تقترب الثورة السورية من عامها الثالث عشر، ولايزال "الجولاني" يتفرد بفصائل الثورة واحدة تلو الأخرى، في وقت تقف باقي الفصائل تراقب بزعم الحياد، ليفككها ويدمرها واحدة تلو الأخرى، وهو منذ أول بغي في 2014، ولايزال يمارس نفس السياسية والأفعال، ولاتزال الفصائل الخصم جميعاً تشرب من نفس الكأس ولم تتعلم الدرس.
قد لاتمثل تلك الفصائل الخصم للجولاني اليوم الثورة بعسكرتها المنشودة، بسبب كثرة الفساد والتجاوزات وسطورة قياداتها، ولكن بالتأكيد هي لاتملك مشروع خطر على الثورة، خلافاً للجولاني الذي يعد مشروعه للحكم والهيمنة على كامل المحرر، ويخترق تلك القوى والفصائل واحدة تلو الأخرى، ليضرب هذه بتلك ويحيد هذه لإنهاء الأخرى.
يتواصل هذا البغي، في ظل انتكاسة كبيرة لم يسبق أن سجلها التاريخ، بعد كل ماقدمه الشعب السوري من تضحيات ودماء وعذابات، ليعلن الأسد "انتصاره" على ركام المدن السورية وجثث الأطفال وعذابات السوريين، وفي الطرف المقابل لايزال نزيف الدم السوري ينزف وتتوسع جراحه باقتتالات داخلية أعطت للأسد وحلفائه المزيد من الوقت لمواصلة القتل وساهمت بشكل كبير في إضعاف الفصائل الثورية وإنهاء تأثيرها على الأسد.
منذ اليوم الأول لإعلان تشكيلات الجيش السوري الحر، كان الشعب السوري متفائلاً بقدرة الثوار القلائل مع الضباط والعناصر المنشقين على قهر الأسد والدفاع عنهم في وجه طغيانه، وبنى آماله وحماهم وناصرهم رغم وجود بعض الاختراقات التي شوهت مسيرة الصادقين منهم في سنوات لاحقة، وبالفعل تمكن الجيش الحر الذي تعددت فصائله ومناطق انتشاره من تحرير جل المناطق السورية وبات الأسد محاصراً في الساحل ودمشق يناشد حلفائه للإسراع في إنقاذه.
لم يكن التدخل الإيراني والروسي وحده من قتل الثورة وساهم في تراجعها، بل إن الاقتتال الداخلي هو القاتل الأول لعزيمة الثوار والمدنيين، بعد أن تشتت كلمة أبناء الثورة وباتت الدماء المحرمة تسيل في طرقات المناطق المحررة، فسيرت الأرتال وحشدت الجيوش كل مرة بحجة لإنهاء فصيل من الجيش الحر والسيطرة على مقدراته.
ولعل أول من بدأ البغي والتعدي على الفصائل كان تنظيم داعش، تبعه "الجولاني" قائد جبهة النصرة ليكمل الطريق بالبغي وراء البغي على فصائل الثورة، فأنهى خلال سنوات مضت أكثر من 30 فصيلاً عسكرياً، مقدماً للأسد وروسيا جل المناطق المحررة على طبق من ذهب بعد أن أنهى فصائلها وساهم في إضعاف حاضنتها، ابتداءاً من الجنوب السوري حتى إدلب وحلب وشرقاً حتى دير الزور والرقة، لتتوالى الانسحابات بعدها من المناطق المحررة وتحاصر المعارضة في بقعة جغرافية صغيرة في الشمال السوري اسمها "إدلب".
ورغم كل ماوصل إليه الحال من التراجع والانكسار في الثورة السورية، ورغم أن كل الشعارات التي رفعها الجولاني كانت كلاماً عابراً، ورغم أن آلاف المعتقلين في السجون لم يخرجهم أحد، ورغم أن مئات الآلاف مشردين في خيم مهترئة في البراري ومناطق اللجوء، إلا أن الجولاني لم يشبع من دماء الفصائل الأخرى، ففي كل مرة تبرم الهدن مع النظام ويهدأ القصف عن أجساد المدنيين، يحرك أرتاله لبغي جديد، ويزهق أرواحاً بريئة بفتاوى الفرغلي وأبو اليقظان والشرعيين المتسترين وراء حجاب.
ولطالما نادى الأحرار بضرورة التكاتف والتوحد بين جميع الفصائل لمواجهة مطامع الجولاني في السيطرة وإنهاء أبناء الثورة، إلا أن الشقاقات الداخلية كانت الحاجز الأكبر أمام توافق الجيش الحر والفصائل الأخرى في التوحد لمواجهة البغي، لا بل ساند بعضهم الجولاني في بغيه على الفصائل، فهذا الفصائل يهادن والآخر يصمت والثالث يساند سراً، حتى تمكن الجولاني من الاستئثار بالفصائل واحداً تل الآخر وصل الحال لأبرز المقربين منه ليس أحرار الشام وإنما رفقائه في البغي على الجيش الحر من جند الأقصى وحتى المنضوين في صفوف تحرير الشام ممكن قرروا الانشقاق عنه لينال منهم.
ورغم أنه بات واضحاً رفض التحاكم للشرع لعشرات المرات ورفض دعوات العلماء لحقن الدماء ونداءات المدنيين لعدم اقتحام المناطق المحررة بالدبابات، إلا أن الفصائل حتى اليوم تأخذ دور المتفرج وهو يواصل القتل والإنهاء، وكأن هؤلاء المدنيين في مناطق لاتخضع لسيطرتهم لايعنون لهم بشئ، فيستبيحها الجولاني وينهي فصيلاً كان يقاتل النظام ويسد ثغرات كبيرة، ليعد العدة فيما بعد لإنهاء الفصيل المتفرج وهذا ماحصل لعشرات المرات إلا أن الفصائل لم تتعلم فنال منهم آحادى والدور قادم على من بقي منهم إن لم يردعوه اليوم ويوقفوا استباحة الثورة السورية بشعارات الدين ونصرة المستضعفين.
لعل المتتبع لتصريحات وردود الفعل من فصائل الجيش الوطني السوري، "فرقة الحمزة والسلطان سليمان شاه"، حيال العقوبات الأمريكية التي طالتهم، يكشف حجم اللامبالاة وضعف الوعي السياسي لدى المكونين، وكأن واشنطن تورطت أو تسرعت في اتخاذ هذا الأجراء وعليها التراجع، غير مكترثين بعواقب هذا القرار ليس عليهم كمكونين عسكريين فحسب، بل على عموم "الجيش الوطني السوري".
سلسلة من التصريحات والمواقف التي خرج بها "أبو عمشة وسيف بولاد" اللذان طالتهما عقوبات واشنطن، بسبب الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها فصائلهم في عفرين وشمالي حلب، رغم أن تحذيرات عديدة وجهها نشطاء وجهات حقوقية لجميع مكونات "الجيش الوطني" سابقاً، للحد من الفظائع التي يتم ارتكابها بحق السكان، ليس المكون الكردي فقط، بل جميع المكونات في مناطق سيطرتهم، دون أذن صاغية.
ويظهر في ردود قائدي الفصليين، حجم الجهل السياسي في أبعاد العقوبات المفروضة عليهم، مستعينين بمواقف بعض الفعاليات الغير مؤثرة شعبياً على الأرض، والتي يتم شرائها وفق الولاء والمال، وسلسلة من الحسابات الوهمية التي تبدي نصرتهم والوقوف معهم على مواقع التواصل وتعجب بتصريحاتهم وتشاركها، رغم أن الحليف الأبرز لهم والممثل بالجانب التركي لم يصدر عنه أي تصريح في هذا الشأن.
فـ "أبو عمشة" قائد "فرقة السلطان سليمان شاه"، سارع للتغريد على حسابه على موقع "إكس"، أظهر في حديثه عدم المبالاة، في رد مستغرب من قيادة تشكيل عسكري، معتبراً أن "القوة المشتركة" المؤلفة من "فرقة السلطان سليمان شاه" التي يقودها و"فرقة الحمزة قوات الخاصة" بقيادة "سيف بولاد" الملقب بـ"أبو بكر"، "لا تعير أي اهتمام للعقوبات التي فرضتها الخزانة الأميركية".
وفي انفصام عن الواقع، اعتبر "أبو عمشة" أن تلك العقوبات لن تؤثر بزعم أنههم لايمكلون أي شركة خارج سوريا، معتبرا أن الهدف من هذه العقوبات "سياسي بحت"، في وقت هاجم "أبو عمشة" السياسة الأمريكية، وقال إنها تساوري بين الجلاد والضحية ولم ينس شكر المتعاطفين معهم وعلى رأسهم من وصفهم بـ "الأخوة الأتراك والقطريين"، رغم أن أي موقف لم يصدر عن الجانبين.
أما قائد "فرقة الحمزة قوات الخاصة"، التابعة للجيش الوطني السوري، "سيف بولاد" الملقب بـ"أبو بكر"، علق على القرار بأنه "مجحف وغير عادل، ومبني على معلومات غير دقيقة، ويتجاهل الخطوات الإصلاحية"، فيما قال "سيف عمشة"، المسؤول الأمني في فرقة "السلطان سليمان شاه"، وهو شقيق قائد الفرقة "أبو عمشة"، إن "العقوبات لا تؤثر علينا".
بدوره، عبر قائد أمنية فرقة "السلطان سليمان شاه"، "وليد الجاسم" الملقب بـ"سيف عمشة"، بوصفه أحد قادة الفرقة وهو شقيق محمد الجاسم الملقب بـ"أبو عمشة"، عن استغرابه من القرار الصادر عن الخزانة الأمريكية بحق قادة القوة المشتركة"، وأكد أن "القرار مثل مفاجأة غير مقبولة ولا تؤثر علينا أي عقوبات والتي لا تخدم إلا أعداء الثورة السورية"، وفق قوله.
في السياق، عمد الفصيلان، إلى حشد أنصارهم من بعض وجهاء القرى والبلدات من مخاتير ومجالس محلية ضمن المناطق التي يسيطرون عليها، لإصدار بيانات مناصرة لهم، وحشد تظاهرات، علاوة عن الحشد الإلكتروني على مواقع التواصل بحسابات وهمية مأجورة، تظهر الإعجاب والتأييد للقادة والوقف في صفهم وفق زعمهم.
في المقابل، بدا واضحاً حجم الارتياح والاستشفاء - أن صح التعبير - لدى نشطاء الحراك الثوري والفعاليات المدنية الثورية، لقاء العقوبات التي طالت قادة فصيلين لايحظيان بالقبول الشعبي في المنطقة، وخلقت الممارسات والانتهاكات التي تمارسها عناصرهم فجوة كبيرة بينهم وبين الحاضنة الشعبية الثورية التي عبرت مراراً عن رفضها لمواقفهم وسياساتهم وتسلطهم.
أيضاً بدا واضحاً أن الحقوقيين الفاعلين، رحبوا بالعقوبات الأمريكية، وجاء البيان عن "تجمع المحامين السوريين"، الذي طالب بتعزيز تلك العقوبات وتوسيع نطاقها لتشمل كافة الميليشيات التي تنتهك حقوق الناس، ولا تقيم وزنا لها، و لتشمل أيضا كل كيان أو شخص يتعامل معهم أو يقدم أي نوع من الدعم لهؤلاء القادة".
وطالب بيان "تجمع المحامين السوريين"، الحكومة التركية بتجميد حساباتهم المصرفية في مختلف المصارف التركية، واتخاذ كافة الإجراءات التحفظية وإغلاق أية ممتلكات عائدة لهم مهما كان نوعها أو طبيعة نشاطها.
وفي طرف آخر، كان القرار الأمريكي، معززاً لموقف ميليشيا "قسد" وأتباعها، والتي تسعى جاهدة للضرب والطعن في قوى الثورة والمعارضة، فكانت ممارسات الفصائل تلك هدية مجانية تقدم لـ"قسد" لتلاحقهم بها عبر أذرعها التي تتبع بشكل يومي الانتهاكات والممارسات للفصائل وتصدرها للرأي العام بالشكل الذي يناسبها ويخدم توجهاتها.
وفي مقال له، أوضح المحامي "عبد الناصر حوشان"، نشره موقع "نيناز برس"، أن هذه العقوبات تحمل في طيّاتها رسالة للحكومة التركيّة وتحميلها المسئولية عن تصرفات الفصيلين بحق سكان المنطقة، ودعوة لها لرفع يدها عنهم تحت طائلة فرض العقوبات على كل المؤسسات التركيّة التي تتعامل معهم، وعلى الحكومة السوريّة المؤقّتة ووزارة الدفاع فيما إذا تعاملت معهما بعد نفاذ قرار العقوبات.
وأكد حوشان أن هذه العقوبات ستكون ورقة للضغط على الحكومة التركيّة في ملف كيان قسد الانفصالي شرق الفرات والذي تعتبره تركيا أكبر تهديد لأمنها القومي وتعمل على القضاء عليه والتي تقوم الولايات المتحدة بمنعها من ذلك من خلال فرض حمايتها على هذا الكيان.
ويبقى الخاسر الوحيد - وفق حوشان - الضباط الأحرار الذين يعملون في الفصيلين حيث سيتم تصنيفهم على أنهم مجرمين ضد الإنسانية ومجرمي حرب ما سيؤثر على مستقبلهم حيث سيتم استبعادهم من أي عملية هيكلة محتملة للجيش السوري في المرحلة الانتقالية.
ومع كثرة البيانات التي لاتحل المشكلة، أصدرت "القوة المشتركة"، التي تضم "فرقة السلطان سليمان شاه" و"فرقة الحمزة قوات الخاصة"، في بيان مشترك بعد سلسلة بيانات فردية، أدانت فيه "القرار الغير عادل الذي صدر عن وزارة الخزانة الأميركية بحق القوة.
وأكدت الفرقة الالتزام بالقوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والتعامل مع المدنيين في ظروف الحرب والسعي لتوسيع نطاق تطبيقها العملي عبر اخضاع كافة العناصر المنتسبين للفرقتين لدورات تدريبية دائمة بالتعاون مع بعض المنظمات المختصة، وأعلنت جاهزيتها للتعاون مع المنظمات الدولية ذات الصلة بتطوير الخبرات القانونية.
كما وأعلنت جاهزيتها للتعاون مع الجهات الأمريكية والمنظمات الدولية ذات الصلة لمراجعة كافة الملفات التي بني عليها قرار وزارة الخزانة وفتح تحقيقات شفافة تحقق العدالة، بالمقابل كان أعلن "تجمع المحامين السوريين"، دعمه لقرار وزارة الخزانة الأميركية، بفرض عقوبات على فصائل من "الجيش الوطني السوري"، مطالبة بتعزيزها.
وطيلة سنوات مضت، ومنذ سيطرة فصائل الجيش الوطني على مناطق عفرين وشمالي حلب، منذ عام 2016 و 2018، ضمن عمليتي "درع الفرات وغصن الزيتون"، عملت بعض مكونات الجيش الوطني على بناء مستعمرات لها، كلاً يسيطر على قطاع، ويسهب في فرض الأتاوات والتضييق على المدنيين، لصالح الفصيل، لتسجل الجهات الحقوقية سلسلة واسعة من الانتهاكات، وتطلق عشرات التحذيرات لتلك القوى من مغبة الاستهاب والتماهي في مواصلة تلك الانتهاكات دون الحد منها، منعاً للتصنيف والدخول في متاهات العقوبات التي يبدو أنها باتت أمراً واقعاً.
حققت روسيا حليف نظام الأسد الأبرز في المنطقة، خرقاً كبيراً ضمن مساعيها لتمكين التطبيع العربي مع نظام "بشار الأسد"، بعد قطيعة استمرت لأكثر من عشر سنوات، بسبب همجية النظام في التعامل مع الحراك الشعبي السوري منذ 2011، والتي دفعت الدول العربية لاتخاذ قرار بتعليق عضويته في الجامعة العربية.
ورغم الخطوات العربية المتسارعة لإعادة النظام لمحيطه العربي بدفع من روسيا، وانطلاق اجتماعات التنسيق لفرض سياسة جديدة في التعامل مع نظام الأسد، الذي أغرق محيطه بـ "المخدرات" ورهن نفسه لإيران وميليشياتها، كان الحديث يتكرر عن ورقة عمل تحت اسم "خطوة مقابل خطوة".
هذا الشعار الذي حملته الدول العربية في إعادة العلاقات مع نظام الأسد، يقتضي من النظام البدء بخطوات جدية للحل في سوريا، من خلال سلسلة إجراءات عليه القيام بها، لتمكين تنفيذ الورقة، فمقابل كل خطوة عربية في التطبيع يستوجب أن يبادر النظام لتقديم تنازل بخطوة مقابلة تظهر جديته في التعاطي مع الحراك العربي الحاصل.
ورغم أن الدول العربية تعي جيداً أن نظام الأسد لن يستطيع الخروج من عباءة إيران وميليشياتها، إلا أن البعض يضغط لتمكين التطبيع العربي، وإعادة النظام لحضنه العربي ولو إعلامياً، دون الاستفادة من هذا التقارب، لكن محللون يرون أن الخطوات العربية لن تحقق أي تقدم في سياق إبعاد النظام عن المحور الإيراني كما يظن البعض.
ومع تسارع التطبيع وصولاً، لاتخاذ قرار في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، بعودة نظام الأسد لإشغال مقعده في الجامعة العربية، يثبت النظام لمرة جديدة أنه مستمر في سياساته ذاتها من ناحية القتل والتدمير ومواصلة المماطلة في الحل السياسي أو الإفراج عن المعتقلين، وهذه لم ولن يتحقق منها أي خطوة وفق مايرى كثير من المحللين.
الخطوة الوحيدة التي كانت تعول عليها بعض الدول مؤخراً، هي كبح عمليات تهريب "المخدرات" من سوريا باتجاه الأردن ودول الخليج، والتي استخدمها النظام وإيران سلاح استفزاز ضد تلك الدول من جهة، وباباً للكسب المالي وتعزيز ضائقته الاقتصادية من جهة أخرى، لكن هذه الخطوة قابلها النظام بمواصلة التهريب.
فبعد زيارة وزير خارجية النظام للسعودية، ودول أخرى، وخروج التصريحات التي تتحدث عن مطالب بوقف تهريب المخدرات عبر الحدود الجنوبية لسوريا، وبدل من توقفها، أعلنت كلاً من الأردن والسعودية ضبط كميات كبيرة جديدة من شحنات المخدرات على حدودها، تعدى الأمر لتهديد الأردن باستخدام القوة، والتي طبقت اليوم 8 أيار، بأول ضربة جوية أردنية في العمق السوري ضد مروجي المخدرات.
فخطوات العرب تجاه نظام الأسد يقابلها بشحنات الكبتاغون، ليس لأن النظام فقد السيطرة على نفسه وقراره فحسب، بل لأنه لايملك مايقدمه من خطوات للدول العربية إلا مزيد من شحنات الكبتاغون والمخدرات التي يتفرد في تصديرها عبر الحدود الغير شرعية لجيرانه، وسيأتي اليوم الذي تدرك فيه الدول العربية المطبعة مع الأسد أن وبال جرائمه سينعكس عليها شراً كبيراً ولاخير يرجى من مجرم حرب.
أنهيت عملي في تغطية الأضرار التي وقعت في المنطقة بعد زلزال 20 شباط، أرسلت المواد التي أعددتها لرئاسة التحرير وعدت لمنزلي خلعت ثوب الصحفي الذي يلبسني منذ أيام ولبست إنسانيتي التي فارقتني لبعض الوقت مرغمة على ذلك لأتمكن من تحمل الأهوال التي أراها أمامي.
أمسكت هاتفي بيدين ترتجفان من البرد الذي نال مني في تلك الليلة، وبدأت التجول بين غرف الواتساب أطمئن الأهل والأصدقاء وأتأكد من سلامتهم جميعاً قبل أن أقفز فوراً لأعلى الدردشات هناك محادثة تومض باستمرار، فتحت رسائل الحبيبة المفعمة بالخوف والقلق على غياب، تضمنت تلك المحادثة عبارة "أنا بخير بس مافي إنترنت"، طمئنتها وحدثتها لبرهة قبل أن أودعها وأحاول الخلود لنومي بعد ليلة طويلة، بعد أن تذكرت رسالة آتت منها قبل فترة كانت خالية من الكلام ولكن كان لها ألف حكاية وحكاية!.
لم تمض إلا ثوان على استلقائي في فراشي إلا وقد اجتاحتني هزة أرعدت فرائصي، يبدو أن هذه الهزات الارتدادية ستجلب لنا قلقاً إضافياً فلم نعد نأمن غدرها على جدراننا المنهكة من زلزالين متتاليين ورغم مكوثي في بناء من طابق واحد إلا أن الخوف كان يتملكني، منذ ساعين كنت أتنقل بين الأبنية المتصدعة أبحث عن متضررين فأرصد قصتهم، يصادفني جدار يريد أن ينقض فألتقط له بعض الصور دون أن ينتابني أي خوف، يبدو أن الإنسان الذي بداخلي يتملكني بشكل كامل الآن.
لم أنه تلك الأفكار التي في مخيلتي حتى انتابتني هزة أخرى، أمسكت هاتفي لأتأكد من غرف الرصد والأخبار، فوجدتها هادئة لم يتحدث أحد بها عن أي هزة، وقتها أيقنت أن متلازمة ما بعد الزلازل عادت لي مجدداً بعد أن ظننت أنني تخلصت منها بعد زلزال السادس من شباط.
يتعبك الشعور بالقلق المستمر لاسيما بعد ساعات طويلة من التعب والجهد الذي أدى لانخفاض السكر في الدم، تناولت بعض حبات الحلوى عسى أن تصرف عني بعض التوتر وحاولت الخلود للنوم مجدداً، لكن دون فائدة فبمجرد ارتخاء جسدي تعتريني الهزة مجدداً، قمت بكافة التوصيات التي ينصح بها المختصون من إغماض العينين ورفع القدمين فوق مستوى الجسد وغيرها دون فائدة.
كان علي كل برهة أن أتأكد من المصباح المعلق في السقف لأتأكد من ثباته كررت الحالة مراراً أنهكت نفسي وبردت أوصالي نتيجة حركتي المستمرة من الفراش والتي استفذت صديقي الذي أوقظته حركتي المستمرة في الغرفة وتلفظي بكلمة هزة، نهرني لأستفيق مما أنا فيه، "خلص يا زلمة نام وخلينا ننام عنا شغل الصبح".
يبدو أن المشاهد التي كنت أعيشها باتت كلها مخزنة في اللاوعي وتنتظر أقرب فرصة لتهجم علي محدثة هزة ارتدادية تختلف عن هزات الزلزال، هي هزات نفسية مرتدة عن تغطيات صعبة نفذها أي صحافي يعمل في مناطق الخطر، ولا يبدو أن التخلص منها سهلاً.
ملأت كأس ماء ووضعته قبالة عيني وامعنت النظر إليه باستمرار فثبات الماء في داخله منحني بعض الطمأنينة التي سمحت لجسدي المنهك أن يستريح، استفقت بعد ساعات على صوت منبه الهاتف، نفضت ثياب النوم من فوقي وقمت على عجل نحو عمل ونهار جديد على أمل ألا يكون ليله كسابقه.
مع بدء الغزو الروسي على أوكرانيا تكبدت القوات الروسية هزائم كبيرة، وعكست نتائج القرارات التي يتخذها بوتين والتي أضرت بصورة روسيا واقتصادها وهيبتها العسكرية.
كان لا بد أن يقدم بوتين ضحية للشعب الروسي والإعلام عن هذا الفشل، فبدلا من الاعتراف بالقرار الخاطئ، راح يعيد هيكلة المؤسسة العسكرية الروسية ويقيل الجنرالات الكبار، ويغير في قيادة العمليات العسكرية، ويحول جنرالات من سوريا إلى أوكرانيا لتغطية الفشل الحاصل.
في منتصف الشهر الجاري أقال بوتين رابع جنرال عسكري في حملته وهو "سيرغي سوروفيكين" المعروف باسم "جزار سوريا"، وقدمه كبش فداء عن الفشل الذريع للحملات العسكرية الروسية.
سيرغي معروف عنه بخبرته العسكرية في الشيشان وسوريا إلا أنه حمل الثقل الكبير للفشل الروسي بدلا من بوتين. وتم تعيين رئيس الأركان العامة "فاليري جيراسيموف" لقيادة "العملية العسكرية الخاصة" لروسيا في أوكرانيا.
تعيين الجنرال "فاليري" أثار جدلا كبيرا في الأوساط الروسية، لأنه تعيينه يعتبر من الأوراق الأخيرة التي يلقيها بوتين.
نائب القائد الأعلى لقوات حلف الناتو في أوروبا السابق ريتشارد شيريف (2011-2014) قال عن الجنرال فاليري : "سيكون هذا الجنرال الروسي قاسياً، ومتوحشاً، ويستعمل مطرقة ثقيلة للتدمير".
وأضاف شيريف أن عقيدة "فاليري" في السياسة الخارجية ترتبط بالتحكم في فضاء المعلومات، وتنسيق جميع جوانب الحملة، فضلاً عن الضرب في العمق واستهداف البنية التحتية المدنية والعسكرية الحيوية.
التوقعات اليوم تذهب إلى إصرار بوتين على الاستمرار، وميوله لاستخدام مزيد من الوحشية والعنف بمطرقته الغليظة الجديدة، وهذا ما يدفع بموسكو إلى مزيد من العزلة السياسية، وتضخم العبء الاقتصادي والخسائر الكبيرة القادمة التي سيدفع ثمنها الشعب الروسي أولا.
أثبتت معظم الدراسات البحثية التي أجريت خلال عقود أن تعرض النساء للعنف بكافة أشكاله الجسدية واللفظية في مختلف المجتمعات والدول بما فيها الدول الأوروبية، ليس محدداً بعرق أو جغرافيا أو ثقافة معينة، حيث تعاني 70% من نساء العالم من العنف وانتهاك حقوقهم بكافة الاشكال، وقد يحدث ذلك في المنزل أو العمل أو الشارع أو المدرسة، ومازال مستغرباً في معظم المجتمعات الطرق القانونية للإفلات من العقاب بطرح حجج واهية أو ذرائع قانونية تبرر الجريمة وتحول الضحية إلى متهمة بطريقة مهينة ومستغربة، وهذا مالحظناه إعلامياً مؤخراً ، بالحديث عن بعض جرائم القتل التي تعرضت لها بعض النساء في مصر والاردن و فلسطين، و تحويل الضحية إلى متهمة تحت سقف القانون والعادات والتقاليد البالية.
في سوريا تبدأ رحلة نسائها العلنية مع العنف من العشر سنوات الأخيرة، فالصورة الذهنية التي رسمها المجتمع السوري أمام الدول العربية والعالم أنه لطالما كانت المرأة السورية في المجتمع مقدسة وموضع إهتمام وإحترام من قبل جميع فئات المجتمع ولا يسمح بتخطي الحدود أو إهانة إمرأة بصورة علنية في الشارع أو العمل وحتى في المنزل وقد يتحول اي اعتداء من هذا النوع إلى أزمة كبيرة وعراك، أما حالات العنف التي تحصل والتستر عليها تحت سقف المجتمع والدين والعادات والتقاليد كان يتم إخفائها في السابق والتكتم عليها بشدة، وقد تعودت النساء المعنفات على رفض الحديث بهذا الشان واعتباره منافياً للأخلاق وتحملها الألم لسنوات خوفاً من المعنف أو العائلة أو المجتمع أو عدم قدرتها على الدفاع عن نفسها.
ولكن مع انتشار الفضاء الإلكتروني والتواصل الإجتماعي بات الحديث عن حالات الإعتداء بشكل واضح أكثر خصوصاً مع ما مر به المجتمع السوري من أزمات بالاضافة إلى انتشار الفيروس المستجد كورونا وارتفاع حالات العنف المنزلي في معظم دول العالم حسب إحصاءات لمنظمات دولية تعنى بحقوق المرأة.
الآن وبعد كل ما سبق، لابد من العمل الفعال المنظم، الهيئات النسوية السورية عليها أن تكون أكثر فاعلية وتقوم بتنفيذ نشاطات نسوية مدروسة مصحوبة بخطوات عملية للعمل على تمكين النساء المعنفات في المجتمع بصورة صحيحة وذلك بهدف حماية النساء ودعمهن ودعم الناجيات والمعنفات بالإضافة إلى التوعية الشاملة للمجتمع وضرورة إحترام حقوق المرأة كمبدأ تعليمي من الصغر للأطفال في المدارس، فالعنف ضد المرأة يتجذر عميقاً ليس في سوريا فقط ، بل بأي مجتمع أو بلد آخر و إن اختلفت اشماله وانماطه، فرغم التقدم القانوني الذي أحرزته بعض الدول في هذا المجال يبقى الموضوع بالإجمال مسكوت عنه أو مبرر بشكل لا أخلاقي، وتتحمل الضحية في معظم الحالات عبئه وحدها ، و للأسف في مجتمعاتنا وبعض الدول العربية سنت قوانين وتشريعات جائرة تتعارض مع اعراف اجتماعية ودينية تجعل من المرأة معرضة لعنف اكبر يقع عليها في حال تجرأت على الحرية وأعلنت عما تعرضت له من عنف بهدف محاسبة المجرم، ولذلك تتردد المرأة المعنفة دوماً في التعبير عن مشاكلها وهمومها ومحاولة تحسين حياتها للأفضل، في مجتمعاتنا من الضروري احترام المرأة وحقوقها بشكل لائق بها، وهذا يقع على عاتق الرجل بالدرجة الأولى فهو شريك المرأة الاساسي في تحصيل حقوقها المدنية والقانونية ومساندتها وإعطاء المرأة مساحتها الصحيحة في جميع نواحي الحياة، وأن المرأة لا تتصارع معه ومع كيانه ووجوده، بل تحارب لأخذ مكانها الصحيح وحريتها وحقوقها الطبيعية الى جانبه، بدون قيود و انتهاكات والتي تلائم احتياجاتها وراحتها لتحقيق التوازن المنطقي بين الجنسين لتحقيق مجتمع سليم ومعافى.
عرّف العنف ضد المرأة على أنه أي سلوك عنيف يمارس ضدّها، ويقوم على التعصب للجنس، ويؤدّي إلى إلحاق الأذى بها على الجوانب الجسدية والنفسية والجنسية ويعدّ تهديد المرأة بأيّ شكل من الأشكال وحرمانها والحدّ من حريتها في حياتها الخاصة أو العامة من ممارسات العنف، ويشكل العنف ضدّ المرأة انتهاكاً واضحاً وصريحاً لحقوق الإنسان؛ فهو يمنعها من التمتع بحقوقها الكاملة، ويجدر بالذكر أنّ عواقب العنف ليست على المرأة فقط، بل تؤثر أيضاً على الأسرة والمجتمع بأكمله، وذلك لما يترتب عليه من آثار سلبية اجتماعية واقتصادية وصحية وغيرها، والعنف ضدّ المرأة لا يرتبط بثقافة أو عرف أو طبقة اجتماعية بعينها بل هو ظاهرة عامة.
ومن أنواع العنف القائم على النوع الاجتماعي العنف الجسدي، ويُعدّ من أكثر أنواع العنف وضوحاً، ويشمل ممارسة القوة الجسدية ضدّ المرأة، وذلك باستخدام الأيدي أو الأرجل أو أي أداة تلحق الأذى بجسدها، ويتّخذ عدّة أشكال فقد يكون على شكل ضرب أو صفع أو غيرها.
العنف النفسي، الذي يرتبط بالعنف الجسدي، إذ إنّ المرأة التي تتعرّض للعنف الجسدي تعاني من آثار نفسية كبيرة، وقد يُمارس هذا الشكل من العنف من خلال عدّة طرق، منها إضعاف ثقة المرأة بنفسها، والتقليل من قدراتها وإمكانياتها وتهديدها وجعلها تشعر بالنقص، أو حرمانها من الاهتمام والحب التي تستحق، كما يرتبط بالعنف اللفظي، حيث يعدّ من أكثر أشكال العنف تأثيراً على الصحة النفسية للمرأة، وهو النوع الأكثر انتشاراً في المجتمعات.
العنف الاقتصادي، ويشمل محدودية وصول المرأة إلى الأموال، والتحكم في مستوى حصولها على الرعاية الصحية والعمل والتعليم بالإضافة إلى عدم مشاركتها في اتخاذ القرارات المالية والاجتماعية، ومنعها من العمل أو الاستقلال المادي، والتحكم في ممتلكاتها الخاصة (الأموال - الذهب - الإرث …)، مما يجعلها عرضة للاستغلال كما يؤثر هذا النوع من التعنيف على شخصيتها ووجودها في المجتمع.
في الحديث عن كيفية الوقاية من العنف ضد المرأة يجب تعزيز جانب التصدّي للعنف الممارس ضدها، إذ تبدأ الوقاية منه عبر المناهج الدراسية التي يجب أن تضمّ برامج للتعريف بالعنف والاستجابة له، بالإضافة إلى اتباع عدّة وسائل منها الخطط الاقتصادية التي تمكن المرأة من تعزيز دورها في المجتمع، والاستراتيجيات التي تعزّز المساواة بين الرجل والمرأة ومهارات التواصل فيما بينهم، بالإضافة إلى البرامج التي توضح ضرورة قيام العلاقة بين الأزواج وداخل المجتمعات على مبادئ الاحترام، كما يجب أيضاً التصدّي للعنف ضد المرأة من خلال تصويب القواعد الثقافية الخاصة بنوع الجنس، وتنمية استجابة القطاع الصحي لحالات العنف، ونشر الوعي حول هذا الموضوع.
وقد أطلقت عدد من المنظمات العالمية مبادرات عديدة لوقف العنف ضدّ المرأة، فقد خصّصت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر من كلّ عام يوماً دولياً للقضاء على هذا العنف، وسعت من خلال ذلك إلى رفع مستوى الوعي العالمي حول هذه القضية، كما دعت جميع الحكومات، والمنظمات الدولية، والمنظمات غير الحكومية إلى تنظيم فعاليات خاصّة بهذا اليوم لتعزيز مفهوم القضاء على العنف ضدّ المرأة في جميع أنحاء العالم.
حيث تتخذ منظمة الصحة العالمية عدّة خطوات في طريق وقف العنف ضدّ المرأة، ومن أبرزها
التعاون مع الوكالات والمنظمات الدولية لإجراء بحوث شاملة لمعرفة حجم المشكلة، وطبيعة العنف الممارس ضدّ المرأة في الدول المختلفة، وتقدير معدّلاته، وتحديد التدخلات اللازمة لمعالجته، ووضع الإرشادات للوقاية منه، بالإضافة إلى تعزيز استجابة القطاع الصحي.
أخيراً وليس آخراً أود أن اقول أنه يتحتم على جميع دول العالم القضاء على العنف ضد المرأة ومنع ممارسته باتباع كافة الوسائل الممكنة، ومن هذه الوسائل المصادقة على اتفاقية القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة، ومعاقبة كلّ من يمارس العنف ضد المرأة وفقاً للقوانين والتشريعات، وتعويض النساء التي تعرّضن للعنف عن الأضرار التي لحقت بهنّ، وتطوير نهج وقائي وتدابير قانونية وسياسية، وإدارية وثقافية شاملة لتعزيز حماية المرأة من جميع أشكال العنف، مع تخصيص موارد كافية في الميزانيات الحكومية لأنشطة القضاء على هذا العنف، بالإضافة إلى الاهتمام بقطاع التعليم لتعديل السلوكيات الاجتماعية، والثقافية، والتخلص من الممارسات الخاطئة ضد المرأة.
في سورية، وبعد الحرب الممتدة سنوات، نجد تفاقم في حجم المشكلة وتضاعف حالات العنف ضد النساء في كافّة المناطق، لذلك من الضروري الاستمرار في دعم مراكز حماية المرأة التي تسعى إلى نشر الوعي في المجتمع ومساعدة النساء للتخلص من الواقع المرير الذي يحيط بهنّ، إلى مستقبل يضمن لهنّ الحرية والكرامة والعدل الذي تستحق.
كشفت شبكة “شام” الإعلاميّة عن حصولها على معلومات مسربة يُرجّح أنها تعود لمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في بيروت، تتضمن قائمة طويلة من البيانات والمراسلات، مع وجود ملفات تصنف ضمن “الخطيرة” على حياة نشطاء وشهود عملوا مع المفوضيّة في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في الشرق الأوسط، وقد ردّت المفوضيّة على ذلك عبر بيانٍ مكتوب تنفي الأمر جُملةً وتفصيلاً، وترفض هذه الادعاءات تمّ توزيعه على المنظمات غير الرسمية المتعاونة معها تحاشياً لأي بلبلة قد تقع، ما يضرّ بسمعتها ومصداقيّتها.
ولأهمية الموضوع وخطورته كان لابد لنا أن نُسلِّط الضوء على بعض النقاط حوله وبيان مكامن ومصادر الخطر المحتملة والسبيل لتفادي أثاره.
تهدف عمليات توثيق حقوق الإنسان إلى حماية هذه الحقوق وتعزيزها ونشر الوعي بها، بالإضافة إلى كشف الحقائق تمهيداً لمساءلة ومحاسبة المنتهكين وإنصاف الضحايا وتحقيق العدالة، سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو حكومات، وقد وضع خبراء القانون الدولي الإنساني مجموعة من القواعد تُنظّم هذه العمليّات ضمن ما يُسمّى “دليل توثيق انتهاكات حقوق الإنسان”.
ومن أهمّ هذه القواعد:
قاعدة عدم إفشاء المعلومات والحفاظ على سريه المصدر: تُعتبر السريّة مبدأ مهم في مجال توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، لأن عدم التزام السريّة قد يتسبب بعواقب وخيمة للضحايا والشهود وكذلك للموثق نفسه، لذلك يجب اتخاذ تدابير خاصة لحماية سريّة المعلومات وهوية الضحايا والشهود، كما أنّ عدم الالتزام بالسريّة سيؤدي إلى فقدان الثقة بين الضحايا أو الشهود والمجتمع مع الموثِّق.
قاعدة عدم التسبب في الضرر: يُعتبر واجب حماية ضحايا الانتهاكات والضحايا المحتملين، من أهمّ واجبات الموثِّق من خلال وضع سلامة الضحايا على رأس أولوياته، وان يتخذ جملة من التدابير التي تضمن سلامتهم ومن ثم حصوله على تلك المعلومات وفقاً لمبدأ “سلامة المصدر أولى من الحصول على المعلومة”.
وبناءً عليه قام أولئك الخبراء بوضع مجموعة من القواعد الواجبة تتضمن آليّات توفير الأمن والحماية والسلامة أثناء عمليات الرصد والتوثيق وهي على مستويين وهما:
المستوى الأول: أمن الأفراد، من باحثين ومحققين وناشطين وموظفي المنظمات الدولية والمنظمات والمؤسسات المتعاونة، وفق الآليّات التاليّة:
المستوى الثاني: أمن المعلومة، وهو مجموعة الوسائل والإجراءات اللازم توفيرها لضمان حماية المعلومات من الأخطار التي قد تهدد سلامة سريتها ووجودها، والتي يجب أن تتّصِف بما يلي:
ترميز الوثائق والسجلات وتشفيرها: من خلال تصميم طريقة لحفظ المعلومات دون إضاعة هوية مقدم المعلومات، ففي الإفادات المحجوبة عن النشر، تأخذ الإفادة من الضحية أو الشاهد مع عدم كتابة ما يشير إلى شخصيته، بل توثق في دفتر ملاحظات صغير، لحين إرسالها للمؤسسة، التي بدورها تحتفظ بالإفادة في مكان مخصص لها، وتحتفظ بما يشير لهوية مقدم الإفادة في مكان مخصص آخر، بحيث يتم ربط الإفادة بمقدم الإفادة من خلال نظام رموز وأرقام تصممه المؤسسة ويكون أحد الموظفين على دراية كاملة بهذا النظام، وهو ما يحمي الضحية أو الشاهد في حال وقوع الإفادة في الأيدي الخطأ لأي سبب كان.
أمن المكاتب: لأمن المكاتب أهمية كبيرة في حماية السجلات التي تكون محفوظة في المكتب، والمعلومات المخزنة في الحواسيب، والتي قد تتعرض للضياع بسبب السرقة أو التدمير أو المصادرة أو حدوث خلل في أجهزة الحواسيب أو نشوب حريق، حيث يؤدي ضياع المعلومات إلى عرقلة أو فقدان المؤسسة لإمكانية متابعة عملها، وذلك من خلال وضع أقفال للمكاتب واستعمال كلمات السر في نظم الحواسيب وعمل نسخ احتياطية، وترحيل الملفات السرية المخزنة في أجهزة الحاسوب الموجودة في المكتب ووضعها في مكان مأمون بصورة أكبر.
وتقسّم المعلومات إلى قسمين:
الأول: معلومات علنية، وهذه لا يشكل كشفها خطراً على أحد.
والثاني: المعلومات السرية، وهي معلومات يجب الحفاظ على سريتها لحماية الضحايا والشهود والمؤسسة ذاتها، لضمان نجاح استكمال ملف تلك المعلومات السرية، فخلال العمل على بناء ملف جرائم حرب في منطقة نزاع مسلح ما، من المهم الحفاظ على سرية ًهوية الضحايا إذا ما كان النزاع مستمرا وعليه فإنه من المهم توفير الحماية للمعلومات السرية من المخاطر التي تهددها ومن أنشطة الاعتداء عليها.
وعليه فإنه يمكن القول بأن تسريب الملفّات المذكورة قد يكون: “إمّا عن طريق اختراق مكتب المفوضيّة في لبنان من خلال توظيف عملاء أو متعاونين مع النظام فيه، أو من خلال تجنيد أحد موظفيه أو أكثر، أو عن طريق المنظمات غير الرسميّة التي تتعامل مع المكتب، وإمّا اختراق أمن المعلومات عن طريق التجسس أو الاختراق الإلكتروني أو عن طريق الإهمال الوظيفي أو الخطأ أو الفساد”.
وتُرجِّح هذا الاحتمال القرائن التالية:
وأمّا بالنسبة لبيان المفوضيّة الذي تضمّن نفي نشر هذه المعلومات من قبل مكتبها وتأكيده التزام موظفيها بقواعد وواجبات العمل ومنها السريّة.
يمكن تفهّم النفي على أنه حرص منها على الحفاظ على سمعتها ومهنيّة موظفيها وهذا حقّها، ونحن بدورنا نحرص على ذلك لكنّ هذا النفي لا يجوز أن يُغلق الباب على ضرورة البدء بالتحقيق بالأمر لاحتمالية أن يكون نتيجة “فعل جرمي” مقصود سواء من قبل أحد موظفي المكتب نتيجة خضوعه “للابتزاز، أو التهديد، أو فساده، أو إهماله”، أو قد يكون ناجماً عن فعل فاعل من خارج المكتب مثل “السرقة – القرصنة – التجسس…..”.
وقد جرى العرف القانوني والإداري على أنّ تداول المعلومات “الخطيرة” أو الملفّات الخاصة بأي مؤسسة أو منظمة من قبل الإعلام أو المنظمات الأخرى يقوم مقام “الإخبار القانوني” الذي يُلزِم “الإدارة” بالإسراع بفتح تحقيقات إداريّة موسعة ودقيقة لمعرفة كيفية تسريب هذه المعلومات والملفات، وفي حال ثبوت القصد الجنائي لدى المسؤول تتم إحالته إلى القضاء، وهو ما يتوجّب على المفوضيّة الساميّة القيام به إن لم يكن لإثبات براءة موظفيها، فليكن في سبيل حماية “الملفات والبيانات والأرشيف الخاص بها” التي تتضمّن أدلّة جرميّة تمسّ حقوق الضحايا، أو على الأقلّ إنقاذ حياة الناشطين الذين وردت أسماؤهم في هذه الملفّات من مصير محتوم ينتظرهم إما الاعتقال أو الإخفاء القسري أو ربّما القتل تحت العذيب ويمكن الانطلاق في ذلك عبر تدقيق الملفات المُسرّبة ومقارنتها مع الملّفات المحفوظة لدى المكتب، سواء كان هؤلاء الناشطين من المتعاملين مع المفوضيّة أو لم يكونوا كذلك، لأنه من واجب المفوضيّة أولاً وأخيراً حماية حقوق الإنسان وضمان امتثال الدول للالتزامات القانونية ومنع وقوع أيّة انتهاكات لحقوق الإنسان، وليس للمنظّمة خيار آخر سوى ذلك لأن مصائر هؤلاء الأشخاص أصبحت معلّقة بين إنكارها التسريبات ورفضها بفتح التحقيق بالموضوع.
عدم الاستقرار هو العنوان الرئيسي الذي تعاني منه منطقة شمال سورية وتحديداً شمال غرب سورية على كافة الأصعدة الأمنية والاقتصادية والصحية، ولعل الوضع الاقتصادي الهش ومستوى المعيشة المتدني للقاطنين في المنطقة أبرز ما يشغل المدنيين؛ خصوصاً مع غياب معظم مقومات الحياة وغلاء الأسعار وصعوبة المعيشة بشكل عام، بالإضافة إلى تردي الوضع الأمني الذي بات يشكل ظاهرة اعتاد عليها السوريون.
هذه الظروف المستمرة منذ أكثر من 10 سنوات يتوقع أن تصبح أكثر سوءاً في حال انقطاع شريان الحياة الوحيد في المنطقة إذا لم يتم تمديد آلية العمل بالقرار الأخير 2642 الصادر عن مجلس الأمن في تموز 2022، والذي ينص على تفويض أممي لإدخال المساعدات الإنسانية إلى مناطق شمال سورية عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا لمدة 6 أشهر ستنتهي رسمياً في شهر كانون الثاني القادم 2023.
تراود السوريين مخاوف حقيقية من موقف روسيا -الداعم الرئيس لنظام الأسد- حول عرقلة تجديد التفويض عبر استخدام حق النقض (الفيتو) للمرة الثامنة عشر منذ بدء الثورة السورية، وهو ما سبق وفعلته وأدى إلى إغلاق معابر أخرى استخدمتها الأمم المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى مناطق خارج سيطرة النظام.
وقد أصبح من الواضح تماماً أن الأمور باتت أكثر تسييساً هذا العام من السنوات السابقة، وأن الحديث في الوقت الحالي عن آليات بديلة لإدخال المساعدات في ظل استمرار الابتزاز الروسي في مجلس الأمن هو نتيجة لصراعات دولية في العديد من الملفات وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية التي باتت بطاقة مساومة تطرحها جميع الدول على طاولة المفاوضات لتمرير قرارات أخرى، ولعل هذا ما سيرخي بظلاله على تداعيات تمديد القرار. والجدير بالذكر أنه في حال نجحت روسيا بمساعيها في حصر تقديم المساعدات الإنسانية عبر حكومة نظام الأسد فقط سيحرم أكثر من 2,4 مليون سوري من مساعدات الأمم المتحدة الشهرية.
يمثل معبر باب الهوى نقطة الوصول الوحيدة إلى المنطقة بالنسبة إلى الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية، وهو شريان الحياة بالنسبة للعديد من السوريين القاطنين في المنطقة البالغ عددهم أكثر من 4 ملايين سوري بين أبناء المنطقة وآلاف المهجرين والنازحين من مختلف المناطق السورية، وهم مستفيدون من المساعدات الإنسانية بشكل أساسي في تعزيز استمرار الحياة بالمنطقة في ظل الظروف الراهنة التي تمنع تحسن الوضع الاقتصادي، إذ تساهم المساعدات في إنعاش المنطقة من جديد، في حين أن قطعها سيعقد الظروف بشكل أكبر متسبباً بمجاعة وربما فاجعة هدفها إذلال السوريين المعارضين للنظام.
سيؤدي الفشل في تمديد تفويض الأمم المتحدة بإيصال المساعدات عبر الحدود إلى تقليل عمليات الإغاثة الإنسانية بشكل كبير، مما سيقود شمال غربي سورية إلى كارثة إنسانية حقيقية، بينما يقتضي الواجب الأخلاقي والإنساني الاستجابة لمعاناة قاطني المنطقة والذين يحتاجون إلى المساعدة والحماية، فالمنطقة تضم فئات سكانية من الفئات المصنفة بين الأكثر هشاشة في العالم، لذلك من الضروري للغاية الحفاظ على استمرار شريان الحياة فيها، كما أن غياب دور للأمم المتحدة سيجعل عملية الاستجابة الشاملة أقل شفافية ومساءلة، ونظراً لصعوبة ضمان ما سيكون الوضع عليه في المستقبل؛ يجب التأكيد على إدخال المساعدات الإنسانية عبر الأمم المتحدة ومؤسساتها حصراً دون العودة إلى مجلس الأمن الدولي كل ستة أشهر للتخلص من الابتزاز الروسي في هذا الملف.
على مدار أيام عدة، أتابع التطورات الجارية في ريف حلب الشمالي "عفرين والباب" بشكل دقيق، في محاولة لقراءة المشهد، ابتداءاً باغتيال الناشط "محمد أبو غنوم"، وما تلاها من كشف الخلية المتورطة واعتقالها، ولاحقاً "بدء الصراع المسلح" بين الفصائل، وظهور اصطفافات متضاربة متناقضة متخاصمة إلى جانب بعضها البعض في بدء مرحلة "صراع داخلي مسلح" يبدو أنه كان محضراً له بشكل مسبق لدى كل الأطراف دون استثناء.
ماوصلت إليه مكونات "الجيش الوطني" اليوم بريف حلب، هو نتيجة حتمية للصراع الطويل بين مكونات عسكرية متفرقة في (كلمتها وأهدافها ومشاريعها)، رغم كل المحاولات لتوحيد جهودها في أن تكون كيان عسكري ممثل للحراك الثوري كـ "الجيش الحر"، وماخلفته تلك الصراعات من انتهاكات وجرائم ليس آخرها اغتيال "أبو غنوم".
هذا الصراع والتفكك، أعطى "الهيئة" دوراً فاعلاً ليست في المنطقة فحسب، وإنما لدى الأطراف الخارجية، التي يبدو أنها باتت أمام مرحلة بالتخلي عن بعض المكونات لصالح تمدد الهيئة بريف حلب الشمالي والشرقي، بعد أن نجحت الهيئة في تقديم مشروع متوازن مرن لها في إدلب، وإبداء استعدادها لتعويمه ونقله لشمال حلب.
الصمت التركي "الحليف الأبرز والمسؤول عن المنطقة"، جاء بعد سلسلة هزات وتنبيهات لعدد من المكونات العسكرية التابعة للجيش الوطني، لتدخل في مشروع اندماج حقيقي وتتخلى عن أسمائها ومشاريعها، ويبدو أن الصد والرفض، وعدم الاتعاظ من دخول الهيئة السابق إبان محاصرة "أبو عمشة" لم يأت بنتيجة، ولم يحقق الهدف في تنبيه حقيقي لتلك المكونات.
في خضم التحالفات التي بنتها "الهيئة" مع مكونات من "الجيش الوطني" كانت على خصومة كبيرة معها سابقاً، يبدو أن المشهد يسير لتمكين الهيئة مع تلك المكونات وكل من يقبل التنازل، في بعض مناطق ريف حلب والبداية في عفرين، ولربما يكون المشهد أوسع في حال لم ترضخ المكونات الأخرى، وتواصل الهيئة تمددها لكامل ريف حلب وصولاً لجرابلس.
ولعل الحديث اليوم عن مشروع مدني للهيئة بالتشارك مع فصائل "الجيش الوطني" وهو ليس بحديث جديد، بل مشروع قديم لدمج الحكومتين "الإنقاذ والمؤقتة" وتوحيد الإدارات العسكرية والمنية أسوة بإدلب، لكن رفض المشروع سابقاً حال دون تنفيذه سلمياً، ويبدو أن التنفيذ سيكون بالقوة هذه المرة.
ويرسم المشهد اليوم، مع بدء دخول "هيئة تحرير الشام" وحلفائها الجدد، لمدينة عفرين، حقبة جديدة من المشهد العسكري في ريف حلب الشمالي والشرقي بالتوازي مع إدلب، سيكون له لاحقاً في حال تم تنفيذ المشروع كاملاً دور في ضبط المنطقة أمنياً وعسكرياً واقتصادياً وفق رؤية معدة مسبقاً، وربما تكون الفصائل المتخاصمة اليوم جميعاً بما فيها الشامية وجيش الإسلام ضمن هذا المشروع المفروض وفق ضوابط لها، وفي حال الرفض والتوسع باعتقادي أن دورها انتهى بريف حلب الشمالي وربما يتم نقل قواتها لمناطق "نبع السلام" في مرحلة لاحقة.
في الخامس من يناير عام ٢٠١٩، نشرت شبكة "شام" الإخبارية، مقالاً تحت عنوان "متى يبغي الجولاني على "الأسد"، طرحت فيه مايراود مئات الآلاف من المدنيين من سؤال واحد كان ولايزال بدون إجابة، آلا وهو "متى يبغي الجولاني على الأسد" ويعلنها حرباً تسير لها الجيوش التي يسيرها منذ 2014 ضد فصائل الثورة، التي أنهى منها أكثر مما استطاع الأسد خلال ثماني سنوات مضت من عمر الثورة، مقدماً للنظام وحلفائه خدمات مجانية بقتل أبناء الثورة وزيادة التشرذم والتفكك بمكونات الثورة وحاضنتها.
أكثر من خمسة على سقوط مدينة حلب وتوقف جبهات القتال إلا من بعض العمليات المسكنة، وهيئة تحرير الشام تزيد من سيطرتها وتملكها على المحرر الذي بات محصوراً في بقعة جغرافية صغيرة في ريف إدلب، سلمت ربع تلك المساحة خلال أيام وتخلت الهيئة عن مناطق واسعة شرقي سكة الحديد، لتعاود في كل مرحلة انهزام تجييش عناصرها ضد فصيل عسكري جديد، وبدعوى وحجج جديدة.
"نصرة الدين وإخراج المعتقلين في السجون، وتحرير القدس، وفتح دمشق" باتت شعارات من الماضي، أكل عليها الزمن وشرب، وبات تحرير المحرر وتملك مقدراته هو السمة البارزة لدى "الجولاني وعناصره وشرعييه"، ليسفك المزيد من الدماء المعصومة بفتاوى القتل بالرأس، وادعاءات مصلحة الثورة وكأنه الحامي لحدودها.
وفي كل مرة يسوق الجولاني حجة جديدة للتغلب والبغي على الفصائل، ويدعي أن هذا لمصلحة الساحة، وأن الفساد قد استشرى في منطقة الخصم، ليتوى هو محاربته وسفك الدماء وتسيير الجيوش والدبابات، التي صوبت فوهاتها باتجاه المحرر، وتركت النظام آمناً مطمئناً، إلا من بضع عمليات مسكنة يطبل لها ويدعي فيها الانتصار ومقارعة النظام والتنكيل به.
اللافت في بغي "2022"، أن "الجولاني" وضع يده في يد أعداء الأمس، وهم "أحرار الشام"، ممن تغلب عليهم وأنهى فصيلاً من أقدم الفصائل المقاتلة في سوريا، بعد أن عجز الأسد وحلفائه على تفكيكه، لكن المستغرب حالياً أن "الجولاني" في خندق واحد مع "أبو عمشة وفصيل الحمزات"، وهو الذي لايمكن لأتباع الجولاني تبريره وإيجاد مسوغ لهذا الاتفاق.
"متى يعلن الجولاني أن الأسد فاسد، وأن هناك فساد أعظم وحرمات تنتهك في سجونه، ويسير الجيوش لنصرة المستضعفين، ويحرر المناطق الخاضعة لسيطرة النظام لا الفصائل، ومتى نرى أبو اليقظان والفرغلي وغيرهم من مشرعي سفك الدم يفتون بحرمة التعامل مع الأسد وتبادل المعابر والبضائع، ومتى يفتون بوجوب إنهاء الأسد وتخليص سوريا من رجسهم وظلمهم وفسادهم الأعظم، ألم يحن الوقت بعد ....!!
خلال السنوات الماضية قدم الشعب السوري الكثير من التضحيات ولا يزال نضاله مستمراً حتى اليوم في سبيل تحقيق النصر لثورته المباركة حلم كل الطامحين بالتغيير وبناء سورية المستقبل، وذلك على الرغم مما عايشه السوريون لتحقيق هذا الحلم من آلام ومعاناة أدت إلى أكبر موجة لجوء ونزوح عرفها التاريخ الحديث بعد الحرب العالمية الثانية حسب تقارير لمنظمات دولية، ولم يقف الأمر عند حد اللجوء والنزوح والقتل والتدمير بل تعداه إلى خسارة الأرض والشجر في بعض الأحيان والتي لا تقل أهمية عن خسارة الأرواح، فخلال السنوات العشر الأخيرة فقدنا الكثير من الثروات والمصادر الطبيعية التي كانت تعتبر شريان الحياة للمدنيين، وقد كانت خسارة رئة سورية عبر قطع الأشجار وحرق الغابات في عدد غير متنهٍ من المناطق والمدن السورية إحدى الخسارات الأكثر إيلاماً.
في البداية، قام نظام الأسد بافتعال العديد من الحرائق الضخمة في الغابات الطبيعية بهدف الكشف عن مناطق تمركز قوات الجيش الحر لاستهداف مواقعه، كما قام بعض المدنيين بقطع الأشجار لتلبية احتياجاتهم الشخصية كتأمين الحطب أو توسعة الأراضي الزراعية أو بناء المخيمات لتأمين المأوى، وذلك وسط غياب القوانين والأنظمة الرادعة وغياب الوعي المجتمعي بمجال الأحراج وأهميتها، تحديداً في مناطق الشمال السوري وإدلب، ولم يكن الأمر أفضل بكثير في محافظة حلب حيث قُطّعت الأشجار كما افتَعل نظام الأسد حرائق التهمت الكثير من الأراضي، مما أدى بطبيعة الحال إلى زيادة حجم الكارثة.
تبلغ مساحة الغابات الطبيعية في سورية 445 ألف هكتار؛ يقع 42000 ألف هكتار منها في إدلب وريفها و 22500 ألف هكتار في حلب وريفها فقط، وبالمقارنة بين الماضي والحاضر نلاحظ حجم الكارثة حيث تعاني سورية اليوم من نقص شديد في التوازن البيئي، خاصة في شمال سورية والمناطق المحررة، إذ إن الغابات من القضايا المنسية والأقل أهمية ضمن قوائم أولويات منظمات المجتمع المدني والجهات الرسمية كالمجالس المحلية والحكومة السورية المؤقتة وغيرهما، في وقت يجب العمل فيه ضمن خطة واضحة لإعادة تشجير المناطق التي تم حرقها أو قطع الأشجار فيها، إضافة إلى العمل على زيادة الوعي المجتمعي بأهمية الغابات والتشجير، فالغابة هي رئة المنطقة التي تساعد على استقرار السكان وبقائهم في أماكن معيشتهم وتسهم في تحقيق دخل إضافي للمدنيين في حال تم تنظيم العمل فيها بصورة حضارية، ومن البديهي أن تكون الملاذ الآمن للطيور والحيوانات البرية، كما تضمن لمربيّ المواشي مراعيَ طبيعية على مدار العام، ونظراً لاحتياج المدنيين إلى سورية الخضراء من جديد؛ لا بد من منع قطع ما تبقى من أشجار بشكل صارم عبر قوانين ملزمة، والدعوة للقيام بحملات تشجير تعم جميع المناطق المتضررة لإعادة الروح إليها من جديد.
وعليه؛ فإن عملية إعادة التوازن البيئي من جديد للمنطقة بأسرها يجب أن تتم بأسرع ما يمكن ضمن خطوات مدروسة ومتفق عليها من قبل المعنيين، وأن تكون إعادة ترميم ما تم إتلافه على رأس أولوياتهم، والتي نراها ضمن الخطوات التالية:
● توعية السوريين بأهمية وضرورة الحفاظ على الأحراج والغابات من التدهور والزوال، لأن ذلك سيشكل خطراً بيئياً كبيراً على المنطقة بأسرها.
● إصدار قوانين ملزمة من قبل الجهات المعنية في الشمال السوري بمنع قطع وحرق الأشجار، والعمل على تطبيقها بشكل يؤمّن بقاء وسلامة تلك الغابات.
● المحافظة على الأنواع النباتية الطبيعية المتبقية في تلك المناطق، والعمل على إعادة زراعة الأنواع النباتية المختلفة التي تتناسب مع بيئة المنطقة.
● دعوة المنظمات والجمعيات المدنية إلى إقامة مشاتل خاصة بإنتاج أنواع الغراس الحراجية.
● تأهيل كوادر مدنية تابعة لوزارة الزراعة معنية بعمل الحراج وإنتاج المواد الحراجية ومكافحة حرائق الغابات وقطع الأشجار تعمل على مدار العام.
● العمل على إنشاء مدارس زراعية وإقامة ندوات ضمن المجتمعات المحلية التي تهدف إلى كيفية المحافظة على الغابات وضمان بقائها.
● العمل على وضع لوحات طرقية وتوزيع بروشورات في الأماكن العامة من شأنها رفع الوعي بأهمية الغابات والحفاظ على الأشجار.
● العمل على تنظيم حملات إنسانية تستهدف العائلات المحتاجة مع بداية فصل الشتاء لمدهم بمواد تدفئة كالفحم وقشور الفستق الحلبي المنتشر الآن في الشمال، وذلك للحد من قطع الأشجار لاستخدامها في التدفئة.
لا شك أن تغيير شكل الأراضي الذي حصل في عدد من المناطق مؤخراً نتيجة القطع الجائر للأشجار بدا صادماً للجميع بمن فيهم سكان هذه المناطق أنفسهم، فرؤية المناطق الخضراء تتجه نحو التصحر بخطى ثابتة يعتبر مشهداً مؤلماً وحزيناً للغاية يجب العمل على إيقافه بشتى الطرق والإمكانيات المتاحة، حيث إن تدهور هذا النظام البيئي الجميل سيكون له انعكاسات خطيرة على البيئة والمناخ، وهذه المسؤولية يجب أن تؤخذ على محمل الجد من قبل المنظمات الإنسانية العاملة والجهات المعنية للمساهمة من جديد بعمليات التشجير والقيام بحملات منسقة ومدروسة لحل هذه الكارثة، مع عدم إغفال المسؤولية الأساسية للمدنيين في المحافظة على الطبيعة أينما وجدوا وفي أي بقعة من بقاع العالم.