إيران في سورية: هدف لأكثر من طرف
تراجعت إلى حد ما في الأشهر القليلة الماضية سرعة تغير المشهد العسكري في سورية، وترافق ذلك مع انخفاض في وتيرة الأعمال العسكرية، واللافت ما ذكرته تقارير إعلامية إسرائيلية قبل أيام من أن إسرائيل وافقت على نشر قوات النظام السوري عند المنطقة الحدودية جنوب سورية في حال سحب الميليشيات الإيرانية منها.
وأكد سفير إسرائيل لدى موسكو، هاري كورين، في حديث إلى وكالة «تاس»، أن بلاده راضية من موقف روسيا إزاء الوجود العسكري الإيراني على الحدود الإسرائيلية السورية، وأشار إلى أن إسرائيل وروسيا تخوضان مباحثات مكثفة حول هذه القضية، مشدداً على أن وجود القوات الإيرانية في المنطقة «يستهدف إسرائيل».
وقبل أيام صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بأن «الجيش السوري فقط ينبغي أن يحمي جنوب البلاد»، وكأنه يقول لإيران التي وقف معها إلى جانب النظام طوال سنوات، أن تغادر الجنوب، وفي أعقاب ذلك مباشرة، وردت أنباء عن اتفاق بين إسرائيل وروسيا، تنسحب بموجبه إيران من جنوب سورية، ويسيطر النظام على المنطقة.
في واقع الأمر لم تكن إيران حليفًا وثيقًا لموسكو أبدًا، عمل البلدان معًا على دعم النظام في سورية من أجل حماية مصالحهما في ذلك البلد، وهذا ما تحقق لروسيا إلى حد كبير، التي بدأ يبدو للبعض أنها تسعى الآن لمفارقة إيران.
لا يخفى أن إيران منافس إقليمي لروسيا، بالإضافة إلى أنها هدف رئيسي لواشنطن وتل أبيب، وموسكو لا يفوتها أن هذا التوتر سيتصاعد، طالما بقيت إيران في سورية، وهذا بحد ذاته تهديد كبير للمصالح الروسية.
ولا يمكن تجاهل موقف دول كبرى عديدة، والإقليمية الرافضة للنفوذ الإيراني في سورية والمنطقة، وهو ما يجعل روسيا في موقفٍ لا تحسد عليه، فهي تخشى على علاقاتها السياسية والاقتصادية القوية مع تلك الدول التي يثير التقارب الروسي الإيراني استياءها.
زيادة إسرائيل من وتيرة هجماتها على المواقع الإيرانية داخل الأراضي السورية، بالإضافة إلى ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إيران، تزيد من ارتباط الأخيرة بروسيا، وهذا يجعل موسكو في وضع أقوى مما كانت عليه في المرحلة السابقة في مواجهة طهران سورياً.
مع اقتراب تلاشي «داعش» نهائياً من الأراضي السورية، وهو ما يترافق مع انتهاء الحاجة لمعظم الميليشيات، سواء الإيرانية أو الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، فإن استمرار وجود إيران في سورية، سيستدعي تدخلًا إسرائيلياً وأميركياً، بينما وجود الميليشيات الأخرى سيستدعي تدخلاً تركياً.
بالنسبة إلى تركيا، قد تبدو إيران حليفة في سورية من جهة، ولكن في الواقع هي منافسة إقليمية من جهة أكبر، وليس سرًّا انزعاج أنقرة من سياسات طهران التوسعية، ولهذا فإن أي تحجيم لإيران يصب في مصلحة تركيا، كما أن إقامة توازن بين الولايات المتحدة من جهة، و روسيا- النظام من جهة أخرى، سيعزز موقف تركيا في مكافحة الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني.
لا يمكن تجاهل ما ذهب إليه الكثير من المراقبين، من أن دعوة إيران إلى المشاركة في محادثات آستانة، كانت محاولة من أنقرة وموسكو لدفع طهران إلى الوفاء بالتزاماتها، وإلا فمن الصعب السيطرة على الجماعات التابعة لها.
وظهر الاختلاف (الذي لم يصل حتى اليوم إلى مستوى خلاف) بين الجانبين الروسي والإيراني في سورية، من خلال ثلاثة مواقف في السنوات القليلة الماضية، الأول خلال بداية التدخل الروسي في سورية بشكلٍ مباشر قبل قرابة عامين، والذي جعل إيران تتراجع إلى الصف الثاني كحليف صامت للنظام، في حين أخذت موسكو زمام المبادرة، بعد أن فشلت إيران في ترجيح كفة النظام خلال سنوات تدخّلها.
أما الاختلاف الثاني بين موسكو وطهران فظهرَ بعد اتفاق إجلاء المدنيين والمقاتلين من الأحياء الشرقية المحاصرة في مدينة حلب الذي تمَّ أواخر العام الماضي بين الأتراك والروس، لأن إيران كانت ترفض في شكلٍ قطعي أي اتفاق في هذه المنطقة، وتصرّ على عدم السماح لأي أحد بالمغادرة، لأنها كانت تريد أن تنفّذ حلّاً عسكرياً في حلب، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن اتفاق حلب (الروسي- التركي)، هو الاتفاق الوحيد خلال ست سنوات من الحرب السورية الذي نجح وصمد (سواء اتفقنا أو اختلفنا معه).
الاختلاف الثالث هو الذي ظهر أخيراً خلال انطلاق مفاوضات آستانة، إذ كانت إيران تريد أن تنتقم وتُبعد واشنطن عن المحادثات، بينما دعت روسيا إلى اشتراك واشنطن، التي اكتفت بصفة مراقب.
يبقى القول إن الحرب في سورية تكاليفها باهظة من جميع النواحي، وتعرض طهران لخسائر لا يمكن إغفالها في الهجمات الإسرائيلية الأخيرة، هل يدفعها للخروج، مع مرور الوقت من بعض المناطق من سورية، بعد سنوات من استثمارها في هذا البلد ؟!!... الجواب قد يتضح في حقيقة ما قيل عن إبرامها اتفاقًا مع إسرائيل.