بعد سقوط الطاغية: قوى تتربص لتفكيك سوريا بمطالب متضاربة ودموع الأمهات لم تجف
بعد سقوط الطاغية: قوى تتربص لتفكيك سوريا بمطالب متضاربة ودموع الأمهات لم تجف
● مقالات رأي ٢١ مايو ٢٠٢٥

بعد سقوط الطاغية: قوى تتربص لتفكيك سوريا بمطالب متضاربة ودموع الأمهات لم تجف

عقب انهيار نظام المجرم بشار الأسد، كان الجزء الأكبر من السوريين يحلمون في وطن واحد موحد، تندمج فيه كل الرايات وتتحد تحت سقف الوطن، لكن الواقع كان مؤلماً بعد تكشف بعض التوجهات التي كانت تنتظر الفرصة للخروج بمشروعها الانفصالي أو الطائفي أو حتى المطالب بالاحتلال.


لم تتوحد سوريا على حلم مشترك، بل تجزأت كل فئة في رؤية مختلفة لمستقبلها. في الساحل، حيث قيل إن أهل المنطقة كانوا مترابطين، ظهر انقسام واضح. البعض طالب بالعفو عن أبنائه الذين شاركوا في آلة القمع، بينما تحركت جماعات منهم هناك لتنظيم انقلاب للفلول، غدرت بعشرات من عناصر الأمن الذين حاولوا حماية المواقع الحيوية، مما زاد الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة.

في الجغرافيا السياسية الجديدة، رفع البعض مطالب غير تقليدية، كان أبرزها صوت قوي من قوى “قسد” التي طالبت بالحكم الذاتي، مركزة على بناء إدارة مستقلة تعترف بالهوية والثقافة واللغة، بعيداً عن هيمنة المركز. 


وفي مناطق أخرى، طفت مطالب غريبة على السطح، حيث سمع العالم عن جماعات كانت كل همها أن تحظى بحرية اللباس والرقص والسهر في الكازينوهات، وخشيت أن تُحرم من الخمور، في تناقض صارخ مع أوجاع الناس الحقيقية، وفي بقعة أخرى خرج البعض يطالب بالاحتلال والحماية الدولية بزعم الأقلية.

أما على الجانب الآخر من المشهد، كانت هناك أمهات ونساء فقدن آخر أمل في العثور على أبنائهن بعد فتح السجون. أمهات يشهقن وجعًا أمام المعتقلات، يطرُقْنَ الأبواب التي لا تُفتح، ويُناديْنَ أسماءً ابتلعتها الزنازين يحدقون في كل زاوية، يصرخن بأسماء لم يعد هناك من يجيب. عيون متعبة، رموشها ذابت من كثرة البكاء، لم تعد تقوى على قراءة جداول المعتقلين المتوفيين التي رُفعت للعلن، يبحثن عن أي اسم يشير إلى فلذة كبدها.

كان الأهالي يقفون في طوابير أمام دوائر الأحوال المدنية، يعيدون قراءة قوائم الموتى مرة تلو الأخرى، يمسكون بأوراقهم المرتجفة، يبحثون عن ذرة أمل تمسّك بها خيط الحقيقة، بينما في داخلهم تنهار كل محاولة للثبات.

حين تم الإعلان عن فتح السجون وتكشف وفاة آلاف المختفين قسرياً، انطلقت حملات نعي غير مسبوقة على وسائل التواصل الاجتماعي، حملات لم تكن مجرد كلمات حزينة، بل كانت صيحات وجع بلسان آلاف العائلات. صور شهداء مجهولة الهوية مع تواريخ اعتقالهم وتاريخ الوفاة التي لم تُر، تُنشر بلا توقف، كل صورة تحكي قصة تعذيب، وفاة تحت التعذيب، اختفاء بلا أثر.

على أرض الواقع، عاد الكثير من الأهالي إلى قراهم التي وجدوها مدمرة بالكامل، بيوت محطمة، شوارع غير صالحة للسير، وفي كل زاوية ذخائر غير منفجرة تنتظر زائراً أو ضحية جديدة. بين الأنقاض، حاول الأهالي إعادة بناء ما تهدم، ولكن جراح الحرب لا تُشفى بسهولة.

ومن بين هؤلاء، كان كثير من أهالي المعتقلين يقطنون في خيم مؤقتة على أطراف القرى، يتنقلون بين عتمة الخوف وأمل اللقاء، يتعرضون للسمسرة والابتزاز من قبل بعض من يستغلون محنتهم، مقابل وعد واهٍ بوصول معلومة عن أبنائهم المفقودين.

وفقًا لتقارير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، تجاوز عدد المختفين قسرياً في سوريا خلال سنوات الحرب تجاوز 112 ألفا. وفي وقت كان فيه البعض يصارع ليضمن مكاسبه السياسية والاجتماعية، كانت عائلات الضحايا تعيش في جحيم بحث دائم عن الحقيقة، تفتش في المقابر الجماعية، وتجرّب الحمض النووي، وتأمل أن تلتقط خبراً يريح قلوبها.

هكذا، تكشفت سوريا بعد سقوط الطاغية، وطنٌ لم يُفكك فقط بأنواع الطوائف أو الجماعات، بل بجرح عميق بين من يطالبون بالمكاسب ومن يطالبون بالدفن.

 

الكاتب: سيرين المصطفى
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ