مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٤ سبتمبر ٢٠١٥
سوريا ليست لاجئ أو داعش .. فهي قلب "الظلم"

بين الفينة و الأخرى يقفز على واجهة المشهد السوري حدث ما ليحول الأنظار ، و يشكل جذباً مغناطيسياً يهدف إلى تضيع البوصلة الأساسية للثورة السورية ، و حتى مصطلح الثورة بحد ذاته يتعرض لتغيير واجهته من أزمة إلى صراع فحرب أهلية ..... .

مع غرق الطفل السوري "إيلان" و قبله "شاحنة الموت" و قليلاً إلى الوراء "سفينة الموت" ، يتجدد تغيير الإطاربأن الأزمة السورية الحالية ، هي لاجئ و يبحث عن الآمان ، هي مضهد يلاحق السلام ، معتد عليه ينشد العدل ، و هنا تبدأ الإجتماعات و المؤتمرات ، و إن صح التعبير المؤامرات ، بأن كل مافي سوريا عبارة عن جزء من الشعب أراد تغيير المكان و يجب أن نسعى لتلبية أمره .

وقبلها "داعش" وهي حالة مستمرة بالطبع بين مد و جذر على حسب التطور الميداني و اللعبة السياسية بالمكوك الدولي ، و التي تحولت بفضل جهابذتها إلى المرتع الذي يفرغ الجميع قاذوراته بداخله و يخرج كمن أخطئ خطأ يحتاج لتوبة ليطهر منه .

القضية ليست قضية لاجئ أو مهاجر أو داعش ، و لكن القضية قضية شعب لايزال بعد خمس سنوات على نفس الرتم القتلي اليومي ، من قبل ذات الشخص و الهيكلية ، و ذات الأذرع و لو تلونت و إنتمت للطرف المعارض له .

اليوم لاجئ ، و بالماضي و حالة مستمرة داعش ، و بالغد سيكون لنا شيء جديد ، لتتواصل عملية تضيع البوصلة ، وتغيير الإتجاه ، فالعالم يبدو أنه إتفق على إفناء و تشريد الشعب و يبقى قاتل الشعب عابثاً ...

اقرأ المزيد
٢ سبتمبر ٢٠١٥
سذاجة دي ميستورا وتاريخ الأسد

في ظن روسيا واعتقاد الأمم المتحدة أن الحراك الديبلوماسي المتقطع الذي ترعيانه والاجتماعات والمشاورات التي تنظمانها في هذه العاصمة أو تلك، مع أطراف في المعارضة السورية، ومع ممثلين هامشيين لنظام الأسد، يمكن أن تؤدي جميعها إلى تسوية للحرب الأهلية في البلد المدمر، تشبه النهايات السعيدة للأفلام الهندية أو المسلسلات التركية.

لكن الوسطاء الدوليين المعنيين بسورية، وفي مقدمهم دي ميستورا الذي وضع صيغة «أكاديمية» للتسوية كما يراها، يحاولون تجاهل ما يعرفونه تماماً من أن الأسد ورجاله لن يدخلوا في أي حل لا يضمن استمرار حكمهم وبقاء نفوذهم ومصالحهم، ليس فقط لأنهم لا يزالون قادرين على القتل والمراوغة ومقاومة الضغوط، بل لأنهم لا يرون، بسبب تركيبتهم الطائفية والأيديولوجية، أن هناك حلولاً وسطى للأزمة. فهم إما ينتصرون بالكامل وينضم العالم كله إلى صفهم مصفقاً تحت شعار «محاربة الإرهاب»، وإما سيظلون يقاتلون حتى النهاية، طالما يجدون من يقدم لهم الدعم السياسي والعسكري، ومن بين هؤلاء روسيا نفسها التي تنتحل دور الوسيط.

وأمام هذا الواقع، يعمد هؤلاء الوسطاء إلى التحايل وتفخيخ اقتراحاتهم بتضمينها فقرات غامضة تحتمل أكثر من تفسير واجتهاد، إن لناحية مغزاها السياسي أو مداها الزمني أو لجهة إمكان تطبيقها العملي. ولنأخذ مثلاً الفقرة في خطة دي ميستورا التي تقول انه تسبق المرحلة الانتقالية مرحلة تمهيدية تتمتع خلالها الهيئة الحاكمة الانتقالية بسلطات تنفيذية محددة (المقصود محدودة) تمتد لفترة زمنية لا يحددها النص، أي تترك لاتفاق الأطراف المعنيين.

يعني هذا الاقتراح أن الفترة الانتقالية التي نص عليها بيان «جنيف 1» تناسلت وأنجبت فترة جديدة مائعة، وقد تنجب غيرها بحسب الظروف والأوضاع الميدانية والسياسية، وأن ما ذكره البيان عن منح الهيئة الانتقالية صلاحيات كاملة لم يعد وارداً في فترة أولى ليس معروفاً متى تنتهي. وهو ما يدعو إلى التذكير بتجربة نظام الأسد اللبنانية في تطبيق اتفاق الطائف الذي نص على انسحاب الجيش السوري وتسليم الأمن إلى السلطات اللبنانية بعد سنتين كحد أقصى من تاريخ توقيعه، وكيف أنه ماطل 16 عاماً في التنفيذ بحجج مختلفة اختلقها، ورعا الانقسامات اللبنانية وشجعها حتى يبقى ممسكاً بعنق البلد وقراره، ولم يخرج من لبنان إلا بعد ارتكابه جريمة مروعة اضطرت دولاً كبرى إلى إنذاره بالخروج، فكيف وهو اليوم في أرضه و «منتخباً رسمياً» وتعترف أطراف عديدة بـ «شرعيته»، من بينها الأمم المتحدة؟

ولنا أن نتساءل ما ستكون عليه المرحلة التمهيدية الانتقالية إذا ظل الأسد ممسكاً خلالها بالأجهزة الأمنية والعسكرية؟ وماذا سيحصل لقوات المعارضة إذا كان «داعش» الذي ينسق مع النظام ويخوض معاركه بالوكالة عنه، سيواصل هجماته على مواقعها، فهل يستطيع أحد عندها ضمان أن قوات النظام لن تهاجمها أيضاً تحت غطاء منع «داعش» من التقدم؟

وفي فقرة أخرى، يقول دي ميستورا إنه في حال إخلال الأطراف بتنفيذ بنود التسوية، سيجري مشاورات مع دول مجموعة الاتصال ويرفع توصياته إلى مجلس الأمن. لكن هل يمتلك هذا المجلس قراراً موحداً يستطيع فرضه على دمشق، ما دامت موسكو تتمتع فيه بحق النقض وتعتقد أن الأسد هو «الرئيس الشرعي» لسورية الذي لا يجوز استبداله أو اشتراط رحيله لبدء أي تسوية، بل تروّج معلومات حالياً عن زيادة انخراطها العسكري إلى جانبه؟

الموفد الدولي ليس ساذجاً بالتأكيد، بل يتعامل مع الوقائع الدولية التي تشي بأن الأميركيين أنفسهم ليسوا راغبين في إسقاط الأسد، حالياً على الأقل، وأنهم يمنحون أولوية مطلقة للحرب على «داعش»، لكنه يصبح ساذجاً عندما يسقط من اعتباره تاريخ بشار الأسد الدموي الذي يؤكد أنه لا يمكن أن يتنازل طوعاً ولو عن صلاحية بروتوكولية واحدة.

اقرأ المزيد
٢ سبتمبر ٢٠١٥
الطفل الذي غرق في بحر "الضمائر الميتة" ..

حوّل الطفل السوري الرضيع الذي وجدت جثته ملقية على أحد شواطئ تركيا ، العالم إلى عبارة عن "حفاضة" بحاجة لرمي بعيداً تلافياً لألم رائحتها .

ملئ المشهد الأرجاء جميعاً ، ملئت معه الصفحات و مواقع التواصل الإجتماعي بعبارات الألم و النحيب و البكاء ، و شتم كل شيء حي على هذه الأرض من حكام و بشر ، بكل الألوان و الأطياف ، ووصل الأمر إلى البحر و القارب و أهل الطفل الذين رافقوه في الموت غرقاً ، مرواً بكل الأنظمة و الهيكليات و التنظيمات المحلية و الإقليمية و العربية و الإسلامية و العالمية .

الجميع إنتحب و ذرف الدموع و دعا إلى وقف هذا الموت الأرخص من المجاني ، وطالب الكثر بفتح الأبواب الموصدة و تسهيل عملية الإنتقال إلى النقاط الآمنة .

اشترك القاسي و الداني ، بهذا الجهد الإنتقادي ، المطالباتي ، الشتائمي ، و الذي لايتجاوز حد الكلام ، بضع الحروف التي لم تكتب حتى بحبر ، لتكون عبارة عن نفخات هواء ستضيع بعد يوم أو يومين ، كما ضاعت تلك الكلمات على مدى خمس سنوات ، ضاع غريم أكثر 300 ألف شهيد سوري .

صورة الطفل السوري الملقاة كجثة هامدة ، هي صورة لشعب بأكمله ، لأمة بأكملها ، و للإنسانية جمعاء ، ليتك أيها الطفل كنت إبن لأحد الجهابذة الإلكترونيين ، أو أحد القياصرة الأقلويين ، أو تكون حتى معبداً أثرياً يلحقك المسبار الفضائي و يلتقط صورك لحظة بلحظة ، ليتك يا بحر داعشاً.

صورة الطفل عرتنا جميعاً ، كبشر قبل أن نكون مسلمين ، أنهت كياناتنا و حصرت قدراتنا داخل مستطيلات موزعة بألوان المواقع ، غداً سننساك ، ننتظر قصة جديدة لنجلدها ، علنا ننسى أن نجلد ذواتنا .

اقرأ المزيد
٢ سبتمبر ٢٠١٥
النصرة تتقرب من الأقليات .. فالأكثرية كُثر

كنت أمني النفس أن يكون مكان أحد الأسرى "الشيعة" لدى جبهة النصرة ، والذين تم تبديلهم اليوم مع معتقلين لدى النظام ، هو أحد الأشخاص الذين يتم اعتقالهن في المناطق المحررة ، و الذين ينتمون إلى ذات الدين و إلى ذات الثورة ، وإلى ذات الشعب الذي انتفض و ثار .

أثق بأن المهاجمين ، سنهالون علي شتماً و قدحاً ، لأنني إقتربت من عرين "جبهة النصرة" ، و لكن هناك حق يجب أن يقال ، الجميع يسعى نحو الأقلية بكل فئاتها ، ورضاها هو المبتغى و عدم المساس بها غاية الطموح .

لم نكد ننسى لقاء الطيار الذي تباها بأنه قصف و دمر و أسقط براميل ، على مدن و قرى سوريا ، و على "السنة" تحديداً ، ووقع أسيراً لينعم بحياة الرغد و الراحة و يظهر عليه الرخاء ، إلى حد الكِبر و العنجهية .

اليوم أظهرت لقطات و لقاءات حال الأسرى الجدد لدى جبهة النصرة ، الذين عبروا صراحة و جهارة و علناً ، أنهم عُميلوا بشكل إنساني و راقٍ ، وحظيوا بحسن المعاملة طوال أعوام ثلاث ، و أكدوا أن الأذية لم تلحق بهم و لم يساء لهم .

لكن ماذا عن حال المعتقلين من السنة و سكان الأرض و أهل البلد ، و شعب الثورة ، دافع ضرائبها من ماله و عرضه و دمه ، فهل يحظى بهكذا معاملة .

يخطئ من يظن ان التأليه قد يلحق بأي كان لمجرد تحقيق النصر هنا أوهناك، مالم يكن العدل موجود و موفور للذين ضحوا ، أسرف الجميع بدمائهم .

ماذا لوكان أحد هؤلاء الأسرى ناشطاً أو رافضاً لتصرف أو مخالفاً لفكر هذا الفصيل أم ذلك ، ماذا لو كان خارج بيعتهم أو رافض لأفعالهم ، فحتماً العذاب المميت سيكون موجود ، وتنفيذ العقوبات ، وحتى القتل بمجرد فتوة شرعية سريعة ، تكفي لأن يكون تحت التراب ، فهنا الخلاف خلاف منهج و ليس خلاف عقيدة ، ومن يختلف معهم بالمنهج كُثر .

وحتماً ليس نقداً لحسن المعاملة التي تعتبر نقطة لصالح الإسلام و الثوار ، و لكن عندما يكون الإسلام رحيماً على الجميع باستثناء المسلمين نكون أمام ....

اقرأ المزيد
١ سبتمبر ٢٠١٥
الأسد و جيشه و رموزه هم الحل .. وماتبقى عبارة عن "أركوزات"

تتقاطع التحركات السياسية التي تقودها روسيا بشأن الحل في سوريا ، في نقطة بارزة ألا وهي أن الأسد و جيشه كذلك و أركان من نظامه أيضاً سيبقون جاثمين في مناصبهم ، ومؤسساتهم ، و سيكون التغيير القادم عبارة عن تنكيه النظام بـ"معارضة خلبية" ، هو ملخص الحل الروسي الذي يتوافق مع الرؤية الدولية .

صباح اليوم أطل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ليعلنها على الملئ أن بشار الأسد هو "الرئيس الشرعي" و أن جيشه هو القوة "الوحيدة القادرة" على مقارعة داعش ، سبقه المتحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بويتن بالقول أن الأخير قد ركز في لقاءاته مع زعماء الأردن و مصر و الإمارات على الشأن السوري ، وكرر عرضه لمبادرته الفذة المتعلقة بحلف "المعجزة" بين تركيا و ايران و السعودية و الاسد ، لمواجهة الإرهاب.

وطابقت الرؤية الروسية للحل ، خطة المبعوث الأممي لسوريا استيفان دي مستورا ، الذي لخص خطته بـ " تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة و تشكيل مجلس عسكري مشترك من النظام والمعارضة واتفاق الطرفين على قائمة من 120 مسؤولاً لن يستلموا أي منصب رسمي خلال المرحلة الانتقالية ، إضافة إلى إلغاء بعض الأجهزة الأمنية وصولاً إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية برعاية الأمم المتحدة" ، وطبعاً ليس هناك أي ذكر لبشار الأسد الذي يفيد ضمناً إلى أن الأسد لن يمس و ستقتصر الإجراءات الحلّية على خسارته لـ120 من أذيال نظامه .

تحكم روسيا سيطرتها على الملف السوري و تضبط أي تحرك قد يُذهب ببشارها إلى خارج السلطة ، و تضع البدائل لأداواتها ، فاستدعت الإئتلاف و عرضت عليه ، فأن تمرد و رفض (وهذا الأغلب وفقاً لبيانه بالأمس بشأن خطة دي مستورا) ، فإن الخطط البديلة متوافرة ، من معارضة مؤتمر القاهرة ، وهذا ما أكده هيثم مناع ، مع كشفه قول لافروف للائتلاف أنه في حال الرفض سيشارك معارضي القاهرة ، و لم تكفِ روسيا بهذين الفصيلين ، بس استجلبت "معارضة الداخل" ، لتكون الخطة البديلة الثالثة .

في حين لم نسمع من الدول التي تعرف بـ"أصدقاء الشعب السوري" ، سوى تكرار لسمفونية أن "لامستقبل للأسد في سوريا " و هي نسمعها منذ أربع سنوات و بضع شهور ، دون أن يكون أي عمل بهذا الإتجاه .

اقرأ المزيد
١ سبتمبر ٢٠١٥
سورية.. الحل السياسي في زمن الاحتلال الإيراني

بينما يسعى مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، إلى جمع أطراف المعارضة السورية على برنامج حوار لا يعرف أحد مآله وماذا ينتظره فيه، يعمل الإيرانيون، بأقصى ما يستطيعون من عزيمة وسرعة، لاستغلال التردد والغموض والتجاذبات القوية في الموقف الدولي، من أجل تكريس أمر واقع على الأرض السورية، يضمن ما يعتبرونها مصالحهم الاستراتيجية في المستقبل، من دون أدنى مراعاة حتى لمصالح حليفهم الأسد في الحفاظ على الحد الأدنى من مظاهر السيادة والاستقلال. فبعد أن وضعوا يدهم على مقاليد السلطة والأمر العسكري في سورية، من خلال تقديم المليشيات الطائفية و”الحشود الشعبية” وتمويلها وتدريبها على حساب تطوير الجيش السوري، وسيطرتهم على قطاعات عسكرية عديدة، وعلى غرف العمليات في جبهات القتال، وجديدها ما نشرته الصحافة، في الأسبوع الماضي، من وثائق عن وضع اللواء 47 دبابات المتمركز في ريف حماة تحت سيطرة الحرس الثوري الإيراني، بقرار من وزير دفاع الأسد، يبدون الآن في عجلة من أمرهم لتوسيع دائرة حضورهم المادي والبشري في المناطق والمدن الاستراتيجية التي يعتقدون أن عليهم الحفاظ عليها مستقبلاً، في إطار تقسيم محتمل لسورية، وتشكيل محمية إيرانية على شاطئ المتوسط الشرقي.

سورية من دون سوريين

في هذا السياق، تدخل حرب الإيرانيين المستمرة في القلمون منذ أشهر طويلة، وفيه يبرز تمسكهم في مفاوضات الهدنة التي جمعتهم مع وفد من “أحرار الشام” بإخلاء الزبداني وكامل مدن وقرى الغوطة الشرقية ووادي بردى من سكانه “السنة”، لإعداده لعملية استيطان جديدة بسكان يدينون لهم بالولاء، من المذهب الشيعي، عرباً كانوا أو آسيويين. وفي هذا السياق أيضاً، يأتي إعلان “مواليهم” من نظام الأسد، في الأسبوع الماضي، عن بدء تنفيذ مشاريع في المدن المستهدفة، في حمص ودمشق خصوصاً، تدخل تحت مسمى تنظيم المدن وإعادة الإعمار، وهي، في الواقع، مشاريع مقنعة لعمليات التطهير العرقي وتغيير البنية السكانية للمناطق.

وقد نشرت صفحة “دمشق الآن”، المحسوبة على أحد أفرع مخابرات النظام، قبل أيام، صوراً لتصميمات مشروع إعادة إعمار حمص الذي سيقام على مساحة 217 هكتاراً، ويضم 465 مقسما سكنيا، إضافةً إلى مباني الخدمات “المشافي والمدارس والمباني الاستثمارية والتجارية والترفيهية”، وهو يشمل “إعادة إعمار” أحياء بابا عمرو وجوبر والسلطانية، وهي مناطق كانت قد دمرت بالكامل، وهجر أهلها، ومنعوا من العودة إليها، بعد أن شهدت أبشع مجازر النظام بحق سكانها خلال النصف الأول من 2012.

وفي الوقت نفسه تقريباً، أعلنت محافظة دمشق التابعة لحكومة الأسد عن البدء بتنفيذ ما سمي مشروع حلم دمشق، وفي مقدمه بناء المجمع الإيراني الضخم الذي يغطي مناطق واسعة من حي المزة المكتظ بالسكان وسط العاصمة دمشق. وانطلقت، في اليومين الماضيين، بالفعل عمليات هدم منازل المدنيين في منطقة “بساتين المزة”، بينما منعت قوات الأمن التي كان يرافقها محافظ دمشق السكان من الاقتراب من منازلهم بالقوة، وأخرجت من تبقى في المنازل عنوة، ورمت مقتنياتهم وفرشهم في الشارع. وكان سكان المنطقة قد تلقوا إنذارات بالإخلاء في منتصف يونيو/ حزيران الماضي، فيما لم يتلق السكان، حتى الآن، أي تعويض أو بدل سكن أو منزل للإيجار.

وكانت مليشيات حزب الله، وحليفتها العراقية التي احتلت مدينة القصير، قد منعت سكان هذه المدينة وريفها من العودة إليها، وأحلّت مكانهم مستوطنين من جنسيات أخرى تابعين لها. ولا تزال مدن عديدة في المنطقة وقراها مغلقة على سكانها، ومنها مدينة حمص القديمة التاريخية التي تنتظر من دون شك مشاريع “إعمار” مماثلة. ويأتي هذا الجهد الاستيطاني ليكمل، أو ليعوض عن خسارة مشاريع عديدة، كانت طهران، قد عملت عليها في العقود الثلاثة الماضية، قبل ثورة مارس/آذار 2011، وبنت، في إطارها، مئات المراكز الدينية والحسينيات في مختلف البقاع، وفي أكثر المناطق تجانسا مذهبيا، وذلك لإيجاد وقائع مادية على الأرض، تحفظ نفوذ طهران، وتفرض الأمر الواقع المرتبط بها. وتعتبر منطقة السيدة زينب قرب دمشق مثالا لهذا الاستيطان الجديد الذي حوّل قرية صغيرة إلى مدينة ضخمة، تحتضن أكبر تجمع مذهبي عسكري ومدني طائفي متعدد الجنسيات في المنطقة.

وتستخدم حكومة الحرس الثوري في إيران النظام السوري، بعد أن ورطته في حرب خاسرة، وحشرته في الزاوية، من أجل خلق وقائع جديدة صلبة لا يمكن تغييرها. وهي تستفيد من تعبئة المهاجرين الشيعة في إيران نفسها من الأفغان والباكستانيين وغيرهم، وتستثمر الشعور بنشوة النصر لدى طائفة وجماعات عانت طويلاً من الشعور بالعزلة والهامشية والحرمان، من أجل قلب الأوضاع السياسية داخل المنطقة رأسا على عقب، وإعادة رسم الخرائط الجيوسياسية على حسب مطامعها وأحلامها.

بين إعادة الإعمار والاستيطان

تشكل مجموع هذه النشاطات، من تدمير منهجي للمدن والقرى وتهجير إجباري للسكان وتفريغ البلاد من سكانها، وتوطين أكبر عدد ممكن من الساكنين الأجانب، من إيران وباكستان وأفغانستان ولبنان والعراق والهند وغيرها، وحرمانهم من حقوقهم ومنعهم من العودة وتدمير منازلهم وبيئتهم الطبيعية وحرق قراهم ومحاصيلهم وخصخصة الأملاك العامة وسطو المليشيات الأجنبية عليها، واحتلال منازل الغائبين وإجلاء السكان عن أحيائهم ومدنهم، مهما أطلق عليها من أسماء، ومهما قدم لها من تبريرات، مشروعاً متكاملا للتطهير العرقي والإحلال السكاني وتمديد رقعة الاستيطان، بهدف تمكين دولة أجنبية من السيطرة على مقدرات الشعب السوري، وانتزاع حقه في تقرير مصيره وفرض مصالحها وأجندتها الإقليمية والدولية عليه. وهو إحلال سكاني مرتبط بمخطط استراتيجي للهيمنة الإقليمية، يستخدم جميع الوسائل، وأكثرها همجية ووحشية، من قتل وتمثيل وتعذيب واغتصاب لتحقيق هدفه. وهو يعكس التفكير الاستراتيجي الإيراني الراهن الذي يعتقد أن إبادة سورية العربية الراهنة الطريق الوحيدة من أجل إحلال سورية أخرى محلها، سورية إيرانية، تخضع لطهران وتندمج فيها، وتتحول إلى واحدةٍ من محافظاتها.

وهذا وحده ما يمكن أن يفسر التكتيك الحربي الوحشي الذي استخدمه قادة الحرس الثوري المؤطرون لجيش الأسد ومليشياته، وهو تكتيك لا يبقي فرصة لأي حوار أو تفاهم أو تسوية بين السوريين، ولا يمكن أن يقود إلا إلى تدمير البلاد وتقسيمها. فمن دون التدمير الشامل والمنظم للبئية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، والاستهداف اليومي للمدنيين، والقضاء على كل أمل في الحياة بقصف المشافي والأسواق الشعبية والمدارس، وفرض الحصار والتجويع وقطع الماء والكهرباء ومواجهة السكان بالأسلحة الكيميائية وكل أنواع العنف الممكنة، ما كان من الممكن تفريغ المدن والمناطق من ساكنيها، وتيئيسهم، وقطع أي أمل لهم بالبقاء، وإجبار أكثر من نصف سكان البلاد على الرحيل عن منازلهم ومدنهم، وتركها خاوية لمن يريد أن يستوطنها.

ولا ينفصل هذا المشروع، أيضاً، عن طبيعة الاستراتيجية التي تبنتها قيادة الأسد، بتوجيهات من قادة الحرس الثوري الإيراني وخبرائه، القائمة على عدم الدخول في أي حوار أو تسوية، والاستمرار في الحرب أطول فترة ممكنة، وتعطيل كل المبادرات العربية والدولية. فليس هناك أي ضمانة في أن تنجح سلطة الاحتلال في تغيير الوقائع، وفرض الأمر الواقع الجديد على الأرض، من دون التخفي وراء لهيب الحرب وتبرير خرق كل القوانين والعهود الوطنية والدولية والإنسانية، فمن نافل القول إن حرب كسر العظم التي اتبعتها القوى الحليفة في سورية تجاه الشعب الثائر والمعارض ليست في مصلحة النظام، ولا في مصلحة الطائفة التي يدّعي النظام حمايتها. ولا يوجد مستفيد حقيقي منها سوى سلطة الاحتلال وحلم التوسع الإيراني.

ليس لهذه العمليات الممنهجة أي علاقة بإعادة الإعمار، وليس هناك أي منطق في إطلاق عملية إعادة إعمار من طرف واحد، وبمساعدة الحكومة والشركات الإيرانية وحدها، ولا لبناء مساكن ومَشاف وأسواق، بينما تقوم البراميل المتفجرة والمدفعية والصواريخ الاستراتيجية بتدمير مثيلها كل يوم في جميع المدن والأنحاء السورية. وليس هناك منطق في فرض الأمر الواقع، وتوسيع دائرة الاستيطان للجماعات المرتبطة بطهران، في الوقت الذي يطلق فيه المبعوث الدولي وروسيا مفاوضات التسوية السياسية، إلا إذا كان الهدف قطع الطريق على أي مفاوضات، ودفع المعارضة إلى رفض المشاركة فيها.

ما يحصل تحت اسم إعادة الإعمار هو تأكيد على منطق الحرب، وتوسيع دائرتها لتشمل عمليات التوطين وتجريد السوريين من ملكياتهم، لخدمة أهداف استراتيجية، وهو يعكس سياسة الهرب إلى الأمام، ويشكل برهانا قاطعا على غياب أي إرادة للانخراط في حلول سياسية.

تكاد سياسة “أسد طهران”، وطهران نفسها، تتطابق تماما مع سياسة تل أبيب في فلسطين وتجاه الفلسطينيين الذين لا ترى وسيلة للتعامل معهم سوى الحرب، لإبعادهم وتهجيرهم، أو إخضاعهم لمشيئتها من دون أي تسوية أو تفاهم على حل. وإذا تحدثت عن السلام والمفاوضات، فليس ذلك بهدف التوصل إلى تسويةٍ، تضمن ولو الحد الأدنى من الحقوق السياسية للفلسطينيين، وإنما لكسب مزيد من الوقت، للتمكن من طردهم واستكمال مشروع الاستيطان الكامل لفلسطين، وليس في تصور الإسرائيليين أي مكان للفلسطينيين في فلسطين، باستثناء الاختفاء في تجمعات مغلقة ومعزولة عن بعضها، تماما كما حصل للهنود الأميركيين. وكما تنقض الحكومة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية لتصادرها، وتعلن مشاريع مستوطنات جديدة، رداً على أي عمل فلسطيني قوي ضد الاحتلال، ترسل طهران ودمشق براميلها المتفجرة وآلتها الدموية الرهيبة، لتزرع الدمار والرعب في أي بلدة أو مدينة تخرج عن سيطرتها، لتجبر سكانها جميعاً، أو أغلبيتهم الساحقة على النزوح والهجرة حفاظا على أرواحهم.

وكما الحال في المسألة الفلسطينية، لن يكون لمفاوضات شكلية، تنظم للتغطية على فشل الأمم المتحدة وعلى تعارض المصالح الإقليمية والدولية، أي قيمة، ولا أي دور في وقف العنف وإيجاد حل للنزاع، بمقدار ما سوف تستغل من محور الحرب في طهران ودمشق، لكسب مزيد من الوقت، والتغطية على مشروع التقسيم والاستيطان المرتبط به، قبل وضع السوريين والعالم أمام الأمر الواقع. وعلى الذين يعتقدون أن المفاوضات ربما تخلق دينامكيتها، كما يقول دي ميستورا والمبخّرون لمبادرته، نسوق مثال المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من ربع قرن، من دون أي نتيجة تذكر، سوى تمدد الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية، والمزيد من التعنت والتشدد ضد الفلسطينيين من الساسة والرأي العام الإسرائيليين، وبناء مزيد من جدران العزل العنصري التي يشكل وجودها واستمرارها إدانة للعالم أجمع.

لا حل من دون إرادة دولية قوية

ما لم تبرز إرادة دولية قوية لوضع حد للحرب، وتسمية المسؤول عن استمرارها وإيقاد نارها بالاسم، وتحديد مسؤوليات الأطراف، وإظهار الرغبة في الانخراط الجدي وتقاسم المسؤوليات تجاه محنة الشعب السوري من الأطراف الدولية، وخصوصاً الدول الديمقراطية، لن يكون هناك أي حل، وسوف تتحول المفاوضات إلى سراب يدفع السوريين إلى الركض وراءه من دون أن يجدوا أمامهم سوى الحرب المستمرة، وفي ظلها تحقيق طهران مزيدا من التطهير المذهبي والإثني الذي تسعى إليه في المناطق الاستراتيجية التي تريد البقاء فيها.

والحال، كما حصل بالنسبة لفلسطين، لا تبدي الدول أي إرادة في الانخراط، ولا في تحمل المسؤولية، ولا تبدي أي موقف واضح من أطماع طهران التي هي اليوم الموقدة الرئيسية في نار الحرب، وتكاد هذه الدول تكون فاقدة العزيمة، وراضية عن التضحية بمبدأ الحق والقانون والعدالة، وقابلة للتخلي عن التزاماتها الدولية في مقابل الحفاظ على مصالح سياسية أو تجارية أو استراتيجية، تنطوي عليها العلاقات الحسنة مع طهران وموسكو وبعض العرب الضالين.

وكما أنه لم يوجد من يقول لتل أبيب كفى تهربا وتوسعا واعتداء على حقوق الفلسطينيين، ويتخذ الإجراءات التي تفرضها مواثيق الأمم المتحدة لحماية هذه الحقوق، لم نر اليوم من بين الدول الكبرى والصغرى التي تخفي انتهازيتها وأنانيتها وراء كلمات الحل السياسي المعسولة، من يعترف بما تقوم به طهران في تمديد أمد الحرب الأهلية، لخدمة مصالح لا تخفيها هي نفسها عن أحد، ولا من يطالبها بالتوقف عن اللعب بمصير السوريين، وسحب قواتها ومليشياتها من سورية، وإدانة دفاعها عن رئيس قاصر، دانته جميع تقارير المنظمات الدولية بجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية. وطالما استمرت الدول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا، في تجاهل حقوق الشعب السوري والتضحية بها، لتعميق تحالفها أو تعاونها أو تفاهمها مع طهران، لن يكون هناك حل، وسوف يستمر السوريون في الدفاع عن حقوقهم والعمل بكل الوسائل لوضع حد للتدخل الإيراني وجميع التدخلات الأجنبية التي دمرت حياتهم وأحرقت وطنهم.

لن ينجح الإيرانيون في تحقيق حلمهم الدموي، ولن يحول جورهم دون استمرار السوريين في الدفاع البطولي عن حقوقهم وهويتهم وبلادهم، ولا دون انتصارهم الحتمي. لكنهم سوف يخلفون جرحاً غائرا في سورية والضمير العربي والعالمي، تماما كما هو جرح فلسطين الذي لا يدمل ولن يدمل قبل أن تقلع اسرائيل عن سياسة الإبادة القومية التي اتبعتها، وتعتذر عن ماضيها وأخطائها.

اقرأ المزيد
٢٩ أغسطس ٢٠١٥
حماية دولية للجيش والمخابرات مكافأة على تدمير سوريا

لا بد أن تقلب على ظهرك من الضحك عندما تسمع النظام السوري وحلفاءه من روس وإيرانيين وعراقيين ولبنانيين وحتى عرب وأمريكيين وهم يصرون على أن أي حل أو اتفاق سلام في سوريا يجب أن ينص على الحفاظ على مؤسستي المخابرات والجيش. طبعاً لسنا متفاجئين من إصرار جماعة النظام على حماية تلك المؤسستين تحديداً دون غيرهما في سوريا. والسبب يعرفه كل السوريين، وهو أنه لولا الجيش والأمن لما استطاع النظام أن يدوس على رقاب السوريين لعقود وعقود، ويكتم أنفاسهم، ولولاهما لما استطاع أن يسحق الثورة، ويشرد غالبية الشعب السوري، ويدمر بيوته فوق رؤوسه. لا عجب أبداً في أن يصر النظام في مفاوضاته مع العالم على حماية الجيش والأمن، لأنه لولاهما لما استطاع أن يصمد شهراً واحداً بعد أن هب السوريون في وجهه قبل حوالي خمس سنوات.

لقد كانت أجهزة الأمن تحديداً تتمتع بحصانة تحسدها عليها كل أجهزة الأمن في العالم. فكما هو منصوص عليه في الدستور السوري منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة، فإن رجل الأمن السوري له كامل الحرية والصلاحية بأن يفعل ما يشاء بالسوريين قمعاً واغتصاباً وابتزازاً وقتلاً دون أن يستطيع المواطن السوري أن يصرخ في وجهه، فما بالك أن يقاضيه، لا سمح الله. لقد حمى الدستور السوري أجهزة الأمن من الملاحقة القانونية حماية مطلقة. وإذا ما تجرأ سوري على الشكوى على رجل أمن قضائياً، فعليه أن يحصل على إذن خاص مباشرة من رئيس الجمهورية تحديداً. لاحظوا كم هي سهلة عملية الحصول على موافقة من الرئيس لرفع دعوى على رجل أمن. طبعاً بالمشمش.

لقد وضع نظام الأسد أجهزة المخابرات فوق الجميع، لا بل إن رجل الأمن باستطاعته أيضاً أن يدوس حتى الشرطي في الشارع، لأن السلطة الأولى والأخيرة في البلاد في أيدي الأجهزة حصراً. وكل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في قبضة الأجهزة تحديداً. فهي التي تعين موظفي الدولة من كناس المدرسة إلى رئيس الوزراء. لا بل إن البعض يسخر أصلاً من وجود مؤسسات في سوريا، فلا قيمة لأي مؤسسة في البلاد إلا لأجهزة الأمن ومن بعدها الجيش. والمؤسستان الوحيدتان اللتان يمكن أن نسميهما «مؤسستين» فعلاً هما الجيش والأمن. أما باقي المؤسسات، فهي عبارة عن توابع، ودكاكين رخيصة لا علاقة لها بالمؤسساتية لا من بعيد ولا من قريب، وهي أشبه بحارة «كل مين إيدو إلو». أضف إلى ذلك أن القسم الأكبر من الميزانية السورية يذهب منذ عقود للأمن والدفاع. والمقصود هنا ليس طبعاً أمن الشعب والبلاد، بل أمن النظام، وليس طبعاً الدفاع عن الوطن، بل حماية النظام من غضب الشعب. الكل يعلم أن الجيش السوري الذي دفع عليه السوريون المليارات من قوت أولادهم ظناً منهم أنه سيحميهم من الأعداء الخارجيين، وخاصة إسرائيل، لم يطلق على الإسرائيليين منذ أربعين عاماً رصاصة يتيمة. وكلنا يشاهد كيف تعتدي الطائرات الإسرائيلية على المواقع السورية بين الحين والآخر دون أن يتجرأ الجيش على إطلاق صاروخ واحد عليها، بينما يوفر كل أنواع الأسلحة المحرمة دولياً لمواجهة السوريين. مع ذلك يريدون من الشعب السوري أن يحتفظ بالجيش الذي قتل منه أكثر من مليون شخص، ودمر ثلاثة أرباع البلاد، وارتكب ألوف المجازر الفاشية.

لقد اعتقد السوريون بعد الثورة أن يخفف النظام من حمايته لأجهزة الأمن، وأن يخضعها للمحاسبة نزولاً عند رغبة السوريين الذين ثاروا تحديداً على ممارسات الأجهزة الأمنية التي كانت تتدخل حتى في إقامة حفلات الأعراس وبيع المازوت على ظهر البغال. فذات يوم حاول شخص في قريتنا أن يبيع المازوت على ظهر بغل، فقالوا له بأنه يحتاج إلى موافقة أمنية. وقد اضطر الرجل للانتظار أكثر من ستة أشهر حتى جاءت الموافقة على استخدام البغل في بيع المازوت في شوارع القرية.

لاحظوا المفارقة الكبرى أن النظام وكل من يشد على يده في الحفاظ على الأجهزة الأمنية والجيش في أي اتفاق سلام في سوريا، لاحظوا أنهم يريدون حماية من تسبب أصلاً في اندلاع الثورة السورية، ألا وهي أجهزة المخابرات، وأيضاً حماية من يسمون زوراً وبهتاناً «حماة الديار». إنها نكتة كبرى فعلاً. أجهزة الأمن ظلت تنكل بالسوريين لعقود وعقود حتى جعلتهم يثورون على النظام، وعندما ثار السوريون، أنزل بشار الأسد «جيشه» إلى الشوارع بعد شهر فقط لقمع المتظاهرين وسحقهم. وعندما رفض الشعب الرجوع إلى البيوت، بدأ باستخدام كل الأسلحة ضد الثوار. وقد وصل الأمر بقيادة الجيش السوري إلى استخدام السلاح الكيماوي لتركيع الشعب الثائر، ناهيك عن البراميل المتفجرة وصواريخ سكود والطائرات. لقد كان الجيش السوري على مدى أربع سنوات وأكثر قليلاً وسيلة النظام الأوحش لمواجهة السوريين وإعادتهم إلى بيت الطاعة. وبدلاً من أن يطالب العالم، وخاصة أمريكا، بمحاسبة ذلك الجيش الذي نافس النازيين في جرائمه، ها هي أمريكا وروسيا وإيران تناصر النظام في ضرورة الحفاظ على المؤسستين الأمنية والعسكرية، مع أنهما سبب الثورة وتبعاتها الكارثية.

طبعاً هذا لا يعني أبداً أننا لا نريد بأن يكون لسوريا جيش وأمن قويان. على العكس تماماً، فإن قوة أي بلد من قوة جيشه وأمنه، على أن يكون جيشاً وطنياً، لا سلطوياً أو طائفياً. إن كل من يدعو للإبقاء على الجيش والأمن السوريين بشكليهما الحاليين اللذين دمرا سوريا، وشردا شعبها، إنما يريد الامعان في تخريب سوريا والاستمرار في ذبح شعبها، لا إنقاذها، كما يدعي الروس والإيرانيون وكل من تحالف مع بشار الأسد من عرب وجرب. أليس من المستحيل لملايين السوريين الذين دمر الجيش مدنهم وقراهم، وذبحهم، وشرد أهلهم أن يتصالحوا معه ومع أجهزة الأمن؟ هل سأل الذين يريدون الحفاظ على جيش الأسد أنفسهم هذا السؤال البسيط؟ نعم لجيش سوري وأجهزة أمن سورية جديدة، لكن بشرط أن يكون الجيش والأمن في خدمة الوطن والشعب، وليسا أداتي قتل وإجرام في يد النظام لإذلال الشعب وسحقه كما كان الحال في سوريا على مدى عقود.

اقرأ المزيد
٢٩ أغسطس ٢٠١٥
"السيسي" .. اليد القذرة لتنظيف "الأسد"

في الوقت الذي نفتح فيه الشاحنة على 71 جثة لسوريين ماتوا خنقاً ، و مئات الجثث المنتشرة على الشواطئ ، ملايينٌ يعيشوا في غياهب الموت اليومي في سوريا ، وملايين أخرى يفتشرون أماكن اللجوء المريرة مهما تجملت ، نجد في غرف الساسة العمل الدؤوب على إعادة تدوير قذارة نظام الأسد ليكون حاضراً في مستقبل سوريا ، و لكن دون السوريين .

في موسكو ، التي تحولت إلى حج الساسة العرب المتخوفين من أي سقوط للأسد و نظامه ، يسعى قادة بعض الدول العربية و على رأسها مصر ، عبر عسكرها و عتادها و ضباطها شبيهي الأسد الأب و الإبن ، ليكونوا المفتاح للحفاظ على النظام ، بدعوى مكافحة الإرهاب ، وماتحتويه من كذب و إفتراء .

السيسي الذي اغتصب السلطة و الشرعية في بلاده ، و إغتصب الديمقراطية و الحرية ، يسعى لأن يكون "مطية" الجميع للحفاظ على مكانه ، كسفاح على شكل سياسي ، و إن كان حتى في الشكل غليظ لحد الإشمئزاز .

في موسكو يعلنها فلاديمير بوتين ، أن الإرهاب هو العدو و الأسد هو اليد الضاربة له ، ولا أحد سواه ، السيسي و من شارك بالحضور من الإمارات إلى الأردن ، يصفقون فاتحي الثغور ، من فرط الإندهاش بهذه المبادرة الفذة الخلاقة ، من سفاح آخر .

الجميع يتخوف من الإرهاب ، والجميع يسعى لمحاربته ، الجميع مستعد لأن يكون اليد في ضربه ، و الجميع يلهث وراء الأسد ، الشبيه لهم .

السيسي اليوم هو السيف الجديد الموضوع على عنق السوريين ، السيف السياسي و العسكري ، والأمني، هو اليد القذرة التي ستتكفل بإتمام قتل السوريين ، ويمحي جرائم السفاح .

لا أعرف إلى أي حد يؤيد مساندو السيسي من الدول التي تدعي دعم شعب السوري و ثورته ، و السعودية على رأس تلك الدول ، وإلى ماذا ترنو الإمارات من وراء هذا الدفاع المستميت عن الأسد ، هي تبتعد آلاف الكيلومترات و تسعى لإجهاض أي تغيير في الدول العربية و خصوصاً التغيير الذي يفضي إلى حكم الأكثرية .

اقرأ المزيد
٢٦ أغسطس ٢٠١٥
لا تتسع البرادات لهم جميعاً

فقط ما يُقارب 10 آلاف مُصاب، تشنج العضلات يملأُ المكان، الكلُّ ينتفضون، يتساقط الناس كأوراق الشجر، هناك نيامٌ لم يستيقظوا .. ماتوا هادئين، وبعضهم استيقظوا ولم يستطيعوا الخروج .. ماتوا مُحاولين، أمٌ كان لابد أن تختار اثنين من خمسة أبناء، حملتهم وخرجت بهم، لكنها حملت الموتى، على مداخل البيوت، على أطراف الطرقات، الجثث المختنقة هي عنوان المدينة، الرغوة التي تخرج من الأفواه ستُغرِقُ الشوارع، حدقات الأعين تضيق أكثر فأكثر، تميل العيون للون الأزرق، من حاولوا إنقاذ المصابين أُصيبوا .. بعضهم نجا، أحد أولئك قال:

قبل أن أصل إليهما ارتميتُ، حاولتُ قبلهما أن أبقى متماسكاً عدة مرات ولكن المناطق كلها كانت تعجُّ بالمصابين فقد انتقل الغاز إلى كل البلدات المحيطة بـ زملكا وعربين وجوبر، وكان القصف مستمراً، لم يكن في "زملكا" غير نقطتين طبيتين إحداهما تعرضت للقصف أيضاً، من بقيَ حياً كان عليه أن يصعد إلى الطوابق العلويّة، ولكن القذائف بدأت تنهال على الطوابق العلوية للأبنية وتليها الرشاشات الثقيلة وراجمات الصواريخ .. إنه حكمٌ بالإعدام الجماعي، على باب أحد الأبنية لم يكن قد بقيَ لدينا غيرُ "كمامةٍ" طبية واحدة، أعطاني إياها أحد المسعفين كي أدخل لأتفقد من في البناء، لا وقت لتطرق الباب أو لتصرخ، كلهم كانوا نائمين .. وبقوا يغطّون بموتٍ عميق، خرجتُ مذعوراً أحمل بيديَّ عبوات سوائل ركبّها المسعفون على عجل، وبعض من المضادات كالاتروبين و ديكسون، لم أكن أعمل في المجال الطبي " كمسعف" ولكن حجم الفاجعة يستدعي تدخل كل من يستطيع التنفس أكثر، على باب البناء كان المسعف "أبو صالح" قد ارتمى وبدأ يتشنج حاولتُ بالماء والبصل فعل شيءٍ ما ولكن بدا لي أنها آخر سهرة بيننا قضيناها قبل قليل، وأخذته السيارة نقل المصابين إلى النقطة الطبية علّها تدركه، لحظات التفكير كانت أقل من أن تأخذ قراراً، ركضتُ إلى إحدى الشقق، هناك نَفَسٌ ما يمكن إدراكُه، حاولت بالمضادات والسوائل، ثم وضعت للمصابة الكمامة وأعنتها حتى تخرج إلى الطوابق العلوية، خرجتُ من الشقة ودخلتُ إلى أخرى لكنني لم أستطع المقاومة أكثر كانا أمامي على الدرجات، الطفل ساقطٌ من يديها وهي تحاول الوصول إليه لكنها متشنجة وهو ينتفض، آخر ما شاهدته تلك الرغوة التي بدأت بالفيضان حاولتُ الصراخ .. لم أستطع شعرتُ أنني أصرخُ في جوفي.

"أبو نضال .. أبو نضال" .. كنت أسمع نداءهم، "سمعان .. سمعان" كان لساني أثقل مني وعيناي قطعتا لهيب، شعرتُ بصخورٍ جاثمةٍ على صدري وقصبتي الهوائية كانت أضيق من إبرة، " رح قوم بس مو حاسس برجليي" تشنجٌ تام الأركان سيطر على أعضائي ما لبث أن بدأ يخف بعد الحقن والسيرومات، رويداً رويداً كنتُ أرى المشهد حولي، مئاتٌ من الجثث عشراتٌ من الباحثين بين ركام الأجساد، رائحةٌ كالطعام الفاسد كانت كفيلة بقتلنا عدا استنشاقنا للسلاح الكيماوي، كنت أتحرك بصعوبة بالغة لا أستطيع السيطرة على أطرافي كانت تسيطر هي علي تنتفض متى تشاء وتهدءُ متى تشاء، خرجتُ من النقطة الطبية التي تحولت إلى مكان حشرٍ للشهداء وقد أوشك الصبح، ولكن أزيز الطائرات لم يهدأ وراجمات الصواريخ وقذائف الهاون تتسابق إلى الناس، تماماً ترى كيف يحاولُ الإنسان الحياة ومقتله في تنفّسه، أن يكون الهواء هو خصمك .. تلك أصعب المعارك.

في الشوارع جثثٌ لنساء خرجن من بيوتهن لأول مرةٍ بملابس نومهن، سائقو سياراتٍ حاولوا نقل المصابين ولكنهم ماتوا خلف مقاود سياراتهم، أطفالٌ لا يفصل بين جثثهم وجثث ذويهم غير بعض خطوات، شوارع من الموت، كانت الجثث كثيرةٌ جداً، كيف ستدفنُ كلها دفعة واحدة؟ بدأت الأرقام توضع على جباه الشهداء واحداً .. واحداً قاربوا 1500 شهيد، الكل يبحث بين الجثث، أكثر الناس صبراً امرأةٌ كانت تتأكد أنهم ماتوا تتأكد أن لا أمل لأي حياةٍ في أي جسد، كيف سندفنهم كلهم دفعةً واحدة؟ بدأنا بوضع "الثلج" على الجثث، فبرادات الموتى ـ إنْ وُجِدَتْ ـ لن تتسع لهم جميعاً.

هنا لا أشلاء .. لا دماء .. الوجوه واضحة مع بعض انتفاخاتٍ ملونةٍ في الجسم فقط، كان الاستعداد لهجماتٍ أخرى من هذا النوع هو الهاجس الأكبر لابد من رصد ذخيرة طبية، فمن يواجه هذا السلاح بهذه الأدوات، 1500 شهيد من أصل 10 آلاف إصابة، أي معجزةٍ هذه؟ يمكن ذلك عندما يستشهد معظم الكوادر الطبية.

عَبْر الأقمار الصناعية كنا نتحدث ـ عادةً ـ قبل أن أخلد إلى النوم، تتأكد أنني لم أزل حياً، بيني وبينها بعض شوارع فقط، دمشقُ ليست بعيدة ولكنها غريبةٌ تماماً عمّا يجري في الغوطة الشرقية من حصارٍ وقصفٍ ـ ولو سمعت ذلك على نشرات الأخبار ـ غريبةٌ تماماً عن الموت اليومي، ثم فجأةً "القبضات" كلها تصرخ "ضربو كيماوي لك ضربو كيماوي" وحتى المآذن كانت تصيح لا لصلاةٍ ولكن لكي تنبّه الناس أن الموت أتاهم عبر الهواء، حالة الفزع أصابت الجميع، فالكل مكلّفٌ بمحاولة الإنقاذ حتى ولو قضى فيها نحبه، فمن سينقِذُ من؟، النائمون هم الأقل ألماً، وكثيرٌ منهم ناموا جياعاً.

عندما عدتُّ كانت قد تركت لي رسالةً: "شو نمت متل العادة وأنت عم تحاكيني؟" لم أنتبه هل انقطع الاتصال أم لم يزل، ولكن كتبتُ لها فقط: " كنّا نختنق".

على أحد الحواجز المكلّفة بحصار الغوطة وأثناء محاولة أحد المسنين الخروج، يقول له العسكري ـ بخبث ـ : " شو نظّفنا زملكا وما حولها" قال المسن : " إيه والله خلصتونا من ضجة الولاد وعجئتهم"، واختلطت دمعة أحدهما بضحكة الآخر.

اقرأ المزيد
٢٦ أغسطس ٢٠١٥
ناقوس الخطر يدق.. السُنة في سوريا أقلية بعد عامين

حسب أخر إحصائية رسمية لعدد السكان في سوريا في عام 2013 فقد بلغ عدد السكان 22 مليون وثمانمائة وخمسون ألف نسمة من جميع الطوائف، وتم حساب أن عدد السنة العرب وحدهم بشكل تقريبي يقدرون بـ 14 مليون وثلاثمائة وخمس ألف تقريبا أي ما نسبته 63% من العدد الكلي دون حساب الكورد والتركمان، أما باقي الطوائف فعددهم يقارب الـ8 مليون ونص.


شكل الإجرام بحق السنة من قبل النظام السوري منعطفا خطيرا جدا فقد نزح مئات الالاف منهم الى مناطق أخرى ولجئ الملايين الى دول الجوار ، فالأردن لجئ اليها أكثر من مليون ونصف، وتركيا لجئ اليها نفس العدد تقريبا أما لبنان فقد لجئ إليها أكثر من مليونان، ما مجموعه 5 مليون نسمة كلهم من السنة، أضف الى ذلك اللاجئين في العراق ومصر والسودان ودول أوربا وأمريكا، وإذا ما حسبنا عدد الذين قتلوا على يد النظام المجرم والذي يتجاوز الثلاثمائة ألف سوري سني، نجد أن التركيبة السكانية بدأت تهتز بشكل صارخ وجلي.


وبحساب بسيط نجد ان السنة قد أصبح عددهم داخل سوريا ما يقارب 8 مليون ونصف فقط، أي أن العرب السنة أصبحوا جميعهم يساوون جميع الطوائف، وعليه دق ناقوس الخطر، فإذا ما استمر هذا الإجرام بحقهم والتهجير الممنهج والمقصود من قبل النظام السوري فبعد عامين لن يبقى سوى 6 مليون وربما أقل من العرب السنة لنكون بذلك أقلية!!!.


منذ العهد الأول لبناء الدولة السورية وبعد معاهدة سايكس وبيكو كان السنة هم الأكثرية في التركيبة السكانية وكانوا العصب الاقتصادي الأساسي أيضا فالمصانع والشركات الكبيرة والمحلات التجارية يملكها سوريين سنة، وحتى أنهم كانوا المسيطرين على الحياة السياسية، الى أن جاء حافظ الأسد واستولى على الحكم وبدء بالتغيير الديمغرافي للمنطقة وإحلال الطائفة النصيرية (العلوية) مكان السًنة في الساحل السوري وإفراغ القرى النصيرية من سكانها وإسكانهم في المدن الساحلية كطرطوس واللاذقية والتي كانت قبل حكم البعث ذات طابع سني كامل، وأيضا مدينة حمص والتي كانت 100% سنية الى أن خصص للعلويين فيها أحياء كبيرة.


بدء نظام البعث والأسد بالعمل منذ استيلائهم على الحكم عام 1970 م على التغيير الديمغرافي للسكان وتهجير السنة من مناطقهم، فمنذ أحداث الثمانينات وأحداث مدينة حماة والتي قتل فيها أكثر من 40 ألف من السنة وهروب الألاف منهم الى خارج سوريا، مع عدم السماح بالعودة لهم ولأطفالهم، فقد كانت القبضة الحديدة للنظام البعثي شديدة على أغلب السوريين ولكنها كانت الأشد على السنة، ما جر الكثير من التجار والسياسيين والعلماء السنة الى التزاوج مع هذا النظام ليتشكل نظام في الظاهر هو نظام يكفل حقوق الجميع وفي الباطن يسعى دائما لكبح جماح السنة.


بعد الثورة السورية في 18 اذار 2011 ، عمل النظام بشكل قوي على تمييع هذه الثورة وحصرها في السنة فقط وعلى أنها ثورة يقودها "التكفيريون"، وعمل بشكل ممنهج على تدمير أي حاضنة شعبية لهذه الثورة بكل السبل، وقام بتدمير مدن السنة في حمص وادلب ودرعا وحماة وديرالزور وحلب وريف دمشق والحسكة والرقة، ما أدى لحركة نزوح ولجوء وصفتها الأمم المتحدة بأنها الأكبر على مر التاريخ الحديث، وعليه فإن الرسم الديمغرافي في حالة تغير دائمة في كل ساعة وثانية سينقص مواطن سني إما موتا تحت القصف وفي المعارك أو هربا الى دول العالم، بعد عامين سيكون السنة أقلية !!!!.

اقرأ المزيد
٢٥ أغسطس ٢٠١٥
الأسد ينازل الغوطة .. الائتلاف ينازل السياسة

"إذا أردت أن تميّع قضية مهمة .. فشكل لجنة تحقيق" هي قاعدة ذهبية عمل عليها حزب البعث ، وأتقنها نظام الأسد على مدى جميع المراحل ، و مرت كل المجازر مرور الكرام ، و اليوم نشاهد ذات الإسلوب ولكن بلبوس "معارضاتي" .

على مدى الإسبوع الفائت الأشد دموية على الإطلاق ، والذي تعرضت خلاله الغوطة الشرقية عموماً ، و "دوما" على وجه الخصوص ، لعملية تفوق الإبادة ، بل هي إنهاء كل وجود لبشر أو حجر أو شجر ، فالمطلوب أن تكون الغوطة أرض ممهدة ، تصلح لزراعة "القمح" كما تعهد رفعت الأسد حماه في بداية ثمانينيات القرن المنصرم .

ليس وحده العالم دخل مرحلة الجمود و التغافل ، بل يشاركه بهذه الحملة من يتنسبون إلى المعارضة السياسية ، وكأن الغوطة وما يحدث فيها ، بحاجة لمؤتمر صحفي تنديدي ، و من ثم تشكيل لجنة تحقيق ، و الوعد برفعها للمحكمة الدولية ، في كذبة نعيشها منذ أربع سنين ، فلا محكمة تشكلت و لاتقرير رُفع ، لا نتيجة تم الوصول إليها ، اللهم بعض الثغاء الحملاني .

سعيت للوصول إلى تصريح يتعلق بالجهود الدبلوماسية التي تخوضها المعارضة السياسية و على رأسها الائتلاف ، للذود عن الغوطة المبادة ، لكن لم أصل لنتيجة ، و كل ماهنالك أن لجنة التحقيق تشكلت ، و الامر انتهى .

و من الممكن أن شهر أيلول ، المبارك سياسياً ، دفع بالمعارضة للصمت كيفياً أو بشكل مجبرة عليه ، حتى لاتختلط ورقة المواعيد و المؤتمرات التي ستعقد في بلدان عدة من العالم بحثاً عن الحل السياسي ، أما بالنسبة للمتواجدين على الأرض و يموتون في كل لحظة ، هم فرق عملة أو مسودة لأوراق الإتفاق الذي تعمل أمريكا و روسيا تطبيقه ، بوجود للأسد شاء من شاء و أبى من أبى ، و الحل للقبول في القتل بأشد عنف ممكن ، و الظهور بمظهر المنتصر ، و الجلوس على طاولة تكون فيها الشخص الذي لايعترض عليه أحد .

وفي العموم ليس هناك تعويل على المعارضة التي فقدت كل أوراق القبول الشعبي ، و حتى الدولي ، فالذي يصمت ولايحرك ساكناً على مقتل المئات خلال أيام ، و يكتفي ببيانات التنديد ، لن يكون له أي احترام من اي طرف و حتى من روسيا التي وصفت صراحة "صديقة الشعب السوي على مر التاريخ " و إنتقدت ضمناً بأن "المرحلة التاريخية قد تغيرت" لتحتاج لقارئ فنجان ليفهم أنه إنتقد روسيا ، بلد السوخوي و الميغ و الفراغي و بلد كل القذائف و مسببات الموت السورية ...

اقرأ المزيد
٢٤ أغسطس ٢٠١٥
لن يكون لأمريكا حليف سني بالشام!

أكتب هذا ليس لقناعتي الجديدة به، وإنما غرّدت به وكتبت عنه كثيراً، ولكن لمن على عينيه غشاوة كونه لا يزال يُحسن الظن بأميركا وبإمكانية مساعدتها له في إسقاط هذه العصابة المجرمة بالشام سياسياً أو عسكرياً فهو واهم جداً، لقد تكشف لكل ذي عينين تخلي أميركا عن الفرقة 30 حين انتقلت إلى الداخل السوري وعلى الرغم من دعوة أعضاء الفرقة الذين لا يتعدى عددهم 54 شخصاً لطائرات التحالف قبل عشر ساعات من هجوم جبهة النصرة عليهم في إعزاز إلا أنهم لم يتلقوا أي دعم وسقط بعضهم بين قتيل و أسير، و هارب..

ينقل أحد ضباط الجيش الحر عن صحافي أميركي قوله له حين سأله الأخير من ستقاتلون فيجيبه الضابط سنقاتل داعش والأسد، فضحك الصحافي الأميركي وقال لن يدعموكم أو يقفوا معكم إن أطلقتم طلقة واحدة صوب النظام.

كان من المفترض أن تتعلم الفرقة الـ 30 مما حصل ويحصل لمقاتلي الجيش الحر في حوران حيث الخطوط الحُمر الأميركية أصبحت جدراناً فولاذية لمنع أي تقدم للجيش الحر نحو درعا المحطة أو سعسع أو فك الحصار عن الغوطة، ومن تجرأ على غير ذلك لقي القتل والاغتيال والتنكيل به، ولتعزيز قوة النظام المجرم لجأت أميركا وعملاؤها إلى خلق تنظيم داعش باسم لواء شهداء اليرموك من أجل مواجهة جبهة النصرة وأحرار الشام لإشغالهما، بينما العجب العجاب أن قوات الجيش الحر هناك التي من المفترض أن تقاتل داعش تنفيذاً للخطة الأميركية المعلنة في العراق والشمال السوري كما هو الرائج تصف هذه القوات القتال بالفتنة ولا تدخل فيه وذلك من أجل استنفاذ قدرات جبهة النصرة و أحرار الشام بمعارك جانبية بعيداً عن استهداف النظام، وثانياً من أجل منع تكرار تجربة جيش الفتح في الشمال بحوران..

تخلت أميركا من قبل عن المليشيات الصحوجية السنية في العراق بعد أن استخدمتهم للقتال إلى جانب قوات العصابة الطائفية في العراق ضد تنظيم القاعدة، وحين انتهى دورهم تخلت عنهم أميركا، تماما كما تخلت عنهم العصابة العراقية الطائفية الحاكمة، فقتلت بعض رموزهم وهرب بعضهم وسجن آخرون، ومن لم تقتله العصابة الطائفية لاحقه تنظيم القاعدة، هذه التجارب الحديثة العهد كان من المفترض أن تكون درساً يمنع بعض الجهات من الاعتماد على أميركا والثقة بها، تماماً كما يفترض على الجماعات الجهادية أن تكسب إخوانها مهما أخطأوا بحقها فمعركة دفع الصائل العالمي في الشام بحاجة إلى قوى كثيرة، وإمكانيات الجميع، ورحم الله الإمام ابن تيمية حين سمح حتى للصوفيين أن يقاتلوا في صفه بمعركة شقحب..

الخداع الأميركي ليس في صفوف العسكريين فحسب وإنما في صفوف السياسيين الذين أوهمت أميركا ولا تزال توهمهم من أنها جادة في البحث عن حل سياسي، ولذا فقد أغرقتهم منذ أن ظهرت هذه المعارضة وحتى الآن بتفاصيل الحل السياسي وإعداد الوثائق والأفكار والمشاريع، والاجتماعات تلو الاجتماعات ليتبين لاحقاً أنها عبارة عن طبخة حصى وأنها لهاث وراء السراب، وللأسف لا يزال بعض المعارضين يحسنون الظن حتى بروسيا التي تقتلنا يومياً، بينما الواقع على الأرض يصرخ بمستوطنات طائفية جديدة وفرز وتهجير قسري لا يشابهه تهجير في العصر الحديث..

إن ألعوبة ومهزلة الحل السياسي توفر غطاءً مثالياً للقوى المقاتلة على الأرض الممثلة بالعصابة البرميلية وحزب الله وإيران، وأنها ترغب بالحل السياسي بينما على الأرض تفرض واقعاً ديمغرافياً خطيراً، أما القوى العالمية والاقليمية فتوفر لها غطاءاً أمام الشعوب والعالم من أنها لم تتخل عن الشعب السوري، ولذا رفع الغطاء السياسي عن هذه التحركات ومقاطعتها هو أقل ما يمكن أن تلجأ إليه المعارضة السياسية، ولنتذكر كيف كان ياسر عرفات يهدد دائماً بمقاطعة التحركات السياسية ووقف التنسيق الأمني؟!

لقد حسمت أميركا خيارها منذ غزوها أفغانستان أن مليشياتها على الأرض هي المليشيات الشيعية الطائفية ومليشيات غلاة الأكراد، وفي الحالة السورية تُغلف ذلك كله بالحفاظ على مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية القاتلة والمستخدمة لكل المحرمات بعُرفها ولكن مع هذا فهي المؤسسات القادرة على كبج جماح أهل السنة وذبحهم وإبادتهم على المديات القريبة والمتوسطة والبعيدة.


سجلُ الأميركيين في التخلي عن أصدقائهم وحلفائهم ليست جديدة والملف يطول ذكره من التخلي عن الشاه إلى التخلي عن باكستان في سنوات العسرة، وأخيرا ما جرى في العراق وتركيا وصدق نيكسون القائل "من الخطير أن تكون عدواً لأميركا ولكن الأخطر أن تكون صديقاً لها".

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)