إيران ومأزقها الصعب
قرار موسكو تزويد دمشق منظومة «أس 300» للدفاع الجوي، كأنه للوهلة الأولى يطوي صفحة تفجير العرض العسكري الإيراني في الأهواز، لكن القضيتين مطروحتان معاً بأخطارهما المحتملة المضافة إلى أزمات الشرق الأوسط الدموية.
الولايات المتحدة وإسرائيل تدركان تبعات تعزيز الدفاعات الجوية السورية نوعياً، لكن واشنطن أوضحت رد فعلها على الحدث: أن الجيش الأميركي سيبقى في قاعدة التنف وشمال شرقي سورية حتى انسحاب القوات الإيرانية ومؤيديها المسلحين إلى الداخل الإيراني. لم تقل أن جيشها سيبقى حتى انسحاب الجيش الروسي من سورية. ويبدو أن الأمر متفق عليه بين القوتين العظميين، وفي إمكان إسرائيل أن تضرب أي مكان في سورية، عدا منطقة الساحل التي أصبحت منذ إسقاط الطائرة «إيل 20» بمثابة جزء من السيادة الروسية، فتساهم بدورها في مهمة الفصل بين إيران وسورية (ولبنان بالطبع) التي يتولاها الجيش الأميركي. هكذا تبدو أخطار «أس 300» محتملة، لأن موسكو لن تقطع خيوط التفاهمات مع إسرائيل في ما يتعلق بأمنها وصيانة حدودها من الجانبين السوري واللبناني (بالتبعية).
هنا يبرز التهديد الإيراني في المشهد، على رغم اللهجة الهادئة للقيادي علي شمخاني الذي صرح عقب تفجير الأهواز بأن بلاده «تحتاج حواراً بناءً لتفادي التوترات مع جيرانها»، هدوء ترافق مع كلام عالي النبرة من المرشد وآخرين، من باب تأكيد العظمة التي تعرضت لشرخ تخشى طهران أن لا تستطيع استيعابه فيما هي غارقة في مشاكل المحيط. وأخشى ما يخشاه حكام طهران اليوم أن يعتاد الشعب على الخروق الأمنية ويعتبرها أمراً واقعاً، فتنضم إيران إلى غيرها من دول الشرق الأوسط، خصوصاً جارتيها العراق وسورية، وتهبط من علياء الامبراطورية التي نسبتها إلى نفسها ومارست تبعاتها، في الجانب العسكري طبعاً لا في الجانب الحضاري.
وتشكل خطب التهديد والوعيد نوعاً من العهد يقدمه الحاكمون إلى الشعب، وبذلك يصبحون أسرى خطبهم هذه، ولا يستطيعون التخفّف منها إلا بعمليات عسكرية خارج الحدود، عمليات لا تقدم حلاً بقدر ما تعرّض النظام الإيراني إلى الغرق مباشرة في بحر المنطقة المتلاطم، بعدما كلف بهذه المهمة الخطرة أذرعاً تستنزفه مالياً لا بشرياً. ولا بد أن أحداً ما في الجسم القيادي الإيراني الذي يتنافس في الحماسة، يتنبه إلى دروس التاريخ القريب والمتوسط، فالرئيس العراقي صدام حسين «عالج» مشكلات حكمه الاقتصادية وغير الاقتصادية باحتلال الكويت، وكان ذلك العلاج الدموي سبباً مباشراً لسقوط حكمه وانهيار العراق لاحقاً. وفي ثلاثينات القرن الماضي رأى أدولف هتلر أن ألمانيا محرومة من خيرات الاستعمار خارج أوروبا، وأن فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا وغيرها تتقدم اقتصادياً على وطنه المتميز حضارياً وعلمياً، بل الأفضل عرقياً، بحسب نظريته النازية الطاردة للآخر. و «اضطر» هتلر إلى إشغال الحرب العالمية الثانية بهدف الاستيلاء على أوروبا وتطبيق نظريته بالعنف المسلح، وكان ما كان من خسائر طاولت أوروبا والعالم.
هل «تضطر» إيران إلى الحرب بذريعة تفجيرات الأهواز، وبذرائع غير مباشرة كالتدهور الاقتصادي والفشل في تصدير الثورة؟ سؤال مطروح لأن إيران تحولت من دولة إلى ثورة فإلى مشكلة لها وللقريب والبعيد، تتفاقم حين يقوى النظام ولا تتراجع إذا ضعف، ذلك أن ما ينسب حكام طهران إلى أنفسهم من رسالة دينية- عسكرية- سياسية، وقومية في جانبها المستتر، يرتب مهمات خطرة على المواطن الإيراني ومواطني الدول المجاورة. وهذا الذي تكرره طهران، أو يخشى أن تكرره، سبق أن تورطت فيه أنظمة شمولية ألحقت الأذى بشعوبها وبشعوب قريبة وبعيدة.
لا يرغب عاقل من الإيرانيين وجيرانهم في رؤية جيش المرشد موجهاً آلته العسكرية ضد هذا البلد أو ذاك في المنطقة. لكن حكام طهران أمام مأزق صعب: أن يصمتوا ويستوعبوا تفجيرات الأهواز فيفقدوا بعضاً من هيبتهم في الداخل والخارج، أو يعمدوا إلى عدوان تحت شعار الثأر فيتأكد للإيرانيين والعالم أن النظام يصدّر مشكلاته الداخلية في حرب إقليمية.
هذا المأزق يتطلب حكمة صعبة المنال، وتقديراً واقعياً لأحجام الدول والشعوب يؤدي إلى تبادل الاحترام والمنفعة، لا إلى طموحات قاتلة.