جنازة الأخلاق
جنازة الأخلاق
● مقالات رأي ١١ أغسطس ٢٠١٥

جنازة الأخلاق

من المتاريس العسكرية في الجبهات الساخنة أو المتجمدة إلى المتاريس الأيدلوجية التي تتكاثر وتتزايد كل دقيقة في عالمنا الأزرق الافتراضي، سدود فكرية أذابت احتمالية تطور سريع في مجال الفكر والثقافة في مجتمعنا السوري، حتى ظهر سد فولاذي ضخم يفصل كل شيء عن الأخلاق واحترام الذات والآخر.

لعل أحد أسباب عرقلة الثورة واجهاض ولادة حرية أكثر شياكة، هو موهبة البعض الفذة في ممارسة السعار الأخلاقي، حيث أُحتل واقعنا أو مواقعنا الافتراضية وخصوصا "فيسبوك" بنسبة كبيرة لا يستهان بها من الانحطاط الأخلاقي والموت الفكري حتى صارت تلك المواقع التي خُلِقت للتواصل الثقافي والتبادل الفكري إلى سجن كبير يُشبّح فيه كل من لا ينطبق رأيك على مزاجه واعتقاده، وينتظر فرصة واحدة لكي يُعرّي أخلاقه ليُريك قباحة أسلوبه معك، حتى أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي هي بمعناها الأدق والصحيح مواقع للتشبيح الأخلاقي، وصارت أقل حرية من حرية البعث المزعومة وأكثر استبدادا من استبداد داعش.

بينما الغرب "الكافر الملحد والزنديق" يتمتع بالتطور الحضاري وسحر التكنولوجيا والفضاء، وحرية التعبير، وبآخر ما توصلت إليه البشرية من أساليب التمدن والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي، يحترف مجتمعنا بالغياب عن كل تغيير يطرأ على الحياة من تجديد وتحول من حال إلى حال أفضل، تائهون عن كل المعايير التي توصلنا إلى غايات الثورة النبيلة، مهنتنا هي حصر الفكر بين التخوين والتكفير، والتجرد من الأخلاق.

تلعن الأسماء الوهمية في "فيسبوك" كل الأفكار التي تتعارض معها، جاعلة من صاحب الرأي المعارض لها خائن أو عديم الفائدة للوطن والثورة، أو فقط كائن منظّر لموضوعات لا منطقية، تهرول إلى الكتابات التي تلقي إعجابا كبيرا بغض النظر عن المعنى الحقيقي لمحتوى ما كُتِب، لتنقلب النقاشات إلى حروب دموية لا مغزى منها سوى اغتصاب الأخلاق والعقول، يستخدم (المختبئ خلف الاسم الوهمي) الأشخاص اللذين يبحثون دوما عن الأحاديث التي تجلب المعجبين أداة له، لكي يهاجمون من يعارضه دون التأكد من مدى فعالية وفائدة فكرته ورأيه، ويشتم أمه وأخته وجميع أجداده!!، ليرصد هو الأمور ويحللها من وجهة نظره ويفرض اعتقاداته على سائر أفكار المجتمع، هذا المشهد السوداوي الكئيب يعيدنا إلى عفن البعث المستبد، ويضعنا في بؤس الحاضر المرعب، الذي يعاني منه معظم أصحاب الرأي في مواقع التواصل الاجتماعي وتعمي عيون المبدعين والوسطيين العقلانيين، وكل من يقدم العقل والمنطق في كل كلمة يقولها عن إدراك الطريق للخروج من جحيم الواقع، ويقتل روح ابتكار أفكار جديدة، فكل فكرة جديدة قد تتعارض ربما مع معتقدات الغير ستكون ضحية لشياطين المجتمع ثم تُسجن في هلاكها التام، ويكون عادة قطع الأفكار من جذورها بمثابة قطع الرؤوس من أعناقها.

تخرج إلى شرفة المنزل لترى الدنيا التي تلفها العتمة كلها، خاوية من كافة الضمانات المستقبلية للأجيال القادمة، واقع مظلم أفكاره مضطربة وأعصابه في غاية التوتر، يسبح بتكوينات أساسها الضغينة والطغيان، تتضاءل المعرفة فيه وتنعدم الثقافة، فتتفرق النشاطات السياسية والفكرية إلى ملامح ضبابية غير واضحة، ينخر الدود ضريح أخلاقنا، وتئن قبور الشهداء، حتى صارت ثورتنا سوداء كالعار.

المصدر: السوري الجديد الكاتب: صالح ملص
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ