استنفر نظام الأسد وسائل إعلامه الرسمية والرديفة منذ اللحظات الأولى من التفجير المدبر الذي استهدف الكلية الحربية في حمص الخميس الماضي، ونستعرض في هذا التقرير أبرز ردود الفعل المعلنة، وكذلك الروايات والتحليلات المتناقضة التي صدرها النظام السوري عبر الواجهات الإعلامية التابعة له، ونلفت إلى حملة التحريض على قصف وإبادة علنية أطلقها النظام عبر أبواق من الموالين والشبيحة.
دعا مغني المراقص المغمور، "ريبال الهادي"، الموالي للنظام السوري، إلى حرق وإبادة محافظة إدلب بما فيها من نساء وأطفال، ما أثار استياء وغضب رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين وصفوا دعوات الإبادة الذي أطلقها بـ"الفاشية" التي تجلت في كثير من الدعوات مماثلة على لسان الموالين لنظام الأسد.
وفي سياق موازٍ رصدت شبكة "شام"، الإخبارية، عشرات المنشورات التحريضية التي تحمل الكثير من الحقد والتجييش ضمن ممارسات ممنهجة تقوم عليها حسابات موالية لنظام الأسد، ودعت إلى إبادة محافظة إدلب التي تضم ملايين المدنيين والمهجّرين بمن فيها وتحويلها إلى أرض زراعية، وفق تعبيرهم.
وفي سياق التحريض والتجييش ودعوات الانتقام التي ضجت بها حسابات الموالين لنظام الأسد، نشر "حزب البعث"، التابع لنظام الأسد بياناً قال فيه إن استهداف الكلية الحربية بحمص "جريمة إرهابية جبانة تؤكد من جديد حقد الإرهابيين وحماتهم وداعميهم على الجيش والشعب السوري"، حسب وصفه.
"ثأر الكلية الحربية"، هاشتاغ إعلامي أطلقه موالون لنظام الأسد على مواقع التواصل الاجتماعي، وروّجت له صفحات استخباراتية وعسكرية، وحمّل عشرات الصور والمشاهد المرئية التي تؤيد القصف الوحشي ضد مناطق المدنيين في إدلب شمال غربي سوريا.
وقاد حملة التحريض والتجييش ودعوات الانتقام والإبادة شخصيات معروفة داعمة للأسد، بينهم وزير التموين السابق "عمرو سالم" الذي كتب منشوراً مقتضباً قال فيه: "مقابل كل شهيد مئة"، في دعوة صريحة لتكثيف القتل والإجرام بدعوى الثأر المزعوم الذي يستهدف المدنيين في إدلب.
ومن بين المنشورات التحريضية والتعليقات الطائفية التي تضمنت الشتم والسباب والتشفي والازدراء والتطاول، دعا موالون لنظام الأسد السكان في إدلب شمال غربي سوريا، لتجهيز مراكز التبرع بالدم والنزوح كون قوات الأسد مستمرة في حملة الانتقام التي تزيد نيرانها حسابات الموالين والشبيحة ممن تغنت بسقوط شهداء وجرحى من المدنيين والمهجّرين في إدلب.
وقال رئيس تحرير صحيفة تابعة لإعلام النظام "وضاح عبد ربه"، إن "الغارات الجوية لم تتوقف منذ الصباح الباكر والمدفعية مستمرة منذ بعد ظهر الأمس، الرد جاري".
وقالت المسؤولة الإعلامية "نهلة عيسى" إنها حصلت على مشاهد مرعبة من الكلية الحربية بحمص، ودعت إلى إبادة السوريين في المناطق المحررة بحجة الانتقام، حيث قالت: "لا عذر لصديق ولا لحليف ولا مكان ولا معنى للسياسة وضبط النفس، اليوم يجب أن يكون يوم رد الكرامة، والنار بالنار والحريق بالحريق والروح بمئة روح لأن الفاعل معروف"، وفق تعبيرها.
انخرط أبرز أبواق النظام السوري في هذه الحملة المسعورة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، قال الشبيح "حيدرة بهجت سليمان"، "سنهدر دماء الأطفال والنساء.. سقط كل ما هو محظور وشطبنا من قاموسنا كلمة الرحمة سنحرقهم سنقتلهم سنقتص منهم حتى في تلك الأرحام النتنة القذرة التي أنجبت هؤلاء المسوخ".
من جانبه اعتبر المجرم "جهاد بركات"، قائد ميليشيا ما يسمى بـ"مغاوير البعث"، أن منفذي الهجوم ضد الكلية الحربية هم "أحفاد الأخوان المسلمين" وخاطب جيش النظام قائلاً:"اسحقهم لاتترك منهم أحداً صغيراً وكبيراً فجميعهم مجرمون قتلة إرهابيون خونة، لا ترحمهم".
وكذلك حرض الباحث العلوي الطائفي "أحمد أديب أحمد"، ضد السوريين، معتبراً أن بعد استهداف الكلية الحربية ليس كما قبله، و"سيتم تنظيف سوريا تنظيفاً حقيقياً من الإرهاب"، سواء "أعداؤنا السوريون الإرهابيون الذين مدت لهم الدولة يد المسامحة فحاولوا قطعها بخنجر الغدر" أو "أعداءنا المسيِّرين لهم من تركيا وإسرائيل وأمريكا"، وفق كلامه.
ما أن أفادت مصادر محلية بسماع دوي انفجار ضخم من جهة الكلية الحربية الواقعة شمال غرب حمص، حتى بادر إعلام النظام الرسمي بالحديث عن هجوم بطائرات مسيرة من قبل ما قال إنها "التنظيمات الإرهابية المسلحة المدعومة دولياً"، ويعد ذلك المؤشر الأول على ركاكة الرواية الرسمية إذ من المعروف أن النظام يتكتم على مثل هذه الأحداث الحساسة.
وتخلل استنفار النظام إعلامياً على مدار الساعة الكثير من التحليلات والروايات المتناقضة التي نشرها النظام في ظل تخبط واضح، وفي رصد لوسائل إعلام نظام الأسد وما ورد عنها تطايرت الاتهامات بالوقوف خلف الاستهداف الغامض، ومن بين المتهمين "التنظيمات المسلحة، إسرائيل، فرنسا، التحالف، الإخوان المسلمين، القاعدة، الحزب التركستاني، تركيا، أمريكا، وقطر والغرب، المخابرات البريطانية والأوكرانية"، وغيرها.
قال الكاتب والمحلل السياسي "علاء الأصفري"، في حديثه لوسائل إعلام موالية للنظام، "يقال إن الجولاني يخبئ في مغارات جبل شحشبو الأسلحة التي تأتي من أوروبا"، وذكر أن "التقنيات التي تم العثور عليها في بقايا المسيرات يُعتقد أنها فرنسية، و"الحزب التركستاني، الذي أرسل الطائرة المسيرة من جسر الشغور، سيدفع الثمن".
وفي تفنيد لهذه الكذبة والسقطة من بين العشرات التي يروجها نظام الأسد مستغلا حادثة التفجير المدبر، يبدو أن المحلل المذكور اعتمد على ورقة ومعلومات قديمة تقدمها الاستخبارات التابعة لنظام الأسد للظهور الإعلامي والتحليل، حيث أنه من المعلوم بأن منطقة جبل شحشبو التي زعم أنها تضم مستودعات للأسلحة تخضع لسيطرة قوات الأسد منذ 2020، وكذلك لم يكشف عن العثور على أي بقايا للمسيرات.
وقال أحد المحللين الموالين لنظام الأسد أن هناك "يد خبيرة"، أمدت من وصفهم بأنهم "الإرهابيين"، بطريقة صنع الدرون، ضمن تحدي تكنولوجي واضح، واتهم بذلك "المخابرات البريطانية"، بالتنسيق مع ضباط ارتباط من إسرائيل متخفين تحت أسماء غربية، وفق زعمه.
وقال آخر في حديثه لوسائل إعلام تابعة لنظام الأسد إنه هذه الطائرات المسيرة لا يكشفها الرادار بسبب جسمها المصنوع ربما من "الفلين"، أو من مادة أخرى لا يكشفها الرادار، وزعم أنه يحلل موضوعياً لذلك هناك خيار أن مصدر المسيرات إدلب، أو التنف، أو خيار ثالث هو خلايا نائمة ضمن حمص، وجاء هذا التحليل على شاشة التلفزيون الرسمي الذي سبق أن أشاد بقدرات متطورة لروسيا وإيران برصد وإسقاط المسيرات مهما كانت دقيقة وصغيرة.
اتهم عراب الخيانة "عمر رحمون"، التحالف الدولي في حقل العمر بريف ديرالزور الشرقي بإرسال المسيرات وقصف الكلية الحربية بحمص، وزعم "إسقاط الدفاع الجوي لدى نظام الأسد 6 طائرات مسيرة خرجت من الحقل لقصف موكب تشييع جنائز تشييع جثامين قتلى التفجير يوم أمس الجمعة.
في حين ذكر الإعلامي الداعم للأسد "رفيق لطف"، أن الضربة كانت من شمال التنف بإشراف أمريكي، وكذلك قال الإعلامي اللبناني "حسين مرتضى"، أحد أبواق النظام السوري إن الهجوم على الكلية الحربية نفذ بواسطة مسيّرات أقلعت من "قاعدة التنف" جنوبي سوريا بتوجيهات أمريكية.
وذكر "مرتضى" أن "الدائرة الجغرافية، التي يتم فيها رد النظام في إشارة لقصف إدلب "لها رسائل ودلالات واضحة"، وزعم مراسل قناة الميادين الإيرانية "رضا الباشا"، بأن قوات الأسد استهدفت "مقارّ الحزب الإسلامي التركستاني رداً على مجزرة الكلية الحربية في حمص"، إلا أن ذلك لم يحدث بل قصفت ميليشيات النظام مواقع مدنية وأدت لحدوث مجازر مروعة.
واتهم ما يسمى بـ"رئيس لجنة الشؤون العربية والخارجية"، في "مجلس التصفيق"، المدعو "بطرس مرجانة"، في تصريحات صحفية أن "تركيا منحت الإذن للمجموعات المسلحة لتنفيذ هذه الهجمة الإرهابية"، معتبرا أن المستفيد الأول من الهجوم هو من الجهات التي تعادي النظام السوري.
وحسب الشبيح لنظام الأسد والمحرض ضد اللاجئين السوريين في ألمانيا "كيفورك ألماسيان"، فإنّ "لولا الدعم العسكري والاستخباراتي التركي بالعتاد والتكنولوجيا والعلم، ما كانوا الإرهابيين قدروا يصنعوا هكذا طائرات وتفجيرها بين الناس".
وتابع داعيا إلى شن معركة ضد إدلب شمال غربي سوريا، واعتبر أن الهجوم على الكلية الحربية غير مسبوق، إن كان في أدواته والجهات القائمة عليه، أو لجهة الخسائر، ورغم هذه الاتهامات للدول باستهداف حفل تخريج طلاب ضباط الكلية الحربية في حمص، يكثف النظام السوري قصفه على إدلب وريف حلب.
بالمقابل قالت عدة مصادر عسكرية وإعلامية إن حمص فيها أكبر انتشار لما يسمى وحدات الدفاع الجوي ولا يمكن أن تقترب أي طائرة دون رصدها، وإيران هي الفاعل، وسط معلومات عن تواطؤ مباشر من نظام الأسد في تدبير هذا التفجير، الأمر الذي أكدت شعارات رفعها متظاهرين في السويداء أمس الجمعة.
ورغم تعدد المتهمين من قبل إعلام النظام بتنفيذ الهجوم ركز بعض المحللين على جهات دون أخرى، وجاء في الصدارة "تركيا وإسرائيل وأمريكا"، كما ذكرت بعض التعليقات للموالين مع توسع رقعة الروايات والتحليلات المتناقضة بأن التفجير قد يكون من تنفيذ استخبارات عالمية بالشراكة مع بريطانيا وأوكرانيا.
في مخاطبة للخارج كتب المسؤول الصناعي لدى نظام الأسد "فارس الشهابي"، منشورا باللغة الإنجليزية قال فيه إن "تنظيم القاعدة المحبوب جدا من تركيا وقطر والغرب نفذ هجوم إرهابي بطائرة بدون طيار في حمص، الغرب يريد منا أن نسلم بلادنا ومستقبلنا لأكبر إرهابيين عرفهم التاريخ في إدلب".
وعمد نظام الأسد إلى استغلال الهجوم وركز على تمرير رسائل داخلية وخارجية أبرزها أن الحرب لم تنتهي بعد ولا يزال في حال حرب مع الإرهاب وفق تعبيره، وذكرت مصادر أن النظام وجه خلال التفجير رسائل ودلالات واضحة موجهة للحراك في السويداء، والموالين في الساحل كما وجه رسائل للمجتمع الدولي.
وفي لهفة منقطعة النظير ينشر إعلام النظام برقيات التعازي الواردة من عدة جهات داخلية ودولية وخارجية، وقد يندرج ذلك -وفق تعبيرهم- في إطار تعويم رأس النظام الإرهابي ومحاولة إظهاره كزعيم معترف به دوليا رغم العزلة الدولية التي يعيشها نتيجة الجرائم بحق الشعب السوري، وكرر النظام ذلك خلال مرحلة الزلزال ومحاولات التطبيع العربي.
هذا وركز إعلام النظام السوري على بيانات من يعتبرهم حلفاء "إيران وروسيا والحرس الثوري الإيراني وحزب الله الإرهابي الذي اعتبر أن "المؤامرة الكونية"، مستمرة ضدّ سوريا بدعم خارجي صريح، وأكد على مساندة رأس النظام كما شدد رئيس الأركان الإيراني العماد "محمد باقري" أن الميليشيات الإيرانية مستعدة لاستمرار وتكثيف التعاون مع نظام الأسد بحجة "محاربة الإرهاب".
ويذكر أن نظام الأسد وميليشياته تصعد من قصفها الوحشي للمناطق المدنية في إدلب وريف حلب الغربي، باستخدام أسلحة فتاكة تحمل قنابل عنقودية وأخرى حارقة، مع ارتفاع حصيلة الشهداء المدنيين جراء قصف روسيا والنظام للشمال السوري منذ يوم الخميس إلى 31 شهيداً وعشرات الجرحى واستجاب "الدفاع المدني السوري"، (الخوذ البيضاء) لمناطق الاستهداف، وسجلت مناطق شمال غربي سوريا دمارا كبيرا وسط حركة نزوح للأهالي، في ظل تواصل التصعيد الإرهابي من قبل نظام الأسد وميليشياته على مرأى ومسمع العالم.
في خِضم احتدام المعارك الدائرة شمال شرقي سوريا، برز فصيل دون غيره على ساحة المواجهات المشتعلة شرقي سوريا، وقالت وسائل إعلام تابعة لما يسمى بـ"قوات سوريا الديمقراطية"، (قسد) إن "لواء الشمال الديمقراطي"، المنضوي في صفوفها انخرط بشكل أساسي في العملية التي أطلقتها "قسد" تحت اسم "تعزيز الأمن"، ولمع نجم اللواء بسبب صدور الكثير من التصريحات الإعلامية باسم مسؤوليه حول المعارك الدائرة بريف دير الزور شرقي سوريا.
واعتبر ناشطون سوريون أن اهتمام إعلام "قسد"، الرسمي والموالي بتصدير شخصيات من هذا اللواء على وجه التحديد تأتي لنفي الاتهامات التي تطالها بشأن أهداف عمليتها التي راح بعضها إلى اتهام "قسد" بأنها تستهدف المكون العربي بشكل مباشر، ويعتبر إعلام "قسد" مشاركة اللواء الذي يضم مقاتلين عرب دليلاً على أن ليس هناك حرب (كردية عربية) شرقي سوريا.
"عبسي الطه" الملقب بـ"أبو عمر الإدلبي"، قائد لواء الشمال الديمقراطي، برز مؤخراً بشكل لافت عبر عدة منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، تؤكد مشاركة اللواء في الحملة العسكرية والأمنية التي أطلقتها "قسد" بريف ديرالزور.
وظهر "أبو عمر الإدلبي"، في عدة لقطات من ميدان الأحداث الدائرة شرقي سوريا، بينها زيارة عدد من عناصر اللواء ممن سقطوا جرحى على يد مقاتلي العشائر العربية، كما أعلن أن من بين المصابين أسرى جرى تحريرهم بعملية مشتركة بين قوات الشمال الديمقراطي وقوات الكوماندوس.
وتوعد وهدد في كثير من المنشورات والتصريحات من وصفهم بـ"المرتزقة وعملاء لإيران وروسيا وتركيا"، في إشارة إلى الاتهامات التي تسوقها "قسد" ضد مقاتلي العشائر العربية، وكان نعى 5 مقاتلين من قوات اللواء المنضوية تحت "قسد"، وجميعهم ينحدرون من محافظة إدلب شمال غربي سوريا.
إلى جانب ظهور القائد العام لـ"لواء الشمال الديمقراطي"، برز المتحدث الرسمي باسم اللواء المعروف باسم "محمود حبيب"، حيث أجرى العديد من المداخلات الإعلامية التي تحدث فيها عن التطورات الميدانية وتبني الرواية الرسمية لقوات "قسد" بشكل كامل.
وكان لافتا أن تصريحات "حبيب"، لاقت انتشارا كونه يتحدث بلسان جهة رسمية عن تطورات ميدانية متسارعة ويكشف معلومات جديدة، وقد يندرج ذلك ضمن خطة قسد التي تهدف إلى إظهار اللواء المشارك في العملية بشكل بارز.
وتحدث الناطق باسم اللواء بأن إيران تعمل على إيصال السلاح عبر المناطق الممتدة بين دير الزور والبوكمال، معلنا العثور على مستودع للطيران المسيّر وصواريخ متقدمة في قرية العزبة بدير الزور شرقي سوريا.
ولفت إلى أن هناك جناح من دير الزور العسكري تابع للعشائر العربية تعاون مع الميليشيات الإيرانية وأراد الانشقاق، حيث جرى اكتشاف تعاونا خطيرا بين مجلس دير الزور العسكري والميليشيات الإيرانية.
اشتهر القيادي في "لواء الشمال الديمقراطي"، "خالد زينو"، الذي عمد إلى تغطية المعارك الدائرة، وبث في بداية الاشتباكات بين مقاتلي العشائر وقسد، ما قال إنها رسالة من دير الزور إلى الإعلام والرأي العام، ورسالة أبناء ادلب من دير الزور، برر خلالها العملية التي أطلقتها قسد، وزعم أن قصد لا تقاتل العشائر العربية، بل تقوم بملاحقة الإرهابيين.
واتهم من وصفها بـ"القنوات المغرضة"، بتأجيج الفتن وتصوير المعارك على أنها بين قسد وعشائر المنطقة، وقال اللواء من المكون العربي، ويشارك في العملية ضد المخربين، وظهر "زينو"، في كثير من المشاهد المصورة ووصف بأنه شخص مستفز ويهوى الظهور والتصريح الإعلامي.
واستغل القيادي المغمور تغطيته للأحداث للظهور الإعلامي وفق متابعون، حتى أطلق عليه ألقاب "بوق قسد"، وغيرها، وطالت بعض مقاطعه جدلا واسعا حيث استفز السكان ووجه إهانات وتطاول على المكون العربي والعشائر العربية في المنطقة الشرقية.
تشكل اللواء في محافظة إدلب شمال غربي سوريا عام 2013 في منطقة جبل الزاوية بريف إدلب وكان بقيادة "ألكسندر خليل"، وكان اللواء في الأصل يعرف باسم "لواء القعقاع" وتبعيته للواء "أحرار الزاوية"، حيث تواجدت مقراتهم في جبل الزاوية بمنطقة إدلب.
انضم الفصيل إلى "لواء أحرار الزاوية" في عام 2014، ثم انضمّ إلى "جبهة ثوار سوريا"، وأصبح في نهاية المطاف جزءاً من جبهة الإنقاذ السورية بحلول أيار/مايو 2014، وخاض معارك ضد عدة جهات بينها النصرة وداعش، ثمّ انضمّ إلى "قسد" في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، وذلك في منطقة عفرين.
ومع تحرير الجيش الوطني السوري، مدعوما بالجيش التركي منطقة عمليات "غصن الزيتون"، من قبضة الميليشيات الانفصالية، انتقل اللواء إلى منبج بكامل عدّه وعتاده حيث انضمّ إلى مجلس منبج العسكري بعد خروج منطقة عفرين في آذار/مارس عام 2018 عن سيطرة ميليشيات "قسد".
ويقدر أن تعداد عناصر اللواء بحسب مصادر عسكرية تابعة له يبلغ حوالي 1200- 1300 عنصراً تقريباً، ويتركزون في مدينة منبج ومدينة الرقة وريفها، تحت قيادة "ألكسندر خليل" و"ألكسندر علاء" في منبج، و"طه العبسي"، الملقب "أبو عمر الإدلبي" في الرقة.
في تشرين الأول/أكتوبر 2019، توجّه اللواء من مدينة منبج إلى مدينة الرقة للمشاركة في صدّ الهجوم التركي ضمن المعركة التي أطلقت عليها اسم "نبع السلام"، شمال شرقي سوريا، حيث خسر خلال تلك المواجهات نحو 17 عنصراً، وعدد من الجرحى.
وتحدث ناشطون في موقع "الخابور"، المحلي عن إصابة "أبو علي برد" قائد ما يسمى جيش الثوار التابع لميليشيات قسد بجروح خطيرة إثر استهدافه من قبل مجهولين أثناء خروجه من اجتماع داخل الفرقة الـ 17 شمال الرقة.
أعلنت وسائل إعلام تابعة لقوات "قسد"، عن مشاركة "جيش الثوار"، قيادة وأفراد في حملة "تعزيز الأمن"، ودعا الأهالي في المنطقة إلى ضبط النفس وعدم الانجرار وراء الفتن التي تصب في المصالح الخارجية.
ويضم تشكيل جيش الثوار الذي أعلن عنه بتاريخ 3 - 5 - 2015 كلاً من (لواء المهام الخاصة - لواء 99 مشاة - قيادة سرايا النخبة - لواء الحمزة - لواء القعقاع - أحرار الشمال وجميعها من محافظة إدلب) بالإضافة لـ (كتائب شمس الشمال - لواء شهداء الأتارب - لواء السلطان سليم - جبهة الأكراد) من محافظة حلب وكتائب القادسية والفوج 777 من ريف حمص.
هذا وتتصاعد المواجهات المسلحة الدامية بين مقاتلي العشائر من جهة وقوات سوريا الديمقراطية من جهة أخرى في عدة بلدات وقرى بريف ديرالزور، وذلك في أعقاب عملية أطلقتها "قسد" تحت مُسمى "تعزيز الأمن"، ورغم بيان رسمي لقسد ذكر الكثير من دوافع الحملة، إلا أنها طالت "المجلس العسكري بديرالزور" بشكل مباشر، قبل تطور الصراع وتحوله إلى مواجهة مباشرة ومفتوحة مع عشائر عربية.
شنت "قوات سوريا الديمقراطية"، معركة إعلامية شرسة لا تقل ضراوة عن هجومها ضد مناطق ديرالزور على الضفة الشرقية لنهر الفرات، حيث شرّعت سواء عبر الإعلام الرسمي أو الداعم لها بنشر معلومات مغلوطة وصلت إلى حد التضليل وتزييف الوقائع خلال معاركها الدائرة للأسبوع الثاني ضد العشائر العربية.
وكان من الملفت إدارة الحرب الإعلامية بشكل منظم لا سيّما بما يتعلق بالاتهامات ضد العشائر العربية وبث أنباء الحسم العسكري والسيطرة على مناطق قبل دخولها، لكن كل ذلك لم يمنع السقوط بهفوات إعلامية أكدت بشكل أو بآخر زيف الرواية الرسمية التي تتبناها "قسد"، ما يدعم موقف العشائر العربية التي تقول إن لديها مظالم لدى "قسد" والأخيرة تضرب بهذه المطالب المحقة عرض وتقابل هذه المطالب العشائرية تروج لمعلومات لتضليل الرأي العام.
من بين السقطات التي وقع بها الذراع الإعلامي لقوات "قسد"، بث مقطعاً مصوراً على أنه عبور نهر الفرات من قبل مجموعات عسكرية مسلحة من مناطق سيطرة النظام السوري وإيران، وقالت "قسد" إن هؤلاء المتسللين هم من نحاربهم بريف دير الزور، ومن بين مروجي الشريط المصور "سيامند علي"، المتحدث باسم ميليشيات "وحدات حماية الشعب" (YPG).
إلا أن الفيديو ليس لمجرى نهر الفرات أساساً، حيث يظهر عبور مقاتلين من أبناء العشائر العربية، لنهر الساجور بريف منبج شرقي حلب، الذي ينبع من تركيا ويخترق الحدود السورية، وأثار المقطع الشكوك حول صحته حيث لا يوجد ضفاف متقاربة في نهر الفرات بهذا الشكل.
وتبين نتيجة التحقق منه بأن المقطع منشور ضمن هجوم شنته العشائر ضد مواقع مشتركة لقوات قسد والنظام مطلع أيلول الحالي باتجاه مدينة منبج، الأمر الذي أكده "المركز الإعلامي لمجلس منبج العسكري"، التابع لقوات "قسد"، الذي أعلن وقتلك اندلاع اشتباكات على خطّ نهر السّاجور.
ورغم تكرار تداول أنباء عن تسلل مقاتلين من الضفة التي يسيطر عليها النظام إلى مناطق سيطرة العشائر العربية حالياً، لم يشكل ذلك السبب المباشر لهجوم قسد، بالمقابل هناك معلومات نشرتها شبكة "ديرالزور 24"، العاملة بمناطق سيطرة "قسد"، إلى وجود نشاط لنظام الأسد وإيران على الضفة الثانية لنهر الفرات.
وفي هذا السياق صرح شيخ قبيلة العكيدات "إبراهيم الهفل" أن "موقف أبناء العشائر واضح وصريح من نظام الأسد، قائلا: "لا نسمح لأي طرف بالتسلق على مطالب العشائر"، ونفى الشيخ "مصعب الهفل"، وجود أي علاقة لحراك العشائر العربية بالنظام السوري أو إيران.
تداولت صفحات ومواقع إخبارية مقربة من قوات "قسد"، مقطع مصور قالت إنه "يظهر عناصر من تنظيم داعش يتوعد التحالف وقسد في معارك ديرالزور"، إلا أن هناك من شكك في هذا التسجيل واتهم "قسد" بالوقف خلفه لتدعيم روايتها واستمرار الدعم الدولي لها بحجة مكافحة الإرهاب.
ومن بين العثرات الكثيرة التي تكاد أن تنسف الفيديو، أنه لم ينشر عبر أي من معرفات تنظيم داعش، وهذا ما تأكدت منه "شبكة شام الإخبارية"، حيث لم يرد الفيديو عبر منصات "أعماق، النبأ، الناشر، الرّعود"، التي تعد من المنصات الرسمية الناطقة باسم "داعش".
ومن أخطاء التسجيل القاتلة أيضًا، هي ذكر المتحدث كلمة "دير الزور" التي لا يعتمدها التنظيم أبدا في خطابه الإعلامي حيث يطلق على المحافظة اسم "ولاية الخير"، ولم يرد في الحصيلة الأسبوعية الأخيرة الصادرة عن صحيفة النبأ إلا عملية واحدة في "ولاية البركة" التسمية التي يطلقها التنظيم على الحسكة.
ومن بين العثرات التي تنسف حقيقة صدور التسجيل عن خلايا داعش، تسمية "قوات سوريا الديمقراطية" بأنها أحزاب كردية، إلا أن التنظيم في خطابه الرسمي يقول عن "قسد"، "PKK المرتدين"، وكذلك شكك ناشطون بصحة الشريط المصور استنادا إلى ورود جملة "صدق الله العظيم"، الأمر الذي ينكره التنظيم ويعتبره "بدعة"، ويضاف إلى سقطات إعلام قسد إذا صح أنها تقف خلف هذا التسجيل.
البيان الأخيرة لداعش حول دير الزور صادر بتاريخ 14 آب/ أغسطس الماضي - رصد شام.
نشر الإعلامي التابعة لقوات "قسد" هاوار هبو مدير "وكالة نودم روجافا"، معلومات قال إنها نقلا عن "مصادر ميدانية"، ذكر فيها أن "داعش يتوجه من البادية السورية إلى شرق الفرات واستغلال الأحداث في دير الزور"، وعلاوة على ذلك سقط "هابو" كغيره الكثير من إعلاميي "قسد" بتوجيه إهانات وتطاول على المكون العربي بشكل فج.
واعتبر ناشطون سوريون في تهديد مبطن لاقى هجوما واسعا في الردود على منشوره، الذي يعتمد على أسلوب الوعيد على طريقة "حسين مرتضى" بوق النظام السوري وإيران الذي هدد بداعش بمواجهة أهالي السويداء جنوبي سوريا.
وطالت انتقادات لاذعة لتعطي إعلام "قسد" مع الهجوم الذي شنته على مناطق واسعة بدير الزور، وسط تخبط إعلامي واضح، وقال الكاتب والحقوقي الكوردي السوري "حسين جلبي" إن بي كي كي لا زال يدير معاركه بعقلية النعامة، ويكذب ويصدق كذبته.
على الرغم من تأكيد قوات التحالف الدولي في بيانات منفصلة تناولت الأوضاع الأخيرة في ديرالزور، على أهمية شراكتها مع "قسد"، إلا أنها لم تدعم الهجوم البري لقوات "قسد" بأي غارة جوية رغم رصد تحليق مكثف لطيران التحالف في سماء المنطقة.
وقال "مظلوم عبدي"، القائد العام لقوات "قسد" إن التحالف الدولي دعم "قسد" جوياً ضد "المسلحين" في دير الزور، وفق مقابلة مصورة مع قناة "الحدث"، وتكرر ذلك على لسان مراسل قناة "روناهي"، التابعة لقوات "قسد" الذي قال إن "عملية تعزيز الأمن تتم بدعم جوي من التحالف الدولي".
وبعيدا عن دليل تفنيد هذا الادعاء بواسطة نفي نشطاء المنطقة الشرقية تسجيل أي غارة جوية باستثناء المسيرات محلية الصنع التي تطلقها "قسد"، يأتي تكذيب دعم التحالف الدولي جويا لعملية "قسد"، على لسان الناطق الرسمي باسمها، حيث أكد ذلك في مقابلة رصدتها "شام"، قبل أيام قليلة.
وقال "فرهاد الشامي"، الناطق باسم "قسد"، في رده على سؤال "هل تتلقى قوات "قسد" دعما عسكريا من القوات الأمريكية في هذه المعارك؟ أجاب: "لا حقيقة "قسد" هي المعنية بهذه المسألة بشكل مباشر لطالما الأمر يتعلق بملاحقة عناصر مجلس ديرالزور العسكري ومسلحين يتبعون للنظام السوري، المتهمين بإحداث هذه الفتنة.
واستدرك بقوله إن قوات "قسد" تعتمد على نفسها بهذه العملية لكن هذا لا يمنع بطبيعة الحال التنسيق والتشاور مع التحالف الدولي، مشيرا إلى عقد عدة اجتماعات مع التحالف لمناقشة هذه المسألة وأكد وجود قلق من عودة داعش.
ومن المعروف أن نظام الأسد عمل على استثمار الحدث منذ اللحظات الأولى وحتى الآن وأكد ناشط في منشورات لهم عبر موقع فيسبوك و منصة (إكس- تويتر سابقا) أن النظام وقسد يديرون الحرب الاعلامية بشكل محترف لتضليل الرأي العام، وأن الحرب الإعلامية والمعنوية مستمرة.
تداول ناشطون سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي، صورا تُظهر مقاتل بملامح أجنبية ضمن صفوف قوات "قسد"، قيل إنه مقاتل "آسيوي"، في مشهد يكشف عن استعانة قوات "قسد"، بالأجانب في مواجهة قوات العشائر العربية، رغم أنها تصف من تقاتلهم بأنهم مرتزقة.
وبالتدقيق في مصدر الصور تبين أنها متداولة عبر حسابات لناشطين وصحافيين داعمين لقوات "قسد"، وتعليقا على ذلك قال ناشطون في شبكة "مراسل الشرقية الرسمي"، المعنية بأخبار المنطقة الشرقية، إن المقاتل الظاهر في الصورة هو من مرتبات الكتيبة الأممية التي ينحدر مقاتليها من جنسيات متعددة غير عربية.
وبحسب موقع "بيلينغ كات" الاستقصائي، فإن “قسد” مؤلفة من عدة كيانات عسكرية، بينها "كتيبة الحرية الأممية"، التي تضم أنصارا للفكر الشيوعي من دول أوروبا والشرق الأوسط، حاربوا إلى جانب "قسد" ضد داعش، ويرون أنهم يقومون بـ"واجب أممي، دفاعاً عن أكراد سوريا، وغيرهم من الأقليات الدينية والعرقية".
أطلقت عشرات الحسابات الإعلامية الداعمة لقوات "قسد"، هاشتاغ تحت مُسمى "قسد أمل الشعوب لا للفتنة"، وتداولت عبر الكثير من المعلومات والصور التي تروج لقوات سوريا الديمقراطية، ومن أبرز الصور المتداولة رسم كاريكاتير يظهر جندي يحمل فأس حاد ويرتدي زيا عسكريا عليه شعار "قسد"، وهو يقوم بقطع "يد الفتنة"، التي تحمل سكين ملطخ بالدماء، حاولت عبور نهر الفرات شمال شرقي سوريا، وفي الطرف الآخر يظهر أن هذه اليد تعود إلى العديد من الجهات بينهم راية الثورة السورية و"داعش والنصرة وتركيا وإيران والنظام".
ونفت ميليشيات ما يسمى بـ"قوات سوريا الديمقراطية"، (قسد) أنها تحارب العشائر العربية ضمن عملية "تعزيز الأمن" التي دخلت الأسبوع الثاني على التوالي، وإلى جانب العملية أطلقت "قسد" العديد من الاتهامات إلى الطرف الآخر، على لسان الإعلام الرسمي والداعم لها.
وقالت "قسد" في بيان لها إن الاشتباكات الجارية في دير الزور هي مع "مرتزقة الاحتلال التركي"، و"عناصر تابعة لجهات أمنية لحكومة دمشق"، لتضاف إلى قائمة الاتهامات التي أصدرتها "قسد"، حيث قالت إنها تلاحق "خلايا تنظيم داعش" و"العناصر الإجرامية الخارجية عن القانون" و"مجموعات من الفاسدين وعصابات التهريب".
وزعمت أنه ليس هناك أي خلاف أو أي مشكلة بين شعب دير الزور وقوات سوريا الديمقراطية، وادعت وجود تواصل دائم مع العشائر، وذكرت أن قوى خارجية مختلفة تدخلت بعد إطلاق عملية "تعزيز الأمن"، ضد خلايا تنظيم داعش والعناصر الإجرامية، واتهمت العشائر العربية التي تقاتلها بالعمالة لنظام الأسد وتركيا.
وقال "فرهاد الشامي"، الناطق باسم "قسد"، بأن الأخيرة "بدأت بالحسم، وهناك فرصة أخيرة للمسلحين الدخلاء للاستسلام في الشحيل والذيبان"، وفي مقابلة مصورة قال إن مجموعة صغيرة تتبع للنظام دخلت إلى المنطقة وحاولت جر "قسد" لمواجهات بين المدنيين لكن "قسد" لم تستخدم العنف المفرط، وفق تعبيره.
وقدر أن العملية التي انطلقت منذ 27 آب الماضي، جاءت للقضاء على خلايا داعش التي نفذت أكثر من 60 هجوما منذ بداية 2023 في دير الزور، إضافة إلى ملاحقة العناصر الإجرامية التي ارتكبت الانتهاكات بما فيها قائد مجلس ديرالزور العسكري المعزول "أحمد الخبيل" الملقب بـ"أبو خولة".
وذكر "شامي"، أن "الخبيل" متهم بقتل واغتصاب فتاتين ولدى "قسد" أدلة بهذا الشأن، إضافة إلى وثائق تتعلق بتواصله مع جهات معادية بما فيها النظام السوري لإحداث الفوضى والفتنة في المنطقة الشرقية.
واعتبر أن العملية كانت في أول يومين ناجحة جدا، لكن هناك جهات يبدو أنها متضررة من هذه العملية، وبشكل خاص ميليشيات الدفاع الوطني لدى النظام التي تسللت إلى الشحيل والبصيرة بريف ديرالزور، تضامنا مع بعض المستفيدين من "أبو خولة" في المنطقة.
وحسب "شامي" فإنّ "قسد" تواجه خلايا داعش من جهة ومسلحين يتبعون للنظام السوري بعد تسللهم للمنطقة من جهة أخرى، وقدر أن 5 قرى فقط بدير الزور تعرضت للتوتر من أصل 127 قرية تخضع لسيطرة "قسد" على الضفة الشرقية لنهر الفرات.
واتهم "غرف استخباراتية" بطرح مصطلح أن القتال بين قوات "قسد والعشائر"، مؤكدا استمرار سيطرة "قسد"، على منابع وآبار النفط، باستثناء تعرض نبع للضرر بعد إحراقه على يد مسلحين يتبعون لقائد مجلس ديرالزور المعزول، وفق تعبيره.
وحول إمكانية وقدرة "قسد"، على استعادة المناطق التي خسرتها بريف ديرالزور، قال "شامي"، إن "قسد بارعة في القضاء على هذه المجاميع المسلحة لكنها لم تلجأ بعد إلى الحزم تفاديا لإراقة الدماء، وإعطاء الفرصة لعقلاء ووجهاء العشائر الذين هم أساسا في صفوف "قسد" وكانوا على إطلاع بهذه العملية.
ويذكر أن منذ 27 آب/ أغسطس الماضي، اندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات العشائر العربية، وبين قوات "قسد"، أشعل فتيلها اعتقال قادة مجلس ديرالزور العسكري، وسط تطورات متسارعة حولت الصراع إلى مواجهات مفتوحة بين العشائر و"قسد" فيما تزعم الأخيرة أنها تلاحق "خلايا داعش والفاسدين وتجار المخدرات والتهريب والمخربين والخارجين عن القانون والعناصر الإجرامية والمرتزقة والعملاء للنظام السوري وتركيا".
طيلة عقد من الزمن، شهدت العلاقات السورية - التركية، قطيعة تامة، وعلت التصريحات التركية من رأس الهرم ممثلة بالرئيس "أردوغان" والمؤسسات الرسمية، ضد جرائم النظام، وتوعدت بالمحاسبة، وأعلنت نصرتها للشعب السوري وقضيته، وفتحت تركيا أبوابها لاستقبال الملايين منهم، لتعود تركيا بعد كل هذه المدة، وتعلن رغبتها في التقارب من نظام الأسد بدفع روسي، تشوبه حالة غموض في النوايا والأهداف.
وأخذت التصريحات الرسمية التركية، تجاه التقارب مع نظام الأسد، منحى جديداً، مع عقد أول لقاء على مستوى وزراء الدفاع وأجهزة الاستخبارات "السورية - التركية" في موسكو نهاية كانون الأول 2022، معلنة بداية مرحلة جديدة من العلاقة مع نظام الأسد رسمياً، وتضع قوى المعارضة السورية في عنق الزجاجة، وهي التي تعتبر تركيا الحليف الأبرز والأكثر وقوفاً مع قضية السوريين.
هذا التقارب وفق متابعين، يضع جميع قوى المعارضة والثورة السورية، أمام مرحلة مفصلية، وموقف محرج سياسياً وعسكرياً وحتى شعبياً، فالحاضنة الشعبية في الشمال المحرر الذي تنتشر القوات التركية فيها ترفض رفضاً قاطعاً التوجه التركي للتقارب مع مجرم حرب كـ "الأسد"، وتعتبر التقارب معه خطراً كبيراً عليها، في ظل صمت مطبق لأي صوت رسمي لمؤسسات المعارضة لتبيان موقفها الحقيقي من هذه الخطوات، أو قدرتها عملياً على اتخاذ أي موقف.
رصدت شبكة "شام" عينة من آراء بعض النخب الثورية والفعاليات المدنية والإعلامية حيال التطورات الأخيرة واللقاء الذي أعلن عنه بين تركيا والنظام في موسكو، وقام فريق التحرير في المؤسسة بالتواصل مع عدد من الشخصيات الممثلة لقوى الثورة والمعارضة سواء كان السياسية منها أو العسكرية، لكن كان الصمت المطبق سيد الموقف للمؤسسات الرسمية، دون رد.
ففي وقت لم تتلق "شام" أي رد من "الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة وقيادة الجيش الوطني السوري"، حول موقفهم من الخطوات التركية الأخيرة، وماهية الخيارات المطروحة لدى قوى الثورة والمعارضة لمواجهة هذا التوجه وأثره على ثورة السوريين، كانت الدعوات تتعالى في المناطق المحررة تدعو فيها الفعاليات الشعبية للخروج بتظاهرات احتجاجية ترفض ها التوجه.
وفي سياق رصد "شام" لعينة من الآراء، اعتبر ""غسان ياسين" الصحفي السوري، أن المتغيرات الأخيرة في الموقف التركي كانت متوقعة ضمن المسار الحاصل، ولكنها جاءت "صادمة" في ظل استعجال تركي للتقارب مع نظام الأسد، موضحاً أن قوى المعارضة في أضعف حالاتها سياسياً وعسكرياً.
وقال "ياسين" في حديث لشبكة "شام" أن أفضل ما تقوم به قوى المعارضة هو إعادة تفعيل الدور العربي لاسيما دول الخليج منها "السعودية"، لإعادة التوازن للملف السوري، في وجه العاصفة العاتية، مع إعادة تنظيم صفوف القوى السورية، مستبعداً أن يكون هناك أي تغير في الخارطة العسكرية على الأرض.
ورأى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور "باسل معراوي"، أن التنازلات التي قدمتها قوى المعارضة في "أستانا وجنيف واللجنة الدستورية" كانت كارثية، ولم تحقق أي تقدم، مؤكداً أن صيرورة مسار أستانة منذ عام 2017 سوف تقود إلى هذه التداعيات الحاصلة اليوم.
وقال "معراوي" في حديث لشبكة "شام" إنه لايجوز أن تكون قوى المعارضة بلا خطة لمواجهة هذه التداعيات، وإن كانت "لاتملك خطة فهي تكون مقصرة وغير كفوءة لتمثيل الثورة السورية" وفق تعبيره.
واعتبر الكاتب السوري أن المطلوب الآن من كل المعارضات السورية آلا تقدم أي تنازل للنظام مهما كان حجم الضغوط عليها، وأن تنتظر تغير الظروف نحو الأفضل، خاصة في ظل عزلة خانقة يتم فرضها على نظام الأسد وانتظاراً لحالة الاستعصاء التي ستتمخض عنها جولات التفاوض بين الحكومة التركية ونظام الأسد.
وشدد "معراوي" على ضرورة تمسك المعارضة بالبنود الخمسة التي صرح بها الناطق باسم الرئاسة التركية "إبراهيم قالن" المتعلقة بأساس الحل في سوريا والتي تسعى له الحكومة التركية بخطوتها المنفردة على مجموعة التفاوض الدولية التي تعتمد مسار جنيف، وأن تلزم الحكومة التركية بما ألزمت به نفسها.
وأضاف في حديثه لشبكة "شام" بأن وصول مسار أستانة الى خاتمته لم يعد أي مسوّغ للاستمرار بحضور جلساته، مع رفض المعارضة الرسمية لحضور أي اجتماعات من خلاله أو بشكل منفرد بوساطة تركية وروسية.
ولفت إلى أنه كما للحكومة التركية مبرراتها لتطبيع العلاقة مع النظام السوري، فإن للمعارضة السورية كل الحق برفض خيارات الحكومة التركية فيما يتعلق بالشق الذي يخص المعارضة وقضية الشعب السوري.
وأكد أن المطلوب من جماهير الثورة حشد صفوفها وتناسي خلافاتها ورفع الشعار الذي يتفق عليه الجميع "لن نصالح"، وبذلك يقوى موقف المعارضة أمام من يضغط عليها، معتبراً أن المرحلة خطيرة وهناك خلافات استراتيجية بين المواقف التركية ومواقف الثورة، ويجب إدارة هذا الخلاف بحكمة ودون أي تشنج وتوسيع نقاط الالتقاء مع الأخوة الأتراك.
وأشار "معراوي" إلى أن خلاف الاتراك مع النظام السوري "خلاف سياسي" يمكن حله كما أشاروا بذلك وأنه لاخصومات دائمة في عالم السياسة، لكن خلاف المعارضة والشعب السوري مع النظام المجرم هو خلاف حقوقي، بمعنى لابد لكل من اقترف الجرائم بحق الشعب السوري أن يمثل أمام المحاكمة ولا مناص من تطبيق شرط العدالة الانتقالية.
والتقى "معراوي" في ختام حديثه لشبكة "شام" مع رأي الصحفي "ياسين" بالتأكيد على ضرورة أن تقوم المعارضة السورية بتوسيع اتصالاتها مع الأشقاء العرب والدول الفاعلة بالملف السوري والتمترس خلف تطبيق القرارات الدولية بشأن الملف السوري والاستمرار بكشف جرائم النظام السوري للعالم أجمع.
من جهته، شدد الحقوقي السوري "عبد الناصر حوشان" على ضرورة التأكيد على أنّ تطبيع العلاقات التركيّة مع النظام السوري هو شأن سيادي للدولة التركيّة، لكن ما يهمّنا هو ما هي آثار هذا التطبيع على الثورة السورية والشعب السوري، لافتاً إلى أنّ المعارضة ستنقسم إلى فريقين، فريق سينأى بنفسه عن الموقف التركي وهؤلاء هم من لا يرتبطون معها ولا مع المجتمع الدولي بأيّة التزامات.
أما الفريق الثاني فهو من سيسير معها وفق الترتيبات المرسومة نتيجة التفاهمات و الاتفاقيات السابقة على اعتبار أنّها تمثّل مجمل التصوّرات الدوليّة للحلّ في سوريّة وهم جماعة (أستانا وسوتشي واللجنة الدستورية وهيئة التفاوض) كونها الطرف الرسمي في عملية المفاوضات وهي ملزمة بتنفيذ مخرجات الاتفاقيات الإقليمية والدولية طالما تصبّ في سياق تنفيذ القرارات الدوليّة ذات الصلة و خاصة القرار 2254 وهو ما يتكرر على لسان المسؤولين الروس والاتراك ومؤخّرا النظام والذي ما زالت المعارضة المذكورة متمسّكة به وتدعو الى تطبيقه.
وتوقع "حوشان" في حديثه لشبكة "شام" أن يؤدي ذلك إلى انشقاق في صفوف الفريق الثاني، مشدداً على ضرورة التأكيد على الفصل بين المعارضة المذكورة وبين قوى الثورة التي لم تنخرط في أيّ من المسارات المذكورة والتي - برأيه - سيكون لها دور هام في رسم معالم المرحلة القادمة.
وناقش الباحث السوري "وائل علوان"، التقارب التركي مع نظام الأسد من زاويتين، الأولى تتمثل في "الدافع التركي لتطوير العلاقات مع نظام الأسد من المستوى الاستخباراتي إلى تمثيل أعلى وصولاً للتطبيع السياسي، وهذا يدل - برأيه - على أن تركيا تتوجه وتتفاعل وتستجيب مع المطالب الروسية بهذا الشأن.
ولفت "علوان" في حديث لشبكة "شام" إلى أن هناك مصالح كبيرة بين "روسيا وتركيا" تجعل الأخيرة تستجيب للمطلب الروسي في تطبيع العلاقة مع النظام، كما أن لتركيا مصالح مع النظام في ملفات متنوعة أهمها "مواجهة قسد والتخفيف من أضرار دعم النظام مع قسد ثم موضوع عودة اللاجئين".
وحول خيارات المعارضة السورية، قال "علوان" إن قوى المعارضة السورية تتفاوض بشكل مباشر مع النظام سواء في مسار "جنيف أو استانا أو اللجنة الدستورية"، وليس هناك مشكلة بالمؤسسة السياسية بالتفاوض مع النظام للوصول لحلول مشتركة مع النظام، كون النظام السياسي مبني ضمن القرارات الأممية على مشاركة النظام في الحل السياسي، ولكن النظام هو من يرفض الاستجابة وأثبت أنه غير قابل لتغيير سلوكه، غير متوقع أن تثمر مفاوضات النظام مع تركيا بالشيء الكثير.
واعتبر الباحث والكاتب السوري "أحمد أبازيد" أن لقاء موسكو هو بداية مسار تركي مشترك مع نظام الأسد وروسيا، كما بدأ في ٢٠١٧ مسار أستانة، موضحاً أن "الأستانة" لم يكن تصريحات أو مناورة سياسية، وإن قيلت التبريرات وإبر التخدير نفسها في ذلك الوقت، وإنما مسار يؤسس لمرحلة جديدة ولجان مشتركة وخطط عمل، ينتج عنه تغيير الخرائط والخطاب السياسي وإنهاء قوى وصعود أخرى.
وأكد الكاتب "أن الأمر نفسه يظهر تباعاً من لقاء موسكو، وليست مبالغة إن اعتبرناه أخطر تحول سياسي في الملف السوري منذ عام 2011، لأن قرار الائتلاف الوطني والفصائل والشمال السوري أصبح بيد تركيا فقط، والتي تبدو أهدافها اليوم مختلفة أو مناقضة لمشروع الثورة السورية والتغيير السياسي في سوريا".
وفي حديث لشبكة "شام" رأى الكاتب "أبازيد" أنه ينبغي وجود نشاط سياسي خارج إطار الائتلاف الوطني والمؤسسات المرتبطة فيه، لأنه تحول إلى كيان ميت سريريًا ولا يخرج عن السياسة التركية.
ولفت إلى أن هناك العديد من الشخصيات التي خرجت من الائتلاف الوطني ولكنها بلا دور أو نشاط، واكتفت بمقعد معارضة المعارضة، بدلاً من أن تقوم بمبادرات سياسية ضد النظام في الساحة الدولية أو داخل سوريا.
وأكد "أبازيد" أن الخطوة التركية الأخيرة تؤكد الحاجة لمنع احتكار القرار والتمثيل السياسي للخط الجذري في الثورة السورية والمعارضة من قبل الائتلاف الذي لا يمتلك اليوم أي قرار ويساهم ولو بصمته في تمرير التطبيع مع النظام
وفي سياق المواقف التي رصدتها "شام"، أصدرت "إدارة الشؤون السياسية" التابعة لـ "هيئة تحرير الشام" بياناً، اعتبرت فيه أن تنشيط التواصل بين أبرز حلفاء الشعب السوري ممثلاً بالدولة التركية، مع النظام هو تحد سياسي جديد يواجه ثورة السوريين، هدفه إحراز تقدم في ملف اللاجئين قبيل الانتخابات التركية القادمة من جهة وممارسة مزيد من الضغط على قوات "قسد" وأبرز مكوناته حزب العمال الكردستاني من جهة أخرى.
وأشاد بيان الهيئة بوقوف الحكومة والشعب التركي مع الثورة السورية، على الصعيد السياسي والعسكري والإنساني، وذكرت بمواقف النظام في تهديد الأمن القومي التركي لعقود من خلال دعمه لحزب العمال الكردستاني، وإيواء كوادره وأبرز قادته عبد الله أوجلان"، مؤكدة أن هذا النظام لا يملك النوايا الحسنة للمشاركة بإزالة المخاوف والتهديدات الأمنية لصالح سلامة وأمن تركيا فضلا عن عدم قدرته على ذلك.
وعبرت الهيئة عن تفهمها للضغوط التي تواجهها تركيا على المستوى المحلي والدولي وأعلنت التضامن معها، لكنها أكدت رفضها واستنكارها أن يُقرر مصير هذه الثورة بعيدًا عن أهلها لأجل خدمة مصالح دولة ما أو استحقاقات سياسية تتناقض مع أهداف الثورة السورية.
وذكر البيان الدولة التركية بضرورة الحفاظ على قيمها ومكتسباتها الأخلاقية في نصرة المستضعفين والمظلومين، وأكد أن هذه اللقاءات والمشاورات تهدد حياة الملايين من الشعب السوري، ودعا البيان، أبناء الثورة السورية لمواجهة هذا المنعطف وحمل هذه الأمانة العظيمة والعمل على نشر الوعي بخطر "المصالحة" على الشعب السوري في المستقبل القريب.
ونوه البيان إلى أن النظام يتهالك وتنخر في جسده التحديات الاقتصادية والاجتماعية مع تخلّ حلفائه وانشغالهم عنه، وأن لاحل في سوريا ببقاء النظام أو الرضا بمشاركته، حيث إن تعويمه وإعادته المشهد الأحداث السياسية بثّ للفوضى، وتهديد للأمن والاستقرار العام في المنطقة، وتفريط بحق الملايين من الشعب السوري.
وفي السياق، علق الشرعي في هيئة تحرير الشام "مظهر الويس" أنه "عندما ننتقد الموقف التركي الجديد لا ننتقده لأنه تركي، وإنما بسبب الموقف من نظام الكبتاجون الأسدي الطائفي، موقفنا من الأسد ونظامه موقف مبدأي غير قابل للنقاش ولا يمكن التفكير به لأسباب كثيرة معروفة، وكل من يقترب منه إنما يمثل نفسه ولا يمكن إلزام ثورة وشعب بذلك".
من جهته، قال "الرائد جميل الصالح" قائد فصيل "جيش العزة" إنه "حين نكون أقوياء لن نحتاج إلى التنازلات المؤلمة، وحين نكون أقوياء سيكون قرارنا ملكاً لنا غير مستورد أو مفروض علينا وعندئذ لا أحد قادر على مصادرته منا"، معتبراً أن "التحاق الشباب بالفصائل التي تنفذ مطالب أهالي الشهداء وتحمي ثوابت ثورتنا أول الخطوات الصحيحة".
وكان قال الدكتور "حمزة مصطفى" المدير العام لـ "تلفزيون سوريا" في منشور على صفحته الرسمية على فيسبوك إنه "لا علاقة سببية تربط بين رغبة حزب العدالة والتنمية تطوير علاقاته مع نظام الأسد والمعادلات السياسية والعسكرية في شرق الفرات، وأوضح أن النظام لم يكن فاعلًا فيها ولن يكون في المستقبل، وأن روسيا جربت أن تكون فاعلة وفشلت، مؤكداً أن الفاعلية هناك، كما تقول الوقائع، ترتبط بالتفاوض مع الولايات المتحدة فقط".
ولفت مصطفى إلى أن "الانفتاح من قبل الحكومة والمعارضة التركية على نظام الأسد مرتبط بغايات انتخابية فقط، وهذا متاح في السياسة ومفهوم أيضا، مؤكداً أنه لا يجب وضعه خارج أطره أو تحميله ما لا يحتمل مثل الأقاويل التي تخرج عن احتمالات تسريع الحل السياسي أو إنجازه.
ورغم عدم استجابة الناطق باسم "الجيش الوطني السوري" في الرد على تواصل شبكة "شام"، إلا أن الشبكة رصدت بعض التعليقات لقيادات من الجيش منها للقيادي في الفيلق الثالث "علاء فحام"، أكد فيها أن انسداد أغلب آفاق الحلول في سوريا كانت بسبب مصالح الدول المجرمة التي بنت على معاناة السوريين وقتلهم وتشريدهم موطئ قدم لها في بلدنا (كروسيا وإيران)
وأضاف: "أما اليوم أن نسمع باباً مفتوحاً لأشباه حلول خادعة تتوافق مع هذه الدول المجرمة وتكون على حساب دماء المفقودين والمعتقلين والشهداء والمغتصبات وفي سبيل تعويم نظام الإجرام وترسيخ شرعيّة الاحتلال فلن نقبله ولا نقبل أن نتماشى معه فكما كنّا ثواراً أحراراً سنبقى وسنستمر على مبادئنا التي خرجنا لأجلها".
بدوره، قال القيادي في الفيلق الثالث "صالح عموري": "لن يقبل السوريون وأبناء الثورة أن تذهب تضحياتهم العظيمة التي قدموها خلال سنوات الثورة هباءً، ولن تهدأ سوريا ولن يعود الأمان والاستقرار إليها قبل الخلاص من رأس الإرهاب في سوريا بشار الأسد، وسيستمر كفاحنا في سبيل ذلك بعون الله ومدده".
من جهته علق "عمر حديفة" الشرعي العام في "الجبهة الوطنية للتحرير" بالقول إن "إسقاط النظام الأسديّ الطائفي المجرم هو هدفٌ لكلِّ حرٍّ شريفٍ، وهو هدفٌ لا يسقط بالتقادم ولا يُعدَل عنه بعد الإيمان به والعمل من أجله".
وفي سياق استعراض الآراء، قال الصحفي "عمر إدلبي" مدير مركز حرمون للدراسات في الدوحة، إن "تركيا لا يهمها إلا مصلحتها وتفعل ما يحققها ولو على حساب معاناة شعبنا.. ويبقى أن تعرف المعارضة المحسوبة علينا ما هي مصلحة من تمثلهم غصبا عنهم.. ومن ثم نطالبها بتحقيق هذه المصلحة".
ولفت إلى أن "قطيع مؤيدي عصابة بشار يهللون ويطبلون للقاء وزير دفاع تركيا مع وزير دفاع عصابتهم، والمؤكد أن أحدا من هؤلاء لم يقرأ شيئا عن القرار الأممي 2254 الذي أكد الوزير التركي خلال اللقاء على تطبيقه".
وأصدر "المجلس الإسلامي السوري" بياناً قال فيه إن مصالحة تلك العصابة تعني أن يموت شعبنا ذُلّاً وقهراً، وتعني بيعَ دماء الشهداء الّذين مضوا وهم ينشدون كرامة سوريّة وعزّة أهلها، داعياً إلى "الثبات الكامل على مطالب الثورة السورية والتمسك بوثيقة المبادئ الخمسة التي أصدرها من قبل".
بدورها قالت "حركة سورية الأمّ"، التي يترأسها "أحمد معاذ الخطيب"، إنها تلقت ببالغ القلق أنباء التّحرّكات غير المسبوقة للجارة تركيا للانفتاح على نظام الأسد، وعبرت عن رفضها بشدّة أيّ نهجٍ من شأنه تعويم نظام متهالك غير قادرٍ على تأمين الحاجات الأساسيّة للسوريّين في المناطق التي تخضع لسيطرته أصلاً، مذكرة الصدّيقة تركيا بأنّ نظام الأسد هو الأبُ الرّوحي للإرهاب، وبأنّ هذه الحركات خرجت من رحمه وهي صنيعة أجهزة استخباراته.
وأكدت الحركة على تمسّكها بالقرارات الدّوليّة الدّاعية لتحقيق انتقال سياسيّ في سورية حلّاً وحيداً لأزمتها، فإنّها تذكّر بأنّ أيّ عودة اللاجئين مرفوضة جملة وتفصيلاً ما لم تكن آمنة وطوعيّة، و بأنّ الشّعب الذي قدم أكثر من مليون شهيد لن يتخلى عن مطلبه حتى تتحقّق له الكرامة موفورة على أرضه.
قال "مجلس سوريا الديمقراطية" التابع لقسد في بيان له، إنه ينظر بعين الشك والريبة إلى الاجتماع بين وزيري دفاع الحكومة التركية و السورية وبرعاية روسية، معبراً عن إدانته "استمرار سفك الدماء السورية قربانا لتأبيد سلطة الاستبداد في دمشق"، داعياً لمواجهة هذا التحالف واسقاطه، والى توحيد قوى الثورة والمعارضة بوجه الاستبداد وبائعي الدم السوري على مذبح مصالحهم.
وكانت نشرت وكالة "الأناضول" الرسمية التركية، تصريحات مفصلة لوزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، حول مخرجات الاجتماع الثلاثي في موسكو، أكد فيها أن تركيا هي "الضامن للمعارضة السورية، ولن نتحرك بما يعارض حقوقها، على العكس من ذلك فإننا نواصل مباحثاتنا للإسهام في التفاهم على خارطة الطريق التي يريدونها".
وشدد أوغلو، على ضرورة تأمين عودة آمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم، مؤكداً على أنه "من المهم أن يتم ذلك بشكل إيجابي مع ضمان سلامتهم"، وقال إن المرحلة التالية في خارطة الطريق، هي عقد اجتماع على صعيد وزيري خارجية البلدين، مبيناً أنه لم يتم بعد تحديد التوقيت بشأن ذلك.
ولفت إلى إمكانية العمل المشترك مستقبلاً، في حال تشكلت أرضية مشتركة بين البلدين فيما يخص مكافحة الإرهاب، وفيما يخص مطالب النظام بـ "خروج القوات التركية" من سوريا، قال تشاووش أوغلو إن الغرض من تواجد قوات بلاده هناك "هو مكافحة الإرهاب، لا سيما وأن النظام لا يستطيع تأمين الاستقرار".
وأكد أوغلو أن تركيا تؤكد مراراً عزمها نقل السيطرة في مناطق تواجدها حالياً، إلى سوريا حال تحقق الاستقرار السياسي وعودة الأمور إلى طبيعتها في البلاد، مجدداً احترام أنقرة لوحدة وسيادة الأراضي السورية.
وأثارت التوجهات التركية حفيظة الشارع الثوري في عموم المناطق المحررة، وخرجت العديد من البيانات عن روابط وفعاليات وكيانات إعلامية ومدنية، تعبر فيها عن رفضها القاطع للتوجهات التركية في التصالح والتطبيع مع قاتل الشعب السوري، مؤكدين عزمهم المضي على درب الثورة ومطالبها، بالتوازي مع دعوات للتظاهر في عموم المنطقة رفضاَ لأي خيار يدعو للتصالح.
في الوقت الذي تتواصل فيه الدعوات الدولية والمحلية، لمواصلة فتح معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا لوصول المساعدات والدعم الإنساني لملايين المدنيين في إدلب، المحاصرة من ثلاث اتجاهات، تعمل "هيئة تحرير الشام" على ممارسة المزيد من التضييق على المنطقة عبر معابر مصطنعة تقطع أوصال المحرر.
ولطالما صرحت "هيئة تحرير الشام" ومسؤوليها بأنها لا تتلق أي دعم أو ترتبط بأي جهة خارج سوريا تقدم لها التمويل اللازم، مؤكدة في كل مرة أنها تعتمد على الدعم الذاتي في وقت تنامت قوتها وباتت الفصيل المتحكم الأكبر في الشمال السوري استناداً لهذه المصادر والتي تعتبر "المعابر" أحد أهم ركائزها ومواردها.
ومنذ عام 2013، بعد تمكين انتشارها في ريف إدلب، بدأت الهيئة على منافسة باقي المكونات العسكرية على "المعابر"، نستذكر الخلافات التي اصطنعتها مع "كتائب وألوية شهداء سوريا" في منطقة حارم غربي إدلب، للسيطرة على طريق تهريب المحروقات إلى تركيا آنذاك.
تطور ذلك لاحقاً لتوسيع سطوتها عبر حملات "البغي" المنظم عسكرياً، بهدف تملك الموارد والمعابر مع النظام ودول الجوار لاسيما تركيا، فكان لها السيطرة على معبر أبو دالي، ومن ثم مورك، ولاحقاً "باب الهوى" ومعابر التهريب بريف إدلب الغربي، وليس آخرها المعابر الفاصلة مع منطقة عفرين، بعد إنهاء فصائل أحرار الشام والزنكي.
وأفضت معركة "غصن الزيتون" بريف عفرين، لسيطرة فصائل الجيش الوطني على كامل المنطقة عام 2018، وطرد الميليشيات الانفصالية الكردية، لتغدو المناطق المحررة متصلة من ريف إدلب إلى شمالي حلب، لكن هذا لم يمنع أن تقوم "هيئة تحرير الشام" بتفعيل معابر داخلية تقطع أوصال المناطق المحررة، لرفد خزينتها على حساب المدنيين.
وباب ما يعرف باسم "معبر الغزاوية" الفاصل بين ريف عفرين ومناطق ريف حلب الغربي، من أكثر المعابر فرضاً للأتاوات، ومصدر دخل كبير لخزينة "هيئة تحرير الشام"، من خلال فرض الأتاوات على قوت المدنيين في المنطقة واحتياجاتهم، حتى بات سلاحاً بيد الهيئة لخنق إدلب وممارسة تسلطها على التجار وعوام المدنيين.
يعتبر "معبر الغزاوية" شريان الحياة الذي يصل إدلب مع مناطق ريف حلب الشمالي، وهو طريق تبادل تجاري نشط، إذ يعتبر الممر الوحيد لعبور المحروقات القادمة من مناطق "قسد" إلى ريف إدلب، علاوة عن أنه طريق عبور مختلف البضائع القادمة من ريف حلب الشمالي، وبالعكس، يعتبر طريق خروج شحنات البضائع والمواد التي تصدر من إدلب إلى مناطق النظام ومنها إلى دول الخارج عبر مناطق "قسد" كالتين والزيتون وباقي المنتجات.
وعملت الهيئة منذ سيطرتها على معبر "الغزاوية" على سوق تبريرات عن سبب إنشاء معبر بين منطقتين محررتين، بأنه لدواع أمنية خوفاً من تسلل عناصر داعش ولاحقاً منع التهريب لاسيما المخدرات، تبين لاحقاً أن الأتاوات التي تفرضها على المدنيين والتجار، تعتبر من أكبر الموارد الاقتصادية للهيئة خلال الأعوام الماضية.
ويشرف على إدارة المعبر ماسمي بـ "الإدارة العامة للمعابر" وتتبع مباشرة لقيادة "هيئة تحرير الشام"، ولها كادر إداري وأمني كبير ويتمتع بصلاحيات مطلقة، يعتمد عمل المعبر على فرض الأتاوات على كل مايمر على المعبر ذهاباً وإياباً، وضبط حركة العبور التجاري بشكل كامل، وصل الأمر لمنع مرور السيارات التي يزيد في خزاناتها عدد لترات الوقود عن الحد المسموح للقادمين من شمالي حلب.
يقول الناشط الإعلامي "م .ك"، إنه يقضي ساعات طويلة يومياً لدى توجهه من ريف حلب الشمالي إلى إدلب، ويرصد بشكل يومي، طوابير السيارات تمتد لأكثر من 2 كم، بسبب الإجراءات التي تتبعها إدارة المعبر، من تفتيش السيارات والعابرين، والبضائع، بدعوى الإجراءات الأمنية، لكن الواقع لتحديد نسبة الأتاوات التي ستفرضها على كل سيارة وسلعة تحملها.
وتحدث الناشط لشبكة "شام" عن مضايقات كبيرة يتعرض لها المدنيون سواء رجال أو نساء، على المعبر من قبل العناصر الأمنية، التي تتبع أساليب وصفها بـ "المخزية" في عمليات التفتيش للسيارات والعابرين، ولفت إلى شكاوى الكثير من المدنيين من سوء المعاملة التي قال إنه لمسها بنفسه لمرات عديدة.
من جهته، قال إداري يعمل في إحدى المنظمات الإنسانية شمال غرب سوريا "طلب عدم ذكر اسمه"، إن حاجز الغزاوية، يختلق الحجج لتعطيل عمل المنظمات الإنسانية وكوادرها، وفرض الأتاوات على السيارات التابعة لها، حتى لو كانت تحمل مساعدات إنسانية للمهجرين والمحتاجين، فهي تخضع للتفتيش والتدقيق والتدخل في تحركاتهم وتنقلاتهم، الأمر الذي يعيق بشكل كبير عمليات الاستجابة الإنسانية بين مناطق شمالي حلب وإدلب والتنقل بين المنطقتين بسلاسة.
لم يقف الأمر هنا، فنتيجة هيمنة الهيئة على جميع مقدرات المنطقة بإدلب من مداجن الفروج والبيض والمناطق الزراعية والمعامل والمصانع في المنطقة واحتكار دخول المواد الغذائية الرئيسية عبر تركيا، عملت خلال الأشهر الماضية على إغلاق المعبر بوجه نقل المواد الغذائية والخضراوات والبيض، وبدا واضحاً تباين الأسعار بين مناطق شمال حلب وإدلب بشكل كبير.
وتفرض "هيئة تحرير الشام" أتاوات تصل لمبالغ مالية تقدر بآلاف الدولارات على التجار، ممن يقومون بنقل منتجاتهم أهما "زيت الزيتون والتين وبعض المواد الأخرى من ألبان وأجبان، ومناشر الحجر" والتي يتم تصديرها إلى خارج سوريا ولكن عبر مناطق النظام، وتحتاج للخروج من إدلب باتجاه ريف حلب أولاً.
وخلال الشهر الفائت، برزت أزمة محروقات خانقة في إدلب، وارتفعت أسعار المحروقات محافظة إدلب وريفها شمال غربي سوريا، بنسبة كبيرة وذلك وسط انتشار الطوابير وحالات الازدحام الشديد على محطات الوقود في عموم مناطق إدلب، في ظل غلاء أسعار المحروقات وندرة وجودها لا سيّما مادتي البنزين والغاز المنزلي.
وكشفت تلك الأزمة الستار عن حجم الأتاوات التي تفرضها الهيئة على دخول المحروقات القادمة من مناطق "قسد" إلى ريف حلب لتكريرها، ومن ثم إلى إدلب، حيث تفرض "هيئة تحرير الشام" مبلغ 30 دولار على كل برميل يدخل من المعبر، ثم تقوم ببيع المحروقات عن طريق احتكار إدخال المحروقات لمنطقة إدلب عبر شركة واحدة تدعي أنها مستقلة.
وتنعكس الأتاوات التي تفرضها الهيئة سواء على التجار أو المنظمات أو أي نوع من المنتجات بشكل رئيس على المدني القابع تحت رحمة سلطة الأمر الواقع في إدلب، فمن مرارة النزوح وسوء الحال وعدم توفر فرص العمل، تزيد تلك الأتاوات والضرائب من إرهاق واستنزاف طاقة سكان المنطقة، لارتفاع الأسعار التي وصلت لمستويات قياسية تفوق قدرة النسبة الأكبر من العائلات على تحملها.
وفي تقرير له في مايو ٢٠٢٠ تحدث موقع "المونيتور" الأمريكي عن أهمية فتح معابر تجارية مع النظام في محافظة إدلب بالنسبة لـ"هيئة تحرير الشام"، نظراً للدخل المادي المرتبط بتلك المعابر، إبان مساعيها لفتح معبر قرب سراقب، وبعدها محاولة فتح معبر من معارة النعسان، يظهر أهمية الرسوم الجمركية التي يجمعها الفصيل المسيطر على المعبر".
وذكر الموقع أن "هيئة تحرير الشام" حصلت على نصيب الأسد من الرسوم الجمركية عام 2017 بعد سيطرتها على المعابر بين إدلب وحلب وحماة ولفت إلى أن الضغط العسكري لروسيا والنظام للسيطرة على طريقي "M4" و"M5" جرد "الهيئة" من إيرادات المعابر بين تلك المحافظات بما فيها معابر أبو ظهور ومورك وقلعة المضيق بريف حماة".
ووفقاً لـ"المونيتور" فإن الجماعة "الراديكالية" كانت تجني أكثر من مليوني دولار شهرياً من ستة معابر في إدلب، وكان معبر مورك مع ريف حماة الاكثر ربحاً بنحو 800 ألف دولار، حيث كانت المركبات التجارية تضطر لدفع ما يتراوح بين 300 - 500 دولار عند العبور حسب حجم الحمولة.
ولفت الموقع إلى أن أكثر المعابر دراً للأرباح، هو معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، حيث تجني 4 ملايين دولار شهرياً، وأرجع ميزانية "هيئة تحرير الشام" إلى ثلاثة مصادر أساسية بالإضافة إلى دخل المعابر، وهي الضرائب المأخوذة من أصحاب المحلات التجارية، والرسوم الجمركية التي يدفعها أصحاب المركبات عند نقاط التفتيش، ثم الأنشطة الأخرى كالاستيلاء على الممتلكات والفدية بحسب موقع "المونيتور" الأمريكي.
وتعد الاستثمارات المالية عصب أساسي في مكونات "تحرير الشام" الاقتصادية التي تتركز في مناطق السيطرة الأكبر للهيئة والأقرب للمعابر الحدودية في الشمال السوري لاسيما في سرمدا والدانا، حيث تقوم تحرير الشام وعبر شخصيات محسوبة عليها بالاستثمار في مجالات شتى أبرزها مكاتب سيارات وعقارات وإيجارات الأراضي للبناء والمطاعم والمولات والمراكز والمنتزهات والمداجن والمزارع والحوالات ومكاتب الصرافة والنقد ... إلخ.
وتعتمد "هيئة تحرير الشام" وعبر ذراعها المدني "حكومة الإنقاذ" على فرض الأتاوات والضرائب على المدنيين في المحرر على مناحي عدة مرتبطة بحياتهم ابتداء من ضرائب السيارات والدراجات النارية مرورا بالصيدليات وانتهاء بالمطاعم والمرافق الأخرى كالنظافة والكهرباء والمياه وباعتبار أن حكومة الإنقاذ ليس لديها القدرة عن الإفصاح عن مواردها المالية وأين يتم صرفها وباعتبار ان الحكومة المزعومة لاتملك بالأصل وزارة للمالية فإن أغلب الضرائب والاتاوات تذهب للمركزية الاقتصادية لتحرير الشام.
تمتلك سوريا موارد مالية كثيرة بدءً من الشواطئ السوريّة على البحر المتوسط، مروراً بالأنهار والينابيع والسدود وليس انتهاءً بالبحيرات ورغم كثرتها فإنّ وصول المياه النظيفة والصالحة للشرب إلى منازل السوريين تحول إلى حلم صعب التحقق، في ظّل تجاهل نظام الأسد الذي طالما استخدم المياه كأداة في حربه الشاملة ضد الشعب السوري، وأما شبكات الصرف الصحي تشهد أسوأ حالاتها وباتت مصدر لخطر حقيقي يلاحق السوريين ويصل إلى حد إنهاء حياتهم.
لم يكتفِ نظام الأسد بتجاهل تأهيل شبكات المياه والصرف الصحي واستخدامها كسلاح ضد السوريين بل راح يتفنن في تمزيق وتدمير كل ما يتعلق بهذه الخدمة الأساسية ومنها الموارد المائية حيث أظهرت الصور المتداولة حديثاً تحول فرع بردى مقابل المتحف الوطني بدمشق إلى مكبٍّ للنفايات ناهيك عن الرائحة التي تزكم أنوف العابرين.
وتختزل مشاهد النهر الشهير في سوريا حال قطاع المياه بمناطق نفوذ النظام فمن نجا من نيران القصف التي طالت البنى التحتية ودمرت أجزاء واسعة من محطات المياه وشبكات الصرف الصحي لم يسلم من التجاهل وبات يكتوي بالانهيار الشامل في ظل تدهور غير مسبوق تعيشه مناطق النظام على كافة النواحي لا سيّما بما يتعلق بالخدمات الأساسية.
وقال مصدر إعلامي مطلع من مدينة دمشق في حديثه لشبكة "شام" الإخبارية إن مياه الشرب في العاصمة رغم أنها ضرورية للسكان إلّا أن الحصول عليها ليس بالأمر السهل، وسط انقطاع مستمر وطويل للمياه واعتماد تقنين شبيه بخدمة الكهرباء الغائبة، ما يزيد كلفة الحصول على المياه النظيفة.
ولفت إلى أن هناك تفاوت في ساعات وصل المياه بين العاصمة والغوطة الشرقية وعموم أرياف دمشق، وتعد الخدمة غائبة بشكل شبه كامل في أحياء ومناطق واسعة من دمشق مثل القابون والحجر الأسود وجوبر ومناطق شرقي العاصمة، نتيجة عمليات القصف السابقة من قبل نظام الأسد وحلفائه، فيما يتجاهل صيانة وتأهيل محطات المياه بشكل كامل.
ويرى المصدر ذاته أن اللجوء إلى المياه المعدنية حلاً مناسباً لولا كلفته الكبيرة والتي تُصنف خارج القدرة الشرائية للمواطنين، وقبل أشهر قليلة أصدرت الشركة العامة لتعبئة المياه نشرة أسعار جديدة لمنتجاتها، حيث بلغ سعر الجعبة عدد 6 عبوات قياس 1,5 ليتر 6,300 ليرة والعبوة الواحدة 1,050 ليرة سورية.
وبلغ سعر الجعبة عدد 12 عبوة قياس 0,5 ليتر للمستهلك 7,200 ليرة، والعبوة الواحدة 600 ليرة، والعبوة قياس 5 ليتر 3,100 ليرة، وقياس 18,9 ليتر 3,000 ليرة وأما سعر كاسة 250 مل 400 ليرة سورية، وبرر النظام ذلك بزيادة التكاليف وأسعار المواد الأولية.
تحولت شبكات الصرف الصحي المتهالكة إلى مصدر قلق وخوف للسكان في سوريا حيث تساهم في انتشار الأمراض والأوبئة لا سيّما تلك التي تكون مكشوفة بدون أي عمليات إصلاح وصيانة مع انعدام شبه كامل لخدمات تأهيل شبكات الصرف الصحي في عموم مناطق النظام، مع وجود مؤشرات على تعمد هذه التجاهل.
ومع تصاعد حصائل "الكوليرا"، لم يحرك نظام الأسد ساكناً فيما يتعلق بمكافحة أسباب تفشي الوباء، إذ لم تشهد شبكات الصرف أي عمليات صيانة، بل على العكس تزايدت حالة التجاهل التي ظهرت نتائجها في أول امتحان في العام 2022 حيث غمرت مياه الأمطار شوارع كاملة في عدة محافظات، في ظل فشل تصريف هذه المياه عبر الشبكات المخصصة.
وتفاقمت مشكلات الصرف الصحي في مناطق سيطرة النظام خلال الفترة الماضية ووصل ضررها لمنازل المواطنين والبنى التحتية دون معالجة جذرية واشتكى مواطنين من وجود بؤرة للصرف الصحي في كتلة سكنية تضم 4 مبانٍ في حي كفرسوسة بدمشق.
وذكروا أن مشكلة الصرف بالمنطقة تشمل 50 منزلاً، وعشرات المحال التجارية وتكلفة الإصلاح تتجاوز60 مليون ليرة سورية وهناك مخاطر كبيرة من تجمع مياه الصرف، وتأثير قد يلحق الضرر بدعائم الأبنية وأصبح المكان بؤرة للقوارض والحشرات.
تسبب تراجع الخدمة بتعريض حياة السكان لخطر الموت، وفي أحدث آثار تردي وضع شبكات الصرف خلال الفترة الماضية، حادثة وفاة فتاة سقطت في أحد فوهات الصرف الصحي باللاذقية، كما توفيت طفلة نتيجة سقوطها في حفرة للصرف قرب منزلها بحمص، وسط تحذيرات من وجود عشرات الحفر وفوهات الصرف المكشوفة.
في حين انبرى نظام الأسد للظهور في مظهر مزيف وكأنه قلق على حياة السوريين حيث أصدر قرارات هلامية تنص على عزل عدد من مسؤولي اللاذقية وكل ذلك فقط للتنصل من مسؤوليته في إصلاح شبكات الصرف الصحي، وتبرير حالات الإهمال التي تعرض حياة السكان للخطر، بينما تتزايد حالات التلوث والتسمم وتفشي الأمراض نتيجة تلوث المياه بفعل تداخلها مع شبكات الصرف الصحي.
قدرت وزارة الإدارة المحلية والبيئة في حكومة نظام الأسد عبر تصريحات رسمية مطلّع العام 2022، بأنّ سوريا تتعرض لأسوأ موجة جفاف منذ 70 عاماً نتيجة انحباس الأمطار فيما يرافق ذلك تداعيات كبيرة مع تراجع الموارد المائية في معظم المناطق السوريّة، دون اتخاذ التدابير والإجراءات الوقائية لتفاقم آثار الجفاف والتغيرات البيئية الحاصلة.
وانعكست ظاهرة الجفاف على واقع توفر المياه بشكل كبير، ورافق ذلك حالة جفاف طالت سدود مثل "سد الدويسات" بمنطقة دركوش بالمناطق المحررة شمال غربي سوريا، وأفاد مسؤول محلي ومزارعون بأن جفاف السد يأتي المرة الأولى منذ بنائه قبل نحو ثلاثة عقود، وتتعدد حالات جفاف السدود وحتى البحيرات في عموم سوريا، مثل بحيرة المزيريب بدرعا جنوب البلاد.
كما انخفض منسوب المياه بعدد من الأنهار مثل الفرات والخابور وغيرها، نتيجة عدة عوامل أبرزها الجفاف، وتشير تقديرات بأن أكثر من 5 ملايين شخص يعتمدون بشكل مباشر على مياه نهر الفرات في سوريا، وخلال العام الحالي نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" تحقيقاً حول الجفاف تركز على دمشق والقامشلي وإدلب ودرعا، وأوضح تفاقم حالات العطش وجفاف السدود والبحيرات وندرة الأمطار، وما يتبع ذلك من تداعيات كبيرة على كافة مناحي الحياة ومختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية.
حالات سرقة يومية تطال أغطية "ريكارات" الصرف الصحي بدمشق، بما فيها فك القاعدة بالكامل وبيعها وسط تقديرات بأن الريكار يكلف نصف مليون ليرة سورية، وسبق فقدان ما لا يقل عن 300 غطاء معدني مخصصة للصرف بحماة مع تزايد الأضرار الناتجة عن عمليات سرقة منظمة ما يشير إلى ضلوع مسؤولين في النظام فيها.
ويتهم نظام الأسد من يصفهم ضعاف النفوس بسرقة أغطية "ريكارات" الصرف، مع تجاهل الصيانة وتعزيز المراقبة على مرافق الصرف الصحي والمطري، وما ينتج عنه من أخطار محدقة للمارة ناهيك عن أن بقاء الريكارات مفتوحة تتسبب بانسداد الشبكة نتيجة لدخول مواد متنوعة إلى الشبكة، وسط تقديرات بأن الخسائر المباشرة لهذه السرقات يتجاوز مئات الملايين من الليرات السوريّة.
وتفرض ورشات الشركة العامة للصرف الصحي بمناطق النظام مبالغ مالية كبيرة مقابل إجراء أي صيانة حيث يتكبد المواطن تكلفة مالية تصل إلى 30 ألف ليرة سورية، مقابل إعادة فتح مجاري الصرف الصحي، وتزايد حالات الابتزاز مقابل هذه الخدمة حتى في حالات تتطلب إغلاق فوهات الصرف فقط، ووفق مصادر خاصة فإن الشركة التابعة للنظام تطلب من السكان جمع مبلغ حوالي نصف مليون ليرة مقابل إعادة تركيب الغطاء الواحد للصرف الصحي.
تعاني مناطق المخيمات في الشمال السوري من انعدام وجود شبكات للصرف الصحي بشكل آمن حيث تقع معظم مصباتها على مسافة لا تتجاوز 2 كيلو متر عن التجمعات السكنية والمخيمات في أحسن الأحوال، وأحياناً تكون متاخمة للمساكن وسط تحذيرات متصاعدة من كوارث متوقعة مع تزايد الحاجة إلى حل جذري مع تحذيرات حول انتشار الأمراض الجلدية والمعوية.
ويضاف إلى ذلك تزايد حالات انقطاع المياه في عدة مناطق شمال غرب سوريا منها انقطاع دائم بسبب توقف الدعم، وتلوث مياه الشرب وغلاء ويسجل متوسط سعر الخزان من المياه غير المخصصة للشرب ( 5 برميل 35 ليرة تركية)، وخلصت دراسة أعدتها وحدة تنسيق الدعم لتقييم واقع الصرف الصحي إلى أن الشبكات تحتاج إلى صيانة وإعادة تقييم شاملة، ويذكر أن العمليات العسكرية التي شنها نظام الأسد طيلة الأعوام الماضية أسفرت عن ضرر بالغ لحق بمعظم البنى التحتية في عموم سوريا.
قال مصدر محلي في شمال وشرق سوريا طلب عدم الكشف عن هويته إن بالنسبة لقطاع المياه والصرف الصحي فإنّ عدة مناطق في محافظة الرقة تعد مغطاة بشكل جيد، وقدر أن تكلفة فاتورة استهلاك المياه تتراوح بين 10-15 ألف ليرة سورية، مع انقطاع المياه لمدة لا تزيد عن 3 ساعات في بعض الأحيان.
وأرجع وجود هذا "المستوى المقبول" -وفق تعبيره- إلى تدخل المنظمات الإنسانية، فيما تنقسم دير الزور والحسكة إلى عدة مناطق كثيرة منها تعاني من تراجع كبير في تأمين المياه النظيفة وتهالك الصرف الصحي لا سيّما في هجين وصولاً لبلدة الباعوز بريف ديرالزور.
وأشار المصدر في حديثه لـ "شام" إلى أن "نهر الفرات" أبرز الموارد المائية المتاحة للأهالي، ويتم استجرار المياه عن طريق صهاريج المياه يمكن استخدامها للاستحمام والتنظيف، يتراوح السعر بين 15 إلى 18 ألف ليرة سورية، ومياه الشرب عن طريق محطات فلترة مخصصة ويبلغ سعر الخزان سعة 100 ليتر بسعر 8,000 ليرة سورية.
تشكل المياه أحد أهم مقومات استمرارية الحياة والمورد الأكثر تأثيراً في حياة السكان في جميع مناطق سوريا، إلا أنه ومنذ بداية عام 2011 بدأت تبرز قضية المياه كإحدى أهم التحديات المرتبطة بالمعاناة الإنسانية للمدنيين، ونشر مركز عمران للدراسات على جزئين، دراسة تحليلية تبرز قضية المياه كإحدى أهم جوانب المعاناة الإنسانية للسكان المدنيين في خضم الثورة السورية، بالمقابل تغيب الإحصائيات التي تقدر خسائر القطاع بشكل دقيق.
وتواترت التقارير التي تؤشر للواقع المائي المتردي في سوريا ومستقبل مواردها المائية المهددة، لا سيّما بعد التدمير الممنهج للبنية التحتية ووفقاً للمعطيات التي حملتها هذه التقارير تضاءلت قدرة السكان في الحفاظ على النفاذ المستدام إلى كميات كافية من المياه بجودة مقبولة، وازدادت معدلات التلوث بشكل كبير، رافعة بذلك حالة الفقر المائي لدى الأفراد بسبب استمرار التناقص في حصة الفرد من الموارد المتاحة، ومنذرة بأزمة مائية ستشكل تهديداً فعلياً للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في ظل تفاقم الظروف المعيشية وارتفاع أسعار مياه الشرب في سوريا.
يرتبط قطاع الاتصالات في سوريا بالاحتكار والفساد، إذ خضع لسنوات طويلة لعملية سيطرة ممنهجة بإشراف نظام الأسد، وحاول الأخير طيلة تلك السنوات الترّويج الكاذب لمسيرة التطوير والتحديث حول قطاع الاتصالات والتقانة إلّا أن تسليط الضوء على واقع هذه الخدمة وما آلت إليه، ينسف رواية النظام بالكامل، وتكشف المعلومات المتعلقة بالقطاع زيف الادعاءات وحقيقة عودة الخدمة المهمة وجودتها في عموم سوريا.
شهد العام الحالي 2022 تراجعاً كبيراً في خدمة الإنترنت والاتصالات بشكل عام وسجلت الخدمة تدني إلى مستويات قياسية، ويرجع ذلك إلى تردي خدمات أخرى مثل الكهرباء وحوامل الطاقة عموماً، وللوقوف على واقع هذا القطاع تواصلت شبكة "شام" الإخبارية مع عدد من مستخدمي الاتصالات في دمشق وحلب وحمص، للاطلاع على واقع الخدمة وتكلفتها ومدى جودة الشبكات المعتمدة في الاتصالات المحلية.
وأفاد أحد مستخدمي شبكة الاتصالات المحلية بأنّ الخدمة رغم أنها ضرورية إلا أنها غائبة بشكل ملحوظ وقد يتكبد المواطن عناء الانتظار لساعات لإجراء مكالمة هاتفية ستكون حتماً بصوت متقطع بسبب تردي خدمة الاتصالات المحلية، وفي حال اللجوء إلى الإنترنت لن يكون الواقع أفضل.
وأكد انقطاع شبكة الإنترنت "السيرف" خلال مدة انقطاع التيار الكهربائي، ورغم اللجوء إلى خط هاتف أرضي بهدف الولوج إلى بوابة إنترنت تكون جودتها رديئة جداً، بينما أصبح سعر الدقيقة الخليوية للخطوط مسبقة الدفع 27 ليرة سورية بينما سعر الدقيقة الخليوية للخطوط لاحقة الدفع 23 ليرة سورية.
ويربط مستخدمي الاتصالات في مناطق سيطرة النظام بين انقطاع التغطية الخلوية والإنترنت والهواتف الأرضية وبين غياب الكهرباء، حيث أكد عدد منهم بأن الأبراج الموزعة للخدمة تتوقف بالكامل عن العمل خلال فترة التقنين الكهربائي، وبذلك تغيب الخدمة نهائياً عن مناطق واسعة لحين عودة الكهرباء التي تشهد أسوأ حالاتها وسط تجاهل النظام لتأمين بدائل لتشغيل هذه الأبراج.
ويذكر أن مزودات خدمة الإنترنت والاتصالات محصورة حالياً بين شركتي "إم تي ان وسيريتل"، مع انتظار دخول المشغل الثالث "وفا تيليكوم" إلى الخدمة بشكل فعلي، وتحقق هذه الشركات رغم تردي الخدمة أموال طائلة وإيرادات ضخمة.
يفرض نظام الأسد مبالغ مالية فلكية مقابل تشغيل الهاتف على الشبكة السورية، "جمركة" وتصل في بعض الأحيان إلى مليون ليرة سورية تحت طائلة العقوبة والملاحقة في حال قيام المستخدم بجمركة الهاتف بطريقة غير رسمية، وفضلاً عن غياب الخدمة تتصاعد تكلفة الاتصالات في سوريا، حيث رفع النظام أسعار الإنترنت والاتصالات بشكل متكرر كان آخرها قبل نحو 4 أشهر بنسبة 50 بالمئة.
وتحدد وزارة الاتصالات التابعة للنظام أسعار جديدة للاتصالات منذ حزيران الماضي إذ بلغ سعر 1 ميغا بحجم استهلاك شهري 50 غيغا 4500 ليرة شهرياً، و24 ميغا بحجم استهلاك شهري 275 غيغا بسعر 40 ألف ليرة ضمن باقات الـ ADSL تراسل.
وأما أجور الاتصالات والخدمات عبر الهاتف الأرضي، أجر الاشتراك الشهري 1000 ليرة سورية، وأجرة الدقيقة القطرية من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساء 4 ليرات، وأجرة الدقيقة القطرية من الخامسة مساء حتى التاسعة صباحا 2 ليرة، وأجرة الدقيقة المحلية 1.5 ليرة سورية لكل 3 دقائق.
ويبلغ سعر الدقيقة الخلوية للخطوط مسبقة الدفع 27 ليرة، والدقيقة الخلوية للخطوط لاحقة الدفع 23 ليرة، وسعر الميغابايت خارج الباقات 17 ليرة، وسط تضاعف سعر الاتصالات الدولية التي تصل إلى 2500 ليرة سورية مقابل الدقيقة الواحدة.
ولا يكتفي نظام الأسد بمضاعفة الفواتير وأجور الاتصالات بل يمارس هوايته بالنهب والتعفيش، حيث أكد عدد من سكان مناطق سيطرة النظام، ضلوع شبكات الاتصال الخليوية بعمليات سرقة تشمل الرصيد والباقات وحتى العروض المقدمة من قبل الشركات.
وأكدت مصادر خاصة بأن هذه السرقات ليست حالات فردية بل تعد ظاهرة منتشرة على نطاق واسع وتكررت من نفس المستخدم عدة مرات، وخرج بعض هذه الحالات على وسائل الإعلام ويبرر نظام الأسد حالات اقتطاع الرصيد من المشتركين بأنها نتيجة أعطال طارئة.
ومن سرقة الرصيد إلى تعفيش الكابلات المغذية لشبكات الاتصالات حيث تتزايد حوادث سرقة ما ينعكس بشكل كبير على الخدمة وسط خروج آلاف المشتركين عن الخدمة بشكل كامل، وسط تأخر الصيانة وتأمين الكابلات على حساب المواطنين.
ويحظر نظام الأسد استخدام أجهزة البث الفضائي وعمدت مخابراته على ملاحقة كافة ما يتعلق بالاتصالات خارج نطاق الشركات المرخصة الخاضعة لرقابة صارمة، كما يعرف أن سوريا في كنف نظام الأسد عانت كثيرا من حجب مواقع التواصل رغم تشدق رأس النظام عدة مرات حول ضرورة الانفتاح وتطور قطاع الاتصالات والخدمات التقنية.
يعمد نظام الأسد على تسويغ مبررات لكافة الخدمات الغائبة، إلا أنه يتفنن في تبرير تردي خدمة الاتصالات، حيث يعزو وزير الاتصالات والتقانة "إياد الخطيب"، تردي وضع الشبكات الخليوية والإنترنت إلى تراجع إنتاج الكهرباء، وزعم بأنه إذا تمت مقارنة أجور الإنترنت في سوريا مع الدول المجاورة، فإن الأسعار في سوريا هي الأقل.
ويعتبر مسؤولي النظام بأن تراجع الخدمة يعود إلى عوائق تقنية وتغيير سلوك المستخدمين وتزايد احتياجاتهم التقنية، ويدعي نظام الأسد بأن الاتصالات تأثرت بالعقوبات الدولية حيث تتعامل شركة الاتصالات مع موردين خارجيين، وترجع وزارة الاتصالات لدى نظام الأسد البطء الحاصل في شبكة الإنترنت مشكلة عالمية وليست محلية.
ولا تنتهي التبريرات والذرائع المتناقضة في كثير من الأحيان عند هذا الحد بل يبرر نظام الأسد رفع أجور الاتصالات لضمان استمرار عمل شركات الاتصالات وخدماتها بما يتناسب مع الظروف الحالية الناتجة عن "قانون قيصر وارتفاع سعر الصرف"، واعتاد السكان في مناطق سيطرة النظام على سماع مثل هذه التبريرات الكاذبة كما يطالب بعضهم متهكما بعودة حجة سمك القرش الذي كان الشماعة الوحيدة التي يعلق عليها تبرير ضعف الاتصالات في سوريا.
مرت خدمة الاتصالات في مناطق شمال غربي سوريا بعدة مراحل مفصلية وشهدت قفزات نوعية من حيث الجودة وباتت تتمتع مناطق واسعة بالاتصالات وسط انتشار شبكات "WIFI"، والخطوط التركية وغيرها إلا أن ذلك لم يمنع تغلغل حالات الاحتكار وسوء إدارة القطاع في مناطق إدلب وأرياف حلب الشرقي والشمالي، مع وجود عوائق تقنية ومادية يصعب على شرائح عدة على تجاوزها.
بالمقابل ذكرت مصادر خاصة لشبكة "شام" أن السكان في شمال وشرق سوريا، يعتمدون على شبكات الاتصال المحلية وسط شكاوى من تردي خدمات الاتصالات والإنترنت في المنطقة كما يوجد مناطق عدة خارج التغطية الخلوية والإنترنت بشكل كامل.
وقال مصدر إعلامي طلب عدم الكشف عن هويته، إن شبكة الاتصالات المعتمدة في المنطقة من حيث الجودة هي "RCell"، التابعة للإدارة الذاتية وتتفوق على شبكتي ام تي ان وسيريتل التي تقتصر على الاتصالات الخلوية فقط، ولا يمكن الاعتماد عليها في تأمين الإنترنت.
ويأتي ذلك وسط انتشار لشبكات الاتصالات المحلية، وتعد تكلفتها كبيرة إذ يبلغ سعر مستقبل وموزع الخدمة "الراوتر" 80 دولار أمريكي، يُضاف لها إشراك شهري 25 ألف ليرة سورية، وهو بجودة متدنية جداً، وفي بعض الأحيان لا يصلح حتى للتراسل عبر تطبيق الواتساب.
وتعتمد عدة مناطق حدودية على شبكات الاتصال العراقية، وتصل التغطية العراقية إلى مناطق مثل "الباغوز والسوسة"، ويعد بديل مناسب من حيث الجودة إذ يتوفر خدمة "4جي"، إلا أن التكلفة تعد خارج القدرة الشرائية للمواطنين.
كما يعتمد جنوب سوريا في درعا والسويداء على شبكة الاتصالات الأردنية في التواصل، حيث تغطي الشبكة مناطق واسعة من المنطقة، خاصة أن الأردن يحتضن مئات الألاف من اللاجئين السوريين معظمهم من محافظة درعا، حيث يسهل ذلك التواصل مع أقاربهم في الأردن والعكس.
يطرح نظام الأسد منذ سنوات ما يطلق عليها رؤية 2030 التي تنص على تحويل سوريا إلى بلد رقمي، ومن غير المنطقي الحديث في هذا السياق ضمن بلد لا تتوفر فيه أدنى متطلبات تشغيل مستلزمات قطاع الاتصالات، ويزعم وزير الاتصالات بأن الحكومة حالياً في طور تعزيز ثقافة التحول الرقمي لدى المواطنين والانتقال إلى الخدمات الإلكترونية من خلال مركز خدمة المواطن الإلكتروني.
ويمكن أن تصنف هذه المزاعم بأنها كذبة الموسم في ظل تدهور قطاع الاتصالات على نحو غير مسبوق، بالمقابل يدعي نظام الأسد إلزام مشغلي الاتصالات الخلوية بتحسين خدماتهم من خلال الاعتماد على الطاقة الشمسية وتغيير نوعية البطاريات المستخدمة وتخفيض زمن استبدالها، رغم عدم حصول هذه الشركات على دعم من الميزانية العامة للدولة، وفق تعبيره.
يتباهى نظام الأسد بتحصيل المليارات عبر الإيرادات المالية المحققة عبر قطاع الاتصالات، إلا أنه يتجاهل تطوير الخدمة والشركات العاملة في القطاع الذي طالما كان مسرحا للصراع والهيمنة على موارد مالية ضخمة، وفي 2019 بلغت قيمة أضرار قطاع الاتصالات في سوريا نحو 500 مليار ليرة سورية، وفق حصائل رسمية غابت كما حال الخدمة خلال السنوات الماضية.
ويقدر بأن عدد مشتركي خدمات الإنترنت في سوريا بنحو مليون و600 ألف مشترك، ويذكر أن نسبة كبيرة من المشتركين بالأساس يكون الاشتراك لديهم بأقل سرعة وهي 512 كيلوبايت، وسط تجاهل النظام لهذه الخدمة التي تعاني من تراجع كبير وفي ظل ساعات انقطاع الكهرباء الطويلة تفرغ البطاريات الخاصة بالأبراج دون وجود أي بدائل توفر حلول جذرية.
حاملاً تاريخاً مثقلاً بالانتهاكات و"البغي" على الثورة السورية ومكوناتها، يحاول "أبو محمد الجولاني" قائد النسخة الثالثة من مشروعه ممثلاً بـ "هيئة تحرير الشام" تقديم نفسه على أنه حامل لواء الثورة والحريص عليها، متبنياً خطاباً مغايراً تماماً لما بدأ فيه مسيرته "الجهادية"، منقلباً على كل مبادئه ومعتبراً مشروعه هو "مشروع الثورة الوحيد" الذي يجب أن يفرضه على الجميع بقوة السلاح.
ولعل المراقب لسلسة التحولات التي يجريها قائد "هيئة تحرير الشام"، يصعب عليه الموازنة بين الماضي والحاضر، مع حجم الهالة الإعلامية التي تسعى لترويج أفكار "الجولاني" الجديدة وتوجهاته، وعملية اصباغ مصلحة "الثورة والساحة" على أفعالهم وسياساتهم، وعلى الجميع بالمقابل تقبل الأمر دون النظر للتاريخ الأسود الحافل بالانقلابات والتحولات حتى على رفقاء "البغي".
فمن عايش "الجولاني" إبان حملات تدمير فصائل الثورة واحدة تلو الأخرى، عليه اليوم أن يقبل أن المشروع الذي يحمله ويتخذ من حكمه الانفرادي الإقصائي في "إدلب" نموذجاً، هو المشروع الثوري الوحيد المستمر، وأن هذا المشروع - القائم على "البغي" - سيحمل الثورة لمبتغاها ويحقق مطالبها، وعلى الجميع تقبله بل والمساهمة في تمكينه.
وفي هذا السياق، أكد الكاتب والباحث السوري "أحمد أبازيد"، أن مشروع "هيئة تحرير الشام" ليس مشروعاً ثورياً، لأنه لم يؤسس انطلاقاً من الثورة السورية، وإنما بدايته كانت امتداد لدولة العراق والشام الإسلامية، بقيادة "أبو بكر البغدادي"، الذي أرسل "الجولاني" إلى سوريا وأسس "جبهة النصرة" التي أصبحت تابعة لتنظيم القاعدة.
وأوضح "أبازيد" في حديث لشبكة "شام" أن التنظيم الذي أسسه "الجولاني" لم يكن في أي يوم يعتبر نفسه جزءً من الثورة السورية بل كان طيلة السنوات التي سبقت تحولات "الجولاني" الأخيرة يعتبر نفسه طرف يحمل مشروع جهادي وإخوة منهج مقابل لمشروع الثورة والجيش الحر.
وبين الباحث أن مشروع "الجولاني" طيلة سنوات كان في حالة حرب مفتوحة، ضد الثورة كفصائل جيش حر حتى كرموز منها "الحرب على علم الثورة ومسمى الثورة"، وشيطنة كل ما يرتبط بالثورة، إضافة لمحاولة هدم كل المشاريع التي تنتجها، والحرب على النشطاء المدنيين واغتيالهم منهم "رائد الفارس وحمود جنيد" وغيرهم، وفق تعبيره.
وقال الباحث السوري إن مشروع "الجولاني" هو مشروع "معارض ومعاد لمشروع الثورة السورية"، وكان جزء من المشاريع الجهادية التي بنت شرعيتها لكونها معارضة لمشروع الثورة وتعتبره مشروع "قطري وعلماني ووطني" وهي تعتبر مشروعها "جهادي وإسلامي لتحكيم الشريعة".
وأوضح "أبازيد" أنه منذ تأسيس "هيئة تحرير الشام"، بات "الجولاني" في سياسية مختلفة، في محاولة إثبات كونه ينتمي إلى سوريا والثورة السورية، وإثبات الاعتدال والانفصال عن تنظيم القاعدة والتاريخ الجهادي القديم.
واعتبر في حديثه لشبكة "شام" أن هذه المحاولة تؤكد أن الماضي لـ "الجولاني" والذي كان ماض براغماتياً لم يكن عقائدي يتبنى عقيدة صارمة إنما "شخصية براغماتية انتهازية" تتبنى في كل مرحلة المبادئ التي تتيح له البقاء في السلطة، سواء حين كان في دولة العراق الإسلامية ثم جبهة النصرة وتنظيم القاعدة.
ولفت الباحث إلى أن "الجولاني" حاول التحالف مع فصائل إسلامية محلية ثم أصبح "هيئة تحرير الشام" لإثبات أنه فصيل لايمتلك أي عمق لتحكيم الشريعة ومنقطع عن السلفية الجهادية وبات يروج نفسه على أنه يحارب السلفية الجهادية ويقوم بلجم وتحجيم واعتقال المقاتلين الأجانب أو المهاجرين.
وختم "أبازيد" بالإشارة إلى أن التحولات الأخيرة لا يمكن أن الهيئة تحولت لمشروع وطني وثوري وإنما محاولة ركوب الشرعية الثورية والوطنية التي لم يتمكن من هزيمتها سابقاً والتترس بها، للوصول كونه سلطة معترف بها خارجيا بعد أن تخلى عن ماضيه الجهادي القديم.
بدوره، قال الكاتب والصحفي السوري "عقيل حسين" إنه رغم كل محاولات "هيئة تحرير الشام" الإعلامية والدعائية التي ركزت على الخطاب الثوري او على الأقل الدمج بين الخطاب الثوري وأدبيات السلفية المجددة خلال السنوات الأخيرة، إلا أنها لم تستطع أن تكون مقنعة بسبب سقوطها المتكرر في اختبارات غير مجدولة يكون صناعها وأبطالها قادة وعناصر في التنظيم الذين يظهروا ليرددوا أقوالاً أو يقوموا بأفعال تؤكد أنه ليس هناك أي تغيير جوهري في الفكر الذي تتبناه الهيئة.
وأكد "حسين" في حديث لشبكة "شام" أن التغيير ليس جوهرياً وليس عاماً، مضيفاً: "لذلك لا يمكننا اعتبار أن مشروع الهيئة هو جزء من مشروع الثورة السورية بالطبع، وإن كان يتقاطع معه في الموقف من النظام حيث تتبنى تحرير الشام هدف إسقاط هذا النظام، أو الموقف من تنظيم داعش حيث يتقاطع الجانبين في اعتبار التنظيم عدواً، بالإضافة لتقاطعات أخرى لكنها تقاطعات مصلحية وليس مبادئ، بمعنى أن الثورة والهيئة يريد كل منهما إسقاط النظام والتخلص من داعش على سبيل المثال لكن لكل منهما أسبابه وأهدافه".
وحول إمكانية الوثوق بمشروع "هيئة تحرير الشام"، اعتبر الصحفي السوري أن "هذا يتوقف أيضاً على الزاوية التي ينطلق منها السؤال، فإذا كانت الزاوية ثورية فبالطبع الإجابة لا، إذ لا يمكن مهما أظهرت الهيئة من تحولات ومراجعات الثقة بأنها تؤمن بحرية الرأي والفكر وغير ذلك".
أما إذا كنا نسأل من زاوية تماسك هذا المشروع وقدرته على النجاح والاستمرار كمشروع حكم وسلطة فهذا ممكن ويتوقف على طبيعة الموقف الاقليمي والدولي من الهيئة ومن القضية السورية ومستقبل الحل بشكل عام، برأي الصحفي "عقيل حسين".
واعتبر قيادي عسكري سابق برتبة ضابط في "الجيش السوري الحر" أن الإعلان عن اتفاق "خفض التصعيد" شمال غرب سوريا، أعطى لـ "الجولاني" فرصة ذهبية للتفرغ لتملك المناطق المحررة، والتغني بإنجازات حكومته "الإنقاذ" التي أسسها لإدارة المنطقة، مع وعود الإعداد لمرحلة التحرير، مستغلاً آمال المدنيين وحلمهم في العودة لمناطقهم التي هجروا منها.
وأكد القيادي (الذي فضل عدم ذكر اسمه) في حديث لشبكة "شام" أن الإعلام الرسمي والرديف للهيئة والحكومة التابعة لها، لعب دوراً بارزاً في عملية تسويق "الجولاني" وحاشيته بوجههم الآخر، لتغدوا منابرهم مخصصة لتغطية زيارات القائد وإنجازاته، ولقاءاته مع الأهالي في المخيمات تارة وفي إدارات المناطق التابعة لهم أو بنشطاء إعلاميين، وصل لزيارة الطوائف الأخرى في إدلب والتي نالت نصيباً وافراً من الانتهاكات على يد عناصر "الجولاني" سابقاً.
وأوضح أنه مع تنامي التمجيد بتلك الانجازات على المستوى الأمني والعسكري والمدني والإداري في "دولة إدلب"، باتت عملية التسويق تتوسع، لتبدأ مرحلة تمكين المشروع في الهيمنة على كامل المناطق المحررة، مستثمراً ما أنتجته قبضته الأمنية بإدلب، من ترهيب وكم للأفواه وهيمنة على كل شيء يمكن أن يجني مورداً لهم، وبدء انتقاد الوضع المفكك شمالي حلب على كافة المستويات.
ولفتت القيادي إلى أن النزعة في التوسع، لم يكن هدفها استعادة مناطق سيطر عليها النظام، وإعادة إحيائها بعودة أهلها وعودة المرافق الخدمية لها، بل كانت تستهدف الوجهة الأخرى من المحرر، في مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، خلافاً لتصريحات "الجولاني" التي تحدث فيها عن الإعداد والتجهيز للمعسكرات والأسلحة لبدء التحرير، غايته تمكين مشروعه ومنع ولادة أي مشاريع منافسة.
واعتبر القيادي أن "هيئة تحرير الشام" وقبلها "جبهة النصرة"، عملت على شيطنة فصائل "الجيش السوري الحر" ومكونات الثورة الأخرى، بذرائع أطلقها من توأمه "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وبعدها من تنظيم الأم القاعدة، ولم يخفها أو اقتصرت على لسان شرعييه، بل بلسان "الجولاني" بأنها مشاريع صحوات وردة وعمالة لدول إقليمية وغربية، بات لاحقاً يطلب ودها ورضاها، ويقدم في سبيل ذلك القرابين والأعطيات من الدماء المعصوم، في سياق تبييض تاريخه الأسود الملطخ بالدماء.
وأكد القيادي أن سلسلة الغزوات الداخلية التي خاضها "الجولاني" ضد فصائل الثورة، والتي أخذت حججاً ومزاعم عدة، تجتمع تحت هدف واحد هو "ضرب المنافس" من أي مشروع صاعد قد يؤثر على مشروع "الجولاني" وفصيله، منها ضرب مكونات "الجيش السوري الحر" ولاحقاً "حركة أحرار الشام" وغيرها من المكونات التي أنهاها الجولاني وصولاً لآخر حملة "بغي" شمالي حلب.
ووفق القيادي، فإن عجز الحكومة السورية المؤقتة، والتي تكاد تكون معطلة وخصوصاً بوزارتي الدفاع والإدارة المحلية، واقتصار نشاطها على بعض الزيارات وحضور بعض الاستعراضات العسكرية، وزيارة لبعض الجبهات، والكثير من القرارات الورقية، وكونها طرفاً في الصراع بين مكونات الوطني، بالتوازي مع تمكين "الإنقاذ" بإدلب بقوة الهيئة، أعطى فرصة كبيرة لأزلام "الجولاني"، للتواصل مع قيادات الشمال بدعوى تعويم مشروع إدلب، كمثال على ضبط الحياة المدنية.
وقال القيادي في حديثه لشبكة "شام" إن "الجبهة الشامية" أدركت بضرورة الاستعجال بإقامة مشروع جامع تشاركي مع جميع مكونات شمال حلب، فعمدت لإطلاق مشروعها والذي أعلن بدايته بانطلاق "غرفة عمليات عزم"، بالتشارك مع مكونات من "الجيش الوطني السوري"، الأخرى، ليكون نواة إدارة حقيقية في الشمال، قطعاً على محاولات تعويم إدارة الهيئة بإدلب.
وأوضح أنه ما إن تم الإعلان عن "عزم" وتبيان أولى خطواتها بتحسين وإصلاح مكوناتها، معتمدة بذلك على واقع سيئ تريد تصحيحه، إذ تفاجئ القائمون على "عزم" بالهجوم المنظم والمبيت عليهم من "هيئة تحرير الشام" وإعلامها الرسمي والرديف، مدركة بذلك أن هذا المشروع إن كتب له النجاح، سيوقف حلم "الجولاني" بالتوسع، وبالتالي سيحرمهم موارد اقتصادية جديدة من معابر وغيرها، كما أن نجاح مشروع "عزم" من شأنه أن يقوي موقفها الإقليمي ويعزز نفوذها في المنطقة.
وأشار القيادي إلى أن تدخل "الجولاني" عسكرياً شمالي حلب، بغض النظر عن الحجج التي ساقها، كانت بداية التحرك الفعلي لوأد "عزم ومشروعها"، ضمن سلسلة تحالفات بين "الهيئة" وفصائل أخرى ظهرت جلياً في الحملة العسكرية الثانية ودخول عفرين عسكرياً والتوسع لشمالي حلب، بتواطؤ من قوى أخرى سواء في الدخول في الصراع أو التزام الحياد ومراقبة تمدد "الجولاني" لإنهاء مشروع "عزم" الذي تعتبره في غير صالحها نجاحه.
وخلص القيادي، إلى أن مشروع "الهيئة أو الجولاني" لم ولن يكون ثورياً، أو يمثل الحراك الثوري، مهما حاول إظهار قربه للحراك وتبنيه بالهيمنة والمراوغة والالتفاف على الفعاليات التي تقبل التعامل معهم كسلطة أمر واقع، مشيداً بالوعي الجماهيري لأبناء الثورة، الذين عاشوا ويعيشون التبدلات في المواقف وعدم الثبات على مبدأ، رافضين رهن سنوات من الكفاح والنضال بيد أي مكون يحمل مشروعاً مناقضاً لمشروع الثورة، قد ينقلب على مبادئه في أي وقت ويتغير.
يرزح القطاع الصحي في سوريا في ظل مراحل غير مسبوقة من التدهور وتراجع الرعاية الصحية لا سيّما في مناطق سيطرة النظام الذي يعد السبب الأول في تدمير وانهيار القطاع الصحي، علاوة على قيامه باستغلال ما سلِم من حربه الشاملة ضد الشعب السوري، الأمر الذي ظهر جلياً خلال السنوات السابقة في حين لا يزال يتشدق نظام الأسد وإعلامه بمجانية العلاج وتوفر الخدمات الطبية فما حقيقة ذلك؟.
قال "يوسف الأحمد" وهو اسم مستعار لرجل قام بعلاج ابنه في إحدى مستشفيات دمشق، إنه كان يضطر إلى السفر شهرياً من حمص إلى العاصمة بهدف تلقي العلاج موضحاً أن التكاليف الكبيرة التي تفرضها المستشفى تتقارب مع المشافي الخاصة وسط تردي الخدمة الطبية بشكل كبير جداً، وذكر أن ابنه خضع خلال العام الفائت لعملية جراحية "قلب مفتوح" كلفته 12 مليون ليرة سورية، فضلاً عن المعاملة السيئة.
وبيّن "الأحمد" أنه خلال مراجعته لعدد من المستشفيات لاستكمال علاج ابنه لاحظ العديد من معالم انهيار القطاع الصحي، لافتاً إلى أنّ الفساد منتشر بنطاق واسع جداً، وأكد أن عدة مشافي عامة طلبت منه تأمين أدوية وأدوات ومستلزمات طبية، وشكك بأنه تم استخدامها كاملة في مراحل علاج ابنه الذي لا يزال يعاني في ظل تدهور الرعاية الصحية.
ورصد فريق التحرير في شبكة "شام" الإخبارية خلال حديثه مع عدد من ذوي المرضى والمراجعين للمستشفيات والمراكز الصحية ضمن مناطق النظام، ممن كشفوا عن تردي الأوضاع الصحية التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من التدهور في عموم مناطق سيطرة النظام، وتحول القطاع إلى تجارة وسط خصخصة وانعدام القطاع العام بشكل كلّي حيث يدفع المواطنين لقاء كافة الخدمات الطبية في المستشفيات الحكومية.
وتسجل أجور المشافي والأطباء أسعاراً فلكية مقارنة بدخل المواطنين، وسط تفاوت ملحوظ وانعدام الرقابة وفي أحدث التقديرات يكلف مريض سرطان الثدي 35 مليون ليرة، ومريض الدم أكثر من 80 مليون ليرة، وبلغت تكلفة الليلة الواحدة وتركيب قسطرتين وشبكتين للمريض 10 ملايين ليرة سورية، في إحدى المشافي الخاصة بمناطق سيطرة النظام.
ويكرر نظام الأسد الحديث عن رفع التعرفة الطبية التي تتراوح عند بعض الأطباء ما بين 5 إلى 10 آلاف ليرة سورية، دون التقيد بها إذ تصل وفق مصادر "شام" إلى حوالي 50 ألف ليرة، في بعض العيادات الخاصة، فيما تتخطى تكلفة عملية الولادة القيصرية المليون ليرة، والجراحة العظمية 5 مليون ليرة، فيما يصل سعر الإقامة لليلة واحدة بالعناية المركزة في بعض المشافي بدمشق أكثر من مليون ليرة سورية.
بث تلفزيون النظام في مارس/ آذار 2020، مقابلة مع وزير الصحة السابق "نزار يازجي" وهو ينفي وقتها تسجيل أي إصابة بـ "كورونا"، لأنه اعتبر بأن جيش النظام "طهر البلاد من الجراثيم"، حسب تعبيره، ويتداول موالون للنظام صوراً تظهر الأطباء كأحد الأجزاء الرئيسية للجيش ويتكرر ربط قوات الأسد بعمل الكوادر الطبية.
"جيش ينتصر بالعتاد العسكري على الفيروسات ويكافح الأوبئة" تصريح ليس بمستغرب بل يعكس عقلية النظام في التعامل مع قطاع الصحة، وقد يقصد "يازجي" حينئذٍ من هم على شاكلة الطبيب "علاء موسى" المتهم بارتكاب جرائم تعذيب المعتقلين في المشافي والذي مارس دوره كأحد أفراد الجيش بغطاء الطب قبل توقيفه في ألمانيا حيث يواجه محاكمة هناك.
ورّوج نظام الأسد في عدة مراحل عقب بداية الثورة السوريّة بأن القطاع الصحي والعاملين فيه يتبعون للجيش تارة بشكل كامل ويكملون دوره في عمليات السيطرة على المناطق الخارجة عن سيطرته تارة أخرى، وسبق أن ظهر عناصر من جيش النظام على متن سيارة إسعاف حيث سخر نظام الأسد القطاع الصحي لقتل وتهجير السوريين، بعد حرمانهم من حقهم بالعلاج وقبله سلبهم حقهم بالعيش الكريم.
تحولت المستشفيات الطبية أو ما بقي منها إلى مراكز لتوزيع الأمراض ونقل العدوى وليس للعلاج، وراح العديد من المواطنين يصفها بأنها "مسالخ بشرية" ولم تأتي هذه التسمية من فراغ بل تزايدت حالات الإهمال الطبي وسوء المعاملة الذي يلازم القطاع الصحي الحكومي المنهار على يد نظام الأسد.
ومع كل هذه المخاطر بات العلاج على الرغم بأنه حق لجميع البشرية، عبارة عن حلم صعب التحقق في سوريا، وسط تكاليف باهظة للغاية، وتتزايد الحوادث التي توثق سوء تعامل الكوادر الطبية في المستشفيات الخاضعة للنظام منها تسجيل مصور يتعرض فيه أحد المرضى لسيل من الشتائم بعد وفاته.
ومع تكرار تعطّل الأجهزة الطبية في المستشفيات الحكومية يتكبد المرضى تكاليف كبيرة في المراكز الخاصة، لتصل تكلفة صورة الطبقي المحوري إلى 185 ألف ليرة سورية، وقال أحد المرضى في السويداء لموقع محلي إنه عملية تنظير في مركز خاص قيل له قبل العملية إن تكلفتها 80 ألف ليرة، إلا أنه تفاجأ بالمبلغ 350 ألف ليرة سورية.
تتفاقم أزمة الأدوية بشكل كبير بمناطق سيطرة النظام ويعتبر قطع الدواء حدث روتيني يترافق مع تصاعد التبريرات الواهية لتبرير فقدان الزمر الدوائية وخصوصاً المزمنة، وفي أحدث الذرائع قال نقيب الأطباء لدى نظام الأسد "غسان فندي" إنه مازال هناك نقص في بعض الأدوية بالمشافي العامة، وزعم أن العقوبات الاقتصادية أثرت في عملية استيراد الأدوية.
ويشمل نقص الدواء حليب الأطفال، في ظل حالة احتكار واضحة وجلية إذ يستغل نظام الأسد حاجة السكان للعلاج والأدوية ويقوم يقطع أصناف من الأدوية بحجة العقوبات، التي باتت كذبة مكشوفة لا تنطلي حتى على الموالين للنظام، لا سيّما ممن يشاهدون السيارات الفارهة والهواتف الحديثة تدخل إلى السوق المحلية دون أي عوائق، ويعتبر ذلك دليلاً على كذب النظام في تبرير شح وغلاء أسعار الأدوية.
وقدر مدير فرع مؤسسة للتجارة الخارجية باللاذقية "محمد الأسد" تأمين الأدوية النوعية المستوردة للقطاع العام بقيمة 20.103 مليار ليرة، فيما تم تأمين أدوية مماثلة للقطاع الخاص بقيمة تقدر بنحو 270 مليون ليرة، وذلك منذ بداية العام وحتى أيلول الماضي، مدعياً العمل على استيراد الأدوية النوعية من "الدول الصديقة".
انعكست حالة هجرة الأطباء على واقع الرعاية الصحية، وتشير تقديرات إلى أن نسبة هجرة خريجي الطب البشري تصل إلى 40% سنويا، ومن العوامل السلبية التي تؤثر على قطاع الطب انتشار الشهادات الطبية المزورة، والتي وصلت إلى الصيادلة والتمريض، وكل ذلك برعاية وإشراف النظام.
وتتزايد حالات الأخطاء الطبية التي تسجل باستمرار وبشكل متصاعد في مناطق النظام، وتحولت إلى ظاهرة علنية سبق أن بررها نظام الأسد بأنها "تحدث بأي مكان في العالم" وأثبت أرشيف القصر العدلي وجود 700 دعوى مصنفة بين عامي 2014 و2017، حول التسبب بالإيذاء أو الوفاة، بسبب الأخطاء الطبية.
أعلنت منظمة "الصحة العالمية"، في أيلول الماضي، عن توجه طائرة تحمل إمدادات طبية للتعامل مع تفشي وباء "الكوليرا" وسط معلومات تشير إلى استغلال النظام للدعم المقدم للقطاع الطبي.
وكشفت صحة النظام عن استلامها 40 سيارة إسعاف مجهزة من الصحة العالمية، في آيار 2021 وجاء ذلك بعد استنزاف النظام للقطاع الطبي إذ دمر المستشفيات والمراكز الصحية ومعداتها، فيما تكذب مصادر مزاعم النظام حول تأهيل مراكز صحية وفي الحالات المعلنة يكون مصدر التمويل إما نتيجة مبادرات محلية أو دعم ومنح دولية.
تتوزع في مناطق شمال غرب سوريا العديد من المشافي العامة والخاصة، وتعاني المنشآت الطبية في الدرجة الأولى إلى تحولها إلى هدف مباشر لقصف النظام وروسيا الأمر الذي ينعكس على واقع الخدمات المقدمة، وعدة عوامل أدت إلى تراجع الخدمات الطبية ومنها نقص الدعم لهذا القطاع ووقف التمويل والمنح.
ويشكو مواطنون في الشمال السوري من نقص الخدمات الطبية وغلاء التكاليف في المشافي الخاصة، وشهد القطاع الصحي مؤخراً موجة احتجاجات وحالة من الإضراب من الكوادر الطبية نظرا لقلة الرواتب والأجور في بعض المدن الرئيسية في الشمال السوري.
وتقول الصحة العالمية إن من بين 4.4 مليون شخص من أولئك الذين يعيشون شمال غرب سوريا 3.1 مليون شخص بحاجة للمساعدة الصحية، وترتبط التحديات الحرجة بزيادة انعدام الأمن والنزوح والفقر وأشارت إلى أن ما يقارب 12.5 مليون شخص في سوريا سيكونون بحاجة للرعاية الصحية في عام 2022 ووجهت نداء لتوفير 257.6 مليون دولار للرعاية الصحية في البلاد.
وفي مناطق شمال وشرق سوريا الخاضعة لسيطرة "الإدارة الذاتية" يعيش قطاع الصحة حالة من التراجع، ويلجأ السكان إلى المشافي الخاصة في كثير من الحالات التي تتعلق بالعمل الجراحي، وسط تكاليف باهظة ومحددة بالدولار الأمريكي، وتقدم بعض المنظمات خدمات طبية وتدعم بعضها مشافي ومراكز صحية ويشكل ذلك أهمية كبيرة للسكان.
تشير أحدث التقديرات الصادرة عن إعلام النظام الرسمي قبل أشهر بأن خسائر القطاع الصحي حتى عام 2021، بلغت 476 قتيلاً، و275 جريحاً، و101 مشفى بين أضرار جزئية وكاملة، إضافة إلى تضرر 1783 مركز صحي، لتقدر خسائر القطاع الصحي في عام 2019 بـ 15 مليار دولار، وتكلفة إعادة تأهيله بما يزيد على 30 مليار دولار.
فيما حددت بيانات صحة النظام خسائر القطاع الصحي لعام 2014، بمبلغ 100 مليار ليرة، منها 43 ملياراً خسائر القطاع الحكومي وحده، وتضمنت الخسائر تدمير 41 مستشفى من أصل 92، و674 مركزاً صحياً من أصل 1901، و416 عربة صحية، وتوقفت 11 من أصل 19 شركة دوائية عن العمل، بعدما شهدت البلاد وجود 70 معملاً دوائياً.
وكشف تقرير للجنة الإنقاذ الدولية (IRC) في آذار 2021 حجم الدمار الذي خلفه عقد من الهجمات على المرافق الصحية بسوريا، وخلص التقرير إلى أن البلد الذي كان ينتج في السابق 90% من الأدوية المطلوبة يواجه نقصا كارثيا، ووثقت "منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان" 595 هجوما على الرعاية الصحية منذ 2011، وتشير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" إلى أن عمليات الاستهداف للمراكز الطبية تتم بشكل متعمد وممنهج.
هذا وكشفت طرق تعاطي النظام مع تفشي كورونا والكوليرا والتهاب الكبد الفيروسي، ومنها نفي وإنكار الوباء أساساً، عن واقع الطب في سوريا، وأما صفحات المشافي ونقابات الأطباء والصيادلة وكل ما يتعلق بالقطاع الصحي على مواقع التواصل لا تكشف مدى التبعية والتشبيح للنظام بدلاً من تقديم المعلومات الطبية فماذا يفيد المريض صورة يومية لبشار الأسد مرفقة بالشعارات الكاذبة، تماما كما كذبة مجانية الطب وتوفر الطبابة في سوريا.
قالت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في 19 تشرين الأول الجاري، إن عناصر أمنية تابعة لـ "هيئة تحرير الشام" اعتقلت طالباً جامعياً في مدينة أريحا بريف إدلب في 17-10-2022، معبرة عن خشيتها من تعرضه لعمليات تعذيب، وأن يُصبح في عداد المُختفين قسرياً كحال 85% من مُجمل المعتقلين.
وأوضحت الشبكة أن المعتقل "أحمد كمال الدين"، طالب جامعي في كلية العلوم السياسية في جامعة حلب "الحرة"، من أبناء قرية كفرشلايا جنوب محافظة إدلب، اعتقل من مكان وجوده وسط مدينة أريحا، على خلفية انتقاده لـ "هيئة تحرير الشام وفصائل في المعارضة المسلحة" في منشورات له على مواقع التواصل الاجتماعي، واقتادته إلى جهةٍ مجهولة.
وفي تاريخ 22/ تشرين الأول/ 2022 نشر "ضياء العمر" المتحدث باسم "جهاز الأمن العام" التابع للهيئة توضيحا حول القضية، جاء فيه: "تناقلت وكالات وصفحات إخبارية وإعلامية خبراً مفاده قيام جهاز الأمن العام باعتقال المدعو "أحمد كمال الدين" على خلفية نشره بيانا ينتقد فيه "هيئة تحرير الشام".
وأوضح العمر أن "سبب توقيف المدعى عليه كان بناءً على مذكرة توقيف صدرت بحقه من النيابة العامة للتحقيق معه في تورطه بعدّة قضايا ابتزاز لفتيات هدّدهنّ بنشر صورهنّ على مواقع التواصل الاجتماعي كان قد حصل عليها بطرق ملتوية غير أخلاقية بهدف الحصول على المال أو لإشباع رغباته الجنسية الدنيئة".
وتحدث بيان العمر عن قيام "أحد الفصائل في وقت سابق في مناطق درع الفرات بتوقيفه لمدة تقارب الشهرين وذلك لجرم مماثل للجرم المنسوب إليه الآن، وحين عودته إلى إدلب تم توقيفه أيضا لارتكابه الجرم نفسه وحكم بالسجن لمدة ثلاثة أشهر تقريباً وخرج بعد انتهاء الحكم القضائي وتعهده خطياً بعدم العودة لمثل هذه الأفعال".
ولفت المتحدث الأمني أن "حالة التوقيف هذه الثالثة بحقه وذلك بسبب عدم التزامه بالتعهد الخطي الذي أمضاه وعودته إلى فعله من جديد، وقد تم تحويله إلى القضاء المختص لينال جزاء ما اقترفت يداه"، وفق نص البيان.
![]() |
شبكة "شام" عملت على مدار أسبوع، على التواصل مع عدة مصادر منها عائلة الشاب "أحمد" - عبر وسطاء - لكنها لاقت رفضاَ تاماً للحديث عن أي معلومة، معللة ذلك بخشيتها على حياة "أحمد" في سجون الهيئة، وخوفاً من تعرض أي من أفراد العائلة للاعتقال أيضاً في حال صرحت بأي معلومة عن خلفية ماتعرض له "أحمد".
اتجه فريق التحرير في شبكة "شام" إلى مصادر أخرى، حيث تمكنا من التواصل مع قرابة عشرة أشخاص في ريفي إدلب وحلب، من أصدقاء "أحمد" المقربين له، سواء من زملاء الدراسة أو الحياة اليومية، وتوصلنا لسلسلة تفاصيل كاملة عن حقيقة مانسب له من ابتزاز لا أخلاقي، وتفاصيل مراحل الاعتقال التي تعرض لها سواء في مناطق "الجيش الوطني أو الهيئة".
بدأت حكاية "أحمد" مع "صداقة عابرة" كغيره من الشباب، مع فتاة من ريف حلب الشرقي، تبادلا فيها الصور الشخصية العامة، لسوء حظه أنها كانت ابنة أحد الشخصيات النافذة في "هيئة تحرير الشام" حيث (تتحفظ "شام" عن ذكر اسم الفتاة ووالدها أو أي معلومات تخصهم لدواع أخلاقية كون هدفنا ليس التشهير بالفتاة أو عائلتها، بقدر أن يكون تقريرنا هدفه مناصرة ضحية معتقل في سجون مظلمة بتهمة باطلة).
وفي أول فصول الحكاية، كانت مع نشر "أحمد" منشوراً على صفحته الشخصية على "فيسبوك" يروي فيها تفاصيل تعرضه قبل ساعات، لإطلاق نار من قبل مجهولين أواخر شهر أيار/ 2021 بين بلدة أورم الجوز وقريته كفرشلايا مع ساعات المساء، خلال قيادته دراجته النارية، دون أن يصاب بأذى، هدف المنشور، الإشادة بموقف نقطة عسكرية قريبة للفرقة الساحلية الأولى التي ساعدته في العودة لمنزله وقامت بإطلاق النار في الهواء باتجاه مطلقي النار.
وماهي إلا أقل من ساعة وفي نفس اليوم، حتى وصل "جهاز الأمن العام" إلى منزل الشاب "أحمد" وطلب منه توضيح تفاصيل ماتعرض له، حيث رافقهم لموقع الحدث، وطلب منه مراجعتهم في اليوم التالي، وكان ذلك في الأول من شهر حزيران 2021، إلا أن "جهاز الأمن العام" قام بتوقيف "أحمد"، وتمت مصادرة هاتفه الشخصي وتفتيشه، وسحب كل محتوياته من صور خاصة وصور تتعلق بالفتاة التي يتواصل معها، وأفرج عنه بعد 16 يوماً من الاعتقال.
ووفق مصادر "شام" التي تم مقاطعتها جميعاً للوصول للرواية الدقيقة نقلاً عما أعلمهم به أحمد من تفاصيل ماحصل معه، فقط طلب منه التوقيع على بيان يقر فيه بأنه قام بنشر منشور كاذب حول قصة اغتياله، وتهديده بمقاضاته بتهمة ابتزاز، وتم الدخول لحسابه الشخصي وحذف المنشور.
بعد الإفراج عنه، انتقل لاستكمال دراسته في إعزاز شمالي حلب، لكنه تعرض لعملية اعتقال جديدة من قبل "الشرطة العسكرية" في إعزاز، على خلفية انتقاده السياسة التركية في سوريا، خلال جلسة مع زملاء له في كافيتريا الجامعة، وتم ذلك في شهر آب 2021، لكن الغريب في الأمر أن أحمد واجه نفس التهمة التي هددته فيها الهيئة بإدلب، وهي "الابتزاز"، وطلب منه التوقيع على ذات التهمة، مايشير لوجود ترابط وتنسيق بين أمنية الهيئة والشرطة العسكرية شمالي حلب.
قضى الطالب الجامعي قرابة 46 يوماً، في سجن الشرطة العسكرية بإعزاز، وأفرج عنه، لكنه فور عودته إلى إدلب مباشرة، قام "جهاز الأمن العام" التابع للهيئة باعتقاله لمرة جديدة، وجهت له ذات التهمة بـ "الابتزاز"، وطلب منه تسليم "فلاشة" يحتفظ فيها بالصور التي حذفت من هاتفه إبان اعتقاله الأول لدى الهيئة.
تزامن اعتقال أحمد - وفق ثلاث مصادر تحدثت معهم "شام" - مع قيام رقم مجهول بالتواصل مع الفتاة ذاتها التي تربط أحمد صداقة بها، وابتزازها بصور لها، تكشف لدى الهيئة أن الشخص ليس "أحمد" الموقوف لديها، فطلب من ذوي الفتاة استدراج الشخص للقاء، وتم إلقاء القبض عليه من قبل "جهاز الأمن العام"، تبين أنه أحد أصدقاء أحمد المقربين (تتحفظ شام على ذكر اسمه حالياً)، والذي يبدو أنه حصل على الصور دون علم أحمد، ويقوم بالتواصل مع الفتاة وابتزازها.
بعد اعتقال "جهاز الأمن العام" للشخص الذي يقوم بابتزاز الفتاة، وثبوت عدم تورط "أحمد" بالقضية، تم الإفراج عنه بعد قرابة 20 يوماً من الاعتقال، مع تنبيهه لعدم الخوض في القضية، وعدم نشر أي منشورات تتعلق بها أو أي قضية أخرى قد تعرضه للاعتقال مجدداً، وهذا ما أعلم به "أحمد" لعدد من زملائه بعد الإفراج عنه.
ومايدل مواصلة "جهاز الأمن العام" التابع للهيئة، تعقب "أحمد" ومتابعة نشاطاته، أنه شرع بتأسيس فريق تطوعي في ريفي إدلب وإعزاز، مع عدد من زملائه، بعد وعود تلقاها من شخصية في تركيا بتمويل الفريق، للقيام بعمل إنساني في المنطقة، وعرف الفريق باسم "نحو جيل فعال التطوعي"، ونشر "أحمد" معرفات الفريق على مواقع التواصل، وهوية شخصية كعضو ضمن الفريق ومؤسس، لكن تم استدعاء "أحمد" على الفور لمراجعة الفرع107 التابع للهيئة، وطلب منه وقف العمل وإنهاء المشروع فوراً، دون تقديم أي أسباب ومبررات.
![]() |
في يوم الاثنين 17/ تشرين الأول/ 2022 قامت عناصر أمنية تابعة لـ "هيئة تحرير الشام" باعتقال "أحمد" من وسط مدينة أريحا، وتم اقتياده إلى منزله وإحضار هاتفه الشخصي ومن ثم اقتياده إلى جهة مجهولة، جاء ذلك بعد نشره على صفحته الشخصية، منشوراً يتحدث فيها عن رؤيته في المنام "أنه تم اعتقاله من منزله بسبب منشور على فيسبوك"، لتبدأ مرحلة ابتزاز عائلته والضغط عليهم وترهيبهم، في وقت لايزال مصير "أحمد" مجهولاً حتى لحظة نشر التقرير.
![]() |
ووفق تتبع زملاء "أحمد" لحسابه الشخصي بعد اعتقاله الأخير، ظهر لديهم، فتح الحساب بعد أربع أيام من اعتقاله، وحذف المنشور، كما حذفت منشورات أخرى كان أحمد ينتقد فيها الوضع الأمني والمعيشي في المنطقة وسوء الإدارة، وبعد خمسة أيام كم الاعتقال، تم مداهمة منزل عائلته في مدينة أريحا - وفق شهود من الحي تحدثت معهم "شام" - حيث قاموا بترهيب والدته وتهديدها دون معرفة طلبهم من تلك المداهمة، حيث رفضت العائلة التصريح بأي معلومة لمرة جديدة.
وتفيد معلومات "شام" إلى أن عائلة الشاب "أحمد" تتعرض لضغوطات شديدة من قبل أمنية الهيئة، وعملية ابتزاز ممنهجة، في وقت حاول الإعلام الرسمي والرديف للهيئة تشويه سمعة الطالب الجامعي، وإصباغ صفة "الابتزاز" عليه، علماً أن مصادر "شام" تفيد بأن الهيئة أفرجت عن الشاب الذي ثبت تورطه وابتزازه الفتاة منذ فترة قصيرة، بعد قرابة عام من الاعتقال.
وكانت سلطت شبكة "شام" الإخبارية، في تقرير سابق الضوء على ملف سجون الهيئة التي تضم آلاف الموقوفين في ظل إجراءات تعسفية دون تحويلهم إلى القضاء للبت في قضاياهم العالقة منذ سنوات دون محاكمة عادلة تذكر وسط مخاوف كبيرة على حياة السجناء التي باتت مهددة وسط تصاعد وتيرة العمليات العسكرية في عموم المنطقة.
يذكر أنّ سياسة هيئة تحرير الشام تقوم على تخويف وإرهاب المجتمع عبر ممارسة سياسة اعتقال تعسفي عنيفة، ثم إنكار وجود هؤلاء المعتقلين لديها ليتحول مصيرهم إلى مختفين قسرياً، فيما تتعمد استهداف النشطاء البارزين والشخصيات الاجتماعية بهدف تخويف بقية أفراد المجتمع، بحسب مصادر حقوقية.
هذا وسبق أنّ اعتقلت هيئة تحرير الشام عشرات النشطاء والقيادات العسكرية من الجيش السوري الحر بينهم ضباط منشقين وشخصيات قيادية من الحراك الثوري، لايزال الكثير منهم مغيباً في السجون لايعرف مصيرهم، في وقت كانت تفاوض على مبالغ مالية كبيرة للإفراج عن البعض منهم، بينما نفذت أحكام الإعدام بحق آخرين ورفضت تسليم جثثهم لذويهم، رغم كل الوساطات التي تدخلت والشفاعات التي قدمت للإفراج عنهم وتهدئة الشارع المناهض للهيئة وممارساتها.
الركض والهرولة خلف وسيلة نقل والسباق والتدافع على حجز مقعد في حافلة بعد الانتظار لساعات طويلة مشاهد تكررت لتختزل واقع هذه الخدمة الغائبة في سوريا والتي طالما تغنى نظام الأسد بتأمينها واحتفل إعلامه بكثرة الحلول المطروحة ومنها الحافلات الجديدة وأجهزة التعقب التي ستحل المشكلة من جذورها لكن الواقع يكذب هذه المزاعم، إذ إن قطاع النقل والمواصلات يعيش حالة من الشلل ألقت بظلالها على تردي الأوضاع المعيشية في عموم سوريا.
سعى إعلام النظام إلى تصدير روايته المزعومة حول أسباب أزمة النقل، فكانت الذريعة في بعض الأحيان من ضحايا إهماله فتوجه إلى اتهام السائقين ببيع المخصصات والتصرف بها، ما دفع المذيعة "ربى الحجلي" ذات مرة إلى التنكر واستخدام كاميرا خفية لتعزيز رواية نظام الأسد بأن السائقين هم سبب هذه الأزمة، فيما يسلط هذا التقرير الضوء على هذه الخدمة إذ يتبين بأن السبب الرئيسي في تدهورها هو نظام الأسد وممارساته وقراراته حول قطاع النقل.
ويترافق إلقاء اللوم على السائقين مع جملة من التبريرات والذرائع الواهية لتبرير غياب خدمة النقل، التي تعود بعضها لتطال السائقين حيث عزا "حسام منصور" عضو مكتب قطاع النقل بحمص إن تفاقم أزمة النقل وتراجع عدد الحافلات يعود إلى عزوف السائقين عن العمل، ويمارس نظام الأسد سياسة بث إشاعة تخفيض مخصصات المحروقات الموزعة لوسائل النقل ثم ينفي ذلك عبر المسؤولين ليصار لاحقاً إصدار قرارات مكررة تنص على رفع تعرفة البولمانات والتكاسي و السرافيس والباصات، وسط غلاء وندرة المحروقات.
يؤثر غياب خدمة النقل على كافة جوانب الواقع الاقتصادي في سوريا، إذ وصلت تداعيات غياب المواصلات وارتفاع أجور النقل التي باتت تستهلك أكثر من نصف رواتب العاملين في القطاع العام، فلم يكن أمام الموظفين أي خيار آخر سوى التقدم باستقالاتهم، التي تسجل بالآلاف بعموم مناطق سيطرة النظام حيث لم يعد بمقدورهم دفع مبالغ تتجاوز شهريا الحد الأدنى للرواتب في سوريا.
وليس الموظفين أو الشريحة العاملة عموما وحدها التي تتأثر بغياب النقل العام بل يحمل ذلك انعكاسات سلبية على طلاب المدارس والجامعات لا سيّما خلال فترات الامتحانات دون وجود حلول قابلة للتنفيذ، ومنها سيارات التكسي كون تكلفتها خارج القدرة الشرائية للمواطنين، وقدر "حسام حسن"، المسؤول الإعلام لدى النظام حاجته إلى 500 ألف ليرة شهريا لتغطية التنقل بين منزله وعمله، أما السفر بين المحافظات والأرياف فبات يثقل كاهل غالبية المجبرين على التنقل مع ارتفاع التكاليف وسط خطورة بعض بدائل النقل مثل السيارات المكشوفة غير المخصصة لنقل الركاب والدرجات النارية والهوائية.
تتوارد المشاهد ومنها عبر تلفزيون النظام من الكراجات ومراكز تجمع وسائط النقل، لتكشف مدى انهيار قطاع النقل والمواصلات في سوريا، وأبرز تلك المشاهد تتلخص في الركض خلف وسيلة النقل وسط الازدحام الشديد، ومع انقطاع الأمل بالحصول على هذه الخدمة يتجاوز بعض المواطنين المألوف بالصعود إلى الحافلة عبر النوافذ، وسط انتشار كبير لحالات السرقة ضمن حالة الفلتان الأمني التي تتضاعف مع حالات الازدحام والانتظار لساعات طويلة دون إيجاد حلول من قبل نظام الأسد.
ويأتي ذلك مع تكرار قرارات نظام الأسد برفع المحروقات وكان آخرها رفع سعر مادة البنزين إلى 2500 في آب الماضي، تزامنا مع رفع تعرفة النقل التي أصبحت 714 ليرة سورية للكيلومتر و8780 ليرة للساعة الزمنية، وتسجل المحروقات السوق السوداء أسعار مضاعفة وسط وجود أصناف متعددة منها الإيراني واللبناني، وسط تراخي الجهات الرقابية التي تلاحق الحلقة الأضعف وهم أصحاب المحطات الصغيرة والسائقين وتوجيه تهم لهم تتعلق بالاتجار بالمحروقات وتهربهم عن العمل بقطاع النقل.
تتباهى مديريات النقل التابعة لنظام الأسد بنشر حجم الإيرادات التي تحققها، وقدرت تحقيق إيرادات وصلت إلى 55 مليار ليرة سورية خلال عام واحد فقط، وطالما تنشر المديريات التابعة للوزارة بيانات بهذا الشأن، ولا تقل حصائل أي محافظة عن هذا المبلغ ووصلت إلى 16 مليار ليرة بدمشق لوحدها، وقدّر وزير النقل لدى النظام "زهير خزيم"، أن وزارته رفدت الخزينة بـ 115 مليار ليرة بأقل من نصف عام.
وقال مصدر مسؤول في المرور إن العاصمة دمشق سجلت خلال النصف الأول من العام الحالي، 65 حالة وفاة و 1650 إصابة ناتجة عن 2850 حادث سير في العاصمة في ظل تردي البنى التحتية للطرقات والمركبات من جراء تجاهل نظام الأسد تعبيد الطرق والشوارع رغم تخصيص مبالغ مالية هائلة تذهب وتتبخر ضمن صفقات فساد منظمة.
فرض نظام الأسد على وسائل النقل دفع تكلفة تركيب نظام الجي بي إس، بتكلفة 350 ألفاً و2500 ليرة سورية اشتراك شهري، بدواعي حل مشكلة النقل مع مع حرمان الحافلات المخالفة من المحروقات، وسبق ذلك عمل نظام الأسد على ابتكار وظيفة "مراقب سري" على عمل الحافلات وحدد رواتبهم من جيوب السائقين حيث فرض على كل صاحب حافة يدفع 100 ليرة سورية يومياً.
وما لبثت تجربة التعقب المزعومة بكشف فضائح في قطاع النقل، حيث كشفت مواقع مقربة من نظام الأسد عن تفاصيل سرقة ونهب علني وقالت إن جهاز GPS متوافر على موقع "علي بابا"، بتكلفة 10 دولار فقط، فيما يفرض نظام الأسد سعر الجهاز 350 ألف ليرة سورية، ويعد قطاع النقل نافذة للنظام للسرقة والنهب عبر الرسوم والضرائب على كافة أنواع الآليات.
احتفى نظام الأسد بوصول 100 باص للنقل الداخلي مقدمة من الصين، الأمر الذي دفع "حسين عرنوس"، لتقديم الوعود بأن مشكلة النقل سيتم تجاوزها خلال 2022، من خلال التعاقد على توريد 500 باص مما وصفه بـ"الجانب الإيراني الصديق"، وكشف مدير عام الشركة العامة للنقل الداخلي بدمشق، "موريس حداد"، عن إمكانية دخول 30 باص نقل داخلي في الخدمة قبل نهاية العام، وذلك بعد أن تم الإعلان عن مناقصة لصيانتها، دون أن ينعكس ذلك على واقع النقل رغم التطبيل والترويج الإعلامي.
وطالما أثار حديث نظام الأسد عن سيارات كهربائية والتطبيق الذكي لنقل الركاب سخرية وانتقادات، وكان أقر رأس النظام الإرهابي "بشار الأسد" قانوناً يقضي بالسماح للشركات المرخصة بنقل الركاب وفق نظام التطبيق الإلكتروني، وذلك برغم انعدام آليات التنفيذ ولعل أبرزها المحروقات.
ورصدت شبكة "شام" الإخبارية تصاعد أجور النقل بسيارات الأجرة إذ سجلت لأقل مسافة مقطوعة هي 6 آلاف ليرة، وتصل إلى 75 ألف، في حين أصبح الانتقال ضمن دمشق مثلاً من ساحة الأمويين إلى مشفى الهلال الأحمر يصل 10 آلاف ليرة، في حين طلب سائقو أجرة من أحد الركاب للوصول إلى صحنايا 50 ألفاً وإلى جديدة عرطوز 40 ألف ليرة سورية.
تعاني مناطق محافظة إدلب وأرياف حلب الشرقي والشمالي شمال غرب سوريا، من تردي واقع النقل وغياب الرحلات المنظمة بين المناطق المحررة، وسط ارتفاع تكاليف التنقل مع غلاء المحروقات، ويعتمد عدد من السكان في تنقلهم على السيارات الخاصة، وسط انتشار خجول للحفلات ضمن شركات النقل الجماعي التي برزت خلال الفترة الماضية، وفي إدلب ظهرت مؤخرا الآلية المعروفة بـ"التوك توك" دون معرفة حجم الدور الذي ستلعبه في قطاع النقل في المنطقة وسط وجود عدة عوامل تعيق تحسين النقل مثل تردي بعض الطرقات وتفاقم الازدحام المروري.
وفي مناطق شمال وشرق سوريا الخاضعة لسيطرة قوات "قسد" يعيش قطاع النقل والمواصلات واحدة من أسوأ مراحله وفق مواطنون في محافظة الرقة، ويعتمد على السيارات الخاصة بالتنقل وكذلك الدراجات النارية وسط تضييق الخناق من قبل سلطات الأمر الواقع مع تكرار حظر التجول عبر الدراجات بين الحين والآخر بدعوى ضبط زمام الوضع الأمني والاستقرار، ويأتي ذلك في ظل عدم تأمين بديل يحقق حلم المواطنين بتوفير وسيلة نقل بشكل منتظم وبأسعار ضمن قدرتهم الشرائية التي لا تقل تدهورا عن واقع مأساة النقل والمواصلات.
وفي مارس/ آذار الماضي، بث إعلام النظام الرسمي عبر قناة الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، أرقام تكشف حجم خسائر قطاع النقل في سوريا، وكان أبرزها، خروج 60% من شبكة الطرقات المركزية عن الخدمة، وتدمير مئات الجسور إلى جانب تفكيك وتخريب دعائم أكثر من 50 جسرا، وقدر النظام الأضرار بقيمة 2 تريليون ليرة سورية وقال هذا الرقم يشمل ما تم حصره والتوصل إليه.
وقدر تدمير شبكة السكك الحديدية بنسبة 80% مع تضرر 1,400 كم من شبكة الخطوط السكك، وأكثر من 120 رأس قاطر بإستطاعات مختلفة، وأكثر من 140 عربة ركاب، وقال تلفزيون النظام إنه تمت عمليات سرقة القطارات ورحبات الصيانة ونقلها إلى الأراضي التركية، وفق زعمه، مقدرا حجم خسائر السكك الحديدية حوالي 3 تريليون ليرة سورية.
وحسب حصائل رسمية صادرة في العام 2017، خسرت وزارة النقل 179 عاملا حتى من كوادرها قتلوا منذ 2011 في حين بلغت قيمة الأضرار المادية التي لحقت بالوزارة والجهات التابعة لها 4567 مليون دولار، وكانت إيراداتها السنوية قد وصلت قبل 2011 إلى ما يقارب 1389 مليون دولار لتنخفض بعدها إلى 102 مليون دولار سنويا.
شكل تدخل "هيئة تحرير الشام" التي يقودها "أبو محمد الجولاني"، عسكرياً في منطقة "غصن الزيتون"، الخاضعة للنفوذ التركي وسيطرة "الجيش الوطني السوري"، بتواطؤ من قوى ومكونات في تلك المنطقة، "انعطافة" تعزز مشروع "البغي" على حساب مشروع الثورة، بهدف توسيع السلطة وكسب موارد جديدة على حساب باقي المكونات، وتعميم التصنيف على مناطق جديدة.
وأفضت تطورات الملف السوري في المرحلة الراهنة، أن يلجأ "الجولاني" للتماهي مع المشروع الدولي، وأن يقدم نفسه كـ "فصيل معتدل"، في سياق مواصلة مشروعه للهيمنة والتحكم، فتبني خطاباً ليناً، وبدأ مرحلة تعاون مع القوى الفاعلة في المنطقة، فانقلب على جميع مواقفه، منها تركيا التي سبق أن حاربها ولاحقاً سهل دخولها للمنطقة وقدم نفسه كمشروع رجل يستطيع إدارة المنطقة، فتماهى مع اتفاقيات "أستانة" التي نفذها بحذافيرها ولايزال يحمي حدودها.
عمل "الجولاني" على التفرد في السيطرة على محافظة إدلب، واعتبرها "دولته" الخاصة، فأقام المعابر مع مناطق "الوطني" وأنهى كل قوة عسكرية تستطيع منافسته، كما عمل على تمكين حكومته المدنية "الإنقاذ"، وفكك مؤسسات "المؤقتة" ومنع عملها، وسيطر على جميع مقدرات المنطقة فعزز نفوذ أمراء الحرب على حساب المدنيين، في وقت كانت عيونه تترقب الوقت للتمدد شمالاً، فاعتمد على حملات شيطنة ومقارنات مستمرة بين الوضع بإدلب وشمال حلب الخاضعة لفصائل "الوطني".
استثمر "الجولاني" حالة التفكك والتشرذم وغياب المشروع الجامع الذي تعيشه فصائل "الجيش الوطني"، علاوة عن الخلل الأمني الناتج عن تضارب المصالح هناك، ليعمل على استقطاب شخصيات وتيارات ضمن تلك الفصائل لصالحه، بخطاب عنوانه "مصلحة المحرر" الذي بات السمة البارزة في خطاب "الهيئة" ووسيلة للتمدد شمال حلب، فاعتبرت نفسها الوصية على الثورة، والمسؤولة عن تصحيح مسارها، وحماية هذه المصلحة في المنطقة، لتبدأ مرحلة اختراق شمالي حلب أمنياً عبر فصائل من الجيش الوطني نفسها، كانت سابقاً من أشد أعداء الجولاني، لكن لغة المصالح تغيرت.
وكان لخروج "الفرقة 32" التابعة لأحرار الشام، عن الفيلق الثالث، وما تبعه من تحاكم بين الطرفين، ثم عدم التزام الفرقة بمخرجات الحكم الصادر عن لجنة الفصل، بداية صدام مسلح شرقي حلب، لكن "الجولاني" أثبت شراكته في خلق هذا التوتر، من خلال سرعة حشده وبدء أول توغل عسكري له في منطقة "غصن الزيتون" في شهر يونيو ٢٠٢٢، ووصوله لبلدة جنديرس بزعم مساندة مجموعات الأحرار هناك، إلا أنه اصطدم برفض تركي لتمدده، ألزمته الانسحاب من كامل المنطقة.
كشف حجم التجييش الإعلامي الرديف لـ "هيئة تحرير الشام" عن توجه واضح لقيادة الهيئة لـ "شيطنة" فصائل بعينها أبرزها "الجبهة الشامية وجيش الإسلام"، والحديث عن مصلحة الثورة ومشاريع التوحد، وكذلك الإشادة بمشروع الهيئة المدني بإدلب، والحاجة لتعميم هذا المشروع، وهذا ما كشف عنه لاحقاً بأنه كان بداية التمهيد للتوسع العسكري وبدء "غزوة عفرين".
وكان التحشيد الإعلامي متزامناً مع شقاقات وحالة صراع بارد بين مكونات "الجيش الوطني" على خلفية عدة إشكالات بريف حلب الشرقي، بعد تفكك "غرفة عمليات عزم" وانتهاء ملف محاسبة أبو عمشة، وتشكيل "الفيلق الثالث بانضمام "جيش الإسلام للشامية" رداً على إعلان ظهور "ثائرون" ضمن تشكيلة عزم ذاتها من قبل "السلطان مراد"، والتكتل مع "الحمزة والعمشات" ثم الشقاق بينهم، والخلاف على معبر "الشطل" مع "الفيلق الثالث".
كل هذه الصراعات، كانت تراقب عن كثب من قبل "هيئة تحرير الشام" التي سعت لبناء تحالفات سرية مع عدة مكونات على حساب أخرى، فاستطاعت استمالة المطرودين من "ثائرون"، والناقمين على "الجبهة الشامية" لتنسيقها مع "جيش الإسلام" ضمن تشكيلة "الفيلق الثالث"، باعتبارها مسؤولة عن الحملة ضد المفسدين بما فيهم "أبو عمشة"، وخلافها مع رئيس الحكومة المؤقتة بعد أن كانت دعمت حكومة "أبو حطب" سابقاً، علاوة عن رفض "الشامية" التحالف مع "تحرير الشام" قبل إعلان عزم، وفضلت التحالف مع "جيش الإسلام" عدو الهيئة لاحقاً.
شكلت عملية اغتيال الناشط الإعلامي "محمد أبو غنوم" وزوجته في مدينة الباب، يوم الجمعة 7/ تشرين الأول/ 2022، ومن ثم كشف "الفيلق الثالث" الخلية المتورطة في عملية الاغتيال وملاحقتها، وكشف ارتباطها بـ "فرقة الحمزة"، وما تلاه من مطالب شعبية لخروج الفرقة من مدينة الباب وبدء الصدام مع "الفيلق الثالث"، نقطة الانطلاقة لـ "غزوة عفرين" التي أظهرت أن "هيئة تحرير الشام" كانت على أتم الجاهزية للانقضاض وبدء الهجوم خلال ساعات قليلة.
فقد ظهر جلياً أن نقل الصراع من مدينة الباب بين "الحمزة والفيلق الثالث" إلى الهجوم على معسكر "إرندة" في ناحية معبطلي من قبل "العمشات" وبدء تحركات "الحمزة" في الباسوطة، بالتوازي مع تهديد صريح من "الحمزة" بتدخل "هيئة تحرير الشام"، أظهر جلياً التحالفات التي حيكت في الخفاء لمساندة "الجولاني" في التدخل شمالي حلب، دفع ذلك "الفيلق الثالث" للتوجه مباشرة لتعزيز دفاعاته في الباسوطة لتوقع الهجوم منها كما المرة الأولى، وهنا كانت بداية الصدام العسكري.
ابتداءً بمعبر الغزاوية ودير بلوط، ووقوف "الجبهة الوطنية للتحرير" على الحياد، وليس انتهاءً بغياب صوت "هيئة ثائرون" والعديد من المكونات الأخرى التي شاركت في صد "البغي" في اليوم الأول ثم ألزمت الحياد كـ "جبهة البناء والتحرير والسمرقند"، مع وقوف "أحرار الشام وفرقة الحمزة والسلطان سليمان شاه" لصالح "الجولاني"، كانت جميعاً عاملاً رئيسياً في تفرد "الجولاني" بـ "الفيلق الثالث" والتمدد خلال مدة قياسية للوصول لمركز مدينة عفرين لأول مرة والسيطرة عليها.
وعقب سيطرة "هيئة تحرير الشام" على مدينة عفرين، صدر عن رئيس الحكومة السورية المؤقتة "عبد الرحمن مصطفى"، تصريحا قال فيه إن الحكومة "تواصل إدارة مدينة عفرين، أما القوات الأخرى فقد غادرت المدينة"، تلا ذلك تصريح "أيمن العاسمي"، المتحدث الرسمي باسم وفد المعارضة لمباحثات أستانا، بأن الوضع تحت السيطرة في عفرين.
وتوجه رئيس المؤقتة إلى مدينة عفرين برفقة وفد رسمي وعقد اجتماعاً في بناء المجلس المحلي، مؤكداً أن الحكومة "المؤقتة" ومؤسساتها لاتزال تتولى إدارة المدينة، في وقت جاء بيان الهيئة العامة للائتلاف الوطني السوري، متأخراً في ختام دورة اجتماعاتها الـ 64 التي أقيمت يومي 17 و18، للمطالبة بوقف "عدوان" هيئة تحرير الشام الإرهابية على المناطق المحررة، كاشفة عن الانعكاسات السلبية الكبيرة التي ستلحق بالثورة السورية في حال استمرار القتال الفصائلي أو سيطرة الهيئة على المنطقة.
وشددت الهيئة العامة - وفق بيان صادر عنها - على رفضها تواجد "هيئة تحرير الشام" في منطقة عمليات درع الفرات وغصن الزيتون، مؤكدةً دعمها الحراك المدني في المناطق المحررة، وأوضحت أن بوصلة الائتلاف لن يتنازل عن أي من المبادئ الثورية التي تبناها الشعب، وفق نص البيان.
كان لتحرك الشارع الثوري ضد "هيئة تحرير الشام"، في مدن وبلدات ريف حلب الشمالي والشرقي أبرزها "إعزاز والباب وصوران ومارع"، تأكيد صريح على رفض مشروع "الجولاني"، ورسالة من الحاضنة الشعبية لجميع الفاعلين المؤثرين أنها لن تقبل به، ولعل العقبة الأكبر التي أوقفت تمدده هي المغامرة الغير محسوبة النتائج دولياً لفصيل مصنف على قوائم الإرهاب، في منطقة لها حساسية دولية كـ "عفرين".
هذا الأمر، شكل ضغوطات كبيرة على "الجانب التركي"، في ظل حديث عن خلافات بين أجهزة "الجيش والاستخبارات"، في التعامل مع الملف، وتأخر الحسم في تحديد الموقف من تمدد "الجولاني"، قبل أن يتلق بشكل مفاجئ وغير متوقع، طلباً تركيا بوقف العمليات العسكرية في منطقة "غصن الزيتون" بشكل فوري، أفضت لإنهاء المعارك في كفرجنة، مع تحرك "هيئة ثائرون" بأوامر تركية للدخول كقوات فصل بين الطرفين وبدأ استلام المقرات والحواجز، ليعود بأرتاله خائباً إلى إدلب.
رغم المدة القصيرة لسيطرة "هيئة تحرير الشام" على منطقة عفرين، ورغم كل التطمينات التي أرسلتها الهيئة للأهالي لاسيما "الأكراد"، بعد التعرض لهم، والحديث عن مشروع جامع للمنطقة، إلا أن عناصر الهيئة سجلت عشرات الانتهاكات، من عمليات دهم واعتقال طالت العديد من المنتسبين لـ "الفيلق الثالث" وعائلاتهم، علاوة عن عمليات تعفيش وسرقة لمقرات الفيلق ومنازل لقياداته، وتسجيل تفكيك العديد من محطات الوقود والكثير من التعديات.
"الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، قالت معلقة على الحملة الأخيرة لـ "الجولاني" بمناطق "غصن الزيتون" إن "هيئة تحرير الشام" تطمح للسيطرة، والحكم بالحديد والنار، مهما تسبب ذلك من انتهاكات وتداعيات كارثية على السكان، ولفتت إلى أن الهيئة استغلت النزاع ضمن مكونات "الجيش الوطني"، لشن هجوم عسكري على عفرين، يهدف إلى توسيع مناطق سيطرتها على حساب مناطق سيطرة فصائل المعارضة.
واعتبرت الشبكة أن أية مشاركة بأية طريقة في دعم أو تمويل أو تشجيع أو مساعدة "هيئة تحرير الشام" يعتبر سبباً كافياً لإدراج الأفراد والكيانات على قوائم مجلس الأمن للإرهاب، لافتة إلى أنها حذرت من خطورة وحساسية هذا الموضوع مراراً وتكراراً، وبينت أن الهيئة لا تكترث لهذه الأمور وما ستخلفه من أثار سلبية على المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.