تحقيق “وول ستريت جورنال”: نظام الأسد فصل مئات الأطفال عن ذويهم ووضعهم في المياتم
تحقيق “وول ستريت جورنال”: نظام الأسد فصل مئات الأطفال عن ذويهم ووضعهم في المياتم
● أخبار سورية ٨ يونيو ٢٠٢٥

تحقيق “وول ستريت جورنال”: نظام الأسد فصل مئات الأطفال عن ذويهم ووضعهم في المياتم

كشفت صحيفة وول ستريت جورنال في تحقيق موسّع عن وثائق سرية وشهادات صادمة تؤكد أن نظام بشار الأسد المخلوع أخفى مئات الأطفال السوريين الذين جرى فصلهم قسرًا عن ذويهم خلال سنوات الحرب، في خطوة منظمة لاستخدامهم كورقة ضغط على معارضيه، في واحدة من أكثر الملفات المأساوية التي تواجهها سوريا بعد سقوط النظام.

التحقيق الذي استند إلى وثائق مسرّبة من أجهزة النظام، وأقوال شهود وناجين من السجون، أكد أن ما لا يقل عن 300 طفل، من بين قرابة 3,700 طفل مفقود، نُقلوا إلى مياتم، خاصة بين عامي 2014 و2018، بعد أن تم احتجازهم مع عائلاتهم أو فصلهم عنهم قسرًا أثناء الاعتقالات الجماعية التي نفذتها الأجهزة الأمنية.

نموذج من العذاب: عائلة ياسين

المأساة تجلت في قصة أطفال عائلة ياسين، الذين اختفوا مع والدتهم رانية العباسي عام 2013 بعد اعتقالهم من منزلهم في حي دمر الراقي بدمشق. رانية، طبيبة أسنان وبطلة سوريا في الشطرنج، لم تكن منخرطة سياسيًا، لكنها دعمت النازحين وقدّمت مساعدات إنسانية، بينما كان والدها المعتقل السابق في سجون حافظ الأسد قد عبّر عن دعمه للثورة من المنفى.

في 9 آذار 2013، اعتُقل عبد الرحمن ياسين، والد الأطفال، من قبل المخابرات السورية، وبعد يومين اختُطفت العائلة كاملة، بمن فيهم أحمد البكر (كان حينها في الخامسة من عمره) وخمس من شقيقاته. لاحقًا، تبيّن أن الأب قُتل تحت التعذيب، بعد أن ظهر اسمه ضمن مجموعة صور مسرّبة لوفيات المعتقلين عام 2013.

لكن مصير الأطفال ووالدتهم بقي مجهولًا، حتى بدأت تتوالى المؤشرات على وجودهم داخل المياتم.

أدلة تقود للمياتم

التحقيق كشف أن منظمة SOS Children’s Villages الدولية كانت قد استلمت 139 طفلًا “دون أوراق رسمية” خلال فترة حكم الأسد، وفقًا لما أكده فرعها في سوريا، مشيرة إلى أنها طالبت بوقف هذا النوع من الإحالات منذ 2018. وأضافت أن معظم هؤلاء الأطفال تم تسليمهم لاحقًا للنظام، دون توضيح مصيرهم.

عائلة ياسين حاولت تتبع خيوط الأمل، مستعينة بصور ومقاطع فيديو قديمة نشرتها المياتم، إلى جانب استخدام الذكاء الاصطناعي لتخمين ملامح الأطفال بعد مرور أكثر من عقد على اختفائهم. واحدة من الفتيات الظاهرات في فيديو دعائي بدت شبيهة جدًا بابنتهم ديما، لكن المنظمة أنكرت وجود صلة، مدعية أنها “فتاة أخرى”.

في محاولة أخرى، تعرفت العائلة على فتى في ميتم آخر يحمل ملامح شديدة الشبه بأحمد، وكان يُدعى “عمر عبد الرحمن”. الشاب لم يتذكر شيئًا عن ماضيه، لكنه أشار إلى صورة أحمد قائلاً: “هذا أنا عندما كنت صغيرًا”. غير أن اختبار الحمض النووي لاحقًا أثبت أنه ليس أحمد، ما أعاد العائلة إلى نقطة الصفر.

مستندات رسمية وأدلة متفرقة

وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في سوريا أكدت للصحيفة، عبر المتحدث سعد الجابري، أنها عثرت على وثائق رسمية تُثبت أن الأجهزة الأمنية كانت تنقل أطفال المعتقلين إلى المياتم بقرارات مباشرة. أحد التحقيقات الداخلية أشار إلى وثيقة تؤكد إعادة أطفال العباسي إلى النظام السابق من قبل منظمة SOS، لكن الوثيقة لم تكن على ورق رسمي، والمنظمة رفضت تأكيد صحتها.

مديرة ميتم دار الرحمة في دمشق، براء الأيوبي، اعترفت بأنها تلقت نحو 100 طفل من أبناء المعتقلين خلال الحرب، لكنها نفت أن يكون أطفال العباسي بينهم، مشيرة إلى أنها كانت ممنوعة من الكشف عن هويات الأطفال حتى لعائلاتهم، بأوامر أمنية مباشرة.

بينما تنقب العائلة في الأراشيف والوجوه، يقرّ المسؤولون الجدد في دمشق بصعوبة المهمة. إذ صرح سعد الجابري أن “هناك العديد من المقابر الجماعية”، وهو ما يعني أن بعض الإجابات قد لا تأتي أبدًا.

العدالة المؤجلة

الحكومة السورية الجديدة، التي تسعى لإرساء قواعد دولة القانون بعد سقوط النظام السابق، أعلنت في أيار الماضي عن نيتها تشكيل لجان مختصة للتحقيق في الجرائم المرتكبة في عهد الأسد، وتعويض الضحايا، وكشف مصير المفقودين. لكن تعقيد المهمة، وسط اقتصاد منهك ومجتمع ممزق، يجعل التقدم بطيئًا ومؤلمًا.

تقول كاثرين بومبرغر، المديرة العامة للجنة الدولية للمفقودين، إن “الفشل في معالجة ملف المفقودين يمكن أن يساهم في استمرار دوامات العنف”، في إشارة إلى ضرورة فتح هذا الجرح المغلق منذ أكثر من عقد.

وفي منزل العائلة المغلق منذ 12 عامًا في دمر، فتحت العمة نايلة الباب أخيرًا، لتجد كتب المدرسة ما تزال مكدسة على الطاولة، وثلاجة متعفنة، ودفترًا كتبت فيه الابنة نجاة عبارة: “سنظل في سوريا حتى ترحل يا بشار”.

الكاتب: فريق العمل
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ