بما أن العالم قرر التعامل مع الموت الإعتباطي و المجاني الذي يفتطك بالشعب السوري طوال السنوات الماضية ، دون أن يحرك ساكناً كأنه جماد لا روح فيه ، فإن مخاطبته تشبه مخاطبة أي مثيل له ، و لنخاطب أحد آلات الموت الغاية في الفتكة ألا وهو "البرميل" عله يستطيع أن يفهم و يدرك هول ما يحدث.
ما يحدث لدرايا ، جعلني اعود بالذكرة لعامين مضوا كتبت حينها عن درايا ، قصة حقيقية ، جرت معي تقول القصة :
جلس يتابع الدخان الكثيف المتصاعد منذ أشهر من داريا، و يستمع لأصوات القذائف و تحليق الطيران المتواصلان ، وقال بحسه الحمصي الظريف: شو تل أبيب ما سقطت، طبعا أتبع تعليقه بضحكة ملؤها ألم و شجن، فقد شهد تدمير مدينته، و ها هو يشاهد مدينة أخرى واقعة في براثن نظام أثبت جدارة و قدرة فائقة على إلحاق الدمار بكل أرجاء الوطن.
داريا أو أطلال داريا مازالت صامدة و إن تشهد بعض الانتكاسات في البشر و الحجر إلا أنها مازالت صامدة.
صحيح أن داريا ليست المدينة الوحيدة التي تدمر أو دمرت بمنهجية النظام، لكن لها خصوصية معينة، فبطولات رجالاتها شكلت الأرق الذي لا ينتهي والغير محدود للنظام، فكانت نبع الألم و دليل العجز عن كسب أي انتصار ولو على الركام، فداريا في مرمى كافة أنواع المدفعية للفرقة الرابعة "سرايا الصراع" ومطار المزة وكثير من وحدات الحرس الجمهوري، ورغم كل ذلك مازالت صامدة.
عقدة داريا أفقدت النظام كثيرا من معنوياته و ما تبقى من عقله، فكانت أبواقه الإعلامية تتحدث عن إعادة السيطرة على درايا عشرات المرات، من ثم انخفضت المساحة إلى شوارع، ثم إلى أحياء، وكل هذا لم يفيد النظام في تحسين معنويات مقاتليه.
ولذا لجأت هذه الأبواق إلى حديث عن سيطرة وحدات أشباه الجيش على منزل أبو محمد و أن الاشتباكات تدور حول غرفة الابن الأصغر، بيت بيت عسى يلتمسوا بصيص نصر و لو على غرفة السفرة.
داريا باتت السبب الوحيد الذي يؤرق النظام و تساقط المدن التي تحيط بها، فكلما خسر منطقه يتهم مقاتلي داريا بأنهم وراء السقوط، وكلما تم قطع طريق من طرق الإمداد أو الهجوم على حاجز ما يتم اتهام داريا و أبطالها.
لا أعرف إن كان ما قاله ذلك الحمصي نكته أم حكمة، فقد تحولت هذه المدينة إلى تل أبيب التي تنسب لها كل الهزائم و الخسائر.
يمكن القول أن الفترة الماضيها و التي تعود لأربع سنوات خلت ، لم يكن الظهور الإيران فجاً ووقحاً و ظاهراً كما ظهر خلال اليومين الماضيين في سهل الغاب ، فبالكاد تجد من يتحدث لغتنا ، أو من كانت سوريا تجمعنا مرغمين معهم ، فاللغة الفارسية هي الحاضرة و على العلن و الملئ .
ماحدث في سهل الغاب ، هو مؤشر حقيقي على أن المعركة المفصلية و المباشرة قد بدأت بالفعل ، فالعدو الذي كان يتخفى هنا و هناك ، بهذا اللباس أو ذلك ، قد خلع عباءته و قرر الدخول على العلن لمواجهة الثورة التي ستطيح بكل ما بناه منذ عشرات السنين ، و تجعل حلمه الإمبراطوري أياً كان فارسي أم شيعي ، مهدد بالضياع و الإنتهاء.
600 غارة جوية في 48 ساعة ، وتوظيف كامل لكل شيء لدى النظام الغبي ، ابعاد كل الضباط و العناصر ، و الدخول بالحرث الثوري ، و بعض المرتزقة اللبنانيين و العراقيين ، فالأمر بالنسبة لهم أن الاسد و حاضنته و المناطق التي يسعى للحفاظ عليها قد باتت قاب قوسين أو أدنى من السقوط بيد الثوار الأحرار ، وهذا السقوط يعني ان الحلم بات كابوس .
اليوم الناطقون باسم النظام ، يعلنون أن الاستعادة التي تمت في سهل الغاب ، بمساعدة مباشرة و خالصة و قوية من الأصدقاء"الإيرانيين" ، و أن الإيرانيين جاءوا ليدافعوا عن أهل سورية الأصليين من الطائفة العلوية و مالف لفيفها من بقية الطوائف التي مدت النظام و ساندة ايران بتحقيق حلمها ، الاعلان الذي يعتبر بمثابة ، اعلان رسمي لانتهاء سوريا كدولة و تحولها لمستعمرة .
في وسط هذا الاحتلال العلني ، تنطلق الأبواق هنا و هناك ، عن ضرورة محاربة التطرف ، و الإرهاب و ضرب داعش و النصرة و كل فصيل أو أي شيء يتحرك على الأرض ، و لكن يتعامون عن الاجرام الغير موصوف ، وهنا تبرز الأهمية في محاربة التطرف ، فهم ينمونه ، يكبرونه ، و يجعلون من التطرف هو الوسيلة لمواجهتم .
و لكن التطرف المتولد لن يكون كما سابقه ، و ماسبق عبارة عن تطرف مخفف ، فالعدو بات في المواجهة المباشرة وجهاً لوجه ، و لامكان للتراجع ، إلا باتجاه الهجوم .
يملؤنا الأسى والحزن بل والغضب بأن جلكم لا يفكر ولا حتى لحظة للقيام بواجبه الوطني والأخلاقي والإنساني تجاه بلده وأهله الذي يذبح من الوريد للوريد فمنكم من يمول مؤتمرات لصناعة دكاكين( للمعارضة)بناء على تعليمات من دمشق أو أركان الفساد فيها ومنكم من اشترى مقعدا في المجلس ( الوطني ) أو الائتلاف و صنع منبرا و اتحادا (معارضا) بغية البحث عن مكاسب شخصية ولعب دور ما للركوب على الموجة في حين أن أغلبكم كان يسبح بحمد النظام حتى رأى أن لا أمل يرتجى في الوقوف إلى جانب الأسد ونظامه ومنكم أوفد للخارج للعمل كغسالة لتنظيف أموال الفساد في مشاريع بالخارج ودعم ماكينة التشبيح لمحاولات إنقاذ النظام ومنكم من خرج ويترقب المقطورة الأخيرة قبل التغيير للقفز فيها للدخول في مشاريع إعادة البناء والظفر فيها ومنكم ومنكم ومنكم بل ومنكم من تحول من لغة البزنس والأعمال إلى شخصيات سياسية تتناطح على المناصب و في المؤتمرات والمفاوضات وعلى شاشات التلفزيون إلا أن عددا محدودا للغاية يكاد لا يذكر من ساعد في دعم الاغاثة ومساعدة المنكوبين وربما دعم العمل المسلح المقاوم للنظام إلا أننا وللاسف لم نر واحدا منكم سارع لدعم مشروع وطني لإنقاذ البلاد والعباد بل ومنكم من يعلن تذمره من المال السياسي والوصايات الخارجية وكأن الدول أو الأطراف الإقليمية والدولية أو حتى الأحزاب والجماعات المختلفة ستدعم دون شروط ودون وصايات وهذا تتحملون مسؤولية أخلاقية كبيرة عنه فلو كنتم سباقين لدعم العمل الوطني لما وجدنا اليوم تعدد الرايات رغم أن قسما منها تقف وراءه إيران والنظام السوري وأجهزة مخابرات متعددة ولو كنتم سباقين لدعم العمل الوطني لما عرف أهلنا و أطفالنا و شيوخنا الذل والتجويع والمهانة والفاقة والبرد والمرض في دول الجوار وفي مناطق نزوحهم بالداخل ولما تم الاتجار ببعض أخواتنا وبناتنا في بلدان التشرد ولما وجدنا ثلاثة ملايين طفل دون تعليم للعام الخامس على التوالي.
كان يكفي أن يتكفل بعضكم بأهله وشعبه حتى لا يتحولوا إلى مشاريع معوزين مشردين مهانين تتاجر بمأساتهم عشرات المنظمات وتتسول على مأساتهم بعض الدول.
إننا نقولها صراحة اليوم لقد بلغ السيل الزبى وللشعب السوري حق في أموالكم وثرواتكم فإما أن تسارعوا لتصحيح أخطاء الماضي وإلا فإننا نقسم بالله لن نرحمكم وسنحاسبكم كما نحاسب قتلة الشعب السوري ولا تظنوا أن إعادة الإعمار والمشاريع في مرحلة مابعد الأسد وحكمه ستنالون منها شيئا ولن تتبؤوا المناصب والمكاسب إلا إن كفرتم عن ذنوبكم وخطاياكم بالتي هي أحسن.
إننا اليوم عازمون على إطلاق مشروع الإنقاذ الوطني بقياداته العسكرية والمدنية وبهيئاته ومؤسساته الوطنية وبشفافية كاملة لقيادة المرحلة الإنتقالية ونطالبكم بحق الشعب السوري في دعم هذا المشروع الذي سيعلن قريبا وبقياداته العسكرية والوطنية فإما أن تبادروا من تلقاء أنفسكم أو سنفرضها عليكم فرضا أينما كنتم ونحن قادرون وستدعمون حينها وأنتم من الصاغرين وللعلم فقد أعددنا لكل واحد منكم ملفه وسجله. وهنا نحن لا نستجديكم بل نجبركم على واجبكم وحق الناس في أموالكم ولأننا نتطلع دعم العمل الوطني وإنقاذ سوريا وأهلها بمال سوري لتجنب الوصايات والمال السياسي.
طرحنا في الحلقتين الماضيتين عن وضع جيش النظام عبر المرحلتين السابقه و خلال الفترة التالية لانطلاق الثورة و زجه في مواجهة أهله .
في هذا الجزء سنركز الحديث عن الفترة التي تمتد لأشهر قليله مضت:
شهدت الأشهر الماضية اتساع المناطق التي سقطت بيد الجيش الحر ، الذي حقق انجازات ميدانية لافته، مع حدوث تطورات من حيث امتلاك الجيش الحر لأسلحة تضاهي النظامي تقريبا طبعا باستثناء الناحية الجوية .
هذه الأمور استشعر معها عناصر جيش النظام بمدى قوة الجهة المقابلة ، سيما بعدما شاهدوه أو سمعوا عنه من بسالة و اقدام و تضحيات أبداها الجيش الحر، وبات الأمر أكثر صعوبة و ألما .
هذه المرحلة التي تنتمي للأشهر القليلة الماضية ، شكلت عاملا و مفصليا و رئيسيا في بداية الإنهيار الفكري و المعنوي لا بل و التنظيمي .
فبات وضع المتواجدين في الخدمة بجميع رتبهم و اختلاف مللهم و طوائفهم مذري و على حافة الانهيار ، فساعدت الأمور الأنفة الذكر ، أمور أخرى من توارد الأخبار عن سقوط هذه القطعه أو محاصرة تلك أو ضرب أخرى ، وما يزيد اليأس وصعوبة الأمر هو عجز القيادة عن تقديم المساعدة للمحاصرين من الفصائل الثورية ، وتركهم يواجهون مصيرهم وحدهم إضافة إلى الاخفاقات التي لا تعد في المعارك مع الأحرار و وضوح الجهل بأبسط الأمور التكتيكية والعملياتية العسكرية .
هذه الأمور في مجملها وضعت جيش النظام في مهب الريح و بات هرما ، كريها ، يكره حتى ذاته و لا يرى سببا لوجوده ، و يتلمس الفرصه أيا كانت ليترك مكانه مهما بلغت الخسائر حتى لو وصلت لخسارة الحياة .
لن أغالي اذا ما قلت أن هذه المؤسسة باتت في رمقها الاخير و لم تعد قادرة على التحمل أكثر ، و يكفيها أن تتلقى الضربه الأخيرة التي بحاجه لتتكاتف جميع قوات الجيش الحر ليوجهوا ضربتهم القاضية كضربة رجل واحد .
وكي لا أبخس الناس حقها ، فليس جميع من بقي سيئ و قاتل و مصدر للشر و الأذى ، بل لا يزال هناك أناس متواجدين و ينتظرون اللحظه التي سيقدمون فيها خدمة قد لا تقدر بدون أي مقابل وحتى بدون ذكر اسمهم فسوريا الحرة بقلب كل من انتمى لهذا البلد .
أخيراً ......
قد أكون لم أحط بالأمور جميعها و خفاياها ، و انما اجتهدت قدر المستطاع لأظهر جانب قد يكون مغفل أو لم يعطى الأهمية المطلوبة ، خصوصاً مع التغيرات التي طرأت على البينية القيادية للجيش مع ادخال الخبراء الإيرانيين و الروس و اتخاذهم مناصب القرارات كاملاً ، غضافة لسلطة حزب الله و أخيراً المبليشيات الشيعية ، و كلها جعلت من الجيش عبارة عن آلة يُقتل الشعب بها ، ويقتل نفسه أكثر .
في الحلقة الأولى تحدثنا عن الجيش و مرحلة الاهمال و الاستهزاء بعد انتهاء الحرب في لبنان، و عن وجود حالة من التململ من هذا الكهل.
ومع منتصف آذار 2011 انطلقت شرارة الثورة من درعا المليئة بالجيش من فرق و وحدات، وبعد شهر من اندلاع الثورة وعجز من يدعون أنهم يمسكون بزمام الأمور عن اعادة الثائرين إلى ديارهم ، تم اتخاذ القرار بزج الجيش لتخفيف الضغط على الأجهزة الأمنية، فالجيش ضخم و يعمل بما يشبه المجان و على مبدأ الاستفادة منه بدلا من جلوسه "عالة" .
تلك البدايات كانت بمثابة النافذة التي خرج منها المارد المريض نفسياً و المعقد من الاهمال واشاحة النظر، و وجد في هذا الخروج السبيل في العودة للحياة، لكن هذه العودة مع أمراضه المادية و المعنوية و النفسية، لم تكن محمودة و لا مرغوبة.
تم شحن العناصر وإدخال الأفكار وضخ السموم بأن من يقاتلوهم هم حثالة المجتمع، و يسعون لتدمير ما بناه النظام و قائده الخالد و المؤبد في الذاكرة، و طبعا تلك المؤامرة الكونية و... و..
في تلك المرحلة حصلت كثير من الأحداث و الأمور التي تعبر عن مدى حقد قادة و ضباط الجيش على عناصر الأجهزة الأمنية، و ازداد الأمر سوء بعد وضع الجيش في المقدمة و وقوف عناصر الأمن في الخلف، الأمر الذي تسبب بصدامات كلامية و آخرى بالسلاح تم اخفاؤها أو ارجاعها إلى أخطاء في التخطيط و التنسيق.
مع انتشار نور الثورة أرجاء سورية بات من الضروري على النظام أن يفك اللجام عن كتلة الأمراض ليخمد نور الثورة.
دخل هنا الجيش مرحلة مختلفة كليا عن كل ماشهده في تاريخه ،فالثورة في كل مكان و التركيبه الداخلية للجيش معقده كان يجمعها كذبه العقائدية، لتتكشف الحقيقة عن أنها خدمة مذهبية لطائفه معينه.
صحيح أن الأشهر الأولى لم تظهر فيها هذه الأمور ،إلا أن هنالك قلة ممن فهموا و قرروا ترك الخدمة ليتحولوا إلى منشقين ، الذين وضعوا اللبنة الأولى للجيش الحر.بعدما شاهدوه من مجازر ارتكبتها القوات النظامية والميلشيات التابعة لبشار الأسد وقصفها المدن والقرى والاعتقالات الهمجية والسرقات التي قاموا بها.
أمر الانشقاق كان شيء مستهجن لا لشيء ، و إنما لشدة الخوف الذي عاشه و يعيشه جميع المواطنين و عناصر الجيش منهم و على الوجه الأخص المجندين الالزاميين.
وكلما اتسعت رقعة الثورة كانت تتكشف الأمور أمام المجندين ، و باتت نسبة الانشقاق ترتفع أكثر فأكثر و تصل إلى أعداد مهولة.
لعب هاجس الخوف على الأسرة و العامل المادي دورهما في الابقاء على عدد كبير من الأفراد في صفوف الجيش النظامي، فقد تحول جميعهم تقريبا إلى عناصر تحت قائمة الاحتفاظ يستحقون راتب كامل بدلا من فتات المال و الطعام.
صحيح أن هذين العاملين لعبا دورا في تثبيت أقدام كثيرين، لكن الأمر لم يدم طويلا مع اتساع الانتشار العسكري وبدء الانتقال إلى استخدام الأسلحة الأثقل و الأفتك و ضرب كل المناطق التي ينتمي إليها الذين بقوا في الخدمة.
الجيش العربي السوري هو الجيش الذي صدح اسمه في أرجاء عديده ، و شارك بحروب و أزمات كان له فيها ومضات لا يمكن نسيانها أو إخفاءها .
صحيح أن هذه المقدمة تثير اشمئزاز جميع من يقرأها ، إلا أنها كانت واقعية قبل انطلاقة الثورة و زج الجيش بمواجهة أهله ، الأمر الذي كشف حقيقته ليتحول من جيش الشعب والوطن إلى جيش النظام .
هذا الجيش مرت عليه ظروف عصيبة جدا منذ اعلان الاستقلال و حتى الآن ، فكان أداة ناجعة في الانقلابات و تنقل السلطة.
دخل حروب مع إسرائيل و تدخل مرات عديده في مشاكل لبنان و عند غزو الكويت و ... و... ، سفك دماء أهل بلده في ثمانينيات القرن الماضي في حماه و حلب و إدلب ، إلا أن هذه الظروف لم تؤثر عليه.
فقد تم البدء في بداية السبعينات بإعادة بناءه و هيكليته وفق غايات و مآرب معينه لخدمة شخص بذاته، هذا البناء كان يتم بهدوء و دراسه و خبث .
قبل الثورة وفي الفترة مابين انتهاء الحرب في اللبنان و الانسحاب منه ، كان الجيش عبارة عن البؤرة الأقذر و المكان الأصلح للفساد و الرشوة و الصفقات المشبوهة و سرقه ألاف المليارات، بل وكان المنفى الذي يرمى فيه القاذورات التي تخطأ أو تخرج عن السيطرة من الأجهزة الأمنية.
هذه الأجهزة التي مارست سطوتها عليه و على عناصره بجميع الرتب، مما ولد حقد دفين اتجاهها من قبل أفراد المؤسسة العسكرية.
فتحول الجيش من مارد إلى مسخ وبات مجالا ًرحبا للاستهزاء و إطلاق النكت و ضرب المثل بالغباء و الترهل و غياب التأهيل.
هذه المرحلة أثرت كثيرا في تكوينه و أسسه و بنيانه ، وإن كانت لعبة المحافظه على صبغة قادته جارية و تنفذ وفق برنامجها الموضوع و هدفها المرسوم ألا هو خدمة النظام بشخص من يقوده ، وإبقاء مفاتيح العمل بيد أزلامه.
سنين طويلة مضت على الاهمال و كانت الخدمة الالزامية هي السبب في بقاءه ، وكان الملتحقين بالخدمة هم الحلقة الأضعف حيث يجب عليهم أن يتحملوا كل الضغوط سيما من قادة و ضباط تم تهميشهم بشكل كلي وباتوا يبحثون عن طريقه لتفريغ أمراضهم ومرارة حرمانهم.
ظلت الأمور على حالها إلى اجبار الجيش على الخروج من لبنان و العودة إلى ثكناته في أرض سورية ، ظاهريا بدا الأمر كأنه إعادة شد الانتباه له و العناية به ، لكن في الأروقة كان يدور الحديث عن العبء الكبير و زادت حالة التململ من وجود هذا الكهل الضخم في اطار الدولة.
إلا أن أصوات الحرس الوفي للنظام أكدت ضرورة تحمله و تحمل أعباءه، و الاتجاه نحو ضبط نفقاته لأقل حد و تفضيل بعض القطعات عن البقية، الأمر الذي زاد من مشاكل الجيش وضعفه.
يتبع ...
بعد ساعات من استهداف المدفعية التركية والطيران الحربي التركي لمواقع حزب العمال الكردستاني، وبشكل مفاجئ بمشاركة عشرات الطائرات الحربية، من طراز "اف16" ، و الذي تزامن مع قصف بري بالمدفعية الثقيلة من نقاط الجيش التركي المتمركزة قرب الحدود مع العراق ، و بالتزامن أيضا مع قصف "مواقع لتنظيم الدولة" على الحدود مع سوريا، بالقرب من محافظة حلب شمال سوريا ، اتصل رئيس الوزراء التركي داود اوغلو برئيس إقليم كردستان "مسعود البرزاني" في محاولة منه لكسب صوت الشارع الكردي المعارض لسياسة حزب العمال في العراق و سوريا و إيران و تركيا.
هذا الاتصال كان هام جداً لصالح الحكومة التركية ولم يكن موقفهم محرج امام الحلفاء بالمنطقة ونجحوا في ذلك من خلال كسب شرعية الشارع المحلي المعارض لحزب العمال الكردستاني، قبل كسب الشرعية الدولية .
حزب العمال الكردستاني وسياساته المعادية للشعب الكردي بشكل "غير مباشر" كان سبب تصريحات البرزاني : "يحق لتركيا أن ترد على حزب العمال الكردستاني" .
فتدخّل حزب العمال الكردستاني بكل ما يحدث وكأن هذا الحزب، هو الأب الروحي "للقومية الكردية"، التدخل بالشأن السياسي والعسكرية بـ مدينة شنگال "سنجار"، وتشكيل قوة عسكرية ما تسمى بـ "وحدات حماية شنگال الـ YPG" على الشكل الذي اعلنوا في سوريا، وتحريض أهالي مدينة شنگال ضد حكومة الإقليم، واتهام البيشمركة، بأن هم من قاموا بتسليم المدينة "لتنظيم الدولة" ، يعتبر الدافع الوحيد لهكذا تصريحات من جانب رئاسة إقليم كردستان العراق ، حيث يأتي كرد على ما يقوم به "الكردستاني" من لعب دور سياسة التفرد بالمنطقة وخدمة أجندات غير وطنية ، تريد التدخل بالشأن الكردستاني .
هذا وأكد الوزير أوغلو في تصريح لـ وكالات إعلامية أن التنسيق مع حكومة إقليم كردستان العراق، والرئيس البرزاني على مستوى عالي جداً .
لم يدرك المعتوه " بشار الأسد " ما قاله في خطابه الأخير أن الأرض والوطن لمن يدافع عنه ويحميه مهما كانت جنسيته أو هويته فهو لم يأت بشيىء جديد على الإطلاق ففصائل جيش الفتح المتنوعة الإنتماءات والتي تضم عناصر من اغلب المحافظات في مقدمتها إدلب وحماة وحلب وحمص وبينهم عشرات المجاهدين من محافظات درعا وريف دمشق والحسكة ودير الزور يشاركون إخوتهم في إدلب في الزود عن الأرض وحماية العرض من دنس أذناب حزب الله ومللة طهران.
واليوم وبعد خمسة أشهر من المعارك التي بدأ ربيعها في شهر أذار بتحرير مدينة إدلب وعودة الحق والأرض لأصحابها ثم سلسلة الإنتصارات في المسطومة وأريحا وجسر الشغور ومحمبل كان لابد للفصائل من استكمال السيطرة وتأكيد مقولة الأسد أن الأرض لمن يدافع عنها ويحميها لا من يدنسها ويسرقها ويستنزف خيراتها ثم يفر هارباً منها تحت ضربات المجاهدين فكان بالأمس نصراً مؤزراً لفصائل جيش الفتح من كل المكونات وكل المحافظات وكل الأطياف نصراً لإدلب كونها اقتربت من إعلان التحرير الكامل وتطهير كامل أراضيها بعد تحرير قرى المشيرفة وفريكة وسلة الزهور وتل اعور وتل إلياس وحواجز المنشرة والعلاوين وعدد من النقاط العسكرية الأخرى خلال أقل من أربعة وعشرين ساعة لتستكمل حماة النصر وتتقدم جحاف المجاهدين متابعة المسيرة فتحرر محطة زيزون الحرارية وقرية زيزون وعدة بلدت في سهل الغاب من أرض حماة المتعطشة للحرية وتندحر جحافل العدو مهزومة مذعورة باتجاه بلدات قرقور وجورين مع اقتراب المجاهدين منها وتوجيه بنادق مدفعيتهم باتجاهها لتغدو أرض إدلب حرة من دنس العدو ويستعيدها من دافع عنها وحررها فتتحقق مقولة الأسد في أن الأرض لمن يدافع عنها ويحررها فها هي إدلب الطاهرة تعانق اهلها وتحتضن أبنائها من حمص وحماة وحلب وكل المحافظات ممن شاركوا بدمائهم في تحريرها والذود عنها وعيونهم تترقب ذلك اليوم الذي تعود فيها سوريا بكل محافظاتها وكل شبر منها لمن يدافع اليوم عنها وإن اختلفت انتمائاتهم وهوياتهم ومحافظاتهم.
وبعد سلسلة التحرير بالأمس والتي ما زالت مستمرة حتى اليوم تغدو محافظة إدلب الأقرب للتحرير الكامل وكل ما بقي فيها نقطتين عسكريتين إحداهما كفريا والفوعة والتي تعتبران ورقة رابحة بيد جيش الفتح يمكنه ان يستخدمها في الوقت الذي يريد للضغط على مللة طهران وحزب الله ونظام الأسد المجرم لما تحويه هذه البلدات من عناصر أجنبية من الحرث الثوري وجنسيات أخرى بالإضافة لأذناب النظام من شبيحة وعناصر من جيش الأسد وسط قصف يومي يستهدف هذه البلدات وأنباء عن اقتراب تحريرها واعادتها لحضن أمها إدلب والأم الكبرى سوريا لتكون من حق من يحررها ويطهر أرضها من دنس البغاة أما النقطة الثانية فهي مطار أبو الظهور العسكري المحاصر من قبل جبهة النصرة في أقصى الجنوب الشرقي من المحافظة وهو عبارة عن نقطة عسكرية ثابتة لقوات النظام خرج عن الخدمة منذ العام 2013 ولا يغدو كونه نقطة عسكرية لقوات النظام تحاصرها جبهة النصرة من كل الإتجاهات ريثما يكتب الله لها التحرير الكامل في القريب العاجل لتعلن إدلب الخضراء أرض لكل السوريين تزهوا بخضرتها وتتألق بشموخ جبالها وتحتضن من دافع عنها فتكون أرضاً لهم ومنطلقاً لتحرير محافظاتهم وبلداتهم من دنس عصابة غدت الهزيمة من شيم رجالهم فكانوا كالجرذان يهرولون أمام أساد جيش الفتح باتجاه القرى العلوية التي ستعلن في القريب العاجل سنية سورية تعود لإسلامها وسوريتها ووطنيها وتمسح العار عن جبينها والذل عن وجنتيها.
حقاً بشار الأرض لمن يحميها ويدافع عنها لا لمن يدنسها ويسلبها ويهرب مهزوماً منها.
يبدو أن هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي قد اقتربت من إعلان انضمامها إلى الائتلاف الوطني في جسد موحد ، بعد أن أثمرت اللقاء التي جرى مؤخراً في مقر الإتحاد في بروكسل بين الطرفين ، ليكون باكورة عمل كامل لا يكتفي بمجرد اجتماعات و بيانات.
فبعد تحديد "خريطة طريق" واحدة متفق عليها ، من المفروض وفقاً للمعلومات أن يكون الإعلان عن الإندماج هو يوم الأربعاء ، بعد اجتماع المكتب التنفيذي للهئية في دمشق ، لدراسة ما خرج به اجتماع بروكسل.
و توصل الطرفان إلى خارطة طريق لإنقاذ سورية تضم المبادئ الأساسية للتسوية السياسية ، و حينها وضع الوفدان نص يتضمن ضرورة المصادقة عليها من قبل مرجعياتهما، و أعلنت اليوم الهيئة السياسية للائتلاف موافقتها على فحوى الوثيقة المتفق عليها .
وتدعو الوثيقة إلى تنفيذ "بيان جنيف" (01 حزيران/يونيو 2012) بدءاً بتشكيل "هيئة الحكم الانتقالية" التي تمارس كامل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، بما فيها كافة سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية على وزارات وهيئات ومؤسسات الدولة، والتي تشمل الجيش والقوات المسلحة وأجهزة وفروع الاستخبارات والأمن والشرطة.
كما تضمنت بنود أخرى من إدانة العنف من قبل قوات الأسد و رفض إرهاب داعش و حزب الله ، مع الطلب من الأمم المتحدة و الدول المعنية التدخل لمساعدة السوريين على القيام بعملية الإنتقال السياسي .
و قيام الهيئة بخطوة الإنضمام الكامل للائتلاف ، يعتبر من الناحية السياسية مكسب للمعارضة السياسية الخارجية المنتمية لجناح الائتلاف ليحافظ على تفوقه على بقية الأجنحة التي أخذت منحى مشابه من حيث الشكل ، و لكن فشلت في التواجد ضمن هيكلية موحدة .
و إن كانت هذه الخطوة من الناحية السياسية جيدة ، لكن إن لم تستتبع أو تترافق مع خطوات ميدانية ، كتشكيل إدارة عسكرية موحدة ، أو وجود جسم عام لها ، فإن الأمور لن تتغير كثيراً ، و ستكون عبارة عن نقطة إضافية ضد الأسد ، دون أن تكون ذات فعالية على إنهائه .
خاضت اليوم جوبر مع ثوارها معركة جديدة في الدفاع عن النفس ضد غزو القوات و المليشيات الطائفية ، و تمكنت مع قلب ركامها على المتقدمين ، و حولت حفرها لقبور من جديد لكل من يقترب منها.
الحملة الجديدة التي اتخذت شكلاً عنيفاً لم يشهده الحي منذ قرابة العام ، كانت غايتها تحقيق شيء ما ، و لوكان تقدم بسيط ، يعيد بعضاً من الهيبة التي إنتهت و تكسرت أمام الثوار ، من إدلب شمالاً إلى درعا و الأهم في الوقت الحالي الزبداني .
سنين القصف و الدمار و الحصار و التقطير ، لم تؤثر بأهل جوبر ، جوبر النقطة الأكثر قرباً من قلب دمشق ، و مركز القوة للثورة السورية ، والإعتماد عليها كبير في الدخول إلى دمشق ، و تحريرها .
ساعات طويلة من القصف المكثف من جبل قاسيون و محيط الغوطة و الفرق العسكرية القريبة من دمشق ، غطاء جو مرعب ، و استخدام لكل ماهو مألف و غير مألف ، و طبعاً "الكلور" الأسدي حاضراً ، مشاركة القوات الأميز لدى الأسد و مليشيات حزب الله و كل المتواجدين بصفه ، هي ملخص بسيط لما تعرضت له جوبر اليوم .
هذه الكثافة ، و قوة الهجوم ، و عنف القصف ، لم تؤثر على المرابطين و لا المساندين الذين إنضموا إليهم ، فالفرق بين صاحب الأرض و المعتدي هو الفيصل ، و تمكنت جوبر مع ثوارها من نفض غبار الهجوم ، و تكبيد المهاجمين أفدح الخسائر التي زادت عن 25 قتيل جلّهم من ضباط النخبة.
و الملفت ليس صد الهجوم بقدرة و ثبات ، الملفت هو حجم العزيمة التي يمتلكها القلة المتواجدة هناك ، قلة العدد و العتاد ، ورغم ذلك انتقلوا من مواقع الدفاع البطولي إلى الهجوم العنيف .
جوبر و ثوارها لهم من معنى الإسم نصيب كامل ، فجوبر هي "جب الجبابرة" كانت و ستزال كذلك.
العرب والعروبة كذبة كبيرة، لكن للأسف ما زال البعض يصدقها منذ عقود. صحيح أن القومجيين صدعوا رؤوسنا بمفهوم العرب والعروبة منذ منتصف القرن الماضي، إلا أن مفهوم العروبة كان مجرد مطية سياسية حقيرة لتحقيق أهداف سلطوية قذرة لا أكثر ولا أقل.
فالأنظمة التي رفعت شعار العروبة كانت تحكم بلدانها طائفيا وقبليا، كما هو الحال في سوريا وليبيا واليمن. فالنظام السوري مثلا له علاقة بالقومية العربية كما لي علاقة بكوكب عطارد، فهو نظام لم يرتق يوما إلى مرتبة الوطنية الضيقة، فما بالك أن يكون قوميا! لقد حكم النظام السوري بشعار عروبي قومي، بينما كان في الواقع مجرد نظام ما قبل الدولة، لا بل إنه لم يكن حتى نظاما طائفيا كما يتهمه البعض، فقد كان مجردعصابة تجمع بين الطائفية والنفعية والبلطجية، بينما كان مثيلاه في اليمن وليبيا نظامين يحكمان بتوازنات قبلية قروسطية لا تمت لمفهوم الدولة بصلة. وينطبق الأمر على النظام العراقي بدرجات معينة. باختصار شديد، فإن العروبة كانت مجرد مصطلح سياسي هلامي فضفاض، لا وجود له عمليا إلا في أشعار سليمان العيسى وأمثاله.
ومن المفارقات الفاقعة جدا، أن النظام السوري الذي يتغنى بالعروبة ليل نهار، ربط مصيره، وعقد معاهدات دفاع مشترك مع إيران الفارسية عدوة العرب التاريخية قوميا. وربما كان النظام السوري واقعيا في تحالفه مع إيران بعد أن وجد أن لا مشروع عربيا في الأفق يمكن الركون إليه أو التحالف معه، فتحالف مع إيران التي كانت، على عكس العرب، تعمل من أجل مشروع واضح المعالم بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه.
بعبارة أخرى، فإن أكثر من تاجر بمفهوم العرب والعروبة هم القومجيون العرب الذين نقلوا البندقية الإيديولوجية من الكتف البعثي والناصري إلى الكتف الفارسي بخفة عجيبة. وفي هذه الأيام نرى الكثير ممن يسمون أنفسهم قوميين يعملون تحت الراية الإيرانية على رؤوس الأشهاد. والمضحك أكثر أن الذين كانوا يترددون على قصور صدام حسين، ويدافعون عنه ليل نهار، ويقبضون منه الملايين، صاروا الآن مدافعين عن المشروع الإيراني وملالي طهران الذين أشرفوا عبر أذنابهم في العراق على إعدام صدام حسين شنقاً في عيد الأضحى المبارك. وقد وصف الشاعر العراقي مظفر النواب العرب والعروبة وصفا دقيقا في قصيدته الشهيرة الموسومة "القدس عروس عروبتكم".
وكما فشل النهج البعثي والقومي في الارتقاء إلى أدنى درجات العروبة، لم تنجح التكتلات الشمال إفريقية المتمثلة بما يسمى باتحاد المغرب العربي، فالمغرب أقرب لإسرائيل مثلا مما هو للجزائر الجارة. والنظام الجزائري العسكرتاري الديكتاتوري أقرب إلى فاشية النظام السوري مما هو للجار المغربي، مع الاعتراف طبعا بأن النظام المغربي يبقى أفضل ألف مرة من أنظمة البعث والجملكيات السورية والليبية والجزائرية.
صحيح أن اتحاد دول مجلس التعاون الخليجي حافظ على اجتماعات منتظمة منذ نشأته، إلا أنه لم يرتق بدوره إلى طموحات الوحدة المنشودة.
باختصار لم يكن العرب يوما منذ الاستقلال على قلب رجل واحد، فقد فشلوا في أن يكونوا عربا بالمفهوم السياسي حتى على المستوى الجهوي الضيق كالبعثي والمغاربي والخليجي. لا شك أن مشاعر العروبة كانت، وما زالت قوية على المستوى الشعبي، إلا أنه لا قيمة لتلك المشاعر في البورصة السياسية، فالعرب سياسيا عربان وملل ونحل متناحرة لا يجمعهم أي مشروع أو هدف أو قضية. وبالتالي، فمن الخطأ الفادح الحديث عن «العرب» ومقارنتهم بالأمم والدول الأخرى في المنطقة كإيران وتركيا وإسرائيل. فكيف نقارن أنظمة تسمي نفسها زورا وبهتانا عربية بالأمة الإيرانية الواحدة ذات الرسالة المحددة، أو بالأمة التركية. إذا لا مكان للعرب على أرض الواقع من الناحية السياسية، وبالتالي من الأفضل أن نتحدث عن سياسات محلية بدل الحديث عن سياسة عربية.
على العكس من ذلك، نجد أن إيران رفعت شعارات معينة وعملت على تنفيذها بحذافيرها. وبينما كان من يسمون بالعرب يتناحرون فيما بينهم، ويتآمرون بعضهم على بعض ليل نهار، كانت إيران تجمع تحت جناحيها كل الحركات والأحزاب والفعاليات، ذات التوجهات العقدية المشتركة، فكل الأحزاب العراقية المؤثرة مثلا تقريبا ترعرعت في إيران.
وقد نجحت إيران في صنع أذرع مذهبية لها في العراق وسوريا واليمن ولبنان. وبينما استثمرت إيران بحلفائها الشيعة في البلدان العربية المذكورة، كانت الدول العربية (بين قوسين) تلاحق، وتشيطن، وتضع على قوائم الإرهاب أي حركة أو حزب إسلامي حتى لو كان معتدلا. لاحظوا أيضا كيف تحولت أذرع إيران في بعض الدول العربية إلى قوة ضاربة في العراق واليمن ولبنان، بينما أصبحت القوى التابعة لبعض الدول العربية في تلك البلدان مثارا للسخرية والتهكم.
ولا ننسى أبدا أن العرب تحالفوا بشكل غير مباشر مع إيران بعضهم ضد بعض، ليس فقط كما فعل النظام السوري، بل أيضا عندما تآمر بعض العرب مع أمريكا في غزو العراق، فسقط صدام حسين، مما فسح المجال واسعا أمام التغول الإيراني في العراق.
وليت التآمر العربي على العرب توقف في العراق، فما إن اندلعت الثورات الشعبية العربية، حتى التف عليها بعض العرب خوفا من أن تصل إليهم شرارتها، فدعموا فلول الأنظمة الساقطة الفاسدة العفنة ضد الأنظمة الجديدة، بدل الاستثمار في أنظمة جديدة ربما تصلح ما أفسدته الأنظمة الساقطة، وتصنع قوة عربية جديدة قادرة على مواجهة القوى الإقليمية الأخرى كإيران وغيرها.
وفي الوقت الذي عمل فيه بعض من يسمون بالعرب على تقويض الربيع العربي وإعادته إلى المربع الأول، كانت إيران تدعم حلفاءها بالغالي والنفيس بغض النظر عن وحشيتهم. ما الفرق بين الميليشيات الشيعية التي تقاتل في سوريا والعراق ولبنان وبين داعش وأخواتها؟ لا فرق أبدا. لكن بينما تقف إيران إلى جانب جماعاتها، نجد أن العرب المزعومين لم يتحملوا حركة سياسية معتدلة جداً كالإخوان المسلمين، فتآمروا عليها في مصر واليمن رغم وصولها إلى السلطة بأصوات الشعب.
احصدوا ما زرعت أياديكم يا من تسمون أنفسكم عربا!
تقول الحقيقة العلمية بأنك لو أردت ضرب مسمار بزجاجة من خارجها لما تحطمت إلا أن كانت الضربة قوية وكافية حتى تتكسر ولكن ماهو أسهل لتحطيمها وتصبح قطعا متناثرة فما عليك سوى وضع ضع مسمار صغير داخل الزجاجة وقم برج الزجاجة فستجد الزجاجة تحطمت بسهولة وبأسرع مما تتخيل كذلك هي إيران لا يمكن كسرها من الخارج إلا بقوة كبيرة وهذا مكلف و سيكون له تداعيات كبيرة أيضا وبالتالي وانطلاقا من الحقيقة العلمية وبدراسة داخل هذه الزجاجة (إيران ) نجد أن تحقيق هذه الحقيقة أمرا ليس صعبا لكنه أيضا ليس سهلا وليس نزهة لكنه ممكن جدا.
طالما أن إيران تعبث بدول جوارها والعالم العربي والإسلامي دون رادع بل تحقق بعض القوى الإقليمية والدولية غايتها بإضعاف و استنزاف العالم العربي بالفزاعة الإيرانية فهذا يحتم ضرورة التفكير والعمل الجاد وفق خطة عمل محكمة على مستوى الإستراتيجية والتكتيك لإلهاء إيران بمشاكلها الداخلية وتفعيلها وصولا لتقسيم إيران لثمان دول متناحرة.
طالما إيران مستقرة من الداخل او بالأحرى هناك حالة سكون فإنها لن تتوقف عن عداء العالم العربي والإسلامي وبالتالي يجب العمل لأن تنتهي حالة السكون الداخلي لتلفت إيران لمعالجة مشاكلها الداخلية التي لا يجب أن تنتهي ولسنوات طويلة حتى تنعم بلداننا بالأمن والاستقرار.
الدارسون والباحثون المتخصصون في الشأن الإيراني يعلمون أن استثمار مشاكل إيران الداخلية أمر ممكن لا سيما وإن علمنا أن الفرس لا يشكلون سوى 40 إلى 42 % من مجموع الشعوب المكونة لإيران الحالية والفرس يتمركزون ديمغرافيا في الوسط الجغرافي لإيران في حين تحيط بهذا الوسط المتعجرف و المتكبر باقي الشعوب في إيران وهم الكرد في الشمال الغربي والعرب في إقليم الاحواز المحتل (الغني بالنفط والغاز والذي يشكل عماد اقتصاد إيران اي ما بين 80 إلى 85% من النفط والغاز ) وهناك قومية اللور في رقعة جغرافية تمتد من مناطق الكرد حتى الأحواز أي تقريبا بالقرب من طول الحدود الإيرانية العراقية إلى جانب المسلمين السنة في إقليم بلوشستان سيستان وهؤلاء يتمركزون في الجنوب والجنوب الشرقي و الغربي اي أنهم يمتدون على رقعة جغرافية إستراتيجية غاية في الأهمية متصل بالخليج العربي وباكستان وأفغانستان وكذلك هناك التركمان في الشرق والشمال الشرقي وهذا يعني تواصلهم الجغرافي مع أفغانستان تركمانستان أضف إلى القومية القزوينية في الشمال بالقرب من بحر قزوين كذلك الاذريين وهم يمتدون من مناطق طهران وصولا لمناطق اقصى الشمال الغربي أذربيجان ويتواصلون مع جغرافيا مع دولة أذربيجان التي تعتبرها إيران جزءا تم اقتطاعه من أراضيها الاذرية إلى جانب حدود لا تتجاوز 35 كم مع أرمينيا.
أذربيجان ترتبط بعلاقات متوترة للغاية مع إيران لقضايا متعددة منها وجود قاعدة تجسس إسرائيلية على إيران في أذربيجان إلى جانب حالة القلق التي تعتري إيران وخلافات مع الدول المطلة على بحر قزوين.
هذا قسم من القوميات التي تشكل إيران الحالية وهذه القوميات والاختلافات جميعها تحيط بالوسط الفارسي وجميعها دون استثناء لديها مشاكل وخلافات عميقة مع الفرس ومع النظام الإيراني وعلينا أن لا ننسى أن الفرس 40 الى 42 % لا يشكلون الأكثرية من مجموع الشعوب المكونة لإيران الحالية وجميع هذه الشعوب لا تتحدث اللغة الفارسية الا كلغة ثانية لانها اللغة الرسمية للتعليم والاعلام وجميع هذه الشعوب مضطهدة من الوسط وتعاني من نظام الحكم.
أضف أن حالة الفقر المدقع التي يعيشها الإيرانيون ووجود نحو مليوني لاجئ أفغاني كلها عوامل وعناصر هامة يمكن ان تساهم في تفجير إيران من الداخل. لا سيما وأن حالة الاضطهاد بحق أهل السنة في إيران وصلت الذروة وعلينا أن لا ننسى ان الدستور الإيراني للجمهورية الإسلامية في إيران يعترف دستوريا بالديانة الزرداشتية (المجوس) وباليهودية ولديهم نواب في البرلمان في حين لا يعترف بالسنة و يمنع عليهم أي شكل من أشكال الحرية الدينية مع العلم ان الدستور الإيراني يعتبر ان الإسلام الشيعي على المذهب الاثنا عشري هو الدين الرسمي للدولة مع العلم ان المذهب الشيعي فرضه الشاه الصفوي في أوائل القرن السادس عشر.
علينا أيضا ان نضع في عين الاعتبار ان الفرس هم من الآريين اي من نفس قومية الاوربيين (ابناء عمومة) وهم مجموعة قبائل كانت تعيش بالقرب من شرق قزوين ثم حلت عبر التاريخ في إيران وتم تسمية إيران باسمها الحالي في الثلاثينات من القرن الماضي وكانت تسمى فارس.
رغم ان الشباب (اقل من 30 سنة ) يشكلون نحو 65 % الا ان الشعب الايراني شعب هرم و النمو السكاني الإيراني في خطر وهم يعانوا من ذات المشكلة التي تعاني منها اوربا فإيران الحالية بحدود 75 مليون نسمة ستتضاءل هذه الأعداد خلال عقود فالفقر والنزوح من الريف للمدينة وعوامل أخرى ساهمت بالعزوف عن الزواج إلى جانب ان متوسط الإنجاب لا يتجاوز طفلين منذ نحو ثلاثين سنة وحتى الآن بتراجع أكثر من الثلثين في متوسط نسبة الإنجاب وهذا الجيل من الشباب في شبه قطيعة مع عصر ملالي إيران وهو شباب يبحث عن ذاته وحريته والتواصل مع الغرب ولا يعتبر أنه معني بحكم رجال الدين في نظام ثيوقراطي كما ان هؤلاء الشباب هم من خرجوا يعبرون عن فرحتهم بتوقيع الاتفاق النووي لأنهم يريدون التخلص من العزلة الدولية بل ويريدون التخلص من حكم رجال الدين لا سيما وأن حجم المعاناة يتزايد من قمع الحرس الثوري وهيمنته على الاقتصاد وموارد الدولة والحريات العامة والإعلام.
فجميع الإيرانيين محتقنين من الاستثمارات والفساد المتنامي الذي يمارسه كبار جنرالات الحرس الثوري فجميع الأبراج التي بنيت في طهران يقف وراءها متنفذون و مستثمرون من الحرس الثوري وأغلب المشاريع الاقتصادية يقف وراءها ضباط في الحرس الثوري كما ان مدينة الاستثمارات في مدينة مشهد مسقط رأس الخامنئي يقف وراءها رجال دين وجنرالات في الحرس الثوري.
إيران الملالي وقم وحكم رجال الدين في وادي وباقي الإيرانيين في واد آخر ويكفي زيارة إلى مناطق مثل دربند و داركيه في جبال البرز المحيطة بطهران لتنتقل من عالم الملالي إلى عالم الشباب الباحث عن مكان يشعر فيه بالحرية.
المعارضة الإيرانية المتمثلة ب مجاهدي خلق لا تقل خطورة عن نظام الملالي وحرسهم الثوري. والحرس الثوري في إيران هو دولة داخل الدولة فهو الذراع العسكرية والأمنية الضاربة لمرشد إيران الخامنئي وأعتقد أن موته سيشكل نهاية ولاية الفقيه في إيران وحكم الملالي.
في بحث في أسماء واصول العائلات التي تعيش في إيران على الضفة المقابلة للإمارات والكويت وعمان نجد أن أصولها عربية وهذا يؤكد أن اغلب هذه العائلات لك تتخلى عن أراضيها رغم ضم مناطقهم للحكم الفارسي عندما تم اقتطاع هذه الأراضي العربية لصالح فارس مقابل مصالح أخرى للإمبراطورية البريطانية في القرن السابع عشر.
على الدول المتضررة من أيران ان تعمل من داخل إيران لإضعافها وتفتيتها بذات الاستراتيجية التي تعمل بها ايران في اضعاف وتفتيت العالم العربي والإسلامي وان تقوم
بدعم ومساعدة جميع أنواع المعارضة المناهضة للنظام الإيراني في الداخل وبشكل خاص الكرد والسنة والاحواز وعلينا أن نتخيل لو ان الأحواز المحتل عاد إلى حاضنته العربية وتمكن من الاستقلال فحينها يخسر النظام الإيراني 80 % من موارده الاقتصادية من النفط والغاز و التي يعتمد عليها بشكل أساسي.
كثيرة من الأحداث كان يجب استثمارها لإضعاف إيران ومساعدة الشعوب المضطهدة في إيران فأحداث مهاباد والانتفاضة المستمرة في الاحواز والمقاومة السنية المسلحة يجب ان تحظى بالدعم والاهتمام والمساعدة وبالتالي تتحطم الزجاجة من داخلها وتنال الشعوب المضطهدة في إيران حقوقها.