المعارضة السورية والانفصال عن الواقع
شيئاً فشيئاً بدأت المعارضة السياسية السورية تنفصل عن واقع شعبها الثائر، وثورتها التي طالبت بإسقاط النظام، وقدمت من أجل هذا أكثر من مليون شهيد، و12 مليون مشرد، ومئات الآلاف من المعتقلين، وأضعافهم جرحى ومعاقين، لنجدها اليوم تقصر عملها وشغلها على اعتماد دستور ثبت أن الاحتلال الروسي قد كتبه، وعمده شريكه الإيراني، وكأن الثورة والشهداء والعذابات والدمار والخراب، كلها من أجل إصلاحات دستورية، وكأن شبيحة وعفيشة العصابات الطائفية تنتظر دستوراً لكي تطبقه، وهي تعفش وتدمر وتخرب، وتستخدم الكيماوي والبراميل المتفجرة، وكل أسلحة الدمار الشامل.
مع كل يوم نرى ابتعاد المعارضة السياسية السورية عن اهتمامات وانشغالات الثورة والثوار، تجلى ذلك في داخلها يوم خرج من أبناء جلدتها رافضين سياستها، وبقدر اقترابها من العصابة الطائفية ومن منصاتها المعلنة والمستترة كانت المعارضة السياسية تبتعد عن شعبها وثورتها، يوم محضها دعمه وتأييده بتشكيلها المجلس الوطني السوري وما بعده، حتى غدت هذه المعارضة أكثر تمثيلاً واستجابة لرغبة مجتمع دولي مجرم، آثر ترديد رواية العصابة والاحتلال، أكثر من اهتمامه برواية المشرد والمعذب والشهيد والثائر.
كل المعارك السياسية التي خاضتها المعارضة كانت وبالاً على الثورة وشعبها، ولعل ما حصل في الآستانة ثم في سوتشي، وقبلهما جنيف خير دليل على ذلك، فالشعب المسكين لم يعرف حتى تفاصيل هذه الاتفاقيات ليحاكم موقعيها عليها، وإنما ظلت غامضة ومبهمة، والأصح أن المعارضة نفسها لم تعرف تفاصيل هذه الاتفاقيات، فكان حال شهود الزور أفضل منهم، فشهود الزور على الأقل يعرفون على ماذا يشهدون زوراً، أما هؤلاء فقد شهدوا على ما يجهلونه، وشهدوا على شيك بياض يريده الأعداء لهم أن يشهدوا عليه.
الانقلاب الذي حصل في مواقف المجتمع الدولي، ومعه المعارضة السياسية السورية، من إسقاط العصابة الطائفية، إلى رحيل النظام، ثم مجلس حكم انتقالي، فدستور لا يعلم أحد سقفه الزمني، ومعه تم شطب كل ما تعهدت به المعارضة أمام شعبها، وتعهد به النظام أمام قرارات دولية، وراح معه الحديث عن مئات الآلاف من المعتقلين المعذبين، كل هذا يذكرني بمقابلة للنائب عبد الحليم خدام، حين تحدث عن كيف كان يتلاعب النظام بالحديث عن الإصلاحات، فبعد أن تعهّد بشار يوم وصوله إلى السلطة بإصلاحات سياسية، تراجع إلى إصلاحات قانونية، ثم إصلاحات إدارية، ليتم تفريغ الإصلاح كله من مضمونه، وهي اللعبة التي يكررها مع المعارضة السياسية اليوم، الذي زاد عليها بزرع معارضات كاذبة في وسطها من صنعه وصنع أسياده، ليقوم بتفجيرها من الداخل، بل وتطالب حتى بعودة النظام السوري إلى مناطق حررها الآلاف من الثوار يوماً ما، ومع هذا تظل هذه المعارضات الصورية الداعمة للعصابة الطائفية من تمثل ثورته.
هل يتذكر من يطالب بتغيير الدستور إلغاء المادة الثامنة من الدستور الذي كلّ الشعب وملّ وهو يطالب بإلغائها لعقود، فألغيت فماذا كانت النتيجة؟ لقد بدأ الكثير يترحم عليها، بعد أن رأى ما حلّ به، المشكلة ليست في البردعة.. المشكلة في الحمار، وما لم يتغير الحمار فلن يكون هناك تحسن، أو تطور، الحصان قبل العربة، ويكفي بيع للوهم وحرث في البحر.;