أثار مقطع فيديو تم تداوله قبل ساعات غضب روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، إذ ظهر فيه طفل يتيم الأب، قيل إنه يعيش في حماة مع عمه، وهو يتعرّض للضرب المبرح والشتم، في مشهد تجاهل فيه المعتدي صراخ الطفل والدم النازف من أنفه، دون أن يُعير أي اهتمام لتوسلاته أو للتبعات الجسدية والنفسية والمعنوية التي قد تخلّفها هذه الممارسات.
سارع ناشطون إلى التدخل الفوري، حيث نشروا الفيديو على نطاق واسع، ووجّهوا مناشدات للجهات المعنية، مثل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والأمن العام، ومحافظ حماة، مطالبين بمحاسبة المعتدي.
الاستجابة الرسمية كانت سريعة، إذ أكد محافظ حماة، عبد الرحمن السهيان، عبر منشور على وسائل التواصل، أن الموضوع يُتابع بكل اهتمام، مشدداً على حرص السلطات على حماية الأطفال من جميع أشكال العنف والأذى. كما أُعلن لاحقاً أن الجهات الأمنية ألقت القبض على المتورط في تعذيب الطفل، الذي يخضع حالياً للرعاية الصحية.
وليست هذه الحادثة الأولى من نوعها، إذ تنتشر بين الحين والآخر على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع صادمة توثّق حالات تعنيف لأطفال سوريين على يد ذويهم، في مشاهد قاسية تستفز مشاعر المتابعين وتدفعهم للمطالبة بمحاسبة الجناة وتقديم الدعم للضحايا. ومع تكرار هذه الحالات، تتزايد المؤشرات على اتساع هذه الظاهرة في بعض المناطق، في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية معقّدة تُسهم في تفاقمها.
مفاهيم موروثة تشرّع العنف
لا يزال بعض الأهالي يعتبر أن الضرب وسيلة “فعّالة” في التربية، مستندين إلى موروث شعبي مفاده: “نحن انضربنا ولم يصبنا مكروه”، إلا أن هذا النمط من التفكير يُغفل الآثار النفسية العميقة التي قد تتركها هذه الممارسات على الطفل، والتي تتراوح بين الخوف الدائم، فقدان الشعور بالأمان، وكره الأهل، فضلاً عن تكوين شخصية مهزوزة يصعب عليها الثقة بالآخرين أو الدفاع عن نفسها.
وغالباً ما يكون الجهل وقلة الوعي الحقوقي والديني من أبرز العوامل الداعمة لهذا السلوك، إذ تُحرّم الشريعة الإسلامية ضرب الأطفال بطرق مهينة، وتدعو إلى التربية بالرحمة والموعظة الحسنة، بينما تُظهر بعض الحالات أن الجناة يفتقرون إلى أبسط معايير التعليم أو الثقافة.
الخلافات الزوجية.. والأطفال هم الضحية
في عدد من الحالات التي تم توثيقها، تبيّن أن بعض مقاطع تعنيف الأطفال صُوّرت عمداً كوسيلة ضغط أو انتقام بين الأزواج، لا سيما في حالات الانفصال أو النزاع على الحضانة. حيث يعمد الأب، في بعض الوقائع، إلى تصوير فيديوهات ضرب لأطفاله بهدف إرسالها إلى زوجته، لدفعها إلى التراجع عن قراراتها، أو التنازل عن حقوقها، أو إثارة مشاعر الذنب والندم لديها.
وفي سياق مشابه، اشتكت عدد من النساء من قيام الأزواج السابقين بتعنيف الأطفال فقط بهدف إيذائهن نفسياً، مما يسلّط الضوء على غياب منظومة الحماية الاجتماعية والقانونية للأسرة والطفولة.
الضغوط الاقتصادية.. سبب إضافي
يلعب العامل المادي دوراً رئيسياً في زيادة معدلات العنف داخل بعض الأسر. فالفقر والبطالة وشحّ الموارد يدفع بعض الآباء إلى تفريغ توترهم في أفراد عائلاتهم، لتتحول البيئة المنزلية إلى دائرة عنف دائمة، يتعرض فيها الأطفال لأشدّ أشكال العقاب البدني لأتفه الأسباب.
آثار نفسية وجسدية خطيرة
لا تقتصر تداعيات العنف على اللحظة الآنية فحسب، بل يمتد أثره ليُهدّد حاضر الطفل ومستقبله. إذ يفقد الطفل ثقته بنفسه، ويعيش في حالة دائمة من القلق والخوف، ويصبح أكثر عرضة للتنمّر أو الاستغلال. وفي الحالات القصوى، قد تخلّف الضربات آثاراً جسدية بالغة تصل إلى الإعاقات الدائمة.
جهود توعوية لمواجهة الظاهرة
تحاول المنظمات الإنسانية ووسائل الإعلام المحلية والناشطون تسليط الضوء على هذه القضايا باستمرار، عبر إطلاق مبادرات توعوية وتقديم جلسات دعم نفسي وتدريب للأهالي، ضمن مشاريع الحماية المجتمعية التي تُعنى بالطفل.
وفي كل حالة موثقة، تعمل الجهات الحقوقية والإعلامية على المطالبة بتوفير الحماية للطفل، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق الجناة، في محاولة للحد من انتشار الظاهرة وضمان بيئة آمنة للأطفال في مختلف المناطق.
عادت المخرجة السورية وعد جركس، المعروفة باسم وعد الخطيب، إلى منزل عائلتها في مدينة مصياف، برفقة زوجها الدكتور حمزة الخطيب، بعد غياب قسري استمر 13 عامًا، نتيجة نشاطها الإعلامي والسينمائي في صفوف الثورة السورية.
وعد الخطيب، التي عُرفت بنشاطها في حراك جامعة حلب، عاشت حصار أحياء المدينة الشرقية، حتى تهجيرها أواخر عام 2016، قبل أن تنتقل مع عائلتها إلى بريطانيا حيث تقيم اليوم.
أنجزت وعد أول أفلامها الوثائقية بعنوان **"إلى سما"**، الذي حقق انتشارًا عالميًا وحصد عشرات الجوائز الدولية، وبلغ مرحلة الترشح لجائزة الأوسكار عام 2019. وقدّمت لاحقًا أفلامًا أخرى بينها **"تجرأنا على الحلم"** و\*\*"موت بلا رحمة"\*\*، الذي وثّق تداعيات زلزال شباط 2023 في سوريا وتركيا.
في فيلمها "إلى سما"، الذي صوّر على مدار خمس سنوات، تروي وعد الخطيب قصة مشاركتها في الثورة، من التظاهرات السلمية وحتى التهجير القسري، من خلال رسالة شخصية لابنتها سما، حيث توثق تفاصيل الحياة في حلب الشرقية تحت القصف اليومي، وتستعرض دوافع بقائها هناك رغم المجازر، كما تروي قصة لقائها بزوجها الدكتور حمزة الخطيب، مدير مستشفى القدس في حلب، الذي دمّره النظام السوري وحلفاؤه بغارات جوية أودت بحياة 52 شخصًا، بينهم 6 من الطاقم الطبي.
عرض الفيلم، الذي استغرق 95 دقيقة، ضمن عروض خارج المسابقة الرسمية، وكان مليئًا بالمشاهد التي تكشف عن معاناة المدنيين، وتحوّل الثورة إلى جحيم من القتل والدمار. وقد اعتُبر الفيلم وثيقة بالغة الأهمية قُدمت أمام القضاء الدولي، لما حمله من توثيق دقيق للجرائم المرتكبة في حلب وسائر أنحاء سوريا.
واستطاعت وعد الخطيب أن تنقل صورة الحرب بعدستها الخاصة، لتُظهر كيف تحوّلت حلب من مدينة تنبض بالحياة إلى مسرح للقتل والدمار، وهو ما جعلها تُدرج ضمن قائمة مجلة **"تايم"** الأميركية لأكثر مئة شخصية تأثيرًا في العالم لعام 2020، إلى جانب المصوّر العسكري المعروف باسم "قيصر".
أشادت "تايم" بتميّز وعد في تقديم سرد مختلف للحرب، من منظور نسوي وإنساني، حيث غالبًا ما تُروى الحروب بأصوات الرجال، إلا أن وعد، كما قالت المجلة، "نقلت الحقيقة بعيون مختلفة، عبر شخصيات حقيقية خاطرت بكل شيء لأجل الحرية".
وكانت وعد قد تركت دراستها الجامعية في حلب لتنتقل إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، حيث تعلمت التصوير، وبدأت توثيق حياة المدنيين تحت القصف والاشتباكات، مدفوعة برغبتها في إيصال ما يجري إلى ابنتها سما، ومن خلالها إلى العالم.
يحكي "إلى سما" سيرة وعد خلال خمس سنوات عاشتها في حلب، تحت القصف الروسي وحصار قوات النظام، من زواجها إلى ولادة طفلتها التي قضت عامها الأول في ملجأ لا يعرف سوى أصوات الانفجارات.
حصد الفيلم قرابة 44 جائزة دولية خلال عام 2019، من بينها جائزة "العين الذهبية" في مهرجان كان السينمائي، والجائزة الكبرى من مهرجان SXSW، إلى جانب جوائز مهرجان الأفلام البريطانية المستقلة، وغيرها من التكريمات حول العالم.
وفي وصف مؤثر، قالت "تايم": *"كان من المذهل رؤية وعد الخطيب، اللاجئة المسلمة، تمشي على السجادة الحمراء في حفل الأوسكار إلى جانب ابنتها الصغيرة، ترتدي ثوبًا مطرزًا بالخط العربي كتب عليه: تجرأنا على الحلم، ولن نندم على الكرامة"*.
أعلنت وزارة الداخلية في الجمهورية العربية السورية، أمس الأحد، أن قيادة الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية، وبالتنسيق مع لجنة السلم الأهلي، أفرجت عن عشرات الموقوفين ممّن تم اعتقالهم خلال معارك التحرير، ولم تثبت إدانتهم بالاشتراك في جرائم قتل أو سفك دماء.
ويأتي هذا القرار في إطار السياسة المتّبعة من الدولة السورية منذ انطلاق المرحلة الانتقالية، والتي ركزت على طيّ صفحة الماضي مع من لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين، مقابل محاسبة صارمة وعادلة للمتورطين بجرائم بحق الشعب.
مصدر في وزارة الداخلية أكّد أن عملية الإفراج جاءت بعد تحقيقات موسعة واستكمال ملفات الموقوفين، حيث ثبت أن هؤلاء الأشخاص لم ينخرطوا في جرائم قتل أو تعذيب، بل اقتصرت أدوار بعضهم على الدعم اللوجستي أو الإداري ضمن مؤسسات النظام المنهار، دون أن تتوافر بحقهم قرائن جنائية أو دعاوى شخصية.
وليست هذه الخطوة الأولى من نوعها، فقد سبق للوزارة أن أفرجت خلال الشهور الماضية عن مئات الموقوفين في مختلف المحافظات، ضمن نهج واضح يميز بين من تورّط بالدماء وبين من انخرط في النظام السابق دون أن يرتكب جرائم مباشرة. وقد رفعت الدولة منذ اليوم الأول لشهر التحرير شعار “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، لتفتح الباب أمام المصالحة المجتمعية وإعادة اللحمة الوطنية.
ويعيش في سوريا اليوم المئات من الفنانين ورجال الأعمال والمثقفين الذين كانوا من أبرز داعمي نظام الأسد، دون أن يتعرض لهم أحد، ما داموا لم يتورطوا بأعمال قتل أو تحريض على العنف. وقد شكّل هذا النهج ضمانة لعدم تحويل الانتقال السياسي إلى حالة من الانتقام أو التصفيات.
في المقابل، تواصل الدولة السورية ملاحقة المتورطين بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، حيث تم توقيف العشرات من الضباط والعناصر السابقين في الأجهزة الأمنية، وتجري محاكمتهم أمام القضاء المختص، وسط تأكيد رسمي على التزام العدالة، ورفض الإفلات من العقاب.
ويُعدّ التنسيق المستمر بين وزارة الداخلية ولجان السلم الأهلي في المحافظات ركيزة أساسية في ضبط هذا المسار، حيث يتم التدقيق في ملفات الموقوفين بتأنٍ، وإطلاق سراح الأبرياء، بما يعزز الثقة المجتمعية، ويمنع استغلال الملفات لأغراض شخصية أو سياسية.
وتؤكد هذه الخطوات أن الدولة السورية الجديدة تمضي في ترسيخ نموذج مختلف في التعامل مع إرث الحرب، يقوم على المصالحة المسؤولة، لا الانتقام، وعلى المحاسبة القضائية لا التصفيات، وعلى إعادة البناء المجتمعي من منطلق العدالة لا الكراهية.
أعلنت ناتالي بوكلي، نائبة المفوض العام لوكالة "الأونروا" لشؤون البرامج والشراكات، عن عودة أكثر من 15 ألف لاجئ فلسطيني إلى مخيم اليرموك جنوبي دمشق، وذلك في ختام زيارة رسمية إلى سوريا امتدت بين 26 و29 أيار/مايو 2025.
وأكدت بوكلي خلال الزيارة التزام وكالة "الأونروا" الثابت بدعم مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين، والعمل على التخفيف من الأوضاع الصعبة التي يعانون منها، مشددة على أهمية استمرار التمويل الدولي لضمان تقديم الخدمات الأساسية.
وشملت الجولة الميدانية التي قامت بها بوكلي زيارة المكتب الإقليمي للأونروا في سوريا، حيث التقت بعدد من اللاجئين والعاملين في الوكالة، إلى جانب ممثلين عن منظمات أممية ومسؤولين حكوميين مؤقتين.
وفي زيارتها إلى مخيم اليرموك، وقفت بوكلي على التقدم الملحوظ في جهود إعادة الإعمار، مشيرة إلى أن المخيم يشهد تحولاً تدريجياً من مشهد الدمار إلى مساحات نابضة بالحياة، بفضل مساهمات المانحين. وتمكنت الوكالة من إعادة افتتاح مدرسة ومركز صحي ومساحة مجتمعية، وهي خطوات اعتبرتها بوكلي محورية في استعادة الحياة اليومية داخل المخيم.
كما أكدت بوكلي أن عودة أكثر من 15 ألف لاجئ إلى اليرموك تمثل مؤشراً مشجعاً، مع توقعات بارتفاع عدد العائدين خلال الفترة المقبلة. وأشادت بشكل خاص بمشروع "إصلاح المساكن الصغيرة" الذي تنفذه الأونروا، والذي قدّم حتى الآن دعماً مباشراً لـ80 أسرة لاجئة لترميم منازلها المتضررة، مشيرة إلى أن العمل جارٍ لتوسيع نطاق هذا البرنامج.
وفي تصريح لها خلال زيارتها لأحد المنازل التي أعيد ترميمها، شددت بوكلي على أن جهود الوكالة تتركز حالياً على تعزيز قدرة اللاجئين الفلسطينيين على إعادة بناء حياتهم والتعامل مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة. كما نوّهت بصمود العائلات الفلسطينية وتفانيها في إعادة إحياء مجتمعاتها رغم الصعاب.
دعت فرنسا والولايات المتحدة إلى تعزيز التنسيق الثنائي بشأن مستجدات الملف السوري، وذلك خلال اتصال هاتفي جمع وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، بنظيره الأميركي ماركو روبيو.
وأفادت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان رسمي، بأن الجانبين شددا على أهمية التعاون الوثيق من أجل ضمان استقرار سوريا، ومواجهة التحديات الأمنية والإنسانية فيها، مع التركيز على تنسيق المواقف حيال الدور الإيراني والنفوذ المتزايد لطهران في المنطقة. كما جدّدا التزام بلديهما المشترك بمنع إيران من تطوير أو امتلاك أسلحة نووية.
وخلال الاتصال، أكد الوزير بارو ضرورة تعزيز التعاون الفرنسي الأميركي في كل من سوريا ولبنان، معتبرًا أن التطورات الإقليمية الراهنة تستدعي تكثيف الجهود الدبلوماسية المشتركة في مواجهة التحديات المتسارعة.
وتطرّقت المحادثات إلى التطورات الأوسع في منطقة الشرق الأوسط، حيث أعاد وزير الخارجية الأميركي التأكيد على دعم بلاده لجهود إسرائيل ضد حركة حماس، مشيرًا إلى استمرار العمل لتحرير الرهائن المحتجزين في قطاع غزة. من جانبه، أشاد الوزير الفرنسي بالدور الذي لعبته الدبلوماسية الأميركية في التوصل إلى وقف إطلاق النار، مؤكداً استعداد بلاده للمساهمة في المراحل اللاحقة من الاتفاق.
كما تناول الوزيران الوضع في أوكرانيا، حيث توافق الطرفان على ضرورة السعي نحو تسوية عادلة ودائمة بين روسيا وأوكرانيا من خلال مفاوضات مباشرة، مع التأكيد على أهمية التنسيق الوثيق بين باريس وواشنطن في هذا الشأن.
واختُتم الاتصال بتجديد الالتزام بالعلاقات التاريخية والشراكة العابرة للأطلسي، ولا سيما في ظل بدء الإدارة الأميركية الجديدة بمهامها رسميًا.
وكان المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، السفير توماس باراك، قد رفع في 29 أيار/مايو الماضي العلم الأميركي في مقر إقامة السفير في دمشق، بحضور وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، خلال حفل رسمي، ما شكّل خطوة رمزية في سياق التحول الأميركي تجاه سوريا.
وخلال زيارته الرسمية إلى دمشق، التقى باراك بالرئيس السوري أحمد الشرع، ووزير الخارجية، وأعلن أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يعتزم رفع اسم سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مؤكداً أن الإدارة الأميركية تسعى إلى دعم الحكومة السورية الجديدة في جهودها لتحقيق الاستقرار والتعافي.
وتأتي هذه التحركات في سياق سلسلة قرارات اتخذتها الإدارة الأميركية مؤخراً لدعم سوريا ما بعد سقوط نظام الأسد، كان أبرزها إعلان الرئيس ترمب من الرياض في 13 أيار عن رفع العقوبات الأميركية، في خطوة تهدف إلى دعم عملية التعافي وإعادة الإعمار.
من جهتها، اتخذت فرنسا خطوات موازية لإعادة بناء العلاقات مع سوريا، شملت إعادة فتح سفارتها في دمشق، وإيفاد بعثات دبلوماسية رفيعة المستوى. كما استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره السوري أحمد الشرع في باريس خلال شهر أيار، حيث بحث الجانبان ملفات التعاون في إعادة الإعمار، والطاقة، والطيران، وغيرها من مجالات الشراكة الثنائية.
جددت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية، أنيكا كلاسن إدريس، تأكيد بلادها على مواصلة دعم الشعب السوري في مرحلته الانتقالية، مشيرة إلى أن الحرية تعني "القدرة على تشكيل حياة الإنسان بكرامة وأمان"، وأن السوريين "يعيدون بناء حريتهم خطوة بخطوة"، مؤكدة أن ألمانيا تقف إلى جانبهم في هذا المسار.
وفي تصريحات سابقة خلال شهر آذار الماضي، كانت وزيرة الخارجية الألمانية السابقة، أنالينا بيربوك، قد أشارت عقب لقائها بالرئيس السوري أحمد الشرع، إلى لقائها مع مختلف أطياف المجتمع السوري، موضحة أن الجميع أجمع على أهمية أن تكون سوريا وطناً موحداً لكل أبنائها.
وأضافت بيربوك حينها: "رأينا الكثير من الدمار في سوريا، ولم أشهد دماراً بهذا الحجم في أي منطقة أخرى من العالم"، مشددة على أن ألمانيا ملتزمة بدعم جهود إعادة تأهيل البنية التحتية السورية، وأن المجتمع الدولي مستعد لتقديم المساندة في هذا الإطار.
وأكدت بيربوك أن "ألمانيا عادت اليوم إلى دمشق"، مشيرة إلى إيمان الحكومة الألمانية بضرورة الاستماع إلى مطالب الشعب السوري، وكشفت عن خطط لزيادة عدد أفراد طاقم السفارة الألمانية في دمشق بشكل تدريجي، تزامناً مع تحسن الأوضاع الأمنية في البلاد.
وفي سياق متصل، أوضحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أنيكا كلاسن إدريس، في مقابلة تلفزيونية مع قناة "العربية الحدث"، أن برلين على استعداد لدعم مسار التحول في سوريا بشكل شامل، معلنة التزام ألمانيا بتقديم 300 مليون يورو لصالح السوريين، خلال مؤتمر بروكسل حول سوريا.
وأعربت إدريس عن ارتياح بلادها للتوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي بشأن رفع العقوبات الاقتصادية السابقة عن سوريا، ما من شأنه تمكين الشعب السوري من المساهمة في إعادة الإعمار بشكل مستقل. في المقابل، أكدت أن العقوبات المتعلقة بالقضايا الأمنية، بما فيها تلك المفروضة على عناصر النظام السابق وبرنامج الأسلحة الكيميائية، ستظل قائمة.
ووصفت إدريس المرحلة السياسية الراهنة في سوريا بأنها "فرصة تاريخية" بعد سنوات من الحرب والدكتاتورية، لكنها شددت في الوقت ذاته على أنها مهمة ثقيلة تتطلب جهداً وطنياً شاملاً. وأكدت أن الحكومة السورية الجديدة تتحمّل مسؤولية قيادة البلاد نحو سلام دائم بمشاركة كل مكونات المجتمع، والعمل على معالجة الانتهاكات التي ارتُكبت في الماضي.
وختمت المتحدثة بتأكيد أن ألمانيا، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، تراقب عن كثب التطورات الجارية في سوريا، في إطار دعمها لعملية الانتقال السياسي وبناء مستقبل مستقر وشامل للبلاد.
هاجم من يُلقّب نفسه بـ"الفنان" المدعو "بشار إسماعيل"، النساء المنقبات في سوريا، بطريقة تفتقر إلى اللباقة ومليئة بالعنصرية وقلة الاحترام، مشبّهاً إياهن بالسيارات من دون نمرة، وبدلاً من اعتبار النقاب حرية شخصية تستوجب منه ومن غيره الاحترام والتقبل باعتبارها حقاً أساسياً، ربطه بالتشدد والتعصب واعتبره خطراً على المجتمع، محذراً الدولة منه وداعياً الناس إلى عدم الصمت.
وأثار كلام "إسماعيل" موجة استنكار كبيرة في أوساط السوريين، مطالبين السلطات المعنية، والحقوقيين بملاحقته قانونياً ليس للكلام المسيئ والتهجم على النساء المسلمات المنقبات فحسب، بل لتاريخه التشبيحي لنظام بشار الأسد، إذ بات أيتام الأسد اليوم مجردون من كل قيم، يتتبعون كل حدث للظهور وإثارة الجدل، بعد أن فر أسدهم وتركهم خلفه يتباكون.
أزعج النقاب واللباس المحتشم إسماعيل، فدفعاه إلى الخروج عن صمته خلال مقابلة أُجريت معه على قناة LTV اللبنانية، حيث كانت المذيعة تتحدث بلهجة تحريضية، متجاهلين حاجة سوريا الحقيقية إلى البناء والمحبة، والابتعاد عن التحريض والإساءة لجماعات معينة في البلاد.
على مدى أربعة عشر عاماً، لم نسمع من بشار إسماعيل كلمة عن الثورة، لم نرَ منه نعوة لشهيد، ولا تعليقاً على قضية المعتقلين، ولم تُحرّك صرخات الأمهات على أبنائهن الذين قُتلوا تحت قصف الطائرات ضميره الغائب. لكنه اليوم، استيقظ ليهاجم ارتداء النقاب، معتبراً إياه دليلاً على مجتمع ميت.
ولم يتوقف عند هذا الحد، بل وصف النقاب بـ"الجريمة"، وادعى أنه باب لارتكاب جرائم أخرى، مستشهداً بحادثة خطف أطفال قام بها شخصان كانا يرتديان النقاب لإخفاء هويتهما. لكنه تجاهل أن كثيراً من النساء يعتبرن النقاب جزءاً من هويتهن الدينية والشخصية، ويرتدينه عن قناعة والتزام لا يمكن التخلي عنهما.
بدلاً من احترام وجهات النظر المختلفة، ذلك المبدأ الذي لطالما تباهى به عندما كان يحاول الترويج لنفسه كمتقبل للثقافات والطوائف، وصف النساء المنقبات بأوصاف غير لائقة لا تمت للباقة بصلة. وقدّم النقاب كخطر يهدد المجتمع والدولة، ويحرّض على الفتنة، متناسياً أن التحريض الحقيقي هو في خطابه الإقصائي.
طوال سنوات الحرب، لم يُعلن بشار إسماعيل بوضوح أنه يعارض سياسات القمع التي مارسها بشار الأسد بحق شعبه. أما اليوم، ومن خلال منابر إعلامية معروفة بتحريضها، يعلن معارضته العلنية للنقاب، بل وينصّب نفسه ناطقاً باسم الشعب، قائلاً إن "99.99% من شعبنا غير راضٍ".
وأضاف: "أنا أعتبرها نوعاً من أنواع 'نحنا منجرّب، إذا سكتوا العالم منزيدها، إذا سكتوا منزيدها، وآخر شي إذا ضلّت العالم ساكتة بيفرضوا اللي بدهن ياه'".
كما ضرب مثالاً خارجاً عن السياق، مليئاً بقلة الاحترام، حين قال إن الكازينو يرتاده أشخاص من مختلف الطوائف: مسيحي، سني، علوي، وشيعي، وعندما تظهر راقصة ذات مؤخرة جميلة "يرمون التحيات لبعضهم" في مشهد وصفه بـ"اللحمة الوطنية". وأردف: "هل يُعقل أن توحدنا راقصة، ونحن لا نعرف كيف نتوحد؟
حتى في بداية الثورة، كان إسماعيل موالياً بشكل صريح، وعبّر عن دعمه للنظام خلال لقاءات إعلامية، لكنه، وبعد أن لم يحصل على الامتيازات التي نالها فنانون موالون، بدأ بانتقاد بعض المسؤولين، لكنه لم يقترب من العائلة الحاكمة، وبعد سقوط الأسد، راح يروّج لفكرة أنه كان "معارضاً صامتاً"، بل وادعى أن ماهر الأسد حاول الإيقاع به لكنه نجا من الفخ.
أعلن وزير التربية والتعليم السوري محمد عبد الرحمن تركو، اليوم الأحد، عن تأجيل امتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوية العامة لمدة أسبوع، وذلك بهدف استكمال الإجراءات اللازمة وضمان تنظيم العملية الامتحانية بشكل متكامل وآمن في مختلف المناطق السورية.
وأوضح الوزير في مؤتمر صحفي عقد في دمشق أن القرار جاء بتوجيه مباشر من رئيس الجمهورية أحمد الشرع، وضمن رؤية وطنية تهدف إلى تأمين الحق الكامل لجميع الطلاب السوريين بالتقدم إلى الامتحانات الرسمية، دون استثناء أو تمييز، رغم التحديات اللوجستية في بعض المناطق الخارجة سابقًا عن سلطة الدولة.
وبيّن تركو أن وزارة التربية ستفتتح خمسة مراكز تسجيل امتحانية جديدة في كل من الحسكة، القامشلي، الرقة، صرين، دير الزور والضفة الشرقية، وهي مناطق كان من المتعذر سابقًا إقامة الامتحانات فيها بسبب ظروف الحرب وتوقف عمل مؤسسات الدولة بعد سقوط نظام الأسد. وأضاف أن الوزارة ستصدر البرنامج المعدل للامتحانات والتعليمات التنفيذية الكاملة لهذا القرار في وقت لاحق.
وقال تركو إن القرار يعكس حرص الدولة السورية على استيعاب جميع الطلاب تحت مظلة النظام التعليمي الوطني، مشيدًا بجهود اللجان الفنية والتربوية، و”كل من ساهم في تحقيق هذا الإنجاز الوطني الكبير”، بحسب تعبيره.
من جانبها، أعلنت هيئة التربية والتعليم التابعة للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا أنها توصلت إلى اتفاق مع وزارة التربية السورية يقضي بتأجيل الامتحانات وتشكيل لجان مشتركة مؤقتة للإشراف على سير العملية الامتحانية، بما يضمن النزاهة وتكافؤ الفرص لجميع الطلاب.
وأكدت الهيئة أن التسجيل في المراكز المشتركة سيبدأ في 11 حزيران ويستمر حتى 17 من الشهر ذاته، مشيرة إلى أن الاتفاق يشمل تسهيلات إدارية وفنية لاستقبال الطلبة من مختلف المناطق، وفقًا للمعايير التربوية المعتمدة.
ويأتي هذا الاتفاق بعد أشهر من القلق والتوتر بين آلاف الطلاب السوريين في مناطق الإدارة الذاتية، الذين وجدوا أنفسهم دون إمكانية التقدّم للامتحانات الوطنية بسبب تعطل المؤسسات الرسمية عقب انهيار النظام السابق. وبذلك، يُنظر إلى الخطوة كجزء من مسار أوسع لإعادة دمج مؤسسات الدولة السورية وبناء منظومة تعليم موحدة في مختلف المحافظات.
يصادف اليوم، الثامن من شهر حزيران من عام 2025، الذكرى السنوية السادسة لاستشهاد حارس الثورة السورية ومنشدها "عبد الباسط الساروت"، ليكون اليوم عيداً سورياً لكل أبناء الثورة السورية، في سادس ذكرى لاستشهاده.
وودعت الثورة السورية يوم السبت الثامن من شهر حزيران لعام 2019 رمزاً من رموزها ممن خطوا بدمائهم وبطولاتهم وثباتهم درب التحرير الطويل الذي قدمت فيه ثورة الأحرار في سوريا عشرات آلاف الشهداء الأبرار، ليلتحق بركب من سبقه منشدها وأيقونتها وحارسها "عبد الباسط الساروت" شامخاً مقاتلاً وثائراً على نظام الأسد وزبانيته.
"عبد الباسط الساروت" اسم تعدى حدود الوطن السوري، وعرف في كل بلاد العالم، وصدح صوته في المظاهرات السلمية منذ بداياتها ولا زالت تتردد أهازيجه وأناشيده وعباراته في المظاهرات السلمية في الساحات والمحافل الثورية، خلدها بصوته وحسه الثوري لتبقى بعده شاهداً على نضاله في وجه النظام وحلفائه.
"ثورة الياسمين" خسرت الآلاف من الرموز الثورية على درب الثورة الطويل، كان القادة الكبار والنشطاء الأحرار من رواد الشهداء، ثاروا وناضلوا في وجه الظلم والإستبداد الذي قاده الأسد ونظامه الأجرامي، لتبقى أسماء هؤلاء الرموز منارة لجيل الثورة الصاعد، يستمد عزيمته وإصراره على الثبات والصمود من سيرة القادة والشهداء الأبرار.
في مثل هذا اليوم قبل ستة أعوام زفت "خنساء سوريا" أم الوليد والدة الشهيد الرمز "عبد الباسط الساروت" شهيداً جديداً على درب الحرية الطويل، بعد أن فقدت زوجها وخمسة من أبنائها من إخوة الساروت، شهداء أخيار على درب الثورة، والتي أمدت الساروت" بالعزيمة والقوة ليكمل طريق رفاقه وإخوته، قبل أن يلحق بركبهم شهيداً إلى جنان الخلد التي طالما طلبها في أهازيجه وأناشيده.
لا ينسى الشعب السوري الشهداء الذين قدموا الدماء والتضحيات على درب الثورة الطويل، وخاصة الشخصيات البارزة التي قدمت تضحيات جسيمة في سبيل دعم الثورة، وكان عبد الباسط الساروت واحدًا من هؤلاء، إذ لا يزال الناس يذكرونه كأحد أبطال ورموز الثورة السورية، الذي خلد اسمه في مراتب الشهداء الأخيار الذين قدموا دمائهم في سبيل حرية الشعب السوري.
"فدوى سليمان وعبد القادر الصالح وأبو فرات والساروت" وكثيرون من أحرار الثورة ورموزها الأوائل فارقوا الحياة شهداء على دربها الطويل، وهناك من ينتظر ويقاوم الظلم والاستبداد ويكمل الطريق، نفخر بهم وبنضالهم، ونتغنى بمسيرتهم في مقارعة الأسد ونظامه، لأنهم منارة وشعلة الثورة التي لاتنطفئ.
خسرت الثورة السورية في مثل هذا اليوم قبل ستة أعوام، بطلاً ومنشداً وحارساً وشاباً ورمزاً وأيقونة من أيقوناتها، ليبقى الساروت بصوته يصدح في ساحات الحرية، وتبقى كلماته خالدة مع التاريخ الذي خطه ورفاقه ومن سبقه بدمائهم ليصل الشعب السوري الثائر لحريته ونهاية طريقه المنشود بسقوط الأسد ونظامه، ويبقى هؤلاء القادة والسادة والشهداء هم مشاعل النور الرموز الأخيار خالدين في قلوبنا وتاريخنا وعلى طريق حريتنا. .. رحمك الله بطلنا الساروت وكل شهداء الثورة السورية.
شنّت طائرة مسيرة إسرائيلية، فجر الأحد، غارة على بلدة بيت جن بريف دمشق الغربي، استهدفت سيارة مدنية داخل منطقة المزرعة، ما أدى إلى إصابة ثلاثة أشخاص، وفق ما أفادت مصادر محلية، وسط تضارب في الرواية حول خلفية المصابين.
وقال المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر منصة “إكس”، إن الغارة استهدفت “أحد عناصر حركة حماس” في جنوب سوريا، وتحديدًا في منطقة مزرعة بيت جن، دون أن يذكر اسمه أو يقدم أدلة.
وحسب متابعة متواصلة من شبكة شام، فإن إعلام الاحتلال الإسرائيلي في تغطياته السابقة لمثل هذه الادعاءات غالبًا ما تكون غير دقيقة، ما دفع العديد من المتابعين لاعتبارها محاولة لخلق ذريعة للقصف.
في المقابل، أكدت مصادر محلية أن القصف تم بواسطة طائرة مسيرة واستهدف مركبة داخل بلدة بيت جن، مشيرة إلى إصابة ثلاثة أشخاص على الأقل جرى إسعافهم، دون معلومات مؤكدة بعد عن هوياتهم أو خلفياتهم السياسية أو العسكرية.
الغارة تأتي في سياق تصعيد متكرر من جانب إسرائيل ضد جنوب سوريا، وخاصة في أرياف القنيطرة ودمشق ودرعا، حيث كثّف الاحتلال من هجماته الجوية بذريعة “الرد على تهديدات”، رغم أن المعطيات الميدانية تشير في أغلب الأحيان إلى عدم وقوع أي خسائر حقيقية أو تهديدات فعلية.
وكانت آخر هذه الهجمات في الثالث من حزيران/يونيو، حين شنت إسرائيل غارات جوية ومدفعية واسعة على أكثر من عشرة مواقع في الجنوب السوري، منها تل الشعار، تل المال، اللواء 90 ومحيط سعسع، بزعم الرد على سقوط صاروخين في الجولان المحتل، رغم أن الصواريخ سقطت في أراضٍ مفتوحة دون أي إصابات أو أضرار.
وبحسب تحليلات نشرتها “شبكة شام”، فإن الغارات تهدف إلى منع الحكومة السورية الجديدة من ترسيخ مشروع استقرار جنوبي حقيقي، عبر استهداف أي محاولة لإعادة فرض السيادة أو بناء شراكة إقليمية مستقلة عن المحور الإيراني أو الإسرائيلي.
في النهاية، يمكن تلخيص الرسالة الإسرائيلية من غارة بيت جن كما يلي: لا استقرار في الجنوب، ولا سيادة سورية حقيقية، ما لم تمر عبر البوابة الإسرائيلية.
لكن الحكومة السورية الجديدة، وعلى رأسها الرئيس أحمد الشرع، تبدو مصممة على تثبيت سيادتها، حتى وإن تواصلت الغارات، مدفوعة برؤية تقول إن مرحلة الاحتلال والفوضى يجب أن تُطوى.
كشفت صحيفة وول ستريت جورنال في تحقيق موسّع عن وثائق سرية وشهادات صادمة تؤكد أن نظام بشار الأسد المخلوع أخفى مئات الأطفال السوريين الذين جرى فصلهم قسرًا عن ذويهم خلال سنوات الحرب، في خطوة منظمة لاستخدامهم كورقة ضغط على معارضيه، في واحدة من أكثر الملفات المأساوية التي تواجهها سوريا بعد سقوط النظام.
التحقيق الذي استند إلى وثائق مسرّبة من أجهزة النظام، وأقوال شهود وناجين من السجون، أكد أن ما لا يقل عن 300 طفل، من بين قرابة 3,700 طفل مفقود، نُقلوا إلى مياتم، خاصة بين عامي 2014 و2018، بعد أن تم احتجازهم مع عائلاتهم أو فصلهم عنهم قسرًا أثناء الاعتقالات الجماعية التي نفذتها الأجهزة الأمنية.
المأساة تجلت في قصة أطفال عائلة ياسين، الذين اختفوا مع والدتهم رانية العباسي عام 2013 بعد اعتقالهم من منزلهم في حي دمر الراقي بدمشق. رانية، طبيبة أسنان وبطلة سوريا في الشطرنج، لم تكن منخرطة سياسيًا، لكنها دعمت النازحين وقدّمت مساعدات إنسانية، بينما كان والدها المعتقل السابق في سجون حافظ الأسد قد عبّر عن دعمه للثورة من المنفى.
في 9 آذار 2013، اعتُقل عبد الرحمن ياسين، والد الأطفال، من قبل المخابرات السورية، وبعد يومين اختُطفت العائلة كاملة، بمن فيهم أحمد البكر (كان حينها في الخامسة من عمره) وخمس من شقيقاته. لاحقًا، تبيّن أن الأب قُتل تحت التعذيب، بعد أن ظهر اسمه ضمن مجموعة صور مسرّبة لوفيات المعتقلين عام 2013.
لكن مصير الأطفال ووالدتهم بقي مجهولًا، حتى بدأت تتوالى المؤشرات على وجودهم داخل المياتم.
التحقيق كشف أن منظمة SOS Children’s Villages الدولية كانت قد استلمت 139 طفلًا “دون أوراق رسمية” خلال فترة حكم الأسد، وفقًا لما أكده فرعها في سوريا، مشيرة إلى أنها طالبت بوقف هذا النوع من الإحالات منذ 2018. وأضافت أن معظم هؤلاء الأطفال تم تسليمهم لاحقًا للنظام، دون توضيح مصيرهم.
عائلة ياسين حاولت تتبع خيوط الأمل، مستعينة بصور ومقاطع فيديو قديمة نشرتها المياتم، إلى جانب استخدام الذكاء الاصطناعي لتخمين ملامح الأطفال بعد مرور أكثر من عقد على اختفائهم. واحدة من الفتيات الظاهرات في فيديو دعائي بدت شبيهة جدًا بابنتهم ديما، لكن المنظمة أنكرت وجود صلة، مدعية أنها “فتاة أخرى”.
في محاولة أخرى، تعرفت العائلة على فتى في ميتم آخر يحمل ملامح شديدة الشبه بأحمد، وكان يُدعى “عمر عبد الرحمن”. الشاب لم يتذكر شيئًا عن ماضيه، لكنه أشار إلى صورة أحمد قائلاً: “هذا أنا عندما كنت صغيرًا”. غير أن اختبار الحمض النووي لاحقًا أثبت أنه ليس أحمد، ما أعاد العائلة إلى نقطة الصفر.
وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في سوريا أكدت للصحيفة، عبر المتحدث سعد الجابري، أنها عثرت على وثائق رسمية تُثبت أن الأجهزة الأمنية كانت تنقل أطفال المعتقلين إلى المياتم بقرارات مباشرة. أحد التحقيقات الداخلية أشار إلى وثيقة تؤكد إعادة أطفال العباسي إلى النظام السابق من قبل منظمة SOS، لكن الوثيقة لم تكن على ورق رسمي، والمنظمة رفضت تأكيد صحتها.
مديرة ميتم دار الرحمة في دمشق، براء الأيوبي، اعترفت بأنها تلقت نحو 100 طفل من أبناء المعتقلين خلال الحرب، لكنها نفت أن يكون أطفال العباسي بينهم، مشيرة إلى أنها كانت ممنوعة من الكشف عن هويات الأطفال حتى لعائلاتهم، بأوامر أمنية مباشرة.
بينما تنقب العائلة في الأراشيف والوجوه، يقرّ المسؤولون الجدد في دمشق بصعوبة المهمة. إذ صرح سعد الجابري أن “هناك العديد من المقابر الجماعية”، وهو ما يعني أن بعض الإجابات قد لا تأتي أبدًا.
الحكومة السورية الجديدة، التي تسعى لإرساء قواعد دولة القانون بعد سقوط النظام السابق، أعلنت في أيار الماضي عن نيتها تشكيل لجان مختصة للتحقيق في الجرائم المرتكبة في عهد الأسد، وتعويض الضحايا، وكشف مصير المفقودين. لكن تعقيد المهمة، وسط اقتصاد منهك ومجتمع ممزق، يجعل التقدم بطيئًا ومؤلمًا.
تقول كاثرين بومبرغر، المديرة العامة للجنة الدولية للمفقودين، إن “الفشل في معالجة ملف المفقودين يمكن أن يساهم في استمرار دوامات العنف”، في إشارة إلى ضرورة فتح هذا الجرح المغلق منذ أكثر من عقد.
وفي منزل العائلة المغلق منذ 12 عامًا في دمر، فتحت العمة نايلة الباب أخيرًا، لتجد كتب المدرسة ما تزال مكدسة على الطاولة، وثلاجة متعفنة، ودفترًا كتبت فيه الابنة نجاة عبارة: “سنظل في سوريا حتى ترحل يا بشار”.
نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تحقيقًا موسعًا من مدينة تدمر، كشفت فيه عن تصاعد غير مسبوق في عمليات تهريب وبيع الآثار السورية عبر الإنترنت، خاصة منذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول الماضي.
وأشارت الصحيفة إلى أن الانهيار الأمني الواسع والفقر المدقع في البلاد فتحا الباب أمام ما وصفته بـ”حمى الذهب الأثري”، حيث تحوّلت المقابر والمواقع التاريخية إلى هدف للمنقّبين غير الشرعيين.
وقال محمد الفارس، أحد سكان تدمر وناشط في منظمة “تراث من أجل السلام”، إنّ لصوص القبور باتوا ينبشون المدافن التي تعود إلى آلاف السنين تحت جنح الظلام، ويخلطون الطبقات الأثرية بعضها ببعض مما يهدد بفقدان السياق التاريخي للموقع بالكامل. وفي موقع أثري واحد فقط، وُثّقت حفر يصل عمقها إلى ثلاثة أمتار خلفها اللصوص، بحثًا عن كنوز جنائزية وقطع يمكن بيعها بألوف الدولارات.
وأوضح مشروع تتبع تهريب الآثار والتراث (ATHAR)، الذي يديره الباحثان عمرو العظم وكايتي بول، أن ما يقارب ثلث حالات التهريب المسجلة في سوريا منذ 2012 حدثت بعد سقوط النظام وحده، في غضون ستة أشهر فقط. وقال العظم: “عقب سقوط النظام، انهارت آخر مظاهر الرقابة على تهريب الآثار”.
ووفقاً للتحقيق، يشارك في عمليات النهب أفراد فقراء يبحثون عن دخل سريع، إلى جانب شبكات منظمة تستخدم أدوات ثقيلة وتعمل ليلًا ونهارًا في مواقع مثل تل شيخ علي في منطقة السلمية، حيث ظهرت حفر عميقة ومتناسقة في موقع يعود للعصر البرونزي.
وفي السياق ذاته، عرض أحد المستخدمين في منشور على فيسبوك حزمة من العملات القديمة للبيع قائلاً: “أحتفظ بها منذ 15 عامًا”. وأظهر تحقيق الغارديان لقطات لشخص يعرض فسيفساء رومانية عليها صورة الإله زيوس، لا تزال في الأرض قبل أن تظهر لاحقًا وقد تم اقتلاعها بالكامل.
رغم أن شركة ميتا – المالكة لفيسبوك – حظرت عام 2020 بيع القطع الأثرية التاريخية، إلا أن الباحثين يؤكدون أن الحظر غير مطبق.
وأشارت كايتي بول إلى أن عشرات المجموعات على فيسبوك، بعضها علني ويضم مئات الآلاف من الأعضاء، لا تزال تعرض تماثيل حجرية وفسيفساء نادرة علنًا، وسط غياب أي رقابة فعلية.
وتحذر ATHAR من أن هذه المنصات باتت بوابة للربط بين حفّاري القبور المحليين وشبكات التهريب الدولية التي تنقل القطع إلى الأردن وتركيا، ومن هناك إلى السوق العالمية، حيث تُصطنع لها أوراق ملكية مزورة قبل دخولها المزادات الرسمية بعد سنوات.
في مواجهة هذه الأزمة، أطلقت الحكومة السورية الجديدة دعوات للكف عن النهب، مقدمة مكافآت مالية لمن يسلم القطع الأثرية بدلًا من تهريبها، إلى جانب التهديد بالسجن حتى 15 عامًا.
إلا أن تحقيق الصحيفة يشير إلى ضعف الإمكانيات في دمشق، في ظل أولوية إعادة الإعمار ومحاولات فرض السيطرة على البلاد.
وتختتم الغارديان تقريرها بالتأكيد على أن مسؤولية وقف التهريب لا تقع على السوريين فقط، بل على دول الغرب – خاصة أوروبا وأميركا – التي تمثل السوق الرئيسية لهذه الكنوز، حيث تنتهي آثار سوريا المنهوبة في متاحفها ومجموعات جامعيها. وقال العظم في ختام التقرير: “ما لم يتوقف الطلب في الغرب، لن يتوقف العرض في سوريا”.