روسيا تسقِط المعارضة من الحل السوري
يحدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نوع الفاعلين العسكريين في سورية، بين وجود شرعي، وآخر غير شرعي، ويواجه خصومه وحلفاءه بآن واحد، بشرعية قواته فيها، النابعة من طلب الحكومة السورية لتدخلها العسكري، ويعتبر النظام السوري أحد الجهتين الوحيدتين إلى جانب الأمم المتحدة، التي تمنح شرعية وجود قوات عسكرية في سورية، وعلى ذلك يحق له تصنيف تلك القوى المشاركة في الحرب السورية، بين قوات شرعية، أو قوات احتلال واعتداء على السيادة السورية.
هذا يعني أن التفاهمات التي عقدتها موسكو مع أي جهة لها وجود عسكري هي من باب التحايل والاحتيال، وليست صاحبة حق ما لم يكن النظام السوري، أو الأمم المتحدة بررت ذلك الوجود بقرار محلي داخلي، كما هو الحال مع روسيا، وإيران، أو بقرار دولي عجزت حتى اللحظة الأمم المتحدة عن تمريره بفعل الفيتو الروسي، الذي حال دون اتخاذ أي قرار لحسم الصراع نحو 12 مرة (من 4 تشرين أول / أكتوبر 2011 وحتى 11 نيسان/ أبريل 2018).
وينطبق وصف «اللاشرعية» حسب التصنيف الروسي، وقبله النظام السوري، على القوات الأميركية بصفتها العسكرية، أو تحت مسمى «المستشارين»، الذين زاد عددهم وفق تصريحات أميركية رسمية يوم الأربعاء (جيمس ماتيس وزير الدفاع: إن عدد الديبلوماسيين الأميركيين في سورية زاد إلى المثلين مع اقتراب هزيمة داعش عسكرياً)، كما ينطبق على القوات الأوروبية والتحالف الدولي، وفي الوقت ذاته، يمكن فهم التصريحات بأنها رسالة تهديد مكشوفة للجيش التركي الذي يصول ويجول داخل الأراضي السورية، قبل وبعد الغطاء الروسي «المقونن» باتفاق سوتشي ( 17 أيلول/ سبتمبر الماضي) حول إدلب.
وضمن هذه التصريحات المتجانسة بين النظام السوري والرئيس الروسي، والتي تأتي كأنها في سياق رد على بيان وزارة الخارجية الأميركية، (2 تشرين الأول /أكتوبر الموقع من السفير جيم جيفري ممثل وزير الخارجية الخاص للتواصل بشأن سورية ونائب مساعد وزير الخارجية والمبعوث الخاص جول رايبون) حول دفع مسار المفاوضات في جنيف لإنهاء الحرب في سورية، ووضع حد لمعاناة السوريين، وبأن الحل لن يكون عسكرياً ، ولا بديل من الحل السياسي، منوهاً في عبارة تهديدية وتحذيرية بآن معاً: «نؤكد بأقوى العبارات أن أولئك الذين يسعون إلى الحل العسكري لن ينجحوا إلا في زيادة احتمال التصعيد الخطير، واتساع نطاق الأزمة داخل المنطقة وخارجها»، وأضاف البيان: «إن المجازر التي ارتكبها النظام السوري تمت بتمكين من روسيا وإيران».
إننا نشهد مرحلة جديدة من خلال التصريحات المتبادلة بين الطرفين الأساسيين في إدارة الصراع (أميركا ترامب، وروسيا بوتين)، الذي قد يمتد إلى خارجها كما نوه البيان، فهل هذا يشمل تركيا، وضمن ذلك يأتي تصريح بوتين الذي لا يستثنيها كقوات غير شرعية موجودة داخل المدن السورية، على رغم إشادته بالاتفاق المنجز بينه وبين نظيره التركي، وهو ما يعني إسقاط أي حق لكيانات المعارضة ومنها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الذي بارك وشرعن دخول القوات التركية إلى سورية، وبالتالي اسقاط المعارضة كطرف شرعي مقابل للنظام في صياغة الحل للصراع في سورية؟
وفي الوقت الذي يعتبر فيه وزير خارجية النظام وليد المعلم أن الاتفاق: «هو خطوة نحو تحرير إدلب»، أي لاستعادة سيطرة النظام السوري على إدلب، يفهم منه أن الاتفاق مرحلة تمهيدية مشابهة تماماً لما مرت فيه اتفاقيات خفض التصعيد في كل من حمص وريف دمشق ودرعا، التي اعتبرها النظام موقتة ومحددة بإطار زمني ينتهي مفعولها مع تسليم «المعارضة» لسلاحها، والتزام مرحلة «التدجين» التي تمت بفعل مسار آستانة، واتفاقيات خفض التصعيد، وانتهت بتحويل فصائل معارضة إلى أجهزة شرطية بقيادة روسية، فهل ما قاله وزير الخارجية يأتي في إطار القياس فعلياً على ما حدث في تلك المناطق منخفضة التصعيد، أم أنه مبني على ما قدمته روسيا من خفايا الاتفاق مع تركيا إلى النظام السوري؟
وهل حديث وزير الدفاع الاميركي من باريس الذي يقول أن الظروف الميدانية تشير الى أن التوصل إلى تسوية سياسية «لا يزال بعيد المنال»، وبنـــاء عليه اخذت الإدارة الأميركية قرارها بالبقاء طويل الأمد في سورية، يعني ضمنياً أننا أمام حالة استعصاء ديبلوماسي مع موسكو بما يتعلق بإقصاء إيران من جهة، وتوزيع حصص إعادة الإعمار التي يمهد لها بوتين كراع مـــطلق اليد فيــها، ما يمكن تفسيره بعدم قبول أميركي للقمة الرباعية التي تجمع روســـيا مع فرنسا وألمانيا في تركيا، والتي كان يفترض أن تعقد في 14 أيلول (سبتمبر) المنصرم، والعودة إلى الحديث عن عقدها هذا الشهر؟
وكيف يمكن للأميركيين التأكد من أن الحل السياسي المأمول هو حل نهائي غير قابل للانهيار، في ظل الوجود العسكري لروسيا الداعمة للنظام، والوجود الاقتصادي المهيمن على سوريا، والذي يتابع توقيع اتفاقياته الاقتصادية الملزمة لسوريا، وآخرها عقد لإنشاء محطة كهرباء في مركز التواجد الروسي في سوريا «اللاذقية» بقيمة 460 مليون دولار، أي أنه حتى عندما تقرر إيران الخضوع للمطالب الدولية بالخروج من سوريا حفاظاً على أمن إسرائيل، وتحقيقاً للشروط الأميركية 12 التي أعلنها الوزير مايك بومبيو في أيار (مايو) من هذا العام، لتوقيع اتفاق نووي جديد بديلاً عن الاتفاق الذي جمع دول الخمسة زائد واحد مع إيران، والذي انسحبت منه في 8 أيار الماضي؟
وبالمحصلة فإن البنك المركزي للإرهاب « النظام إيران» حسب التسمية الأميركية سواء بارك اتفاق إدلب حسب تصريح بوتن (الأربعاء 3/10) أو عارضه، فهو بأذرعه المتطاولة داخل النظام السوري قادر حتى اليوم أن يكون سبباً مباشراً في تعطيل أي حل سياسي شامل، كما تطرحه مجموعة الدول المصغرة بزعامة الولايات المتحدة الأميركية والشراكة العربية - الأوربية، ومتابعة تدخلاته العسكرية والسياسية سواء داخل المنطقة أي سوريا، أو خارجها أي العراق ولبنان واليمن، ما يفسر ما جاء في بيان الخارجية الأميركية، ويضعنا أمام وقائع ما ستتعرض له اللجنة الدستورية -التي تختصر كل كيانات المعارضة سياسياً- بأنه لايزال لديها الوقت الطويل قبل أن تثمر اجتماعاتها -غير المنظورة حتى الآن- عن أي نتيجة واقعية محتملة لتغييرات جوهرية في متن الدستور الحالي تكون هي أداة الإطاحة بالنظام القائم شكلاً ومضموناً، وتوفر أسباب الحياة الآمنة والمواطنة المتساوية لكل السوريين أفراداً وجماعات وعرباً وغيرهم من كل القوميات.