أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
● مقالات رأي ٣٠ يونيو ٢٠٢٥

أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟

لطالما عانت نساء سوريات من تداعيات قانون الجنسية المُتبع منذ عهد النظام البائد قبل عقود، والذي ينصُّ على منح الجنسية السورية فقط عن طريق الأب، ولا يتيح لهن حق إعطائها لأبنائهن في حال الزواج من غير سوري.

ازدادت أعداد النساء المتأثرات بذلك القانون خلال سنوات الحرب التي اندلعت في سوريا بعد ثورة آذار/مارس 2011، لا سيما مع تزايد حالات زواج السوريات من غير السوريين نتيجة ظروف النزوح واللجوء، بالإضافة إلى دخول مغتربين وأجانب إلى البلاد وزواج بعضهم من سوريات وإنجاب أطفال منهم، مما أدى إلى اتساع شريحة الأطفال المحرومين من الجنسية السورية.

ورغم المحاولات المتكررة لتعديل المرسوم التشريعي رقم 276 الصادر عام 1969، المُتعلق بمسائل الجنسية في سوريا، وطرح المشروع مراراً في مجلس الشعب على مدار العقدين الماضيين، لم تتحقق النتائج المرجوة لصالح النساء،  فقد رفض النظام البائد هذه التعديلات بحجة مخاوف التغيير الديموغرافي، ثم تذرع لاحقاً بمبرر محاربة الإرهاب عقب اندلاع الثورة السورية.

مع تصاعد أعداد الحالات وتزايد المطالبات النسائية بتعديل قانون الجنسية، انطلقت خلال سنوات الحرب مبادرات داعمة، من بينها حملة "جنسيتي من حقي"، التي أطلقها فريق ورشة للمناصرة والتوثيق عام 2017. جاءت هذه المبادرة بعد توثيق الفريق لحالات متعددة لأمهات سوريات لم تتمكن من تسجيل أطفالهن، مما حرم هؤلاء الأطفال من حقوقهم الأساسية في التعليم والتنقل والسفر والإغاثة وغيرها.

تقول مرام المصطفى، 35 عاماً، سورية تقيم في تركيا: "تزوجت من شاب تركي بعد هجرتي من مدينة إدلب، وأنجبت طفلين يحملان الجنسية التركية. كثيراً ما أفكر، بيني وبين نفسي، أنه لو عاد أطفالي معي إلى سوريا، فسيُحرمون من العديد من الحقوق لكونهم لا يحملون الجنسية السورية، وسيشعرون بالغربة في بلد والدتهم".

ورغم صعوبة وضع مرام، إلا أن حالها يبقى أيسر مقارنة بأم جورية، التي تزوجت من مغترب سعودي لا تعرف عنه سوى اسمه، وقد توفي في منطقة الباغوز قبل سنوات، بعد أن أنجبت منه طفلتين.

تمكّنت من تسجيل الطفلتين في محكمة إدلب بغرض الحصول على أوراق ثبوتية، إلا أنهما لم تُمنحا الجنسية السورية، ولا حتى جنسية والدهما. واليوم، تواجه الطفلتان خطر انعدام الجنسية، ما يهدد مستقبلهما القانوني والاجتماعي.

وبحسب حملة "مين زوجك" التي انطلقت  في شهر كانون الثاني/يناير عام 2018، فإن أعداد النساء المتزوجات من مقاتلين أجانب في محافظة إدلب تحديداً 1735 حالة زواج، أنجبت منهن 1124امرأة أكثر من 1826طفلاً. 

تُرجّح مصادر محلية أن عدد الأطفال عديمي الجنسية قد ازداد في سوريا خلال السنوات الأخيرة، لا سيما مع دخول أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب إلى البلاد خلال فترة الحرب، ما ينذر بكارثة إنسانية تتمثل في وجود آلاف الأطفال بلا جنسية.

وفي أعقاب سقوط نظام بشار الأسد، أعادت ناشطات وأمهات سوريات فتح ملف القانون الذي يمنع النساء من منح الجنسية لأبنائهن، موجّهات نداءً إلى الحكومة السورية بضرورة إنصاف المرأة، وتعديل القانون بما يكفل المساواة، ويعترف بحق الأم في نقل جنسيتها لأبنائها تماماً كما هو الحال بالنسبة للأب.

وقد عبّرت عدد من السيدات السوريات اللواتي قابلناهن عن شعورهن بالعجز والدونية القانونية بسبب عدم قدرتهن على منح الجنسية لأطفالهن، إضافة إلى القلق العميق على مستقبل هؤلاء الأطفال، لا سيما أبناء المهجّرين الذين لا يُعرف عنهم سوى أسمائهم وألقابهم. كما أشرن إلى إحساس بالذنب، إذ يشعرن أن أبناءهن يدفعون ثمن "خيارهن الشخصي" في الزواج من أجانب.

وتأمل الأمهات أن تُمنح الفرصة لأبنائهن لحمل جنسيتهن، ليكون لهم انتماء وجذور واضحة لا تنفصل عن أصولهم السورية، وحتى لا يُعاملوا كغرباء أو لاجئين في حال قرروا الاستقرار في وطن أمهاتهم. فبحصولهم على الجنسية، يصبحون مواطنين سوريين كغيرهم، يفتخرون بالانتماء إلى سوريا ويعتزون بها.

في الوقت ذاته، ترى ناشطات أن حرمان الأمهات من حق منح الجنسية لأبنائهن يُعد شكلاً من أشكال التمييز، ويستدعي تعديل القانون لتحقيق مبدأ المساواة. خاصة أن المرحلة الأخيرة شهدت خطوات إيجابية لصالح النساء، من أبرزها إسناد مناصب مهمة لقيادات نسائية بارزة في البلاد.

تبقى النساء السوريات هن المتضررات الوحيدات من قرار اتخذه النظام السابق، متذرعاً بحجج واهية ومتجاهلاً المعاناة والتضييقات التي ستنجم عنه، بالإضافة إلى الأعباء الثقيلة التي ستقع على عاتقهن. وها هي النسوة اليوم يعلقن آمالهن على الحكومة الجديدة، على أن تتخذ خطوات منصفة تضمن لهن ولأبنائهن الحق الكامل في الحصول على الجنسية السورية، وتحقيق العدالة والمساواة.

الكاتب: سيرين المصطفى
مشاركة: 
الكلمات الدليلية:

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ