مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢١ سبتمبر ٢٠١٨
كيف سيرد بوتين على عدوان إسرائيل؟

حمّلت وزارة الدفاع الروسية مسؤولية سقوط الطائرة الروسية ومقتل طاقمها إلى إسرائيل، ووصفت ما قامت به إسرائيل بالعمل غير المسؤول، وما دام هذا عملا غير مسؤول، فما هو العمل المسؤول إذن! إنه المتفق عليه، وهو تدمير أسلحة قد تصل إلى يد حزب الله، بمعنى أنه لولا سقوط الطائرة الروسية لكان الأمر عاديا ومسؤولا، ولا مانع من ضرب وتدمير ما تسميه إسرائيل مصانع ومختبرات تصنيع أسلحة في اللاذقية، قد تصل إلى يد حزب الله.

أعرب نتنياهو عن أسفه للحادث وقدم تعزيته، واعتبر أن ما حدث هو مأساة، ولكنه أكد على حقه في محاربة الوجود الإيراني في سوريا ومنعه من التموضع العميق، وقال إن الصواريخ السورية انطلقت بعد دخول الطائرات الإسرائيلية إلى شمال فلسطين، وحمّل المسؤولية لجيش النظام.
إذن كيف يمكن لبوتين أن يرد على العمل غير المسؤول وما هي حساباته؟

لقد حقق بوتين مكاسب كبيرة في سوريا جوّا وبحرا وبرّا، وفرض نفسه قوة عظمى في الشرق الأوسط، بعد استفراد أمريكا في المنطقة لحقبة طويلة، وذلك من خلال تعلّق نظام بشار الأسد فيه بشكل مطلق، فلم يعد قادرا على الاستغناء عنه، وبات من مصلحة بوتين بقاء الوضع القائم، هذا الوضع يسهم الجانب الإسرائيلي في بقائه، فهو يملك قدرة التلاعب في الأوراق والتخريب والتنغيص على بوتين. العلاقة بين إسرائيل وروسيا عميقة أكثر مما يبدو على السطح، وهناك التزام روسي بعدم تعريض أمن إسرائيل لأي خطر كان ومن أي طرف كان، وتلتزم بعدم تزويد أي طرف معاد لإسرائيل بأسلحة نوعية متقدمة، وخصوصاً في مجال الدفاع الجوي. بوتين ينظر إلى إسرائيل كحليف قوي يمكن الاستفادة منه في عدة قنوات، فهو نافذة جيّدة على أمريكا وبعض الدول الأوروبية وحتى العربية، ويفيده في داخل روسيا نفسها، بينما ينظر إلى نظام الأسد كمتذيّل له، عاجز عن الحياة بدونه. هناك مئات آلاف المواطنين في إسرائيل يحملون جنسية مزدوجة روسية وإسرائيلية، ويعيش في فلسطين حوالي مليون إنسان من أصل روسي. اللغة الروسية لها مكانة خاصة ولها حضور رسمي وشعبي، وهي منتشرة في كل شارع ومتجر، وتوجد صحف وقنوات روسية، وهي حاضرة في معظم الإعلانات ونشرات المواقع والمؤسسات.

هناك اتفاقيات تبادل ثقافية روسية إسرائيلية، وما هو مشترك بين هذه الثقافات أكثر بكثير من المشترك بين ثقافة العرب والروس عموما، إضافة للقادمين من شرق أوروبا المتأثرين بالثقافة الروسية. يقام في كل عام مهرجان للموسيقى الروسية في وسط تل أبيب يحضره عشرات الآلاف، منذ عام 2000 حتى يومنا هذا، كتعبير عن قوة الحضور الثقافي الروسي، إضافة لمئات العروض المسرحية والفنون بكافة أشكالها باللغة الروسية في معظم المدن والتعاونيات الإسرائيلية.

في الحرب ضد الشيشان وقفت إسرائيل إلى جانب روسيا، وقدّمت لها الخبرة في مجال ما يسمى مكافحة الإرهاب – الإسلامي طبعا- وما زال هذا التعاون مستمرًا.

هناك أبحاث علمية مشتركة وتعاون في مجال التكنولوجيا الدقيقة، وبالذات في ما يسمى، النانو تكنولوجيا. هناك تعاون في المجال الفضائي، حيث أطلقت إسرائيل أقماراً صناعية بمساعدة روسية.

لا تمر بضعة أسابيع، حتى يزور وفد عسكري روسي رفيع هيئة الأركان في تل أبيب، للتباحث حول التعاون والاستشارات العسكرية المتبادلة، مثل محاربة «الإرهاب»، والمقصود في هذه الحالة المعارضة السورية، كذلك فإن إحدى الغارات الإسرائيلية على قوات إيرانية في سوريا نُفذت قبل فترة وجيزة أثناء وجود وزير الدفاع الروسي في تل أبيب، كتوقيع وتأكيد على تنفيذ الاتفاقات.

كثيرا ما استخدَم ويستخدم الطيران الروسي أجواء شمال فلسطين والجولان المحتل للإغارة على مواقع المعارضة السورية، وهذا بتنسيق تام واتصال مباشر بين الطيارين الروس والدفاعات الجوية الإسرائيلية. كما توجد علاقات تجارية متنامية بين البلدين، خصوصا بعد العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا، الأمر الذي أتاح لرجال أعمال إسرائيليين المزيد من الفرص في روسيا.

ما ينطبق على سوريا ينطبق أكثر على إيران، فروسيا ترى بإيران حليفا وعميلا تجاريا، ولكن من مصلحتها عدم السماح لهذا الحليف بتطوير أسلحته وقدراته العسكرية، كي يبقى معتمدا أكثر على السلاح الروسي. كذلك فهي حريصة على أن تكون هي القوة الأولى في سوريا وصاحبة القرار الأخير، ولهذا لا يقلقها ضرب إسرائيل لأسلحة وقوات إيرانية على الأرض السورية.

تخشى روسيا من مواجهة جويّة مع طيران إسرائيل وتتحاشى هذا، لأنها النتيجة قد تمس بهيبتها التي حققتها على الساحة السورية بعد عشرات آلاف الغارات على المدن والقرى السورية، وقد تؤدي المواجهة إلى تنفيس بالون دفاعاتها الجوية وقدراتها، وهذا قد يؤدي إلى خسارة مليارات الدولارات. ما يحدث في سماء سوريا يقول بأن السيطرة الإسرائيلية على الأجواء مستمرة رغم تهديدات روسية سابقة، طالما أنها تلتزم بعدم المساس بالقوات الروسية، وتقدم تبريرا «معقولا» في كل عدوان على قوات النظام، ولا حاجة لتقديم تبرير للغارات على القوات الإيرانية. بالتأكيد لن يتغير شيء في العلاقات والتعاون بين الطرفين في شتى المجالات، وقد يُنشر استنتاج يبرّئ إسرائيل تماما من التسبب في سقوط الطائرة الروسية ومقتل طاقمها، وأغلب الظن أن الإجراءات التي يتحدث عنها بوتين تعني زيادة التعاون والتنسيق العسكري بين روسيا وإسرائيل.

اقرأ المزيد
٢١ سبتمبر ٢٠١٨
الحقد الإيراني على رفيق الحريري

ليس اسم شارع باسم مصطفى بدرالدين وسكوت قسم من الطبقة السياسية على ذلك مجرد استقواء على الدولة اللبنانية ومؤسساتها، بمقدار ما أنه دليل على أن هناك من صار يمتلك القرار اللبناني.

تعطي تسمية شارع في الضاحية الجنوبية لبيروت باسم مصطفى بدرالدين فكرة عن مدى الحقد الإيراني على رفيق الحريري وعلى لبنان. عُوقب رفيق الحريري على إعادته الحياة إلى لبنان العربي، بالمعنى الحضاري للكلمة، وإلى بيروت بالذات لا أكثر ولا أقلّ.

في النهاية ليس مصطفى بدرالدين المتهم الرئيسي في ترتيب عملية تفجير موكب رفيق الحريري ورفاقه فحسب، بل هو متهم أيضا بتفجيرات سبقت محاولة اغتيال أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد في العام 1985.

بقي بدرالدين، الذي كان يقيم في الكويت تحت اسم إلياس صعب، في السجن الكويتي حتّى صيف العام 1990. أخرجه منه العسكريون ورجال الأمن العراقيون الذين شاركوا في مغامرة احتلال الكويت وقتذاك إبان حكم صدّام حسين. أراد صدّام من إطلاق بدرالدين توجيه رسالة حسن نيّة إلى إيران التي خاض معها حربا استمرّت ثماني سنوات.

كانت الكويت، مع دول مجلس التعاون الخليجي، من بين الذين دعموه ماليا وسياسيا في تلك الحرب… فكافأها بالإقدام على مغامرته المجنونة غير مدرك أنّ إيران ستكون في المدى الطويل المستفيد الأوّل والأخير من هذه المغامرة. يدل على ذلك، بوضوح ليس بعده وضوح، ما نراه بأمّ العين في العراق اليوم.

ليست المسألة مسألة شارع باسم شخص وفّر الادعاء العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أدقّ التفاصيل المتعلّقة بدوره في عملية اغتيال رفيق الحريري. المسألة أبعد من ذلك بكثير وهي مرتبطة، أوّلا وأخيرا، بالسيطرة على لبنان وتحويله مستعمرة إيرانية.

هل سينجح “حزب الله” في ذلك؟ هذا هو السؤال الكبير والمحوري الذي يفرض نفسه في وقت قرّر قسم لا بأس به من المسيحيين في البلد الوقوف موقف المتفرّج حيال ما يدور على أرض بلدهم. لم يعد هذا الموقف العجيب لبعض المسيحيين مستغربا في ضوء الخطوة الأساسية التي أقدم عليها “حزب الله” عندما استطاع أن يتحول إلى الطرف الذي يسمّي رئيس جمهورية لبنان، وأن يفرض هذا الاسم على الآخرين بعيدا عن أي ممارسة ديمقراطية من أيّ نوع.

إن قبول قسم من المسيحيين بأن يفرض “حزب الله” من هو رئيس الجمهورية على كلّ اللبنانيين جريمة لا تقل في خطورتها عن قبول اتفاق القاهرة في العام 1969 من دون إدراك نواب الأمّة، وبينهم زعماء مسيحيون كبار، لأبعاده ونتائجه ومن دون الاطلاع على فحواه.

باستثناء تسجيل موقف واضح يعترض على خطوة من نوع تسمية شارع باسم شخص موضع اتهامات بجريمتيْ قتل وتفجير في لبنان والكويت، ليس في استطاعة الدولة اللبنانية القيام بالكثير. هناك ما يتجاوز تسمية الشارع باسم شخص لا تزال ظروف مقتله في مطار دمشق في العام 2016 لغزا يلفّه الغموض، تماما مثل لغز اغتيال عماد مغنيّة (بدرالدين متزوج من شقيقة مغنيّة) في إحدى ضواحي دمشق (كفرسوسة) في شباط – فبراير من العام 2008.

في انتظار اليوم الذي تتكشف فيه حقيقة من قتل مصطفى بدرالدين في مطار دمشق وظروف التخلص منه ومن اغتال عماد مغنيّة في كفرسوسة، يفترض في اللبنانيين تحديد الخطر الحقيقي الذي يتهدد بلدهم. يكمن هذا الخطر في أسباب الوصول إلى مرحلة لم تعد فيها الدولة اللبنانية قادرة سوى على الوقوف مكتوفة، والاكتفاء بتسجيل موقف، أمام تسمية شارع باسم شخص يأتي اسمه على رأس لائحة المتهمين باغتيال رفيق الحريري.

لعلّ أخطر ما في الأمر ذلك السعي الدؤوب إلى التخلّص نهائيا ممّا كان يرمز إليه رفيق الحريري، الذي علّم على نفقته آلاف اللبنانيين من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق والطبقات الاجتماعية، ومن كلّ أبناء مدرسته وكلّ ما لا يزال يرمز إليه الرجل.

قبل كلّ شيء، يرمز رفيق الحريري إلى ثقافة الحياة في لبنان. يرمز أيضا إلى أن بيروت تستطيع أن تكون لؤلؤة المدن على شاطئ البحر المتوسط. يرمز رفيق الحريري إلى صمود بيروت وازدهارها وقدرتها على مقاومة ثقافة الموت.

منذ اغتيال رفيق الحريري، لم يوجد من يدق مسمارا في مشروع بناء يساهم في تحسين البنية التحتية للبلد. على العكس من ذلك، هناك اهتراء يومي لما تركه رفيق الحريري للبنانيين من أسس لإقامة مثل هذه البنية

بيروت المدينة التي فيها جامعات ومدارس وحركة فنّية وثقافية وإعلام متنوع ومتطور. بيروت التي تتمتع بالقدرة على أن تكون لجميع اللبنانيين والعرب والأجانب، بغض النظر عن دينهم وثقافتهم وخلفياتهم الاجتماعية. هذا بعض من حلم رفيق الحريري الذي تحقّق جزئيا، والذي كان مطلوبا القضاء عليه كي لا يعود أي لبناني يفكّر بغير كيفية إيجاد طريقة للهجرة وإرسال أولاده إلى خارج البلد في بلد لا يستطيع إيجاد حلّ لمشكلة الكهرباء أو النفايات… أو زحمة السير والمطار.

منذ اغتيال رفيق الحريري، لم يوجد من يدق مسمارا في مشروع بناء يساهم في تحسين البنية التحتية للبلد. على العكس من ذلك، هناك اهتراء يومي لما تركه رفيق الحريري للبنانيين من أسس لإقامة مثل هذه البنية. فوق ذلك كلّه، لم تعد بيروت وجهة عربية. صار العرب يخافون منها. كلّ كلام عن استخراج النفط والغاز من النوع المضحك المبكي في عالم يحتاج إلى خبراء في هذا الشأن وليس إلى سياسيين صنعوا في أنابيب. يمكن أن يكون هناك الطفل الأنبوب ولكن لا يمكن صناعة سياسي في أنبوب. خير دليل على ذلك ما آلت إليه سوريا منذ خلف بشّار الأسد والده في العام 2000.

ليس اسم شارع باسم مصطفى بدرالدين وسكوت قسم من الطبقة السياسية على ذلك مجرّد استقواء على الدولة اللبنانية ومؤسساتها، بمقدار ما أنّه دليل على أنّ هناك من صار يمتلك القرار اللبناني. هذا كلّ ما في الأمر. من يمتلك القرار بات يجاهر بأنّه لا يستحي بالوقوف خلف اغتيال رفيق الحريري، ولا يستحي من قدرته على إثارة كلّ الغرائز المذهبية التي يمكن إثارتها. هذا لا يمنع من طرح سؤال في غاية البساطة؛ هل التفاخر بأشخاص مثل مصطفى بدرالدين دليل ضعف أم دليل قوّة؟

الأكيد أن القوي حقيقة لا يلجأ إلى الترهيب في التعاطي مع شركائه في الوطن، بما في ذلك الشيعة الذين يعتبرون لبنان وطنا نهائيا يستحق كل ولائهم، ولا إلى إلغاء مؤسسات الدولة اللبنانية عن طريق تدميرها وقضمها. هذه لعبة لا يمكن أن يخرج منها رابح خصوصا في وقت بات على إيران أن تختار بين أن تكون دولة طبيعية، أو أن يصبح النظام فيها منبوذا.

كيف يمكن، في نهاية المطاف، الرهان على نظام، مرفوض من الإيرانيين أنفسهم، لا مستقبل من أي نوع له. خطورة هذا الرهان في أنّ لبنان يمكن أن يدفع ثمنا كبيرا بسبب وجود من قرّر اعتماده. وهذا لا ينطبق على “حزب الله” وحده للأسف الشديد… بل على كلّ من يؤمن بحلف الأقلّيات أيضا وبأن للنظام السوري مستقبلا ما غير مزبلة التاريخ.

اقرأ المزيد
٢١ سبتمبر ٢٠١٨
مظاهرات إدلب.. الحكاية من البداية

خرجت محافظة إدلب، وأجزاء من محافظتي حلب وحماة في مظاهرات حاشدة يوم الجمعة (14 سبتمبر/ أيلول الحالي)، وهذه هي المرة الأولى التي يتمكّن فيها الحراك المدني من العودة إلى التظاهر بحرية، بعيدا عن قمع التنظيمات الإرهابية، مثل داعش وجبهة النصرة، اللذين هيمنا على المشهد منذ بدايات عام 2013، وحرفا الثورة، تدريجيا، عن هدفها الأساسي ومشروعها الوطني الديمقراطي.

أعادت المظاهرات مشاهد 2011، حين نزل السوريون من أقصى الجنوب في درعا حتى أقصى الشمال في القامشلي، وهم يهتفون "الشعب يريد إسقاط النظام"، وكان ذلك قبل أن يدخل السلاح في المعادلة بتخطيط من النظام، وشارك في إحدى مظاهرات يوم الجمعة حوالي ثمانية ملايين.

يبالغ كثيرا كل من يحسب أن مظاهرات إدلب ستعيد الموقف إلى ما كان عليه في 2011، لكن لا يمكن التقليل من أثرها السياسي المباشر، فهي عكست نفسها على قمة الرئيسين، التركي والروسي، رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، يوم الاثنين الماضي، ولعبت دورا في تجنيب المحافظة عملية عسكرية واسعة، كانت ستنتهي إلى ضحايا ودمار وتهجير.

وجاءت المظاهرات، لترد على الزعم القائل إن الثورة انتهت كليا، وأصاب الشارع السوري اليأس والإحباط. وأيقظ الشعار الذي رفعه المتظاهرون "لا بديل عن إسقاط النظام" نوعا من النوستالجيا لدى السوريين. ومع أنهم يعرفون أنه بات مستحيلا أن تتجدد الثورة اليوم، وهي تواجه الحرب الروسية الإيرانية ضدها، فإنهم أرادوا أن يعبروا عن رفضهم عودة نظام الأسد إلى المناطق التي لا تزال خارج سيطرته، لا سيما أن إدلب استقبلت، عدة أعوام، جميع الرافضين للمصالحة مع النظام، والذين نزحوا إليها من جميع المناطق، ويشكل هؤلاء، مع أهل إدلب، أكثر من ثلاثة ملايين.

أما في ما يخص التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها جبهة النصرة، فقد اختفت من مسرح المظاهرات، ولم تقم بما يمكن أن يقمعها، جريا على عادتها في الأعوام الماضية، حيث منعت رفع راية الثورة، واعتقلت الناشطين الذين ينادون بالسلمية والانتماء للجيش الحر. ولا يمكن تفسير هذا الموقف بأنه من باب مكارم الأخلاق، أو صحوة في لحظة مفصلية في مصير هذه المنطقة، بل هو خوف من رد الفعل الشعبي تجاه هذه الجماعات التي سمّمت حياة الناس، وساهمت بسلوكياتها في تمهيد الأرض من أجل عودة النظام.

يشكل هذا الموقف مناسبةً من أجل العمل على عزل هذه المجموعات، ومنعها من إفشال الاتفاق التركي الروسي، ومن تقديم ذريعة جديدة لروسيا وإيران للهجوم الواسع على إدلب والتنكيل بها، مثلما حصل في حلب والغوطة ودرعا. وفي هذه الحالة، ليس من مصلحة أهل إدلب إيجاد مخرج لجبهة النصرة وأخواتها من التنظيمات الإرهابية، فهؤلاء ركلوا عشرات المبادرات التي تم تقديمها لهم، كي يحلوا أنفسهم، إلا أنهم أصرّوا على خدمة أجنداتٍ خارجية، وبالتالي تلوح فرصة اليوم لتصعيد العمل ضد التنظيمات الإرهابية وطردها من محافظة إدلب المكتظة بالمدنيين.

كرّرت إدلب ما قالته حلب والغوطة ودرعا من أن الثورة لم تنهزم، وهي يمكن أن ترفع رأسها إذا زال خطر براميل النظام وبندقية التنظيمات الإرهابية وأمراء الحرب. الشعب السوري ضحية هذه المعادلة منذ عام 2013، ولا خلاص فعليا للمناطق المحرّرة من النظام إلا بعودة الحراك المدني الذي سوف يغيّر مجرى المعادلة الحالية.

المظاهرات هي عينة من بلد يريد الروس والإيرانيون أن يعود بشار الأسد وأجهزته لحكمه. وقبلها كانت المناطق التي أخضعوها، بقوة السلاح والدمار، تحت ذريعة الإرهاب. ريف حمص، حلب، ريف دمشق، الغوطة، درعا، وهي مرشّحة للسير على خطى إدلب.

اقرأ المزيد
٢١ سبتمبر ٢٠١٨
الدبلوماسية التركية تحيي أمل الحل السياسي بإدلب

بعد عشرة أيام من قمة ثلاثي أستانة في طهران، عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي، قدمت مؤشرات على العديد الصعد.

في الواقع، لم تتمخض قمة طهران عن النتيجة المأمولة. وقبلها دعا أردوغان إلى وقف إطلاق النار وإيجاد حل سياسي في مواجهة هجمات روسيا والنظام السوري على إدلب، لكن اعتراض بوتين زعزع الآمال بالتسوية.

هذا الخلاف على طاولة المباحثات انعكس على الساحة فاستمر القصف من البر والجو عدة أيام، وسقط فيه الكثير من المدنيين بينهم نساء وأطفال.

تدخلت الدبلوماسية التركية، وبدأت تحركات على الصعيد الدولي لإقناع روسيا بوقف إطلاق النار، فعقدت اجتماعًا رباعيًّا على المستوى الدبلوماسي والتقني في إسطنبول مع فرنسا وألمانيا وروسيا. كما كثفت جهوها في الأمم المتحدة، وحصلت على دعم واسع بشأن التوصل إلى هدنة شاملة في إدلب..

وفي الأثناء، واصلت الدبلوماسية والاستخبارات التركية مباحثاتها المباشرة مع روسيا، ليجتمع أردوغان في نهاية المطاف ببوتين في سوتشي، يتفق الزعيمان على بدء مسار جديد من أجل إدلب.


دبلوماسية فعالة
أهم ما في هذا الحدث هو إصرار أنقرة على حل سلمي في إدلب، وبذلها جهود دبلوماسية فعالة في هذا السبيل. وهذا يكشف أولًا عن الدور الدولي لتركيا من جهة، وعن تأثيرها على بلد قوي كروسيا من جهة أخرى.

في الحقيقة، لولا ضغوط أردوغان، لربما زادت روسيا والنظام السوري من هجماتهما على إدلب، وبالتالي كانت الأزمة ستتفاقم بشكل أكبر.

نقطة أخرى جديرة بالإشارة، وهي طريقة تعامل تركيا وروسيا مع الخلافات بينهما. رغم سقوط مدنيين استخدمت تركيا أسلوبًا معتدلًا، وعوضًا عن استخدام خطاب شديد اللهجة على العلن فضلت الدبلوماسية الهادئة، وهذا هو الصواب لا شك.


طريق وعر وطويل
إصرار أنقرة على سلوك السبيل السياسي وليس العسكري من أجل حل مشكلة إدلب هو الصواب. ومن الواضح تمامًا أن موجة نزوح جماعي هي مشكلة واحدة فقط من المشاكل السلبية الكثيرة التي قد تنجم عن العمليات العسكرية بإدلب.

مما لا شك فيه أن من الصعب الوصول إلى حل عبر الطريق السياسي في منطقة تكوينها الديموغرافي معقد، وتحتض العشرات من المجموعات المسلحة الصغيرة والكبيرة، التي يعادي البعض منها البعض الآخر.

هذا يتطلب حسن نية وعزيمة وصبر. القمة التي استضافتها سوتشي تبعث على الأمل بأن هذا الحل السياسي هو الطريق المفضل من الآن فصاعدًا..

اقرأ المزيد
٢٠ سبتمبر ٢٠١٨
إدلب والمأزق الروسي

باتفاق الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، على معالجة ملف محافظة إدلب في سورية، في قمتهما في سوتشي أول من أمس الاثنين (17/9/2018)، جنّبا المحافظة حربا مدمرة، عبر حل وسط يلبّي تطلعات الدولتين ومصالحهما المرحلية. وقد أدّى اجتماع ثلاثة عوامل إلى إرباك الخطة الروسية للهجوم على محافظة إدلب: التحرّك الشعبي الذي شهدته مدن المحافظة وبلداتها وقراها وريفا حماة وحلب. الموقف التركي الرافض لأي عمل عسكري. الاعتراض الغربي، خصوصا الأميركي، القوي.

مهدت روسيا للعملية العسكرية في محافظة إدلب بحملةٍ إعلاميةٍ وعسكريةٍ ركزت فيها على ما أسمته "تحوّل المحافظة إلى معقل للإرهابيين"؛ أبرزت نشاطاتهم: إرسال طائرات مسيّرة، قالت مصادر قاعدة حميميم إنها أسقطت 47 طائرة منها في الأشهر الأخيرة، والقصف المدفعي والصاروخي الذي يستهدف مواقع النظام في الساحل السوري، وربطت العملية العسكرية بضرورة تأمين القاعدتين، الجوية والبحرية، ومواقع النظام عبر التصدّي للإرهابيين، وإنها  قصفت مواقع إطلاق الطائرات المسيرة التابع لجبهة النصرة ودمّرته (قالت مصادر إعلامية إن القصف الروسي لم يستهدف مواقع المعارضة ومقارّها، ولا مستودعاتها، ولا تحصيناتها المنتشرة على كامل خطوط التماس، وإنما تركزت الغارات على أهداف مدنيّة؛ منازل ومزارع مأهولة بالسكان وسيارات وحافلات تنقل أهالي المنطقة النازحين الهاربين من القصف). وتحدثت روسيا عن التحضير لعملية تفجير كيماوي، تقوم بها هيئة تحرير الشام وحزب التحرير التركستاني، بالتنسيق مع أصحاب الخوذ البيضاء، تحت إشراف المخابرات البريطانية واتهام النظام بالعملية لتبرير قصفٍ غربي لمواقعه، وربطت بين القضاء عليهم وعودة الحياة الطبيعية والتوصل إلى تسويةٍ سياسيةٍ.

عوّلت روسيا على قمة طهران في تقديم غطاء سياسي للعملية العسكرية المرتقبة، لكنها فوجئت بموقف تركيا المتحفظ، وبتمسّكها بالإبقاء على خفض التصعيد في المحافظة، مع تقديم ضماناتٍ بعدم تعرّض قاعدة حميميم، أو مناطق سيطرة النظام في الساحل، لأية عمليات عسكرية، وهذا ما لا تقبله موسكو. واعتمد التحضير الروسي للعملية العسكرية على حسابات ميدانية وسياسية غير عقلانية، أساسها أن ما حصل في الغوطة الشرقية ومحافظتي درعا والقنيطرة زرع بذرة شك قوية بجدوى التصدّي للآلة العسكرية الروسية الكاسحة في أوساط فصائل المعارضة المسلحة؛ والخوف والرعب في حاضنة الثورة، وهذا قادها إلى تكرار ما فعلته في الهجوم على درعا بإرسال ضباط روس، لتلقي موافقات قادة الفصائل في إدلب وريفي حماة وحلب على الدخول في مصالحاتٍ مع النظام، والانخراط في صفوف الفيلق الخامس أو قوات النمر، المقرّبة من روسيا، كي تتحاشى مصير الذين رفضوا المصالحة في الغوطة الشرقية ودرعا، أي القتل والتدمير والتهجير القسري، وتحتفظ لفصائلها بدور في إدارة مناطقها. وأنه (ما حصل في الغوطة ودرعا والقنيطرة)، إن لجهة متانة الإصرار الروسي على إنهاء الصراع العسكري، أو لجهة تقييد حركة القوات الإيرانية ومليشياتها المذهبية فيهما، كافٍ للجم أي اعتراضٍ تركي، فتركيا لن تكون قادرةً على الاعتراض، في ضوء حاجتها إلى الغطاء الروسي، لبقائها في منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، وجود يحفظ لها موقعها على طاولة المفاوضات بشأن الحل النهائي في سورية، ما يتيح لها حماية مصالحها الوطنية، ولاحتواء الضغوط الأميركية المتصاعدة عليها، من جهة، وإغوائها، من جهة ثانية، بإضعاف غريمتها ومنافستها: إيران في سورية عن طريق تحديد جغرافية انتشارها وحجمه ونوعيته. واعتبرت ما حصل في محافظتي درعا والقنيطرة بتخلّي أميركا عن الفصائل المسلحة هناك بمثابة ضوء أخضر أميركي، عزّز هذا التقدير ما خلفه لقاء القمة بين الرئيسين الأميركي والروسي في هلسنكي من انطباع لدى الرئيس الروسي حول قبول واشنطن الدور الروسي في سورية، واستعدادها للتعاون معها في حل المشكلات الإقليمية والدولية، للتحرّك في كل الأرض السورية، باستثناء المنطقتين اللتين يسيطر عليهما حلفاؤها شمال شرق سورية ومحيط قاعدة التنف.

جاءت الضربة الأولى، والأقوى، للحسابات الروسية من الحراك الشعبي في مدن محافظة إدلب وريفي حماة الشمالي وحلب الشمالي والغربي (100 نقطة تظاهر)، وبلداتها وقراها، وما عكسته التظاهرات الكبيرة، بشعاراتها ومطالبها، من رفض قاطع للمطلب الروسي الدخول في المصالحة؛ والدعوة إلى الثبات في الأرض، ووضع الفصائل بحماية المدنيين، إجهاض الذريعة الروسية القائلة بأخذ المدنيين رهائن ودروعا بشرية، والتمسّك بأهداف الثورة في التغيير. وجاءت الضربة الثانية من تركيا، حيث رفضت أي عمل عسكري في المحافظة، اعتبرت الهجوم على إدلب هجوما عليها، وتحرّكت دوليا لحشد التأييد لموقفها، ونجحت في ذلك، حيث وجهت دول كثيرة تحذيراتٍ من الكارثة الإنسانية التي ستحصل، في حال تم الهجوم على المحافظة في ضوء الكثافة البشرية، وعدم وجود بدائل للمحافظة. وعزّزت موقفها بخطوتين ميدانيتين: حشد عسكري هجومي، 30 ألف جندي، بما في ذلك قوات خاصة، دبابات ومدافع ميدان عيار 155 مم، تذخير فصائل المعارضة ودفعها إلى رفع جاهزيتها، والاستنفار استعدادا لمعركة وشيكة. وجاءت الضربة الثالثة من الغرب، أميركا خصوصا، حيث تم توجيه تحذير أميركي فرنسي بريطاني ألماني، شديد اللهجة، للنظام من أي استخدام للأسلحة الكيماوية، وإنذار من ارتكاب مجازر بحقّ المدنيين، وتعزيز القوات الأميركية قدراتها التسليحية في شمال شرق سورية (حشد بحري كبير وأسلحة برية ثقيلة ورادارات ثابتة ومحمولة)، وإجراء مناورة بالذخيرة الحية في منطقة التنف، وحشد بحري كبير في المتوسط، وطرح بديل سياسي للتصوّر الروسي للحل على شكل "إعلان مبادئ"، سلم للمبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، خلال اللقاء الذي جمعه بما تسمى "المجموعة المصغّرة لأصدقاء سورية (الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا والسعودية ومصر والأردن)، قائم على عملية سياسية، بإشراف الأمم المتحدة، تؤدي إلى المحاسبة والعدالة الانتقالية ومصالحة وطنية جدّية، وإصلاحات دستورية تتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية والوزارة والبرلمان، تحقق استقلال السلطات الثلاث، ولامركزية إدارية وانتخابات حرة ونزيهة؛ وربط إعادة الإعمار بالعملية السياسية، بالإضافة إلى التحرّك في مجلس الأمن، وتحويله إلى ساحة لنقد روسيا وتقريعها وكشف عزلتها دوليا. وقد زاد في حراجة الموقف الروسي تحذير الأمم المتحدة، ومنظماتها الحقوقية، من كارثة إنسانية، في حال شن عملية عسكرية في محافظة إدلب (مقتل مئات الآلاف ونزوح قرابة المليون مواطن).

أغفلت الحسابات الروسية نقاطا حسّاسة بالنسبة لتركيا، أولها أهمية محافظة إدلب الجيوسياسية، لقربها من الحدود التركية، والفرصة التي يتيحه لها بقاؤها منطقة خفض تصعيد تحت إشرافها، لحماية قواتها في منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" من جهة، ولعب دور في التفاوض على الحل السياسي في سورية، من جهة ثانية، وارتباط ذلك باستمرار مسار أستانة الذي تعوّل عليه روسيا كثيرا، في ضوء تهديد تركيا بانتهائه، في حال نفذت العملية العسكرية في محافظة إدلب، خصوصا وأنها تحتاج تركيا ورقة قوةٍ في وجه التحالف الغربي، من جهة ثالثة، وحاجة تركيا لإثبات صدقيّتها في الفضاء السنّي، عبر التمسّك بدعم المعارضة السورية، وإبراز وزنها العسكري والسياسي؛ وأنها ليست الطرف الضعيف في ثلاثي أستانة، من جهة رابعة. فالضغط العسكري على تركيا، وفرض أمر واقع في محافظة إدلب بشنّ عملية عسكرية واسعة، سيدفعها إلى إعادة العلاقات مع أميركا والاتحاد الأوروبي، ما يؤدّي إلى عزل روسيا، ونسف الحل السياسي الروسي في سورية، خصوصا وأنها تواجه تململا من إيران، في ضوء تفاهمات روسية أميركية وإسرائيلية حول الأخيرة في سورية، وهواجسها من تفاهم آخر أميركي روسي لتعويض النقص في معروض النفط عند تنفيذ العقوبات الأميركية على النفط الإيراني بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني. ناهيك عن عدم رغبتها في استفزاز تركيا، شريكتها التجارية ورئتها المهمة في مواجهة العقوبات الأميركية، بالمشاركة في العملية العسكرية في محافظة إدلب، هذا ما عكسه تصريح مساعد وزير الخارجية الإيراني، حسين جابري أنصاري، عن تريث بلاده بخصوص العملية العسكرية في محافظة إدلب، علما أنها حشدت على خطوط التماس مع فصائل المعارضة المسلحة، ما يشير إلى رغبتها في قبض ثمن المشاركة من روسيا، وتحميل الأخيرة مسؤولية استفزاز تركيا بإطلاق العملية العسكرية.

حدّد الموقف التركي مصير محافظة إدلب، والعملية العسكرية المرتقبة، مرحليا على الأقل، فتمسّك تركيا بموقفها عزّز صمود فصائل المعارضة، وفتح لأميركا باب الدخول على الخط، للضغط على روسيا وإيران، ودعم تركيا بتعزيز موقفها عبر تبنّي مواقف سياسية تجهض أهداف روسيا، عبر رفض شرعية العملية السياسية التي تريد ولوجها في ضوء نتائج العملية العسكرية. لذا جاء اتفاق سوتشي ملبّيا مطالب الطرفين: منطقة عازلة ومنزوعة السلاح تبعد الفصائل، وتحدّ من قدرة هذه الفصائل على مهاجمة القاعدتين، ومناطق سيطرة النظام، نزع سلاح الفصائل الثقيل، فتح طريق حلب دمشق وحلب اللاذقية، مطالب روسيا، وبقاء محافظة إدلب منطقة خفض تصعيد تحت إشراف تركيا، مطالب تركيا، بعد القضاء على التنظيمات المتطرّفة.

اقرأ المزيد
٢٠ سبتمبر ٢٠١٨
مواجهة روسية إسرائيلية في سورية

حادثة طيران روسية جديدة في سماء سورية تثير أزمة معقدة، لكن هذه المرة مع إسرائيل.

قبل عامين تقريبا، أسقطت تركيا طائرة روسية مقاتلة على الحدود السورية التركية، تسببت بأزمة سياسية بين البلدين كادت أن تتطور إلى مواجهة عسكرية.

انتهت الأزمة في ذلك الحين باعتذار أردوغان لموسكو، وفتح البلدان صفحة جديدة في العلاقات بلغت مستوى متقدما خاصة لجهة التعاون في حلحلة الأزمة السورية.

حادثة الأمس ذات أبعاد أكثر خطورة؛ طائرة عسكرية روسية على متنها 15 شخصا كانت في طريقها إلى قاعدة حميميم، تعرضت لصواريخ أدت إلى سقوطها ومقتل من كانوا عليها. الجيش الروسي أعلن أنها سقطت بنيران الدفاعات الجوية السورية أثناء انطلاقها لرد عدوان إسرائيلي على مدينة اللاذقية، لكن بيان الجيش الروسي قال أيضا إن المسؤولية تقع على إسرائيل؛ لأن مقاتلاتها في سماء سورية دفعت الطائرة الروسية لتكون في مرمى نيران الدفاعات الجوية السورية.

البيان أشار صراحة إلى حق روسيا في الرد بالوقت المناسب، كما استدعت وزارة الخارجية الروسية السفير الإسرائيلي في موسكو للتعبير عن غضبها واستنكارها للحادث.

دأبت إسرائيل على ضرب أهداف سورية وإيرانية في سورية دون رد مباشر من القوات الروسية المتواجدة هناك. إسرائيل بدورها كانت حريصة جدا على عدم التعرض للقواعد العسكرية الروسية،وأدارت اتفاقا على قواعد الاشتباك في سورية يجنب الصدام المباشر بين الطرفين.

لكن حادثة كهذه تجاوزت القواعد المرسومة، فهل تغير اللعبة برمتها في سورية؟

إسرائيل متمسكة بحقها في ضرب ما تقول إنها أهداف عسكرية إيرانية في سورية. لم يكن هذا الأمر يثير رد فعل عسكريا من جانب روسيا رغم تعبيرها المستمر عن انزعاجها من السلوك الإسرائيلي.

ربما تكون هذه الحادثة فرصة لروسيا لتقييد حركة إسرائيل في الأجواء السورية،وتجنيب قواتها الحليفة، السورية وحتى الإيرانية الخسائر.

المؤكد أن حكومة نتنياهو ستتحرك على الفور لاحتواء الأزمة مع موسكو، وستحاول بداية التنصل من المسؤولية وتحميلها للجانب السوري،لكنها في نهاية المطاف ستسعى لإرضاء الروس حتى لو تطلب الأمر الإقرار بالمسؤولية عن"الخطأ غير المقصود" كي لا تدخل في أزمة مع روسيا تعيق نشاطها العسكري في سورية.

موسكو لن تفوت الفرصة لتسجيل مكاسب على إسرائيل في الحقل السوري، لكن هي الأخرى قد لا تذهب بعيدا في التصعيد ضدها على غرار ما فعلت مع تركيا.العلاقات الروسية الإسرائيلية عميقة ومتشعبة وتربطها شبكة مصالح وطيدة.

بمعنى آخر حادثة الطائرة الروسية لن تغير قواعد اللعبة بشكل جذري في سورية،غير أنها ستفرض على اللاعبين إدارة المنافسة والنفوذ على نحو يحول دون صدام عسكري واسع.

على المدى القصير ربما تتوقف إسرائيل عن شن غارات على سورية لامتصاص الغضب الروسي،لكنها لن تلتزم طويلا قبل أن تعاود مواجهتها المفتوحة على كل الاحتمالات مع إيران.

وبكل الأحوال ما حصل أخيرا في سماء سورية يعيد التذكير بالحاجة لتسوية كبرى تخلص سورية من نيران القوى المتصارعة.

اقرأ المزيد
٢٠ سبتمبر ٢٠١٨
روسيا القابضة على الجمر السوري

 صدمة إسقاط الطائرة الروسية «إيل – 20» على الشاطئ السوري عبّرت عنها موسكو بطريقتين، مرونة في كلام الرئيس فلاديمير بوتين وتشدد في كلام المسؤولين الكبار في الجيش، لكن الموقف العام سينعكس على التنسيق العسكري بين موسكو وتل أبيب من دون أن يمس الصداقة القائمة بين البلدين. ولا مجال للمقارنة بإسقاط الأتراك عمداً طائرة سوخوي الروسية، فالوضع على الشاطئ السوري كان ملتبساً بين دفاعات النظام الجوية والقصف الإسرائيلي وحضور عسكري فرنسي في البحر. نحن أمام مصادفة مؤسفة لموسكو لكنها ستؤدي على الأغلب إلى حصر غض النظر الروسي عن قصف إسرائيل سورية في حالات محددة، وأن يتم إبلاغ الجيش الروسي بالقصف في وقت كافٍ وليس عند بدء العملية.

الحادث العابر يفتح ملف الوجود السياسي والعسكري الروسي في سورية الذي يحظى بتأييد النظام وتركيا وإيران وبغض نظر أميركي وعربي، وباختلاف الموقف منه في العواصم الأوروبية. ولن يؤدي الحادث إلى تغيير في الاتفاق بين موسكو وأنقرة حول الوضع في إدلب، لكن التطبيق على الأرض لن يكون سهلاً، خصوصاً في عملية السيطرة على المنطقة الفاصلة بين قوات النظام وقوات المعارضة التي تحظى برضى تركيا ودعمها. الوضع معقد، خصوصاً أن أنقرة وحدها تعرف الفرق بين المعارض والإرهابي في المساحة التي يشغلها المسلحون، وقد تضطر إلى التسامح مع إرهابيين ونقلهم من خانة إلى خانة لتبييض صفحتهم شرط تعهدهم بخدمة أهدافها في سورية، تلك الأهداف المحصورة اليوم بمنع سيطرة سياسية أو عسكرية للأكراد السوريين في الشمال. لكن الأهداف قد تتبدل وتتوسع حين توضع القضية السورية على طاولة كبار العالم والإقليم وتبدأ الاتفاقات على توزيع النفوذ. واللافت أن تركيا، على رغم سيطرتها على مسلحين معارضين كثيرين واتساع حدودها مع سورية، فهي لا تطرح طلبها القديم بأن يرأس حكومة دمشق بعد الحرب وجه من جماعة «الإخوان المسلمين». لقد تغيرت الصورة، فأنقرة سترعى مصالحها وتمارس نفوذها مباشرة هذه المرة، من دون حاجة إلى «إخواني» يمدّ يده إلى طهران صديقة «الجماعة» ويربك علاقة أنقرة مع المدى العربي لسورية ما بعد الحرب.

أين موسكو من طاولة اقتسام النفوذ في سورية؟

يبدو أنها تريد اعتراف جميع المتدخلين بقاعدتها العسكرية في حميميم، وإقناع السوريين بصداقة موسكو التي تتلقى سهام الرفض من بعض المعارضة المعتدلة ومن المعارضين المتطرفين جميعاً. إن إرضاء الشعب السوري أو عدم إرضائه يتوقف على سلوك روسيا السياسي والعسكري، وابتعادها عن طهران التي يعتبر السوريون وجودها في بلدهم غزواً مذهبياً وتدخلاً أيديولوجياً في حياة السكان لا يختلف عن تدخل سائر المتطرفين الإسلاميين، خصوصاً «النصرة» و «داعش». هنا يبدو الحضور الروسي في سورية مقبولاً بالمقارنة بحضور إيران والإسلاميين الآخرين، فالروس لا يتدخلون في نمط حياة السوريين الذين يدركون أن وطنهم مقبل على تسوية دولية ليست واشنطن بعيدة منها، لذلك يفضلون الروسي، ليس فقط على الإيراني بل أيضاً على التركي الذي يصدّره أردوغان إلى جيرانه في صورة عثماني يستحضر ماضياً أسود كما يستدعي الحذر.

وعودة إلى موسكو فإن نجاحها في نيل حظوة السوريين يمهد لها علاقات حسنة مع العالمين العربي والإسلامي تحتاجها دولياً، وفي الداخل الروسي والجوار القريب.

اقرأ المزيد
٢٠ سبتمبر ٢٠١٨
من ضرب من في الطائرة الروسية؟

إسقاط الطائرة الروسية «إيل-20» بالقرب من اللاذقية، ومصرع طاقمها المكون من 15 شخصاً، بصاروخ تابع لقوات النظام الأسدي، حادثة كاشفة عن تعقيد الصورة في سوريا وتداخلها، وهي واقعة فاضحة للغور البعيد الذي غاص به الدب الروسي في الفخاخ السورية.

في البداية، هللت وسائل إعلام النظام السوري لشراسة الدفاعات السورية الجوية، حيث تبين لاحقاً أنه في الأثناء، كانت هناك غارة إسرائيلية من طائرات «إف-16» على أهداف إيرانية، أو أسدية تقدم خدمات للشبكات الإيرانية، ومنها «حزب الله» اللبناني؛ وتلك خطوط حمراء أعلنت إسرائيل صراحة الحرب عليها.

التفسير الروسي لسقوط أو إسقاط الطائرة الروسية الحربية عجيب غريب، وبه هروب من تحديد مصدر الأزمة؛ وزارة الدفاع الروسية قالت إن الطائرة العسكرية الروسية التي اختفت قرب السواحل السورية، وعلى متنها 15 فرداً من القوات العسكرية الروسية، أسقطها صاروخ سوري عن طريق الخطأ. وأكد البيان الروسي أن ذلك حدث بسبب «الأعمال العدائية والاستفزازية» من قبل الطائرات الحربية الإسرائيلية في المنطقة!

لأن المقاتلات الإسرائيلية - والكلام ما زال للحكيم الروسي! - وضعت الطائرة الروسية في مسار أنظمة الدفاع الجوي السورية، ولم تبلغ موسكو بغارتها على أهداف سورية إلا قبل وقوعها بفترة قصيرة جداً.

إسرائيل رفضت الاتهام الروسي، وحملت المسؤولية الكاملة للحكومة السورية والدفاعات السورية عن الحادث.

المضحك المبكي أن تطور الدفاعات الجوية للنظام الأسدي كان بسبب الدعم الروسي السخي المتواتر، طبقاً لصحيفة «الغارديان» البريطانية، التي ذكرت في وقت سابق أن الجيش الروسي قضى 18 شهراً في إعادة بناء منظومة الدفاع الجوي السوري.

الوجود العسكري الإيراني، مباشرة أو من خلال ميليشيات إيران الأجنبية، كـ«حزب الله» اللبناني والعصابات العراقية والأفغانية، مرفوض وعمل حربي مباشر، وفق النظرة الأمنية الإسرائيلية، وهي أهداف مشروعة باستمرار للصواريخ والمقاتلات الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، الروسي مع الإيراني هما من يحمي النظام السوري، ويفترس الأرض والسماء السورية - مع الاعتذار لفخامة الرئيس بشار - فكيف تحل موسكو هذه المعضلة؟

الواقع أن واقعة إسقاط الطائرة الروسية بصاروخ تابع لبشار (أخذه أصلاً من الروس!) جرس إنذار للروسي الجامح، فهو ليس سيد المشهد السوري وحده.

كما يكشف كم هو سامّ هذا الحضور الإيراني الخبيث في الجغرافيا السورية. وقد قال وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، وصدق فيما قال، عن حادثة إسقاط الطائرة الروسية: «يذكرنا بضرورة التوصل إلى حلول دائمة وسلمية وسياسية للنزاعات المتداخلة في المنطقة، والحاجة الملحة لوقف العمل الاستفزازي لإيران، المتمثل بنقل أسلحة خطرة عبر سوريا».

بعيداً عن الشحنات الكئيبة في الخبر، ذكرّني الجواب الروسي بجملة الفنان عادل إمام في مسرحية «شاهد ماشفش حاجة»، وهو يشكو للمقدم أحمد عبد السلام من تعدي الشاويش عليه: «ضربني بوشّه على إيدي يا بيه»!

اقرأ المزيد
١٩ سبتمبر ٢٠١٨
«حزب الله»: سياسة شوارع!

في الصف الثالث الابتدائي كان لدي زميل لا يليق، من باب التأدب واحترام القارئ، وصفه إلا بالتافه وصغير العقل. كان هذا «الزميل» يقوم بالوشاية على أصدقائه الطلبة و«عنادهم» في كل ما يطلبون من مساعدة في الدراسة. وظلت هذه الصفة «الطفولية النذلة» معه حتى كبر، واستمرت وأصبحت هذه الصفة متأصلة فيه.

تذكرت هذا الزميل وأنا أتابع تداعيات تسمية شارع في مدينة بيروت باسم الإرهابي مصطفى بدر الدين، الذي تعتبره المحكمة الدولية في لاهاي المتهم الأول في عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. ولأن اعتدال ووسطية ولا طائفية رفيق الحريري أرقت تنظيم «حزب الله» الإرهابي في حياته، فهي لا تزال تقهره في مماته، فلا يجد هذا الحزب إلا أسلوب «الجكر» الطفولي الخبيث للرد على المحكمة الدولية، ولكن هذا ليس نهج تنظيم «حزب الله» الإرهابي وحده، ولأنه أيضاً يتبع نظام ولاية الفقيه في طهران فهو يستمد هذه «النهفات» من مصدرها الرئيسي.

فالنظام الإيراني أطلق أحد أهم شوارع طهران على اسم أبي لؤلؤة المجوسي، وهو القاتل المجرم الذي قتل الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه صاحب رسول الله وخليفته، الذي يحظى بمكانة مهمة عند جمهور المسلمين.

ولم يكتف نظام ولاية الفقيه في إيران بتلك الإهانة لمشاعر المسلمين ولم يكترث بطلبات علماء المسلمين الذين خدعوا بحوارات التقارب مع هذا النظام الطائفي في إلغاء اسم هذا الشارع، بل ورفض الفكرة تماماً وبقي اسم الشارع على ما هو عليه. كما لم يكتفِ نظام ولاية الفقيه بهذه الإهانة بل استمر في التطاول على أكبر بلد عربي مسلم، وسمي اسم شارع رئيسي في طهران على اسم المجرم الإرهابي خالد الإسلامبولي، قاتل الرئيس أنور السادات، ولم يعبأ بإهانة مشاعر المصريين بل كان يفعل ذلك عن علم ودراية أن في ذلك إهانة صريحة لهم. واستمرت سياسة «الجكر» الطفولي الخبيث هذه عندما أطلق نظام ولاية الفقيه اسم الإرهابي نمر النمر على شارع مقابل مقر البعثة الدبلوماسية السعودية في إيران في تحدٍ سافر للمشاعر السعودية، وتزكية لكل عفن طائفي جاءت به بعد ثورة الخميني على المنطقة بأسرها. ولذلك ليس بغريب أن ينهج تنظيم «حزب الله» الإرهابي هذا النهج الرخيص، فنحن نتعامل مع تنظيم إرهابي تابع لدولة إرهابية بامتياز. وقد سبق للتنظيم استفزاز دولة الكويت بتسمية أحد الشوارع في بيروت باسم الإرهابي عماد مغنية المتهم في عملية محاولة اغتيال أمير الكويت الشيخ جابر وعملية خطف الطائرة الكويتية قديماً.

نظام ولاية الفقيه نظام معاد لمحيطه الإسلامي والعربي، بل إنه معاد للسلام الدولي لرعايته لكثير من التنظيمات الإرهابية، والعمليات المسلحة حول العالم باعتراف أهم الدول وكبرى المنظمات الدولية.

سياسة الشوارع التي يتبناها تنظيم «حزب الله» الإرهابي في لبنان «جكارة» بخصومه هي مرآة لنفسية مريضة وطائفية بامتياز يصعب العيش معها ويستحيل احترامها. فصل جديد من فصول تنظيم «حزب الله» الإرهابي في المنطقة، ولغة الشوارع الفعلية والسياسية التي يطبقها التنظيم ما هي إلا صورة للانحدار العظيم الذي وصل إليه هذا الحزب الإرهابي.

كما غنت صوت لبنان السيدة فيروز ذات يوم وقالت: «سكروا الشوارع... عتموا الشارات... زرعوا المدافع... هجروا الساحات»... هذا هو حال من يقع أسيراً لدى تنظيم «حزب الله» الإرهابي.

اقرأ المزيد
١٩ سبتمبر ٢٠١٨
إدلب ضامنة التوافق الدولي

قد يظنّ بعضهم أننا في المرحلة الأخيرة من إعادة سيطرة النظام السوري على كامل الأراضي السورية، انطلاقا من حجم الانتصارات العسكرية أخيرا، خصوصا بعد سيطرته على كل من حلب ودرعا وغوطة دمشق. وهو ما يهمل الوسيلة والأسباب التي ساهمت في بسط هذه السيطرة؛ المستندة إلى توافقاتٍ دولية برعاية روسيا مع غالبية القوى والأطراف الفاعلة في الشأن السوري؛ من أميركا والاحتلال الإسرائيلي إلى تركيا وإيران والدول الخليجية والعربية بكل تبايناتها. الأمر الذي مكّن الروس عمليا، والنظام نظريا وإعلاميا، من استعادة السيطرة على أجزاء عديدة من الأراضي التي كانت خارجةً عن سيطرته قبل هذا التوافق.

إذ يحرص الروس، منذ إعلان تدخلهم العسكري في سورية في العام 2015، على اتباع استراتيجية عسكرية تحدّ من خسائرهم البشرية المحتملة؛ الأمر الذي تطلّب تقليص الاعتماد على القوات البرية الروسية؛ وهو ما أدى إلى تقاسم الأدوار العسكرية بين كل من الروس والإيرانيين والنظام، على قاعدة الروس في الجو والقوات المحسوبة على النظامين، السوري والإيراني، في البر. وعلى الرغم من نجاح هذه الخطة، أو تقاسم المسؤوليات الحربية في الحد من خسائر الروس البشرية؛ إلا أن نتائجها الميدانية كانت محدودة وغير مؤثّرة عموماً؛ أي أقل من التوقعات، بسبب ضعف القوات السورية النظامية والمليشيات المحلية والطائفية المحسوبة عليه وترهلها، بعد كل هذه السنوات من الصراع المسلح التي عجز النظامان، السوري والإيراني، خلالها عن ضرب قوى المعارضة المسلحة، ما دفعهما أصلا إلى طلب العون الروسي عسكرياً عام 2015. وهو ما وضع الروس أمام خيارين: مزيد من الانخراط العسكري الروسي في المسألة السورية، وهو ما يتطلب الاعتماد بشكل شبه كامل على قوات روسية برية، نظامية وغير نظامية، والتي سوف تؤدي إلى تصاعد كبير في أعداد القتلى الروس؛ ما قد يؤدي إلى تزايد الضغوط الداخلية الروسية من أجل الانسحاب من سورية، وبذلك تكون روسيا قد خسرت كثيراً. أو التوصل إلى بعض التفاهمات مع القوى الإقليمية الداعمة للمعارضة المسلّحة، على قاعدة تقاسم المصالح في سورية بصورة سياسية، ومن دون حاجةٍ إلى تصعيد الصراع العسكري، سواء المباشر أو بالوكالة؛ في مقابل فرض الانسحاب أو الاستسلام على غالبية قوات المعارضة السورية المسلحة، من الداعمين الإقليميين؛ وفقا للإطار والشكل والحجم المتفق عليه بين الدول الفاعلة؛ التي تم تمثيلها بالثلاثي الضامن؛ تركيا وإيران وروسيا.

وبذلك بدأت مرحلة جديدة في سورية عنوانها السياسي والإعلامي التوافق الدولي، متمثلا بالثلاثي الضامن، بينما كان عنوانها الميداني انسحاباتٍ متلاحقة لقوات المعارضة السورية؛ من أهم معاقلها في كل من حلب ودرعا وغوطة دمشق الشرقية، نحو محافظة إدلب وريف حماة؛ على وقع الضربات الجوية الروسية؛ وكأن الروس والنظام والإيرانيين يحقّقون نجاحات عسكرية متلاحقة. في مقابل صمت وقبول روسي على التوغلات التركية في المناطق الحدودية المشتركة مع سورية؛ بذريعة ملاحقة ومحاربة القوات الكردية المسلحة التي تعتبرها تركيا إرهابية. حتى وصلنا إلى المرحلة الراهنة التي قد توحي لبعضهم بقدرة تحالف النظام على الاستمرار في تحقيق الانتصارات الميدانية حتى استعادة السيطرة على جميع الأراضي السورية، وفي مقدمتها محافظة إدلب وريفها وريف محافظة حماة. وهو المستحيل تنفيذه الآن؛ لأن إدلب بمثابة الورقة الضامنة لجميع التوافقات الدولية في سورية، وهو ما يفرض على الروس اليوم الإيفاء بجميع تعهداتهم السرّية والعلنية التي التزموا بها مع جميع الدول الفاعلة في سورية؛ من الأميركيين إلى الإسرائيليين، مروراً بالأتراك وبعض الدول العربية، وخصوصا الخليجية منها؛ قبل حسم الأمور في إدلب، أو قبل ترتيب الأوضاع في هذه المحافظة بشكل كامل ونهائي. الأمر الذي يعزّز من احتمال حصر العمليات العسكرية ببعض المناطق المتفق عليها مع الأتراك، في إدلب ومحيطها، في مقابل مزيد من التوغل التركي المباشر عبر قواتها العسكرية؛ أو غير المباشر عبر قواتٍ من المعارضة السورية التابعة والخاضعة للأتراك في المحافظة، من أجل ترتيب الأوضاع والأمور فيها، بما يحقّق المصالح الروسية المتمثلة في فتح الطرق الدولية وضمان سلامتها، وأهمها طريق دمشق – حلب، وضمان سلامة محافظة اللاذقية؛ والقاعدة الروسية في حميميم، وبما يضمن الانتهاء من ملف التنظيمات الجهادية، وفي مقدمتها جبهة النصرة؛ المعروفة اليوم بهيئة تحرير الشام.

كما تحتوي محافظة إدلب على ما يقارب ثلاثة ملايين مدني سوري، قد تؤدي أي عملية عسكرية كبيرة وشاملة على المحافظة إلى تدفقهم كالنهر الهادر نحو الأراضي التركية؛ ما سيؤدي إلى أزمةٍ إنسانيةٍ وسياسيةٍ تركيةٍ، تضعف من الموقف الداخلي للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان؛ وتفضح صورته لدى مجمل السوريين؛ وقد يضع ذلك حدّا نهائيا لأي طموح سياسي أو اقتصادي تركي، وأردوغاني خصوصا، داخل الأراضي السورية. وهو ما يفسّر النبرة والموقف التركي الذي عبر عنه أردوغان في أثناء لقائه في طهران مع الرئيسين الروسي والإيراني؛ فلاديمير بوتين وحسن روحاني، بكل وضوح عن أهمية إدلب في حماية الاتفاق الدولي حول سورية وضمانه؛ وعن مدى المخاوف التركية من تبعات أي عمليات كبيرة فيها وفي محيطها.

لذلك نشهد تصاعدا في نبرة الخطاب التركي بشأن إدلب، مترافقا مع زيادة التعزيزات العسكرية التركية فيها وبمحيطها، وهو ما يضمن استبعاد احتمال شنّ قوات النظام وحلفائه أي عملية عسكرية كبيرة وضخمة، كما روّج إعلامهم، وبالتالي ستتم غالبا حماية المحافظة وقاطنيها من جنون الإجرام الأسدي والإيراني والروسي، من أجل ضمان المصالح التركية، وربما الدولية أيضاً. إلا أنه لا يمكن استبعاد استمرار بعض المناوشات أوالضربات العسكرية الخاطفة والمتفرقة على المحافظة؛ بغية الضغط على الأتراك من جانب؛ وعلى قوى المعارضة المسلحة من جانب آخر. كما لا بد من الحذر من حالة الاعتماد على التوازنات والتوافقات الدولية التي أثبتت الأيام والسنوات الماضية أنها غير معنيّة بمصالح السوريين وبسلامتهم الشخصية، ولا بسلامة الأرض السورية أيضاً. فحتى وإن نجحت المصالح التركية في سورية، وفي شمالها تحديداً، في حماية إدلب ومدنييها اليوم؛ إلا أنها قد تتحوّل، بين ليلة وضحاها، إلى مصدر الخطر الأول عليهم وعلى سورية.

اقرأ المزيد
١٩ سبتمبر ٢٠١٨
المظاهرات السورية.. هل تشتعل روح الثورة من جديد؟

يتشابه على الإنسان ظروفٌ وأحوالٌ وتجارب عديدة حصلت معه في الأمس وأعادت نفسها اليوم، كذلك السوريين قامت مظاهراتهم في الأمس وأعادت نفسها اليوم. لكن لكل يوم ولادة، ولكل ساعة دقائق من النضج، ولكل ظرف تجربة، فبعد أن حصل السوريين على هذه الولادة الجديدة، والنضج الكبير، والتجربة العميقة، لابد لها أن تحدث تغيرًا على أرض الواقع، فانتفض السوريين للشارع من سبات السنيين الماضية، ليوضحوا كلمتهم ومطالبهم للعالم بأسره، مستمرين في قضيتهم، ثابتين على مبدئهم اتجاه ثورتهم.

هذه المظاهرات التي عادت من جديد، أعادتني إلى سنة ٢٠١١ عندما كنا نخرج بالمظاهرات، وكأنها أعادتني إلى ساعة الولادة الأولى. كيف كنا نجهز اللفتات والأعلام منذ الصباح، ونهيَّ الساحات الكبيرة من أجل أن تسع جموع المتظاهرين الذين يوفدون إلى المظاهرة من كل صوب ومكان، فترتفع الأصوات هاتفةً شعاراتٍ ومطالب كثيرة، وأول هذه المطالب وأجلها (إسقاط الأسد) وما أشبه الأمس باليوم. المظاهرات التي عادت من جديد لم تكن كسابقاتها من المظاهرات، لأن مظاهرات اليوم يجتمع فيها كل أطياف السوريين من جميع المدن والمناطق التي هجرت قسرًا من منازلهم وأرضهم. فمظاهرات اليوم يجتمع فيها (الدمشقي، والديري، والحمصي، والحموي، والإدلبي) فيجتمعون جميعًا في قرى وأرياف إدلب، فلا يجدون حلًا للعودة إلى منازلهم، وتحرير أرضهم التي سلبها النظام منهم، إلا بالخروج إلى ساحات الحرية منددين بإجرام النظام وأعوانه وسفكهم للدماء السورية، فتتعالى صيحاتهم بهتافات الحرية والاستقلال، ليعلنوا للعالم أن الشعب السوري جسد واحد كالبنيان المرصوص.

مظاهرات اليوم يختلط فيها الزيتون الإدلبي بالعنب الدمشقي، مظاهرات اليوم تقوم على قوة العزيمة والصبر على الشدائد أكثر من الأمس، ففيها مطالب أقوى وشعارات أوضح من الأمس.

عودة المظاهرات من جديد كان لعدة أسباب، من أهم هذه الأسباب: يقظة الشعب لأهمية المظاهرات ودورها الكبير، ومنها إشاعة النظام أنه سيقوم بالهجوم على إدلب آخر معقل للإرهاب حسب زعمه. وكذلك موقف ديمستورا الذي يؤيد النظام وروسيا بالهجوم على إدلب. والسبب الأهم في انتفاضة الشارع: أن أهالي إدلب طلبوا من النظام وحلفائه الدخول إلى إدلب وتطهيرهم من الإرهاب حسب زعمهم.

وبهذه الأراجيف والحجج الباطلة التي يدعيها النظام، توجيه رسمي لأهالي إدلب وضيوفهم من باقي المناطق السورية على أنهم هم الإرهابيين، فانتفض الشارع رافضًا لهذه الإشاعات الكاذبة. انتفض الناس جميعًا رجال ونساء، كبار وصغار، وما أشبه تلك الانتفاضة بالأمس، ليعلنوا للعالم أن الشعب السوري ليس إرهابي، ليعلنوا لهم أن الشعب في سوريا قد عانى الويلات من النظام وأعوانه، ليعلنوا لهم أنهم لن يتخلوا عن ثورتهم مهما تكالبت عليهم الأمم. انتفضوا موجهين رسائلهم إلى كل من يريد مساعدتهم في هذه الثورة، موجهين رسائلهم إلى المجاهدين على الثغور، أن الشعب معكم ومؤيدكم في كل عمل يضعف النظام وأعوانه، موجهًا رسالة إلى النظام المجرم يقول له فيها: خسئت أن تقترب من أرضنا فنحن ماضون في ثورتنا حتى نحرر أرضنا التي سلبتها منا بغيًا.. والله مولانا ولا مولى لكم.

وبهذه الانتفاضة الجديدة، وبهذه الشعارات والمطالب العظيمة، يعاد للثورة روحها الذي انتزع منها منذ زمن، وبقي جسد خالي بلا روح، فما فائدة الجسد بلا روح؟ يعاد يوم الجمعة من جديد - يوم الشعب - بكل كلمة وحركة وقيمة، كل ما في هذه اليوم ملك للشعب ولا كلمة فيه للتيارات المتنازعة، ولا للدول المتناحرة. لا كلمة فيه للذين يريدون إخماد لهيب الثورة وبريقها المضيء، فالشعب مستمر في انتفاضته لا خوف ولا تردد بكل عزيمة وإيمان، لسانه يردد دائمًا: لا فناء لثائر. ما أشبه اليوم بالأمس، حيث تتشابه مظاهرات ٢٠١٨ ومظاهرات ٢٠١١ من الناحية النظرية للمظاهرات. أما من الناحية العملية مختلفة تمامًا، فمظاهرات اليوم تقوم بقلوب أصدق من الأمس، مظاهرات اليوم تشد من عضد الأخوة أكثر من الأمس، مظاهرات اليوم يختلط فيها الزيتون الإدلبي بالعنب الدمشقي، مظاهرات اليوم تقوم على قوة العزيمة والصبر على الشدائد أكثر من الأمس، ففيها مطالب أقوى وشعارات أوضح من الأمس، يتشابه اليوم بالأمس، لكن في كل يوم للإنسان ولادة جديدة، ويقظة كبيرة، ومظاهراتنا اليوم ولدت من جديد، واستيقظت من غفلة السنيين.

اقرأ المزيد
١٩ سبتمبر ٢٠١٨
قمة سوتشي التاريخية واتفاق أردوغان-بوتين حول إدلب

تعرضت إدلب منذ تحريرها على يد الثوار لاعتداءات كثيرة وهجمات وحشية متنوعة نفذها نظام الأسد وحلفاؤه يعلوهم الطيران الحربي الروسي.

العاشر من أيلول/ سبتمبر 2018 كان موعدا يتم تداوله لإطلاق عدوان واسع بهدف السيطرة على معقل الثوار الأخير بحجة محاربة "الإرهاب" والذي تبين أنه توصيف لكل ثائر وذريعة يستخدمها المحتلون للقضاء على أصحاب الأرض وقد شكلت مدينة داريا الخالية من جبهة النصرة وغيرها من مناطق سورية أكبر دليل على أن الاستهداف بالقتل والتهجير وقع بحق كل من قال لا لآلة القتل الأسدية وداعميها.

تم تجميع مئات آلاف المهجرين من كافة المناطق مع أهل إدلب في إدلب والهدف المعلن أن الوقت قادم لحرقهم جميعا!

لم يعد هناك إدلب بعد إدلب.. شعر الجار التركي بتزايد الخطر الاستراتيجي للعدوان إن حصل فجاء الرد على لسان مستشار الرئيس التركي للشؤون الخارجية تتويجا لمواقف رئاسية وعلى أعلى المستويات: الهجوم على إدلب هجوم على تركيا.

لقد تحركت القيادة التركية بشكل حثيث مكثف لحماية أكثر من ثلاثة ملايين سوري في إدلب ولحماية أمنها القومي ومصالحها الوطنية فجاء حراكها على أكثر من صعيد تمثل بحشود عسكرية متواصلة على الحدود مع سوريا وصولا إلى تعزيز اثنتي عشرة نقطة مراقبة تركية في إدلب.

أما على الصعيد الاستخباراتي فقد نجحت المخابرات التركية بالقبض على أحد المتورطين الأساسيين بتفجير مدينة الريحانية التركية والملفت أن هذه العملية الأمنية المعقدة قد تمت في قلب مدينة اللاذقية السورية ومن المستبعد جدا حصول تنسيق بين أنقرة وأي طرف من قبل النظام وحلفائه لسبب بسيط هو امتلاك المتهم كنزا من المعلومات كشف بعضها وربما لم يعلن بعد عن ما هو أخطر!

الجهد التركي توجته التحركات السياسية والمفاوضات الماراثونية الشاقة ومنها ما حصل في قمة طهران التي جمعت رؤساء روسيا وايران وتركيا في الأسبوع الأول من شهر أيلول وانتهت دون اتفاق ووسط صخب كبير وخلافات حول مصير إدلب في ظل إصرار ظاهر من قبل طهران وموسكو بضرورة شن عملية عسكرية واسعة على المدينة.

ضغوط وحرب نفسية وتحذيرات من تكرار تجربة عاصمة الشيشان غروزني في إدلب.. تلك العملية الحاقدة المدمرة التي قادها فلاديمير بوتين قبل أن يصل لرئاسة روسيا.

ظلت تركيا على موقفها الرافض لأي عمل عسكري وخلال بضعة تلت عقد قمة طهران نجح الرئيس أردوغان بنزع اتفاق من بوتين يمنع شن أي عملية عسكرية على إدلب.. اتفاق إن صمد فسيكون إنجازا تاريخيا وانتصارا كبيرا لجهة تجنيب المدينة حربا مدمرة وحماية أرواح ملايين الأبرياء رغم القدرة المتوقعة للثوار على القتال واستنزاف المحتل الروسي والإيراني لمدة طويلة.

أبرز ما حصل في قمة سوتشي اليوم هو غياب إيران أو إقصاؤها عن ملف الشمال السوري والاتفاق على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بعمق يتراوح من خمسة عشر إلى عشرين كيلومترا أي بنحو عشرة كيلومترات من المناطق المحررة وعشرة أخرى من المناطق التي يسيطر عليها النظام لتعزل بينه وبين الثوار.

تطبيق هذا الأمر سيشكل تحديا بالنسبة لتركيا ويخشى أن يؤدي إلى صدام عسكري مع هيئة تحرير الشام أو إلى اقتتال داخلي إن لم تتفهم الهيئة مقتضيات المرحلة.. وهذا فخ كبير وسيناريو تتمنى كل الأطراف المعادية للثورة وتركيا أن يحصل.

لا أحد يستطيع التأكيد بأن إيران لن تقدم على المشاكسة أو محاولة تخريب الاتفاق الروسي التركي كما أنه لا أحد يستطيع أن يضمن الغدر والوحشية الروسية والتي تمثلت باستهداف المشافي والمدارس والأبنية السكنية لكن المؤكد أن تعاون ثوار إدلب وفهمهم لخطورة المرحلة وتنسيقهم مع الجار التركي سيردع الأعداء وسيحمي ما بقي من الثورة المظلومة وسيفتح المجال لبث روحها من جديد بحسابات عقلانية لا تقتل الراعي ولا تفني الغنم!

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
دور تمكين المرأة في مواجهة العنف الجنسي في مناطق النزاع: تحديات وحلول
أ. عبد الله العلو 
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
صمود المرأة ودورها القيادي في مواجهة التحديات
فرح الابراهيم
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
العنف الجنسي في حالات النزاع: تحديات وآثار وحلول ودور المرأة في هذه الظروف
أحمد غزال