إعادة تشجير سورية ضرورة وطنية ومسؤولية يتحملها الجميع
خلال السنوات الماضية قدم الشعب السوري الكثير من التضحيات ولا يزال نضاله مستمراً حتى اليوم في سبيل تحقيق النصر لثورته المباركة حلم كل الطامحين بالتغيير وبناء سورية المستقبل، وذلك على الرغم مما عايشه السوريون لتحقيق هذا الحلم من آلام ومعاناة أدت إلى أكبر موجة لجوء ونزوح عرفها التاريخ الحديث بعد الحرب العالمية الثانية حسب تقارير لمنظمات دولية، ولم يقف الأمر عند حد اللجوء والنزوح والقتل والتدمير بل تعداه إلى خسارة الأرض والشجر في بعض الأحيان والتي لا تقل أهمية عن خسارة الأرواح، فخلال السنوات العشر الأخيرة فقدنا الكثير من الثروات والمصادر الطبيعية التي كانت تعتبر شريان الحياة للمدنيين، وقد كانت خسارة رئة سورية عبر قطع الأشجار وحرق الغابات في عدد غير متنهٍ من المناطق والمدن السورية إحدى الخسارات الأكثر إيلاماً.
في البداية، قام نظام الأسد بافتعال العديد من الحرائق الضخمة في الغابات الطبيعية بهدف الكشف عن مناطق تمركز قوات الجيش الحر لاستهداف مواقعه، كما قام بعض المدنيين بقطع الأشجار لتلبية احتياجاتهم الشخصية كتأمين الحطب أو توسعة الأراضي الزراعية أو بناء المخيمات لتأمين المأوى، وذلك وسط غياب القوانين والأنظمة الرادعة وغياب الوعي المجتمعي بمجال الأحراج وأهميتها، تحديداً في مناطق الشمال السوري وإدلب، ولم يكن الأمر أفضل بكثير في محافظة حلب حيث قُطّعت الأشجار كما افتَعل نظام الأسد حرائق التهمت الكثير من الأراضي، مما أدى بطبيعة الحال إلى زيادة حجم الكارثة.
تبلغ مساحة الغابات الطبيعية في سورية 445 ألف هكتار؛ يقع 42000 ألف هكتار منها في إدلب وريفها و 22500 ألف هكتار في حلب وريفها فقط، وبالمقارنة بين الماضي والحاضر نلاحظ حجم الكارثة حيث تعاني سورية اليوم من نقص شديد في التوازن البيئي، خاصة في شمال سورية والمناطق المحررة، إذ إن الغابات من القضايا المنسية والأقل أهمية ضمن قوائم أولويات منظمات المجتمع المدني والجهات الرسمية كالمجالس المحلية والحكومة السورية المؤقتة وغيرهما، في وقت يجب العمل فيه ضمن خطة واضحة لإعادة تشجير المناطق التي تم حرقها أو قطع الأشجار فيها، إضافة إلى العمل على زيادة الوعي المجتمعي بأهمية الغابات والتشجير، فالغابة هي رئة المنطقة التي تساعد على استقرار السكان وبقائهم في أماكن معيشتهم وتسهم في تحقيق دخل إضافي للمدنيين في حال تم تنظيم العمل فيها بصورة حضارية، ومن البديهي أن تكون الملاذ الآمن للطيور والحيوانات البرية، كما تضمن لمربيّ المواشي مراعيَ طبيعية على مدار العام، ونظراً لاحتياج المدنيين إلى سورية الخضراء من جديد؛ لا بد من منع قطع ما تبقى من أشجار بشكل صارم عبر قوانين ملزمة، والدعوة للقيام بحملات تشجير تعم جميع المناطق المتضررة لإعادة الروح إليها من جديد.
وعليه؛ فإن عملية إعادة التوازن البيئي من جديد للمنطقة بأسرها يجب أن تتم بأسرع ما يمكن ضمن خطوات مدروسة ومتفق عليها من قبل المعنيين، وأن تكون إعادة ترميم ما تم إتلافه على رأس أولوياتهم، والتي نراها ضمن الخطوات التالية:
● توعية السوريين بأهمية وضرورة الحفاظ على الأحراج والغابات من التدهور والزوال، لأن ذلك سيشكل خطراً بيئياً كبيراً على المنطقة بأسرها.
● إصدار قوانين ملزمة من قبل الجهات المعنية في الشمال السوري بمنع قطع وحرق الأشجار، والعمل على تطبيقها بشكل يؤمّن بقاء وسلامة تلك الغابات.
● المحافظة على الأنواع النباتية الطبيعية المتبقية في تلك المناطق، والعمل على إعادة زراعة الأنواع النباتية المختلفة التي تتناسب مع بيئة المنطقة.
● دعوة المنظمات والجمعيات المدنية إلى إقامة مشاتل خاصة بإنتاج أنواع الغراس الحراجية.
● تأهيل كوادر مدنية تابعة لوزارة الزراعة معنية بعمل الحراج وإنتاج المواد الحراجية ومكافحة حرائق الغابات وقطع الأشجار تعمل على مدار العام.
● العمل على إنشاء مدارس زراعية وإقامة ندوات ضمن المجتمعات المحلية التي تهدف إلى كيفية المحافظة على الغابات وضمان بقائها.
● العمل على وضع لوحات طرقية وتوزيع بروشورات في الأماكن العامة من شأنها رفع الوعي بأهمية الغابات والحفاظ على الأشجار.
● العمل على تنظيم حملات إنسانية تستهدف العائلات المحتاجة مع بداية فصل الشتاء لمدهم بمواد تدفئة كالفحم وقشور الفستق الحلبي المنتشر الآن في الشمال، وذلك للحد من قطع الأشجار لاستخدامها في التدفئة.
لا شك أن تغيير شكل الأراضي الذي حصل في عدد من المناطق مؤخراً نتيجة القطع الجائر للأشجار بدا صادماً للجميع بمن فيهم سكان هذه المناطق أنفسهم، فرؤية المناطق الخضراء تتجه نحو التصحر بخطى ثابتة يعتبر مشهداً مؤلماً وحزيناً للغاية يجب العمل على إيقافه بشتى الطرق والإمكانيات المتاحة، حيث إن تدهور هذا النظام البيئي الجميل سيكون له انعكاسات خطيرة على البيئة والمناخ، وهذه المسؤولية يجب أن تؤخذ على محمل الجد من قبل المنظمات الإنسانية العاملة والجهات المعنية للمساهمة من جديد بعمليات التشجير والقيام بحملات منسقة ومدروسة لحل هذه الكارثة، مع عدم إغفال المسؤولية الأساسية للمدنيين في المحافظة على الطبيعة أينما وجدوا وفي أي بقعة من بقاع العالم.