قراءة في تعاطي النظام مع "تفـ ـجير الكلية".. مطالب بإبادة إدلب وتحليلات وروايات متناقضة
استنفر نظام الأسد وسائل إعلامه الرسمية والرديفة منذ اللحظات الأولى من التفجير المدبر الذي استهدف الكلية الحربية في حمص الخميس الماضي، ونستعرض في هذا التقرير أبرز ردود الفعل المعلنة، وكذلك الروايات والتحليلات المتناقضة التي صدرها النظام السوري عبر الواجهات الإعلامية التابعة له، ونلفت إلى حملة التحريض على قصف وإبادة علنية أطلقها النظام عبر أبواق من الموالين والشبيحة.
مطالب بإبادة إدلب.. مغنٍ مغمور يتقيَّأ حقداً وإجراماً
دعا مغني المراقص المغمور، "ريبال الهادي"، الموالي للنظام السوري، إلى حرق وإبادة محافظة إدلب بما فيها من نساء وأطفال، ما أثار استياء وغضب رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين وصفوا دعوات الإبادة الذي أطلقها بـ"الفاشية" التي تجلت في كثير من الدعوات مماثلة على لسان الموالين لنظام الأسد.
وفي سياق موازٍ رصدت شبكة "شام"، الإخبارية، عشرات المنشورات التحريضية التي تحمل الكثير من الحقد والتجييش ضمن ممارسات ممنهجة تقوم عليها حسابات موالية لنظام الأسد، ودعت إلى إبادة محافظة إدلب التي تضم ملايين المدنيين والمهجّرين بمن فيها وتحويلها إلى أرض زراعية، وفق تعبيرهم.
وفي سياق التحريض والتجييش ودعوات الانتقام التي ضجت بها حسابات الموالين لنظام الأسد، نشر "حزب البعث"، التابع لنظام الأسد بياناً قال فيه إن استهداف الكلية الحربية بحمص "جريمة إرهابية جبانة تؤكد من جديد حقد الإرهابيين وحماتهم وداعميهم على الجيش والشعب السوري"، حسب وصفه.
"ثأر الكلية الحربية".. أطفال إدلب هم الهدف!!
"ثأر الكلية الحربية"، هاشتاغ إعلامي أطلقه موالون لنظام الأسد على مواقع التواصل الاجتماعي، وروّجت له صفحات استخباراتية وعسكرية، وحمّل عشرات الصور والمشاهد المرئية التي تؤيد القصف الوحشي ضد مناطق المدنيين في إدلب شمال غربي سوريا.
وقاد حملة التحريض والتجييش ودعوات الانتقام والإبادة شخصيات معروفة داعمة للأسد، بينهم وزير التموين السابق "عمرو سالم" الذي كتب منشوراً مقتضباً قال فيه: "مقابل كل شهيد مئة"، في دعوة صريحة لتكثيف القتل والإجرام بدعوى الثأر المزعوم الذي يستهدف المدنيين في إدلب.
ومن بين المنشورات التحريضية والتعليقات الطائفية التي تضمنت الشتم والسباب والتشفي والازدراء والتطاول، دعا موالون لنظام الأسد السكان في إدلب شمال غربي سوريا، لتجهيز مراكز التبرع بالدم والنزوح كون قوات الأسد مستمرة في حملة الانتقام التي تزيد نيرانها حسابات الموالين والشبيحة ممن تغنت بسقوط شهداء وجرحى من المدنيين والمهجّرين في إدلب.
وقال رئيس تحرير صحيفة تابعة لإعلام النظام "وضاح عبد ربه"، إن "الغارات الجوية لم تتوقف منذ الصباح الباكر والمدفعية مستمرة منذ بعد ظهر الأمس، الرد جاري".
وقالت المسؤولة الإعلامية "نهلة عيسى" إنها حصلت على مشاهد مرعبة من الكلية الحربية بحمص، ودعت إلى إبادة السوريين في المناطق المحررة بحجة الانتقام، حيث قالت: "لا عذر لصديق ولا لحليف ولا مكان ولا معنى للسياسة وضبط النفس، اليوم يجب أن يكون يوم رد الكرامة، والنار بالنار والحريق بالحريق والروح بمئة روح لأن الفاعل معروف"، وفق تعبيرها.
دعوات تنكيل وسفك دماء الأطفال والنساء دون رحمة
انخرط أبرز أبواق النظام السوري في هذه الحملة المسعورة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، قال الشبيح "حيدرة بهجت سليمان"، "سنهدر دماء الأطفال والنساء.. سقط كل ما هو محظور وشطبنا من قاموسنا كلمة الرحمة سنحرقهم سنقتلهم سنقتص منهم حتى في تلك الأرحام النتنة القذرة التي أنجبت هؤلاء المسوخ".
من جانبه اعتبر المجرم "جهاد بركات"، قائد ميليشيا ما يسمى بـ"مغاوير البعث"، أن منفذي الهجوم ضد الكلية الحربية هم "أحفاد الأخوان المسلمين" وخاطب جيش النظام قائلاً:"اسحقهم لاتترك منهم أحداً صغيراً وكبيراً فجميعهم مجرمون قتلة إرهابيون خونة، لا ترحمهم".
وكذلك حرض الباحث العلوي الطائفي "أحمد أديب أحمد"، ضد السوريين، معتبراً أن بعد استهداف الكلية الحربية ليس كما قبله، و"سيتم تنظيف سوريا تنظيفاً حقيقياً من الإرهاب"، سواء "أعداؤنا السوريون الإرهابيون الذين مدت لهم الدولة يد المسامحة فحاولوا قطعها بخنجر الغدر" أو "أعداءنا المسيِّرين لهم من تركيا وإسرائيل وأمريكا"، وفق كلامه.
روايات متناقضة.. من استهدف الكلية الحربية وسط سوريا؟
ما أن أفادت مصادر محلية بسماع دوي انفجار ضخم من جهة الكلية الحربية الواقعة شمال غرب حمص، حتى بادر إعلام النظام الرسمي بالحديث عن هجوم بطائرات مسيرة من قبل ما قال إنها "التنظيمات الإرهابية المسلحة المدعومة دولياً"، ويعد ذلك المؤشر الأول على ركاكة الرواية الرسمية إذ من المعروف أن النظام يتكتم على مثل هذه الأحداث الحساسة.
وتخلل استنفار النظام إعلامياً على مدار الساعة الكثير من التحليلات والروايات المتناقضة التي نشرها النظام في ظل تخبط واضح، وفي رصد لوسائل إعلام نظام الأسد وما ورد عنها تطايرت الاتهامات بالوقوف خلف الاستهداف الغامض، ومن بين المتهمين "التنظيمات المسلحة، إسرائيل، فرنسا، التحالف، الإخوان المسلمين، القاعدة، الحزب التركستاني، تركيا، أمريكا، وقطر والغرب، المخابرات البريطانية والأوكرانية"، وغيرها.
"شطحات" خيالية بالجملة .. "شام" تفند بعض الكذبات
قال الكاتب والمحلل السياسي "علاء الأصفري"، في حديثه لوسائل إعلام موالية للنظام، "يقال إن الجولاني يخبئ في مغارات جبل شحشبو الأسلحة التي تأتي من أوروبا"، وذكر أن "التقنيات التي تم العثور عليها في بقايا المسيرات يُعتقد أنها فرنسية، و"الحزب التركستاني، الذي أرسل الطائرة المسيرة من جسر الشغور، سيدفع الثمن".
وفي تفنيد لهذه الكذبة والسقطة من بين العشرات التي يروجها نظام الأسد مستغلا حادثة التفجير المدبر، يبدو أن المحلل المذكور اعتمد على ورقة ومعلومات قديمة تقدمها الاستخبارات التابعة لنظام الأسد للظهور الإعلامي والتحليل، حيث أنه من المعلوم بأن منطقة جبل شحشبو التي زعم أنها تضم مستودعات للأسلحة تخضع لسيطرة قوات الأسد منذ 2020، وكذلك لم يكشف عن العثور على أي بقايا للمسيرات.
وقال أحد المحللين الموالين لنظام الأسد أن هناك "يد خبيرة"، أمدت من وصفهم بأنهم "الإرهابيين"، بطريقة صنع الدرون، ضمن تحدي تكنولوجي واضح، واتهم بذلك "المخابرات البريطانية"، بالتنسيق مع ضباط ارتباط من إسرائيل متخفين تحت أسماء غربية، وفق زعمه.
وقال آخر في حديثه لوسائل إعلام تابعة لنظام الأسد إنه هذه الطائرات المسيرة لا يكشفها الرادار بسبب جسمها المصنوع ربما من "الفلين"، أو من مادة أخرى لا يكشفها الرادار، وزعم أنه يحلل موضوعياً لذلك هناك خيار أن مصدر المسيرات إدلب، أو التنف، أو خيار ثالث هو خلايا نائمة ضمن حمص، وجاء هذا التحليل على شاشة التلفزيون الرسمي الذي سبق أن أشاد بقدرات متطورة لروسيا وإيران برصد وإسقاط المسيرات مهما كانت دقيقة وصغيرة.
بين "التنف والعمر" .. المتهم أمريكا وتركيا والقصف في إدلب وحلب!!
اتهم عراب الخيانة "عمر رحمون"، التحالف الدولي في حقل العمر بريف ديرالزور الشرقي بإرسال المسيرات وقصف الكلية الحربية بحمص، وزعم "إسقاط الدفاع الجوي لدى نظام الأسد 6 طائرات مسيرة خرجت من الحقل لقصف موكب تشييع جنائز تشييع جثامين قتلى التفجير يوم أمس الجمعة.
في حين ذكر الإعلامي الداعم للأسد "رفيق لطف"، أن الضربة كانت من شمال التنف بإشراف أمريكي، وكذلك قال الإعلامي اللبناني "حسين مرتضى"، أحد أبواق النظام السوري إن الهجوم على الكلية الحربية نفذ بواسطة مسيّرات أقلعت من "قاعدة التنف" جنوبي سوريا بتوجيهات أمريكية.
وذكر "مرتضى" أن "الدائرة الجغرافية، التي يتم فيها رد النظام في إشارة لقصف إدلب "لها رسائل ودلالات واضحة"، وزعم مراسل قناة الميادين الإيرانية "رضا الباشا"، بأن قوات الأسد استهدفت "مقارّ الحزب الإسلامي التركستاني رداً على مجزرة الكلية الحربية في حمص"، إلا أن ذلك لم يحدث بل قصفت ميليشيات النظام مواقع مدنية وأدت لحدوث مجازر مروعة.
واتهم ما يسمى بـ"رئيس لجنة الشؤون العربية والخارجية"، في "مجلس التصفيق"، المدعو "بطرس مرجانة"، في تصريحات صحفية أن "تركيا منحت الإذن للمجموعات المسلحة لتنفيذ هذه الهجمة الإرهابية"، معتبرا أن المستفيد الأول من الهجوم هو من الجهات التي تعادي النظام السوري.
وحسب الشبيح لنظام الأسد والمحرض ضد اللاجئين السوريين في ألمانيا "كيفورك ألماسيان"، فإنّ "لولا الدعم العسكري والاستخباراتي التركي بالعتاد والتكنولوجيا والعلم، ما كانوا الإرهابيين قدروا يصنعوا هكذا طائرات وتفجيرها بين الناس".
وتابع داعيا إلى شن معركة ضد إدلب شمال غربي سوريا، واعتبر أن الهجوم على الكلية الحربية غير مسبوق، إن كان في أدواته والجهات القائمة عليه، أو لجهة الخسائر، ورغم هذه الاتهامات للدول باستهداف حفل تخريج طلاب ضباط الكلية الحربية في حمص، يكثف النظام السوري قصفه على إدلب وريف حلب.
بالمقابل قالت عدة مصادر عسكرية وإعلامية إن حمص فيها أكبر انتشار لما يسمى وحدات الدفاع الجوي ولا يمكن أن تقترب أي طائرة دون رصدها، وإيران هي الفاعل، وسط معلومات عن تواطؤ مباشر من نظام الأسد في تدبير هذا التفجير، الأمر الذي أكدت شعارات رفعها متظاهرين في السويداء أمس الجمعة.
ورغم تعدد المتهمين من قبل إعلام النظام بتنفيذ الهجوم ركز بعض المحللين على جهات دون أخرى، وجاء في الصدارة "تركيا وإسرائيل وأمريكا"، كما ذكرت بعض التعليقات للموالين مع توسع رقعة الروايات والتحليلات المتناقضة بأن التفجير قد يكون من تنفيذ استخبارات عالمية بالشراكة مع بريطانيا وأوكرانيا.
رسائل داخلية وخارجية والنظام يحتفي برسائل العزاء
في مخاطبة للخارج كتب المسؤول الصناعي لدى نظام الأسد "فارس الشهابي"، منشورا باللغة الإنجليزية قال فيه إن "تنظيم القاعدة المحبوب جدا من تركيا وقطر والغرب نفذ هجوم إرهابي بطائرة بدون طيار في حمص، الغرب يريد منا أن نسلم بلادنا ومستقبلنا لأكبر إرهابيين عرفهم التاريخ في إدلب".
وعمد نظام الأسد إلى استغلال الهجوم وركز على تمرير رسائل داخلية وخارجية أبرزها أن الحرب لم تنتهي بعد ولا يزال في حال حرب مع الإرهاب وفق تعبيره، وذكرت مصادر أن النظام وجه خلال التفجير رسائل ودلالات واضحة موجهة للحراك في السويداء، والموالين في الساحل كما وجه رسائل للمجتمع الدولي.
وفي لهفة منقطعة النظير ينشر إعلام النظام برقيات التعازي الواردة من عدة جهات داخلية ودولية وخارجية، وقد يندرج ذلك -وفق تعبيرهم- في إطار تعويم رأس النظام الإرهابي ومحاولة إظهاره كزعيم معترف به دوليا رغم العزلة الدولية التي يعيشها نتيجة الجرائم بحق الشعب السوري، وكرر النظام ذلك خلال مرحلة الزلزال ومحاولات التطبيع العربي.
هذا وركز إعلام النظام السوري على بيانات من يعتبرهم حلفاء "إيران وروسيا والحرس الثوري الإيراني وحزب الله الإرهابي الذي اعتبر أن "المؤامرة الكونية"، مستمرة ضدّ سوريا بدعم خارجي صريح، وأكد على مساندة رأس النظام كما شدد رئيس الأركان الإيراني العماد "محمد باقري" أن الميليشيات الإيرانية مستعدة لاستمرار وتكثيف التعاون مع نظام الأسد بحجة "محاربة الإرهاب".
ويذكر أن نظام الأسد وميليشياته تصعد من قصفها الوحشي للمناطق المدنية في إدلب وريف حلب الغربي، باستخدام أسلحة فتاكة تحمل قنابل عنقودية وأخرى حارقة، مع ارتفاع حصيلة الشهداء المدنيين جراء قصف روسيا والنظام للشمال السوري منذ يوم الخميس إلى 31 شهيداً وعشرات الجرحى واستجاب "الدفاع المدني السوري"، (الخوذ البيضاء) لمناطق الاستهداف، وسجلت مناطق شمال غربي سوريا دمارا كبيرا وسط حركة نزوح للأهالي، في ظل تواصل التصعيد الإرهابي من قبل نظام الأسد وميليشياته على مرأى ومسمع العالم.