مع النكسة التي أصابت أحلام يقظة نظام الأسد، بعد اتفاق إدلب الذي حرمه مما كان يعتقد أنه النصر الأخير على المعارضة، يعود جيشه الإلكتروني الذي جهد، في السنوات السبع، لتحويل الكارثة/ الجريمة التي ارتكبها بحق سورية وشعبها إلى نصر مؤزر وهزيمة للمعارضة، يعود إلى الخطوط الأمامية. وهو يحاول البناء على مشاعر القلق واليأس والإحباط التي أصابت بالفعل قطاعات واسعة من الشباب الذي شارك في الثورة. ومن خلال تسريب ما يشاء من المعلومات الصحيحة والمليئة بالدسائس والاختلاقات في الوقت نفسه، لتغذية حملة تشهيرٍ وتخوينٍ متبادلة داخل صفوف المعارضة، أول من يتلقّفها تلك العناصر المحبطة التي بقيت تشعر بأنها لم تأخذ نصيبها من "عوائد" الثورة المادية أو المعنوية، أو لم يسمح لها بأن تلعب فيها الدور القيادي الذي كانت تطمح إليه. يحصل هذا في وقتٍ فتح اتفاق إدلب، واستعادة التظاهرات الشعبية حيويتها على نطاق واسع في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والتبدل الملحوظ في المقاربة الأميركية للأوضاع السورية، خصوصا في ما يتعلق بالوجود العسكري الطاغي لطهران التي كانت الموجه الفعلي للأحداث المأساوية التي عرفتها سورية، آفاقا جديدة أمام المعارضة التي بقيت مغلقة سنوات طويلة سابقة.
يجب أن نعرف أن ما تسرّبه أجهزة الحرب النفسية لدفع المعارضة إلى تهشيم نفسها، حتى لا تستعيد أنفاسها، وحتى يحسم الأمر لصالح الأسد، فيه وقائع صحيحة، لكنّ فيه أيضا وأساسا دسائس وسموما تريد أن تستفيد من مناخ الخسارة الذي بعثته استعادة مليشيات النظام المتعدّدة الجنسيات معظم الأراضي المحرّرة لسلطتها، أو لسلطة الانتداب الروسي، من أجل تحويله إلى شعور عميق بالانكسار، ودفع المناضلين والجمهور السوري الواسع الذي سار في مسيرات الثورة ومظاهراتها، وضحّى بالأبناء والأشقاء أو الأصدقاء، وخسر الكثير، واضطر أكثره للجوء إلى البلدان الأجنبية، أو النزوح داخل البلاد والعيش تحت الخيام، إلى التسليم النهائي بالهزيمة والاستسلام للأمر الواقع.
وليس الهدف من ذلك إقناع هذا الجمهور بعدم عدالة قضيته، أو دفعه إلى الاعتراف بعدم صواب مشاركته في الثورة، فمن المستحيل للمرء الذي أظهر من الشجاعة والإقدام ما أظهره الشباب السوري في السنوات الماضية، وقدّم أغلى التضحيات، وغامر بحياته، أنه لم يكن على حقّ، أو أن الثورة كانت بالفعل مؤامرة خارجية، أو تمرّدا إرهابيا، أو خرافةً خدع بها نتيجة الدعاية الأجنبية. ما يريده النظام من تسريباته المدروسة هو نقل الحرب من ميدانها الحقيقي، أي ميدان الصراع بين شعب حر ونظام جائر وظالم وعديم الإنسانية، إلى ميدان الصراع داخل صفوف قوى الثورة والمعارضة على تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن الخسارة، وتوجيههم نحو البحث عن كبش فداءٍ من داخلهم يوجهون إليه سهامهم، بدل الاستمرار في تنظيم المقاومة ضد سياسة فرض الأمر الواقع التي يسعى إليها الروس، ومن ورائهم المجتمع الدولي الذي يريد هو أيضا أن يغطّي فشله في الوفاء بالتزاماته السياسية والقانونية، وتركه الشعب السوري يصارع الموت وحده، كما فعل في بدايات القرن الماضي مع ضحايا المحارق النازية، قبل أن يعلن ندمه عليها.
قبل أن تتعالى النداءات لتشكيل "محاكم التفتيش"، والبحث في ضمير كل فرد، وفي سبب انتمائه للثورة، والإعداد لمحاسبة المقصرين أو الفاسدين الذين ساهموا بالفعل، وهم كثر أيضا، في تقويض جهود السوريين للتحرّر من نظام العبودية، أود أن أقول لثوار وسائط التواصل الاجتماعي التي يخطئ من يستهين بتأثيرها اليوم إن الصراع في سورية والمنطقة العربية بأكملها لم ينته، ولا يزال مبكرا جدا الانتقال إلى مرحلة تصفية الحسابات الداخلية، كما يريد الروس والنظام منا، حتى يدمّروا كل ما أنتجه الكفاح المشترك للثائرين من رصيد معنوي وتفاهم وثقة بالنفس، ويقضوا على أي احتمالٍ لتشكيل معارضة ديمقراطية قوية في المستقبل، وينجحوا في مشروعهم الهزيل لإعادة ترتيب أوراق النظام الهالك، وتأهيله من جديد، قبل السعي إلى إقناع الدول المتردّدة بالمشاركة في إعادة الإعمار وتقاسم الغنائم والمنافع في ما بينها. وهي تحتاج اليوم أكثر من أي فترة سابقة لتشويه صورة الثورة والمعارضة، ولذريعة انعدام البديل.
لن ننجح في إعادة بناء معارضة ديمقراطية قوية ومتماسكة ومتضامنة، من دون مراجعة عميقة ومؤلمة لتجربتنا السابقة. هذا أمر لا ينبغي تجاهله، وهو يشكل، في نظري، أولوية، والمدخل لأي إعادة إعمار سياسي ومعنوي مطلوب، وسابق على أي إعمار مادي. ولا يمكن أن ننجح في القيام بهذه المراجعة، إذا أسسناها على الأهواء وروح الغل والانتقام من الأشخاص، مهما كانت أخطاؤهم بل خطاياهم كبيرة وفاقعة. بالعكس، ذلك يهدّدنا بأن لا نرى من جبل الجليد إلا قمته الظاهرة، ونهرب، في البحث عن الحل، إلى آلية اختلاق أكباش الفداء التقليدية والعتيقة، بدل أن نجتهد لندخل في عمق المشكلات التي يطرحها الواقع الموضوعي، وننجح في فهمها وتحليلها ومعالجتها. في هذه المراجعة، أقل ما يفيدنا هو الرهان على مشاعرنا الشخصية تجاه الآخرين، والاستسلام باسم الصراحة للتعبير عن مشاعر الكراهية، وتغذية الأحقاد الشخصية. باختصار، لا تستدعي المراجعة تهشيم الأفراد والكشف عن مثالبهم. واختلاق القصص والروايات لتشويه سمعتهم أو الحكم عليهم، وإدانتهم على الشبهة، وإنما التحقق من الأخطاء التي ارتكبوها في أفعالهم وممارساتهم، والتدقيق فيها ومعرفة أسبابها، إذا ما كانت راجعةً إلى عوامل شخصية أو موضوعية، وإذا ما كان مرتكبها فعل ذلك خدمةً لمصالح شخصية، على حساب المصلحة العامة، أو لسوء تقدير وجهل بالمسائل، أو لنقص في الخبرة السياسية. ولا يكفي في ذلك النقل عن فلان أو فلان، أو الأخذ بمقالاتٍ أو منشوراتٍ ذاتية، غالبا ما يكون الغرض منها تصفية حسابات شخصية.
غياب الشعور بالمسؤولية عند كثيرين ممن عمل في صفوفها، وتغليبهم الأهواء الشخصية على التفكير في التحدّيات العملية، كانا السبب الأول في فشل المعارضة السورية، فلا تجعلوا من غياب الشعور بالمسؤولية في نقد تجربة السوريين الفذّة في الثورة والمعارضة سببا في قتل روح المقاومة والصمود التي نحن أكثر ما نحتاج إليها اليوم، للوقوف على أقدامنا والاستمرار في مقارعة الهمجية. من حق أي سوري وعربي أن يسأل ويستفهم، ويتحقق من الوقائع والأحداث، لكن لا أن يكيل الاتهامات والشتائم المسبقة، ويقرّر وحده، وبمعاييره الخاصة، من دون دلائل ولا براهين، في تقييم جهد الآخرين ومعنى أعمالهم. وفي المقابل، من واجب الذين احتلوا مواقع المسؤولية أن يوضحوا للجمهور برامجهم، وخططهم، وحيثيات اختياراتهم، ومغزى أفعالهم ودوافعها، حتى تسود الشفافية ونرتقي بمستوى المساءلة والمحاسبة إلى حد أدنى من الموضوعية. لقد أظهرت المعارضة السورية، أعني قياداتها، السياسية والعسكرية، فشلا كبيرا، وبالكاد تستحق هذه التسمية أصلا، لأنها ولدت جميعا في الحراك الثوري تقريبا، أو ركبت عليه، ولا تملك أكثرها أي خبرةٍ أو معرفةٍ نظرية أو عملية. لكن هذا لا يعني أن كل من احتل منصبا في قيادة المعارضة كان فاسدا.
لا ينبغي أن نسمح لأهوائنا، ولا لغضبنا المشروع، أن يشوّش على هدفنا النبيل، ويشوّه غاية نضال شعبنا الذي فقد الكثير، وضحّى بكل شيء لتغيير الواقع المر والبربري الذي يعيشه. ولنحذر من أن نصب الماء في طواحين أعدائنا. لو بذلنا واحدا بالمائة من الجهد الذي كرّسناه داخل المعارضة، لتشويه صورة كلٍّ منا للآخر وإفشاله، في الاجتهاد لتفهم عمل بعضنا بعضا، والتفاهم بيننا، ونزع فتيل المشاحنة والبغضاء والشك والكراهية المتبادلة، ما كنا وصلنا إلى ما نحن عليه. ولو قبل الآخرون الذين وقفوا ضد الثورة والمعارضة، تكريس النسبة نفسها من جهدهم لملاقاة شعبهم والتفاهم معه، ما كان أصابهم والبلاد ما أصابها من كارثة. ليس هناك مرشد أسوأ من الاستسلام لمشاعر الضغينة والكراهية في تفتيت وحدة الشعوب، وتقويض مصيرها ومستقبلها.
يخطئ من يعتقد أن الأسد ربح الحرب. نهاية الحرب التي اتخذ وحده قرار شنّها على الشعب لحرمانه من حقوقه وحرياته، لن تفتح آمامه آفاقا جديدة، ولن تكتب له مستقبلا ثانيا، كما يتصوّر بعض الحمقى من أنصاره، بالعكس، إنها تحرّر الشعب من قيوده ومخاوفه، بعد أن حرّره عنف النظام الأعمى من أوهامه. سيجد النظام نفسه من جديد، ودفعة واحدة، أمام الخيار الصعب الذي شنّ الحرب لتجنب مواجهته: حقوق الشعب وحرياته. لذلك لا يجد النظام مخرجا آخر للهرب من استحقاقات الوضع الجديد سوى السعي إلى الاستيطان في الحرب وتأبيدها، وهو يُراهن في ذلك على "داعش" وحلفائه الإيرانيين الذين علقوا مصيرهم بمصيره. وسوف يبحث باستمرار عن الذرائع الجديدة التي يحتاجها، يوما بعد يوم، ليدخل المجتمع السوري في دوامة الصراعات الداخلية، على الهوية والجنسية والتوازنات الطائفية والديمغرافية، وعلى حقوق الملكية العقارية والحقوق الفردية والجماعية والبحث عن لقمة العيش والمأوى والملبس. وهذا هو المغزى العميق لجميع القرارات والمراسيم التي يسنّها في الوقت الحاضر. لكنه لم يعد وحدَه، لم يعد قيصر زمانه. الفارق الوحيد أنه خرج من الحرب التي دمر فيها "بلده" وقتل "شعبه" عاريا من دون أقنعة ولا أصباغ: عصابة قتل فحسب، وما من سوري إلا لديه دين عليه، ويتطلع إلى قصاصه.
أبقوا هدف التغيير ومواجهة نظام الجريمة والحقد دائما أمامكم ومرشدكم، ولا تعتقدوا أن المعركة انتهت، وأن النظام انتصر ولم يبق إلا أن نفتح دفاتر الحسابات، وننقل المعركة إلى داخل صفوفنا. لم يكن النظام في أي فترة سابقة أكثر إشرافا على الهلاك مما هو عليه اليوم، ولم يعد لديه، ولا لدى حماته الروس، الكثير مما يمكن أن يفعلوه من أجل التمديد في أجله. لن يستمر ويمد في عمره إلا إذا قرّرنا نحن بالفعل ذلك، ونقلنا المعركة إلى داخل صفوفنا، وهشّمنا بعضنا بعضا، وشوّهنا صورة كل من عارض أو شارك في المعارضة، بدل أن نركّز الجهد على إعادة بناء صفوفنا للاستمرار في مواجهته، فلن تكون نتيجة ذلك إلا تيئيس الشعب وتكفيره بأي مقاومة قائمة أو قادمة. هذه هي أيضا مسؤولية من يريد الانتقاد والإصلاح، حتى لا يقتل المريض بدل المساعدة على شفائه.
لا يُقاس نجاح أية عملية عسكرية بمدى تحقيقها لأهدافها الميدانية، وإنما في قدرة هذه العملية على فرض معادلات جديدة في العلاقات بين الطرفين المتصارعين.
من هذا المبدأ يمكن النظر إلى الهجوم الإسرائيلي في 17 من أيلول/سبتمبر الجاري على اللاذقية، وما سببه من إسقاط النظام السوري بالخطأ لطائرة "إيل 20" الروسية.
في المعايير الاستراتيجية تعتبر العملية العسكرية الإسرائيلية ليست فاشلة بالمطلق فحسب، بل أدت أيضا إلى انعكاسات سلبية كبيرة على إسرائيل، انعكاسات من شأنها أن تغير قواعد اللعبة أو قواعد الاشتباك فوق الأجواء السورية.
اجراءات استراتيجية
لم يكن رد الفعل الروسي معادلا للخطأ الذي أدى إلى إسقاط الطائرة "إيل 20"، وقد بدا واضحا أن موسكو لم يكن لها أن تُفوِّت هذه الفرصة دون استغلالها استراتيجيا.
في البداية قال بوتين: إن الحادث الأخير نجم عن سلسلة ظروف مأساوية عرضية، بعدها وصل إلى موسكو قائد سلاح الطيران الإسرائيلي عميكام نوركين، وغادر موسكو بانطباع بأن المشكلة قد حُلّت.
لكن بعد ستة أيام من الحادثة، بدأ موقف موسكو يتغير بقوة مع الكشف عن خلاصة التحقيق الذي أجرته وزارة الدفاع الروسية، ووصل الأمر إلى إعلان موسكو عن القيام بثلاث خطوات كبيرة سيكون لها تداعيات على الأطراف الثلاثة (النظام السوري، إيران، إسرائيل):
ـ تزويد النظام السوري بمنظومة صواريخ إس 300.
ـ تجهيز المراكز القيادية لقوات الدفاع الجوي التابعة للنظام بمنظومة تحكم ومراقبة مركزية.
ـ إطلاق تقنيات التشويش الكهرومغناطيسي لمنع عمل الرادارات واتصالات الأقمار الاصطناعية والطائرات.
تمتاز صواريخ إس 300 بمداها الواسع الذي يصل إلى 150 كلم وبدقتها العالية وقدرتها على الاشتباك مع أي هدف جوي، وقادرة على التعامل مع الجيل الرابع من الطائرات الأمريكية.
وليس معروفا إلى الآن هل ستكون هذه المنظومات تحت تصرف النظام بشكل مباشر أم تحت إشراف روسي، وما هي الحدود التي يستطيع فيها النظام استخدام هذه الصواريخ؟
رسالة لإسرائيل
من الواضح أن تسليم هذه المنظومات لدمشق لا يهدف كما قال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إلى "حماية العسكريين الروس"، فلو كان الأمر على هذا النحو لسُلمت المنظومات للقيادة الروسية في سوريا كما هو حال صواريخ إس 400 المتواجدة في قاعدة حميميم.
الهدف من تسليم المنظومات إلى دمشق منع إسرائيل من توجيه ضربات مستقبلية ضد قواعد النظام العسكرية، وبحسب صحيفة "يديعوت أحرنوت" نقلا عن مصادر أمنية إسرائيلية، أرسلت روسيا رسالة قاطعة للحكومة الإسرائيلية قبيل حادثة الطائرة بأيام، تفيد أن مهاجمة إسرائيل لأهداف سورية تتعارض ومصلحتها في توطيد حكم الأسد.
وعليه، فإن تسليم المنظومات الصاروخية للنظام يسمح له بالرد على الهجمات الإسرائيلية من دون جر روسيا إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
وفي ما يتعلق بتجهيز قوات الدفاع الجوي بمنظومة تحكم ومراقبة مركزية، وإطلاق تقنيات التشويش الكهرومغناطيسي، فإن هذه الخطوات ستدفع إسرائيل إلى تغيير طريقة عملياتها في الأجواء السورية، في ضوء قدرة موسكو الكبيرة بحسب مراقبين إسرائيليين في استخدام الحروب الإلكترونية لإعاقة عمل سلاح الجو الإسرائيلي.
تفاهم ثلاثي
ومع أن إسرائيل تعمل مع الولايات المتحدة على منع وصول هذه الصواريخ إلى النظام السوري، عبر صفقة أو تفاهم ثلاثي بين هذه الأطراف يتعلق بمجمل الملف السوري، إلا أن التصريحات الإسرائيلية توحي بأن حكومة نتنياهو قد لا تمانع من تسليم دمشق هذه الصواريخ إذا ربط عملها بقواعد متفق عليها، ويبدو تصريح نتنياهو ذا مغزى؛ "تسليم صواريخ إس 300 إلى أيدي غير مسؤولة يهدد أمن المنطقة".
بالمقابل، تصب التصريحات الروسية في هذا الإطار، على الرغم من القرارات الروسية الكبيرة، فقد أعلن الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن موسكو لا ترغب في خصام دائم مع إسرائيل، وأعلن نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف أن تزويد دمشق بصواريخ إس 300 لن يفسد العلاقة بين روسيا وإسرائيل.
تشكل هذه التطورات انتصارا كبيرا للدبلوماسية الروسية، صحيح أن موسكو لن تدفع الأمور إلى حد منع الطيران الإسرائيلي من شن هجمات في الأجواء السورية، لكنها بالمقابل ستضع قواعد جديدة للاشتباك من شأنها أن تقيد حركة إسرائيل، مع السماح لها بتنفيذ هجمات ضد إيران في حال تجاوزها للخطوط الحمر الإسرائيلية.
الخطوات الروسية لا تقتصر على البعد الإسرائيلي فقط، وإنما تتعداه إلى إيران، فهذه الصفقة ستعيد النظام السوري إلى الحضن الروسي بعدما حاول النظام مؤخرا الانفتاح عسكريا على إيران وإبرام اتفاقيات عسكرية واسعة، من شأنها أن تؤثر بالسلب على القدرة الاستراتيجية الروسية في سوريا، خصوصا أن إيران تشكل عائقا أمام تحقيق روسيا لرؤيتها النهائية في سوريا.
في التاسع من آب (أغسطس) الماضي قامت طائرتان تابعتان للجيش النظامي السوري برمي مناشير فوق محافظة إدلب، تدعو السكان إلى التعاون مع القوات المسلحة لأن الحرب قد انتهت لمصلحة النظام!
ولكي تدلل قيادة الجيش على أهمية الوفاق بين العسكريين والمدنيين، حرصت على رمي منشور يتضمن صورة امرأة سورية وهي تقبل جندياً في طريقه إلى الجبهة.
الاستعدادات العسكرية التي تعمّد بشار الأسد إظهارها كانت بتشجيع من موسكو التي توقعت أن يحسم طيرانها مصير آخر معقل يحتمي فيه سبعون ألف مقاتل ينتمون الى اثني عشر فصيلاً. ولما حذرت الأمم المتحدة من وقوع حمام دم في إدلب، تدخل الرئيس رجب طيب أردوغان مع فلاديمير بوتين بهدف تأجيل ساعة الصفر خوفاً من تدفق اللاجئين الجدد. علماً أن تركيا تستوعب أكثر من مليونين ونصف المليون لاجئ سوري، فرضت عليهم الحرب الهرب من حلب والمدن المجاورة.
يجزم المراقبون بأن ساعة الصفر تأجلت إلى موعد آخر، ربما يقع بين العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل والخامس عشر منه. والسبب أن بوتين يصرّ على الجماعات التي يصنفها إرهابية بمغادرة منطقة النزاع بمَن فيها «هيئة تحرير الشام» المرتبطة سابقاً بـ «القاعدة».
وتساءل قادتها عن المصير الذي ينتظره المقاتلون بعد تجريدهم من الأسلحة الثقيلة والخفيفة. وتعهدت أنقرة بحل مشكلتهم مع الأسد بواسطة الروس، بحيث يتم صهرهم من جديد داخل المجتمع السوري.
قام بالاطلاع على أحوال الجبهة هذا الأسبوع عدد قليل من المراسلين الذين سُمِح لهم بتصوير أرتال الدبابات والمصفحات المتجهة نحو إدلب. وتُعتَبر هذه المحافظة آخر موقع يلجأ اليه المعارضون لنظام بشار الأسد. ولقد أعرب المراسلون في مقالاتهم عن تخوفهم من حدوث مجزرة في حال حشد الروس والايرانيون كل إمكاناتهم الحربية لدحر المتمردين.
وحدث أثناء زيارة بوتين قاعدتي طرطوس وحميميم (كانون الأول/ ديسمبر - 2017) أن أعلن أمام الحضور مشاركة 48 ألف عسكري في عمليات استمرت منذ سنة 2015. وعدّد في خطابه بعض المهام التي يفتخر بها، كقوله: إن طيّارينا قاموا بـ 34 ألف طلعة، وقصفوا 166 منشأة تابعة للإرهابيين.
وتكلم من بعده وزير الخارجية سيرغي لافروف، الذي طالب بضرورة مغادرة القوات الاميركية سورية، لأن وجودها لم يتم بدعوة من الرئيس الشرعي بشار الأسد.
السبب المباشر الذي أعطى بوتين شرعية التدخل في الشأن السوري كان طلب الإنقاذ الذي حمله معه بشار الأسد الى موسكو. واستقبله بوتين في الكرملين بحضور القيادتين السياسية والعسكرية لاعتقاده أن الزيارة المفاجئة تحمل سبباً وجيهاً وخطيراً. ومن دون مقدمات المجاملة، اعترف الرئيس السوري أنه في مأزق سياسي لا يُحسَد عليه. واعترف أن الجيش السوري المنهك لم يعد بمقدوره الصمود أمام هجمات القوى المعارضة. خصوصاً بعدما أسعفتها الولايات المتحدة بأسلحة متطورة أجبرت قوة الدعم الايرانية على التراجع. ثم تبيّن لاحقاً أن طهران هي التي نصحت الأسد بضرورة الاستنجاد بالدب الروسي بعد سلسلة انسحابات لم يبقَ بعدها أكثر من أربعين في المئة من الأراضي تحت سيادة النظام.
بعد مغادرة الأسد، اجتمع بوتين بجنرالات القيادة المركزية وطلب منهم وضع القوات في وضع الاستنفار الدائم، براً وبحراً وجواً.
أجمع المعلقون الروس في حينه على أن بوتين كان جاهزاً لتلبية طلب الإنقاذ لدولة وقفت إلى جانب موسكو مدة نصف قرن تقريباً. وبسبب هذه الخلفية، أعفى زعيم الكرملين سورية من كل ديونها القديمة مع الاتحاد السوفياتي، أثناء زيارة بشار الأسد لموسكو في ربيع 2011. وقد مثلت تلك الديون أثمان مشتريات سورية من الأسلحة التي احتاجتها بعد حرب 1973.
يعترف بوتين في أحاديثه الصحافية بأن الانتفاضة ضد الرئيس الليبي معمر القذافي وما رافقها من تطورات كانت سبباً مهماً من أسباب دعمه النظام السوري. وهو يتذكر أن دول الحلف الأطلسي، وفي مقدمهم الولايات المتحدة، طلبت منه عدم استخدام الفيتو في مجلس الأمن، وذلك بهدف المساعدة على إجراء مصالحة وطنية. وتجاوباً مع هذه الحجة، أمر سفيره في الأمم المتحدة الوقوف على الحياد في مجلس الأمن. وكان من نتيجة ذلك الموقف تسابق الدول الغربية على ضرب تحصينات القذافي وقواعد نظامه، الأمر الذي شجع المتمردين على الإجهاز عليه، وهو في طريقه إلى الهرب. وكان من نتائج تقويض نظام القذافي أن استغلت التيارات الإسلامية تلك الفرصة لبيع ترسانات الجيش الليبي وتفكيك وحدة البلاد، ومنح «القاعدة» فرصة للنمو والتمدد في البلدان المجاورة مثل تشاد والنيجر ومالي والسودان.
محلل صحيفة «لو موند» الفرنسية رأى في خيبة أمل بوتين من التحايل الغربي سبباً لمنع الولايات المتحدة من احتكار الحلول لمعاناة الشعوب العربية التي كانت تمر في مرحلة تغيير سُميت «الربيع العربي».
وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» في حينه أن الرئيس الأميركي باراك أوباما كان يراهن على سقوط الأنظمة العربية في أحضان الغرب، خصوصاً الدول التي خبرت حكم الاشتراكيات واليسار. ولكن تطور الأحداث لم يصب لصالح الغرب كما توهم أوباما، وإنما انزلقت المنطقة كلها نحو هوة الانهيار الكامل.
القرار الذي اتخذه بوتين بشأن انقاذ نظام بشار الأسد كان يصب في مصلحة علاقات بلاده مع الدول العربية. وكان له مصلحة استثنائية في إظهار وقوفه الى جانب الأسد، خلافاً للرئيس اوباما الذي تخلى عن الرئيس المصري حسني مبارك.
والثابت أن بوتين ظل محافظاً على هذا الخط السياسي بالرغم من انتقال الرئاسة الأميركية الى رئيس صدامي هو دونالد ترامب. ويبدو أن صاحب شعار «اميركا أولاً» قد اعترف هو الآخر بأهمية الدور الذي يؤديه بوتين في الشرق الأوسط.
وبناء على هذا الاعتراف فقد ناشدت سفيرة اميركا في الأمم المتحدة نيكي هيلي الرئيس بوتين عدم التهور في عملية اجتياح إدلب. وقالت إنها تتوجه في طلبها الى الذي يملك النفوذ المطلوب للتأثير على مجرى الأحداث.
وكانت موسكو قد حركت 26 بارجة حربية، و36 طائرة الى الساحل السوري. كل هذا بهدف حسم مصير الملجأ الأخير للمعارضة المسلحة. وتقضي خطة التسوية بوجوب محاكاة الحل في الشيشان. أي فرض اتفاقية تهدئة بين النظام والمعارضة.
تفادياً لوقوع مجزرة يصعب تقدير عواقبها على الروس والإيرانيين والأتراك، قدم رجب طيب أردوغان اقتراحاً إلى بوتين وجد فيه مخرجاً للحل النهائي المؤجل. ويقضي الاقتراح بتحويل منطقة خفض التصعيد الى منطقة استقرار مؤقتة منزوعة السلاح بعمق 15-20 كيلومتراً شمال سورية. وفي العاشر من الشهر المقبل تباشر الدولتان الكفيلتان -روسيا وتركيا- في جمع السلاح الثقيل من فصائل المعارضة. وقد تسلمت الأمم المتحدة في نيويورك نسخة عن الاتفاق.
خلال فترة التهدئة والانتظار في إدلب، عكرت أجواء اللاذقية حادثة إسقاط طائرة روسية (ايل -20) ومقتل خمسة عشر جندياً كانوا على متنها.
الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف اتهم القوات الجوية الإسرائيلية بكامل المسؤولية عن إسقاط الطائرة. وعلى الفور أرسل بنيامين نتنياهو قائد سلاح الجو الإسرائيلي اللواء عميكام نوركين الى موسكو، ليجتمع بقائد سلاح الجو الروسي سيرغي سوروفيكين ويقدم له الاعتذار عن خطأ غير مقصود. وإدعى أثناء مراجعة الحادثة أن الغارة كانت موجهة لتدمير مخازن إيرانية أثناء نقل شحنة صواريخ إلى «حزب الله». وكان بهذا العرض يريد أن يقول إن الغارة تمت ضمن حدود الاتفاق مع روسيا.
لذلك اتصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالرئيس بوتين قبل سفره الى نيويورك لحضور جلسات الجمعية العامة وأعرب عن أسفه لخطأ غير مقصود. ومع أن المكالمة ظلت سراً من الأسرار، ولكنه -بحسب صحيفة «كومسومولسكايا - برافدا» حذره الرئيس الروسي من عواقب تقييد حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في سورية.
ومع أن نتانياهو وعد بوتين بأن هذا الحادث لن يتكرر، وأن التنسيق مع موسكو سيظل ساري المفعول، إلا أن قرار تزويد الجيش النظامي السوري بصواريخ «اس -300»، سيلغي تلقائياً قرار الرئيس الروسي السماح لإسرائيل بأن تدافع عن أمنها ولو على حساب الأمن السوري.
يخطئ من يظن أن الاتفاق الأخير الموقع بين روسيا وتركيا في "سوتشي" بشأن إدلب، قد أنهى حلم النظام في السيطرة على الشمال السوري، فالمطلع على بنود الاتفاق الموقع يجد أن الشمال السوري أصبح في خطر أكبر من السابق فالدول الغربية تراقب بشكل محموم تنفيذ بنود هذا الاتفاق وتستعجل في تطبيقه لإنهاء الحرب الدائرة في سوريا، وإنهاء معاناة الشعب السوري كما يدعون.
تدخل الثورة السورية عامها الثامن دون أي بصيص للأمل في انفراج الوضع الحالي ومع مرور الأيام يزداد الخناق بشكل أكبر على هذه المنطقة حيث أعلنت البارحة كل من بريطانيا والولايات المتحدة عن إيقاف المساعدات المقدمة عن طريق منظماتها بالدخول من معبر باب الهوى الشريان الأساسي للشمال السوري، وتحويل هذه الدعم للدخول باتجاه منطقة باب السلامة في مدينة إعزاز وللعلم فإن هذا القرار لم يكن وليد اللحظة بل كان يخطط له منذ عدة أشهر وذلك عقب سيطرة تحرير الشام على معبر باب الهوى وفرض سيطرتها على مناطق من الشمال السوري.
"تحرير الشام" لمصنفة على قوائم الإرهاب دولياً، لم تكن يوما تنظر إلى الشعب السوري أكثر من مجرد رعاع وعوام تقوم بتحريكهم وفق ما تريد، لتحقيق مصالحها وأجنداتها، غلبت مراراً منهجها على حساب دماء وتضحيات هذا الشعب وحرفت البندقة لقتل فصائل الثورة واعتقال نشطائها في سجونها، وتملكت القطاع المدني معتبرة نفسها الوصي الوحيد على هذا الشعب.
وإضافة للتضييق والاعتقالات، لايخفى ماقامت به من عمليات اغتيال وتصفية وخطف، هذا عدا عن التضييق الممارس حتى اليوم على المنظمات الإنسانية والتي تفرض علي كل من يعمل لتقديم المساعدة للمدنيين حصة خاصة بها كأتاوة، ولأنها تسيطر على معبر باب الهوى تم تصنيف واردات المعبر أنها تذهب لتمويل جماعات متطرفة ويجب تجفيف منابع الإرهاب كما يسميها البعض.
قد تعلو العديد من الأصوات اليوم لتقول أن المعبر هو معبر مدني ومستقل وبعيد عن العسكرة متجاهلا الخلايا الأمنية التي تنتشر بكثافة ضمن المعبر ومتجاهلا أيضا مكتب المتابعة التابع لتحرير الشام والذي يتبع بشكل غير مباشر لمكتب المنظمات في الهيئة والذي يصادر بنسب تتراوح بين 20% و40% من واردات المنظمات الى الداخل السوري والذي يديره قيادي من تحرير الشام يدعى "أبو عبد العزيز" مع العلم أن هذا الشخص تم ارساله الى تركيا عبر بطاقة تاجر ليفتتح أعمال تجارية هناك ويقوم بإدارة الأمور المالية لتحرير الشام ومراقبة المنظمات التابعة لهم والمنظمات الأخرى كما تم تجنيد العديد من مدراء المنظمات في الداخل السوري لصالح تحرير الشام لتنفيذ المهمات المطلوبة منهم.
وفي مقام آخر يعمل البعض على تسويق "حكومة الإنقاذ" (الذراع المدني لتحرير الشام) على أنها منفصلة بشكل كامل عن الهيئة متناسين العديد من الشخصيات التي تتبع لتحرير الشام حيث يوجد لكل مسؤول في وزارات الإنقاذ موظف أو عنصر تابع لتحرير الشام لمراقبة القرارات التي يتم اتخاذها وفي مقدمتهم "محمد الشيخ" رئيس الحكومة السابق والذي لا يستطيع توقيع أي قرار دون وجود ورقة معلقة خلف القرار بالقبول والرفض من أحد قياديي تحرير الشام (محمد الأحمد أبو طه) والذي يشغل منصب وزير الاقتصاد بالحكومة وسيضم اليه قريبا وزارة الزراعة وغيرهم كثر كالمدعو أبو أسامة 30 والذي يشغل منصبا وزاريا في حكومة الإنقاذ (وزارة الإدارة المحلية) وهو من القادة العسكريين لهيئة تحرير الشام والذي هدد في إحدى المرات أن من يمتنع عن تسديد الضرائب من المدنيين سيتم اعتقاله من قبل تحرير الشام.
والبعض الآخر يقول أن تحرير الشام ليس لها أي تدخل في أي نشاط مدني وعملها يقتصر على الجبهات العسكرية ونقول لهؤلاء كلامهم صحيح فهم متواجدين على جبهات التنقيب عن الاثار وجبهات بيع المعامل وسرقات المخيمات الحدودية وجبهات الاغتيالات والخطف والاتاوات وما بيع أحد المعامل في ريف حلب من قبل قيادي في تحرير الشام ببعيد.
سيتشدق الكثيرين بمقولة أن |إنهاء تحرير الشام هو إنهاء للثورة السورية والجواب هنا هل خروجنا في عام 2011 كان برعاية النصرة او تحرير الشام ... ؟، وهل كانت قيادات تحرير الشام تقود المظاهرات والحراك السلمي ...؟، وفي الطرف الآخر هل من انسحب من مناطق ريف حلب وريف إدلب ومناطق شرق السكة ومدينة حلب هم الشعب أم تحرير الشام ....؟
وهل لاحظ الجميع أن أغلب الانسحابات والخروج بالباصات كانت تحرير الشام في مقدمة المنسحبين والخارجين فمن لا يعلم فعليه بالسؤال أكثر.
أخيرا وبعد إيقاف المساعدات الأمريكية والبريطانية من الدخول من باب الهوى هل تجرؤ تحرير الشام أن تصدر بيانات على عدم تدخلها بالحياة المدنية وإنها منفصلة عنه بشكل كامل ولحكومة الإنقاذ هل تستطيعين تبرئة نفسك بالأدلة الدامغة عن عدم تبعيتك لتحرير الشام وان معبر باب الهوى مستقل عن العسكرة ويقاد من قبلكم ... ؟
الأيام تمضي كدقائق مسرعة والسرطان الذي ينهش المناطق المحررة يجب أن ينتهي بشكل عاجل وليعلم الشعب السوري في المناطق المحررة إن لم ينهي هذا الورم الخبيث والدخيل على جسد الثورة السورية فسيستأصل من أمم الأرض كافة كما استأصل مع الشعب في مناطق أخرى ولنا في الرقة والموصل مثال ليس ببعيد.
سيبقى حادث إسقاط الطائرة الروسية، في السابع من شهر سبتمبر/ أيلول الحالي، يلقي بظلاله على الوضع في سورية إلى وقت طويل، كونه كشف عن جملةٍ من الأوراق التي تلعبها أطراف النزاع، وهي تتبادل المصالح في هذا البلد المنكوب. وجرى التركيز، على مدار أسبوع، على التجاذب الروسي الإسرائيلي حول مسؤولية تل أبيب عن إسقاط طائرة الاستطلاع الروسية التي أصابها صاروخ روسي، أطلقته الدفاعات الجوية السورية باتجاه طائراتٍ حربية إسرائيلية، كانت تقصف أهدافا عسكرية قرب اللاذقية، وانهمكت الأطراف في مآلات التنسيق بين موسكو وتل أبيب في سورية ومستقبله، وهو التنسيق الذي بدأ عمليا بعد فترة قصيرة من التدخل العسكري الروسي لنجدة نظام بشار الأسد الذي كان يتهاوى، ولم تعد إيران قادرةً على إيقافه على قدميه، وتبين أن هذا المعطى دخل في صلب اتفاقات روسيا وإسرائيل، وقبلت به دمشق وطهران.
وتكشّف، أخيرا، بما لا يقبل التأويل أو الشك، أن التفاهم الأساسي بين إسرائيل وروسيا يقوم على قاعدة أن توافق تل أبيب على تدخل روسيا لنجدة الأسد، في مقابل موافقة روسيا على استمرار إسرائيل في الغارات على أهداف عسكرية داخل سورية، تعود، في الدرجة الأولى، لإيران وحزب الله، وخصوصا مخازن وشحنات الأسلحة التي ينقلها حزب الله من سورية إلى لبنان.
كانت إسرائيل، في عام 2015، الطرف الإقليمي الأكثر قوة من بين أطراف المعادلة السورية، ويتضح اليوم أنها كانت قادرة على فرض شروطها على بقية الأطراف. ويتبين، بمفعول رجعي، أنها قايضت ورقة بقاء الأسد بامتيازات ومصالح كثيرة داخل سورية. وفي هذه المعادلة، ما يهمّ روسيا هو بقاء الأسد الحارس لمصالحها. وما يعني إسرائيل هو ضرب النفوذ الإيراني في سورية. ويظهر من ذلك أن موسكو وتل أبيب على قدر كبير من التفاهم الذي بات راسخا، على الرغم من الخضّات، بما في ذلك إسقاط طائرة التجسّس الروسية قرب اللاذقية، في حين أن موسكو وطهران لا تتمتعان بالسوّية نفسها من التفاهم الذي يبقى معرّضا لمساومات روسيا التي باتت تتحكم بالقدر الأكبر من الأوراق السورية.
كشفت عملية إسقاط الطائرة أن التنسيق بين إسرائيل وروسيا يتم بدقة كبيرة منذ عام 2015، وفي كل مرة كانت إسرائيل تريد ضرب أهداف داخل سورية، كان عليها فقط أن تُعلم الجانب الروسي من خلال الخط الساخن. وفي حادثة الطائرة أخيرا جرى تضليل الروس، حسب ما جاء في التقرير النهائي، وورد فيه أن إسرائيل أعطتهم إشعارا بأنها سوف تضرب في الجنوب، لكنها ضربت في الشمال، عدا عن أنها استخدمت الطائرة الروسية للتشويش، ولم يأخذ الروس بهذه الرواية، الأمر الذي يثير الشكوك حول تفاصيل وخفايا لا يريد الطرفان الكشف عنها في الوقت الراهن، وقد يتكشّف، ذات يوم، أن مشكلة إسرائيل هي طائرة التجسّس الروسية نفسها.
اللافت في هذه الأزمة هو غياب طرفي النظام السوري وإيران والمليشيات التي تقاتل معه. وعلى الرغم من أن الحديث يجري بصراحة عن تفاهم إسرائيلي روسي لضرب الأهداف الإيرانية داخل سورية، فإنه لم يصدر أي موقف إيراني أو من طرف حزب الله الذي أكد، أكثر من مرة، وجود غرفة عمليات مشتركة في حميميم. والسؤال اليوم، هل تكتفي طهران بهذا القدر من الغنيمة السورية، وهي التي استثمرت غاليا في هذا البلد؟
يبدو أن ما حققته طهران من التفاهم مع موسكو حتى الآن هو بقاء الأسد في الحكم، وهذا ما تضمنه روسيا عن طريق التفاهم مع إسرائيل، وبذلك يصبح الأسد قاسما مشتركا بين أطراف صراع المصالح في سورية، وهذا ما يجعل من بقائه رهينة مصالح الخارج.
قرار موسكو تزويد دمشق منظومة «أس 300» للدفاع الجوي، كأنه للوهلة الأولى يطوي صفحة تفجير العرض العسكري الإيراني في الأهواز، لكن القضيتين مطروحتان معاً بأخطارهما المحتملة المضافة إلى أزمات الشرق الأوسط الدموية.
الولايات المتحدة وإسرائيل تدركان تبعات تعزيز الدفاعات الجوية السورية نوعياً، لكن واشنطن أوضحت رد فعلها على الحدث: أن الجيش الأميركي سيبقى في قاعدة التنف وشمال شرقي سورية حتى انسحاب القوات الإيرانية ومؤيديها المسلحين إلى الداخل الإيراني. لم تقل أن جيشها سيبقى حتى انسحاب الجيش الروسي من سورية. ويبدو أن الأمر متفق عليه بين القوتين العظميين، وفي إمكان إسرائيل أن تضرب أي مكان في سورية، عدا منطقة الساحل التي أصبحت منذ إسقاط الطائرة «إيل 20» بمثابة جزء من السيادة الروسية، فتساهم بدورها في مهمة الفصل بين إيران وسورية (ولبنان بالطبع) التي يتولاها الجيش الأميركي. هكذا تبدو أخطار «أس 300» محتملة، لأن موسكو لن تقطع خيوط التفاهمات مع إسرائيل في ما يتعلق بأمنها وصيانة حدودها من الجانبين السوري واللبناني (بالتبعية).
هنا يبرز التهديد الإيراني في المشهد، على رغم اللهجة الهادئة للقيادي علي شمخاني الذي صرح عقب تفجير الأهواز بأن بلاده «تحتاج حواراً بناءً لتفادي التوترات مع جيرانها»، هدوء ترافق مع كلام عالي النبرة من المرشد وآخرين، من باب تأكيد العظمة التي تعرضت لشرخ تخشى طهران أن لا تستطيع استيعابه فيما هي غارقة في مشاكل المحيط. وأخشى ما يخشاه حكام طهران اليوم أن يعتاد الشعب على الخروق الأمنية ويعتبرها أمراً واقعاً، فتنضم إيران إلى غيرها من دول الشرق الأوسط، خصوصاً جارتيها العراق وسورية، وتهبط من علياء الامبراطورية التي نسبتها إلى نفسها ومارست تبعاتها، في الجانب العسكري طبعاً لا في الجانب الحضاري.
وتشكل خطب التهديد والوعيد نوعاً من العهد يقدمه الحاكمون إلى الشعب، وبذلك يصبحون أسرى خطبهم هذه، ولا يستطيعون التخفّف منها إلا بعمليات عسكرية خارج الحدود، عمليات لا تقدم حلاً بقدر ما تعرّض النظام الإيراني إلى الغرق مباشرة في بحر المنطقة المتلاطم، بعدما كلف بهذه المهمة الخطرة أذرعاً تستنزفه مالياً لا بشرياً. ولا بد أن أحداً ما في الجسم القيادي الإيراني الذي يتنافس في الحماسة، يتنبه إلى دروس التاريخ القريب والمتوسط، فالرئيس العراقي صدام حسين «عالج» مشكلات حكمه الاقتصادية وغير الاقتصادية باحتلال الكويت، وكان ذلك العلاج الدموي سبباً مباشراً لسقوط حكمه وانهيار العراق لاحقاً. وفي ثلاثينات القرن الماضي رأى أدولف هتلر أن ألمانيا محرومة من خيرات الاستعمار خارج أوروبا، وأن فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا وغيرها تتقدم اقتصادياً على وطنه المتميز حضارياً وعلمياً، بل الأفضل عرقياً، بحسب نظريته النازية الطاردة للآخر. و «اضطر» هتلر إلى إشغال الحرب العالمية الثانية بهدف الاستيلاء على أوروبا وتطبيق نظريته بالعنف المسلح، وكان ما كان من خسائر طاولت أوروبا والعالم.
هل «تضطر» إيران إلى الحرب بذريعة تفجيرات الأهواز، وبذرائع غير مباشرة كالتدهور الاقتصادي والفشل في تصدير الثورة؟ سؤال مطروح لأن إيران تحولت من دولة إلى ثورة فإلى مشكلة لها وللقريب والبعيد، تتفاقم حين يقوى النظام ولا تتراجع إذا ضعف، ذلك أن ما ينسب حكام طهران إلى أنفسهم من رسالة دينية- عسكرية- سياسية، وقومية في جانبها المستتر، يرتب مهمات خطرة على المواطن الإيراني ومواطني الدول المجاورة. وهذا الذي تكرره طهران، أو يخشى أن تكرره، سبق أن تورطت فيه أنظمة شمولية ألحقت الأذى بشعوبها وبشعوب قريبة وبعيدة.
لا يرغب عاقل من الإيرانيين وجيرانهم في رؤية جيش المرشد موجهاً آلته العسكرية ضد هذا البلد أو ذاك في المنطقة. لكن حكام طهران أمام مأزق صعب: أن يصمتوا ويستوعبوا تفجيرات الأهواز فيفقدوا بعضاً من هيبتهم في الداخل والخارج، أو يعمدوا إلى عدوان تحت شعار الثأر فيتأكد للإيرانيين والعالم أن النظام يصدّر مشكلاته الداخلية في حرب إقليمية.
هذا المأزق يتطلب حكمة صعبة المنال، وتقديراً واقعياً لأحجام الدول والشعوب يؤدي إلى تبادل الاحترام والمنفعة، لا إلى طموحات قاتلة.
كانت البشرية تخشى وقوع كارثة إنسانية كبرى في إدلب، وكان الموعد المتوقع لبدء هجوم يشارك فيه نظام الأسد وروسيا وإيران هو شهر سبتمبر الحالي، ليعلن النظام انتصاراً كاسحاً، وليعاقب الشعب السوري الثائر ضده، وبخاصة أولئك الذين رفضوا الاستسلام له تحت لافتة (المصالحات) وفضلوا التهجير القسري إلى إدلب، التي تجمّع فيها مئات الآلاف من المعارضين العسكريين والمدنيين، وقد أجل النظام موعد تصفيتهم حتى ينتهي من الغوطة وريف حمص وحوران، وقد بدأ الإعداد لاجتياح إدلب في شهر يوليو الماضي، وكان ذلك إيذاناً بمواجهة عسكرية تحتاج إلى تدخل روسي وإيراني كبير لأن النظام بقواه العسكرية المنهكة لا يستطيع الاقتراب من إدلب في حرب مواجهة، لكنه يعتمد على سياسة الأرض المحروقة التي اعتمدها الروس في إسقاط كل المناطق التي عاد إليها النظام منتصراً بفضل همجية القصف الجوي.
ولم تظهر حماسة إيران لاقتحام إدلب في قمة طهران التي عقدت في السابع من سبتمبر الحالي، فالإيرانيون يعرفون أن الروس سيشاركون بالصواريخ والطائرات فقط، وأن عليهم هم أن يواجهوا في الحرب البرية، وهم يدركون أنها لن تكون حرباً سهلة، وهم يعرفون أن حجم قوات النظام لا يكفي للسيطرة على الأرض التي تضاهي مساحة لبنان. والروس يدركون أن حرب إدلب ستكون مكلفة جداً في عدد الضحايا من المدنيين، فالقصف الجوي لا يفرق بين مدني وعسكري، ولا بين معتدل وإرهابي، ويبدو أن الروس وهم يقتربون من نهاية الحرب في سوريا يريدون الخروج منها منتصرين على الإرهاب لتسويغ دخولهم، وليس على أشلاء مئات الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ من المدنيين، بحيث تبقى أيديهم تقطر دماً في ذاكرة البشرية، وأمامهم خصوم يتربصون، وللأسف لم يكن حجم الضحايا المتوقع هو مصدر الحذر الدولي، بمقدار ما كان الخوف من مواجهة موجات نزوح وهجرة جديدة عبر تركيا إلى أوروبا، ولم يكن مستبعداً أن يصل عدد الهاربين من الموت إلى أكثر من مليوني إنسان، زيادة على ملايين السوريين الذين هربوا في سنوات الجمر السابقة، وكانت تركيا بوصفها المنفذ الوحيد جغرافياً مضطرة بأن تسمح للملايين أن يعبروا أرضها وأن تفتح لهم منافذ الهجرة حيث يشاؤون، ولن تكون الأمم المتحدة قادرة على مواجهة هذا العبء الضخم، لذلك جاء اتفاق سوتشي حلاً إنقاذياً، ويبدو أن روسيا قبلت به لتفادي هذه التداعيات، ولاسيما أن الولايات المتحدة خرجت من حالة التخلي السابقة، وبدأت تطلق التصريحات النارية التي تحذر من استخدام الكيماوي ومن الإضرار بالمدنيين، وأيدها موقف دولي.
لقد جاء الاتفاق حسب رؤية تركية وموافقة روسية، وصمت إيراني، معلناً العزم على إقامة منطقة آمنة (طالما دعت إليها تركيا لحل مشكلة ملايين اللاجئين السوريين في أراضيها) ولنزع السلاح الثقيل في المنطقة، وإيجاد طرق ممكنة لإنهاء وجود التنظيمات الإرهابية، وكان أهم ما في الاتفاق أنه يعيد لبيان جنيف والقرارات الدولية حضوراً قانونياً كان يختفي عبر المراوغات التي مكنت النظام من التهرب من أي استحقاق سياسي.
وأهم ما في هذا الاتفاق أنه يجعل إيران خارج مشهد الحسم السياسي النهائي في جنيف، ويتعامل مع الداعين لتقسيم سوريا معاملته مع الإرهابيين، ويحمّل المجتمع الشعبي المحلي مسؤوليات ملء الفراغ السياسي والإداري.
إن الضامن الوحيد لنجاح هذه الاتفاقية هو الجدية في التوجه إلى الحل النهائي، والذي نصر على أن يتم عبر تنفيذ دقيق لتراتبية القرار 2254، حيث يكون البدء بتنفيذ البنود الفوق - تفاوضية وأهمها إطلاق فوري لسراح المعتقلين، وتشكيل هيئة حكم انتقالي تقوم بتشكيل حكومة تشاركية، وتضع إعلاناً دستورياً، وتشكل جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد، وتؤسس لمجلس عسكري مشترك، وتعيد هيكلة الجيش وأجهزة الأمن، وتبدأ مرحلة العدالة الانتقالية وتدعو لانتخابات برلمانية ثم رئاسية، ولذلك أعتقد أن البدء بالدستور وبعده الانتخابات بقيادة النظام نفسه ستكون ملهاة مأساوية جديدة، واستدامة للصراع، وليس علاجاً ناجحاً أن يغلق المعالج جرحاً على ما فيه من عفن.
زودت روسيا النظام السوري بصواريخ “أس–300” أم لم تزوده بمثل هذه الصواريخ… ليست تلك المسألة. هذا عائد إلى أن مشكلة روسيا في سوريا تكمن في مكان آخر لا علاقة له بالأسلحة والصواريخ، أيّا يكن نوعها ومداها وقدراتها وفعاليتها.
يمثل ردّ الفعل الروسي على إسقاط طائرة نقل روسية بصاروخ سوري استثمارا في عملية لا أفق لها. اسم هذه العملية الفاشلة من أساسها هو إنقاذ النظام السوري الذي على رأسه بشّار الأسد.
ما يكشفه القرار الروسي في شأن شبكة الصواريخ الذي أعلن عنه وزير الدفاع سيرغي شويغو، ورافقه اتصال من الرئيس فلاديمير بوتين ببشّار الأسد، يؤكّد أن روسيا مصرّة على السير في الطريق الخطأ وتعميق أزمتها السورية. تفعل ذلك بدل الذهاب مباشرة إلى لبّ المشكلة. لبّ المشكلة أن النظام السوري ليس قابلا للحياة بأي شكل، لا لشيء سوى لأنّ لا شرعية لديه في الأصل. إنّه نظام منبثق من انقلاب عسكري في الثامن من آذار – مارس 1963، انتهى شيئا فشيئا إلى نظام أقلّوي في عهد حافظ الأسد تمهيدا للوصول إلى نظام حكم العائلة في عهد بشّار الأسد بالتعاون الكامل والتنسيق مع النظام القائم في إيران. من لديه أدنى شكّ في العلاقة العضوية بين النظام السوري وملالي إيران يستطيع العودة إلى ما ورد قبل أيّام في مطالعة الادعاء العام للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي. كشفت تلك المطالعة مدى عمق العلاقة بين دمشق وطهران في كلّ ما له علاقة بعملية الإعداد لاغتيال رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005 وتنفيذ هذه العملية بواسطة أداة إيرانية.
لم يعد سرّا أنّ إسرائيل تسببت بطريقة غير مباشرة في إسقاط الطائرة الروسية من طراز “اليوشن- 20” قبالة شاطئ اللاذقية، ما أدّى إلى مقتل ركابها وهم عسكريون. أغارت طائرات إسرائيلية على مواقع في الساحل السوري من دون إعطاء ما يكفي من الوقت للجانب الروسي كي يبعد الطائرة إلى منطقة آمنة. يشكل ذلك من دون شكّ استخفافا إسرائيليا بالتنسيق مع روسيا في كلّ ما له علاقة بقصف مواقع تعتبرها إسرائيل أهدافا يحقّ لها ضربها في عمق الأراضي السورية كلّها.
هناك، إذا، اعتراف من روسيا بحقّ إسرائيل في مهاجمة أهداف في سوريا، لكنّ إسرائيل خرقت قوانين اللعبة والاتفاقات مع موسكو، ربّما عن قصد أو عن غير قصد. لم يكن أمام روسيا سوى الإقدام على ردّ فعل، أقلّه إنقاذا لماء الوجه. الأكيد أن صواريخ “أس- 300” ستساعد في ذلك، أقلّه في المدى القصير. سيخدم ردّ الفعل السلطات الروسية في استعادة هيبتها في الداخل. وهذا شيء في غاية الأهمّية بالنسبة إلى بوتين الذي عرف كيف يثير لدى المواطن الروسي مشاعر عميقة كامنة في نفسه مرتبطة، أولا وأخيرا، بالشعور بأن الأمة الروسية أمة عظيمة يجب أن تأخذ مكانها الطبيعي على الصعيد العالمي. أكثر من ذلك، أعاد بوتين للمواطن الروسي شعورا بأن بلده عاد دولة عظمى، على غرار ما كانت عليه الحال أيّام الاتحاد السوفياتي.
ليس هناك ما يمكن فعله لإعادة توحيد سوريا وبقاء البلد تحت سيطرة عائلة حاكمة تديره كما لو أنها تشكّل مجلس إدارة لشركة قابضة تتصرّف بالأرواح والممتلكات والثروات… وتصدّر الإرهاب إلى جيرانها.
حسنا، خدم ردّ الفعل الروسي الهدف المطلوب في المدى القصير، لكنّه لا يعني أن روسيا وجدت لنفسها حلا في سوريا حيث تريد أن تتحكّم بكل خيوط اللعبة. قبل كلّ شيء، سيتوجب على روسيا الإجابة عن سؤال يعتمد في الدرجة الأولى على رد الفعل الأميركي. هل تستطيع ضمان خروج إيران عسكريا من سوريا أم لا؟ إذا كانت الولايات المتحدة مصممة على ذلك، يتبيّن كلّ يوم أن روسيا غير قادرة على تنفيذ المطلوب منها إسرائيليا وأميركيا. في النهاية، لا تستطيع روسيا تبرير عجزها بالرهان على حصان خاسر هو النظام السوري. هذا النظام انتهى مثله مثل نظام ألمانيا الشرقية أو بلغاريا أو هنغاريا أو بولندا أو تشيكوسلوفاكيا… أو رومانيا نيقولاي تشاوشيسكو.
بات معروفا أنّ سوريا التي عرفناها لم تعد موجودة. ليس هناك ما يمكن فعله لإعادة توحيد سوريا وبقاء البلد تحت سيطرة عائلة حاكمة تديره كما لو أنها تشكّل مجلس إدارة لشركة قابضة تتصرّف بالأرواح والممتلكات والثروات… وتصدّر الإرهاب إلى جيرانها.
من الطبيعي أن تعمل روسيا من أجل استعادة هيبتها ولكن ما هو طبيعي أكثر سعيها إلى الخروج من أزمتها السورية عبر ولوج بوابة الحل الذي قد يستغرق وقتا طويلا. لعلّ الخطوة الأولى في هذا المجال تتمثل في الاقتناع بأنّ النظام القائم لا مستقبل له، وأنّ الحلّ يمر حتما في الخروج الإيراني من سوريا. كلما كان هذا الخروج باكرا، كلّما صار البحث عن حل سياسي أكثر سهولة. لا مفر من أن تشارك في الحل المنشود أطراف عدّة في مقدّمها الولايات المتحدة التي يبدو أنّها مصرّة على البقاء في منطقة شرق الفرات، كما أنّها مصرّة على تلبية كلّ ما تطلبه إسرائيل منها، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بمنطقة الجنوب السوري وتهريب الأسلحة الإيرانية إلى داخل البلد.
إذا كان الإعلان من موسكو عن تزويد النظام السوري بمنظومة دفاعية جديدة أدّى غرضه روسيا، لا مفرّ من الذهاب إلى أبعد من ذلك، أي إلى الأسئلة المحرجة من نوع ماذا إذا تابعت إسرائيل قصف مواقع وأهداف في سياق حربها على الوجود الإيراني في سوريا. هل يمكن لروسيا الدخول في مواجهة معها، في وقت تعرف تماما أن اللوبي الإسرائيلي في موسكو قويّ جدا وأن اللوبي الروسي في إسرائيل لا يقلّ عنه قوة؟
لنترك الجانب المتعلّق بإسرائيل جانبا. هناك واقع لا يمكن الهرب منه. هذا الواقع مرتبط بإعادة إعمار سوريا في يوم من الأيام. من أكثر النكات الصادرة عن وليد المعلّم، وزير الخارجية لدى النظام السوري، ظرافة قوله في أثناء زيارته الأخيرة لموسكو إن دمشق ستكافئ روسيا عن طريق إعطائها كل مشاريع إعادة الإعمار. قد يكون ما قاله المعلّم صحيحا لو كانت روسيا تمتلك ما تستثمره في سوريا في مشاريع إعادة إعمار. لذلك ليس كلام المعلّم أكثر من نكتة تندرج في إطار البيع المتبادل للأوهام. النظام السوري يبيع روسيا وعودا، وروسيا تبيع النظام صواريخ مضادة للطائرات لن تقدّم ولن تؤخر في ظلّ الهوة الضخمة بين التكنولوجيا الأميركية والتكنولوجيا الروسية.
باختصار، باتت الخطوة الأولى، في حال كانت روسيا، مع إسرائيل وأميركا، تريد بالفعل وقف عملية التفتيت المبرمجة للبلد، تُختزل في البحث عن نظام جديد. نظام يكون بعيدا كلّ البعد عن النظام الحالي الذي قدّم كل ما يستطيع تقديمه، وفعل كلّ ما يجب فعله من أجل حماية نفسه. بدأ ذلك بتسليم الجولان إلى إسرائيل في 1967 وانتهى باعتباره قضيّة منسيّة السنة 2018…
إسقاط طائرة «إيليوشن 20» الروسية في أجواء اللاذقية قد يكون أكثر خطورة مما يبدو، أقلّه في ضوء التعثّر الذي يمرّ به الدور الروسي في سورية. فهو حدث مختلف عن إسقاط تركيا «السوخوي 24» أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 وأدّى لاحقاً إلى نشوء «علاقة استراتيجية» آخذة بالنمو والتطوّر بين موسكو وأنقرة. وهو مختلف أيضاً عن إسقاط «السوخوي 25» فوق إدلب أوائل شباط (فبراير) هذه السنة، وهذه عملية نُسبت إلى «فصيل معارض» يُعتقد أنه «هيئة تحرير الشام» ولم تتكرّر، لكن تلتها هجمات كثيفة بالطائرات المسيّرة على قاعدة حميميم وقد ردّ الروس عليها بعشرات الغارات الجويّة لكنهم اعتبروها أحد أهمّ الدوافع لاجتياح إدلب، وتشكّل الآن أبرز أهداف الاتفاق الأخير بين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان. ولا شك في أن مقتل خمسة عشر عسكرياً روسياً في «إيليوشن 20»، بعد ساعات قليلة على إعلان هذا الاتفاق في سوتشي، أطلق موجة تخمينات تراوحت بين غضب النظامَين السوري والإيراني على إلغاء/ تأجيل معركة إدلب وبين استياء إسرائيلي من «الترقية» الإقليمية التي تمنحها روسيا للنفوذ التركي.
عندما لخّص بوتين الحادث الأخير بـ «سلسلة ظروف مأسوية عَرَضية» كان على الأرجح حريصاً أولاً على إبلاغ الداخل الروسي بأن العسكريين القتلى لم يسقطوا في مواجهة حربية ولا في اعتداء مدبّر. وبما أن وزارة الدفاع الروسية سارعت إلى إلقاء المسؤولية على إسرائيل وردّت الأخيرة باتهام دفاعات النظام السوري، فقد اختلط الأمر وبدا كأن ثمة رأيَين في الكرملين، واحدٌ أقرب إلى إسرائيل والآخر إلى دمشق. غير أن التحقيق الذي بدأ مع مسؤولي الدفاع الجوي في منطقة الساحل السوري واستُكمل مع وفد سلاح الجو الإسرائيلي، بعد انتشال الطائرة من مياه المتوسط، لم يكتفِ بفرضية المصادفة المؤسفة بل ركّز على معلومات مضلّلة وسوء تصرّف من الجانب الإسرائيلي أدّيا إلى وقوع الطائرة في مرمى «النيران الصديقة».
بعد مرور أكثر من أسبوع وإعلان نتائج التحقيق، تبدو موسكو أكثر ميلاً إلى التعامل مع الحادث بإدخال تعديلات على استراتيجيتها في سورية لتعويض الإخفاقات في رهاناتها على الولايات المتحدة. يُشار هنا إلى أن التوافق الأكثر صلابة بين الرئيسين الأميركي والروسي في هلسنكي كان يتعلّق بأمرَين: «أمن إسرائيل» وهو ما التزمته موسكو على الدوام، و «إخراج إيران من سورية» لكن من دون التزام روسي واضح، لأن الجانب الأميركي لم يقدّم عرضاً متكاملاً، أي أن بوتين لم يتعرّف إلى «ثمن إخراج إيران». لذلك، قد تعتبر موسكو أن إسرائيل حققت أهدافها الأمنية في سورية، وأن إسقاط الطائرة ولو بصواريخ الدفاعات السورية فرصة لضبطها وفرملة العمل بـ «تفاهمات» بوتين - نتانياهو التي مكّنت الإسرائيليين من شنّ مئات الغارات على مواقع إيرانية. وإذ بدا أن هناك تجميداً للنشاطات الإسرائيلية أكّده الروس بإغلاق المجالَين البحري والجوي بحجة إجراء مناورات بالصواريخ كانوا أجروها فعلاً قبل أسبوع، فإن بنيامين نتانياهو وأفيغدور ليبرمان دأبا على تأكيد أن إسرائيل لن تتوقّف عن استهداف الوجود الإيراني في سورية.
في سياق الكشف عن خلاصة التحقيق، يوم الأحد 23/09، قالت موسكو أن كل القوات الإيرانية وتلك التي تدعمها «انسحبت إلى مسافة 140 كيلومتراً بعيداً من الجولان»، ما يعطي أماناً كافياً لإسرائيل. كان التطرق إلى تموقع الإيرانيين غاب عن الإعلام منذ قيل أن إسرائيل رفضت عرضاً بانسحابهم إلى مئة كيلومتر، لذلك انطوى الإعلان الأخير على دلالات عدة، منها: 1) أن موسكو ضغطت على إيران وانتزعت منها اتفاقاً لإرضاء إسرائيل، لكن أيّاً من الدول الثلاث لم يعلن عن ذلك سابقاً. 2) أن التزام روسيا «أمن إسرائيل» كان مبرّراً مبدئياً للسماح لها بضرب الإيرانيين لكن إبعاد هؤلاء من الجولان وتمركز فرق من الشرطة الروسية مع قوات النظام السوري فيه أزالا احتمالات أي احتكاك إسرائيلي - إيراني. 3) إن الخطأ الذي ارتكبه الإسرائيليون لن يكون ثمنه أقلّ من مراجعة العلاقة العسكرية بين الجانبين ووضع قواعد جديدة صارمة للتنسيق بينهما، أي أن «حرية التحرك» التي تمتّع بها الإسرائيليون لن تعود كما كانت. 4) إن موسكو عبّرت عملياً، بتأكيدها انسحاب الإيرانيين وأتباعهم من الجولان، عن كونها غير معنيّة بسعي إسرائيل (أو أميركا) إلى منع «التموضع» الإيراني في سورية ولا باستخدام الإيرانيين الأراضي السورية لتمرير أسلحة إلى «حزب الله» في لبنان إذ قال الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية أن إيران أكدت خلال المشاورات معها أن «لا نيات عدوانية لديها تجاه إسرائيل».
تُظهر مصطلحات، مثل «الرد الجاحد» على كل ما فعلته روسيا لإسرائيل، و «الاستهتار الإجرامي» و «المعلومات المضلّلة» و «نزعة المغامرة»، إلى أن العلاقة بين القيادتين العسكريتين تأثرت في العمق. يُستدلّ على ذلك أيضاً من ردود الفعل الإسرائيلية التي انتقد بعضٌ منها بشدّة محاولات إلقاء اللوم على النظام السوري أو إيران، واستنتج بعضٌ آخر أن إيران خرجت مستفيدة من الخلاف غير المتوقّع مع موسكو لأن تقنين الهجمات سيعفي نشاطات نقل الأسلحة والبرامج الإيرانية من أي مباغتات قاتلة أحياناً. هكذا، فجأة، تبدّلت التقديرات السابقة بأن العلاقة الروسية - الإسرائيلية «استراتيجية»، وأن بوتين قد يكون أراد هذه العلاقة لإقامة «توازن» مع الوجود الإيراني وتحسّباً لأخطار انهيار التعايش غير المريح بين الجانبين الروسي والإيراني، خصوصاً أن الأخير ما كان ليرضخ لمشروعات إخراجه من سورية حتى لو دعمها الروس. فمع اعتراف النظامين السوري والإيراني بالمكاسب التي مكّنتهما روسيا منها إلا أنهما متشبثان بتحالفهما، سواء لارتباط مصيرهما أو لشعورهما بأن روسيا قد تغدر بهما إذا عرضت عليها صفقة مجدية، ويتردّد في الحلقات الضيّقة أن لديهما خططاً لـ «مقاومة» حالٍ كهذه.
ساد الاعتقاد لفترة أن ما تنجزه إسرائيل في سورية يشكّل «مصلحة مشتركة» لها ولروسيا - كذلك للولايات المتحدة - فكلّما أضعفت الإيرانيين وتجنّبت تهديد نظام بشار الأسد أشعرت روسيا بأنها تخفّف عنها أعباء ستفرض ذاتها لاحقاً حين تشارف على إنهاء الأزمة السورية. وبمعزل عن الحاجة إلى الإيرانيين وأتباعهم في القتال البرّي، لمس الروس سلبيات دور إيران وتحالفها مع الأسد في الحدّ من نجاحهم في توجهاتهم الثلاثة: إنهاء الحرب في جانبها العسكري، وصوغ أي حل يتضمّن شيئاً من الانتقال السياسي، واجتذاب الحكومات الغربية للمساهمة في تمويل إعادة الإعمار، إذ تربط إيران أي تسهيلات في سورية (واستطراداً في العراق ولبنان واليمن...) بضمان مسبق لنفوذها ومصالحها الإقليمية، وإذا لم يتحقّق ذلك فإنها ستواصل استراتيجية الحروب الدائمة. ولا تستطيع روسيا وحدها، والأرجح أنها لا تريد، توفير هذا الضمان على المدى الطويل.
كان واضحاً في الإجراءات «الانتقامية» كما وصفها وزير الدفاع الروسي أنها اهتمّت أولاً وأخيراً بسلامة العسكريين الروس، ولذا رمت جانباً مطالبات إسرائيلية دائمة وملحّة بعدم تزويد قوات النظام السوري صواريخ «إس 300»، لكن الأهم أنها قرّرت استخدام التشويش لمنع أي هجمات إسرائيلية على مواقع إيرانية طالما أنها أصبحت بعيدة ولم يعد هناك مبرّر أمني لضربها. تلك خسارة فادحة لإسرائيل، لا تحدّ من طموحاتها وتدخلاتها فحسب بل تعطّل صراعها المفتوح مع إيران، وأي صيغة جديدة لمعاودة التعاون مع روسيا لن تعيد «شهر العسل» مع موسكو إلى ما كان عليه. وتشكل الإجراءات الروسية أيضاً رسالة موجهة إلى الولايات المتحدة، فهذه كانت تدعم الضربات الإسرائيلية المنسّقة مع روسيا باستراتيجية «إخراج إيران من سورية» لكن ها هو بوتين يبلغها الآن أولاً أنه لا يأخذ بهذه الاستراتيجية ما لم تكن جزءاً من صفقة متكاملة، وثانياً أنه لا يستطيع تمرير الخطأ الإسرائيلي من دون عقاب، وثالثاً أن نهج العقوبات المعمّمة كما تنتهجه إدارة دونالد ترامب يدفعه إلى العمل مع القوى الإقليمية المستعدّة للتعاون معه.
تشكّل إدلب لحظة تحدٍّ حقيقية، ليس للفريق الذي يريد استهدافها وحسب، وإنما أيضاً للمعارضة السورية التي عليها اجتراح أسلوب إدارة خلاق، للاستفادة من الزخم الذي وفره الحراك الشعبي الكبير، بعد خروج المظاهرات الحاشدة، واعتبرها كثيرون بمثابة تصويتٍ لصالح الثورة في مواجهة دعاية روسيا، وتابعها بشار الأسد، من أن المدنيين مختطفون في إدلب، وأن الناس ملّت الثورة، وتريد عودة نظام الأسد.
اعتادت المعارضة، أخيرا، الاكتفاء بالبكاء والتفجّع، وهي تشاهد شريط النكبة السورية، من سقوط للمناطق بيد نظام الأسد إلى عمليات التقتيل الرهيبة، وليس انتهاءً بمشهد الحافلات الخضر. وأزعم أن المعارضة، وخصوصا السياسية، استسهلت هذا الأمر، بل وتآلفت معه إلى حد ما، وربما كان صعباً في بدايته، عند سقوط حلب، لكنه تاليا أصبح سلساً، ويمكن التعامل معه عبر تغريدةٍ، أو بيانٍ يشجُب ويندّد.
التحدي الذي تطرحه إدلب اليوم على المعارضة هو جعلها نقطة انطلاقٍ نحو بداية جديدة، بدلا من أن تكون نهايةً للثورة على نظام الأسد، على ما بدأ العالم يهيئ نفسه له، وراحت المعارضة الخارجية تجهّز نفسها للتعامل مع هذا القدر الذي لا رادّ له، وبالتالي لم تعد تهتم سوى للحديث عن الدستور، وجولات دي ميستورا وتصريحاته.
في التقييم الواقعي، يتوجب التفريق بين السقف العالي لطموحات المتظاهرين الذين طالبوا بإسقاط النظام وتعديل مسار العملية السياسية بالكامل وما يمكن تحقيقه بالفعل، لكن هذا يعد مؤشّراً على مدى فهم الجماهير اللعبة السياسية القائمة على رفع سقف التفاوض إلى درجة عالية، للحصول على نتائج مقبولة، وإبراز جدّية البيئة الحاضنة للثورة على تحدّي تهديدات الخصم واستعدادها للصمود في مواجهته.
وفي التقييم الواقعي أيضاً، استفادت إدلب من جغرافيتها الملاصقة لتركيا، وأن أمنها مرتبط بدرجة كبيرة بالأمن القومي التركي. ولهذا السبب، جنّدت أنقرة مواردها الدبلوماسية والعسكرية والإعلامية، لتفنيد ذرائع الهجوم الذي كانت تعد له روسيا لسحق الثورة في إدلب، واستطاعت، عبر اتفاق سوتشي، تفكيك جبهة القوى المتربّصة بإدلب، ولو إلى حين، كما أنها وفّرت البيئة المناسبة لحلٍّ يضمن حماية إدلب وسكانها، ويمكن تطويره إلى مقاربةٍ للحل السياسي في سورية.
لكن على المعارضة أن تعي أن تركيا، على الرغم من وجاهة حججها في البعد الإنساني لموضوع إدلب، وعلى الرغم من مكانتها لدى روسيا التي تراهن على إخراجها من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلا أن موقفا متماسكا من المعارضة، المدعومة شعبياً، سيشكل عنصر قوة ودعم للموقف التركي، والعكس صحيح، بمعنى أن تقاعس المعارضة وإحباط الشارع الثائر يزيد العبء على تركيا، ويدفعها إلى تقديم تنازلاتٍ ما، وقد آن الأوان للمعارضة، لتدرك أن مسألة توفر البدائل السياسية والإدارية باتت من أهم شروط عملية التغيير السياسي الذي يطالب به السوريون.
تملك المعارضة في إدلب مزايا لم تتوفر لها في مناطق أخرى، يمكن الاستفادة منها لتغيير المعادلة الراهنة في سورية، والقائمة على استسلام المعارضة بدون شرط أو قيد، واستعادة سلطة الأسد على جميع المناطق السورية. تستطيع إدلب بالفعل كسر هذه المعادلة، ودفع روسيا إلى مقاربةٍ جديدة، أقل جوْراً بحق السوريين، وتنطوي على أملٍ بتحقيق بعض أهداف الثورة.
في إدلب مجتمع مدني حقيقي، على الرغم من محاولات جبهة النصرة، وبعض الفصائل، تهميش هذه الحقيقة، وقمع تمظهرات هذا المجتمع، إلا أنه ناضل بقوّة في سبيل البقاء، وتراكمت، عبر سنوات الثورة، خبراتٌ هائلةٌ لدى منظمات تطوعية وإغاثية وإعلامية، وصارت تمتلك القدرة على الفعل، وإيصال صوتها إلى الخارج، في حين أن ذلك لم يكن متوفراً في أغلب مناطق الثورة، بعد أن طغى العسكري على المدني، وهجرت الكوادر المدنية، واختفت نهائيا في بعض المناطق.
تستطيع المعارضة الاستفادة من هذا المعطى، عبر إبراز الجانب المدني الذي بات يتخذ بالفعل طابعاً مؤسساتياً، ويلبّي المعايير الدولية في التنظيم والإدارة، وهو على صلةٍ بمنظماتٍ حقوقيةٍ وإغاثية مؤثرة في الغرب، وهذا يمنح المعارضة مساحة جيدة لطرح قضية إدلب بوصفها قضية سورية المصغّرة، والتي تستوجب حلولاً سياسية، وليست عسكرية، وإجبار روسيا على هذا المسار، ولو بعد طول مناورةٍ وتهرّب منها.
وليس الأمر مستحيلا، على ما يحاول المحبَطون ( بفتح الباء) إشاعته، فمن لديه عينان ويقرأ المشهد الدولي جيداً، يكتشف إمكانية تحقّق ذلك، فليس خافياً أنه باتت لدى روسيا، على أبواب إدلب، حساباتٌ معقدة، تختلف عنها في الفترة السابقة، فهي تريد الفوز بحل سياسي يشرعن وجودها ويقبله الغرب، ذلك أن روسيا وجدت نفسها أمام بلدٍ محطّمٍ لا يمكنها الاستفادة من نصرٍ قد تحقّقه على جثة سورية، وما لم تستطع إقناع الغرب والدول العربية بالمساهمة في إعادة الإعمار، تتحول الفرص إلى تحدّيات، وستصبح سورية مقبرةً للحلم الروسي في استعادة المكانة الدولية المفقودة.
معلومٌ أن روسيا تصوّر حربها على إدلب بأنها ضد المنظمات الإرهابية، مهمّشة حقيقة وجود حوالي أربعة ملايين مدني يعيشون حياة طبيعية، وهذا يستوجب من المعارضة استنفارا كاملا لطاقاتها، لتفنيد الرواية الروسية، وإبراز البعد المدني في قضية إدلب، وتحويل إدلب إلى عاصمة جمهورية الثورة السورية بكل معنى الكلمة، وما يتطلبه ذلك من دخول الفعاليات السياسية والإعلامية والأطر المختلفة إلى إدلب واتخاذها مقراً لنشاطها وعملها. لقد مهدت جماهير إدلب الطريق للمعارضة للقيام بخطواتٍ إيجابية لصالح الثورة السورية، والكرة الآن في ملعب المعارضة، فكيف ستكون استجابتها؟
شهدنا خلال قمّة طهران التي عقدت في 7 أيلول/سبتمبر بحضور الدول الضامنة لمرحلة أستانة تطورات تتناقض مع المرحلة نفسها، وتؤثر سلباً على السلام في سوريا، إذ كان قصف القوات الروسية وقوات نظام الأسد لمدينة إدلب قبيل يوم من قمّة طهران واستمرار القصف أثناء عقد القمّة دليلاً على أن الأمور تجري بعكس الأطروحات التي قدّمتها تركيا المعارضة لتنفيذ عملية عسكرية في إدلب.
كانت تركيا تشعر بالقلق تجاه احتمال تشكّل موجة لجوء جديدة ومقتل المدنيين من خلال عملية عسكرية تحت مسمّى مكافحة الإرهاب في إدلب، وهناك نقطة أخرى لفت الرئيس التركي أردوغان الانتباه إليها، وهي الوجود الأمريكي في شرق الفرات، إذ حذّر أردوغان الرأي العام الدولي ودول العالم من خلال هذا التصريح: "إن استغلال أمريكا لانشغال العالم وتركيزه على إدلب، وتواجدها في شرق الفرات على الرغم من انتهاء تهديد داعش في المنطقة، ودعمها لتنظيم إرهابي آخر هو أمر مزعج للغاية، وجميعنا ندرك أن قوة التنظيم الإرهابي الذي دعمته أمريكا بـ 18 ألف شاحنة وثلاثة آلاف طائرة نقل قد ازداد قوةً بنسبة كبيرة عن السابق، وهذا الوضع لا يهدد أمان تركيا فقط، بل يهدد وحدة الأراضي السورية أيضاً، ولذلك يتوجّب علينا توحيد مواقفنا تجاه المسألة".
من جهة أخرى لم تبادر طهران إلى التعاون مع أنقرة بشكل صادق وواضح، وذلك بسبب دعم إيران لنظام الأسد على جميع الأصعدة ودون أي شروط، إضافةً إلى الصراع الإقليمي القائم في المنطقة، وفي هذا السياق كانت إيران تدعم أطروحات الرئيس أردوغان المُقدّمة خلال قمّة طهران والمتعلّقة بشرق الفرات لأنها تناسب مصالحها الشخصية، ولكن في الوقت نفسه كانت تُجازف باستمرار مرحلة أستانة من خلال نقل مضمون قمّة طهران عبر بث مباشر دون أن يكون لباقي أطراف القمّة علم بذلك، وذلك سهّل على وكالات استخبارات الدول التي تهدف لإفساد مرحلة أستانة معرفة الخلافات القائمة بين الدول الضامنة لمرحلة أستانة بدون الحاجة إلى جمع المعلومات والتفاصيل.
من المؤكد أن أمريكا وبعض دول الغرب الأخرى كانت على علم بالمشاكل الموجودة بين روسيا وإيران وتركيا، ولكن أدى عرض إيران لمضمون القمّة عبر بث مباشر إلى مشاهدة العالم بأسره للمجهود الذي يبذله الرئيس أردوغان من أجل حقن الدماء والحفاظ على أرواح ما يُقارب المليون طفل وأربعة ملايين مواطن مدني في إدلب، كما أن تأثير موجة اللجوء الجديدة على دول أوروبا بقدر تأثيرها على تركيا دفع الدول الأوروبية إلى دعم تركيا في هذا الصدد.
أدى قصف روسيا وحليفها نظام الأسد للمناطق الآمنة التي أسستها بنفسها وخصوصاً قصف المدارس الابتدائية، وبالتالي تهديدها لاستمرار السلام القائم في المنطقة إلى تشعّب مفهوم مشروعية مكافحة الإرهاب ولفت ردود فعل الرأي العام الدولي.
وفي سياق آخر استمرت الدبلوماسية التي أظهرتها تركيا خلال قمّة طهران عقب القّمة بشكل ناجح، وتبع ذلك اجتماع ممثلي تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا في ولاية إسطنبول التركية بتاريخ 14 أيلول/سبتمبر 2018 في خصوص مسألة إدلب، وقد أفاد المتحدّث باسم الرئاسة ونائب الأمين العام التركي "ابراهيم كالن" بأن القمّة الرباعية المعقودة في إسطنبول قد تداولت الأحداث الأخيرة في مدينة إدلب السورية، وأضاف إلى ذلك: "هناك اتفاق عام بين أطراف الاجتماع على أن نتائج تنفيذ عملية عسكرية في إدلب ستكون باهظة الثمن وستؤدي إلى تشكّل أزمة إنسانية وموجة لجوء جديدة، وتشير القناعة المشتركة لأطراف الاجتماع إلى ضرورة البحث عن حل سياسي للمسألة بدلاً من الحل العسكري، وكذلك تطابقت الأفكار حول ضرورة دعم مرحلة جنيف القائمة في ظل إدارة الأمم المتحدة، إضافةً إلى دعم مرحلة أستانة في الصدد ذاته".
التقى الرئيس التركي أردوغان بنظيره الروسي بوتين خلال قمّة ثنائية في مدينة سوتشي الروسية بتاريخ 17 أيلول/سبتمبر 2018 لمناقشة نتائج قمّة إسطنبول الرباعية، ويمكن القول إن أردوغان وبالتالي تركيا قد حقّقت انتصاراً ملموساً على الصعيد الدبلوماسي خلال قمّة سوتشي، وكان القرار الأهم المُتّخذ خلال قمّة سوتشي يتمثّل في إقناع أنقرة لموسكو بتأجيل تنفيذ عملية عسكرية روسية في إدلب، وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار في المنطقة حتى وإن كان ذلك لفترة مؤقتة، وذلك بدوره وقف في وجه تشكّل موجة لجوء جديدة، وانطلاقاً من ذلك تم الاتفاق على تشكيل منطقة آمنة ومجرّدة من السلاح تمتد لعمق 15-20 كيلو متر نحو الداخل السوري إلى منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل، ومن المفروض أن يتم سحب الأسلحة الثقيلة مثل الدبابات والصواريخ وقذائف الهاون من المنطقة إلى تاريخ 10 تشرين الأول/أكتوبر، إضافةً إلى حفاظ قوات المعارضة السورية على أماكن تمركزها، ولكن من جهة أخرى سيتم إخراج جميع المجموعات الراديكالية مثل هيئة تحرير الشام من المنطقة، وكذلك تعزيز 12 نقطة مراقبة عسكرية تركية موجودة في المنطقة، وبناء على ذلك سيكون اتفاق سوتشي قد حقّق الأمان في مناطق عمليات درع الفرات وغصن الزيتون مرةً أخرى.
هل اتفقت تركيا مع روسيا في خصوص شرق الفرات؟
لا شك في أن دعوة تركيا للتعاون في الصراع ضد التحالف المؤلف من أمريكا-وحدات الحماية الشعبية-بي كي كي في شرق الفرات والذي يهدد وحدة الأراضي السورية وأمان الدولة التركية يحمل أهمية كبيرة، ويمكن القول إن روسيا وإيران قد استجابت للدعوة التركية بشكل إيجابي، وقد أفاد وزير الخارجية الروسي "لافروف" خلال زيارته للبوسنة والهرسك بأنه لا يتفق مع المزاعم المشيرة إلى أن قوات المعارضة السورية ستستغل اتفاقية سوتشي وتحوّلها إلى فرصة للمبادرة بخطوات قد تشكّل خطراً على وحدة الأراضي السورية، وقد لفت لافروف الانتباه إلى أن بلاده تتفق مع تركيا في خصوص أن الخطر الرئيس الذي يهدد وحدة الأراضي السورية هو الوجود الأمريكي في شرق الفرات، ولكن يجب على تركيا توخّي الحذر وإعادة النظر في دعم هذه المرحلة نظراً إلى أن روسيا قصفت إدلب بالتعاون مع نظام الأسد قبيل قمّة طهران على الرغم من معارضة تركيا لذلك.
الهجوم العسكري الذي استهدف عرضا عسكريا للحرس الثوري في منطقة الأحواز، وأدى إلى مقتل 25 شخصا بينهم 12 جنديا وطفلا واحدا، وإصابة 25 على الأقل. لا يزال الغموض يطال الجهة التي قامت به، فقد كان تنظيم داعش أول من أعلن مسؤوليته، وكذلك أصدرت إحدى المنظمات العربية الداعية لتحرير الأحواز بيانا تبنت فيه العملية، فيما لمح بعض المراقبين أن الهجوم قد يكون من تدبير أطراف داخل السلطة، وغير ذلك من اتهامات طالت هذه الدولة أو تلك، كما ذهبت المواقف الرسمية الإيرانية، ومنها موقف رئيس الجمهورية حسن روحاني، الذي قال إن الولايات المتحدة “البلطجية” والدول الخليجية التي تساندها واشنطن سهلت وقوع الهجوم. وزعم روحاني أن دولة خليجية قدمت الأموال والسلاح والدعم للمهاجمين.
يمكن القول إن العملية العسكرية كشفت عن أول هجوم من نوعه داخل إيران، تم بهذه الطريقة التي تعكس قدرة المهاجمين على تنفيذ عملية بهذا الحجم وبهذه العلنية، وإن كان بعض المراقبين لا يرون بصمات تنظيم داعش على هذه العملية لجهة كونها لم تكن عملية تفجير انتحاري، فإن اللافت أن السلطات الإيرانية لم تكشف عن هوية المهاجمين الأربعة الذين نفذوا الهجوم وسقطوا جميعا قتلى في العملية، واحد منهم بقي على قيد الحياة جريحا، لكن ما لبث أن فارق الحياة أثناء وجوده في المستشفى، حسب ما ورد في وكالة فارس الإيرانية.
إيران التي أكدت من خلال مسؤوليها أنها سترد على الهجوم، تحاشت تسمية أي جهة محددة كطرف مسؤول عن الهجوم ولم تقدم أي دليل على تورط دول أجنبية، وقالت وكالة إيرنا الإيرانية إن طهران استدعت مبعوثيْ المملكة المتحدة وهولندا والدنمارك، واتهمت دولهم بإيواء جماعات إيرانية معارضة. كما لم يسم المرشد علي خامنئي “الدول الإقليمية” التي قال إنها تقف وراء الهجوم المسلح.
الرد الإيراني سيطال من لم تذكرهم بالاسم على الأرجح. الطرف الأكثر تداولا على ألسنة المسؤولين الإيرانيين، هي واشنطن، سماها الرئيس روحاني من دون أن يسمي دولة أخرى وإن قال دول الخليج التي تدعمها واشنطن هي من موّل وسلح. التركيز على اتهام واشنطن ينطوي على محاولة تحييدها كهدف عسكري وأمني، لا على استهداف مصالحها ووجودها العسكري أمام أعين الإيرانيين وفي مدى أسلحة الحرس الثوري الخفيفة كما هو الحال في العراق أو سوريا.
لو كانت إيران سترد على واشنطن عسكريّا لما سمعنا التصريحات الإيرانية الرسمية بهذا الشكل، بل كنّا سمعنا تفجيرا يستهدف موكبا عسكريًا أو قاعدة أميركية، أو غير ذلك من المصالح الأميركية في المنطقة.
“البلطجة الأميركية” كما سماها روحاني، لن يُردَّ عليها إيرانيا إلا بالكلام، ذلك أنّ طهران تدرك أن الإدارة الأميركية الحالية لن تتساهل مع أي مسّ إيراني بمصالح واشنطن في الشرق الأوسط، كما كان حال الإدارة السابقة، لذا حتى تكرار عملية احتجاز بحارة أميركيين من البحرية الأميركية ليس واردا اليوم كما فعل الحرس الثوري خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما، في عملية استعراضية قبل أربع سنوات مع زورق أميركي دخل المياه الإقليمية الإيرانية. القيادة الإيرانية تدرك أن الرد على واشنطن هو ما ينتظره الرئيس دونالد ترامب وإدارته التي تصر على تغيير سلوك إيران كما لم تفعل أي إدارة سابقة.
حتى لو ثبت لدى إيران أن بصمات واشنطن صارخة في هذا الهجوم، فإن الردّ لن يطال القوات الأميركية ولا مصالحها، فالقيادة الإيرانية لم تخرج على سياسة العداء الصوتي لواشنطن، مقابل الالتزام الدقيق بعدم المس بالخطوط الحمراء التي تضعها واشنطن. الشراسة الإيرانية تتركز دائما على الدول العربية، وهذا ما برز بوضوح في السنوات الأخيرة، فالشيطان الأكبر الفعلي لم يعد واشنطن في حسابات قيادات الحرس الثوري، والنزعة الأيديولوجية التي يتسم بها المشروع الإيراني تتركّز على إغراق المنطقة العربية في حروب ونزاعات داخلية، أو في الحدّ الأدنى استسهال التورط فيها من دون أيّ تهيب لسقوط الآلاف من الأبرياء، في مقابل سلوك ينم عن احترام مبالغ فيه للمصالح الإسرائيلية والأميركية، كما هو الحال في سوريا والعراق منذ سنوات وحتى اليوم.
الرد الإيراني على الهجوم “الإرهابي” في الأحواز سيكون ضد من لم تسمّهم طهران بالاسم الصريح. في الدرجة الأولى سيوفر هذا الهجوم مبررا لتشديد القبضة الداخلية ولمزيد من تهميش منطقة الأحواز. طهران تهمش تلك المنطقة منذ سنوات طويلة ويزيد هذا التهميش من الشعور بالقهر لدى أبنائها، خاصة وأنهم يعلمون أنهم يعيشون حيث الثروة النفطية الإيرانية، والقيادة الإيرانية لا تريد الاعتراف بأن سياساتها تجاه الأحواز هي ما يجعل مواطني هذه المنطقة مستعدون للموت في سبيل قتل بعض الجنود الإيرانيين، والأرجح أن عدم كشف هوية منفذي الهجوم من قبل السلطات الإيرانية غايته عدم الإضاءة على الأسباب الداخلية في قراءة الهجوم العسكري.
إيران المقبلة على حزمة جديدة من العقوبات الأميركية تمنعها من تصدير النفط بالدرجة الأولى، ستحاول تسعير المواجهة في الحيز العربي، لكنها تدرك أنّ ما كان مباحًا لها أميركيا في سنوات سابقة لم يعد مباحا اليوم، فضلا عن أنّ “فيلق القدس″ الذي فلق الدول العربية بفالق المذهبية والأيديولوجيا، من دون أن يمس احتلال القدس أو سياسة تهويدها، قد استنزف الاقتصاد الإيراني بعدما ساهم، باعتزاز، في استنزاف الدول العربية القريبة والمحيطة، وهو أنجز المهمة التي لا تمس مصالح واشنطن وإسرائيل، أي المساهمة الفعالة في تدمير دول عربية وفي الاستثمار في تصدعاتها المجتمعية.
الرد الإيراني سيكون بسبب السلوك الحسن و”المهذب” من قبل مسؤوليها تجاه مصالح واشنطن الحيوية، وسيكون حيث لا يمكن لواشنطن أن تعتبره موجها ضدها، أي في مزيد من تشديد القبضة على الداخل الإيراني من جهة، واستخدام أذرعها لتنفيذ هجوم يطال مفاصل عسكرية أو أمنية في دول خليجية من جهة أخرى، وغالبا ما سيكون العمل العسكري -لو حصل- ملتبسا أو قابلاً للتأويل بحيث يتيح الإمكانية لتوجيه الاتهام في أكثر من اتجاه، وداعش تنظيم جاهز وقابل لأن يكون حصان طروادة، كما أظهر سلوكه منذ نشأ وإلى يومنا هذا.