"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
لاقى الطرح الذي تحدث عنه "أحمد موفق زيدان" أحد عرابي مشروع "الجولاني" في إدلب، بما سمي "المشروع السني" في إدلب، حالة استهجان واستياء كبيرة في أوساط الفعاليات الثورية، وحتى ضمن أقطاب من "هيئة تحرير الشام" لما يحمله هذا الطرح من إقصاء وحصر لثورة السوريين بكيان واحد دون غيره، مهمشاً نضال الأحرار من كل المكونات والأطياف السورية.
صحيح أن الصرخات الأولى للحراك الشعبي الثوري كانت انطلاقتها المساجد، لكن لم تكن ثورة السوريين يوماً حكراً على مشروع أو تيار سواء كان سياسي أو ديني، وإنما كانت ثورة ضد الظلم الفساد حمل لوائها كل أطياف الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه، وكانوا صفاً واحداً في مواجهة غطرسة الأسد وجبروته، ورفعت شعارها الأوحد "ثورة لكل السوريين".
لم تكن تصريحات "زيدان" عبثية وارتجالية، بل جاءت استكمال لنهج مشروع "الجولاني" في إدلب، والتي باتت حكراً له، خط لها الحدود وأقام المعابر وفصلها عن محيطها الثوري، قبل ذلك سيطر على كل مقدرتها بعد سلسلة غزوات من البغي التي أقصى فيها جميع من ينافسه عسكرياً ومدنياً، وبنى كيانه الخاص به، لتحقيق مشروعه الإقصائي بامتياز.
وسبق أن تحدث "الجولاني" قائد "هيئة تحرير الشام" عن "المشروع السني" في مناطق سيطرة الهيئة، معتبراً أن المشروع لم يعد مشروع ثورة ضد ظلم وطغيان فقط، إنما تحوّل إلى بناء "كيان سنّي"، لأن أبناء السنة معرّضون لخطر وجودي في سوريا، رغم أغلبيتهم وكثرة عددهم، إذ إن نظام الأسد يعمل على تغيير الهوية السنية بهوية أخرى، من خلال تجنيس عدد كبير من الإيرانيين واللبنانيين وغيرهم.
وكان رد عليه الباحث "عباس شريفة" الذي اعتبر أن حديث "الجولاني" عن إقامة إقليم سني أو كيان سني نوع من السذاجة السياسية وعدم النضج السياسي، لأن مثل هذا الكلام يفتح المجال للحديث عن كيان كردي وكيان درزي وآخر علوي ما يؤدي إلى تمزيق سوريا إلى كيانات طائفية.
ويحمل "الجولاني" تاريخاً مثقلاً بالانتهاكات و"البغي" على الثورة السورية ومكوناتها، ولايزال يحاول تقديم نفسه على أنه حامل لواء الثورة والحريص عليها، متبنياً خطاباً مغايراً تماماً لما بدأ فيه مسيرته "الجهادية"، منقلباً على كل مبادئه ومعتبراً مشروعه هو "مشروع الثورة الوحيد" الذي يجب أن يفرضه على الجميع بقوة السلاح.
وبالعودة إلى تصريح "زيدان" الذي يعتبر أحد عرابي مشروع "الجولاني" في إدلب، إذ استنكرت فعاليات مدنية وثورية التصريح حول "المشروع السني" واعتبرته "تقسيم سوريا لكيانات دينية ومذهبية وقومية وطائفية"، وتمهيد للقبول بالتقسيم ضمن بقعة جغرافية صغيرة، وسيتبعه الحديث عن كيان علوي ومسيحي ودرزي و كردي... إلخ".
واعتبر هؤلاء أن ثورة السوريين قامت بكل أطياف الشعب السوري وقدمت الدماء والتضحيات من كل الأطياف والمكونات، ولايجوز حصر الثورة ولو في إدلب بكيان دون سواء، فهي ثورة السورريين والأرض المحررة هي محررة من حكم الأسد وليست ملكاً لـ "الجولاني" ومشروعه.
ورأى آخرون أن إطلاق مسمى الكيان السني على إدلب هو دعوة لكل قوى الظلام الطائفية في العالم بالتحشيد لقتال هذا الكيان والدخول في حرب دينية شبيهة بالحرب التي جرت في العراق وتحديداً في الأنبار حين بدأ بعض الناس الترويج لمشروع الكيان السني والذي نما واتسع وانتهى باجتثاث السنة سياسيا من العراق وسيطرة المشروع الإيراني.
وأكدوا أن الترويج لمصطلح "الكيان السني في إدلب" يعني التخلي عن عودة المهجرين من أهل السنة من جميع المدن والقرى السورية إلى بلادهم، وهو إقرار للنظام المجرم على جريمة التغيير الطائفي الديموغرافي في البلاد وتعزيز الطائفية.
ولعل المراقب لسلسة التحولات التي يجريها قائد "هيئة تحرير الشام"، يصعب عليه الموازنة بين الماضي والحاضر، مع حجم الهالة الإعلامية التي تسعى لترويج أفكار "الجولاني" الجديدة وتوجهاته، وعملية اصباغ مصلحة "الثورة والساحة" على أفعالهم وسياساتهم، وعلى الجميع بالمقابل تقبل الأمر دون النظر للتاريخ الأسود الحافل بالانقلابات والتحولات حتى على رفقاء "البغي".
فمن عايش "الجولاني" إبان حملات تدمير فصائل الثورة واحدة تلو الأخرى، عليه اليوم أن يقبل أن المشروع الذي يحمله ويتخذ من حكمه الانفرادي الإقصائي في "إدلب" نموذجاً، هو المشروع الثوري الوحيد المستمر، وأن هذا المشروع - القائم على "البغي" - سيحمل الثورة لمبتغاها ويحقق مطالبها، وعلى الجميع تقبله بل والمساهمة في تمكينه.
وسبق أن أكد الكاتب والباحث السوري "أحمد أبازيد" في حديث سابق لشبكة "شام"، أن مشروع "هيئة تحرير الشام" ليس مشروعاً ثورياً، لأنه لم يؤسس انطلاقاً من الثورة السورية، وإنما بدايته كانت امتداد لدولة العراق والشام الإسلامية، بقيادة "أبو بكر البغدادي"، الذي أرسل "الجولاني" إلى سوريا وأسس "جبهة النصرة" التي أصبحت تابعة لتنظيم القاعدة.
وأوضح "أبازيد" أن التنظيم الذي أسسه "الجولاني" لم يكن في أي يوم يعتبر نفسه جزءً من الثورة السورية بل كان طيلة السنوات التي سبقت تحولات "الجولاني" الأخيرة يعتبر نفسه طرف يحمل مشروع جهادي وإخوة منهج مقابل لمشروع الثورة والجيش الحر.
وبين الباحث أن مشروع "الجولاني" طيلة سنوات كان في حالة حرب مفتوحة، ضد الثورة كفصائل جيش حر حتى كرموز منها "الحرب على علم الثورة ومسمى الثورة"، وشيطنة كل ما يرتبط بالثورة، إضافة لمحاولة هدم كل المشاريع التي تنتجها، والحرب على النشطاء المدنيين واغتيالهم منهم "رائد الفارس وحمود جنيد" وغيرهم، وفق تعبيره.
وقال الباحث السوري إن مشروع "الجولاني" هو مشروع "معارض ومعاد لمشروع الثورة السورية"، وكان جزء من المشاريع الجهادية التي بنت شرعيتها لكونها معارضة لمشروع الثورة وتعتبره مشروع "قطري وعلماني ووطني" وهي تعتبر مشروعها "جهادي وإسلامي لتحكيم الشريعة".
وأوضح "أبازيد" أنه منذ تأسيس "هيئة تحرير الشام"، بات "الجولاني" في سياسية مختلفة، في محاولة إثبات كونه ينتمي إلى سوريا والثورة السورية، وإثبات الاعتدال والانفصال عن تنظيم القاعدة والتاريخ الجهادي القديم.
واعتبر في حديثه لشبكة "شام" أن هذه المحاولة تؤكد أن الماضي لـ "الجولاني" والذي كان ماض براغماتياً لم يكن عقائدي يتبنى عقيدة صارمة إنما "شخصية براغماتية انتهازية" تتبنى في كل مرحلة المبادئ التي تتيح له البقاء في السلطة، سواء حين كان في دولة العراق الإسلامية ثم جبهة النصرة وتنظيم القاعدة.
ولفت الباحث إلى أن "الجولاني" حاول التحالف مع فصائل إسلامية محلية ثم أصبح "هيئة تحرير الشام" لإثبات أنه فصيل لايمتلك أي عمق لتحكيم الشريعة ومنقطع عن السلفية الجهادية وبات يروج نفسه على أنه يحارب السلفية الجهادية ويقوم بلجم وتحجيم واعتقال المقاتلين الأجانب أو المهاجرين.
وختم "أبازيد" بالإشارة إلى أن التحولات الأخيرة لا يمكن أن الهيئة تحولت لمشروع وطني وثوري وإنما محاولة ركوب الشرعية الثورية والوطنية التي لم يتمكن من هزيمتها سابقاً والتترس بها، للوصول كونه سلطة معترف بها خارجيا بعد أن تخلى عن ماضيه الجهادي القديم.
وكانت كشفت الاحتجاجات الشعبية التي تصاعدت ضد "هيئة تحرير الشام"، تحديداً زعيمها "أبو محمد الجولاني"، عن الكثير من الأشخاص المدافعين عن الهيئة، بينهم إعلاميين، مراصد، رجال دين، وغيرهم من مريدي "الجولاني" وأتباعه حتى في ظلمه وطغيانه بينهم "زيدان"، ما يظهر حجم التملق والتزلف لدى هذه الشخصيات المنتفعة من بقائه على رأس سلطة الأمر الواقع فحسب.