الهزات الارتدادية تسيطر على ما تبقى من ليل الناشط..!
أنهيت عملي في تغطية الأضرار التي وقعت في المنطقة بعد زلزال 20 شباط، أرسلت المواد التي أعددتها لرئاسة التحرير وعدت لمنزلي خلعت ثوب الصحفي الذي يلبسني منذ أيام ولبست إنسانيتي التي فارقتني لبعض الوقت مرغمة على ذلك لأتمكن من تحمل الأهوال التي أراها أمامي.
أمسكت هاتفي بيدين ترتجفان من البرد الذي نال مني في تلك الليلة، وبدأت التجول بين غرف الواتساب أطمئن الأهل والأصدقاء وأتأكد من سلامتهم جميعاً قبل أن أقفز فوراً لأعلى الدردشات هناك محادثة تومض باستمرار، فتحت رسائل الحبيبة المفعمة بالخوف والقلق على غياب، تضمنت تلك المحادثة عبارة "أنا بخير بس مافي إنترنت"، طمئنتها وحدثتها لبرهة قبل أن أودعها وأحاول الخلود لنومي بعد ليلة طويلة، بعد أن تذكرت رسالة آتت منها قبل فترة كانت خالية من الكلام ولكن كان لها ألف حكاية وحكاية!.
لم تمض إلا ثوان على استلقائي في فراشي إلا وقد اجتاحتني هزة أرعدت فرائصي، يبدو أن هذه الهزات الارتدادية ستجلب لنا قلقاً إضافياً فلم نعد نأمن غدرها على جدراننا المنهكة من زلزالين متتاليين ورغم مكوثي في بناء من طابق واحد إلا أن الخوف كان يتملكني، منذ ساعين كنت أتنقل بين الأبنية المتصدعة أبحث عن متضررين فأرصد قصتهم، يصادفني جدار يريد أن ينقض فألتقط له بعض الصور دون أن ينتابني أي خوف، يبدو أن الإنسان الذي بداخلي يتملكني بشكل كامل الآن.
لم أنه تلك الأفكار التي في مخيلتي حتى انتابتني هزة أخرى، أمسكت هاتفي لأتأكد من غرف الرصد والأخبار، فوجدتها هادئة لم يتحدث أحد بها عن أي هزة، وقتها أيقنت أن متلازمة ما بعد الزلازل عادت لي مجدداً بعد أن ظننت أنني تخلصت منها بعد زلزال السادس من شباط.
يتعبك الشعور بالقلق المستمر لاسيما بعد ساعات طويلة من التعب والجهد الذي أدى لانخفاض السكر في الدم، تناولت بعض حبات الحلوى عسى أن تصرف عني بعض التوتر وحاولت الخلود للنوم مجدداً، لكن دون فائدة فبمجرد ارتخاء جسدي تعتريني الهزة مجدداً، قمت بكافة التوصيات التي ينصح بها المختصون من إغماض العينين ورفع القدمين فوق مستوى الجسد وغيرها دون فائدة.
كان علي كل برهة أن أتأكد من المصباح المعلق في السقف لأتأكد من ثباته كررت الحالة مراراً أنهكت نفسي وبردت أوصالي نتيجة حركتي المستمرة من الفراش والتي استفذت صديقي الذي أوقظته حركتي المستمرة في الغرفة وتلفظي بكلمة هزة، نهرني لأستفيق مما أنا فيه، "خلص يا زلمة نام وخلينا ننام عنا شغل الصبح".
يبدو أن المشاهد التي كنت أعيشها باتت كلها مخزنة في اللاوعي وتنتظر أقرب فرصة لتهجم علي محدثة هزة ارتدادية تختلف عن هزات الزلزال، هي هزات نفسية مرتدة عن تغطيات صعبة نفذها أي صحافي يعمل في مناطق الخطر، ولا يبدو أن التخلص منها سهلاً.
ملأت كأس ماء ووضعته قبالة عيني وامعنت النظر إليه باستمرار فثبات الماء في داخله منحني بعض الطمأنينة التي سمحت لجسدي المنهك أن يستريح، استفقت بعد ساعات على صوت منبه الهاتف، نفضت ثياب النوم من فوقي وقمت على عجل نحو عمل ونهار جديد على أمل ألا يكون ليله كسابقه.