
استهداف دور العبادة في الحرب السورية: الأثر العميق في الذاكرة والوجدان
لم تسلم دور العبادة في سوريا من ويلات الحرب، إذ شكّل استهداف المساجد والكنائس واحداً من أكثر أوجه المأساة قسوةً في ذاكرة السوريين، لا سيما مع تكرار مشاهد القصف والتدمير التي طالت أماكن طالما ارتادوها بحثاً عن السكينة والطمأنينة، ولأداء واجباتهم الدينية.
ومنذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011، أصبحت المساجد هدفاً مباشراً لقوات النظام، لا سيما تلك التي انطلقت منها المظاهرات السلمية بعد صلاة الجمعة، وبدلاً من أن تكون بيوت الله ملاذاً آمناً، تحولت إلى نقاط استهداف مباشر، سقط فيها شهداء وهم يؤدون صلاتهم، دون أي اعتبار لحرمة المكان أو الدم.
ولم يكن ذلك وليد اللحظة، إذ سبقه استهداف مماثل خلال مجزرة حماة عام 1982، حيث وثّقت التقارير تدمير 79 مسجداً وثلاث كنائس على يد قوات النظام آنذاك، في محاولة لإخضاع المدينة وكسر إرادة سكانها.
ومع تصاعد العمليات العسكرية بعد عام 2011، باتت دور العبادة هدفاً متكرراً للقصف، سواء لتصفية الحراك الشعبي، أو لإفراغ المدن من سكانها، حتى بعد التهجير، استُكمل تدمير المساجد ونهب محتوياتها، وبحسب إحصائيات صادرة عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن أكثر من 1453 استهداف سجل على أماكن عبادة، بفعل القصف المباشر أو الهدم المتعمد من قبل قوات النظام.
كما طالت الاعتداءات الكنائس أيضاً، فقد وثّقت تقارير حقوقية، قصف كنيسة السيدة العذراء في حي بستان الديوان بمدينة حمص، وتضرر كنيسة القديس جاورجيوس في إدلب، إضافة إلى تعرض كنيسة أم الزنار للنهب على يد عناصر تابعة للنظام.
وترافقت هذه الانتهاكات مع محاولات سياسية لتحويل مسار الثورة إلى نزاع طائفي، في محاولة من النظام السابق لضمان ولاء الأقليات الدينية.،ومؤخراً، حاول بعض الموالين له تحميل الحكومة الانتقالية والأجهزة الأمنية مسؤولية تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق، في محاولة لإعادة إحياء الخطاب الطائفي، إلا أن هذه المحاولة قوبلت برفض شعبي واسع وفشلت في تأجيج الانقسامات.
الأثر النفسي والاجتماعي
لم يكن استهداف دور العبادة مجرّد دمار مادي، بل خلّف أثراً نفسياً واجتماعياً عميقاً، فالمساجد والكنائس لطالما كانت فضاءات جامعة، تعزز الهوية الروحية والاجتماعية للمجتمع المحلي، وتشكل نقطة التقاء يومي وروحي بين أبناء الحي أو القرية، ولذلك، فإن تدميرها شكّل انتهاكاً جماعياً طال الذاكرة الجمعية للسوريين.
أطفال فقدوا إحساسهم بالأمان في حضرة أماكن العبادة، ومصلون قُطعت صلاتهم تحت الركام، وشيوخ بكوا مآذن مهدّمة وكنائس محترقة، كلّهم يحملون صدمةً سيبقى أثرها ممتداً لسنوات. وقد شكّل ذلك جزءاً من صدمة جماعية، جعلت حتى أماكن الطمأنينة جزءاً من مشهد الرعب المستمر.
ورغم هذا الدمار، أصرّ كثير من السوريين على التمسك بالأمل، فمع أولى فرص العودة إلى مناطقهم، سارعوا إلى ترميم المساجد والكنائس، بأيديهم أو بدعم من مجتمعاتهم المحلية، وعادوا إليها للصلاة والتعبد، في رسالة رمزية بأن إعادة بناء الإنسان تبدأ من إعادة بناء القيم، وأن إعادة إعمار الحجر جزء لا يتجزأ من شفاء الوجدان.