حذر الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، اليوم الأحد، مما وصفه بـ”الاختراق الفكري الصهيوني” الذي يستهدف أبناء الطائفة الدرزية، متهماً بعضهم بالمساهمة في مخططات تقسيم سوريا تحت شعار “تحالف الأقليات”.
وجاءت تصريحات جنبلاط خلال خطاب ألقاه في قصره ببلدة المختارة في قضاء الشوف، بمناسبة الذكرى السنوية لاغتيال والده كمال جنبلاط في 16 آذار 1977، حيث حضر التجمع عدد كبير من مناصريه الدروز.
وفي خطابه، دعا جنبلاط الدروز، الذين أشار إليهم بـ”بني معروف”، إلى التمسك بهويتهم العربية وتراثهم الإسلامي، قائلاً: “إلى بني معروف، حافظوا على إرثكم الفكري والنضالي والسياسي الذي أرساه كبارنا، وفي مقدمتهم سلطان الأطرش وشكيب أرسلان وكمال جنبلاط”.
تحذير من التغلغل الإسرائيلي
وتعليقاً على زيارة شخصيات درزية إلى إسرائيل هذا الأسبوع، شدد جنبلاط على أن هذه الزيارات، سواء كانت ذات طابع ديني أو غيره، لا تغير حقيقة أن “الأرض محتلة”، مضيفاً: “نحذر من الاختراق الفكري الصهيوني، واستخدام بعض الدروز إسفيناً لتقسيم سوريا تحت شعار تحالف الأقليات”.
وفيما يتعلق بالعلاقات اللبنانية السورية، شدد جنبلاط على ضرورة إعادة بنائها على أسس جديدة، بعيداً عن “التجارب السابقة”، مؤكداً أهمية ترسيم الحدود بين البلدين براً وبحراً.
كما أكد دعمه للحقوق الفلسطينية المشروعة، وفي مقدمتها حل الدولتين، وحق العودة، واحترام القرارات الدولية، بالإضافة إلى ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار في غزة.
إلغاء التجمع السنوي بعد تحقيق العدالة
وفي خطوة لافتة، أعلن جنبلاط إلغاء التجمع السنوي الذي يقام لإحياء ذكرى اغتيال والده، مشيراً إلى أن “العدالة تحققت بعد اعتقال السلطات السورية للمسؤول عن الجريمة في عهد نظام البعث، إبراهيم حويجة”.
الحريري في ذكرى اغتيال كمال جنبلاط: تزامنت مع توقيف قاتله
ويوم أمس، أصدر رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، سعد الحريري، بيانًا في الذكرى السنوية لاغتيال الزعيم اللبناني كمال جنبلاط، مشيرًا إلى أن هذه الذكرى تأتي متزامنة مع توقيف المتهم الأول في الجريمة بعد عقود من الحماية والمكافآت، وفق تعبيره.
وأكد الحريري أن اغتيال جنبلاط كان جزءًا من مخطط نظام حافظ الأسد لإحكام قبضته على لبنان، لافتًا إلى أن جيش الأسد دخل البلاد على دماء جنبلاط، كما خرج بعد 28 عامًا على دماء والده، رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري.
وقال الحريري إن اللبنانيين انتظروا عدالة الأرض لكنها لم تُنصفهم، معتبرًا أن “عدالة رب العالمين لا يمكن لأحد أن يهرب منها”. وأكد أن دماء كمال جنبلاط ورفيق الحريري شكلت ركيزة للنضال من أجل لبنان السيد المستقل، مشددًا على ضرورة استمرار هذا النهج رغم محاولات القتل والتصفية التي تعرض لها المشروع الوطني اللبناني.
واختتم الحريري بيانه بالتأكيد على أن القاسم المشترك الأكبر بينه وبين الحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة وليد جنبلاط هو السعي لتحقيق حلم كمال جنبلاط ورفيق الحريري، والعمل مع الجميع من أجل مستقبل مزدهر للبنان.
وفي وقت سابق، نشر الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر منصة "إكس" خبر الاعتقال وأرفقه بعبارة "الله أكبر"، وذلك في أول تعليق له على خبر اعتقال رئيس المخابرات العامة السابق في سوريا "اللواء إبراهيم حويجة" بعملية أمنية لوزارة الداخلية السورية في مدينة جبلة بريف اللاذقية.
وأعلنت المصادر الحكومية الرسمية عن اعتقال اللواء إبراهيم حويجة في مدينة جبلة، المتهم بالإشراف على مئات الاغتيالات في عهد حافظ الأسد (1971-2000)، ومن أبرزها اغتيال كمال جنبلاط في 16 مارس 1977. وكان اللواء حويجة يشغل منصب رئيس المخابرات الجوية في نظام الأسد لمدة 15 عامًا قبل أن يُقال من منصبه في عام 2002.
وأفادت "إدارة الأمن العام" أنه تم اعتقال حويجة بعملية أمنية مركزة في اللاذقية بعد رصد دقيق وتحري طويل. كما أضاف المصدر أن حويجة كان معروفًا بظهوره النادر ولقبته "اللواء المجرم" بسبب دوره في العديد من الجرائم المرتكبة ضد الشعب السوري.
وكانت قضية اللواء حويجة قد تصدرت الأنباء مجددًا في أوائل عام 2017، عندما ظهرت ابنته، كنانة حويجة، التي عملت مذيعة في الفضائية السورية، والتي لعبت دورًا بارزًا كمفاوض باسم النظام السوري في قضايا تتعلق بالتهجير والتغيير الديمغرافي.
وإبراهيم حويجة هو ضابط سوري بارز شغل منصب مدير إدارة المخابرات الجوية في سوريا لمدة 15 عامًا، منذ عام 1995 حتى عام 2002، عندما أقاله بشار الأسد من منصبه، وينحدر حويجة من قرية عين شقاق في ريف جبلة بمحافظة اللاذقية، وهي منطقة متاخمة لبلدة بيت ياشوط التي تعتبر مسقط رأس اللواء محمد الخولي، الرئيس السابق لإدارة المخابرات الجوية.
بدأ حويجة مسيرته العسكرية في سبعينيات القرن الماضي كضابط في القوات السورية، ثم تم ترقيته ليصبح مديرًا لإدارة المخابرات الجوية عام 1995، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى عام 2002.
كمال جنبلاط – زعيم وطني ومفكر تقدمي
يُعد كمال جنبلاط أحد أبرز الشخصيات السياسية والفكرية في تاريخ لبنان الحديث، وُلد عام 1917 في بلدة المختارة بجبل لبنان، ونشأ في عائلة درزية عريقة. أسس الحزب التقدمي الاشتراكي عام 1949، وساهم في تشكيل الحركة الوطنية اللبنانية التي نادت بالإصلاحات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
كان جنبلاط من أشد المناهضين للنفوذ السوري في لبنان، ودعم القضية الفلسطينية بشدة، ما جعله في مواجهة مباشرة مع نظام حافظ الأسد. وفي 16 آذار/مارس 1977، اغتيل جنبلاط في ظروف لا تزال تُثير الجدل، حيث وُجهت أصابع الاتهام إلى النظام السوري، الذي كان يسعى إلى تصفية خصومه وإحكام السيطرة على لبنان.
مثّل اغتياله محطة مفصلية في تاريخ البلاد، إذ أدى إلى تصاعد التوترات السياسية والطائفية، وترك أثرًا عميقًا في المشهد اللبناني. بعد اغتياله، تولى نجله وليد جنبلاط قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي، واستمر في النضال السياسي مستندًا إلى إرث والده، الذي بقي رمزًا للفكر التقدمي والنضال من أجل استقلال لبنان وسيادته.