على وقع تسارع وتصاعد الأحداث في شمال غربي سوريا، ترددت عبارة "الحفاظ على مكتسبات الثورة السورية" بكثرة عبر قنوات إعلاميّة وشخصيات مقربة من "هيئة تحرير الشام" وقائدها "أبي محمد الجولاني"، الذي يعشق أن يُلقب بـ"قائد المحرر".
هذا القائد الطامح الذي لا يشق له غبار، الممنوع من الانغماس بطلب من "الأخوة"، يتباهى ويكرر مصطلح "المكتسبات" وعدم السماح بالعودة إلى "المربع الأول" ما يجعلك تنسج الأحلام الوردية وتشعر بأنك تعيش في المدينة الفاضلة، إحدى أحلام الفيلسوف اليوناني "أفلاطون".
يفند هذا المقال بما قل ودل ما ورد على لسان "الجولاني"، المتلون حول "المكتسبات"، المزعومة وحقيقتها دون أن يسع المجال لذكر مسلسل تقلبات الرجل حيث يستحيل أن يتطرق مقال واحد أو حتى كتاب إلى حجم البراغماتية الذي مارسها حتى وصوله إلى سلطة ونفوذ على مناطق إدلب وغربي حلب.
لحصر "مكاسب الثورة" بالنسبة لـ"الجولاني" لا بد تذكير السوريين بظهوره دون كشف وجهه في بداية الثورة.. شخص مجهول الملامح والشخصية وبنبرة صوت دافئة؛ لكي تدغدغ المشاعر، قال في مقابلة بثتها الجزيرة عام 2013 إنه قدم إلى سوريا رفقة 7 إلى 8 أشخاص وتحديداً في الشهر الثامن 2011 أي بعد اندلاع الثورة بحوالي نصف عام.
لا أدعو القارئ إلى مواصلة القراءة قبل التركيز على فكرة بأن "الجولاني" وبعظمة لسانه قال إنه جاء إلى هذا البلد بداعي النصرة ولا يملك رغبة بالحكم، وكذلك لم يكن يملك حينها أي من "المكتسبات" التي يغنى بها الآن على الرغم بأن لا مجال للمقارنة بين واقع الثورة بين الماضي والحاضر.
وكذلك لا مجال للمقارنة بين ما ورد في حديثه السابق لا سيما فيما يتعلق بعلاقته مع القاعدة والبغدادي وسامي العريدي وغيرها من المواضيع الجدلية، ولكن هذه فرصة للتأكيد على عدم إمكانية الخروج عن سياق المقالة التي تتركز على تفنيد خدعة "المكتسبات" وعدم الخوض في تقلبات وتذبذب "الجولاني" الذي سلك طرق طويلة أطاح بالكثيرين وبدل جلده مرات ومرات.
لا شك بأنه كثيرة هي الجهات التي تسلقت على الثورة السورية التي تصنف ودون منازع أطهر وأشجع ثورة على مر العصور دفعت ثمن باهظ لتنال أهدافها التي لا أشك بأنها ستتحقق، وطالما ينكر الجناة فعلتهم، إلا أن "الفاتح" (أحد ألقاب الجولاني) حينما كان يخاطب الإعلام بالصوت فقط ويظهر أجزاء بسيطة من جسده تقتصر على الوشاح ويده التي تظهر صدفة، أقر بأن للثورة الفضل عليه.
وانتهز "الجولاني" ذاك المكتسب الذي يتجاهله الآن بل دعوني أقولها بالعامية فهو حاليا والمطبلين معه "يضربون الثورة منية"، دون التطرق إلى حجم خسائرها البشرية والمادي والمعنوية على يده، علما بأنه أكد قبل 10 سنوات على الأقل أنه لولا الثورة لما استطاع الوصول لسوريا، حيث مهدت أحداثها الطريق لدخوله، واعتبر حينها أن "جبهة النصرة" ثمرة من ثمرات الجهاد العالمي.
فكيف وصل "الجولاني" إلى هذه المكانة الكبيرة؟ دون أن أُغفل دعمه من أطراف خارجية واستخدامه من أخرى، رجل قدم مع ثلة أشخاص جلهم تم تحييدهم على يده، ليصبح لاحقاً صاحب السلطان، وللمعلومة سبق للجولاني أن نفى مراراً أي نية لتفرده في الحكم في سوريا، أو السعي إلى السلطة وحتى في أزمته الأخيرة خرج وكرر بأنه "لا خلاف على السلطة".
تُشكل مكتسبات "الجولاني" قائمة واسعة وهذه أبرزها، (حكومة) ورقية متعددة الاستخدامات بين تلميع الواقع وبين عملها مظلة مدنية ودورها الأهم بالنسبة للجولاني الجباية والضرائب وتنفيذ للإملاءات، (معابر) داخلية تدر ذهباً، (فصيل) مدجج بسلاح منهوب من الفصائل، (جهاز أمني) مُبدع في إجبار حتى القادة على الاعتراف بالعمالة، قادة قبِل بعضهم التخوين ثم رضوا بالمناصب والأموال والتعويض.
يُضاف إلى ذلك غطاء (شرعي وقضائي) يوفره شخصيات تغوص في نعيم الجولاني ومكرماته، و(جيش من الإعلام الرديف) يهاجم كل من يقترب من القائد الأوحد العصامي الذي شكل نفسه بنفسه، حتى لو كانوا شركاء الأمس القريب، نيرانه تطال الخصوم والمخالفين وتشوه صورتهم بما فيهم القادة المنشقين والمطرودين وغيرهم.
لن أحمل "الجولاني" وحده مسؤولية الهزائم وانتكاسات الثورة، لكن لا يمكن أن يتجاهل الثائر دوره الكبير بهذا الخصوص، وجرائمه بحق الثورة ومكوناتها لا سيّما الفصائل التي تفرد بها، لذلك كلمة "مكتسبات الثورة" كبيرة إذا ما قورنت بالخسائر وادعوا إعلام الهيئة إلى استبدالها المصطلح بـ"ما تبقى" إذا ما أرادوا الاقتراب من الواقع ولو لمرة واحدة في تاريخهم.
تقوم طريقة حكم "الجولاني" داخلياً على تقسيمات غير معلنة تقوم على المناطقية والعشائرية وحتى تيارات متفاوتة التشدد والفكر، قام بهندسة كل منها ضمن صفوفه لعلمه بمفتاح كل منها، كمن يعبث بحقل للألغام، ولا شك بأن حجم الظلم والظاهر مؤخرا قد يكون صادما لأشد خصومه فقد انكشف الحقيقة جلية وتتوالى الفضائح التي من شأنها زوال المشروع الخاص الذي استأثر بكل شيء وأقصى كل مخالف.
ونتج عن هذه التكوينات والتكتلات التي قام "الجولاني" بهندستها، تزايد ظواهر الاحتكار وبناء القصور والممالك والإمبراطوريات من قبل أمراء الحرب في الهيئة والمقربين منها، عدا عن الصراعات والانقسامات التي ظهرت وكانت ضمن إرهاصات أفضت لاحقا إلى انتفاضة شعبية ستكون طريقة التعامل معها هي العامل الأبرز في تحديد مدى استمراريتها وتفجر الأوضاع من عدمه.
إذا كان يُحسب لـ"الجولاني" بسط الأمن والأمان والاستقرار في إدلب، فعليه أن يثبت صدق النية ويتنحى عن الحكم لقطع الطريق على الفوضى، وأما عن كذبة "عدم وجود بديل مناسب" فسوف أصارح المتابع بدون كلمات منمقة عن قصد "الجولاني" بهذه الجملة، فهو يتعّمد إهانة الثورة وكافة مكوناتها وكوادرها وملايين السوريين فكيف يُسمح له بأن يدعي أن الثورة عقيمة ليس فيها قادة غيره؟ أم أنه قد ضمن الحياة والخلود؟ وحفظ "المكتسبات".
ولقناعتي التامة بعدم وجود إجرام يشبه نظام الأسد المتوحش اللاحم، لن أجري إسقاطات بهذا الشأن رغم المطابقة في كثير منها، لكن ليعلم "الجولاني"، بأن تشبيه الناس له بالنظام السوري في الشوارع ومواقع التواصل، هو دليل واضح على أن ما يفعله ويمارسه من جرائم وانتهاكات أشد مَضاضة عليهم، فهذه الظلمات تراكمات، والقطاعات احتكرت، وزاد الفساد والتسلط والجور وتم استنساخ جوقة المنتفعين والمدافعين عن السلطان بكل بشاعة، فعن أي مكتسبات يتحدث الحاكم وزبانيته؟.
يرى العارف بتركيبة "هيئة تحرير الشام" بأنها تلقت الضربة الأقسى منذ تأسيسها، ضمن ما عرف بـ"قضية العمالة" التي لا تزال تداعياتها تجري حتى الآن، كرر قادة جبهة النصرة التي تغيرت تسميتها وشهدت تحولات كثيرة الحديث عن نفي الرغبة بالسلطة، لن استشهد بقرائن من خصوم "الجولاني" بل سأذكر رفيق الأمس المعروف بـ"أبي أحمد زكور" حين قال في مقاطع صوتية إن "الجولاني بكى على الكرسي" وتوسل عدم عزله.
كل هذه مؤشرات تدل على عدم نية الحاكم ترك السلطة التي حلف أيمان مغلظة بأنه لن يسعى لها، بل بحجة الحفاظ على "مكتسبات الثورة السورية" سيجر المحرر إلى الهاوية والفوضى فأين الحكمة بذلك؟، هنا سأتوجه بالسؤال إلى الشرعي "عبدالرحيم عطون" ونظيره "مظهر اللويس" وحتى المفتش القضائي الجديد "إبراهيم شاشو"، ما الحكم الشرعي لمن كذب وبغى وطغى وعذب وقتل وقمع ومارس التضليل والتقية!.
من المؤكد أن المنتفعين من الهيئة كثر، ممن ربطوا مصيرهم من مصيره، وعلماء البلاط شركاء في تثبيت الحاكم وتلميع وشرعنة ظلمه، ما يضعهم في دائرة المسؤولين بشكل مباشر عن أخطاء السلطة، أذكر في بداية الثورة السورية كُتبت عبارة تسخر من مشايخ السلطان منها سؤالاً موجهاً للبوطي جاء فيه "شيخي متظاهر في رمضان أكل رصاصة من الأمن هل يفطر؟".
والناظر إلى هذه العبارة "مكتسبات الثورة السورية" لن يتخيل بأن المكتسبات المراد أن تفرح بها وتمجدها هي وبكل واقعية ودون تجميل، "معابر، مخيمات، شريط حدودي، دوارات، طرق معبدة، ملاهي وملاعب"، مؤسف وأنا أعددها بحرقة فكنت أظنها 85% مناطق محررة من مساحة سوريا، ويفجعني أن أقول بأن امتلاك قرار تحرير المناطق المحتلة ليس أيضاً من "المكتسبات".
أما مكتسبات الحراك فإن كسر حاجز الخوف رغم القبضة الأمنية يتصدرها بدون منازع، إضافة إلى الأثر النفسي والمعنوي بما يعزز حقيقة جلية بأن مهما تعاظم الظلم فإن نهايته التهالك أمام أصحاب الحق، ومن يراهن على تخويف وإذلال وسرقة الشعب الذي فجر أعظم الثورات فإن رهانه خاسر، فلن يسامح من أجرم بحق الثورة وإن استطاع ترضية العسكريين بالمناصب والأموال المنهوبة، فلن ينجح مع الشعب ذلك حتماً.
ومن مكتسبات الحراك أيضاً بأنه قام بفضح مشروع الجولاني على رؤوس الأشهاد، ولم يعد خصمه اليوم فصيل مسلح لفق له التهم ثم يبطش به، بل بات شعب مكلوم تفجر غضبه ولن يستكين حتى تحقيق المطالب رغم محاولات الالتفاف عليها وتقزيمها، فإنّ الإصلاح الوحيد الذي ممن هو تنحي "الجولاني"، ثم محاسبة كل من ولغ في الدماء والقصاص ومحاسبة من كل المجرمين بحق هذا الشعب النبيل الكريم الذي فيه ثوار لن يساوموا على كرامتهم بعرض من الدنيا قليل.
في الوقت الذي تصدّر فيه خبر سقوط طائرة الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي"، وعدد من قادته ومرافقيه، بدا واضحاً حجم التعاطي والاهتمام لدى الشارع الثوري السوري في داخل سوريا وخارجها بالخبر، يترقبون سماع خبر "يشفي صدورهم" كمان عبر بعض المتابعين عن ذلك.
"وهل يفرح السوريون بمقتل رئيس دولة أخرى"، نعم عبّر الآلاف من السوريين في عموم المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، وفي بلاد الاغتراب واللجوء، عن فرحة عارمة بنبأ مقتل الرئيس الإيراني "رئيسي" ووزير خارجيته، خلافاً للبيانات الرسمية الدولية بما فيها نظام الأسد، التي سارعت لتقديم التعازي وإثبات الولاء.
فالرئيس الإيراني بنظر الثوار السوريين، مجرم حرب، شارك إلى جانب نظام الأسد في قتلهم وتدمير مدنهم وتهجيرهم، وطمس معالم هوية مناطقهم بعد السيطرة عليها من قبل الميليشيات التي تواصل إيران تعزيز نفوذها من خلالها في سوريا، فقدم نظامه منذ توليه الحكم الدعم الكامل لنظام الأسد، ولعب دوراً محورياً في تعويم بشار الأسد.
وكان الهالك "رئيسي" أول رئيس إيراني يزور نظام الأسد في دمشق ويحاول إخراجه من عزلته التي فرضت عليه دولياً، فكانت زيارته إلى دمشق برفقة وفد وزاري، في زيارة هي الأولى من نوعها لرئيس إيراني منذ عام 2011 إلى سوريا، والتي مهدت لزيادة تحكم إيران في سوريا، وتمكين مشروعها في الهيمنة.
وسبق أن أشادت المستشارة الخاصة لرئاسة الجمهورية السورية "بثينة شعبان"، بما قدمته إيران من مساعدة للنظام في قتل الشعب السوري وتشريده وتغيير الديمغرافية السكانية المستمرة، علاوة عن تملك القرار في كثير من المجالات في سوريا، معتبرة أن إيران كانت الدولة الأولى التي ساعدت سوريا وأرسلت إليها مستشاريها، وأن السوريين لن ينسوا مساعدة الإيرانيين، وفق تعبيرها.
ومنذ تدخلهما في سوريا، تتنافس إيران وروسيا في سباق كبير للهيمنة على الموارد الاقتصادية في سوريا، كذلك الحصول على العقود طويلة الأمد، والتموضع العسكري والتغلغل دينياً وتعليمياً وسياسياً وأمنياً وعلى مستويات عدة، مستغلة حاجة النظام السوري لجهة تدعمه للبقاء، وساهمت إيران وروسيا بشكل فاعل في قتل الشعب السوري وتدمير المدن وعمليات التغيير الديموغرافي.
أثبت "أبو محمد الجولاني" القائد العام لـ "هيئة تحرير الشام"، أنه عدو لكل صوت حر يطالب بالخلاص من الاستبداد والظلم، فكرر مافعله "بشار الأسد" في قمع الشعب السوري، فاستخدم السلاح والعسكر، وقطع الطرقات وسير الدبابات في منطقة أسمها "محرر"، مكرراً ذات النهج بذات الأسلوب ضد ذات الشعب والمكان، مع اختلاف التاريخ.
خلال سنوات عشر مضت، أي منذ سيطرة "هيئة تحرير الشام" على مناطق شمال غربي سوريا، بدأت أحلام "الجولاني" بإقامة "ولاية" في إدلب، ومن ثم حولها لسلطة مدنية محكومة بقبضة أمنية عسكرية، فمارس من أفعال كل ماعاشه الشعب السوري على يد الأسد وأزلامه، في السجون والمعتقلات، وتحت رحمة سلطة همها فرض الضرائب والأتاوات.
لم يترك "الجولاني" أسلوباً لقهر الشعب السوري المهجر بفعل الأسد وحلفائه، إلا كرره، فسيطر على المحرر، وادعى حكمه، أقام إدارة وحكومة مدنية يديرها برجالاته، فسيطر على مقدرات المنطقة، وحارب الشعب بلقمة عيشه، فلم يترك ثغرة يستطيع الاستفادة منها إلا ودخل فيها، من إنشاء للمعابر لمحاربة المنظمات وتقيد نشاطها والهيمنة على دعمها ... إلخ.
أما السجون، فاعتنى "الجولاني" ببنائها في الجبل والمغاور وفي المناطق الحصينة، واحتجز فيها أبناء الثورة وكل من خالفه حتى من حلفائها بمن فيهم المهاجرين من جنسيات أجنبية الذين طالما تغنى بوجودهم وهجرتهم لنصرة السوريين، فاستثمرهم في حملات البغي، قبل أن يغدر بهم ويوجه التهم لهم بالتشدد الذي بدأ به تاريخه، ويزج فيهم في السجون المظلمة، فيقتل من يقتل ويفاوض على حياة من يسلم.
وهاهو المشهد يتكرر اليوم، فكأنك في الأيام الأولى من عام 2011، بذات المشهد من انتشار الأمنيين والعسكر ومدرعاتهم على مفارق الطرق وحول المدن الرئيسية الثائرة، ينتظرون يوم الجمعة الذي يبدو أنه بات كابوساً يؤرق الجولاني كما كان للأسد، فيكرر ذات النهج بذات السياسة سواء عسكرياً في القمع أو إعلامياً في تبريره ورمي التهم وشيطنة الحراك.
لم يتعلم "الجولاني" الدرس خلال 13 عاماً من الثورة، خاض فيها الشعب السوري كل صنوف الموت والعذاب ولم يركع، ولم يهادن، ولم يصالح من استخدم العنف والقتل ضده، رغم التهجير وكل معاناته لم يركع ذلك الشعب أمام الأسد أو داعش، ولن يركع أمام الجولاني بالمطلق مهما فعل، ونحمد الله أنه لايملك سلاح الطيران وإلا لكان استخدمه ضدنا.
"الجهل، تلك القوة المدمِّرة للأمجاد والحضارات، المفرِّقة للجماعات، ومرتعٌ للفساد والاستبداد، حيث ينمو فيها الرذائل والشرور والآثام، ويسكنها الفقر والجريمة. يعتبر هذا العدو اللدود واحدًا من أكبر التحديات التي تواجه الإنسانية منذ الأزل. السلاح الأمضى والعلاج الأنجع للأمم والشعوب يتجلى في العلم والتعليم، والذي يجب علينا الاهتمام به وتطويره لمحاربة الجهل والقضاء عليه، بهدف الحد من تأثيراته الخطيرة".
وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليونسكو في 3 ديسمبر / كانون الأول من عام 2018، أنّ يوم 24 يناير/ كانون الثاني من كلّ عام يوم دوليّ للتعليم، بالقرار رقم 73/25، وذلك تأكيداً على دور التعليم الأساسيّ في بناء المجتمعات والارتقاء بالإنسان وتحقيق التنمية ونشرالسلام والازدهار في العالم.
وتنصّ المادّة 26 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، على أنّ التعليم حقّ أساسيّ من حقوق الإنسان، فضلاً عن كونه يخدم المصلحة العامّة ويُعتبَر مسؤوليّة تُلقى على عاتق الجميع، وتشير هذه المادّة أيضاً إلى ضرورة أن يكون التعليم في مراحله الأولى (المرحلة الابتدائيّة)، إلزاميّاً بالإضافة لكونه مجانيّاً .وتذهب اتفاقيّة حقوق الطفل، المعتمَدة في عام 1989، إلى أبعد من ذلك فتنصّ على أن يُتاح التعليم العاليّ أمام الجميع.
وبدون إتاحة فرص تعليميّة شاملة ومتساوية في التعليم الجيد للجميع، ستتعثّر البلدان في سعيها نحو تحقيق المساواة والخروج من دائرة الفقر التي تؤثر سلباً في معايش ملايين الأطفال والشباب والبالغين.
إنّ تلك الحقوق التي أقرّتها الأمم المتحدة تبقى حبراً على ورق في بلدان العالم الثالث عندما نعلم أنّ الربع فقط من طلّاب المدارس الثانويّة في تلك البلدان ينهي دراسته وقد اكتسب المهارات الأساسيّة التي يحتاجها ، وأنّ هناك ٢٥٠ مليون طفلاً في سنّ الدراسة غير ملتحقين بالمدارس.
أمّا في بلادي التي أنهكتها سنوات الحرب فحقّ التعليم أصبح سراباً وحلماً بعيد المنال خاصّةً في مخيّمات القهر والفقر في شمالي غرب سوريا فقد أصبح الحصول على مقعد دراسيّ رفاهيّة وامتيازاً فنسبة الأميّة بلغت نسباً مرعبة تزيد عن ٧٠% عند الفئة التي تتراوح أعمارها بين ١٠ و ٢٠ سنة.
بينما تتراوح بالمجمل بين فئة الصغار واليافعين بين ٥٠ و ٦٠ ٪ بالرّغم من وجود المدارس الخاصّة والعامّة.
إنّ الوضع التعليمي في شمالي غرب سوريا أصبح معقّدا للغاية وذلك الوضع ينذر بكارثة خطيرة والعالم مطالب بتحمل مسؤولياتّه تجاه هذا الوضع المزري والخطير ويجب وضع خطط عاجلة لتدارك هذا الوضع والحدّ من عواقبه وارتداته ويكون ذلك من خلال إجراءات عمليّة يمكن تلخيصها في النقاط التالية :
أولاً : إعطاء الأولوية للتعليم في قرارات التمويل وحماية ميزانيّات التعليم وزيادتها .
ثانياً : بناء وتطوير مدارس شاملة وٱمنة وتحديث المرافق التعليمية الخاصّة بالطفل والإعاقة والمراعية للفوارق وتوفير بيئات تعليميّة ٱمنة وغير عنيفة وشاملة وفعّالة للجميع.
ثالثاً : ترميم وتدعيم المدارس التي تضرّرت بسبب القصف وحماية المدارس المتبقية ومحاسبة من يستهدفون المدارس واعتبار ذلك جريمة ضد الإنسانيّة ومحاكمتهم فمازال الأطفال والمعلمون يُقتَلون ويُصابون وهم في مدارسهم يجب وضع حدّ فوريّ لهذه الممارسات التي يندى لها جبين الإنسانيّة.
رابعاً : الاهتمام بالمناهج التعليميّة وتطويرها لتكون مناهج عمليّة تخدم الطالب وتفيده بحياته العمليّة و إدخال موادّ تساهم في بناء سلوكه وشخصيّته وتعلّمه الأخلاق الحميدة والقيم واحترام الآخر واحترام المجتمع والإنسان على اختلاف خلفيّاتهم الثقافيّة والاجتماعيّة والإثنيّة والعرقيّة و...
خامساً : تطوير الموادّ العلميّة كالرياضيّات والفيزياء والكيمياء وإيجاد السبل والحلول لتبسيطها وإيصالها لذهن الطالب .
سادساً : تطوير مناهج اللغات لتكون أقرب للمحادثة من تعلمّ القواعد فالهدف استخدام اللغة وإتقانها أمّا إتقان القواعد فتخصّ أصحاب الاختصاص فالطالب في مدارسنا يدرس اللغة الإنجليزية ١٢ عاماً وفي النهاية لايستطيع فهم جملة من متحدّث أجنبيّ لأنّ المناهج تعطي الأولويّة للقواعد أكثر من اللغة نفسها.
سابعاً : تحسين وضع المعلّم من جميع النواحي ورفع كفاءته من خلال دورات تساعده على تعلّم أساليب التعليم وطرقه الحديثة واستراتيجيّاته وتحسين وضعه الاقتصاديّ فالمعلّم هو أساس التعليم وركنه الأساسيّ فليس من المقبول أن يكون المعلّم بائع الخضار والنادل في المطعم وعامل البناء بعد الدوام وو...
يجب أن نضع نصب أعيننا أنّه يجب أن يكون للمعلّم دخل ماديّ ممتاز وحصانة دبلوماسيّ ، فهو من سيعدّ لنا الجيل المتعلّم الواعد ، فقيمة المعلّم في أيّ بلد تعني قيمة التعليم لدى الشعب .
ثامنا : استهداف فئة اليافعين والكبار بدورات محو أميّة وتفعيل المبادرات الأهلية وتعيين معلم في كل مخيم من أجل ذلك ومن ثمّ إلحاقهم بالتعليم المهنيّ أو بمراكز لتمكين الشباب.
وأخيراً : على الجميع أن يعي ويؤمن أنّ العلم هو الحلّ الوحيد لكلّ المصائب والمشاكل فهو العمود الأساسيّ الذي ترتكز عليه جميع المهن والتخصّصات وأن الاستثمار بالعقل والإنسان هو السبيل للخلاص من كلّ مالحق البشريّة من ألم ومعاناة .
علينا جميعاً أن ندرك أنّنا نواجه الآن كارثة تمسّ جيلاّ كاملاً ، كارثة يمكن أن تهدر إمكانات بشريّة لاتقدّر ولاتحصى ، وأن تقوّض عهوداً من التقدم ،وتزيد من حدّة اللامساواة المترسّخة الجذور وتداعيات ذلك على تغذية الأطفال وزواج الأطفال
إنّنا الآن في منعطف حاسم بالنسبة لأطفاله وشبابه .
إنّنا في اليوم الدوليّ للتعليم نتوجّه بنداء عاجل لأصحاب القرار والأمم المتّحدة والمنظّمات الدوليّة والمحليّة والمجتمع الدوليّ والمؤسّسات والفعاليّات وندعوهم لتّحمل مسؤوليّاتهم لإنقاذ مايمكن إنقاذه وتدارك جيل الأطفال واليافعين والشباب من الضّياع وزرع الأمل لديهم .
معاً نحو عالم مفعم بالإنسانيّة والمحبّة والسلام ، خالٍ من الحروب والدمار والدماء.
هديل نواف
قسم الحماية / المنتدى السوري.
من المسلّم به أنّ للتّعليم دوراً رائداً وحيويّاً في بناء الحضارات وتنوير العقول، وتكوين الثّقافات وتحقيق الطّموحات والأهداف، إضافةً إلى أهمّيته في توفير المهارات والأدوات اللّازمة لتحقيق الازدهار الثّقافي والاقتصادي والاجتماعي والصّحي والعمراني، وهو بحق أحد الرّكائز الأساسية لتحسين مناحي الحياة في كلّ المجتمعات، وللتّعليم أيضاً مكانة مرموقة في الأديان السّماويّة والتّشريعات البشريّة والمجتمعات الإنسانيّة كافّة.
وعلى الجانب الآخر، فإن الجهل والأميّة يمثلان خطراً وجوديّاً وحقيقياًّ على المجتمعات والأمم، إذ أنّ انتشارهما يتلازم طرداً مع انتشار العنف والجريمة والخرافات، وتدني المستوى الثّقافي والأخلاقي والإنتاجي، وتدمير القيم التي تعتمدها المجتمعات الإنسانيّة لتحقيق التّطوير والنمو والبقاء.
انطلاقاً من تلك الأهميّة العظمى لدور التّعليم، وبالتّزامن مع احتفال العالم باليوم الدولي للتّعليم، يلزم القول أنّ التّعليم ليس مسؤولية الأفراد وحدهم، بل هو مسؤولية عامّة تتشاركها الدّول والمنظّمات الدّوليّة والمجتمعات والمؤسسّات الحكوميّة وغير الحكوميّة، حيث ينبغي أن يدرك الجميع تلك المكانة، وضرورة الالتزام الإنساني والأخلاقي لتحقيقها، وأن تتحمّل كلّ جهة مسؤوليتها وتقوم بما يقع على عاتقها وتمليه التزاماتها، لتعزيز الوعي بأهميّة التّعليم، وخلق بيئة تعليميّة مناسبة وآمنة ومحبّبة لأفراد المجتمع، نصل من خلالها إلى نظام تعليمي وتربوي يمكّن الإنسان من حقّه في التّعليم، ويحقّق الأهداف المنشودة في التّنمية المستدامة والتّقدم المجتمعي الشّامل وعلى مختلف الأصعدة.
وفي الوقت الذي حقق فيه قطّاع التّربية والتّعليم قفزة نوعية في الدول المتقدّمة من حيث النّوعيّة والشّموليّة والجودة، لكنّه على الضّفة الأخرى لازالت تعترضه التّحديات والصّعوبات في الكثير من البلدان، خاصّةً تلك التي تعرّضت للحروب وعانت شعوبها من النّزوح والتّهجير، والكوارث الطّبيعية وغير الطّبيعية، كما في سوريا وبالتّحديد مناطق شمال غرب البلاد، حيث تلقي تبعات الأزمة المستمرّة والمتفاقمة بظلالها على التّعليم ومختلف القطّاعات الحياتيّة الأخرى، وتتمثّل هذه التّحديات في:
-نقص عدد المدارس وانخفاض طاقتها الاستيعابيّة قياسا على عدد الطّلاب.
-النّقص الهائل في الدّعم المالي لقطّاع التّعليم.
-الدّمار الذي طال العديد من البنى التّحتيّة التّعليميّة.
- التّسرّب المدرسي وصعوبة الوصول إلى المدارس خصوصا المخيمات العشوائيّة.
-تأثير الحرب والزّلزال على الصّحة النّفسيّة للطّلّاب.
-صعوبة تأمين مناهج تعليمية كافية.
-النزوح المتكرّر وعدم الاستقرار والفقر والبطالة وبعض التقاليد البالية عوامل لها تأثيرات سلبيّة ومباشرة في حرمان الأبناء من التّعليم.
-عدم امتلاك الكثير من العائلات للوثائق الرّسمية مثل دفتر العائلة وعدم تسجيل الأطفال جعلهم عرضةً للحرمان من التّعليم.
-انقطاع الكثير من الطّلاب عن التّعليم، مثل طلاب المعاهد والجامعات، الذين اضطروا إلى ترك دراستهم إبّان بدء حراك الشّارع السّوري، خوفاً من الاعتقال كما أنّ سلطة النّظام امتنعت عن منح هؤلاء الطلاب ثبوتيات وكشوف امتحانيّة تمكّنهم من استكمال دراستهم في المناطق التي نزحوا إليها بل بات الكثير منهم يتعرضون للابتزاز ويقعون ضحايا النصب والاحتيال ويضطّرون لدفع الرّشاوي لموظفي الجامعات أو لبعض المتنفّذين في مناطق النّظام وذلك بهدف ألا تضيع سنوات الدّراسة الجامعية سدىً، ولاتزال هذه الجريمة بحق الطلاب دون حلولٍ ملموسة.
لا ريب أنّ التّصدي لهذه العقبات يتطلّب إرادةً فعليةً وجهوداً ملموسةً وشراكةً حقيقيةً من قبل الجهات المعنية المسؤولة فالإنسان السّوري الّذي عانى ويلات الحرب والكوارث يستحق أن يحصل على حقّه وحق أبنائه في التّعليم سواء للجيل الحالي أو الأجيال القادمة.
بناء على ما تقدّم نخلص إلى القول أنّ التّعليم كي يكون ناجحاً ومثمراً يجب أن يكون متاحًا للجميع دون أيّ تمييز وبشكل مجاني، وإلزامي في مرحلة التّعليم الأساسي ويجب التّحقق من سهولة الوصول إليه وضمان استمراريته وتطويره، علاوةً على كونه السبيل الأنجع للقضاء على التّحديات، وتعديل السلوكيات المنحرفة التي تواجه المجتمعات، وطريق لتحقيق المساواة والعدالة، ومساهمته في تعزيز ثقافة الاحترام والتعاون وخلق الفرص، وهذه الأهداف الجوهرية يتطلب تحقيقها مجموعة أدوات وعوامل منها:
-حماية المدارس والمنشآت التّعليميّة من كافّة أشكال الاعتداءات وبناء منشآت تعليميّة كافية وملبّية للغرض وترميم المتضرر منها.
-تحسين جودة التّعليم ووضع خطط فعّالة ومرنة لتطويره ومواجهة التّحديات المستقبليّة.
-دعم المعلّمين من خلال إيجاد حلول ماليّة تضمن تأمين رواتبهم والمصّاريف التّشغيليّة اللّازمة للعملية التّعليمية، وتوفير الأدوات المساعدة والبيئة المناسبة وتدريبهم على الطّرائق التّعليمية الفعّالة والحديثة.
-دعم الطّلاب من خلال تأمين منهاج مدرسي متكامل وقرطاسيّة ولباس مدرسي.
وفي هذا السّياق نشير أنّ المنتدى السّوري كان في طليعة المنظّمات التي عملت على دعم التّعليم، حيث أولى التّعليم مكانةً خاصّةً في برامجه واعتبره في قائمة أولويّاته، عبر المشاريع التّعليمية التي تمّ تنفيذها في سوريا من خلال بناء وترميم العديد من المدارس وتأمين الدّعم اللّازم لها، إضافةَ إلى مساهمة برنامج الحماية عبر خدمات إدارة الحالة، وجلسات رفع الوعي بأهمية التّعليم، وأنشطة الدّعم النّفسي الاجتماعي والتّرفيهي ضمن المدارس وخارجها، غير أنّ هذه البرامج والمشاريع تحتاج إلى مزيد من التّطوير والشّموليّة والاستمراريّة حتّى تصل إلى المبتغى المنشود.
وينبغي أيضا عدم إغفال فئة ذوي الاحتياجات الخاصّة، والعمل على تجهيز المدارس ومرافقها بمستلزمات تساعدهم في حصولهم على التّعليم، والاهتمام بالأنشطة الرّياضية والإبداعيّة والتّرفيهيّة ضمن المدارس والنقاط التّعلمية. وبذل كل الطّرق التي تُمَكن من تطوير التّعليم والنهوض به لأعلى المستويات.
يجدر أيضا بالجهات الفاعلة إيلاء دوراً خاصاً للتّعليم المهني، لأهميته في بناء جيل متمكن، وضرورته لتزويد المتعلّمين بالمعارف والمهارات اللازمة وتوفير فرص العمل والحدّ من البطالة والفقر.
أخيرا، العلم هو النّبراس الّذي يضيء الحياة، ويجعل الإنسان قادراً على البناء والإبداع، وهو المفتاح الذي نلج من خلاله بوابة الإنجازات والابتكارات، ونستطلع واحات الفكر والمعرفة، وبالتّعليم تبنى الأمم وتحلّق نحو الرّفاه، وتتحلّل النّفوس من القيود، وترتقي الشّعوب حتّى تبلغ قمم المجد، كما أنّه من الحقوق الأساسيّة للإنسان، وبه يعرف حقوقه وواجباته، وهو أساس الاستقرار والسّلام الّذي يحتاجه ويتطلّع إليه البشر، وبتضافر الجهود والإخلاص في العمل وتحمّل المسؤوليّة يصبح الجهل شيئًا من الماضي، ويغدو التّعلم حقّاً متاحاً وحلماً سهل المنال.
محمود العبدو
قسم الحماية / المنتدى السّوري
في مفارقة عجيبة وعُهر إعلامي، يضعك الموقف الذي يتخذه نظام الأسد من جرام الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، في موقع الذهول والاستغراب، فكيف لمجرم حرب قتل ونكل بشعبه ولايزال يمارس كل أصناف الموت بحقهم، أن يتعاطف من أهالي غزة ضد إجرام شبيه بإجرامه، فـ "إسرائيل والأسد" وجهان لمجرم واحد، لم يشبع من دماء الأبرياء.
منذ سنوات ونظام الأسد، يحاول أن يُقنع مواليه، أنه في خندق واحد مع حلف "المقاومة والممانعة" المزعوم، ويضع نفسه في موضع المدافع عن القدس، وهو الذي باع الجولان السوري لإسرائيل، وترك القضية الفلسطينية خلف ظهره، ليدير مدافعه وراجماته لصدر الشعب السوري الأعزل، فيقتل ويُدمر ويُهجِّر ويَرتكب أبشع الجرائم بحقهم.
لم يتردد الأسد يوماً في استهداف الشعب السوري، في مدنه وبلداته، بكل أصناف القذائف والمدافع وصواريخ الطائرات، ولم يتردد في استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، فيقتل مئات الآلاف، ولايزال، بشراكة حلفائه في المقاومة "إيران وحزب الله والميليشيات الفلسطينية التي تزعم انتماءها لقضية فلسطين في سوريا"، ثم ليخرج اليوم ويعلن إدانته لجرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
ليس اليوم فحسب، بل طيلة عقود طويلة، وقف الأسد، موقف المتفرج على نكبة الشعب الفلسطيني، ولايزال يحتفظ بحق الرد على قصف الطائرات الإسرائيلية لمواقعه وانتهاك سيادته بشكل مستمر، علاوة على ذلك، فهو ذاته الذي أكمل مسيرة الاحتلال بقتل واعتقال والتضييق على اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.
وبعد كل الجرائم التي ارتكبها ولايزال يرتكبها الأسد في سوريا، يخرج علينا "الممانع" ليدين مجازر الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، واصفاً إياها بأنها من أبشع المجازر وأكثرها دمــويةً، متناسياً "الأسد" حجم جرائمه التي ترقى لجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، إدانتها وأثبتتها المنظمات الدولية.
فأكثر من عقد مضى، ونظام الأسد يواصل جرائمه، يقتل البشر وتدمير الحجر، لم تسلم من قصفه مستشفيات أو مدارس أو حتى دور عبادة، مستخدماً شتى أنواع الأسلحة المحرمة دولياً بما فيها الأسلحة الكيميائية، ليخرج "الأسد" اليوم من وحل الدماء التي أغرق بها الشعب السوري، ويظهر تعاطفه المزعوم مع أهل غزة، في مفارقة ترقى لأعلى درجات العهر الأسدي.
ففي الوقت الذي يتعاطف الأسد مع مجازر غزة، نعود بالذاكرة لآلاف المجازر في سوريا، على رأسها مجزرة الغوطة التي ارتكبها الأسد بدم بارد، والتي تجاوز ضحاياها الألف وخمسمائة شهيد، قتلوا خنقاً بالأسلحة الكيماوية الأسدية، إلى جانب مئات آلاف الشهداء الأبرياء في عموم المناطق السورية.
تقترب الثورة السورية من عامها الثالث عشر، ولايزال "الجولاني" يتفرد بفصائل الثورة واحدة تلو الأخرى، في وقت تقف باقي الفصائل تراقب بزعم الحياد، ليفككها ويدمرها واحدة تلو الأخرى، وهو منذ أول بغي في 2014، ولايزال يمارس نفس السياسية والأفعال، ولاتزال الفصائل الخصم جميعاً تشرب من نفس الكأس ولم تتعلم الدرس.
قد لاتمثل تلك الفصائل الخصم للجولاني اليوم الثورة بعسكرتها المنشودة، بسبب كثرة الفساد والتجاوزات وسطورة قياداتها، ولكن بالتأكيد هي لاتملك مشروع خطر على الثورة، خلافاً للجولاني الذي يعد مشروعه للحكم والهيمنة على كامل المحرر، ويخترق تلك القوى والفصائل واحدة تلو الأخرى، ليضرب هذه بتلك ويحيد هذه لإنهاء الأخرى.
يتواصل هذا البغي، في ظل انتكاسة كبيرة لم يسبق أن سجلها التاريخ، بعد كل ماقدمه الشعب السوري من تضحيات ودماء وعذابات، ليعلن الأسد "انتصاره" على ركام المدن السورية وجثث الأطفال وعذابات السوريين، وفي الطرف المقابل لايزال نزيف الدم السوري ينزف وتتوسع جراحه باقتتالات داخلية أعطت للأسد وحلفائه المزيد من الوقت لمواصلة القتل وساهمت بشكل كبير في إضعاف الفصائل الثورية وإنهاء تأثيرها على الأسد.
منذ اليوم الأول لإعلان تشكيلات الجيش السوري الحر، كان الشعب السوري متفائلاً بقدرة الثوار القلائل مع الضباط والعناصر المنشقين على قهر الأسد والدفاع عنهم في وجه طغيانه، وبنى آماله وحماهم وناصرهم رغم وجود بعض الاختراقات التي شوهت مسيرة الصادقين منهم في سنوات لاحقة، وبالفعل تمكن الجيش الحر الذي تعددت فصائله ومناطق انتشاره من تحرير جل المناطق السورية وبات الأسد محاصراً في الساحل ودمشق يناشد حلفائه للإسراع في إنقاذه.
لم يكن التدخل الإيراني والروسي وحده من قتل الثورة وساهم في تراجعها، بل إن الاقتتال الداخلي هو القاتل الأول لعزيمة الثوار والمدنيين، بعد أن تشتت كلمة أبناء الثورة وباتت الدماء المحرمة تسيل في طرقات المناطق المحررة، فسيرت الأرتال وحشدت الجيوش كل مرة بحجة لإنهاء فصيل من الجيش الحر والسيطرة على مقدراته.
ولعل أول من بدأ البغي والتعدي على الفصائل كان تنظيم داعش، تبعه "الجولاني" قائد جبهة النصرة ليكمل الطريق بالبغي وراء البغي على فصائل الثورة، فأنهى خلال سنوات مضت أكثر من 30 فصيلاً عسكرياً، مقدماً للأسد وروسيا جل المناطق المحررة على طبق من ذهب بعد أن أنهى فصائلها وساهم في إضعاف حاضنتها، ابتداءاً من الجنوب السوري حتى إدلب وحلب وشرقاً حتى دير الزور والرقة، لتتوالى الانسحابات بعدها من المناطق المحررة وتحاصر المعارضة في بقعة جغرافية صغيرة في الشمال السوري اسمها "إدلب".
ورغم كل ماوصل إليه الحال من التراجع والانكسار في الثورة السورية، ورغم أن كل الشعارات التي رفعها الجولاني كانت كلاماً عابراً، ورغم أن آلاف المعتقلين في السجون لم يخرجهم أحد، ورغم أن مئات الآلاف مشردين في خيم مهترئة في البراري ومناطق اللجوء، إلا أن الجولاني لم يشبع من دماء الفصائل الأخرى، ففي كل مرة تبرم الهدن مع النظام ويهدأ القصف عن أجساد المدنيين، يحرك أرتاله لبغي جديد، ويزهق أرواحاً بريئة بفتاوى الفرغلي وأبو اليقظان والشرعيين المتسترين وراء حجاب.
ولطالما نادى الأحرار بضرورة التكاتف والتوحد بين جميع الفصائل لمواجهة مطامع الجولاني في السيطرة وإنهاء أبناء الثورة، إلا أن الشقاقات الداخلية كانت الحاجز الأكبر أمام توافق الجيش الحر والفصائل الأخرى في التوحد لمواجهة البغي، لا بل ساند بعضهم الجولاني في بغيه على الفصائل، فهذا الفصائل يهادن والآخر يصمت والثالث يساند سراً، حتى تمكن الجولاني من الاستئثار بالفصائل واحداً تل الآخر وصل الحال لأبرز المقربين منه ليس أحرار الشام وإنما رفقائه في البغي على الجيش الحر من جند الأقصى وحتى المنضوين في صفوف تحرير الشام ممكن قرروا الانشقاق عنه لينال منهم.
ورغم أنه بات واضحاً رفض التحاكم للشرع لعشرات المرات ورفض دعوات العلماء لحقن الدماء ونداءات المدنيين لعدم اقتحام المناطق المحررة بالدبابات، إلا أن الفصائل حتى اليوم تأخذ دور المتفرج وهو يواصل القتل والإنهاء، وكأن هؤلاء المدنيين في مناطق لاتخضع لسيطرتهم لايعنون لهم بشئ، فيستبيحها الجولاني وينهي فصيلاً كان يقاتل النظام ويسد ثغرات كبيرة، ليعد العدة فيما بعد لإنهاء الفصيل المتفرج وهذا ماحصل لعشرات المرات إلا أن الفصائل لم تتعلم فنال منهم آحادى والدور قادم على من بقي منهم إن لم يردعوه اليوم ويوقفوا استباحة الثورة السورية بشعارات الدين ونصرة المستضعفين.
لعل المتتبع لتصريحات وردود الفعل من فصائل الجيش الوطني السوري، "فرقة الحمزة والسلطان سليمان شاه"، حيال العقوبات الأمريكية التي طالتهم، يكشف حجم اللامبالاة وضعف الوعي السياسي لدى المكونين، وكأن واشنطن تورطت أو تسرعت في اتخاذ هذا الأجراء وعليها التراجع، غير مكترثين بعواقب هذا القرار ليس عليهم كمكونين عسكريين فحسب، بل على عموم "الجيش الوطني السوري".
سلسلة من التصريحات والمواقف التي خرج بها "أبو عمشة وسيف بولاد" اللذان طالتهما عقوبات واشنطن، بسبب الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها فصائلهم في عفرين وشمالي حلب، رغم أن تحذيرات عديدة وجهها نشطاء وجهات حقوقية لجميع مكونات "الجيش الوطني" سابقاً، للحد من الفظائع التي يتم ارتكابها بحق السكان، ليس المكون الكردي فقط، بل جميع المكونات في مناطق سيطرتهم، دون أذن صاغية.
ويظهر في ردود قائدي الفصليين، حجم الجهل السياسي في أبعاد العقوبات المفروضة عليهم، مستعينين بمواقف بعض الفعاليات الغير مؤثرة شعبياً على الأرض، والتي يتم شرائها وفق الولاء والمال، وسلسلة من الحسابات الوهمية التي تبدي نصرتهم والوقوف معهم على مواقع التواصل وتعجب بتصريحاتهم وتشاركها، رغم أن الحليف الأبرز لهم والممثل بالجانب التركي لم يصدر عنه أي تصريح في هذا الشأن.
فـ "أبو عمشة" قائد "فرقة السلطان سليمان شاه"، سارع للتغريد على حسابه على موقع "إكس"، أظهر في حديثه عدم المبالاة، في رد مستغرب من قيادة تشكيل عسكري، معتبراً أن "القوة المشتركة" المؤلفة من "فرقة السلطان سليمان شاه" التي يقودها و"فرقة الحمزة قوات الخاصة" بقيادة "سيف بولاد" الملقب بـ"أبو بكر"، "لا تعير أي اهتمام للعقوبات التي فرضتها الخزانة الأميركية".
وفي انفصام عن الواقع، اعتبر "أبو عمشة" أن تلك العقوبات لن تؤثر بزعم أنههم لايمكلون أي شركة خارج سوريا، معتبرا أن الهدف من هذه العقوبات "سياسي بحت"، في وقت هاجم "أبو عمشة" السياسة الأمريكية، وقال إنها تساوري بين الجلاد والضحية ولم ينس شكر المتعاطفين معهم وعلى رأسهم من وصفهم بـ "الأخوة الأتراك والقطريين"، رغم أن أي موقف لم يصدر عن الجانبين.
أما قائد "فرقة الحمزة قوات الخاصة"، التابعة للجيش الوطني السوري، "سيف بولاد" الملقب بـ"أبو بكر"، علق على القرار بأنه "مجحف وغير عادل، ومبني على معلومات غير دقيقة، ويتجاهل الخطوات الإصلاحية"، فيما قال "سيف عمشة"، المسؤول الأمني في فرقة "السلطان سليمان شاه"، وهو شقيق قائد الفرقة "أبو عمشة"، إن "العقوبات لا تؤثر علينا".
بدوره، عبر قائد أمنية فرقة "السلطان سليمان شاه"، "وليد الجاسم" الملقب بـ"سيف عمشة"، بوصفه أحد قادة الفرقة وهو شقيق محمد الجاسم الملقب بـ"أبو عمشة"، عن استغرابه من القرار الصادر عن الخزانة الأمريكية بحق قادة القوة المشتركة"، وأكد أن "القرار مثل مفاجأة غير مقبولة ولا تؤثر علينا أي عقوبات والتي لا تخدم إلا أعداء الثورة السورية"، وفق قوله.
في السياق، عمد الفصيلان، إلى حشد أنصارهم من بعض وجهاء القرى والبلدات من مخاتير ومجالس محلية ضمن المناطق التي يسيطرون عليها، لإصدار بيانات مناصرة لهم، وحشد تظاهرات، علاوة عن الحشد الإلكتروني على مواقع التواصل بحسابات وهمية مأجورة، تظهر الإعجاب والتأييد للقادة والوقف في صفهم وفق زعمهم.
في المقابل، بدا واضحاً حجم الارتياح والاستشفاء - أن صح التعبير - لدى نشطاء الحراك الثوري والفعاليات المدنية الثورية، لقاء العقوبات التي طالت قادة فصيلين لايحظيان بالقبول الشعبي في المنطقة، وخلقت الممارسات والانتهاكات التي تمارسها عناصرهم فجوة كبيرة بينهم وبين الحاضنة الشعبية الثورية التي عبرت مراراً عن رفضها لمواقفهم وسياساتهم وتسلطهم.
أيضاً بدا واضحاً أن الحقوقيين الفاعلين، رحبوا بالعقوبات الأمريكية، وجاء البيان عن "تجمع المحامين السوريين"، الذي طالب بتعزيز تلك العقوبات وتوسيع نطاقها لتشمل كافة الميليشيات التي تنتهك حقوق الناس، ولا تقيم وزنا لها، و لتشمل أيضا كل كيان أو شخص يتعامل معهم أو يقدم أي نوع من الدعم لهؤلاء القادة".
وطالب بيان "تجمع المحامين السوريين"، الحكومة التركية بتجميد حساباتهم المصرفية في مختلف المصارف التركية، واتخاذ كافة الإجراءات التحفظية وإغلاق أية ممتلكات عائدة لهم مهما كان نوعها أو طبيعة نشاطها.
وفي طرف آخر، كان القرار الأمريكي، معززاً لموقف ميليشيا "قسد" وأتباعها، والتي تسعى جاهدة للضرب والطعن في قوى الثورة والمعارضة، فكانت ممارسات الفصائل تلك هدية مجانية تقدم لـ"قسد" لتلاحقهم بها عبر أذرعها التي تتبع بشكل يومي الانتهاكات والممارسات للفصائل وتصدرها للرأي العام بالشكل الذي يناسبها ويخدم توجهاتها.
وفي مقال له، أوضح المحامي "عبد الناصر حوشان"، نشره موقع "نيناز برس"، أن هذه العقوبات تحمل في طيّاتها رسالة للحكومة التركيّة وتحميلها المسئولية عن تصرفات الفصيلين بحق سكان المنطقة، ودعوة لها لرفع يدها عنهم تحت طائلة فرض العقوبات على كل المؤسسات التركيّة التي تتعامل معهم، وعلى الحكومة السوريّة المؤقّتة ووزارة الدفاع فيما إذا تعاملت معهما بعد نفاذ قرار العقوبات.
وأكد حوشان أن هذه العقوبات ستكون ورقة للضغط على الحكومة التركيّة في ملف كيان قسد الانفصالي شرق الفرات والذي تعتبره تركيا أكبر تهديد لأمنها القومي وتعمل على القضاء عليه والتي تقوم الولايات المتحدة بمنعها من ذلك من خلال فرض حمايتها على هذا الكيان.
ويبقى الخاسر الوحيد - وفق حوشان - الضباط الأحرار الذين يعملون في الفصيلين حيث سيتم تصنيفهم على أنهم مجرمين ضد الإنسانية ومجرمي حرب ما سيؤثر على مستقبلهم حيث سيتم استبعادهم من أي عملية هيكلة محتملة للجيش السوري في المرحلة الانتقالية.
ومع كثرة البيانات التي لاتحل المشكلة، أصدرت "القوة المشتركة"، التي تضم "فرقة السلطان سليمان شاه" و"فرقة الحمزة قوات الخاصة"، في بيان مشترك بعد سلسلة بيانات فردية، أدانت فيه "القرار الغير عادل الذي صدر عن وزارة الخزانة الأميركية بحق القوة.
وأكدت الفرقة الالتزام بالقوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والتعامل مع المدنيين في ظروف الحرب والسعي لتوسيع نطاق تطبيقها العملي عبر اخضاع كافة العناصر المنتسبين للفرقتين لدورات تدريبية دائمة بالتعاون مع بعض المنظمات المختصة، وأعلنت جاهزيتها للتعاون مع المنظمات الدولية ذات الصلة بتطوير الخبرات القانونية.
كما وأعلنت جاهزيتها للتعاون مع الجهات الأمريكية والمنظمات الدولية ذات الصلة لمراجعة كافة الملفات التي بني عليها قرار وزارة الخزانة وفتح تحقيقات شفافة تحقق العدالة، بالمقابل كان أعلن "تجمع المحامين السوريين"، دعمه لقرار وزارة الخزانة الأميركية، بفرض عقوبات على فصائل من "الجيش الوطني السوري"، مطالبة بتعزيزها.
وطيلة سنوات مضت، ومنذ سيطرة فصائل الجيش الوطني على مناطق عفرين وشمالي حلب، منذ عام 2016 و 2018، ضمن عمليتي "درع الفرات وغصن الزيتون"، عملت بعض مكونات الجيش الوطني على بناء مستعمرات لها، كلاً يسيطر على قطاع، ويسهب في فرض الأتاوات والتضييق على المدنيين، لصالح الفصيل، لتسجل الجهات الحقوقية سلسلة واسعة من الانتهاكات، وتطلق عشرات التحذيرات لتلك القوى من مغبة الاستهاب والتماهي في مواصلة تلك الانتهاكات دون الحد منها، منعاً للتصنيف والدخول في متاهات العقوبات التي يبدو أنها باتت أمراً واقعاً.
حققت روسيا حليف نظام الأسد الأبرز في المنطقة، خرقاً كبيراً ضمن مساعيها لتمكين التطبيع العربي مع نظام "بشار الأسد"، بعد قطيعة استمرت لأكثر من عشر سنوات، بسبب همجية النظام في التعامل مع الحراك الشعبي السوري منذ 2011، والتي دفعت الدول العربية لاتخاذ قرار بتعليق عضويته في الجامعة العربية.
ورغم الخطوات العربية المتسارعة لإعادة النظام لمحيطه العربي بدفع من روسيا، وانطلاق اجتماعات التنسيق لفرض سياسة جديدة في التعامل مع نظام الأسد، الذي أغرق محيطه بـ "المخدرات" ورهن نفسه لإيران وميليشياتها، كان الحديث يتكرر عن ورقة عمل تحت اسم "خطوة مقابل خطوة".
هذا الشعار الذي حملته الدول العربية في إعادة العلاقات مع نظام الأسد، يقتضي من النظام البدء بخطوات جدية للحل في سوريا، من خلال سلسلة إجراءات عليه القيام بها، لتمكين تنفيذ الورقة، فمقابل كل خطوة عربية في التطبيع يستوجب أن يبادر النظام لتقديم تنازل بخطوة مقابلة تظهر جديته في التعاطي مع الحراك العربي الحاصل.
ورغم أن الدول العربية تعي جيداً أن نظام الأسد لن يستطيع الخروج من عباءة إيران وميليشياتها، إلا أن البعض يضغط لتمكين التطبيع العربي، وإعادة النظام لحضنه العربي ولو إعلامياً، دون الاستفادة من هذا التقارب، لكن محللون يرون أن الخطوات العربية لن تحقق أي تقدم في سياق إبعاد النظام عن المحور الإيراني كما يظن البعض.
ومع تسارع التطبيع وصولاً، لاتخاذ قرار في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، بعودة نظام الأسد لإشغال مقعده في الجامعة العربية، يثبت النظام لمرة جديدة أنه مستمر في سياساته ذاتها من ناحية القتل والتدمير ومواصلة المماطلة في الحل السياسي أو الإفراج عن المعتقلين، وهذه لم ولن يتحقق منها أي خطوة وفق مايرى كثير من المحللين.
الخطوة الوحيدة التي كانت تعول عليها بعض الدول مؤخراً، هي كبح عمليات تهريب "المخدرات" من سوريا باتجاه الأردن ودول الخليج، والتي استخدمها النظام وإيران سلاح استفزاز ضد تلك الدول من جهة، وباباً للكسب المالي وتعزيز ضائقته الاقتصادية من جهة أخرى، لكن هذه الخطوة قابلها النظام بمواصلة التهريب.
فبعد زيارة وزير خارجية النظام للسعودية، ودول أخرى، وخروج التصريحات التي تتحدث عن مطالب بوقف تهريب المخدرات عبر الحدود الجنوبية لسوريا، وبدل من توقفها، أعلنت كلاً من الأردن والسعودية ضبط كميات كبيرة جديدة من شحنات المخدرات على حدودها، تعدى الأمر لتهديد الأردن باستخدام القوة، والتي طبقت اليوم 8 أيار، بأول ضربة جوية أردنية في العمق السوري ضد مروجي المخدرات.
فخطوات العرب تجاه نظام الأسد يقابلها بشحنات الكبتاغون، ليس لأن النظام فقد السيطرة على نفسه وقراره فحسب، بل لأنه لايملك مايقدمه من خطوات للدول العربية إلا مزيد من شحنات الكبتاغون والمخدرات التي يتفرد في تصديرها عبر الحدود الغير شرعية لجيرانه، وسيأتي اليوم الذي تدرك فيه الدول العربية المطبعة مع الأسد أن وبال جرائمه سينعكس عليها شراً كبيراً ولاخير يرجى من مجرم حرب.
أنهيت عملي في تغطية الأضرار التي وقعت في المنطقة بعد زلزال 20 شباط، أرسلت المواد التي أعددتها لرئاسة التحرير وعدت لمنزلي خلعت ثوب الصحفي الذي يلبسني منذ أيام ولبست إنسانيتي التي فارقتني لبعض الوقت مرغمة على ذلك لأتمكن من تحمل الأهوال التي أراها أمامي.
أمسكت هاتفي بيدين ترتجفان من البرد الذي نال مني في تلك الليلة، وبدأت التجول بين غرف الواتساب أطمئن الأهل والأصدقاء وأتأكد من سلامتهم جميعاً قبل أن أقفز فوراً لأعلى الدردشات هناك محادثة تومض باستمرار، فتحت رسائل الحبيبة المفعمة بالخوف والقلق على غياب، تضمنت تلك المحادثة عبارة "أنا بخير بس مافي إنترنت"، طمئنتها وحدثتها لبرهة قبل أن أودعها وأحاول الخلود لنومي بعد ليلة طويلة، بعد أن تذكرت رسالة آتت منها قبل فترة كانت خالية من الكلام ولكن كان لها ألف حكاية وحكاية!.
لم تمض إلا ثوان على استلقائي في فراشي إلا وقد اجتاحتني هزة أرعدت فرائصي، يبدو أن هذه الهزات الارتدادية ستجلب لنا قلقاً إضافياً فلم نعد نأمن غدرها على جدراننا المنهكة من زلزالين متتاليين ورغم مكوثي في بناء من طابق واحد إلا أن الخوف كان يتملكني، منذ ساعين كنت أتنقل بين الأبنية المتصدعة أبحث عن متضررين فأرصد قصتهم، يصادفني جدار يريد أن ينقض فألتقط له بعض الصور دون أن ينتابني أي خوف، يبدو أن الإنسان الذي بداخلي يتملكني بشكل كامل الآن.
لم أنه تلك الأفكار التي في مخيلتي حتى انتابتني هزة أخرى، أمسكت هاتفي لأتأكد من غرف الرصد والأخبار، فوجدتها هادئة لم يتحدث أحد بها عن أي هزة، وقتها أيقنت أن متلازمة ما بعد الزلازل عادت لي مجدداً بعد أن ظننت أنني تخلصت منها بعد زلزال السادس من شباط.
يتعبك الشعور بالقلق المستمر لاسيما بعد ساعات طويلة من التعب والجهد الذي أدى لانخفاض السكر في الدم، تناولت بعض حبات الحلوى عسى أن تصرف عني بعض التوتر وحاولت الخلود للنوم مجدداً، لكن دون فائدة فبمجرد ارتخاء جسدي تعتريني الهزة مجدداً، قمت بكافة التوصيات التي ينصح بها المختصون من إغماض العينين ورفع القدمين فوق مستوى الجسد وغيرها دون فائدة.
كان علي كل برهة أن أتأكد من المصباح المعلق في السقف لأتأكد من ثباته كررت الحالة مراراً أنهكت نفسي وبردت أوصالي نتيجة حركتي المستمرة من الفراش والتي استفذت صديقي الذي أوقظته حركتي المستمرة في الغرفة وتلفظي بكلمة هزة، نهرني لأستفيق مما أنا فيه، "خلص يا زلمة نام وخلينا ننام عنا شغل الصبح".
يبدو أن المشاهد التي كنت أعيشها باتت كلها مخزنة في اللاوعي وتنتظر أقرب فرصة لتهجم علي محدثة هزة ارتدادية تختلف عن هزات الزلزال، هي هزات نفسية مرتدة عن تغطيات صعبة نفذها أي صحافي يعمل في مناطق الخطر، ولا يبدو أن التخلص منها سهلاً.
ملأت كأس ماء ووضعته قبالة عيني وامعنت النظر إليه باستمرار فثبات الماء في داخله منحني بعض الطمأنينة التي سمحت لجسدي المنهك أن يستريح، استفقت بعد ساعات على صوت منبه الهاتف، نفضت ثياب النوم من فوقي وقمت على عجل نحو عمل ونهار جديد على أمل ألا يكون ليله كسابقه.
مع بدء الغزو الروسي على أوكرانيا تكبدت القوات الروسية هزائم كبيرة، وعكست نتائج القرارات التي يتخذها بوتين والتي أضرت بصورة روسيا واقتصادها وهيبتها العسكرية.
كان لا بد أن يقدم بوتين ضحية للشعب الروسي والإعلام عن هذا الفشل، فبدلا من الاعتراف بالقرار الخاطئ، راح يعيد هيكلة المؤسسة العسكرية الروسية ويقيل الجنرالات الكبار، ويغير في قيادة العمليات العسكرية، ويحول جنرالات من سوريا إلى أوكرانيا لتغطية الفشل الحاصل.
في منتصف الشهر الجاري أقال بوتين رابع جنرال عسكري في حملته وهو "سيرغي سوروفيكين" المعروف باسم "جزار سوريا"، وقدمه كبش فداء عن الفشل الذريع للحملات العسكرية الروسية.
سيرغي معروف عنه بخبرته العسكرية في الشيشان وسوريا إلا أنه حمل الثقل الكبير للفشل الروسي بدلا من بوتين. وتم تعيين رئيس الأركان العامة "فاليري جيراسيموف" لقيادة "العملية العسكرية الخاصة" لروسيا في أوكرانيا.
تعيين الجنرال "فاليري" أثار جدلا كبيرا في الأوساط الروسية، لأنه تعيينه يعتبر من الأوراق الأخيرة التي يلقيها بوتين.
نائب القائد الأعلى لقوات حلف الناتو في أوروبا السابق ريتشارد شيريف (2011-2014) قال عن الجنرال فاليري : "سيكون هذا الجنرال الروسي قاسياً، ومتوحشاً، ويستعمل مطرقة ثقيلة للتدمير".
وأضاف شيريف أن عقيدة "فاليري" في السياسة الخارجية ترتبط بالتحكم في فضاء المعلومات، وتنسيق جميع جوانب الحملة، فضلاً عن الضرب في العمق واستهداف البنية التحتية المدنية والعسكرية الحيوية.
التوقعات اليوم تذهب إلى إصرار بوتين على الاستمرار، وميوله لاستخدام مزيد من الوحشية والعنف بمطرقته الغليظة الجديدة، وهذا ما يدفع بموسكو إلى مزيد من العزلة السياسية، وتضخم العبء الاقتصادي والخسائر الكبيرة القادمة التي سيدفع ثمنها الشعب الروسي أولا.
أثبتت معظم الدراسات البحثية التي أجريت خلال عقود أن تعرض النساء للعنف بكافة أشكاله الجسدية واللفظية في مختلف المجتمعات والدول بما فيها الدول الأوروبية، ليس محدداً بعرق أو جغرافيا أو ثقافة معينة، حيث تعاني 70% من نساء العالم من العنف وانتهاك حقوقهم بكافة الاشكال، وقد يحدث ذلك في المنزل أو العمل أو الشارع أو المدرسة، ومازال مستغرباً في معظم المجتمعات الطرق القانونية للإفلات من العقاب بطرح حجج واهية أو ذرائع قانونية تبرر الجريمة وتحول الضحية إلى متهمة بطريقة مهينة ومستغربة، وهذا مالحظناه إعلامياً مؤخراً ، بالحديث عن بعض جرائم القتل التي تعرضت لها بعض النساء في مصر والاردن و فلسطين، و تحويل الضحية إلى متهمة تحت سقف القانون والعادات والتقاليد البالية.
في سوريا تبدأ رحلة نسائها العلنية مع العنف من العشر سنوات الأخيرة، فالصورة الذهنية التي رسمها المجتمع السوري أمام الدول العربية والعالم أنه لطالما كانت المرأة السورية في المجتمع مقدسة وموضع إهتمام وإحترام من قبل جميع فئات المجتمع ولا يسمح بتخطي الحدود أو إهانة إمرأة بصورة علنية في الشارع أو العمل وحتى في المنزل وقد يتحول اي اعتداء من هذا النوع إلى أزمة كبيرة وعراك، أما حالات العنف التي تحصل والتستر عليها تحت سقف المجتمع والدين والعادات والتقاليد كان يتم إخفائها في السابق والتكتم عليها بشدة، وقد تعودت النساء المعنفات على رفض الحديث بهذا الشان واعتباره منافياً للأخلاق وتحملها الألم لسنوات خوفاً من المعنف أو العائلة أو المجتمع أو عدم قدرتها على الدفاع عن نفسها.
ولكن مع انتشار الفضاء الإلكتروني والتواصل الإجتماعي بات الحديث عن حالات الإعتداء بشكل واضح أكثر خصوصاً مع ما مر به المجتمع السوري من أزمات بالاضافة إلى انتشار الفيروس المستجد كورونا وارتفاع حالات العنف المنزلي في معظم دول العالم حسب إحصاءات لمنظمات دولية تعنى بحقوق المرأة.
الآن وبعد كل ما سبق، لابد من العمل الفعال المنظم، الهيئات النسوية السورية عليها أن تكون أكثر فاعلية وتقوم بتنفيذ نشاطات نسوية مدروسة مصحوبة بخطوات عملية للعمل على تمكين النساء المعنفات في المجتمع بصورة صحيحة وذلك بهدف حماية النساء ودعمهن ودعم الناجيات والمعنفات بالإضافة إلى التوعية الشاملة للمجتمع وضرورة إحترام حقوق المرأة كمبدأ تعليمي من الصغر للأطفال في المدارس، فالعنف ضد المرأة يتجذر عميقاً ليس في سوريا فقط ، بل بأي مجتمع أو بلد آخر و إن اختلفت اشماله وانماطه، فرغم التقدم القانوني الذي أحرزته بعض الدول في هذا المجال يبقى الموضوع بالإجمال مسكوت عنه أو مبرر بشكل لا أخلاقي، وتتحمل الضحية في معظم الحالات عبئه وحدها ، و للأسف في مجتمعاتنا وبعض الدول العربية سنت قوانين وتشريعات جائرة تتعارض مع اعراف اجتماعية ودينية تجعل من المرأة معرضة لعنف اكبر يقع عليها في حال تجرأت على الحرية وأعلنت عما تعرضت له من عنف بهدف محاسبة المجرم، ولذلك تتردد المرأة المعنفة دوماً في التعبير عن مشاكلها وهمومها ومحاولة تحسين حياتها للأفضل، في مجتمعاتنا من الضروري احترام المرأة وحقوقها بشكل لائق بها، وهذا يقع على عاتق الرجل بالدرجة الأولى فهو شريك المرأة الاساسي في تحصيل حقوقها المدنية والقانونية ومساندتها وإعطاء المرأة مساحتها الصحيحة في جميع نواحي الحياة، وأن المرأة لا تتصارع معه ومع كيانه ووجوده، بل تحارب لأخذ مكانها الصحيح وحريتها وحقوقها الطبيعية الى جانبه، بدون قيود و انتهاكات والتي تلائم احتياجاتها وراحتها لتحقيق التوازن المنطقي بين الجنسين لتحقيق مجتمع سليم ومعافى.