكن من هزيمتها سابقاً والتترس بها، للوصول كونه سلطة معترف بها خارجيا بعد أن تخلى عن ماضيه الجهادي القديم.


وكانت كشفت الاحتجاجات الشعبية التي تصاعدت ضد "هيئة تحرير الشام"، تحديداً زعيمها "أبو محمد الجولاني"، عن الكثير من الأشخاص المدافعين عن الهيئة، بينهم إعلاميين، مراصد، رجال دين، وغيرهم من مريدي "الجولاني" وأتباعه حتى في ظلمه وطغيانه بينهم "زيدان"، ما يظهر حجم التملق والتزلف لدى هذه الشخصيات المنتفعة من بقائه على رأس سلطة الأمر الواقع فحسب.

 

اقرأ المزيد
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 

تمرّ الثورة السورية هذه الأيام بمنعطف خطير وليس لاحد من الاحرار والثوار منأى  من أثاره أو التهرّب من مسؤولياته الثورية والاخلاقيّة، فهم المستهدف الأول والأخير من هذه المخططات الدوليّة والإقليمية.

نظام أسد المجرم يساوم المجتمع الدولي ويبتزّهم ويطالبهم بشراكته في محاربة الإرهاب للقضاء على الثورة، مما يجعلنا جميعا أمام مصير واحد وهو إمّا الموت أو الهزيمة، مما يحتِّم علينا تجاوز الخلافات وتجميد الخصومات وتأجيل العداوات التي نشأت بين أبناء الثورة والتي راكمت كثير من المشكلات التي وصل البعض منها حالة الاستعصاء، وتحتاج الى وقت طويل وجهود كبيرة قد لا يسعفنا الوقت لحلّها بسبب تزاحم الاستحقاقات وتسارع الاحداث المصيرية.

كما أنّه تلوح في الأفق حرب إقليمية لا تُعرف حدودها ولا يمكن توقّع نتائجها ولن نكون في منأى عن أثارها، الأمر الذي أصبحت معه وحدة الصف وتجاوز الخلافات ضرورة شرعية وثورية وأخلاقيّة وباتت أولوية قصوى.

وكلنا يعلم أن مدن وقرى محافظة تم تدميرها وتهجير أهلها، ونهب ممتلكاتهم، وقد بلغ عدد المهجّرين منها حوالي 700 ألف شخص واغلبهم من سكّان المخيمات يعانون ضيق ذات اليد وقلة الموارد والبطالة بينما يتنعّم شبيحة نظام أسد بأرزاقهم وممتلكاتهم.

وانطلاقاً من الشعور بالمسؤولية تداعي عدد من احرار محافظة حماه للاجتماع لمناقشة اثار التطبيع التركي مع نظام أسد على الثورة عموماً وعلى أبناء محافظة حماه خصوصاً وبيان موقفنا ودورنا في مواجهة هذه الاستحقاقات الخطيرة، ووقع الاختيار على أن يكون مجلس فرع نقابة المحامين الاحرار بحماه الراعي لإقامة ورشة عمل بهذا الخصوص باعتبارها الحامل القانوني الجامع للثورة في حماه وأحد الحوامل الحرّة والمستقلّة للثورة السوريّة.

وبتاريخ -27-07-2024 عّقدت ورشة العمل في مدينة عفرين بعنوان: يداً بيد نسقط الطغيان ونعيد بناء الانسان والعمران التي ناقشنا فيها التقارب التركي مع نظام اسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري الحرّ على المستويات العسكرية والقانونيّة والسياسية والشعبيّة وعلى اللاجئين، وقد شارك فيها اهل الاختصاص العسكري والقانوني والسياسي ممن حضر من أبناء المحافظة، كما شارك فيها عدد من الضيوف الاعزّاء من الاحرار.

واستعرض اهل الاختصاص من كل جانب مألات التطبيع واثاره فيما يخصّ جانبه كما أدلى الجميع بدلوه معبِّرا عن رأيه بكل مسؤوليّة وبمستوى عالٍ من فهم للأحداث وتحليلها تحليلا منطقيا كما تقدّم كل منهم بوجهة نظره مشفوعة بالتوصيات التي تغطّي كل الاحتمالات والسيناريوهات المحتملة.

وقد اجمع الجميع على التوصيات التالية:
 إنّ حق تقرير المصير، وحق اختيار شكل نظام الحكم، وحق تغيير الحاكم ومنها اسقاط نظام اسد بالقوة، والمشاركة السياسية حقوق اصيلة للشعب السوري غير قابلة للتصرف من قبل أيّ ٍكان باعتبارها من حقوق الانسان المتأصّلة فيه، وبالتالي ليس لأيّة جهة داخليّة أو خارجية التدخّل بها أو التنازل عنها أو التفريط أو الضغط على الشعب السوري للتنازل عنها أو سلبها منه تحت طائلة اعتبارها خيانة عظمى فيما أذا أتت من أيّة جهة داخليّة، وعملا من اعمال العدوان فيما إذا أتت من أي جهة خارجية.

 وإنّ إطلاق سراح المعتقلين ومعرفة مصير المغيّبين والمختفين قسريا وحماية حقوق اللاجئين وتقديم الدعم الإنساني للمهجّرين قسريّاً حقوقٌ واجبة الاحترام وعلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي احترامها وتمكين أصحابها من الوصول اليها واستمرار تدفقها.

إنّ الحفاظ على السيادة الوطنية ووحدة التراب والشعب السوري والدفاع عنها بكل الوسائل المشروعة ضد أي عدوان أو غزو أو أية مشاريع للتقسيم والانفصال من حق الشعب السوري باعتباره صاحب السيادة ومصدر السلطات بموجب الدساتير السورية المتعاقبة، وبموجب القانون الدولي وبناءًا عليه نوصي:

- على الفصائل الثورية توحيد صفوفها والقيام مجتمعة القيام بهذا الواجب، من خلال إعادة النظر بكل المسارات التي قد تُكرِّس الوضع القائم والعودة الى ثوابت الثورة ورصّ الصفوف والاستعداد للقيام بمعارك التحرير واسقاط النظام وطرد المحتلين والغزاة الذين استجلبهم من كل اصقاع الدنيا.

- توحيد الساحات الشعبية والثورية والسياسية والتحامها مع الفصائل الثورية واعلان التعبئة الثوريّة العامة.
- إنّ عدم إلزاميّة القرارات الدولية ذات الصلة وافتقارها الى أليات تطبيقها التي صدرت عن الأمم المتحدة ومجلس الامن تحت الفصل السادس من منطلق دور الرعاية الذي تضطلع به الأمم المتحدة في إدارة النزاعات من خلال المساعي الحميدة وتيسير المفاوضات، تدلّ على عدم رغبة وجديّة المجتمع الدولي في فرض حلّ سياسي يحقّق تطلعات الشعب السوري ويلزم نظام أسد بنقل السلطة الى هيئة حكم انتقالي. وجعل تنفيذ هذه القرارات رهن موافقة النظام ومثال ذلك القرار 2254/2015 الذي لم ولن يطبق رغم مرور تسع سنوات على صدوره لان ذلك مرهون بموافقة النظام مما يحتّم طرح حل بديل وهو العودة للعرف الثوري ونوصي: 

- وقف كل اشكال التفاوض والعمل على تشكيل هيئة تأسيسية تقوم بإعداد اعلان دستوري ثم تشكيل حكومة واحدة مهمتها نزع شرعيّة نظام أسد فعلياً واسترداد الدولة السورية من براثنه والحلول محله في عضوية الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والاقليميّة وتقود معارك استرداد الدولة السورية منه.
- إعادة هيكلة المناطق المحررة من غربها الى شرقها تحت حكومة واحدة وجيش واحد ومرجعية سياسية واحدة.
وأنّه لا سلم أهلي في سورية ولا سلم ولا أمن دوليّين أو إقليميّين بوجود بشار أسد او بأيّة محاولات لإعادة انتاج نظامه الاستبدادي الطائفي المجرم، أو في ظل وجود المشاريع الانفصالية حيث ’’ لا سلم ولا سلام مع الأسد أو قسد‘‘.
وأنّ  العلاقة مع تركيا هي خيار استراتيجي بحكم الامر الواقع الذي فرضته طبيعة الجغرافية والحدود المشتركة والطويلة ،وانتشار وتوزّع  الشعب السوري بين الداخل التركي والمناطق المحررة التي فرضت معادلة الامن والمصير المشترك فأمن تركيا القومي من أمن السوريين الاحرار وأمنهم من أمن تركيا، فنحن قدر تركيا وهم قدرنا ولا مفرّ لنا ولا لهم من هذا القدر إلا بإزالة أسباب اللجوء و التهجير و القضاء على مصادر تهديد الأمن القومي التركي الذي يتجلّى ببقاء نظام أسد و حلفائه من المرتزقة الروس و الميليشيات الطائفية و الميليشيات الايرانيّة ، من خلال العمل على اسقاط النظام ، و انهاء مشروع قسد الانفصالي  وتفكيكه و هو من حق الشعب السوري  الذي لا يمكن المساومة عليه على حساب مناطقنا و مصيرنا.

و أن التعويل الحقيقي في الشراكة الاستراتيجية  يكون على روابط الاخوة والشراكة التي نشأت وتمتّنت خلال السنين الماضية بين الشعبين على قاعدة أن أبناء هذا الشعب هم من سيحكمون سورية مستقبلا وليس نظام أسد المجرم أو فلوله من العصابات الطائفية وان مصلحتنا المشتركة تقوم على التعاون و التكامل إذ أنّ الشراكة الحقيقيّة لا يمكن أن تقوم على علاقة التابع والمتبوع بل على وحدة القرار و الهدف، مع التأكيد بأن هذا الشعب هو الحامل الحقيقي لإعادة بناء الإنسان وإعادة اعمار العمران و ليس أولئك الذين قاموا بتدميرهما وتفكيك بنية الدولة وتحويلها الى مجموعة من منظمات الجريمة المنظمة يحكمها مجموعة من المجرمين القتلة و اللصوص ، وعليه نطالب الدولة التركية بما يلي:

- إعادة تقييم تجربة الشراكة العسكرية والسياسية مع قوى الثورة والمعارضة، بما يكفل إعادة هيكلة المناطق المحررة وتوحيدها عسكريا وحكوميا وسياسيا. 
- احترام حقوق الشعب السوري في تقرير مصيره وتجنّب ايّة محاولات المساومة عليها أو فرض أي حلول لا تتوافق مع إرادة هذا الشعب.
- تفعيل اليات مراقبة أداء العاملين في الملف السوري وخاصة في المناطق المحرّرة من الجانبين التركي والثوري وإعمال المحاسبة مكافحة الفساد من خلال تفعيل دور القضاء بشكل جدّي ومنحه الاستقلالية التامة، وتحجيم دور المنسقين واعادتهم الى حجمهم الطبيعي وإلزامهم بالقيام بمهامها اللوجستية فقط.
إعادة النظر باللجان المشتركة في الداخل التركي الخاصة بمتابعة شؤون اللاجئين في تركيا، والتشديد على احترام حقوق اللاجئين وفق المعاهدات والمواثيق الدولية.

توحيد كل أطياف ومرجعيات الثورة في محافظة حماة تحت مظلّة واحدة ورؤية واحدة وهدف واحد على قاعدة التشاركية والاختصاص والكفاءة والتكاملية. من خلال تشكيل لجنة متابعة منبثقة عن هذا الاجتماع مهمتها التواصل مع باقي الكيانات وأطياف الثورة لمناقشة هذه المخرجات وتلقي أي اقتراحات جديدة نضيف او تعدّل او تطوّر هذه المخرجات، والاعداد لاجتماع آخر موسّعاً بشكل أوسع من اجتماعنا هذا والذي نعتبره خطوة باتجاه الهدف الأسمى وهو توحيد الجهود ورص الصفوف في معركتنا المصيرية القادمة. على أمل أن تكون هذه الخطوة محفِّزة لباقي إخواننا في المحافظة و باقي المحافظات السوريّة للحذوِ حذونا في إعادة ترتيب بيتنا الثوري لأنه الطريق الأقصر و الأقل كلفة للوصول الى اهدافنا و تحقيقها والخلاص من نظام الإبادة و حلفائه وتطهير سورية من رجسهم.

واخيراً لا يسعنا إلّا نتقدّم باسم مجلس فرع نقابة المحامين الاحرار بحماه بجزيل الشكر لكل من ساهم أو حضر أو منعه عذرٌ عن حضور كان لحضوركم وتفاعلكم الرائع الأثر الطيب والذي تجلّت فيه روح المسؤوليّة واستشعار الخطر على الثورة والشعب   تمسكنا جميعاً بثوابت الثورة واستعدادنا للتضحية في سبيل الدفاع عنها وعن شعبنا الحرّ العظيم وتحقيق تطلعاتهم بالحريّة والكرامة والخلاص من الطغيان والاستبداد.

آملين تكرار هذه اللقاءات وتوسيعها ولتكون برنامج عمل متكامل لإعادة ألق الثورة من خلال العمل بروح ثورة 2011 وأدوات الحاضر من خلال صنع وعي عام ثوري شعبي قادر على مواجهة التحديّات المستقبليّة ويكون درعاً للثورة والثوار ونضع أنفسنا في خدمة هذا الهدف الثوري النبيل.

مجلس فرع نقابة المحامين الاحرار بحماة

 

اقرأ المزيد
١٩ يونيو ٢٠٢٤
دور تمكين المرأة في مواجهة العنف الجنسي في مناطق النزاع: تحديات وحلول

تعد قضايا العنف الجنسي في مناطق النزاع من أكثر القضايا الإنسانية إلحاحاً وتعقيداً في عالمنا اليوم. مع انتشار النزاعات المسلحة والاضطرابات السياسية، تتزايد حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل مقلق، مما يستدعي تدخلات فورية وفعالة، تواجه النساء عادةً تحديات جسيمة نتيجة تعرضهن للعنف الجنسي والجسدي والنفسي خلال فترات النزاع والاعتقال. ولذلك إدراكاً من العاملين في قطاعات الحماية وتمكين المجتمع لأهمية دعم وتمكين المرأة، نسعى دوماً في التنمية الاجتماعية  ومشاريع التمكين المجتمعي إلى تقديم الدعم اللازم لهؤلاء النساء الذين تعرضوا للعنف بكل أشكاله، وتمكينهن من تجاوز الصعوبات واستعادة كرامتهن، من خلال برامج شاملة تركز على التدريب المهني، والتعليم الصحي، والمساعدة القانونية، والدعم النفسي الاجتماعي. في هذا السياق، نهدف إلى زيادة الوعي المجتمعي حول هذه القضايا الحساسة وتشجيع الإعلاميين على تبني أساليب تغطية مسؤولة تضمن حقوق وكرامة الناجين والناجيات.

في التنمية الاجتماعية، نؤمن بأن تمكين المرأة وجميع الضحايا هو الأساس لبناء مجتمعات أقوى وأكثر مرونة. لهذا السبب، نقدم مجموعة من الخدمات التي تساعد النساء والأطفال في سوريا على اكتساب المهارات والمعرفة والثقة، بدءاً من التدريب المهني والتعليم الصحي وصولاً إلى المساعدة القانونية والدعم النفسي الاجتماعي. نعمل مع النساء لمساعدتهن في التغلب على التحديات التي تواجههن وتحقيق إمكاناتهن الكاملة.

من الضروري إشراك المجتمع في مناقشات لزيادة الوعي حول العنف القائم على النوع الاجتماعي، خاصة فيما يتعلق بالمقابلات الإعلامية مع الناجين والناجيات من العنف الجنسي أثناء فترة الاعتقال في سجون نظام الأسد. لا يخفى أن العديد من المعتقلين والمعتقلات تعرضوا لعنف جسدي أو نفسي أو جنسي بهدف تحطيم كرامتهم والنيل منهم بسبب مطالبهم بالحرية والكرامة. بعد الإفراج عنهم، يواجه الناجون وصمة العار الناتجة عن العنف الجنسي، بالإضافة إلى الصعوبات الاقتصادية والمجتمعية. يُستخدم العنف الجنسي كسلاح حرب في مناطق النزاع بشكل منهجي وواسع، وسوريا لم تكن استثناءً.

رغم التحديات، تلعب المرأة دوراً بارزاً في مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي من خلال المشاركة في مؤتمرات ودورات توعوية حول كيفية التعامل مع هذه القضايا وتجنبها والتغلب على آثارها. تُحث النساء على الالتحاق بمراكز تمكين المرأة لتلقي الخدمات اللازمة لتمكينهن وحفظ كرامتهن وأمنهن وسلامتهن.

عند إطلاق سراح أحد الناجين، يتسابق الإعلاميون للحصول على سبق صحفي معهم دون مراعاة وضعهم الصحي أو النفسي وقدرتهم على التحدث علناً. يتطلب ذلك تغطية إعلامية حساسة تتضمن مبادئ وأخلاقيات يجب أن يتقيد بها الصحفيون، مع أهمية الموافقة المسبقة والمستنيرة وإعداد الناجي قبل المقابلة، وشرح كل النتائج المتوقعة، وطرق التعامل أثناء المقابلة لتجنب إحداث أي ضرر نفسي. يجب التركيز على قصة صمود الناجين وقدرتهم على التغلب على التعذيب المنهجي والعمل على دمجهم في المجتمع من جديد.

الإعلاميون بحاجة إلى تدريب مخصص لتطوير مهاراتهم وتزويدهم بالمبادئ والأخلاقيات عند تسجيل تقارير صحفية عن الناجين من العنف الجنسي أو أي قضية من قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي لضمان كرامة الناجين. يجب أن يتقن الإعلاميون هذه المبادئ قبل الشروع في مثل هذه المقابلات.

في المجتمع المحلي في شمال غرب سوريا، تكون المرأة والناجين ضحايا نظرة المجتمع لهم بسبب العنف الذي تعرضوا لهم في المعتقلات، خاصة من تعرضن للاغتصاب والعنف الجنسي. لذا، ندعو الجميع للانضمام إلينا في دعم تمكين المرأة داخل سوريا وخارجها وتقديم المساعدة اللازمة لها.

اقرأ المزيد
١٩ يونيو ٢٠٢٤
صمود المرأة ودورها القيادي في مواجهة التحديات

في عالم يشهد العديد من النزاعات والتوترات، تبرز المرأة كرمز للصمود والقوة، متحملةً أعباءً مضاعفةً في ظل الظروف القاسية. على مر العصور، أثبتت المرأة أنها قادرة على التغلب على أصعب التحديات، بل وتحويلها إلى فرص للنهوض والنهضة. لقد لعبت المرأة دوراً قيادياً في مواجهة التحديات التي تعصف بالمجتمعات، خاصة في مناطق النزاع، محققةً إنجازات عظيمة في مختلف الميادين.

تعد قضايا العنف الجنسي في مناطق النزاع من أكثر القضايا الإنسانية إلحاحاً وتعقيداً في عالمنا اليوم. مع انتشار النزاعات المسلحة والاضطرابات السياسية، تتزايد حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل مقلق، مما يستدعي تدخلات فورية وفعالة. في سوريا، تواجه النساء تحديات جسيمة نتيجة تعرضهن للعنف الجنسي والجسدي والنفسي خلال فترات النزاع والاعتقال. إدراكاً لأهمية دعم وتمكين المرأة، نسعى في التنمية الاجتماعية والديمقراطية إلى تقديم الدعم اللازم لهؤلاء النساء، وتمكينهن من تجاوز الصعوبات واستعادة كرامتهن، من خلال برامج شاملة تركز على التدريب المهني، والتعليم الصحي، والمساعدة القانونية، والدعم النفسي الاجتماعي. في هذا السياق، نهدف إلى زيادة الوعي المجتمعي حول هذه القضايا الحساسة وتشجيع الإعلاميين على تبني أساليب تغطية مسؤولة تضمن حقوق وكرامة الناجين والناجيات.

تتمتع المرأة بقدرة فريدة على القيادة في أوقات الأزمات، وذلك بفضل حكمتها وصبرها وإصرارها على تحقيق العدالة والمساواة. في حالات النزاع، تجد المرأة نفسها في مواقف تتطلب اتخاذ قرارات حاسمة، سواء كانت تلك القرارات تتعلق بحماية الأسرة أو السعي نحو السلام والاستقرار. وقد أثبتت العديد من النساء في مختلف أنحاء العالم قدرتهن على قيادة مبادرات السلام وإعادة الإعمار، والعمل على تحقيق التوافق بين الأطراف المتنازعة.

سجل التاريخ العديد من المواقف البطولية للنساء اللواتي تحدين الصعاب وحققن إنجازات مشرفة. ففي مجتمعات مزقتها الحروب، نجد النساء يعملن بلا كلل لإعادة بناء ما تهدم، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للأسر المتضررة. كما يشاركن بنشاط في عمليات التفاوض والسلام، مسهمات في وضع أسس لمستقبل أكثر إشراقاً واستقراراً.

وعلى الرغم من الإنجازات الكبيرة، لا تزال المرأة تواجه تحديات جسيمة في مناطق النزاع. تتنوع هذه التحديات بين الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، إلا أن المرأة تواصل مسيرتها بثبات وإصرار. لقد أثبتت النساء في مختلف الثقافات والبيئات أنهن قادرات على تحويل المعاناة إلى قوة، لكن ذلك لا يكفي. هن بحاجة إلى دعم أكثر فعالية وتفعيل دورهن في المجتمع بشكل أكبر. لا تزال الكثير من العادات والمعتقدات تحجم المرأة وتمنعها أحياناً من الدفاع عن نفسها، خاصة عند تعرضها للعنف الجنسي، وهو آفة كبيرة تزداد مع استمرار غياب الأمن والنظام واختلال ميزان القوى في المجتمع.

لاجتثاث هذه الآفة، نحن بحاجة لتضافر جهود عديدة. ولتقديم الدعم الفعّال للمرأة في هذا المجال، يمكن للمجتمع المحلي والدولي اتباع العديد من التوصيات:

1. توفير الحماية القانونية: يجب تعزيز الأطر القانونية التي تضمن حقوق المرأة وتحميها من العنف الجنسي، مع ضمان تطبيق القوانين بصرامة ومعاقبة الجناة حتى ضمن إطار وجود سلطات للأمر الواقع من الممكن تطبيق قوانين الحماية. 

2. التوعية والتثقيف: تنظيم حملات توعية تستهدف تغيير المفاهيم الاجتماعية السلبية حول المرأة والعنف الجنسي، وتعزيز ثقافة الاحترام بين الجنسين.

3. دعم المنظمات الإنسانية ومشاريع تمكين المجتمع: تقديم الدعم المادي والمعنوي للمنظمات  التي تعمل على مكافحة العنف الجنسي للجنسين دون تمييز وتقديم المساعدة للضحايا وذلك  بإنشاء مراكز متخصصة لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للناجيات والناجين من العنف الجنسي، ومساعدتهن على إعادة بناء حياتهن.

5. تمكين الاقتصادي: بحيث يتم توفير فرص العمل والتدريب للناجين، مما يساهم في تعزيز استقلاليتهن الاقتصادية وتمكينهن من مواجهة التحديات بثقة.

 

إن صمود الناجين ودورهم في مكافحة العنف الجنسي في حالات النزاع يعكس قوة الإرادة والعزيمة التي يمتلكونها. في ظل النزاعات، تبرز المرأة بشكل خاص كركيزة أساسية في بناء المجتمعات وإعادة الاستقرار. لذا، يجب على المجتمعات الدولية والمحلية دعم المرأة وتمكينها من أداء دورها القيادي، وذلك من خلال توفير الحماية والأدوات اللازمة للنساء والناجين معاً لتحقيق الأهداف التي وجدت لذلك. إن تقديرنا كمجتمع محلي لذها الدور وتقديم الدعم اللازم لها ليس فقط واجباً أخلاقياً، بل ضرورة لتحقيق سلام دائم وتنمية مستدامة.

اقرأ المزيد
١٩ يونيو ٢٠٢٤
العنف الجنسي في حالات النزاع: تحديات وآثار وحلول ودور المرأة في هذه الظروف

يحيي العالم في 19 حزيران من كل عام اليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع. يهدف هذا اليوم إلى التوعية بالحاجة الملحة لوضع حد للعنف الجنسي المرتبط بالنزاعات في جميع أنحاء العالم. وقد تم إعلان هذا اليوم لأول مرة في عام 2015 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتم اختيار هذا التاريخ للتذكير باعتماد قرار مجلس الأمن رقم 1820 في 19 يونيو 2008، الذي ندد بالعنف الجنسي. يُعد العنف الجنسي في حالات النزاع من أبشع الجرائم التي تُرتكب في أوقات الحروب، حيث لا يلحق الأذى الجسدي والنفسي بالأفراد فقط، بل يمتد تأثيره ليشمل المجتمعات بأسرها.

على الرغم من جهود الأمم المتحدة في مختلف مناطق العالم، إلا أنها لا تستطيع وضع رقم محدد لحالات العنف الجنسي في مناطق الأزمات. يشير العاملون في الميدان إلى أنه في مقابل كل حالة اغتصاب يتم الإبلاغ عنها، توجد عشرة إلى عشرين حالة لا يتم الإبلاغ عنها، وذلك بسبب وصمة العار والمخاوف الأخرى. لفهم العنف الجنسي في حالات النزاعات، يجب علينا أولاً تعريف مفهوم العنف الجنسي بشكل عام.

العنف الجنسي هو أي فعل جنسي غير مرغوب فيه، أو محاولة القيام بفعل جنسي، أو تعليقات أو حركات جنسية، أو أي أفعال تسيطر على الشخص جنسياً بالإكراه أو التهديد بالإيذاء البدني من قبل أي شخص، بغض النظر عن علاقته بالضحية، وفي أي مكان سواء في المنزل أو في مكان العمل. يشمل العنف الجنسي أشكالاً عديدة مثل الاغتصاب، الاستعباد الجنسي، الحمل القسري، التحرش الجنسي، والاستغلال الجنسي، والإكراه على الإجهاض.

العنف الجنسي في النزاعات يشمل كافة أشكال الاعتداءات الجنسية التي تُرتكب في سياق النزاعات، بما في ذلك الاغتصاب، والاستعباد الجنسي، والإكراه على الدعارة، والحمل القسري، والإجهاض القسري. هذه الجرائم تُرتكب ضد النساء والرجال والأطفال على حد سواء.

 

شهادات وشهادات من قادة الأمم المتحدة:

يقول الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع في عام 2017: "اليومَ نقف إجلالاً للنساء والفتيات والرجال والفتيان الذين عانوا فظائع العنف الجنسي في حالات النزاع، ونجدد تأكيد التزامنا العالمي بالقضاء على هذا البلاء". وأضاف: "فلنغتنم هذه المناسبة ونعمل باسم جميع الضحايا على تركيز جهودنا مجدداً على إنهاء العنف الجنسي في حالات النزاع وتحقيق السلام والعدل لصالح الجميع".

تقول المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، الدكتورة ناتاليا كانيم: "النزاعات في تصاعد. نرى الصور في كل مكان. من ينجون من العنف الجنسي في وقت الحرب – بما في ذلك الاغتصاب والزواج القسري والاستعباد الجنسي – يُتركون بندوب جسدية وعاطفية دائمة، ويسلب منهم الصحة والكرامة والسلام والعدالة". وتشدد على أن المحرمات الاجتماعية، والأنظمة الصحية المحطمة، وانعدام الأمن تمنع الناجين من التماس الدعم أو الحصول عليه، مما يعيق مشاركتهم في الحياة الاجتماعية.

 

أسباب العنف الجنسي في النزاعات:

1. العوامل الاجتماعية والثقافية: تساهم العادات والتقاليد القديمة والمفاهيم المغلوطة حول النوع الاجتماعي في زيادة معدلات العنف الجنسي.

2. الانهيار الكامل للقوانين والمحاسبة: في أوقات النزاعات، يضعف القانون وتزداد الفوضى، مما يشجع على ارتكاب الجرائم دون خوف من العقاب.

3. العوامل الاقتصادية والظروف القاهرة: يزيد الضغط الاقتصادي والظروف المعيشية القاسية من احتمالات وقوع العنف الجنسي.

 

تداعيات العنف الجنسي في النزاعات:

1. الآثار الصحية: يؤدي العنف الجنسي إلى إصابات جسدية ونفسية بالغة، بما في ذلك الصدمات النفسية والأمراض المنقولة جنسياً والحمل غير المرغوب فيه.

2. الآثار الاجتماعية: يتسبب العنف الجنسي في تدمير النسيج الاجتماعي وتفكك العائلات والمجتمعات، كما قد يؤدي إلى وصم الضحايا ونبذهم.

3. الآثار الاقتصادية: يزيد من الفقر والتهميش الاجتماعي، حيث يجد الضحايا صعوبة في الاندماج في المجتمع والعمل بعد تعرضهم للعنف.

تشمل الجهود الدولية لمكافحة العنف الجنسي في النزاعات قرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن، والمحاكمات الدولية لمثل هذه الانتهاكات، وأيضاً جهود الدول وقوانينها المحلية.

تلعب المرأة دوراً حيوياً في المجتمع، يمتد تأثيره إلى جميع مناحي الحياة. ورغم التحديات الكبيرة التي تواجهها، خاصة في ظروف الحرب والنزاعات المسلحة، أثبتت النساء قدرتهن على التحمل والصمود والمساهمة الفعّالة في بناء السلام واستقرار المجتمعات. إن شجاعة وإبداع النساء في مثل هذه الأوقات العصيبة يعكس عمق قوتهن ودورهن الحيوي في تحقيق التغيير الإيجابي.

 

في ظروف الحرب، تتخذ النساء أدوارًا متنوعة تشمل:

1. رعاية الأسرة والأعمال المنزلية: تولت النساء أدوارًا في القطاعات الصحية والتعليمية والإنسانية، مما ساعد في تقديم الدعم والرعاية للمتضررين.

2. التحديات الكبيرة: تتعرض النساء للعنف الجنسي والاستغلال كجزء من استراتيجيات الحرب، مما يترك آثارًا نفسية وجسدية طويلة الأمد.

3. التهميش الاجتماعي والاقتصادي: تجد النساء أنفسهن في مواجهة التهميش الاقتصادي والاجتماعي، مع فقدان مصادر الدخل وانعدام الأمان الوظيفي.

4. الوصمة الاجتماعية: كثيرًا ما تتعرض النساء اللاتي يُصبحن ضحايا للعنف الجنسي للوصم الاجتماعي والتمييز.

رغم هذه التحديات، تمكنت النساء من إثبات وجودهن من خلال:

1. *الانضمام إلى الحرف والمشاريع الصغيرة*: أطلقت النساء مشاريع صغيرة بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية، مما ساعد في تعزيز استقلاليتهن الاقتصادية.

2. المشاركة في المنظمات غير الحكومية: قدمت النساء المساعدة الإنسانية والدعم النفسي والقانوني للمتضررين.

3. حملات وجلسات التوعية: شاركت النساء في حملات التوعية وشبكات الحماية، مما ساهم في تعزيز الوعي بالمخاطر والحلول الممكنة.

 

يظل العنف الجنسي في حالات النزاع جرحًا نازفًا في ضمير الإنسانية، يتطلب علاجاً شاملاً ومتكاملاً من خلال الجهود الدولية والمحلية المشتركة. يتعين على المجتمع الدولي والمحلي التصدي لهذه الظاهرة بجدية وحزم، عبر تعزيز التشريعات والقوانين، وتقديم الدعم الشامل للضحايا، والعمل الحثيث والدائم على معالجة هذه الظاهرة. فقط من خلال هذه الجهود المتضافرة يمكننا الأمل في بناء مستقبل خالٍ من العنف الجنسي، حيث يسود السلام والعدالة والكرامة للجميع.

اقرأ المزيد
١٣ يونيو ٢٠٢٤
تعقيب قانوني على تقرير لجنة تقصّي الحقائق حول استخدام السلاح الكيماوي في ريف حماه الشرقي

النظام السوريّ المجرم اعتمد سياسة تضليل لجنة تقصّي الحقائق الخاصة بالتحقيقي باستخدام السلاح الكيماوي من خلال ادعائه باستهداف عصاباته التي كانت منتشرة في المناطق التي قام هو باستهدافها بالسلاح الكيماوي واتهم به إما فصائل الثورة أو تنظيم الدولة الإسلاميّة ومنها:

- قيامه بإرسال مذكرة الى منظمة حظر الاسلحة الكيماوية يدّعي فيها تعرّض عصاباته لهجوم بالسلاح الكيماوي في قرية ’’المصاصنة‘‘ المتاخمة لمدينة اللطامنة التي تعرّضت للقصف بالسارين و الكلورين من قبل النظام بنفس الفترة  وقد استشهد فيها الدكتور علي الدرويش و قد اثبت فريق تحديد الهوية مسؤولية النظام عن هذا الهجوم .

- كما ارسل مذكرة الى المنظمة يدّعي فيها ان عصاباته ايضا تعرضت لهجوم بالأسلحة الكيمياوية في منطقة قليب الثور في ريف سلمية من قبل تنظيم الدولة الاسلامية، وفي قرية "البليل" في منطقة صوران  من قبل ’’جبهة النصرة و احفاد الرسول و الوية الفاروق ‘‘ مع زجّ اسم جيش العزّة في المذكرة التي ارسلها  للتغطية وخلط الأوراق على جريمته و هجومه بالسارين على قرى عقيربات، وحمادي عمر والقسطل و الصلالية بريف حماة التي ارتقى خلالها حوالي 104 شهداء.

انتهى فريق لجنة  تقصيّ الحقائق  الى النتيجة التالية : إنّ المعلومات التي تم الحصول عليها وتحليلها ككل وفقاً لولاية بعثة تقصي الحقائق المتمثلة في جمع الحقائق ذات الصلة بالاستخدام المزعوم للمواد الكيميائية السامة كسلاح في الجمهورية  العربية السورية، لا تكفي لتوفير أسباب معقولة لتقرير بعثة تقصي الحقائق لتحديد تلك المادة  السامة بأنّه  تم استخدام المواد الكيميائية كسلاح في الحوادث المبلغ عنها التي وقعت في 9 أغسطس2017 في قلب الثور وفي 8 نوفمبر 2017 في البليل، محافظة حماة، الجمهورية  العربية السورية‘‘.

- تأتي اهميّة هذا التقرير بالإضافة الى تقريرها حول استخدام السلاح الكيماوي في كفرزينا واللطامنة و تلمنس والتمانعة وسراقب و دوما و مارع وغيرها من المناطق المستهدفة بالسلاح الكيماوي بأن هذا السلاح لم يستخدمه إلّا النظام وحده في سوريّة من خلال ثبوت عدم  مسؤولية الفصائل الثورية و تنظيم الدولة الاسلامية عن استخدامه لدى فريق لجنة تقصي الحقائق و فريق تحديد الهوية.

- و في هذا المقام ننوّه الى أن النظام يسعى بكل قوته وبكل الطرق لإدانة اي فصيل من فصائل الثورة لينفي مسؤوليته عن استخدام السلاح الكيماوي ومن هذه الاساليب الزجّ بأسماء وهمية لشهود او ضحايا او تمريرها عبر اشخاص او منظمات مخترقة من قبله  في التحقيقات التي تجريها لجنة تقصّي الحقائق أو فريق تحديد الهوية لنسف قيمة  الادلة و مصداقية الشهود  والضحايا من خلال تضارب المعلومات او التشكيك بها . ، وخاصة في التحقيقات التي قدمتها لجنة تقصّي الحقائق الى فريق تحديد الهوية  والتي اثبتت وقوع الهجمات الكيميائية وسلمتها الى فريق تحديد الهوية لتحديد المسؤولين عن هذه الهجمات .

وبناءً عليه نتمنى من كل الناشطين والمهتمين الحذر من الاعيب النظام والتحقّق من مصداقيّة وأمانة كل من يطلب معلومات حول ملف جرائم الكيماوي التي ارتكبها نظام أسد المجرم.

اقرأ المزيد
٢٤ مايو ٢٠٢٤
القائد العصامي ومكتسبات الثورة السورية في "ميزان الفاتح"

على وقع تسارع وتصاعد الأحداث في شمال غربي سوريا، ترددت عبارة "الحفاظ على مكتسبات الثورة السورية" بكثرة عبر قنوات إعلاميّة وشخصيات مقربة من "هيئة تحرير الشام" وقائدها "أبي محمد الجولاني"، الذي يعشق أن يُلقب بـ"قائد المحرر".

هذا القائد الطامح الذي لا يشق له غبار، الممنوع من الانغماس بطلب من "الأخوة"، يتباهى ويكرر مصطلح "المكتسبات" وعدم السماح بالعودة إلى "المربع الأول" ما يجعلك تنسج الأحلام الوردية وتشعر بأنك تعيش في المدينة الفاضلة، إحدى أحلام الفيلسوف اليوناني "أفلاطون".

يفند هذا المقال بما قل ودل ما ورد على لسان "الجولاني"، المتلون حول "المكتسبات"، المزعومة وحقيقتها دون أن يسع المجال لذكر مسلسل تقلبات الرجل حيث يستحيل أن يتطرق مقال واحد أو حتى كتاب إلى حجم البراغماتية الذي مارسها حتى وصوله إلى سلطة ونفوذ على مناطق إدلب وغربي حلب.

لحصر "مكاسب الثورة" بالنسبة لـ"الجولاني" لا بد تذكير السوريين بظهوره دون كشف وجهه في بداية الثورة.. شخص مجهول الملامح والشخصية وبنبرة صوت دافئة؛ لكي تدغدغ المشاعر، قال في مقابلة بثتها الجزيرة عام 2013 إنه قدم إلى سوريا رفقة 7 إلى 8 أشخاص وتحديداً في الشهر الثامن 2011 أي بعد اندلاع الثورة بحوالي نصف عام.

لا أدعو القارئ إلى مواصلة القراءة قبل التركيز على فكرة بأن "الجولاني" وبعظمة لسانه قال إنه جاء إلى هذا البلد بداعي النصرة ولا يملك رغبة بالحكم، وكذلك لم يكن يملك حينها أي من "المكتسبات" التي يغنى بها الآن على الرغم بأن لا مجال للمقارنة بين واقع الثورة بين الماضي والحاضر.

وكذلك لا مجال للمقارنة بين ما ورد في حديثه السابق لا سيما فيما يتعلق بعلاقته مع القاعدة والبغدادي وسامي العريدي وغيرها من المواضيع الجدلية، ولكن هذه فرصة للتأكيد على عدم إمكانية الخروج عن سياق المقالة التي تتركز على تفنيد خدعة "المكتسبات" وعدم الخوض في تقلبات وتذبذب "الجولاني" الذي سلك طرق طويلة أطاح بالكثيرين وبدل جلده مرات ومرات.

فضل الثورة على "الجولاني".. "مكتسب" لا يحمل النكران

لا شك بأنه كثيرة هي الجهات التي تسلقت على الثورة السورية التي تصنف ودون منازع أطهر وأشجع ثورة على مر العصور دفعت ثمن باهظ لتنال أهدافها التي لا أشك بأنها ستتحقق، وطالما ينكر الجناة فعلتهم، إلا أن "الفاتح" (أحد ألقاب الجولاني) حينما كان يخاطب الإعلام بالصوت فقط ويظهر أجزاء بسيطة من جسده تقتصر على الوشاح ويده التي تظهر صدفة، أقر بأن للثورة الفضل عليه.

وانتهز "الجولاني" ذاك المكتسب الذي يتجاهله الآن بل دعوني أقولها بالعامية فهو حاليا والمطبلين معه "يضربون الثورة منية"، دون التطرق إلى حجم خسائرها البشرية والمادي والمعنوية على يده، علما بأنه أكد قبل 10 سنوات على الأقل أنه لولا الثورة لما استطاع الوصول لسوريا، حيث مهدت أحداثها الطريق لدخوله، واعتبر حينها أن "جبهة النصرة" ثمرة من ثمرات الجهاد العالمي.

فكيف وصل "الجولاني" إلى هذه المكانة الكبيرة؟ دون أن أُغفل دعمه من أطراف خارجية واستخدامه من أخرى، رجل قدم مع ثلة أشخاص جلهم تم تحييدهم على يده، ليصبح لاحقاً صاحب السلطان، وللمعلومة سبق للجولاني أن نفى مراراً أي نية لتفرده في الحكم في سوريا، أو السعي إلى السلطة وحتى في أزمته الأخيرة خرج وكرر بأنه "لا خلاف على السلطة".

حكاية القائد العصامي.. مكتسبات لا تعد ولا تحصى!

تُشكل مكتسبات "الجولاني" قائمة واسعة وهذه أبرزها، (حكومة) ورقية متعددة الاستخدامات بين تلميع الواقع وبين عملها مظلة مدنية ودورها الأهم بالنسبة للجولاني الجباية والضرائب وتنفيذ للإملاءات، (معابر) داخلية تدر ذهباً، (فصيل) مدجج بسلاح منهوب من الفصائل، (جهاز أمني) مُبدع في إجبار حتى القادة على الاعتراف بالعمالة، قادة قبِل بعضهم التخوين ثم رضوا بالمناصب والأموال والتعويض.

يُضاف إلى ذلك غطاء (شرعي وقضائي) يوفره شخصيات تغوص في نعيم الجولاني ومكرماته، و(جيش من الإعلام الرديف) يهاجم كل من يقترب من القائد الأوحد العصامي الذي شكل نفسه بنفسه، حتى لو كانوا شركاء الأمس القريب، نيرانه تطال الخصوم والمخالفين وتشوه صورتهم بما فيهم القادة المنشقين والمطرودين وغيرهم.

لن أحمل "الجولاني" وحده مسؤولية الهزائم وانتكاسات الثورة، لكن لا يمكن أن يتجاهل الثائر دوره الكبير بهذا الخصوص، وجرائمه بحق الثورة ومكوناتها لا سيّما الفصائل التي تفرد بها، لذلك كلمة "مكتسبات الثورة" كبيرة إذا ما قورنت بالخسائر وادعوا إعلام الهيئة إلى استبدالها المصطلح بـ"ما تبقى" إذا ما أرادوا الاقتراب من الواقع ولو لمرة واحدة في تاريخهم.

بناء إمارات لا تصلها صرخات أوجاع النازحين في المخيمات 

تقوم طريقة حكم "الجولاني" داخلياً على تقسيمات غير معلنة تقوم على المناطقية والعشائرية وحتى تيارات متفاوتة التشدد والفكر، قام بهندسة كل منها ضمن صفوفه لعلمه بمفتاح كل منها، كمن يعبث بحقل للألغام، ولا شك بأن حجم الظلم والظاهر مؤخرا قد يكون صادما لأشد خصومه فقد انكشف الحقيقة جلية وتتوالى الفضائح التي من شأنها زوال المشروع الخاص الذي استأثر بكل شيء وأقصى كل مخالف.

ونتج عن هذه التكوينات والتكتلات التي قام "الجولاني" بهندستها، تزايد ظواهر الاحتكار وبناء القصور والممالك والإمبراطوريات من قبل أمراء الحرب في الهيئة والمقربين منها، عدا عن الصراعات والانقسامات التي ظهرت وكانت ضمن إرهاصات أفضت لاحقا إلى انتفاضة شعبية ستكون طريقة التعامل معها هي العامل الأبرز في تحديد مدى استمراريتها وتفجر الأوضاع من عدمه.

إذا كان يُحسب لـ"الجولاني" بسط الأمن والأمان والاستقرار في إدلب، فعليه أن يثبت صدق النية ويتنحى عن الحكم لقطع الطريق على الفوضى، وأما عن كذبة "عدم وجود بديل مناسب" فسوف أصارح المتابع بدون كلمات منمقة عن قصد "الجولاني" بهذه الجملة، فهو يتعّمد إهانة الثورة وكافة مكوناتها وكوادرها وملايين السوريين فكيف يُسمح له بأن يدعي أن الثورة عقيمة ليس فيها قادة غيره؟ أم أنه قد ضمن الحياة والخلود؟ وحفظ "المكتسبات".

ولقناعتي التامة بعدم وجود إجرام يشبه نظام الأسد المتوحش اللاحم، لن أجري إسقاطات بهذا الشأن رغم المطابقة في كثير منها، لكن ليعلم "الجولاني"، بأن تشبيه الناس له بالنظام السوري في الشوارع ومواقع التواصل، هو دليل واضح على أن ما يفعله ويمارسه من جرائم وانتهاكات أشد مَضاضة عليهم، فهذه الظلمات تراكمات، والقطاعات احتكرت، وزاد الفساد والتسلط والجور وتم استنساخ جوقة المنتفعين والمدافعين عن السلطان بكل بشاعة، فعن أي مكتسبات يتحدث الحاكم وزبانيته؟.

بشهادة رفاق الأمس.. يوم الجولاني بكى على الكرسي!!

يرى العارف بتركيبة "هيئة تحرير الشام" بأنها تلقت الضربة الأقسى منذ تأسيسها، ضمن ما عرف بـ"قضية العمالة" التي لا تزال تداعياتها تجري حتى الآن، كرر قادة جبهة النصرة التي تغيرت تسميتها وشهدت تحولات كثيرة الحديث عن نفي الرغبة بالسلطة، لن استشهد بقرائن من خصوم "الجولاني" بل سأذكر رفيق الأمس المعروف بـ"أبي أحمد زكور" حين قال في مقاطع صوتية إن "الجولاني بكى على الكرسي" وتوسل عدم عزله.

كل هذه مؤشرات تدل على عدم نية الحاكم ترك السلطة التي حلف أيمان مغلظة بأنه لن يسعى لها، بل بحجة الحفاظ على "مكتسبات الثورة السورية" سيجر المحرر إلى الهاوية والفوضى فأين الحكمة بذلك؟، هنا سأتوجه بالسؤال إلى الشرعي "عبدالرحيم عطون" ونظيره "مظهر اللويس" وحتى المفتش القضائي الجديد "إبراهيم شاشو"، ما الحكم الشرعي لمن كذب وبغى وطغى وعذب وقتل وقمع ومارس التضليل والتقية!.

من المؤكد أن المنتفعين من الهيئة كثر، ممن ربطوا مصيرهم من مصيره، وعلماء البلاط شركاء في تثبيت الحاكم وتلميع وشرعنة ظلمه، ما يضعهم في دائرة المسؤولين بشكل مباشر عن أخطاء السلطة، أذكر في بداية الثورة السورية كُتبت عبارة تسخر من مشايخ السلطان منها سؤالاً موجهاً للبوطي جاء فيه "شيخي متظاهر في رمضان أكل رصاصة من الأمن هل يفطر؟".

والناظر إلى هذه العبارة "مكتسبات الثورة السورية" لن يتخيل بأن المكتسبات المراد أن تفرح بها وتمجدها هي وبكل واقعية ودون تجميل، "معابر، مخيمات، شريط حدودي، دوارات، طرق معبدة، ملاهي وملاعب"، مؤسف وأنا أعددها بحرقة فكنت أظنها 85% مناطق محررة من مساحة سوريا، ويفجعني أن أقول بأن امتلاك قرار تحرير المناطق المحتلة ليس أيضاً من "المكتسبات".

رسالة لكل ثائر بوجه الظلم والطغيان.. هذه "المكتسبات" فلنحافظ عليها

أما مكتسبات الحراك فإن كسر حاجز الخوف رغم القبضة الأمنية يتصدرها بدون منازع، إضافة إلى الأثر النفسي والمعنوي بما يعزز حقيقة جلية بأن مهما تعاظم الظلم فإن نهايته التهالك أمام أصحاب الحق، ومن يراهن على تخويف وإذلال وسرقة الشعب الذي فجر أعظم الثورات فإن رهانه خاسر، فلن يسامح من أجرم بحق الثورة وإن استطاع ترضية العسكريين بالمناصب والأموال المنهوبة، فلن ينجح مع الشعب ذلك حتماً.

ومن مكتسبات الحراك أيضاً بأنه قام بفضح مشروع الجولاني على رؤوس الأشهاد، ولم يعد خصمه اليوم فصيل مسلح لفق له التهم ثم يبطش به، بل بات شعب مكلوم تفجر غضبه ولن يستكين حتى تحقيق المطالب رغم محاولات الالتفاف عليها وتقزيمها، فإنّ الإصلاح الوحيد الذي ممن هو تنحي "الجولاني"، ثم محاسبة كل من ولغ في الدماء والقصاص ومحاسبة من كل المجرمين بحق هذا الشعب النبيل الكريم الذي فيه ثوار لن يساوموا على كرامتهم بعرض من الدنيا قليل.

اقرأ المزيد
1 2 3 4 5

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان