المياه النظيفة حلم للسوريين .. وتهالك الصرف الصحي يعرض حياتهم لخطر الموت
تمتلك سوريا موارد مالية كثيرة بدءً من الشواطئ السوريّة على البحر المتوسط، مروراً بالأنهار والينابيع والسدود وليس انتهاءً بالبحيرات ورغم كثرتها فإنّ وصول المياه النظيفة والصالحة للشرب إلى منازل السوريين تحول إلى حلم صعب التحقق، في ظّل تجاهل نظام الأسد الذي طالما استخدم المياه كأداة في حربه الشاملة ضد الشعب السوري، وأما شبكات الصرف الصحي تشهد أسوأ حالاتها وباتت مصدر لخطر حقيقي يلاحق السوريين ويصل إلى حد إنهاء حياتهم.
مشاهد مُرّعبة لنهر برَدى تخّتزل الحكاية!
لم يكتفِ نظام الأسد بتجاهل تأهيل شبكات المياه والصرف الصحي واستخدامها كسلاح ضد السوريين بل راح يتفنن في تمزيق وتدمير كل ما يتعلق بهذه الخدمة الأساسية ومنها الموارد المائية حيث أظهرت الصور المتداولة حديثاً تحول فرع بردى مقابل المتحف الوطني بدمشق إلى مكبٍّ للنفايات ناهيك عن الرائحة التي تزكم أنوف العابرين.
وتختزل مشاهد النهر الشهير في سوريا حال قطاع المياه بمناطق نفوذ النظام فمن نجا من نيران القصف التي طالت البنى التحتية ودمرت أجزاء واسعة من محطات المياه وشبكات الصرف الصحي لم يسلم من التجاهل وبات يكتوي بالانهيار الشامل في ظل تدهور غير مسبوق تعيشه مناطق النظام على كافة النواحي لا سيّما بما يتعلق بالخدمات الأساسية.
وقال مصدر إعلامي مطلع من مدينة دمشق في حديثه لشبكة "شام" الإخبارية إن مياه الشرب في العاصمة رغم أنها ضرورية للسكان إلّا أن الحصول عليها ليس بالأمر السهل، وسط انقطاع مستمر وطويل للمياه واعتماد تقنين شبيه بخدمة الكهرباء الغائبة، ما يزيد كلفة الحصول على المياه النظيفة.
ولفت إلى أن هناك تفاوت في ساعات وصل المياه بين العاصمة والغوطة الشرقية وعموم أرياف دمشق، وتعد الخدمة غائبة بشكل شبه كامل في أحياء ومناطق واسعة من دمشق مثل القابون والحجر الأسود وجوبر ومناطق شرقي العاصمة، نتيجة عمليات القصف السابقة من قبل نظام الأسد وحلفائه، فيما يتجاهل صيانة وتأهيل محطات المياه بشكل كامل.
ويرى المصدر ذاته أن اللجوء إلى المياه المعدنية حلاً مناسباً لولا كلفته الكبيرة والتي تُصنف خارج القدرة الشرائية للمواطنين، وقبل أشهر قليلة أصدرت الشركة العامة لتعبئة المياه نشرة أسعار جديدة لمنتجاتها، حيث بلغ سعر الجعبة عدد 6 عبوات قياس 1,5 ليتر 6,300 ليرة والعبوة الواحدة 1,050 ليرة سورية.
وبلغ سعر الجعبة عدد 12 عبوة قياس 0,5 ليتر للمستهلك 7,200 ليرة، والعبوة الواحدة 600 ليرة، والعبوة قياس 5 ليتر 3,100 ليرة، وقياس 18,9 ليتر 3,000 ليرة وأما سعر كاسة 250 مل 400 ليرة سورية، وبرر النظام ذلك بزيادة التكاليف وأسعار المواد الأولية.
في زمن الأوبئة.. الصرف يؤرق السكان
تحولت شبكات الصرف الصحي المتهالكة إلى مصدر قلق وخوف للسكان في سوريا حيث تساهم في انتشار الأمراض والأوبئة لا سيّما تلك التي تكون مكشوفة بدون أي عمليات إصلاح وصيانة مع انعدام شبه كامل لخدمات تأهيل شبكات الصرف الصحي في عموم مناطق النظام، مع وجود مؤشرات على تعمد هذه التجاهل.
ومع تصاعد حصائل "الكوليرا"، لم يحرك نظام الأسد ساكناً فيما يتعلق بمكافحة أسباب تفشي الوباء، إذ لم تشهد شبكات الصرف أي عمليات صيانة، بل على العكس تزايدت حالة التجاهل التي ظهرت نتائجها في أول امتحان في العام 2022 حيث غمرت مياه الأمطار شوارع كاملة في عدة محافظات، في ظل فشل تصريف هذه المياه عبر الشبكات المخصصة.
وتفاقمت مشكلات الصرف الصحي في مناطق سيطرة النظام خلال الفترة الماضية ووصل ضررها لمنازل المواطنين والبنى التحتية دون معالجة جذرية واشتكى مواطنين من وجود بؤرة للصرف الصحي في كتلة سكنية تضم 4 مبانٍ في حي كفرسوسة بدمشق.
وذكروا أن مشكلة الصرف بالمنطقة تشمل 50 منزلاً، وعشرات المحال التجارية وتكلفة الإصلاح تتجاوز60 مليون ليرة سورية وهناك مخاطر كبيرة من تجمع مياه الصرف، وتأثير قد يلحق الضرر بدعائم الأبنية وأصبح المكان بؤرة للقوارض والحشرات.
تراجع الخدمة يعرّض حياة السوريين للخطر
تسبب تراجع الخدمة بتعريض حياة السكان لخطر الموت، وفي أحدث آثار تردي وضع شبكات الصرف خلال الفترة الماضية، حادثة وفاة فتاة سقطت في أحد فوهات الصرف الصحي باللاذقية، كما توفيت طفلة نتيجة سقوطها في حفرة للصرف قرب منزلها بحمص، وسط تحذيرات من وجود عشرات الحفر وفوهات الصرف المكشوفة.
في حين انبرى نظام الأسد للظهور في مظهر مزيف وكأنه قلق على حياة السوريين حيث أصدر قرارات هلامية تنص على عزل عدد من مسؤولي اللاذقية وكل ذلك فقط للتنصل من مسؤوليته في إصلاح شبكات الصرف الصحي، وتبرير حالات الإهمال التي تعرض حياة السكان للخطر، بينما تتزايد حالات التلوث والتسمم وتفشي الأمراض نتيجة تلوث المياه بفعل تداخلها مع شبكات الصرف الصحي.
الجفاف يعمّق المعاناة
قدرت وزارة الإدارة المحلية والبيئة في حكومة نظام الأسد عبر تصريحات رسمية مطلّع العام 2022، بأنّ سوريا تتعرض لأسوأ موجة جفاف منذ 70 عاماً نتيجة انحباس الأمطار فيما يرافق ذلك تداعيات كبيرة مع تراجع الموارد المائية في معظم المناطق السوريّة، دون اتخاذ التدابير والإجراءات الوقائية لتفاقم آثار الجفاف والتغيرات البيئية الحاصلة.
وانعكست ظاهرة الجفاف على واقع توفر المياه بشكل كبير، ورافق ذلك حالة جفاف طالت سدود مثل "سد الدويسات" بمنطقة دركوش بالمناطق المحررة شمال غربي سوريا، وأفاد مسؤول محلي ومزارعون بأن جفاف السد يأتي المرة الأولى منذ بنائه قبل نحو ثلاثة عقود، وتتعدد حالات جفاف السدود وحتى البحيرات في عموم سوريا، مثل بحيرة المزيريب بدرعا جنوب البلاد.
كما انخفض منسوب المياه بعدد من الأنهار مثل الفرات والخابور وغيرها، نتيجة عدة عوامل أبرزها الجفاف، وتشير تقديرات بأن أكثر من 5 ملايين شخص يعتمدون بشكل مباشر على مياه نهر الفرات في سوريا، وخلال العام الحالي نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" تحقيقاً حول الجفاف تركز على دمشق والقامشلي وإدلب ودرعا، وأوضح تفاقم حالات العطش وجفاف السدود والبحيرات وندرة الأمطار، وما يتبع ذلك من تداعيات كبيرة على كافة مناحي الحياة ومختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية.
سرقة أغطية الصرف.. ادفع مقابل الصيانة
حالات سرقة يومية تطال أغطية "ريكارات" الصرف الصحي بدمشق، بما فيها فك القاعدة بالكامل وبيعها وسط تقديرات بأن الريكار يكلف نصف مليون ليرة سورية، وسبق فقدان ما لا يقل عن 300 غطاء معدني مخصصة للصرف بحماة مع تزايد الأضرار الناتجة عن عمليات سرقة منظمة ما يشير إلى ضلوع مسؤولين في النظام فيها.
ويتهم نظام الأسد من يصفهم ضعاف النفوس بسرقة أغطية "ريكارات" الصرف، مع تجاهل الصيانة وتعزيز المراقبة على مرافق الصرف الصحي والمطري، وما ينتج عنه من أخطار محدقة للمارة ناهيك عن أن بقاء الريكارات مفتوحة تتسبب بانسداد الشبكة نتيجة لدخول مواد متنوعة إلى الشبكة، وسط تقديرات بأن الخسائر المباشرة لهذه السرقات يتجاوز مئات الملايين من الليرات السوريّة.
وتفرض ورشات الشركة العامة للصرف الصحي بمناطق النظام مبالغ مالية كبيرة مقابل إجراء أي صيانة حيث يتكبد المواطن تكلفة مالية تصل إلى 30 ألف ليرة سورية، مقابل إعادة فتح مجاري الصرف الصحي، وتزايد حالات الابتزاز مقابل هذه الخدمة حتى في حالات تتطلب إغلاق فوهات الصرف فقط، ووفق مصادر خاصة فإن الشركة التابعة للنظام تطلب من السكان جمع مبلغ حوالي نصف مليون ليرة مقابل إعادة تركيب الغطاء الواحد للصرف الصحي.
شمال سوريا .. المخيمات الأكثر تضرراً
تعاني مناطق المخيمات في الشمال السوري من انعدام وجود شبكات للصرف الصحي بشكل آمن حيث تقع معظم مصباتها على مسافة لا تتجاوز 2 كيلو متر عن التجمعات السكنية والمخيمات في أحسن الأحوال، وأحياناً تكون متاخمة للمساكن وسط تحذيرات متصاعدة من كوارث متوقعة مع تزايد الحاجة إلى حل جذري مع تحذيرات حول انتشار الأمراض الجلدية والمعوية.
ويضاف إلى ذلك تزايد حالات انقطاع المياه في عدة مناطق شمال غرب سوريا منها انقطاع دائم بسبب توقف الدعم، وتلوث مياه الشرب وغلاء ويسجل متوسط سعر الخزان من المياه غير المخصصة للشرب ( 5 برميل 35 ليرة تركية)، وخلصت دراسة أعدتها وحدة تنسيق الدعم لتقييم واقع الصرف الصحي إلى أن الشبكات تحتاج إلى صيانة وإعادة تقييم شاملة، ويذكر أن العمليات العسكرية التي شنها نظام الأسد طيلة الأعوام الماضية أسفرت عن ضرر بالغ لحق بمعظم البنى التحتية في عموم سوريا.
واقع الخدمة وكلفتها في شمال شرق سوريا
قال مصدر محلي في شمال وشرق سوريا طلب عدم الكشف عن هويته إن بالنسبة لقطاع المياه والصرف الصحي فإنّ عدة مناطق في محافظة الرقة تعد مغطاة بشكل جيد، وقدر أن تكلفة فاتورة استهلاك المياه تتراوح بين 10-15 ألف ليرة سورية، مع انقطاع المياه لمدة لا تزيد عن 3 ساعات في بعض الأحيان.
وأرجع وجود هذا "المستوى المقبول" -وفق تعبيره- إلى تدخل المنظمات الإنسانية، فيما تنقسم دير الزور والحسكة إلى عدة مناطق كثيرة منها تعاني من تراجع كبير في تأمين المياه النظيفة وتهالك الصرف الصحي لا سيّما في هجين وصولاً لبلدة الباعوز بريف ديرالزور.
وأشار المصدر في حديثه لـ "شام" إلى أن "نهر الفرات" أبرز الموارد المائية المتاحة للأهالي، ويتم استجرار المياه عن طريق صهاريج المياه يمكن استخدامها للاستحمام والتنظيف، يتراوح السعر بين 15 إلى 18 ألف ليرة سورية، ومياه الشرب عن طريق محطات فلترة مخصصة ويبلغ سعر الخزان سعة 100 ليتر بسعر 8,000 ليرة سورية.
السوريين أمام تحديات تأمين المياه
تشكل المياه أحد أهم مقومات استمرارية الحياة والمورد الأكثر تأثيراً في حياة السكان في جميع مناطق سوريا، إلا أنه ومنذ بداية عام 2011 بدأت تبرز قضية المياه كإحدى أهم التحديات المرتبطة بالمعاناة الإنسانية للمدنيين، ونشر مركز عمران للدراسات على جزئين، دراسة تحليلية تبرز قضية المياه كإحدى أهم جوانب المعاناة الإنسانية للسكان المدنيين في خضم الثورة السورية، بالمقابل تغيب الإحصائيات التي تقدر خسائر القطاع بشكل دقيق.
وتواترت التقارير التي تؤشر للواقع المائي المتردي في سوريا ومستقبل مواردها المائية المهددة، لا سيّما بعد التدمير الممنهج للبنية التحتية ووفقاً للمعطيات التي حملتها هذه التقارير تضاءلت قدرة السكان في الحفاظ على النفاذ المستدام إلى كميات كافية من المياه بجودة مقبولة، وازدادت معدلات التلوث بشكل كبير، رافعة بذلك حالة الفقر المائي لدى الأفراد بسبب استمرار التناقص في حصة الفرد من الموارد المتاحة، ومنذرة بأزمة مائية ستشكل تهديداً فعلياً للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في ظل تفاقم الظروف المعيشية وارتفاع أسعار مياه الشرب في سوريا.