"ألووو سامعني؟" والمعاناة مستمرة.. شام تفتح ملف الاتصالات الغائبة في سوريا
يرتبط قطاع الاتصالات في سوريا بالاحتكار والفساد، إذ خضع لسنوات طويلة لعملية سيطرة ممنهجة بإشراف نظام الأسد، وحاول الأخير طيلة تلك السنوات الترّويج الكاذب لمسيرة التطوير والتحديث حول قطاع الاتصالات والتقانة إلّا أن تسليط الضوء على واقع هذه الخدمة وما آلت إليه، ينسف رواية النظام بالكامل، وتكشف المعلومات المتعلقة بالقطاع زيف الادعاءات وحقيقة عودة الخدمة المهمة وجودتها في عموم سوريا.
2022 عام احتضار الاتصالات في سوريا
شهد العام الحالي 2022 تراجعاً كبيراً في خدمة الإنترنت والاتصالات بشكل عام وسجلت الخدمة تدني إلى مستويات قياسية، ويرجع ذلك إلى تردي خدمات أخرى مثل الكهرباء وحوامل الطاقة عموماً، وللوقوف على واقع هذا القطاع تواصلت شبكة "شام" الإخبارية مع عدد من مستخدمي الاتصالات في دمشق وحلب وحمص، للاطلاع على واقع الخدمة وتكلفتها ومدى جودة الشبكات المعتمدة في الاتصالات المحلية.
وأفاد أحد مستخدمي شبكة الاتصالات المحلية بأنّ الخدمة رغم أنها ضرورية إلا أنها غائبة بشكل ملحوظ وقد يتكبد المواطن عناء الانتظار لساعات لإجراء مكالمة هاتفية ستكون حتماً بصوت متقطع بسبب تردي خدمة الاتصالات المحلية، وفي حال اللجوء إلى الإنترنت لن يكون الواقع أفضل.
وأكد انقطاع شبكة الإنترنت "السيرف" خلال مدة انقطاع التيار الكهربائي، ورغم اللجوء إلى خط هاتف أرضي بهدف الولوج إلى بوابة إنترنت تكون جودتها رديئة جداً، بينما أصبح سعر الدقيقة الخليوية للخطوط مسبقة الدفع 27 ليرة سورية بينما سعر الدقيقة الخليوية للخطوط لاحقة الدفع 23 ليرة سورية.
ويربط مستخدمي الاتصالات في مناطق سيطرة النظام بين انقطاع التغطية الخلوية والإنترنت والهواتف الأرضية وبين غياب الكهرباء، حيث أكد عدد منهم بأن الأبراج الموزعة للخدمة تتوقف بالكامل عن العمل خلال فترة التقنين الكهربائي، وبذلك تغيب الخدمة نهائياً عن مناطق واسعة لحين عودة الكهرباء التي تشهد أسوأ حالاتها وسط تجاهل النظام لتأمين بدائل لتشغيل هذه الأبراج.
ويذكر أن مزودات خدمة الإنترنت والاتصالات محصورة حالياً بين شركتي "إم تي ان وسيريتل"، مع انتظار دخول المشغل الثالث "وفا تيليكوم" إلى الخدمة بشكل فعلي، وتحقق هذه الشركات رغم تردي الخدمة أموال طائلة وإيرادات ضخمة.
فواتير مضاعفة وتعفيش للكابلات والرصيد!
يفرض نظام الأسد مبالغ مالية فلكية مقابل تشغيل الهاتف على الشبكة السورية، "جمركة" وتصل في بعض الأحيان إلى مليون ليرة سورية تحت طائلة العقوبة والملاحقة في حال قيام المستخدم بجمركة الهاتف بطريقة غير رسمية، وفضلاً عن غياب الخدمة تتصاعد تكلفة الاتصالات في سوريا، حيث رفع النظام أسعار الإنترنت والاتصالات بشكل متكرر كان آخرها قبل نحو 4 أشهر بنسبة 50 بالمئة.
وتحدد وزارة الاتصالات التابعة للنظام أسعار جديدة للاتصالات منذ حزيران الماضي إذ بلغ سعر 1 ميغا بحجم استهلاك شهري 50 غيغا 4500 ليرة شهرياً، و24 ميغا بحجم استهلاك شهري 275 غيغا بسعر 40 ألف ليرة ضمن باقات الـ ADSL تراسل.
وأما أجور الاتصالات والخدمات عبر الهاتف الأرضي، أجر الاشتراك الشهري 1000 ليرة سورية، وأجرة الدقيقة القطرية من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساء 4 ليرات، وأجرة الدقيقة القطرية من الخامسة مساء حتى التاسعة صباحا 2 ليرة، وأجرة الدقيقة المحلية 1.5 ليرة سورية لكل 3 دقائق.
ويبلغ سعر الدقيقة الخلوية للخطوط مسبقة الدفع 27 ليرة، والدقيقة الخلوية للخطوط لاحقة الدفع 23 ليرة، وسعر الميغابايت خارج الباقات 17 ليرة، وسط تضاعف سعر الاتصالات الدولية التي تصل إلى 2500 ليرة سورية مقابل الدقيقة الواحدة.
ولا يكتفي نظام الأسد بمضاعفة الفواتير وأجور الاتصالات بل يمارس هوايته بالنهب والتعفيش، حيث أكد عدد من سكان مناطق سيطرة النظام، ضلوع شبكات الاتصال الخليوية بعمليات سرقة تشمل الرصيد والباقات وحتى العروض المقدمة من قبل الشركات.
وأكدت مصادر خاصة بأن هذه السرقات ليست حالات فردية بل تعد ظاهرة منتشرة على نطاق واسع وتكررت من نفس المستخدم عدة مرات، وخرج بعض هذه الحالات على وسائل الإعلام ويبرر نظام الأسد حالات اقتطاع الرصيد من المشتركين بأنها نتيجة أعطال طارئة.
ومن سرقة الرصيد إلى تعفيش الكابلات المغذية لشبكات الاتصالات حيث تتزايد حوادث سرقة ما ينعكس بشكل كبير على الخدمة وسط خروج آلاف المشتركين عن الخدمة بشكل كامل، وسط تأخر الصيانة وتأمين الكابلات على حساب المواطنين.
ويحظر نظام الأسد استخدام أجهزة البث الفضائي وعمدت مخابراته على ملاحقة كافة ما يتعلق بالاتصالات خارج نطاق الشركات المرخصة الخاضعة لرقابة صارمة، كما يعرف أن سوريا في كنف نظام الأسد عانت كثيرا من حجب مواقع التواصل رغم تشدق رأس النظام عدة مرات حول ضرورة الانفتاح وتطور قطاع الاتصالات والخدمات التقنية.
تبريرات غير منطقية .. شماعة العقوبات حاضرة
يعمد نظام الأسد على تسويغ مبررات لكافة الخدمات الغائبة، إلا أنه يتفنن في تبرير تردي خدمة الاتصالات، حيث يعزو وزير الاتصالات والتقانة "إياد الخطيب"، تردي وضع الشبكات الخليوية والإنترنت إلى تراجع إنتاج الكهرباء، وزعم بأنه إذا تمت مقارنة أجور الإنترنت في سوريا مع الدول المجاورة، فإن الأسعار في سوريا هي الأقل.
ويعتبر مسؤولي النظام بأن تراجع الخدمة يعود إلى عوائق تقنية وتغيير سلوك المستخدمين وتزايد احتياجاتهم التقنية، ويدعي نظام الأسد بأن الاتصالات تأثرت بالعقوبات الدولية حيث تتعامل شركة الاتصالات مع موردين خارجيين، وترجع وزارة الاتصالات لدى نظام الأسد البطء الحاصل في شبكة الإنترنت مشكلة عالمية وليست محلية.
ولا تنتهي التبريرات والذرائع المتناقضة في كثير من الأحيان عند هذا الحد بل يبرر نظام الأسد رفع أجور الاتصالات لضمان استمرار عمل شركات الاتصالات وخدماتها بما يتناسب مع الظروف الحالية الناتجة عن "قانون قيصر وارتفاع سعر الصرف"، واعتاد السكان في مناطق سيطرة النظام على سماع مثل هذه التبريرات الكاذبة كما يطالب بعضهم متهكما بعودة حجة سمك القرش الذي كان الشماعة الوحيدة التي يعلق عليها تبرير ضعف الاتصالات في سوريا.
الاتصالات في الشمال السوري وشمال شرق وجنوب البلاد
مرت خدمة الاتصالات في مناطق شمال غربي سوريا بعدة مراحل مفصلية وشهدت قفزات نوعية من حيث الجودة وباتت تتمتع مناطق واسعة بالاتصالات وسط انتشار شبكات "WIFI"، والخطوط التركية وغيرها إلا أن ذلك لم يمنع تغلغل حالات الاحتكار وسوء إدارة القطاع في مناطق إدلب وأرياف حلب الشرقي والشمالي، مع وجود عوائق تقنية ومادية يصعب على شرائح عدة على تجاوزها.
بالمقابل ذكرت مصادر خاصة لشبكة "شام" أن السكان في شمال وشرق سوريا، يعتمدون على شبكات الاتصال المحلية وسط شكاوى من تردي خدمات الاتصالات والإنترنت في المنطقة كما يوجد مناطق عدة خارج التغطية الخلوية والإنترنت بشكل كامل.
وقال مصدر إعلامي طلب عدم الكشف عن هويته، إن شبكة الاتصالات المعتمدة في المنطقة من حيث الجودة هي "RCell"، التابعة للإدارة الذاتية وتتفوق على شبكتي ام تي ان وسيريتل التي تقتصر على الاتصالات الخلوية فقط، ولا يمكن الاعتماد عليها في تأمين الإنترنت.
ويأتي ذلك وسط انتشار لشبكات الاتصالات المحلية، وتعد تكلفتها كبيرة إذ يبلغ سعر مستقبل وموزع الخدمة "الراوتر" 80 دولار أمريكي، يُضاف لها إشراك شهري 25 ألف ليرة سورية، وهو بجودة متدنية جداً، وفي بعض الأحيان لا يصلح حتى للتراسل عبر تطبيق الواتساب.
وتعتمد عدة مناطق حدودية على شبكات الاتصال العراقية، وتصل التغطية العراقية إلى مناطق مثل "الباغوز والسوسة"، ويعد بديل مناسب من حيث الجودة إذ يتوفر خدمة "4جي"، إلا أن التكلفة تعد خارج القدرة الشرائية للمواطنين.
كما يعتمد جنوب سوريا في درعا والسويداء على شبكة الاتصالات الأردنية في التواصل، حيث تغطي الشبكة مناطق واسعة من المنطقة، خاصة أن الأردن يحتضن مئات الألاف من اللاجئين السوريين معظمهم من محافظة درعا، حيث يسهل ذلك التواصل مع أقاربهم في الأردن والعكس.
كذبة الموسم .. سوريا "دولة رقمية" في عام 2030
يطرح نظام الأسد منذ سنوات ما يطلق عليها رؤية 2030 التي تنص على تحويل سوريا إلى بلد رقمي، ومن غير المنطقي الحديث في هذا السياق ضمن بلد لا تتوفر فيه أدنى متطلبات تشغيل مستلزمات قطاع الاتصالات، ويزعم وزير الاتصالات بأن الحكومة حالياً في طور تعزيز ثقافة التحول الرقمي لدى المواطنين والانتقال إلى الخدمات الإلكترونية من خلال مركز خدمة المواطن الإلكتروني.
ويمكن أن تصنف هذه المزاعم بأنها كذبة الموسم في ظل تدهور قطاع الاتصالات على نحو غير مسبوق، بالمقابل يدعي نظام الأسد إلزام مشغلي الاتصالات الخلوية بتحسين خدماتهم من خلال الاعتماد على الطاقة الشمسية وتغيير نوعية البطاريات المستخدمة وتخفيض زمن استبدالها، رغم عدم حصول هذه الشركات على دعم من الميزانية العامة للدولة، وفق تعبيره.
مليارات تائهة بين الإيرادات والخسائر
يتباهى نظام الأسد بتحصيل المليارات عبر الإيرادات المالية المحققة عبر قطاع الاتصالات، إلا أنه يتجاهل تطوير الخدمة والشركات العاملة في القطاع الذي طالما كان مسرحا للصراع والهيمنة على موارد مالية ضخمة، وفي 2019 بلغت قيمة أضرار قطاع الاتصالات في سوريا نحو 500 مليار ليرة سورية، وفق حصائل رسمية غابت كما حال الخدمة خلال السنوات الماضية.
ويقدر بأن عدد مشتركي خدمات الإنترنت في سوريا بنحو مليون و600 ألف مشترك، ويذكر أن نسبة كبيرة من المشتركين بالأساس يكون الاشتراك لديهم بأقل سرعة وهي 512 كيلوبايت، وسط تجاهل النظام لهذه الخدمة التي تعاني من تراجع كبير وفي ظل ساعات انقطاع الكهرباء الطويلة تفرغ البطاريات الخاصة بالأبراج دون وجود أي بدائل توفر حلول جذرية.