مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١١ يونيو ٢٠١٨
شركس سورية..مع الثورة أم مع النظام؟

ظهر مؤخرا فيديو لشبيح من الأقلية الشركسية وهو يرقص مع إحدى الفتيات وحولهما بعض المشجعين، وقد انتشر هذا الفيديو انتشار النار في الهشيم، وكأنه الدليل الدامغ بأن شركس سورية هم من مؤيدي النظام المجرم، ومع أن النظام هو المستفيد الوحيد من هذا الادعاء، إلا أن الكثير ممن يزعمون أنهم مع الثورة قد أيدوا ذلك، مع تناسٍ تام لكل التضحيات التي بذلها الشركس منذ بداية الثورة حتى الآن، متماهين في ذلك مع ما قدمته باقي مكونات هذا الشعب العظيم، فقد كان فيديو واحد كافيا لنسف كل ما تم تقديمه من الشركس، وكأن عذابات ودماء العشرات من المعتقلين والشهداء منهم قد صارت هباءً منثورا. وأؤكد هنا أنك إن كنت من مصدقي روايات النظام الإعلامية عن الإرهاب والإرهابيين فلتصدق عندها أن أغلبية الشركس هم من مؤيدي النظام كما يسعى جاهدا أن يبرهن ذلك.

ورغم أن هذا النظام يحوي العلوي والدرزي والسني والشيعي... إلا أن هناك ماكينة إعلامية تجهد لإظهار شخصيات الإقليات المنتمية إليه وكأنها ممثل شرعي لكامل تلك الأقلية، وقد أجاد النظام منذ بداية الثورة في لعب ورقة الأقليات، وللأسف فقد ساعده الكثير ممن يدعون أنهم مع الثورة، عن جهل أو عن خبث، وذلك عن طريق تأكيد رواياته، ونشر أكاذيبه ودعاياته الإعلامية، ورغم أن سبعاً من السنين قد تبدو كافية للتعلم من الأخطاء التي وقعت، إلا أنها لم تفعل، فما زال التخوين والتعميم ديدن كثير ممن يدعون مساندتهم للثورة.

هناك الكثير من الأمثلة التي يمكن أن تُذكر على تشكيلة النظام، وكيف أنه استفاد من كل الوصوليين من مختلف الطوائف والانتماءات لتعزيز سطوته وأخطبوطيته، فمثلا خليل مقداد نائب وزير الخارجية سني من حوران، وزير الأوقاف السوري عبد الستار السيد سني من طرطوس، محمد الشعار وزير الداخلية سني من الحفة، وليد المعلم وزير الخارجية سني من دمشق، المجرم المقتول عصام زهر الدين من الطائفة الدرزية في السويداء، رجال دين ورجال أعمال كثيرون مثل حسام فرفور محمد حمشو وسامر الفوز وغيرهم هل يمكن اعتبار كل هؤلاء ممثلين عن طوائفهم ومدنهم وبلداتهم؟ إذا ستُعتبر سورية كاملة مؤيدة للنظام عندها!

الشركس أيضا هم أقلية سورية، بلغ عددها قبل الثورة بأعوام قليلة ما يقارب 60000، تعود أصولها الى القوقاز، وهي الحد الفاصل بين أوروبا وآسيا، وقد تم تهجير الشركس من أرضهم في منتصف القرن الثامن عشر إلى مختلف دول العالم، ومنها سورية، بسبب الجرائم التي ارتكبها بحقهم القياصرة الروس، أي أن تلك الأقلية تتشارك مع السوريين في عدائها التاريخي  للروس، فالفظائع والمجازر المرتكبة بحقها لا يمكن أن تُنسى، وما زال الشركس حتى اليوم يحيون ذكرى شهدائهم وتهجيرهم من أرضهم على أيد الروس في يوم الحزن الشركسي في أيار/ مايو من كل عام في كل البلاد التي اضطروا للهجرة إليها.

وهم أحد مكونات الشعب السوري، لهم ماله وعليهم ما عليه، وأكثر الشركس هم من المعارضين للنظام، وهذا طبيعي، فهل يُعقل أن يتعاطف من ذاق الظلم والقتل والتهجير مع القاتل وحلفائه، وكيف يكون جلاد الامس حليف اليوم؟ ولكن هذا لا يمنع وجود عدد من الانتهازيين والوصوليين، الذين ارتبطت مصالحهم بمصالح النظام، كما في باقي فئات السوريين جميعهم دون استثناء، وقد استفاد الأخير أيما استفادة من ذلك، عن طريق تركيز دائرة الضوء الإعلامية على هؤلاء، لتأكيد مقولته بأنه حامي الأقليات وأن الأقليات تثق به وتلجأ إليه وتسانده.

وليد أباظة أول مثال حاضر على ادعاء أن الشركس مع النظام، ورغم أن المذكور كان أحد المسؤولين عن مجزرة حماة، إلا أن شركاءه في الجرم كثر، ومع ذلك فإن تعميم التمثيل على أساس القومية او الطائفة لم ينل سواه، فقد أُخذ كل الشركس بجريرة ما فعل ذلك المجرم، ولكن لم يتهم أحد أهل الرستن -مثلا- بسبب مشاركة وزير الدفاع مصطفى طلاس في تلك الجريمة، علما أن ابنة الأخير تمارس الآن دور عرابة المصالحات في ريف حمص.

ومما يُذكر أن ابن وليد أباظة، آنزور أباظة قد أسس إحدى ميليشيات الدفاع الوطني بعد الثورة، وجيّش فيها عددا من أراذل الشركس، وأقام حاجزا في قدسيا أثناء الحصار على تلك المدينة منذ عدد من السنين، مما أوقع فتنة كبيرة بين حي الشركس وأهل قدسيا المتجاورين في تلك المنطقة، ولكن ما لا يذكره أحد، أن الكثير من السيدات الشركسيات، اللواتي كان ذلك الحاجز يتغاضى عن تفتيشهن بحكم الأصول المشتركة، كن يخبئن الطعام في ثيابهن لإيصاله للمحاصرين في قدسيا، على الرغم مما يشمله ذلك من مخاطرة كبيرة. ومما لا يعرفه الكثيرون أيضا، هو أن هذا المجرم المدعو آنزور قد تم قتله على يد تجار مخدرات بعد خلاف على إحدى الصفقات، كما أكد عدد من المقربين من عائلته، وليس على يد الثوار كما ادعى النظام لإظهاره كشهيد أمام أعين المؤيدين، وللأسف، وكما العادة، فقد فرح بعض معارضي النظام بتلك الرواية وأيدوها دون تحقق –فقط- لأنها تتماشى مع رغباتهم.

ويتناسى من يستشهد على عمالة الشركس بهذه الميليشيا أن يذكر كتيبة الشركس الثورية التي تم تأسيسها في القرى الشركسية في القنيطرة (البريقة وبئر عجم)، والتي ضمت العشرات من زهرات الشباب الشركس، والذين استشهد أكثرهم او أودعوا في معتقلات النظام.

ومن الأمثلة التي تُذكر أيضا المخرج الشركسي المؤيد للنظام نجدت انزور، ولكن في المقابل لماذا لا يتم ذكر الشخصيات الشركسية المعارضة؟ لماذا لا يتم ذكر المفكر الإسلامي العالمي جودت سعيد، الذي وقف ضد النظام وممارساته قبل سنين من بدء الثورة واعتُقل عدة مرات بسبب آرائه السياسية؟ ولماذا لا يتم ذكر الكاتب والمفكر الإسلامي د. وائل مرزا، وهو أحد مؤسسي المجلس الوطني؟ ولماذا لا يتم ذكر السيدة سلوى أكسوي، نائبة رئيس الائتلاف السابق؟ ولماذا لا يتم ذكر الفنان التشكيلي ورسام الكاريكتير موفق قات، الذي قدم المئات من الرسوم الفاضحة للنظام والتي نال عليها جوائز عالمية؟ وغيرهم الكثير من الشخصيات الشركسية الوطنية التي تعمل بكل إخلاص وهدوء بعيدا عن الضجيج الإعلامي.

أختتم هنا بذكر نقاش قد دار منذ قرابة العامين بين بعض نشطاء الشركس في إسطنبول وبعض قيادات الائتلاف بخصوص الحصول على مقعد أو تمثيل للشركس ضمن الائتلاف، ورغم كوني شركسية، إلا أنني كنت من المعارضين للفكرة، لأن هذا ليس وقت التأكيد على الهويات الفردية، وإنما هو وقت التأكيد على الهوية الوطنية السورية الجامعة، ووقت التأكيد على القواسم المشتركة وليس المفرِقة، ولكن يبدو أنني كنت مخطئة، فالظاهرأن على كل منا أن يحمل يافطة على صدره يكتب عليها دينه وطائفته وقوميته وإثنيته... علّها تكون شفيعا له أمام باقي السوريين، والأفضل أن يصور فيديو راقص له وهو يحمل علم الثورة حتى ينال شهادة "ثورجي" من "نشطاء" الثورة!

اقرأ المزيد
١١ يونيو ٢٠١٨
منبج والحلم الفرنسي

لطالما تحدث الساسة الأتراك عن المرحلة الثانية من معركة عفرين في شمال سورية، وهي الوصول إلى مواقع متقدمة، ذات طبيعة عسكرية في مدينة منبج، ووضع قدم على الضفاف الغربية من نهر الفرات. عندها فقط يمكن التحدث عن خلو المنطقة من حزب العمال الكردستاني، أي من كامل القطاع الذي كانت ترغب تركيا بوضعه تحت الحماية الجوية منذ بدء الثورة السورية. وعلى الرغم من الحديث عن اتفاق بين تركيا والولايات المتحدة بشأن خريطة طريق للمنطقة، بحيث تخرج قوات حزب العمال الكردستاني لصالح نقاط مراقبة تركية، وتسليم المدينة إلى قياداتٍ محليةٍ عربيةٍ، شارك بعضها تحت لواء "قوات سورية الديمقراطية"، إلا أن الولايات المتحدة تبدو حائرةً، وليس لديها تصور عن كيفية تنفيذ هذا الاتفاق، وليس لديها نقطة بدء محدّدة لتنفيذه، وما يجري الحديث عنه خالٍ من أي تواريخ للبدء أو المدة، ناهيك عن الخطوط العريضة للاتفاق الذي من الممكن أن يجري الاعتراض عليه في أي مرحلة، أو ربما إيقافه. وعلى الرغم من معرفة أميركا أنها بحاجة ماسّةٍ للجانب التركي في أية عملية مستقبلية لضبط المنطقة، وضمان عدم رجوع القوات المتطرّفة، سواء كانت "داعش" أو تنظيمات مشابهة، إلا أن الولع الأميركي بقوات حزب العمال الكردستاني، والذي تصنفه جماعة إرهابية، يثير تساؤلاتٍ كثيرة.

قد لا يكون الجانب الأميركي العامل الوحيد في مدينة منبج، إذا استثنينا قوات النظام والقوات الروسية وبقية القوى التي تحمي النظام، والتي تراقب المنطقة عن بعدٍ لا يتجاوز العشرة كيلومترات، فهناك مجموعات عسكرية فرنسية دخلت عقب انتهاء عملية عفرين، وإبداء السلطات التركية رغبتها في توسيع هجومها ووجودها العسكري، ليشمل منبج أيضاً. وقد لا يكون دخول القوات الفرنسية إلى منبج بتسهيل أميركي في هذا التوقيت مجرّد مصادفة، فالولايات المتحدة تريد أن تجعل المعادلة أصعب، بإدخال متغيراتٍ جديدةٍ، وقد فعلت هذا بالوجود الفرنسي. وكل الحديث الذي جرى عن خريطة طريق، لتمكين القوات التركية من منبج، كانت بين الجانبين الأميركي والتركي فقط، وإذا أدخلنا التاريخ القصير للعلاقات التركية الفرنسية، وخصوصا الموقف الفرنسي من دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، نجد أن التعامل بين قوات عسكرية فرنسية وتركية في منطقة منبج يحتاج لغةً مشتركةً، قد لا يوفرها الجانب الأميركي، ويمكن أن يتم التعامل مع القضية كما يتم تسليم العصا في سباق التتابع في ألعاب القوى.

أبدت أميركا رغبتها بالخروج من سورية، وعلى لسان الرئيس دونالد ترامب شخصياً. وهي لن تخرج فوراً بالطبع. ولكن من الواضح أنها غير معنية كثيراً بالوجود غرب نهر الفرات، فمركز ثقل قواها المتمثل بالمطارات ونقاط القيادة يقع في المنطقة شرقي النهر، وهي راغبةٌ بتقليص وجودها غربه، تمهيداً للخروج النهائي لاحقاً، وجبهات المعارك التي ترغب في خوضها هي مع قوات "داعش" في جيوب موزعة على الحدود البعيدة مع العراق، وغالبيتها تقع شرقي الفرات. وأتاحت المماطلة في المحادثات مع الجانب التركي بشأن منبج الفرصة للجانب الفرنسي بالوجود، ولم يتأخر تصريح المتحدث باسم الرئاسة التركية، بكر بوزداغ، "إن الوحدات العسكرية الفرنسية قد تكون هدفاً لتركيا". أما الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، المنسجم أكثر مع وضع بلاده، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فقال "ليست لدينا نية بإيذاء الدول الحليفة، لكننا لا نستطيع أن نسمح للإرهابيين بالتجول بحرية قرب حدودنا".

أصبحت منطقة غرب الفرات السورية أمناً قومياً لتركيا، وهي وجدت بالفعل في قسم كبير منها، وبموافقة جميع القوى الفاعلة على الأرض. لكن بقي القطاع المحيط بمنبج، وهذا ما أحدث بعض التوتر مع الجانب الأميركي الذي انسحب بخريطة طريق أعلن عنها، وبقي الجانب الفرنسي الذي يبحث، هو الآخر، عن حلم مدفون في هذه المنطقة منذ منتصف القرن الماضي.

اقرأ المزيد
١٠ يونيو ٢٠١٨
ترتيبات أميركية في سورية

أن يتزامن تحديد مصير الجنوب السوري مع تحديد مصير مدينة منبج  في الشمال الغربي، فهذا مؤشرٌ على أن ما يجري يتجاوز، في أبعاده، مجرد تسوياتٍ ثنائية، بقدر ما هي خطة أميركية لإعادة ترتيب أولوياتها الاستراتيجية في الساحة السورية.

رفضت واشنطن، خلال العامين الماضيين، أي محاولة من المحور الروسي الاقتراب من الجنوب السوري، في وقتٍ رفضت أيضا تسليم منبج للفصائل المعارضة المدعومة من تركيا، وتجاهلت كثيرا مطالب أنقرة الملحة بخروج الوحدات الكردية من المدينة.

ليست منبج ذات أهمية استراتيجية للولايات المتحدة، كما الحال مع الشمال والشمال الشرقي من سورية (الرقة، الحسكة، دير الزور)، ففي هذه المحافظات الثلاث، تهيمن واشنطن على نحو 60% من مقدرات البلاد الاقتصادية (نفط، غاز، مياه، ثروة زراعية وحيوانية).

ومع ذلك، رفضت الإدارتان الأميركيتان، الحالية والسابقة، تسليم منبج للأتراك، لأنها لن تحصل على مكاسب سياسية أو عسكرية من ذلك، فواشنطن تدرك أن تسليمها المدينة لأنقرة لن يغير من علاقة الأخيرة بموسكو، ولن يجعلها تعود إلى سيرتها الأولى. وقد عبر وزير الخارجية التركي، شاووش أوغلو، صراحة عن ذلك، حين قال أخيرا إن التعاون مع الولايات المتحدة في منبج ليس بديلا من العمل مع روسيا في الشأن السوري.

الاتفاق التركي ـ الأميركي أخيرا، وتصريحات المسؤولين من البلدين لا تكشف ما هو مضمر في الاتفاق، أو الصفقة الثنائية في سورية. إما أن الاتفاق محاولة أميركية لقطع الطريق أمام تركيا للقيام بعمل عسكري، في توقيتٍ يوائم صناع القرار في أنقرة (الانتخابات)، أو أن ما جرى مرتبط بترتيبات أميركية جديدة في سورية.

يبدو الاحتمال الثاني الأقوى إذا ما تم ربط تزامن التحركات الأميركية ـ الروسية في الشمال الغربي والجنوب السوري.

أحد أهم الأوراق الاستراتيجية بيد الولايات المتحدة للضغط على المحور الروسي هي الورقة الاقتصادية، المتمثلة أولا في المحافظات الشمالية الشرقية من سورية، وثانيا في المعابر الجنوبية (الجمرك القديم، نصيب، التنف)، وثالثا في إعادة الأعمار. وأن تتخلى واشنطن بسهولة عن معابر الجنوب، وتعطي النظام رئة اقتصادية في هذا التوقيت أمر يدعو إلى الاستغراب، خصوصا أن الثمن المدفوع من المحور الروسي بخس.

ماذا يعني انسحاب إيران من الجنوب السوري؟ بالأساس لا وجود لحضور عسكري إيراني مهم في الجنوب، لا وجود لقواعد عسكرية، ولا لصواريخ. وعلى مدار السنوات الماضية، لم تشكل إيران أي تهديد لإسرائيل في الجنوب، بدليل أن الضربات العسكرية الإسرائيلية لم تحصل في الجنوب، باستثناء بعض الضربات غير المهمة.

من الواضح أن الولايات المتحدة تعيد ترتيب حضورها بما يقتصر على "قوات سورية الديمقراطية"، وترك فصائل المعارضة للهيمنة التركية. ومن يرفض ترك أرضه في الجنوب يلتزم العمل في إطار محلي ضمن الهيمنة الروسية، من أجل إلغاء فكرة المعارك نهائيا بين المعارضة والنظام، على أن تنسحب إيران تدريجيا من المشهد العسكري، لا الاقتصادي على المستوى الاستراتيجي، لتصبح الجغرافيا العسكرية السورية بين ثلاث قوى (أميركية، روسية، تركية).

في هذا الوضع، يصبح لموسكو القدرة على ممارسة ضغوط على النظام، ويصبح لتركيا القدرة على ممارسة الضغوط الكافية على المعارضة.

لكن ما هو ليس واضحا إلى الآن، هل تأتي الخطوات الأميركية هذه ضمن ترتيبات الانسحاب من المشهد السوري؟ أم أن الإدارة الأميركية طوت صفحة مغادرة سورية، وأن ما يجري جزء من صفقةٍ مع روسيا تشمل حل الأزمة السورية؟

من الصعوبة بمكان الإجابة عن ذلك الآن، لكن ما هو واضح أن واشنطن بدأت عملية الانفتاح على الحلفاء، والاستجابة لمطالبهم: أولا، مع فرنسا الراغبة في الدخول إلى الملف السوري من البوابة العسكرية، وإن كان هذا الحضور رمزيا. وثانيا، مع تركيا من خلال التنازل عن منبج. وثالثا، مع الأردن بإعادة فتح المعابر الحدودية مع سورية، وهي العملية التي ينتظر أن يتم الاتفاق بشأنها قريبا، وكان إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، أول من تحدثت عنها عبر ديفيد ساترفيلد معاون وزير الخارجية.

قد تبدو الخطوات الأميركية محاولة لتهدئة الحلفاء الإقليميين، من أجل الاستمرار في إدارة الأزمة السورية، ومن الحلفاء من القيام بخطوات منفردة، بعدما لاحت في الأفق معطياتٌ تؤكد حجم التأزم السياسي التركي، وحجم التأزم الاقتصادي الأردني.

وقد تبدو ثانيا أنها مقدمة لتعبيد الطريق أمام التسوية الكبرى، مع ما يتطلبه ذلك من رصّ صفوف الحلفاء المعنيين بالملف السوري (تركيا، الأردن)، وتقديم تنازلاتٍ لروسيا، يخشى أن تزداد وتيرتها في المرحلة المقبلة.

اقرأ المزيد
١٠ يونيو ٢٠١٨
عن إنهاء الوجود الإيراني في سورية

يبدو أن تقليم مخالب نظام الملالي الإيراني في سورية قد بدأ بالفعل، انطلاقاً من الجنوب السوري، حيث جرت أخيرا تفاهمات دولية وإقليمية على ذلك، خصوصا بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي لم تكن بعيدة عن غطاء أميركي، وأسفرت عن ترتيبات لسحب قوات إيران والمليشيات التابعة لها من مناطق جنوبي سورية، بما يعني إنهاء تغلغله بالقرب من حدود الكيان الإسرائيلي والحدود مع الأردن.

ولم يتوقف الأمر على ذلك، إنما طاول مليشيات حزب الله في ريف القنيطرة، والتي انسحبت إلى ريف دمشق، وتحاول الالتفاف على التفاهمات، بدمجها بوحدات من بقايا مليشيات النظام والحرس الجمهوري. كما طاولت التفاهمات الروسية التركية قوات نظام الملالي الإيراني ومليشياته في الشمال السوري، وتحديدا في مدينة تل رفعت وما حولها، حيث اضطرت إلى الانسحاب مكرهة منها، تمهيداً لتسليمها للقوات التركية، حسب تفاهمات الساسة الروس والأتراك التي أبرمت عبر مسار أستانة.

ويبدو أن الأطراف الدولية والإقليمية الخائضة في الدم السوري تحاول ترتيب صفقات من أجل التحديد النهائي لمناطق نفوذها في سورية، لكن ذلك سيتم فيما يبدو على حساب إنهاء وجود إيران، إذ ستفضي صفقة الجنوب السوري، بين الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل والأردن، حسبما أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى "انسحاب كل القوات غير السورية من منطقة الحدود الجنوبية لسورية مع إسرائيل، في أسرع وقت".

والواقع هو أن تمادي ساسة إيران في مشروعهم التوسعي في المنطقة العربية بدأ بالأفول، والبداية من جنوب سورية، وتحديدا من القنيطرة ودرعا، حيث انتهى الزمن الذي كانت فيه سورية الساحة الأهم والأوسع لممارسة نفوذ هذا النظام، والذي أراده أن يصل إلى درجة احتلال البلد واستباحتها برمتها، كون هذا النفوذ وصل إلى الخط الأحمر بالنسبة إلى ساسة الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، عندما شرع بالوصول إلى الحدود السوريّة "الإسرائيليّة".

وقد وجد ساسة موسكو الفرصة سانحة تماماً أمامهم للتخلص من الشريك والمنافس الحقيقي لهم في سورية، كونه يمتلك مشروعاً توسعياً احتلالياً، لم يخفه ساسة نظام الملالي، حين تخطوا دورهم في سورية، ولم يكتفوا بمجرد الوجود المليشياوي المتعدد الجنسيات. وشكل العامل الإسرائيلي عنصراً مساعداً وهاماً لدى ساسة الكرملين، وهو ما يفسّر الصمت الروسي حيال الضربات والهجمات الإسرائيلية الجوية لأماكن وجود مليشيات نظام الملالي وقواعده العسكرية، حيث لا تريد إسرائيل، بوصفها مشروعا احتلالياً استيطانياً، مشروعا توسعياً احتلالياً آخر منافساً لها، فاعتبرت تغلغل إيران في سورية خطراً يهدد أمنها، ووجهت ضربات عسكرية موجعة لمواقعه وقواعده فيها، من دون أي رد فعل من منظومات الصواريخ الروسية، ما يعيد إلى الأذهان وضع سورية بالنسبة إلى الساسة الروس إبّان الحرب الباردة، ويفسّر رغبتهم في التخلص من التغلغل الإيراني، أو على الأقل تحجيمه، ضمن تفاهمات روسية أميركية إسرائيلية بشأن الوضع السوري.

وظهرت إلى العلن التفاهمات ما بين الساسة الروس والإسرائيليين من خلال الزيارات المتكرّرة التي قام بها مسؤولون إسرائيليون إلى موسكو، إذ تعهد الروس للإسرائيليين بإنهاء تغلغل إيران في الجنوب السوري، وما بعده، في مقابل أن يسمح ساسة إسرائيل لبشار الأسد البقاء في كرسي الرئاسة، بوصفه أفضل من حافظ على أمن إسرائيل، وحرس حدودها من الطرف السوري، منذ ورث السلطة من أبيه، الذي قام بالدور نفسه طوال فترة جثومه على صدور السوريين.

وليس ساسة الولايات المتّحدة، ومعهم الاتحاد الأوروبي، بعيدين عن هذه الصفقات والتفاهمات الروسية الإسرائيلية، بل هم رعاتها وشركاء فيها، حيث يريد الأميركيون مقايضة تفكيك قاعدة التنف العسكرية الأميركية، في مثلث الحدود السورية - العراقية – الأردنية، في مقابل إبعاد قوات إيران ومليشياتها عن الجنوب السوري، في صفقة تُوضع الترتيبات النهائية لها، وخصوصا بشأن الجدول الزمني لتنفيذ بنودها.

وفي الشمال السوري، أنجزت التفاهمات الروسية التركية انسحاباً لمليشيات نظام الملالي من مدينة تل رفعت، ودخول قوات تركية وفصائل معارضة سورية إليها، في مقابل انسحاب فصائل سورية معارضة من مناطق في محافظة اللاذقية، في محاولة من الروس تعزيز وتأمين قاعدتهم العسكرية في مطار حميميم التي سبق وأن تعرّضت إلى هجمات عديدة أخيرا، بطائرات من دون طيار (درون)، وهذا ما يؤكد اتساع الهوة بين ساسة روسيا وساسة النظام الإيراني في سورية.

إذا، في هذه الصفقات والتفاهمات ما بين القوى الكبرى الدولية والإقليمية، لن يجد نظام الملالي من يدعم مشروعه التوسعي، لا في سورية، ولا في سائر المنطقة، وإذا أضفنا ما تمخضت عنه الانتخابات العراقية، والدعوات إلى عدم تدخل إيران بالشأن العراقي والحدّ من نفوذها، فإن على ساستها أن يتعودوا على اللطم بقوة في طهران وقم ومشهد وسواها من المدن الإيرانية، والانكفاء نحو الداخل الذي يدفع ضريبة تدخلاتهم الأخطبوطية في المنطقة، فهم غير قادرين على مواجهة هذا التحالف الدولي الإقليمي في وجه تدخلاتهم.

اقرأ المزيد
١٠ يونيو ٢٠١٨
سورية وداء الخَرس

نبّهتني الحادثة التي مررت بها أخيرا، وهي استدعائي إلى جهاز أمن الدولة في سورية للتحقيق معي بشأن مقالاتي، إلى حقيقة الحالة النفسية لمُعظم الناس. وقد اكتسبت صفة جديدة لا أعرف لم أمتعتني، وهي انفضاض معظم الأصدقاء عني، والأقارب أيضاً. وصرت شخصاً خطيراً يتجرأ وينتقد جهاز الأمن العتيد، ويكتب بإستمرار في "فيسبوك" عن المعتقلين السياسيين الشبان، وعمن مات منهم تحت التعذيب، وأنا أعرف عشرات منهم وأزور أهاليهم.

أعترف بحق الإنسان البسيط المُروع بالخوف من أجهزة الأمن، ومن التُهم التي يُمكن أن تهبط عليه أن يخاف وأن يكون حذراً، ولكن ليس إلى درجة الخرس.. أتساءل: لماذا قامت الثورة في سورية إذاً؟ ألم تكن غايتها الأولى كسر حاجز الخوف، وأن تصدح الحناجر بالحقيقة، برفض الظلم، ومناهضة الفساد  والرشاوي وعتقال الشبان الثوريين، وبتأكيد حقهم بالمطالبة بالعدالة والحرية.

الآن وبعد سبع سنوات من الثورة، أو الأزمة السورية (كي لا يستدعيني مرة ثانية جهاز أمن الدولة لأنني استعملت مفردة الثورة)، أحس بألم لا يوصف، إلى درجة أنني أتخيّل، طوال الوقت، أنني كيفما تحركت، ثمّة سكين في ظهري تنغرس عميقا. ومرة أخرى، للإنسان السوري، لاسيما الفقير واللاهث وراء لقمة الخبز لأولاده، أن يخاف، ولكن ليس إلى درجة الخرس، ليس إلى درجة أن أقوى موقف، وأعظم شجاعة يقدر عليها السوري (غنيا أم فقيرا) هو أن يكتب تحت صور الشبان الذين ماتوا تحت التعذيب في سجون النظام، وغالباً لا تُسلم جثثهم إلى أهاليهم أو تُسلم نتف منها، مترحما عليهم فقط.

أجدني أحياناً، على غير وعي مني، أنفلت بشتائم فاحشة على عيشنا القمة في الذل، إذ نادراً ما قرأت تعليقاً يندد بالنطام المخابراتي الأمني في سورية. أي ذنوبٍ ارتكبها المناضل المسكين سوى توقه للحرية والكرامة، فكانت النتيجة التلذّذ بتعذيبه حتى الموت. .. زرت يوما قرية الدريكيش قرب طرطوس، لمحت نصباً رخامياً عملاقاً يكاد يلامس السماء، عليه كتابة بالأسود العريض. للوهلة الأولى، اعتقدت أن الدولة أرادت أن تستقبل الناس عند مدخل القرية بأشعار للمتنبي، ولا أعرف من أين جاءني هذا الخاطر. وكانت الدريكيش تغص بأكثر من مليون نزحوا من حلب. وتبين أن المكتوب على النصب أسماء أكثر من مئتي شهيد. أما أشقاؤهم من المقلب الآخر، أي المعارضون والمناضلون، فلا أحد يكتب أسماءهم، فهم خونة ومجرمون، ويؤمنون بكلمة ثورة وكلمة حرية. وكيف أنسى يوم المهزلة قبل نحو خمسة عشر عاماً، في محاضرات في مركز ثقافي في سورية، تحت رعاية حزب البعث، كان عنوانها "الحرية في سورية". وهو عنوان مستفز، وقد قررت أن أتناول دواء مهدئاً للأعصاب، وأحضر المحاضرة، وكان المحاضرون عدة أشخاص، ومعظمهم مستشارون للرئيس، ومما قالوه إنه لا يوجد في الكرة الأرضية كلها حرية كالموجودة في سورية. وقال جميعهم إنه لم يتم قتل صحافي أو كاتب في سورية، وهذا أكبر دليل على الحرية فيها.

حين يكون الميت شاباً سورياً مجنداً في النظام، تنهال التعازي عليه والعبارات التفخيمية، والكل يهنئه بالشهادة أي بالموت، إذ لا تقدّر سورية سوى الأموات، وكل نشاطاتها الإجتماعية: التعازي. أسراب من النساء الغاطسات في السواد ذاهبات آيبات إلى التعازي. والتلفزيون السوري يتحدث عن كوكبة من الشهداء، حيث نرى أكثر من عشرين تابوتاً يحملها زملاؤهم المجندون إلى مقبرة جماعية، وكل واحدٍ من هؤلاء الأموات يحمل لقب الشهيد البطل. يا لمسرح اللامعقول، من يقبل أن يبادل الحياة من أجل لقب الشهيد البطل؟ الكل يزغرد فرحاً بوطنية شبان سورية، حتى أهالي هؤلاء الشبان. تخيلوا أماً استشهد ابنها تزغرد فرحاً، وتقول إنها تتمنى لو يستشهد ابنها الثاني وحتى الثالث في سبيل الوطن.

لا أتعجب أن يصل السوري المذعور والمروّع من عيشه الذليل، ومن الفروق الطبقية المقرفة، إلى تلك المرحلة من الجنون والاختلاط الذهني، ففي شارع الصليبة، ذي الأغلبية السنية، تجد مشهدا مُروعاً، ألوفا من النساء والرجال والأطفال يقفون أمام طاقة بمساحة وجه إنسان، ليشتروا الخبز. وفي شارع آخر، يطل على البحر ومنتجع الشاطئ الأزرق، تجد أن سعر أجرة الشالية، الأقرب إلى البحر، 140 ألف ليرة سورية في اليوم. وكل الشاليهات محجوزة. وأمام تلك اللوحة، أو جزء منها، تغدو كلمة ثورة جريمة، ويلومني ويعنفني عليها ضابط الأمن طويلاً.

أيه خسارةٍ أكبر: أن يموت شبان سورية، سواء من اضطروا لأن يلتحقوا بالجيش، لأنهم لم يتمكّنوا من الهروب من الموت، أو دفع المبالغ الطائلة للمهربين، أم من اعتقلوا وماتوا تحت التعذيب في أقبية النظام؟ أليسوا كلهم شباباً يشتهون الحب والزواج والأولاد والرقص والقراءة والفرح.

صديق صيدلاني، ولديه شابان جامعيان هربا من الجندية إلى السودان. سألته: ألم يجدا مكاناً آخر سوى السودان؟ فقال: لا. لأننا في حرب مع تركيا، ولن يتمكّنا من الهرب إليها، وصار المهرّبون يطلبون مبالغ خيالية، والدول الأوروبية لم تعد تقبل لاجئين، ووحدها السودان تقبل أن تستقبل أيقونة العصر في المأساة: السوري. وأخبرني أنه يوم سافر ولداه أصيب بمرض السكري.

هل من أفق للحل في سورية، وقد انفصم الشعب في الداخل إلى قسمين متنافرين: مُروّع من الأمن وهو الأكثرية، ولا يجرؤ أن يكتب أكثر من "الله يرحمه" على القتيل في فرع المخابرات، ومن دون أن يجرؤ على الإشارة إلى الفاعل. والقسم الآخر مبتلى بأنه لم يستطع أن يهرّب أولاده خارج سورية، فحملوا البندقية رغماً عنهم، ليدخلوا في حربٍ تشترك فيها عدة دول على الأرض السورية.

صدقاً، أحس بسعادة من نوع خاص، وهي سعادة النبذ، حين ينبذك من كنت تعتقد أنهم أصدقاء، لمواقفك وجرأتك في قول الحق، ويعتبرونك أبله، لأنك تتجرّأ، وتستعمل لسانك في وظيفةٍ غير تقليب اللقمة من جهة إلى جهة. الكلام. الحل الوحيد للظلم سيبدأ بالكلام، لأن الحق يحرّركم، كما قال المسيح.

اقرأ المزيد
١٠ يونيو ٢٠١٨
النظام الإيراني... عودة هواجس البقاء

اتضحت الصورة بشكل جليّ في طهران. الولايات المتحدة عازمة على تكرار محاولات تغيير النظام الإيراني. هذا ما أوضحه إعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، بشأن الاستراتيجية الأميركية الجديدة تجاه إيران. جاءت لائحة الشروط الأميركية شاملة لكل نقاط الاختلاف بين إيران وجيرانها العرب والخليجيين من جهة، ومُعبِّرة عن كل الخطوط الحمر، والهواجس الأمنية الإقليمية والدولية تجاه المسألة الإيرانية عموماً.

هناك اعتقاد قوي في طهران بأن الخصوم الإقليميين كان لهم دور كبير في انسحاب الرئيس ترمب من الاتفاق النووي، وفي رسم معالم الاستراتيجية الأميركية الجديدة في المواجهة مع إيران. لم يعد سراً أن الإدارة الأميركية استجابت بشكل كامل للمخاوف العربية حيال الدور التخريبي الذي تمارسه إيران في المنطقة؛ وهو ما يعني أن طهران خسرت بشكل نهائي المواجهة الطويلة التي خاضتها داخل الولايات المتحدة، واستثمرت فيها طوال عقدين من الزمن، في صناعة وإدارة مجموعات الضغط (اللوبيات) الإيرانية في واشنطن. لم تفلح أيضاً الرهانات على إمكانية إغراء الرئيس ترمب بصفقات تجارية من أجل إبقائه داخل الاتفاق النووي. القوى المعارضة لإيران تجذّرت في واشنطن، وإبرام بضع صفقات تجارية كبيرة، ما كان يُمكنه تغيير واقع العداوة بين الجانبين.

وُصِفت استراتيجية الولايات المتحدة بأنها متماسكة، وشاملة. لكن هناك من أخذ عليها أنها متشدّدة؛ بحيث لم تدع مجالاً لإيران للتفاوض بشأنها، فهي أشبه بدعوة للاستسلام الكامل. الولايات المتحدة شرعت باستخدام كمّاشتين للضغط على طهران: الضغوط السياسية والعسكرية الدولية والإقليمية، وتحفيز الضغوط الداخلية والاعتراضات الشعبية.

تقديرات مراكز التفكير، والمواقع المقرّبة من النظام الإيراني تكشف التقدير الإيراني للموقف: «الرئيس ترمب انسحب من الاتفاق النووي، لأنه يراهن على أن ذلك يُمكن أن يُزعزع الاستقرار الداخلي في إيران، ويمهّد الطريق لاشتعال ثورة جديدة». وبناءً على معلومات تسربت إلى طهران فقد أبلغ رودي جولياني، وهو صديق مقرّب من الرئيس ترمب، منظمة «مجاهدين خلق» الإيرانية المعارضة في الخامس من مايو (أيار) 2018، بأن الرئيس لن ينسحب فقط من الاتفاقية النووية، بل إنه يريد تغيير النظام في إيران.

لا يعتقد المسؤولون الإيرانيون أن الحرب سيناريو محتمل، على الرغم من إقرارهم بأن الرئيس ترمب يسعى إلى تشكيل جبهة موحدة تضم قوى دولية وإقليمية، لمحاصرة النفوذ الإيراني في المنطقة. إنهم يراهنون في هذا الخصوص على رغبة الرئيس ترمب بضمان إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية، وأن شنّ حرب جديدة في الشرق الأوسط، يؤثر بشكل خطير على فرص إعادة انتخابه. يجادل هؤلاء بأن الرئيس ترمب لن يخوض حرباً مع طهران إلاّ إذا استفزه الإيرانيون بشكل كبير. استفزاز يمنحه حجة قوية أمام الرأي العام الأميركي، وهو سيناريو تحرص طهران كل الحرص على عدم حدوثه.

في مثل هذه الظروف، من الطبيعي أن يشعر القادة في إيران بالحاجة إلى الوحدة الوطنية، فالتحديات تُهدّد بقاء النظام برمّته. وفي مشهد سينمائي أُعدّ بعناية فائقة، جمع خامنئي في بيته كل الذئاب المتحاربة داخل النظام على مأدبة إفطار سياسية، ليقول إن إيران متحدة. الحقيقة أن التصدعات التي أصابت خريطة توزيع القوة في إيران مؤخراً لا تزال فاعلة، ولذلك لن تمنع التحديات الجديدة من استمرار ظهور المؤشرات على الانقسامات، والصراعات الداخلية العميقة.

وبينما كانت طهران تعيش أسوأ أيامها، بادر «الحرس الثوري الإيراني» إلى الترويج لنفسه كبطل قومي؛ إذْ بدأت شركة «خاتم الأنبياء» حملة إعلامية لتعزيز سمعتها بوصفها قوة اقتصادية مُحرّكة في البلاد. وتعهدت الشركة بإنهاء 40 مشروعاً عملاقاً قبل نهاية السنة الإيرانية الجارية، وهي حملة لا يمكن تفسيرها في هذه الأوقات الصعبة إلاّ من باب التبجُّح.

الضغوط الاقتصادية تمثّل أساس الاستراتيجية الأميركية لردع إيران، وتستند هذه الضغوط إلى أسس قوية تتمثل في تعميق أزمة النظام المالية، والإضرار بصادرات النفط الإيرانية، ووقف، أو إضعاف تدفق رؤوس الأموال الأجنبية على إيران بشكل كبير، وتعميق الآثار السلبية لعمليات الإصلاح الاقتصادي الجارية حالياً في إيران. وقد نتج بالفعل عن إجراءات الحكومة الاقتصادية النيوليبرالية الكثير من الآثار الاجتماعية السلبية، والتي تمثلت في شكل اضطرابات واحتجاجات شعبية واسعة النطاق خلال الشهور الماضية.

صحيحٌ أن النظام الإيراني لم يعوّل كثيراً على العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة بعد توقيع الاتفاق النووي، ولم يرغب في ربط الاقتصاد الإيراني كثيراً بالاقتصاد الأميركي؛ لضمان خط العودة في حال أخفقت محاولات التقارب السياسي بين الجانبين. لكنّ ما كان يُهم إيران حقاً هو عدم عزل البلاد عن الأسواق الدولية، لتلبية احتياجاتها في مجال التجارة والاستثمار. وهذا بالضبط ما تستهدفه العقوبات الأميركية.

باتت خيارات طهران محدودة؛ الرهان على عزل الرئيس ترمب وفريقه في داخل الولايات المتحدة تراجع، والرهان على عزل الولايات المتحدة دولياً في المسألة الإيرانية غير ممكن. بقي الرهان على مساندة الحلفاء الشرقيين؛ لكنّ خبراء اقتصاديين يحذرون أيضاً من أن لدى موسكو وبكين مصلحة في عودة العقوبات الأميركية على طهران، لأنها تسمح لهما بالانفراد بالسوق الإيرانية.

لا مجال للتهور في ظل وجود رئيس حازم في البيت الأبيض؛ يحاول الإيرانيون التصرف بشكل مختلف على الساحة الدولية. استئناف البرنامج النووي، أو استفزاز القوات الأميركية في الشرق الأوسط ستكون له عواقب وخيمة. ولعله بات من المطلوب الإذعان بأن الاتفاق النووي انتهى. حاول الإيرانيون إثارة الكثير من الفزع حول سيناريو انهيار الاتفاق النووي. لكنّ هذا السيناريو هو الأقل سوءاً بالنسبة إلى دول المنطقة، لأنّه يُبقِي المواجهة حول المسألة الإيرانية بين إيران والعالم، بينما السيناريوهات الأخرى تُبقي دول المنطقة الطرف الرئيس في المواجهة مع إيران.

اقرأ المزيد
٩ يونيو ٢٠١٨
الاتفاق التركي-الأمريكي في منبج ومستقبل الملف السوري

وأخيراً تم الوصول إلى اتفاق مع أمريكا في خصوص منبج، وقد أُصدر بيان يشير إلى أن هذا الحل يتشكّل من ثلاثة خطوات رئيسة، وبناء على ذلك ستكون الخطوة الأولى هي انسحاب بي كي كي وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الشعبية من منبج، والثانية هي عودة الشعب المهجّر إلى دياره، ونهايةً سيتم تشكيل إدارة إقليمية وتسليمها لأهل المنطقة.

استمرت تركيا في تقديم هذه الأطروحة لحكومة ترامب لمدة سنة كاملة، كما أشارت خلال هذه المدة إلى التعاون من أجل إعادة الشعب المهجّر على أيدي التنظيمات الإرهابية إلى ديارهم، واستغرقت أمريكا فترةً طويلةً للاقتناع بهذه الأطروحة، لكن في نهاية المطاف تمكّنت الدولتين التركية-الأمريكية من الاتفاق في نقطة مشتركة.

إن الاتفاق الذي تم الوصول إليه بين أنقرة وواشنطن يحتوي على مادّتين رئيستين، الأولى هي أن هذا الاتفاق كامل الرسمية وليس مجرّد عهود مقدّمة بين الأطراف، أي إن نتائج وتفاصيل هذا الاتفاق قابلة للتدقيق والإثبات في المستقبل، وكذلك تم الاتفاق في خصوص العمل المشترك بين الحكومتين التركية-الأمريكية في الساحة خلال جميع مراحل هذا الاتفاق، وذلك يشير إلى أننا سنرى خطوات مشتركة بين الجهات العسكرية والمدنية التابعة لتركيا وأمريكا في الأراضي السورية خلال الفترات المقبلة.

أما المادّة الثانية فتتعلّق بالقاعدة العسكرية الأمريكية الموجودة في منبج، إذ تُشتهر هذه القاعدة بتقديم الدعم اللوجستي لوحدات الحماية الشعبية بشكل مباشر، وبالتالي تشير تفاصيل الاتفاق إلى أن أمريكا ستقطع الدعم عن بي كي كي وحزب الاتحاد الديمقراطي في الساحة السورية وخصوصاً في منبج.

كانت مسألة دعم واشنطن للتنظيمات الإرهابية التي تهدّد أمن الحدود التركية تمثّل الخلاف الأكبر بين تركيا وأمريكا، وكذلك تشكّل خطراً كبيراً على مسار العلاقات السياسية الموجودة بين الحكومتين، وبالتالي يبدو أن أمريكا تعود للتحالف مع تركيا مرةً أخرى.

من الواضح أن أطراف هذا الاتفاق تسعى إلى بداية جديدة على الصعيد السياسي من خلال هذا الاتفاق، وفي هذا السياق فإن تركيا ستتولّى مهمة إدارة التنظيمات الإسلامية المتطرفة ومنع تمركزها في الجوار التركي، وبذلك تبقى مهمّة إدارة التنظيمات الكردية المسلّحة على عاتق أمريكا.

يبدو أن الاتفاق المذكور أشبه بنموذج جديد يحمل تأثيراً مباشراً تجاه مستقبل القضية السورية، قد يكون هذا الاتفاق خطوة بسيطة كبداية، لكن من الممكن أن يفتح باباً جديداً لتوسيع نطاق التحالف التركي-الأمريكي في الأيام المقبلة، وإن النجاح في توسيع نطاق التحالف المذكور يعني تحديد تصميم جديد للمستقبل السوري.

إن الأمر الأهم في تصميم المستقبل السوري الجديد يتعلّق باتفاق موسكو وواشنطن في البداية، وفي هذا السياق تشير التطورات الأخيرة إلى اتفاق الدولتين الروسية-الأمريكية على ضرورة ضبط العوامل الغير حكومية كخطوة أولى، وكذلك قد تم الاتفاق في خصوص استمرار الأطراف في إدارة علاقاتها الشخصية مع نظام الأسد في المناطق التي تقع تحت تأثيرها.

وبناء على ذلك يمكن القول إن روسيا وأمريكا قد وصلت لنقطة مشتركة في خصوص الوجود الإيراني في الساحة السورية أيضاً، إذ اتفقت روسيا وإسرائيل مؤخراً في المسألة ذاتها، وينص مضمون هذا الاتفاق على دفع الميليشيات الإيرانية للانسحاب إلى الحدود الجنوبية السورية، إلى نحو الحدود الإسرائيلية القريبة من مدينة الجولان المحتلّة، كما لا تعارض إسرائيل على إدارة نظام الأسد للمناطق المتفرّغة نتيجة انسحاب القوى الإيرانية.

يشير وصول أمريكا وتركيا، وروسيا وإسرائيل إلى اتفاق في خصوص أمن حدودهم إلى اتفاقهم في خصوص مستقبل القضية السورية أيضاً، إذ سيتم الحد من التأثير الإيراني في الساحة السورية، وسيكون نظام الأسد مرتبطاً بروسيا بشكل مباشر، وستتم حماية حقوق الشعب السوري المضطهدة على أيدي نظام الأسد من قبل أمريكا.

اقرأ المزيد
٩ يونيو ٢٠١٨
لماذا لجأ خامنئي إلى التصعيد؟

مرشد دولة الملالي في إيران أعلن عن أنه أصدر أوامره للسلطات الإيرانية، بالعودة لتخصيب اليورانيوم، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية، وإخفاق الأوربيين في إقناع الإيرانيين بالاستمرار في الاتفاقية، حتى ولو انسحبت الولايات المتحددة منها. قرار العودة إلى تخصيب اليورانيوم إلى معدلات عالية، سيمكن الإيرانيين من صناعة القنبلة النووية، وهو ما سوف يدفع بقية دول المنطقة، وعلى رأسها المملكة إلى العمل للحصول على السلاح النووي كرادع لدولة الملالي، التي تسعى إلى احتلال الحرمين الشريفين كما هو معروف، أي أن مرحلة من السباق على التسلح النووي كرادع للإطماع الإيرانية. وتملك إيران الملالي للسلاح النووي قضية مرفوضة ليس من أمريكا فحسب، وإنما من كل الدول الأوربية قاطبة، وكذلك من روسيا والصين، الأمر الذي سيجعل ثني الإيرانيين عن توجههم الخطير هذا قضية منوطة بكل دول العالم، الأمر الذي يجعل إيران إذا ما أصرت على موقفها هذا تتعرض إلى احتمالية ضربة جوية، من شأنها تدمير مفاعلاتها النووية، وهذا ما أشار إليه المرشد، بقوله أن إيران إذا تعرضت إلى عدوان فإنها سترد العدوان بعشرة أضعاف؛ والسؤال : هل في مقدور خامنئي أن ينفذ وعده؟.. وهل يملك من السلاح والتقنية العسكرية ما يؤهله لذلك؟.. الإجابة بكل تأكيد هي (لا) وضع نقطة في نهاية السطر. إيران لا تملك إلا صواريخ بالستية استوردت تقنيتها من كوريا الشمالية، وهذه الصواريخ بدائية، وقدرتها على إصابة الأهداف متدنية، كما يمكن للصواريخ المضادة إصابتها بسهولة، فعلى سبيل المثال أطلق الحوثيون على مدن متفرقة في المملكة أكثر من 120 صاروخا، وتم تحطيمها جميعا في الجو قبل أن تصل إلى أهدافها، ولم يفلت من تلك الصواريخ ولا صاروخا واحدا، في حين أن الولايات المتحدة وكذلك إسرائيل تمتلك من الصواريخ الموجهة، وفائقة التدمير، ما يجعل استهداف تلك المفاعلات ممكنة بالشكل الذي سيحيلها إلى أثر بعد عين بكل ما تحمله الكلمة من معنى. والسؤال الذي يفرضه السياق: هل ملالي إيران يجهلون ذلك؟.. قطعا لا، لكنهم تعودوا في كل صراعاتهم السياسية أن يدفعوا بالأمور إلى حافة الهاوية، ثم يتراجعون في اللحظات الأخيرة. إضافة إلى أن إيران بسبب العقوبات الاقتصادية التي من المزمع أن يتم فرضها من قبل الولايات المتحدة عليها، ستؤدي إلى كساد اقتصادي من شأنه أن يشل الاقتصاد الإيراني شللا شبه كامل، ما سيجعالإيرانيين يثورون على دولة الملالي، لذلك فإن التصعيد مع أمريكا ودول الغرب سيجعل الإيرانيين، يصطفون خلف دولة الملالي في مواجهة الغزو، الأمر الذي يعطي حكومة الملالي قدرة على المقاومة، ومواجهة العقوبات، وهذا في تقديري أحد الأسباب التي جعلت خامنئي يصعد في المواجهة، وكأنه يستعجل الضربة الأمريكية، التي ستمكنه من البقاء مدة أطول، أما إذا رضخ للضغوط وأذعن، فإنه سيواجه ثورة جياع عارمة، لن يستطيع أن يقمعها مهما أوغل في القتل واستعمل القبضة الفولاذية.

هل سينجح خامنئي هذه المرة في أسلوبه القديم الجديد؟ .. بصراحة استبعد ذلك.

اقرأ المزيد
٩ يونيو ٢٠١٨
بعد وصول تنظيم الدولة لأطرافها مجدداً.. السويداء إلى أين؟

تنظيم الدولة على أطراف السويداء.. هل يشعل النظام فتيل المنطقة من جديد؟

لأول مرة وعلى خلاف كل عمليات التهجير الحاصلة في المناطق السورية والتي تم بموجبها نقل جميع المسلحين والمدنيين إلى مناطق الشمال السوري، قام النظام السوري بإخراج عناصر تنظيم الدولة بعد سيطرته على آخر معاقلهم جنوب العاصمة دمشق (مخيم اليرموك والحجر الأسود) إلى منطقة البادية السورية وبالتحديد إلى ريف محافظة السويداء التي تعد المحافظة الوحيدة التي حافظت على نفسها خارج حلبة النزاع السوري وحربه الدموية التي دمرت المدن السورية وقتلت وشردت أهلها على مدار سبعة أعوام، في وقت تضاربت فيه الأنباء والاحتمالات بين طلب تنظيم الدولة الانتقال للمنطقة المذكورة بالتحديد خلال مفاوضات الإخلاء مع الروس والنظام وبين فرض النظام المنطقة من نفسه وإجبار عناصر التنظيم على الخروج إليها، وهو ما خلق موجة من الفرضيات بناء على حقيقة الأحداث وخاصة بالنسبة للمنطقة التي تمركز فيها عناصر تنظيم الدولة بريف السويداء الشمالي الشرقي.

إخراج عناصر التنظيم إلى ريف السويداء رغم إمكانية خروجهم إلى ريف مدينة البوكمال بريف الدير الزور الشرقي والذي بات (معقلاً) رئيسياً لهم بعد سيطرة قوات النظام السوري وقوات قسد الكردية على غالبية مناطق التنظيم في سوريا، عزز من فرضية "أهداف النظام الخفية"، فكما هو معروف فإن النظام يعتمد على ضرب القوى المتناحرة بين بعضها في كل منطقة يريد اقتحامها بهدف إضعافها ثم السيطرة عليها بوقت وجهد أقل مما إذا كانت القوى المسيطرة عليها في حالة استقرار وجاهزية لمحاربته.

يقول الخبير العسكري العميد الركن "أحمد رحال" أن موضوع وصول تنظيم الدولة إلى أطراف السويداء هو من ضمن التكتيكات العسكرية التي يعدها النظام من أجل درعا لا من أجل السويداء، وأن الهدف الحقيقي هو خلط الأوراق في الجنوب وإيجاد مبرر لتدخل النظام عسكرياً في المحافظة" الخاضعة لاتفاقية "خفض تصعيد الجنوب" الموقعة بين روسيا والولايات المتحدة منذ أواخر العام 2017، مشيراً إلى أنه ورغم كافة الاحتمالات والمحاولات والسيناريوهات المفروضة من قبل النظام أو الروس، يكون مصير المنطقة مرتبطاً بما ستوافق عليه الأردن وإسرائيل وفق تعبيره.

يضيف في سياق إجابته عما إذا كان وجود داعش قرب السويداء له علاقة بإضعاف النفوذ الدرزي فيها: "الأمر تخطى الموضوع الدرزي ويتعلق بريف درعا والقنيطرة ويتعلق بالحدود مع الأردن ومعبر نصيب والحدود مع الجولان السوري المحتل"، مشيراً إلى أن وجود عناصر الدولة في مناطق جنوب الفرات وعلى حدود السويداء لا يشكلون مشكلة للتحالف بل لروسيا في الحقيقة وهذا ما سيدفع الأخيرة للقضاء عليهم وهذا سيكون مصيرهم، (لا مكان لهم في الجنوب وحل أنفسهم هو الطريق الوحيد لخلاصهم)".

وجود تنظيم الدولة على حدود السويداء خلق حالة من الهلع والذعر والسخط لدى سكان السويداء، محملين حكومة النظام مسؤولية استقدام (المصائب والتهلكة) إلى منطقتهم من جديد بعد فترة قصيرة من إنهاء وجود التنظيم في تلك المناطق وخاصة (بئر عطشان) والمنطقة الممتدة بين شرقي السويداء والتنف حيث القوات الأمريكية، فإعادة التنظيم إلى السويداء هو سيناريو جديد سيظهر فيه النظام بدور (البطل حامي الأقليات)، وهو ما سينعكس سلباً على أوضاع السويداء المحكومة من قبل شيوخ الطائفة الدرزية، لافتاً إلى أنه من المحتمل أن يستغل النظام وجود داعش بريف السويداء لإضعاف دور شيوخ العقل في السويداء، لا سيما وأنه فقد معظم صلاحياته هناك بوجودهم إضافة لعدم قدرته على تجنيد أي شاب من السويداء خارجها، على غرار ما فعل بشيوخ العشائر في البادية ومناطق دير الزور والرقة.

ورغم كل الاحتمالات المطروحة في المنطقة التي لا يسيطر تنظيم الدولة سوى على بضع قرى فيها، تبقى فرضية "الاستنزاف" واستغلال ضرب القوى ببعضها هي السائدة، إذ يرى الصحفي السوري ومدير تحرير صحيفة زمان مصدر "مرهف مينو" ، أن نقل عناصر تنظيم الدولة إلى الجنوب سيكون لاستنزاف عناصر فصائل الجيش الحر وهو إحدى الخطط التي وضعها النظام للسيطرة على درعا، وسيتحقق ذلك فيما لو تمكن عناصر الدولة بريف السويداء من شق الطريق ووصل منطقتهم بمناطق تنظيم "جيش خالد" بريف درعا الغربي والذي سبق أن أعلن بيعته لزعيم الدولة "أبو بكر البغدادي"، مشيراً إلى أن ذلك من شأنه خلق كيان من الصعب هزيمته وسيكون هناك استراتيجيات جديدة وتقسيمات حديثة للمنطقة المقسومة بغالبيتها بين النظام والمعارضة.

وحول مصير عناصر التنظيم يوافق "مينو" ما أكده العميد "رحال" حول أنه لا مكان لهم في الجنوب، معبراً عن ذلك بالقول بأن عناصر التنظيم "سيذوبون في الصحراء فجأة ولن يكونوا ذوي تأثير على التحالف الدولي والقوات الأمريكية في التنف رغم قربهم منها"، معللاً ذلك بأن وجودهم سيكون مبرراً لاستمرار وجود القوات الأمريكية في المنطقة وهذا ما تطمح إليه واشنطن عملياً، علاوة على ذلك فإن المنطقة تحوي عشرات الغرف العسكرية التابعة للقوات الإيرانية في المنطقة الواقعة بين درعا والسويداء واحدة منها هي منطقة "تل الصفا" والتلال القريبة في ريف السويداء وهي التي انتقل لها التنظيم قبل أيام.

اقرأ المزيد
٩ يونيو ٢٠١٨
الأسد باق... ولكن ماذا عن سوريا؟

لم يعد بقاء الرئيس بشار الأسد حاكماً لسوريا ضرباً من الخيال. تصريحات قادة دوليين كثيرين، مثل باراك أوباما وفرنسوا هولاند وسواهما، التي حددت مهلاً لسقوط رأس النظام السوري ذهبت هباء. عوامل وأسباب كثيرة ساهمت في الوصول إلى هذه النتيجة الحزينة لسوريا ولكل المدافعين عن انتصار العدل على الظلم. وعلى مدى السنوات السبع الماضية كانت هذه الأسباب تتراكم؛ من إمعان النظام في قتل شعبه وتدمير مدنه، رداً على انطلاق الثورة، وذلك تحت شعار «أحكمكم أو أقتلكم»، إلى تفكك المعارضة وتشرذم قواتها، إضافة إلى انحياز بعضها إلى صفوف التنظيمات الإرهابية، مما سمح لورقة «مكافحة الإرهاب» التي استخدمها النظام للدفاع عن ممارساته بأن تكسب صدقية أكبر بين مناصريه وبعض خصومه على السواء.

غير أن النظام السوري لم يكن وحيداً في المعركة التي انتهت بإنقاذ رأسه. والواقع يفرض القول إنه لو بقيت قواته وحيدة في مواجهة فصائل المعارضة لما كانت النتيجة هي ما نراه اليوم. ومن دعموا بقاء النظام السوري، من روس وإيرانيين، لم يترددوا في إعلان أن قواتهم هي التي سمحت بتغيير قواعد اللعبة في سوريا، وجعلت ما كان مستحيلاً توقعه في السنوات الأولى لبدايات الثورة، أمراً شبه محسوم اليوم. وفي تصريحات رأس النظام الإيراني علي خامنئي أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما يؤكد أن تدخل الجانبين هو الذي سهل لبشار الأسد البقاء في «قصر المهاجرين».

هذا ما أوصلنا إلى ما نحن عليه الآن. سوريا تتفكك ونظامها «يقوى». بلد خسر خلال 7 سنوات نصف مليون من مواطنيه. كما تم تهجير أكثر من نصف سكانه (نحو 12 مليوناً) سواء في الداخل أو في بلدان اللجوء، ما عدّته المنظمات الدولية أكبر أزمة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية. كما خسر الاقتصاد السوري نحو 250 مليار دولار من الناتج القومي بين عامي 2011 و2016، حسب إحصاءات البنك الدولي. وقفزت البطالة بين الشباب إلى 78 في المائة. أما تقديرات خسائر الحرب، كما أعلن بشار الأسد نفسه، فتصل إلى 200 مليار دولار. ومع ذلك لا يرى الرئيس السوري أي حرج في إعلان «الانتصار» والاستعداد للبقاء حاكماً لبلد ممزق، ولشعب نصفه موزع بين القبور وأماكن اللجوء.

وإذ «ينتصر» رئيس النظام السوري على شعبه، تجلس القوى الإقليمية والدولية حول طاولات المفاوضات، في غياب أي مسؤول سوري، لترسم خرائط النفوذ الجديدة، وتحسم مناطق وجود القوى المتصارعة على الأرض السورية، في مشهد يثير الأسى، إذا بقي لهذه الكلمة من أثر، لما وصل إليه الوضع السوري.

مناطق الحدود السورية، شمالاً وجنوباً، في عهدة القوى النافذة التي تتفاوض على مصيرها، وعلى هويات من سيسيطرون عليها. ومع أن الشعور العام، لدى الروس والأميركيين، كما لدى معظم القوى الإقليمية، أن خيار بقاء الأسد أصبح خارج النقاش، فلا أحد من هذه القوى يكلف نفسه عناء إشراك النظام السوري في بحث مستقبل علاقات سوريا مع جيرانها. أما النظام فلا يرى مشكلة في ذلك، طالما أن القوى التي تشارك في المفاوضات لا تطرح بديلاً له، وتقر بأن بقاءه يضمن مصالحها. وسواء تعلق الأمر بالمفاوضات التركية - الأميركية حول وضع منبج والمناطق الواقعة شرق الفرات، أو بالمفاوضات الروسية - الإسرائيلية المتعلقة بدرعا والمناطق الحدودية مع إسرائيل، فإن النظام السوري يبلَّغ تفاصيل الترتيبات الأمنية المقبلة في هذه المناطق، والمتعلقة بمستقبل الوجود الكردي في الشمال، أو بمصير القوات الإيرانية و«حزب الله» في المناطق المحاذية للجولان، من دون أن تكون له كلمة بشأن ما يتم الاتفاق عليه من ترتيبات.

ومن منبج وريف حلب شمالاً، إلى درعا والحدود الجنوبية، يسعى مختلف الأطراف إلى السيطرة على ما يستطيعون من أراض وتأمين أكبر قدر من المصالح. تركيا تعد أن مشكلتها الكبرى في سوريا هي النفوذ الكردي الذي تعمل على لجمه على حدودها من خلال تفاهمها الأخير مع الإدارة الأميركية. أما إسرائيل فتعدّ أن مشكلتها الكبرى في سوريا تتمثل في نفوذ إيران. وفي الحالتين، لا ترى إسرائيل أو تركيا أن لديهما مشكلة في بقاء بشار الأسد في السلطة إذا تم ضمان مصالحهما المباشرة، وهو ما يستسلم له النظام من خلال موافقته الضمنية على خريطة الطريق في منبج والترتيبات الأمنية التي يبحثها الإسرائيليون والروس عند الحدود الجنوبية، وما يحكى عن إمكان تولي الشرطة العسكرية الروسية زمام الأمن في المنطقة الحدودية مع الأردن وإسرائيل.

في المقابل، تلجأ تركيا إلى الأميركيين بوصفهم الأقدر على ضمان الجانب الكردي، الذي تنظر إليه أنقرة على أنه أكبر خطر يهددها، انطلاقاً من اتهامها «قوات سوريا الديمقراطية» بأنها فرع من «حزب العمال الكردستاني» الذي تناصبه تركيا العداء. من هنا كانت المفاوضات بين الأميركيين والأتراك على شمال سوريا، وعلى مستقبل مدينة منبج. وسبق أن تفاهمت واشنطن وأنقرة على انسحاب قوات النظام السوري من تل رفعت في ريف حلب الشمالي، كما على مستقبل «قوات سوريا الديمقراطية»، التي تسيطر على مناطق شرق الفرات، وبالأخص على بلدات منبج ودير الزور والرقة... وذلك على الرغم من أن «قسد» هي التي حررت الرقة من تنظيم «داعش» في العام الماضي، بعدما عدّها التنظيم الإرهابي «عاصمته» الثانية إلى جانب الموصل العراقية.

الالتقاء المفاجئ في المصالح الأميركية والتركية يهدد إذن بالتضحية بـ«وحدات حماية الشعب» ذات الأكثرية الكردية كما بمشروع الحكم الذاتي الكردي في الشمال السوري. وكانت هذه الوحدات اعتقدت أنها تستطيع ضمان الحماية من خلال موالاة النظام السوري، الذي سبق أن سحب قواته من المناطق الكردية، في عز المعارك التي كان يخوضها في حلب وحمص، فإذا بالأكراد الآن ضحية التقاء المصالح بين واشنطن وأنقرة رغم خلافاتهما السابقة، مما دفع بوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو خلال لقائه الأخير مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى الإشادة بالعلاقة الاستراتيجية بين البلدين، وضرورة معالجة كل القضايا ذات الاهتمام المشترك «بروح الشراكة بين الحلفاء». فيما كان وزير الخارجية السوري وليد المعلم يعلن من دمشق أن ساعة الحسم مع «قوات سوريا الديمقراطية» قد حلت، وعليها «التفاوض أو اللجوء إلى العمل العسكري». ثم تذكر المعلم أن الرقة مدينة سورية، فأضاف: «الرقة ما زالت في قلوبنا ويجب إعادة إعمارها وتحريرها من أي وجود غريب عن سكانها». ولم يشرح الوزير السوري هوية هؤلاء «الغرباء»، خصوصاً أنه قال إنه يعد أبناء الرقة «مواطنين سوريين يحرصون على بلدهم كما نحرص».

في المحصلة، يمكن أن يساعد التقاء المصالح الخارجية على توفير غطاء يضمن بقاء بشار الأسد في الحكم. ولا شك في أن الأسد يبقى موضع ترحيب في موسكو من قبل فلاديمير بوتين، أو في بيونغ يانغ التي دعا نفسه لزيارتها ولقاء كيم يونغ أون، فيما بدا كأنه سباق مع دونالد ترمب. غير أن كل ذلك لا يلغي حقيقة أن الأسد سيبقى رئيساً فوق أنقاض بلد كان تدميره هو التكلفة الغالية لبلوغ هذه الخاتمة.

اقرأ المزيد
٨ يونيو ٢٠١٨
الحرب على الأبواب إذا بقيت إيران في سوريا

ينتقد محدثي الدبلوماسي الغربي المخضرم، والعائد من جولة شرق أوسطية، الغربَ الذي يرى أن حل أي مشكلة يكون باللجوء إلى الانتخابات. يعرف عن كثب ما تفكر فيه عدة دول في المنطقة ويقول: لا يصدمك ما سأقوله، فهذه المرة إذا دفعت إيران بـ«حزب الله» إلى ضرب إسرائيل، فسيتم «طمس» لبنان وسيعاني كثير من الأبرياء ولا مخرج من ذلك، لأن «حزب الله» يستطيع الآن أن يضرب إسرائيل بقوة، فهو يملك 135 ألف صاروخ وقذيفة، وبالتالي سيكون الرد الإسرائيلي جذرياً.

يضيف: الكل يسأل عن الوجود الإيراني في سوريا. ويجيب: لأن الإيرانيين يريدون أن يمتد نفوذهم من أفغانستان ولا يريدون أن يفقدوا موطئ القدم الشيعي في شرق المتوسط، يدركون أن «حزب الله» وحده لا يكفي لمواجهة إسرائيل، ولذلك يريدون إقامة قواعد عسكرية في سوريا، وإذا لم يتم منعهم فإن حرباً كبرى ستنشب لا تدمر فقط لبنان؛ بل ستكون لها تبعات إقليمية ضخمة.

يقول محدثي: لقد حدث تغير جذري في موقف إسرائيل في ما يتعلق بالمواجهة العسكرية على حدودها الشمالية. حتى أشهر مضت، وعندما أصبح واضحاً أن روسيا من سيقرر مصير الحرب الأهلية في سوريا، كان الموقف الإسرائيلي لسنوات: لا للحرب، بل ما يمكن أن تقوم به من عمليات في ظل التهديد بالحرب تفعله، حتى إذا ما وقعت الحرب فلن يكون الطرف الآخر قوياً بما فيه الكفاية لمواجهتها. كانت الفكرة أن تقوم بكل شيء لا يؤدي إلى اشتعال الحرب. الآن لإسرائيل توجه مختلف تماماً، ترى أن خطر إقامة إيران قواعد عسكرية في سوريا أمر جدي وتبعاته كارثية عليها، وستحاول منعه، وإذا أدى ذلك إلى الحرب، فليكن.

يوضح: خطر تدهور العمليات إلى حرب كان بمثابة خط أحمر حاولت إسرائيل عدم تجاوزه، لكن الآن خطر الوصول إلى حرب لم يعد عائقاً ولم يعد محرماً، فالبديل عن الحرب كارثي بنظرها. أسأله ما البديل؟

يقول الدبلوماسي المطلع: من وجهة نظر إسرائيل كانت تشعر بأنها لاعب ثانوي، بمعنى أنها تنظر إلى ما يحدث وتسأل عن تبعات ذلك عليها، لكن أعتقد الآن أن إسرائيل صارت تشعر بأنها اللاعب الأهم، والسبب خطر إقامة الإيرانيين في سوريا في ظل تغطيات تسمى الميليشيات. تشعر أن الإيرانيين سيأتون بأعداد كبيرة من الصواريخ بعيدة المدى، والدقيقة والقادرة على حمل متفجرات. ثم إنهم يريدون إقامة مصانع في سوريا ولبنان لإنتاج الصواريخ، والفكرة أنه مع مئات الآلاف من الصواريخ متوسطة المدى، وعشرات الآلاف من الصواريخ الثقيلة والدقيقة في إصابة الأهداف، فإن نظام الدفاع الصاروخي في إسرائيل، وهو الأكثر تطوراً في العالم، لن يكون قادراً على صدها، هذا يعني أن إسرائيل تدرس هذا الخطر، وهنا يوجد احتمالان، كما يقول، إما أن تعلن إيران الحرب على إسرائيل حيث تستطيع إيذاءها إلى درجة كبيرة، أو يمكن أن تستمر باستفزاز إسرائيل على مستويات منخفضة، وتظل إسرائيل عاجزة عن الرد لأن النتيجة تكون حرباً تزعزع قدرة إسرائيل إلى درجة لا تلغي وجودها إنما تؤخر ازدهارها.

يقول: لهذا بمجرد أن يكون لدى إيران احتمال تهديد إسرائيل، وحتى لو لم يتحقق ذلك، فإن إسرائيل في ظل هذا الوضع لن تكون قادرة على مواجهة المشكلات الأخرى. ستكون خائفة من عمل شيء ما في غزة، فلربما ردت إيران، وستخاف من عمل أي شيء في لبنان أو في الضفة الغربية إذا كان الإيرانيون يهددونها من سوريا.

يقول: إذا أقام الإيرانيون قواعد بحرية في سوريا، وأتت غواصاتهم إلى قواعد المتوسط، وأكثر من 90 في المائة مما تستورده إسرائيل يأتي عبر البحر، عندها تصبح رهينة للقابعين في طهران، وهذا لن تسمح به حتى لو أدى إلى حرب، ستمنع ذلك بأي ثمن. يضيف: تشعر إسرائيل بأن الإيرانيين يدركون أن أهم شيء، ليس السلاح النووي، بل تحقيق طموح إيران في السيطرة على كل المنطقة، حتى إن السلاح النووي تريده لإعطاء مناعة لخطوات السيطرة على المنطقة، وتشعر إسرائيل بأنها القوة الوحيدة التي تستطيع وقف المشروع الإيراني، وما تحاول إيران بناءه في سوريا الآن هو لمنع إسرائيل من إيقاف مشروعها، لذلك، يقول محدثي، مهما يحدث، وإذا اجتمع كل الأوروبيين ضد إسرائيل، وحتى لو كان باراك أوباما لا يزال في البيت الأبيض، فإن إسرائيل مستمرة بخطتها لمنع إيران من البقاء في سوريا.

يقول إنه سمع من مسؤولين إسرائيليين أن كل الأحداث في الوقت الحالي هي لمصلحة بلادهم، وأن هناك ثلاثة أمور علينا فهمها وإدراكها لمعرفة لماذا تشعر بالثقة.

الأول: لديها تقدم عسكري كبير في سوريا. هي قوية والإيرانيون في سوريا ضعفاء. إذا وقعت المواجهة الآن، فإن إيران لا تستطيع مقاربة إسرائيل. الأمر الوحيد الذي يمكن أن يوقف إسرائيل هو لو كانت لديها قيادة تخاف من المواجهة، لكن بالنسبة إلى توازن القوى، ترى أن الميزان يميل بقوة لصالحها.

عسكرياً، لا يستطيع الإيرانيون فعل أي شيء ضد إسرائيل، وإذا ضربوا المدنيين الإسرائيليين، فإن إسرائيل سترد في إيران. يشرح: يرى المسؤولون الإسرائيليون أن إيران هي الدولة الأكثر عرضة، ولأن إيران باختصار هي «نفطها» والنفط مادة ملتهبة، لذلك لا حظ لإيران بمواجهة إسرائيل. أسأل: هل يعني هذا أن إيران صارت هدفاً؟ يجيب: إذا ضربت المدنيين الإسرائيليين. لكن إذا ضربت منشآت عسكرية فسترد إسرائيل بتفوق كبير، أما إذا ضربت مدنيين إسرائيليين؛ وهذه نقطة ضعف إسرائيل، فعندها سترد إسرائيل في إيران. لن يهمها ماذا سيسمي الإيرانيون أنفسهم: «حزب الله» أو أي شيء آخر. يقولون تستطيع إيران خداع الأوروبيين بهذه الأعذار والتسميات، أما بالنسبة إليها، فإن كل شيء يأتيها من الشمال يعني إيران.

الأمر الثاني: إسرائيل ارتاحت مع ذهاب باراك أوباما؛ تعدّه أسوأ رئيس أميركي بالنسبة إلى الشرق الأوسط وأبعد، بنظره آيات الله جزء من الحل وليسوا جزءاً من المشكلة. يقول محدثي: إن الإسرائيليين عندما ينتقدون أوباما فلا يقصدون أن ترمب جيد، إنما أوباما سيئ وعدم وجوده في البيت الأبيض دعم قوي لبلادهم، ليس لأن ترمب لن يعمل ضد إسرائيل، بل لأن ما يعدّه البعض سيئاً في ترمب تعدّه هي جيداً. يقول الناس إن أميركا تريد مغادرة الشرق الأوسط وهذا سيئ للمنطقة... بالنسبة إلى إسرائيل؛ فإن هذا جيد، خصوصاً إذا قال: سأغادر الشرق الأوسط لكن سأقوي المملكة العربية السعودية ومصر وإسرائيل، وذلك كي لا تتدخل أميركا عسكرياً في الشرق الأوسط بشكل مباشر. برأيها أن التحول الأميركي نحو آسيا إيجابي إذا كانت نتيجته دعم إسرائيل بالمال والسلاح ودعمها في الأمم المتحدة، والأهم بنظرها أن الإيرانيين يعرفون أن أميركا تدعم إسرائيل، وبالتالي فإن زخم المواجهة يتضاءل.

الأمر الثالث: عن العلاقات الإسرائيلية مع روسيا، يقول محدثي: لا تجمعهما مصالح واحدة؛ إنما لإسرائيل مصالح في سوريا لا تتعارض مع مصالح روسيا، فأهم ما تريده روسيا الإبقاء على نظام الأسد وإسرائيل تستطيع العيش مع ذلك، والمصلحة الأساسية لإسرائيل في سوريا هي إخراج إيران... الروس لا يحبون ذلك، لكن يستطيعون العيش معه. إذن التوازن هو: أن تترك إسرائيل الأسد على حدة، وأن تترك روسيا إسرائيل من دون أي تدخل عندما تواجه إيران في سوريا.

يستطيع الروس والإسرائيليون إيذاء بعضهم بعضاً، لكنهم لا يريدون ذلك. الإطاحة بالأسد ليست بالأمر الشاغل لإسرائيل، وبالنسبة إلى روسيا الإبقاء على إيران في سوريا ليس بالأمر الضروري. الأسبوع المقبل عن المقاطعة الاقتصادية وهل سيذهب النظام الإيراني؟

اقرأ المزيد
٨ يونيو ٢٠١٨
محاولات لـ «تأهيل الأسد» مقابل انسحاب إيران

 استاءت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من قرار النظام السوري إقامة علاقات ديبلوماسية مع إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية والاعتراف بانفصالهما عن جورجيا وإلحاقهما بروسيا. وبهذا القرار أرادت موسكو أن تقول من جهة إن سورية أصبحت إقليماً روسياً جديداً ومن الطبيعي أن تعترف بأقاليمها الشقيقة، ومن جهة أخرى تحدّت عدم اعتراف الأميركيين والأوروبيين بالإقليمين المنفصلَين (فضلاً عن ضمّ شبه جزيرة القرم) وقدّمت عينة من استغلالاتها الكثيرة القادمة لـ «الإقليم السوري». أما نظام بشار الأسد فيرى أن اللحظة حانت لانتهاز الفرص المتاحة لاستئناف ممارسة «شرعيته» دولياً، ولو من بوابتي أبخازيا وأوسيتيا أو ترؤسه مؤتمر الأمم المتحدة لنزع السلاح. وبعد مضي أعوام عدة على رئيس النظام وهو لا يزور إلا فلاديمير بوتين وحيداً ولا يُزار إلا من موفدي علي خامنئي ووفود لا مغزى لها أو أخرى حاملة رسائل سرّية، ها هو يعتزم زيارة حليفه العزيز كيم جونغ أون ليحثّه على ضم سورية إلى أوراق قمته مع دونالد ترامب، وسط غموض حول الجهة التي «سمسرت» هذه الزيارة وما إذا كانت روسية أو إيرانية.

ثمة خطوات حصلت أو هي قيد الإعداد لـ «إعادة تأهيل» نظام الأسد. فالمنافسة حادّة بين النمسا وألمانيا على تولّي هذا الدور دولياً، وتفترض الضرورة أن تتحرّكا تجاه موسكو لكن بالتنسيق مع واشنطن، غير أن سلّة «التأهيل» لم تكتمل بعد، فملفات انسحاب القوات الأجنبية وإعادة الإعمار والتسوية السياسية وعودة اللاجئين تنتظر المعادلة المناسبة والتوافقات اللازمة. أما الجانب الآخر لـ «التأهيل» فتحاول إيران تفعيله مع الدول العربية المنضوية قسراً أو طوعاً في معسكرها، مع التركيز حالياً على اتجاهَين: الأول، تطبيع العلاقة بين النظام وقطر ما لم يتعارض مع العلاقة القطرية- التركية. والآخر، تطوير الوصاية الإيرانية- الأسدية على لبنان عبر استخدام هيمنة «حزب الله» على الحُكم من خلال تحالفه مع حزب الرئيس ميشال عون والاستثمار في نتائج الانتخابات الأخيرة والتكتّل النيابي الموالي للنظام السوري. ويبدو تجنيس بضع عشرات السوريين وفلسطينيي سورية الأثرياء المرتبطين بالأسد ثمرة للوصاية المتجدّدة، فيما يأمل الرئيس اللبناني أن يتعاون النظام في إعادة اللاجئين إلى سورية.

لم يكن صعود خيار «تأهيل الأسد» صدفة بالتزامن مع الورشة الروسية لتوسيع رقعة سيطرة النظام والسعي إلى إخراج كل القوات الأجنبية، حتى أن إسرائيل لم تتردّد في إبداء عدم ممانعتها بقاء الأسد، بعدما كان هذا ولا يزال موقفها الضمني والعملي، وإذ اختارت الجهر به فلتشجّع الأسد على التجرّؤ إزاء إيران، وهي لم تُقدِم أخيراً على تهديده إلا في سياق المطالبة بخروج الإيرانيين من سورية لقاء أن يبقى في منصبه. تلك واحدة من المقايضات التي انفتحت سوقها لدى البحث في مستقبل منطقة خفض التصعيد في الجنوب الغربي، فالنظام أراد البناء على استعادته الغوطة للتوجّه جنوباً إلى درعا، وروسيا وجدتها فرصة سانحة لتحريك القطيعة بينها وبين الولايات المتحدة، وفرصة أخرى لإقفال الملف العالق مع إسرائيل في شأن التمدّد الإيراني نحو جبهة الجولان.

وكما يحصل كلّما طرحت روسيا بإلحاح مدّ سيطرة النظام فإنها اصطدمت هذه المرّة أيضاً باختلاط قوات النظام مع الميليشيات الإيرانية، وهي مشكلة لم تحلّها سابقاً خدعة توحيد الزيّ ولا حالياً خدعة الاعتماد على «الفيلق الخامس» الذي أنشأه الروس وينقّلونه من جبهة إلى جبهة ويعتمدونه الآن كواجهة لقوات النظام المرشّحة لتسلّم الحدود مع الأردن وفي الجولان. فهذا الفيلق لا يكفي للمهمات التي تُعهد إليه ولم يكن إبرازه إعلامياً في بعض الجبهات سوى تغطية لوجود الميليشيات الإيرانية. وهناك خدعة أخرى تمثّلت أخيراً بالانسحاب من مواقع جنوبية للإيحاء بأن إيران تريد تسهيل عودة النظام إلى المنفذ الحدودي مع الأردن. لكن سرعان ما بدت المسألة أكثر تعقيداً بل زادت تعقيداً عندما اصطنع النظام أجواء معركة وشيكة لاستعادة درعا بالقوّة إسوةً بالغوطة، فجاءه إنذار أميركي أول ثم دخلت روسيا على الخط للتذكير بأن اتفاق «خفض التصعيد» ينطوي على موافقة أميركية وأردنية (وإسرائيلية) على تسليم الحدود إلى النظام.

لم تنفِ الأطراف الثلاثة تلك الموافقة بل حاججت بأنها مشروطة بالتوافق على الترتيبات، واستغلّت موسكو الجدل لتطالب بتفكيك قاعدة التنف الأميركية وتشدّد على انسحاب القوات الأجنبية (الأميركية) من المنطقة، لكن لتوضح أيضاً أن تلك القوات تشمل فصائل الجبهة الجنوبية على رغم أن غالبيتها من أبناء المنطقة السوريين، وقد طُرح استطراداً أمر ترحيلهم إلى إدلب. وبموازاة الإعداد لاجتماع ثلاثي في عمان كان واضحاً أن تفاهماً روسياً- إسرائيلياً على خريطة الانكفاء الإيراني إلى الداخل السوري سيسهّل صوغ آلية لتطبيق الاتفاق في عمان. لكن وزيري الدفاع سيرغي شويغو وأفيغدور ليبرمان لم يتوصّلا إلى تفاهم قابل للتطبيق، على رغم عرض إسرائيل ضمانها بقاء الأسد في السلطة لقاء تخلّيه عن إيران.

وضع الأسد هذا الضمان الإسرائيلي في رصيده، ليستأنف التهديد بحل عسكري في الجنوب، فجاءه إنذار أميركي ثانٍ. لكن أوساطه تعتبر أن الجدل على مسألة الجنوب شكليٌّ وسينتهي إلى اتفاق لمصلحته، أي أنه لن يستعيد محافظة درعا بكاملها والمنفذ الحدودي فحسب بل سيعني الاتفاق أن أطرافه جميعاً، وبالأخصّ الولايات المتحدة، باتت معترفة به ولو في شكل غير مباشر، موقّتاً. إذاً، فهي خطوة أخرى على طريق «التأهّل» الدولي. لكن الظهور المفاجئ لوزير خارجية النظام، بعد غياب طويل، أعاد عقارب الساعة إلى الوراء وشكّل مؤشّراً لرفض «الصفقة» الجنوبية التي انخرطت روسيا في بلورتها. إذ جدّد وليد المعلم الاعتراف بـ «شرعية» الوجود الإيراني في سورية واعتماد النظام عليه، كذلك اعتبار تركيا «عدوّاً غازياً»، لكن الأهمّ أنه اشترط الانسحاب الأميركي للدخول في مفاوضات على الجنوب. أما الجديد في كلام المعلم فكان النقد اللاذع المباشر ي وغير المباشر للحليف الروسي، سواء في قيادته التفاوض وتجاهله للنظام أو في مساوماته المتقدّمة على الوجود الإيراني، لكن خصوصاً في «قلّة الأدب» التي ارتكبها بتسريب أسماء مرشحي النظام لـ «اللجنة الدستورية».

بالتزامن مع ذلك انقلب المزاج في أوساط النظام، فالذين يميلون إلى روسيا صاروا فجأة مدركين خطورة استفرادها بالأسد، والذين يعملون مع الإيرانيين عادوا إلى الدفاع عن الدور الذي أدّته لحماية النظام. استطاعت طهران بأساليب عدة إعادة الأسد إلى المربع الذي كان على وشك أن يغادره، فالمصلحة تقضي بأن يلعب مع/ وعلى كل من يساعده على الاحتفاظ بسلطته. أحبط الإيرانيون تولّي الروس والإسرائيليين «إعادة تأهيل» الأسد، واستطاعوا إقناعه بمواجهة روسيا في أمرين: أولوية لإخراج الأميركيين والأتراك وعدم التعرّض للوجود الإيراني، الإصرار على الدستور الحالي كأساس للتسوية السياسية ورفض أي سعي إلى دستور جديد يهدف إلى تقليص صلاحيات الرئيس وربما إعادة هيكلة المنظومتين العسكرية والأمنية.

حتى لو كان الأسد لا يزال متمتّعاً بهامش واسع للمناورة، نظراً إلى شعوره بحاجة الجميع إليه، إلا أن حدود التلاعب بالدول ومصالحها له باتت مكشوفة. ذاك أن اعتراض الروس أو إغضابهم قد يكون مكلفاً جداً للنظام وإنْ لم يتعرّض الأسد شخصياً لخطر جدّي، فهو لن يتمكّن في أي حال من إقناع بوتين، لا بالتصدّي لإسرائيل ومنعها من استهدافها الإيرانيين وأتباعهم، ولا بأخذ صيغة النظام للتسوية السياسية، لأن روسيا تبحث عن صيغة تستطيع «بيعها» إلى الأميركيين وبالأخص إلى الأوروبيين لاجتذابهم إلى ملف إعادة الإعمار. أما السير مع الإيرانيين في سعيهم إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل فهو مجازفة غير مضمونة وسط اشتداد الضغوط على إيران. وأما خيار المراهنة الإيرانية على صراع روسي- أميركي أو الدفع إليه فهو مستبعد من جانب الدولتين أياً تكن الظروف، بل إن صداماً روسياً- إيرانياً قد يبدو أكثر واقعية.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
دور تمكين المرأة في مواجهة العنف الجنسي في مناطق النزاع: تحديات وحلول
أ. عبد الله العلو 
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
صمود المرأة ودورها القيادي في مواجهة التحديات
فرح الابراهيم
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
العنف الجنسي في حالات النزاع: تحديات وآثار وحلول ودور المرأة في هذه الظروف
أحمد غزال