
تعنيف طفل يتيم في حماة يثير غضباً واسعاً ويفتح الباب أمام حالات متكررة تحتاج لحلول
أثار مقطع فيديو تم تداوله قبل ساعات غضب روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، إذ ظهر فيه طفل يتيم الأب، قيل إنه يعيش في حماة مع عمه، وهو يتعرّض للضرب المبرح والشتم، في مشهد تجاهل فيه المعتدي صراخ الطفل والدم النازف من أنفه، دون أن يُعير أي اهتمام لتوسلاته أو للتبعات الجسدية والنفسية والمعنوية التي قد تخلّفها هذه الممارسات.
سارع ناشطون إلى التدخل الفوري، حيث نشروا الفيديو على نطاق واسع، ووجّهوا مناشدات للجهات المعنية، مثل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والأمن العام، ومحافظ حماة، مطالبين بمحاسبة المعتدي.
الاستجابة الرسمية كانت سريعة، إذ أكد محافظ حماة، عبد الرحمن السهيان، عبر منشور على وسائل التواصل، أن الموضوع يُتابع بكل اهتمام، مشدداً على حرص السلطات على حماية الأطفال من جميع أشكال العنف والأذى. كما أُعلن لاحقاً أن الجهات الأمنية ألقت القبض على المتورط في تعذيب الطفل، الذي يخضع حالياً للرعاية الصحية.
وليست هذه الحادثة الأولى من نوعها، إذ تنتشر بين الحين والآخر على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع صادمة توثّق حالات تعنيف لأطفال سوريين على يد ذويهم، في مشاهد قاسية تستفز مشاعر المتابعين وتدفعهم للمطالبة بمحاسبة الجناة وتقديم الدعم للضحايا. ومع تكرار هذه الحالات، تتزايد المؤشرات على اتساع هذه الظاهرة في بعض المناطق، في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية معقّدة تُسهم في تفاقمها.
مفاهيم موروثة تشرّع العنف
لا يزال بعض الأهالي يعتبر أن الضرب وسيلة “فعّالة” في التربية، مستندين إلى موروث شعبي مفاده: “نحن انضربنا ولم يصبنا مكروه”، إلا أن هذا النمط من التفكير يُغفل الآثار النفسية العميقة التي قد تتركها هذه الممارسات على الطفل، والتي تتراوح بين الخوف الدائم، فقدان الشعور بالأمان، وكره الأهل، فضلاً عن تكوين شخصية مهزوزة يصعب عليها الثقة بالآخرين أو الدفاع عن نفسها.
وغالباً ما يكون الجهل وقلة الوعي الحقوقي والديني من أبرز العوامل الداعمة لهذا السلوك، إذ تُحرّم الشريعة الإسلامية ضرب الأطفال بطرق مهينة، وتدعو إلى التربية بالرحمة والموعظة الحسنة، بينما تُظهر بعض الحالات أن الجناة يفتقرون إلى أبسط معايير التعليم أو الثقافة.
الخلافات الزوجية.. والأطفال هم الضحية
في عدد من الحالات التي تم توثيقها، تبيّن أن بعض مقاطع تعنيف الأطفال صُوّرت عمداً كوسيلة ضغط أو انتقام بين الأزواج، لا سيما في حالات الانفصال أو النزاع على الحضانة. حيث يعمد الأب، في بعض الوقائع، إلى تصوير فيديوهات ضرب لأطفاله بهدف إرسالها إلى زوجته، لدفعها إلى التراجع عن قراراتها، أو التنازل عن حقوقها، أو إثارة مشاعر الذنب والندم لديها.
وفي سياق مشابه، اشتكت عدد من النساء من قيام الأزواج السابقين بتعنيف الأطفال فقط بهدف إيذائهن نفسياً، مما يسلّط الضوء على غياب منظومة الحماية الاجتماعية والقانونية للأسرة والطفولة.
الضغوط الاقتصادية.. سبب إضافي
يلعب العامل المادي دوراً رئيسياً في زيادة معدلات العنف داخل بعض الأسر. فالفقر والبطالة وشحّ الموارد يدفع بعض الآباء إلى تفريغ توترهم في أفراد عائلاتهم، لتتحول البيئة المنزلية إلى دائرة عنف دائمة، يتعرض فيها الأطفال لأشدّ أشكال العقاب البدني لأتفه الأسباب.
آثار نفسية وجسدية خطيرة
لا تقتصر تداعيات العنف على اللحظة الآنية فحسب، بل يمتد أثره ليُهدّد حاضر الطفل ومستقبله. إذ يفقد الطفل ثقته بنفسه، ويعيش في حالة دائمة من القلق والخوف، ويصبح أكثر عرضة للتنمّر أو الاستغلال. وفي الحالات القصوى، قد تخلّف الضربات آثاراً جسدية بالغة تصل إلى الإعاقات الدائمة.
جهود توعوية لمواجهة الظاهرة
تحاول المنظمات الإنسانية ووسائل الإعلام المحلية والناشطون تسليط الضوء على هذه القضايا باستمرار، عبر إطلاق مبادرات توعوية وتقديم جلسات دعم نفسي وتدريب للأهالي، ضمن مشاريع الحماية المجتمعية التي تُعنى بالطفل.
وفي كل حالة موثقة، تعمل الجهات الحقوقية والإعلامية على المطالبة بتوفير الحماية للطفل، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق الجناة، في محاولة للحد من انتشار الظاهرة وضمان بيئة آمنة للأطفال في مختلف المناطق.