مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢٤ سبتمبر ٢٠١٨
اشتباك روسي إسرائيلي فوق سوريا

لعل حادثة إسقاط الطائرة الروسية فوق سوريا بـ»نيران صديقة» سورية تظهر كم هي معقدة التقاطعات الإقليمية في سوريا، خصوصا المرتبطة بحليف الأسد روسيا، فبوتين الداعم وبقوة لتأهيل النظام السوري، وانتزاع كافة أراضيه من معارضيه، يرتبط بعلاقة وثيقة مع من يهاجم ويقصف النظام السوري وحلفائه، الذين عملوا لسنوات على تأهيل النظام واستعادة أراضيه، حزب الله وإيران.

فك الاشتباك في هذه المعادلة الروسية في روسيا تتطلب النظر في أهداف كل طرف ومديات سياساتهم في الحقيقة، لا تصادم الهجمات الإسرائيلية على سوريا وحزب الله، الاستراتيجية الروسية القائمة على دعم نظام الأسد، لسبب بسيط وهو أن العمليات الاسرائيلية لا تهدف لإسقاط الأسد او إضعاف سيطرته على أراضيه، بل تقليم أظافره، وتحجيم قوته مع حلفائه، بمنعه من امتلاك قدرات عسكرية تهدد إسرائيل، وبلا شك في أن موسكو لا تشارك الإيرانيين وحزب الله طموحاتهم في إقامة توازن قوة مع إسرائيل من الأراضي السورية واللبنانية، وهنا تبدو سياسات موسكو أكثر وضوحا، فهي لا تدعم دمشق وطهران بشكل مطلق في كامل سياساتهما، خصوصا تلك التي تتضارب مع أصدقاء آخرين لها في تل أبيب.

وهنا يظهر التباين بين علاقة الحليف الإيراني لدمشق ونظيره الروسي، فالكيانات الثلاثة في طهران ودمشق والضاحية الجنوبية لبيروت، أظهرت تكاتفا وتلاحما كبيرين في ما بينها، منذ الاختبار الاول في حرب يوليو/تموز الإسرائيلية عام 2006 ، على الرغم من وجود محطات قديمة لهذا التعاون الثلاثي في النزاع مع تل أبيب، الذي انتهت إحدى مراحله بانسحاب الإسرائيليين من جنوب لبنان عام 2000، إلا ان حرب عام 2006 كانت الأكثر تجليا في إظهار انسجام سياسي بين هذا المحور، كان سابقا للتدخل الروسي في سوريا لاحقا، ليبدو التواجد الروسي في سوريا اليوم وكأنه قائم على دعامات سابقة له متمثلة في هذا البنيان الإيراني الراسخ في دمشق.

ولكن الغطاء الروسي لنظام الأسد أعطى هذا المحور «بوليصة تأمين» من التهديد الإسرائيلي على وجود النظام، فبالتأكيد لن تسمح موسكو في النهاية، لأي عمل إسرائيلي يهدد وجود النظام الذي بذلت موسكو جهودا عسكرية وسياسية لتثبيته، ولأن دمشق وطهران تدركان هذه الحقيقة، ولأنهم يقيسون قوتهم بمعادلة تقول إن إسرائيل لم تنجح في القضاء على حزب الله من دون الدعم الروسي، فما بالك بانضمام الروس كقوة داعمة إضافية لدمشق، فإن هذا التحالف بات مطمئنا من مديات وابعاد العمليات الاسرائيلية المحدودة في دمشق، بل شعر بالنشوة التي جعلته قادرا على التجرؤ أخيرا باستهداف الطائرات الاسرائيلية المهاجمة بعد سنوات من الاحتفاظ بترديد العبارة التي كانت تثير السخرية (الاحتفاظ بحق الرد) ليتمكن من إسقاط مقاتلة إسرائيلية.

ولعل هذا الاندفاع في محاولة مواجهة الهجمات الجوية الاسرائيلية هي التي قادت للإرباك والفوضى التي أدت لإسقاط الطائرة الروسية بنيران صديقة من مضادات جوية سورية، عملت بكل طيش وعشوائية، إذ يشير التقرير الإسرائيلي الذي أعده الجيش الإسرائيلي للتحقيق في الحادثة، وسلمه للروس إلى أن الجيش السوري منذ أن أسقط مقاتلة إسرائيلية في فبراير/شباط الماضي، ازداد ثقة وفتحت شهيته وبدأ بإطلاق صواريخ من عدة بطاريات، الذروة كانت في مايو/أيار الماضي عندما أطلق 170 صاروخا على المقاتلات الاسرائيلية التي استهدفت 50 موقعا في سوريا، ويقول التحقيق نفسه الذي يقع في أربعين صفحة، أن الدفاع الجوي أطلق نحو أربعين صاروخا من بينها صواريخ من طراز سام خمسة، باتجاهات الجنوب والشمال والغرب وهي التي أسقطت الطائرة الروسية المخصصة لأغراض التجسس، والمفارقة ان الصواريخ اطلقت بعد مغادرة الطائرات الاسرائيلية، أي أنها عملية دفاع جوي بائسة محدودة الإمكانيات، مقارنة بالتفوق الجوي الاسرائيلي، يليق بها تسمية عملية «صح النوم».

اقرأ المزيد
٢٤ سبتمبر ٢٠١٨
هل تبدّد كابوس إدلب أم تأجل؟

يشير الاتفاق بين الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في منتجع سوتشي الروسي، إلى أن كابوس الكارثة الإنسانية الذي كان يلاحق أهالي محافظة إدلب ومقاتليها ومحيطها قد تبدّد، على الأقل مؤقتاً، بالإعلان عن بنود اتفاق، يقضي بإقامة منطقة منزوعة السلاح، على طول خط التماس بين مناطق سيطرة نظام الأسد  ومليشيات نظام الملالي الإيراني ومناطق سيطرة المعارضة والتنظيمات المتشدّدة، وفق ما يشبه خريطة طريق، تلزم فصائل المعارضة وسواها تسليم سلاحها الثقيل والمتوسط، مع تسيير دوريات مشتركة روسية تركية في المنطقة العازلة أو المنزوعة السلاح.

وجاء الاتفاق الروسي التركي بشأن إدلب ومحيطها بعد اتصالاتٍ ولقاءاتٍ مكثفة بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكرين أتراك ونظراء لهم روس، توّجت بعقد قمة سوتشي، وذلك بعد فشل قمة طهران الثلاثية في الاتفاق على التعامل مع الوضع في هذه المنطقة. غير أن الاتفاق رمى المسؤولية على الجانب التركي في سحب أسلحة فصائل المعارضة، وانسحاب مقاتلي التنظيمات المتشدّدة، وخصوصا هيئة تحرير الشام ومن لفّ في فلكها، وهو أمرٌ يتوقف على الطريقة التي ستتبعها تركيا مع الجماعات المتشدّدة لحملها على الانسحاب من المنطقة العازلة، إذ ليست واضحةً الكيفية التي ستلجأ إليها، خصوصا وأن انسحاب هذه الجماعات وتجميعها في مناطق معينة يُبقي على الذريعة التي يستخدمها الروس عادة للقيام بعمليات عسكرية، فضلاً عن أن الساسة الروس لم يتخلّوا عن مطالبة الأتراك بفصل مجموعات المعارضة المعتدلة عن الجماعات المتشدّدة، ما يعني زيادة الضغط على الأتراك، وتعقيد مهمتهم في المنطقة.

ويبدو أنه على الرغم من تصريح وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إنه لن تكون هنالك عملية عسكرية في إدلب، إلا أن الإصرار الروسي على ذريعة القضاء على الجماعات المتشدّدة يجعل الاتفاق الروسي التركي مجرّد عامل تأجيل لكابوس يخيم فوق رؤوس مدنيي محافظة إدلب، ومحيطها، خصوصا وأن الرئيس بوتين دعا، في أكثر من مناسبة، إلى "إبادة كاملة لجميع الإرهابيين في سورية"، الأمر الذي يبقي احتمال العمل العسكري الكارثي قائماً، ولو بعد حين.

ولعل حيثيات التوصل إلى اتفاق بين الرئيسين التركي والروسي بشأن الوضع في إدلب وجوارها كثيرة، يجسّدها تقاطع المصالح بين البلدين في سورية، حيث يستفيد الطرفان منه، ولذلك جاء لكي يؤكد حرص كل منهما على العلاقات المتنامية بينهما على مختلف الصعد، السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، وكذلك تمتين التفاهمات بينهما في الملف السوري، وفي سواه من ملفات المنطقة، باعتبار أن الساسة الروس يعون جيداً أهمية موقع تركيا ودورها في سورية، ولا يرغبون في تهديد مصالحها. إضافة إلى أن روسيا قوبلت بردود فعل دولية قوية، خلال عمليات الحشد السياسي والعسكري، تحضيراً لمعركة إدلب، وخصوصا من طرف الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وحتى ألمانيا، الأمر الذي زاد من صلابة الموقف التركي الرافض أي عمل عسكري في منطقة إدلب ومحيطها، واعتباره تهديداً مباشراً لخاصرة تركيا الجنوبية الغربية، ولأمنها القومي.

وإذا كان الساسة الروس قد أدركوا أن أي هجوم عسكري واسع على محافظة إدلب ومحيطها سيكون مكلفاً للغاية، وخصوصا على الصعيد الإنساني، ويستدعي استنكاراً دولياً وأممياً، وردود فعل دولية قوية ضدهم، وضد نظام الأسد، إلا أن الأهم هو إدراكهم أن مليشيات نظام الأسد ونظام الملالي الإيراني لا تملك القدرة على اجتياح منطقةٍ تصل مساحتها إلى نحو عشرة آلاف كيلو متر مربع، ويوجد فيها آلاف المقاتلين من أبناء أهالي المنطقة وآخرون هجروا قسرياً إليها من مناطق مختلفة من سورية، إضافة إلى وجود مقاتلين من هيئة تحرير الشام وسواها، وبالتالي فإنه فتح معركة في إدلب ومحيطها ستشكل مهمة صعبة بالنسبة إليهم، ولحليفيهم نظامي الأسد وإيران.

ولا شك في أن الساسة الروس فضلوا التوافق، ولو مؤقتاً، مع الساسة الأتراك، حيال الوضع في إدلب ومحيطها، في اتفاق، يؤمن لهم عدم تهديد قواعدهم العسكرية في مطار حميميم وسواه، ويرضي الطرف التركي، ويخفّف من هواجسه الأمنية، من خلال آلية مشتركة لإنشاء منطقة عازلة ومنزوعة السلاح، بعمق 15 إلى 20 كيلومتراً على خط التماس بين مناطق النظام والمعارضة المسلحة، حتى 15 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، ما يعني ترسيم حدود مؤقت بين المعارضة ونظام الأسد، حيث تمتد هذه المنطقة من شمالي غرب حلب، وبالتحديد من جوار بلدة نبّل الخاضعة لسيطرة النظام، وتصل جنوباً إلى بلدة صوران في شمالي محافظة حماة، كما تمتد المنطقة العازلة إلى حدود مدينة حلب، وضمنها يقع طريق حلب - دمشق المارّ بمناطق سيطرة المعارضة، ثم تتصل شرقاً من بلدة صوران، وصولاً إلى بلدة السقيلبية غرباً. أما حدود المنطقة المنزوعة السلاح غرباً، فتمتد على طول سهل الغاب الأوسط وصولاً إلى جبل التركمان. وبموجب الاتفاق، سينشئ الطرفان، التركي والروسي، نقاط مراقبة عسكرية مشتركة فيها، مع تسيير دورياتٍ مشتركة للقوات التركية والشرطة العسكرية الروسية فيها، كما سيتم سحب الأسلحة الثقيلة بحدود التاسع من ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وفتح طريقي حلب - اللاذقية وحلب - حماة.

وسيشكل تنفيذ الاتفاق الروسي التركي حيال إدلب وجوارها اختباراً حقيقياً للتفاهمات بين أنقرة وموسكو التي بدأت منذ نهاية عام 2016، واجترح على إثرها مسار أستانة بينهما، ثم التحق بهما نظام الملالي الإيراني الذي لم يجد، مثل النظام، سوى الإعلان عن قبوله الاتفاق الروسي التركي، لكن ذلك لا يلغي أبداً احتمالات الانتكاس الذي قد يعتريه، أو الخروق التي قد تأتي من مليشيات نظام الأسد أو رصيفه نظام الملالي الإيراني.

اقرأ المزيد
٢٤ سبتمبر ٢٠١٨
الشعب الروسي والثورة السورية

شهدت مدينة ستالينغراد إحدى أهم المعارك في الحرب العالمية الثانية بين ألمانيا والاتحاد السوفياتي، كما تعرضت مدينة لينيغراد (بطرسبورغ حالياً) إلى حصار دام تسعمائة يوم فرضته قوات هتلر، وانتهى بتحرير الجيش السوفياتي المدينة في بداية عام 1944.
ليس صحيحاً دائماً أن الشعب الذي تعرض للظلم والقتل والتجويع والحصار، مثل الشعب الروسي، سيقف ويؤيد ثورة كل شعب أراد من خلالها التخلص من القمع، والوصول إلى الحد الممكن من الحرية.

في استطلاع أجراه مركز ليفادا المستقل في أغسطس/ آب 2016، أظهرت النتائج أن 49% فقط من الروس يرغبون بأن تنهي بلدهم تدخلها العسكري في سورية في أسرع وقت ممكن. وبالتأكيد، ليس السبب إنسانياً أو أخلاقياً، فالاستطلاع نفسه يؤكد أنّ 56% يتابعون المستجدات في سورية بشكل سطحي، بينما لا يعرف 26% منهم أي شيء عن الوضع في سورية.

للشعب الروسي ثقافته الخاصة، ولا يتفاعل كثيراً مع بقية الثقافات، ولا يهتم كثيراً بالأخبار الخارجية، سياسيةً كانت أو غيرها، وإذا كانت الدنيا كلها تدخل إلى موقعي فيسبوك أو تويتر، فإن الروس لا يمتلكون، في الغالب، حسابات نشطة على هذه المواقع، ولهم مواقعهم الخاصة للتواصل الاجتماعي، مثل موقع فكنتاكتي الشهير. ولعل تجربة بطولة كأس العالم الذي استضافته روسيا أخيرا قد حرّكت هذا الركود في التعامل مع الآخر، ومثالا بسيط على ذلك، كتب أحد المشجعين الرياضيين على صفحته في "فيسبوك" أن الروس يستغربون حتى إن ابتسمت في وجوههم: هل هناك سبب لابتسامتك؟

انتقلت روسيا؛ وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، اقتصادياً إلى الرأسمالية، فالمواطن الروسي مشغولٌ، بالدرجة الأولى، بلقمة عيشه، إضافة إلى ذلك هو يتعرّض إلى تضليل إعلامي كبير، تقوم به وسائل الإعلام المختلفة التي تمجد في ذهنه فكرة الدولة العظمى، والقائد الملهم الذي يحسن التصرف في السياسة، ولا يجوز انتقاده، وكل تصرفاته وأقواله جاهزة للقبول، وغابت فكرة الدولة المؤسساتية التي لا تتأثر بالأشخاص. واليوم؛ غالبية الشعب الروسي يصدّقون ما يقوله التلفزيون الرسمي كما يصدّق المؤيدون القنوات الأسدية، فالحرب في سورية هي على الإرهاب الذي إن لم يقضوا عليه في عقر داره، فإن عدواه ستنتقل إلى الداخل الروسي، وهذه الكذبة هي السلعة الرائجة في الإعلام الروسي، لكسب تأييد الرأي العام. ولكن على الرغم من كل هذا التضليل، تطفو على السطح أحياناً بعض الأصوات المستهجنة هذه الدعاية المضلّلة، ففي الرابع عشر من شهر سبتمبر/ أيلول الحالي، كتبت قناة ناشتاياشي فريميا في موقعها الإلكتروني: "منذ أسبوعين والقنوات الموالية للكرملين تتحدث عن هجوم بالسلاح الكيميائي على إدلب تحضر له المعارضة، حتى أنّ هذه القنوات حددت موعد الهجوم، وهو 13 سبتمبر/ أيلول، ولكن لم يحدث شيء".

يشترك الشعب الروسي مع بقية الشعوب في صمته تجاه المذبحة السورية، ولا يقل هذا الصمت خطورة عن صمت شعوبنا العربية والإسلامية، فأين هي المظاهرات التي خرجت من أجل حمص أو حلب أو الغوطة، والآن إدلب؟ ولن يؤدي موقفه من الثورة اليتيمة إلى تغيير جوهري في الوضع الراهن في سورية، لكن الواجب الأخلاقي والإنساني يحتم عليهم، وعلى كل أحرار العالم، أن يقولوا لا للقتل، ولا لتجريب الأسلحة المحرمة دولياً على جماجم أطفالنا.

صحيح أن روسيا ترزح تحت سياسة بوتينية صارمة هي سياسة الحزب الحاكم، وتحت رحمة القيصر المغرور الذي لا يستمع للأصوات التي لا تروق له، ولا يولي لها أدنى اهتمام مهما ارتفعت. لكن كل ذلك لا يعفي الشعب الروسي، بأن نطالبه أكثر من الجميع بالوقوف ضد سياسة بلاده الهمجية في سورية، فإن فشلنا إعلامياً في إيصال الصورة الحقيقية لما يجري في سورية كما يدّعون، فإن تورط بلادهم في المستنقع واضح للعيان، ونتائجه ستنعكس عليهم في الداخل قبلنا، ولهم في التجربة الأفغانية والشيشانية خير مثال.

وكما تحررت المدن الروسية من هيمنة هتلر ستتحرر حمص والغوطة وإدلب وسورية كلها من حصار القوات الروسية، وسنحتفل بزوال ماتازوف من شاشاتنا فهو، وكل من يفكر على طريقته، لن يغيروا رأيهم أبداً؟

اقرأ المزيد
٢٤ سبتمبر ٢٠١٨
هذا التفهّم الروسي في سورية

ازداد تواتر الهجمات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية التي تقيم عليها إيران قواعد ومخازن أسلحة، بعد زيارة وزير الدفاع الإيراني، أمير حاتمي، دمشق، والإعلان عن توقيع اتفاقيات عسكرية بين دمشق وطهران. كانت الزيارة عنواناً لفشل مساعي إخراج إيران من سورية، أو تحجيم مدى نشاطها في الجنوب، بمحاذاة الحدود مع فلسطين، وقد سلمت روسيا  بذلك، وأكد وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، عدم واقعية هذا الطلب.

السياسة الروسية المتسمة بواقعية لافروف، والتي لم تفلح في إخراج إيران، كانت، في الوقت نفسه، أكثر واقعيةً في التعامل مع الهجمات الإسرائيلية المتصاعدة، فأغمضت عنها عينيها، واكتفت ببياناتٍ خاليةٍ من المعنى، تدعو إلى ضبط النفس، من دون لهجةٍ حازمةٍ لمحاولة لجم القوة الإسرائيلية، حتى بدا أحياناً أن روسيا تدعم هذه التحركات، من دون إبلاغ الجانب الإيراني، ولا حتى السوري، بموعدها، لأخذ الاحتياطات اللازمة.

بدأت تركيا تعزيز نقاط المراقبة المتفق عليها، والتي تحفظ هدوء المنطقة، وأصبح هذا التعزيز علنياً ومبرّراً قانونياً بموجب اتفاق سابق، ما أوجد مساحاتٍ يصعب على روسيا الاقتراب منها، أو تبرير استهدافها، وإن بالخطأ، وهذا التعزيز العسكري التركي موقف سياسي للرئيس التركي، أردوغان، مهَّد لعقد لقاء قمة مع نظيره الروسي، بوتين، في السابع من سبتمبر/ أيلول الحالي، حيث أُعلن من هناك اتفاقا أجَّل هجوم النظام على إدلب، وهي نقطة واقعية أخرى، أو ربما براغماتية للسياسة الروسية، في مجمل تحرّكاتها على الساحة السورية.

يُعزى قسم من قبول روسيا وقف الهجوم، أيضاً، إلى الحشد الغريي الكبير بمحاذاة الحدود السورية البحرية، والتي تبدو مصمّمةً على منع نظام الأسد من الوصول إلى نصرٍ حاسمٍ بمساعدة الروس، وقد غلفت رفضها، هذه المرة، بدوافع نبيلة، هي منع الهجرة الجماعية التي قد تنتج عن هذا الهجوم، وهذا جانب واقعي آخر من السياسة الروسية التي تأخذ القوة المضادة بعين الاعتبار، فعلى الرغم من العدد الكبير لسفنها وأساطيلها المرابطة في المتوسط، إلا أنها تحجم حتى الآن عن استفزاز الجانب الغربي، واستطاعت أن تجد مخرجاً مؤقتاً بتقارب جديد مع تركيا التي وقعت معها اتفاقاً، يمكن أن تعدّه انتصاراً لها وليس للنظام، ويمكن لتركيا أن تعتبره إنجازا يجنّب المنطقة ويلاتٍ جديدة، وإفساح مجالٍ لموجة جديدة من المظاهرات التي تزيّنها الأعلام الخضراء الناصعة، الخالية من أي أثر للتطرّف، في إشارة إلى التوجه العام الذي يرغب به السكان.

قد يكون السلوك الروسي تجاه سقوط طائرة الاستطلاع الروسية، والمحملة بأربعة عشر جندياً، واقعيةً مميزةً أخرى في مسيرة تصرّفاتها خلال الحرب السورية، فقد أدّى ازدحام الأجواء السورية بالطائرات الصديقة والمعادية إلى حماسةٍ عشوائيٍّة لكتيبة دفاعٍ جوي سورية، مجهزّة بمعدّات قديمة بإسقاط الطائرة، نتج عنه وجومٌ سوري كامل، لكن برقية تعزية سورية أعقبت الحادث، وأعقب ذلك، وربما سبقه، تفهّم روسي لصالح اتهام إعلامي روسي لإسرائيل بذلك، في واقعية دبلوماسية أدت إلى مزيدٍ من التقارب بذهاب وفد عسكري كبير من إسرائيل، ضم قائد القوات الجوية، لإيضاح ما جرى بالتفصيل، وقد اقترنت هذه الزيارة بأسفِ إسرائيلي عما حدث، لكن الأهم من ذلك كله إصرار إسرائيل، وفي بيان الأسف نفسه، على مواصلتها سياسة الهجوم على الأهداف الإيرانية في سورية.

تتحرّك روسيا على الجبهات السورية، من دون أن تتمكّن من أن تكون لاعباً وحيداً، وتامّ الفاعلية، فهي لم تستطع تجاوز الوجود الإيراني، ولاقى الوجود الغربي والأميركي على الشواطئ السورية استيعاباً جعله يغيّر بعض مواقفه، وأوجد مكاناً لتركيا في الشمال، كان مقتصراً، في السابق، على مثلث جرابلس عفرين إعزاز، تمدّد الآن ليشمل منطقةً واسعةً من إدلب وريف حلب الشمالي. هذا التفهم الروسي الذي يؤمّن مصالح الجميع في سورية، وحده الشعب السوري لم يلقَ نصيباً منه.

اقرأ المزيد
٢٣ سبتمبر ٢٠١٨
قوّة تركيا وأثر ذلك على ملف إدلب

قوّة البلدان ترتبط بقوة الدولة والشعب معاً، ورأينا كيف تمكّنت قوة الشعب التركي من الحفاظ على مستقبل البلاد خلال محاولة انقلاب 15 تموز/يوليو بينما كانت قوى الدولة مشلولة وشبه عاجزة عن فعل شيء، واجهت تركيا مُختلف أنواع الأزمات والمشاكل عبر التاريخ ولكنها استطاعت تخطّي جميع ما ذُكر، ومهما كانت الأزمة كبيرة يمكن للدول التي تملك قابلية وإمكانية إيجاد حلول للأزمات تخطّي جميع العقبات التي تواجهها.

من المعلوم أن المداخلات التي تواجهها تركيا بسبب التلاعب في أسعار الصرف أدت لتموّجات جديدة في الاقتصاد التركي، ويجب علينا الاعتماد على إمكانيات الدولة التركية وقدرتها على مواجهة هذه الأزمة بدلاً من النظر إلى الأزمة المذكورة على أنها ستؤدي لانهيار النظام التركي، وإن الاعتقاد بأن تركيا فقدت قوتها بسبب حادثة واحدة سيكون ظلماً للدولة التركية.

أظهرت اتفاقية إدلب قوة تركيا السياسية والدبلوماسية مرة أخرى أمام أعين الجميع، وإن مبادرة تركيا وحصولها على نتائج إيجابية في ظل النزاع القائم بين دول عظمى مثل أمريكا وروسيا يُعتبر دليلاً بارزاً على قوة تركيا، أصبح الصراع القائم بين أمريكا -حلفائها وروسيا-نظام الأسد-حلفائهم في الساحة السورية معروفاً لدى الجميع، لكن يجب أن لا ننسَ وجود تركيا أيضاً، إذ تتعاون القوات التركية-الأمريكية في منطقة، والقوات التركية-الروسية في منطقة أخرى.

قد تكون اتفاقية إدلب متعلّقة بمنطقة واحدة فقط من الساحة السورية، ولكن في الوقت نفسه يبدو أنها أظهرت تأثيراً واضحاً على مراحل جنيف وأستانة المتعلّقة بالمستقبل العام لسوريا، وسنرى مدى تأثير اتفاقية إدلب على التصميم الجديد لسوريا مع مرور الوقت، وبناء على ذلك يمكن القول إن تركيا استطاعت أخذ موقعها من المعادلة السورية من خلال قوتها السياسية والدبلوماسية.

إن الدول القوية تمتلك القدرة على إفساد المخططات التي تنشأ خارجها ولكنها تتعلّق بها وبمنطقتها الإقليمية، ومن جهة أخرى إن الدول الأقوى تملك إمكانية إفساد المخططات ووضع مخططات جديدة في الوقت نفسه، وهذا هو بالضبط ما تفعله تركيا في الوقت الراهن، إذ استطاعت تركيا ردع الخطر الذي يهدد أمانها من خلال اتفاقية إدلب، وكذلك بادرت بمداخلات مصيرية فيما يخص مستقبل سوريا.

تمكّنت تركيا من خلال اتفاقية إدلب من خفض مستوى المخاطر على الصعيد العسكري والصعيد المدني، إضافةً إلى خفض احتمال وقوع ملاحم إنسانية جديدة وتشكّل موجة لجوء كبيرة إلى الأراضي التركية، بتعبير آخر استطاعت تركيا الوقوف في وجه نشوب حرب جديدة من خلال مبادرتها الأخيرة، وبالتالي وقفت في وجه مشاكل عديدة قد تؤدي إليها هذه الحرب مثل مقتل المدنيين وتشكّل موجة لجوء جديدة.

نظراً إلى أن القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية تتكامل مع بعضها لتحدّد مكانة ومركز الدولة من العالم، يمكن القول إن تدخّل تركيا في مرحلة هامّة كهذه وكونها أحد مؤسسي المرحلة الجديدة يُعتبر توضيحاً ملموساً لقوة الدولة التركية.

أدت اتفاقية إدلب إلى فتح باب جديد لإيجاد حل سياسي للمعادلة السورية، وكذلك اضطرت أمريكا وإيران ونظام الأسد للتصريح بأنها ممنونة من نتائج تدخّل تركيا على الرغم من أنها قد لا تكون ممنونة من ذلك على أرض الواقع، ولذلك إن وجود دولة تركية قوية في المنطقة سيكون لصالح الاتحاد الأوروبي وأمريكا ودول المنطقة، ولكن إن مواجهة تركيا لموجة لجوء جديدة أو تهديدات إرهابية أو مداخلات اقتصادية من خلال التلاعب في أسعار الصرف سيؤدي لضرر جميع الجهات الموجودة ضمن المعادلة السورية.

في هذا السياق يجب التأكيد على ضرورة الإيمان بأن الدولة التركية تستطيع مواجهة المداخلات الاقتصادية من خلال إمكانياتها وقدراتها، وكذلك يجب ألا نُهمل العامل النفسي السياسي أيضاً، ولذلك يتوجّب على المعارضة الداخلية التركية قراءة اللوحة الموجودة بشكل دقيق واتخاذ موقف واضح وتحمّل المسؤولية في سبيل ضمان المصالح القومية للبلاد، ومن جهة أخرى يجب على الشعب التركي التوحّد والتعاون مع أخذ العوامل النفسية مثل الثقة والأمل بعين الاعتبار من أجل دعم الدولة على الاستمرار في طريقها.

أظهرت اتفاقية إدلب أن تركيا دولة قوية وقادرة على أن تكون عاملاً رئيساً في الساحة الإقليمية، وبالتالي إن الحفاظ على ارتفاع المعنويات والإيمان بقدرات وإمكانيات الدولة التركية سيزيد من قوة تركيا في الساحة.

اقرأ المزيد
٢٣ سبتمبر ٢٠١٨
سوريا: هل التقسيم محتمل؟

على اختلاف المواقف السياسية حيال سوريا، أميركا، وروسيا، وإيران، وتركيا والسعودية، والأردن، والعراق، وإسرائيل إلا أنها جميعاً تكاد تتفق على المحافظة على الوحدة الجغرافية للدولة السورية. تقسيم سوريا يضر بالمنطقة وليس فقط النظام، ويخالف التفاهمات الدولية. وأن اتفقت على وحدة التراب السوري إلا أن هذه الدول تختلف على نظام الحكم رئاسي مركزي، أو برلماني، أو فيدرالي، والاختلاف ربما بينها في صياغة الدستور من سلطات الرئيس وحول حقوق الجماعات الإثنية وغيره.

لكن خيبات كثيرة تجاه دمشق، حتى بعد تنازل المعسكر المضاد وقبوله بالنظام السوري، راضياً بالنظام القديم، مقابل الالتزام بحقوق أساسية للمكونات التي على خلاف مع النظام من أجل فرض الحل، وكذلك اشتراط خروج إيران وميليشياتها، إلا أنه لا شيء من هذه التوقعات تحقق، ويبدو أنه من المستحيل أن تحققها دمشق إما عجزاً أو عن سياسة لها.

في هذا الوضع المعلق سيكون من الصعب المحافظة على وحدة سوريا كما نعرفها، أو كنّا نعرفها. شرق الفرات منطقة نزاع مستمر، والأميركيون والأكراد لهم وجود عسكري قوي هناك. العراقيون يريدون السيطرة على مناطق محاذية لحدود محافظاتهم مثل الأنبار. إسرائيل رسمت خطاً عرضه مائة كيلومتر على الأقل تعتبره تحت سيطرتها الجوية، تحظر دخول قوات إيران وميليشياتها. وفِي إدلب للأتراك نفوذ يضاف إلى تواجدهم في عفرين والمناطق التي صارت تحت إدارتهم منذ عملية «غصن الزيتون» في مطلع العام الحالي.

لو أن الحرب انتهت بشكل حاسم وانتصر فيها طرف واحد فقط، مثلاً السلطات السورية، من الطبيعي، كما في كل الحروب، أن يقبل الجميع بالإملاءات من دمشق، لكن الحرب تنتهي بدعم من قوى متعددة ولأسباب مختلفة. فالولايات المتحدة تريد القضاء على «داعش» والتنظيمات الإرهابية، وتركيا تريد منع الأكراد الانفصاليين من إقامة دولة لهم في سوريا، أو منعهم من اتخاذ مناطق نفوذ لهم، والإسرائيليون يقاتلون «داعش» والإيرانيين.

دمشق لم تبرهن بعد على قدرتها، أو رغبتها في التحول، وتبدو للكثيرين هي نفسها السلطة ما قبل 2011، لا تريد التخلص من حلفها مع إيران رغم الوعود والتوقعات، وليست راغبة في تغيير سياستها تجاه الداخل أيضاً.

في هذا الظرف، الأرجح أن نرى تكراراً لحالة العراق بعد حرب عام 90 - 91. آنذاك، ومن أجل حفظ التوازن بين القوى الإقليمية، اختارت الحكومة الأميركية الإبقاء على وجود عسكري لها في إقليم كردستان العراق، وكان هو العامل الرئيسي الذي منع بغداد من التغول في المنطقة وتهديد الاستقرار.

هل سيقبل النظام السوري إقصاء الإيرانيين وميليشياتهم، ووفي مقدمتها «حزب الله»؟ هل سيمتنع النظام السوري عن تهديد لبنان والتدخل في توازناته؟ هل سيتخلى عن دعم رفاقه القدامى من حماس والجهاد الإسلامي وغيره؟ هل سيمتنع عن إفساد خطط السلام في فلسطين كما كان يفعل في الماضي؟ هذه كلها سترتبط بوضع النظام في المستقبل القريب. فهو حالياً تتم إعادة تتويجه بعد أن كان على باب الخروج، ولعودته للمجتمع الدولي تتوقع الدول المعنية من دمشق سلوكاً مختلفاً، وكلمة النظام وحدها لن تكون كافية.

اقرأ المزيد
٢٣ سبتمبر ٢٠١٨
مدارسٌ على الأبواب.. وأطفال سوريا على باب الله!

التعلُّم حق لكلِّ طفل لكنه أصبح اليوم ترفًا للطفل السوري في البلدان العربية، بعد أن باتت أقساط المدارس الخاصة تضاهي أقساط الجامعات فلستَ مخيَّرًا أن تطرق أبوابَ المدارس الحكومية في البلد التي تقيم فيها، بل أنت مجبرٌ أن تُزاحم أبناءهم على مقاعد دراستهم بجيوبٍ فارغة لكن لا تنسَ أن تملأ جيوب قلبك بصبر أيوب دون أن تعدّ المدارس التي تقصدها وتردَّك من عتبةِ بابها بعد سؤالك: أجنبي؟ نعم سوري.. نأسف.

تتساءل هل أصبحت هويتي تهمة يُحاكَم عليها أبنائي؟! وقد تأتيك شجاعة هاربة من بين ضجيج الاحتجاجات التي تعترك في داخلك فتنبس ببنت شفة لماذا..؟ ليجيبك الموظف باستخفافٍ لجهلك: هكذا هو القانون! تجرُّ خيبتك دون أن تعلم ما هو الباب التالي وكل ما فيك يردد صدى جواب الموظف القانون.. هو ذات القانون الذي أجبرك على مغادرة بلادك والذي اعتقل جارك وخطف ابن عمّك ووهبَ بيتك لغريبٍ كهديةٍ على بقائه وكعقابٍ على هروبك.

تضيع في زحمةِ أفكارك، يُكبِّلك عجزك، فتُداري دمعةً تتوضَّأ في الأحداقِ لتُصلّي صلاةَ الغائب على ذلك القانون الذي لم يحضر إلا لينزع الحقائب الفارغة عن ظهر أطفالك، الذين انحنى ظهرك في حملهم وانتزاعهم من يد الموت في بلادك، بعد أن فرحوا بشرائها أكثر من ثياب العيد. لكن لا بأس لا تعتذر لطفلك عن قسوة المشهد واصطحبه معك وأنتَ تطرق أبواب مدارسهم ليضمَّ أحداث رحلة خذلانكما إلى شريط ذكرياته المشوَّهة، ويصمَّ أذنيه عند سماعه الأناشيد الوطنية ويكفر بتمجيد القادة والعرب فيُردّد في قلبه الفاتحة على روح العروبة.

لا تخشَ على تأزّم نفسيته فهذا الجيل يُرعبك بوعيه لما يجري حوله وحين يكبر لا أحد سيتوقع ردّات فعله. جيلٌ يوثّق تاريخَ الخذلان من العرب كلهم، لا تَلمه إن مجَّد أوروبا بعد أن سمع من ابن خالته عن مدرسته الجميلة ونشاطاتها الترفيهية. ولن تُفلحَ في إقناعه أن أولئك سيدمّرون جيلهم وبلاد العرب التي تغلق مدارسها في وجوههم سترعاهم! تعود بعد أن انتهاء ساعات دوام القانون آملاً أن يغيب في اليوم التالي وأنت تطرق بابًا من الأبواب، فيمرُّ بك طفلٌ صغيرٌ في السابعةِ من عمره تسأله بأي مدرسةٍ أنتِ يا صغيري؟ ليجيبك الطفل بغصَّةٍ: أنا ما تسجّلت! ليش: هيك لأني سوري! اقرأوها بدون مساحيق تجميلٍ لغوية، بلثغته، بحرقته، بلمعةِ الحزن في عينيه الجميلتين، وادفنوا العروبةَ في غمَّازته التي غابت عند الجواب.

تضرب أخماسك بأسداسك وتُفكّر أن تبيعَ قطعة الأرض التي هي آخر ما تملكه في الوطن، على اعتبار أن لا موعدَ لعودةٍ قريبة في جدول اغترابك، لتسدّد بنقودها أقساط مدرسةٍ خاصة تستقبل طفلك، لكن أرضك مسروقة يا ولدي وطريقك مسدودٌ مسدود! لكن لأجل عينيه اللتين نامتا باكيتين بعد ذاك اليوم الشاق لن تدع اليأس يتسرّب إلى قلبك الشهيد وتطرق مجدّدًا أبواب مدارس أخرى وقد يَعِدك مَن في قلبه مثقال ذرة من الرحمة بأن يُؤمِّن له مقعدًا في العام الدراسي القادم.

عندها لا حول لك ولا قوة! تعودان إلى البيت وأنتما تجرّان أذيال الخيبة، وبعد تفكير طويل تقرّر ألا تُضيِّع عليه السنة وتُكسبه مصلحة على الأقل، فتضعه عند جارك يعمل طوال النهار ونصف الليل براتبٍ زهيد علّه يوفر بعضًا من أقساط مدرسته في دكان زبائنه لا تعدّ ولا تُحصى يبيع المنتجات السورية.. وكأننا لم ننتج يومًا سوى الصابون والزعتر! ربما نسوا أو تناسوا أنهم إن مرضوا فتّشوا عن طبيب سوري! وإن تطاولوا في البنيان بحثوا عن مهندسٍ سوري! وأطفالهم لا يأمَن قلبهم إن لم يُعلَمهم مُدرّس سوري! فمنّا الوليد ومنّا الرشيد سنسود وسنشيد يومًا بإذن الله وبهمّةِ هذا الجيل الذي سيعود للوطن ويحميه من حُماةٍ ما حموه! ويردّ الدَّين لكل من أقرضه فرحًا أو حزنًا وبأيديه الناعمة التي حفرت الحرب خشونتها على خطوطها سيسطّر التاريخ. فانتظروه ليكبر..

اقرأ المزيد
٢٣ سبتمبر ٢٠١٨
سورية.. بداية جديدة

مع تجدّد المظاهرات في المنطقة الشمالية من سورية، تدخل الثورة إلى مرحلةٍ تضمر مقوماتٍ متنوعةً، يمكن أن تساعد على تجديدها وتحريرها من الأخطاء والعيوب التي لازمت مرحلتها الأولى بين العام 2011 ويومنا الراهن، وأهمها إطلاقا انزياحها عن برنامج "الحرية للشعب السوري الواحد" الذي أنتجته خيارات سياسية خاطئة، اعتمدتها جهاتٌ مثلت الثورة، وتدخلات كثيفة مارستها جهاتٌ وأحزاب محلية، وضغوط وإغراءات خارجية، عربية ودولية، أدت إلى تبنّي برنامجٍ غلبت عليه المذهبية، التقى مع جهود الأسد لتطييف الثورة ومذهبتها وعسكرتها، وأخرجها عن مسارها الأصلي، وهدّد استمرارها نفسه، لولا ما قدّمه الشعب من تضحيات لإدامتها.

واليوم، والمرحلة الجديدة تستعيد برنامج الثورة الأصلي: الحرية للشعب السوري الواحد، وتبشر بطيّ صفحة المذهبية والانقسام الداخلي، لا بد من رفض الخروج على هذا البرنامج، وأي جهد يقيّد حراك الشعب السوري من أجل الحرية أو يحرفه عن مساره، ومن المحتم التمسّك بالحرية هدفا مشتركا وجامعا للسوريين لا هدف لهم غيره، ولا يتهاونون مع الذين يضعفون فرص تحقيقه من إرهابيين ومذهبيين وفوضويين، وإلا ضاعت تضحياتهم وفشلت ثورتهم، في حال كرّرت المرحلة الجديدة ما وقع في المرحلة السابقة من تناقضاتٍ في الأهداف، وافتقار إلى برامج وخطط تنفيذية تضبط النشاط الثوري، وقيادة توحّد المجالين، السياسي والعسكري، وراء برنامج الحرية، ومرجعية القيادة الملتزمة به التي يجب تشكيلها من شباب الداخل ومناضليه الثوريين: أنصار الحرية ووحدة الشعب الذين يجب أن يقوّضوا قدرة الأسدية على التلاعب بتناقضات المجتمع السوري والإفادة منها.

في المرحلة السابقة التي توشك على الانتهاء ساعدت حالة الانتفاض المجتمعي الهائل، العفوي والشامل، على غلبة المشروع البديل للحرية، وحال عنف النظام الذي استهدف القطاع المدني من الحراك من دون بروز قيادة، وبلورة برامج خططية، يتبنّاها القطاعان، السياسي والعسكري، وتوحدهما، فهل سنتدارك من الآن فصاعدا نواقص الماضي، لنزيد من قدرتنا على نيل بعض مطالبنا، أم سنكرّر أخطاءها، فنفشل بأسرع مما يعتقد أي منا؟

ليس هناك من هو ضد التنوّع السياسي والعقدي، إلا إذا كان تناحريا، وأدّى إلى صراعٍ يخوضُه الجميع ضد الجميع، أوصلنا، في المرحلة الماضية، إلى حال كارثية. وتنبع أهمية الحراك السلمي الشعبي المتجدّد منذ أسابيع في توفره على مقوّماتٍ يمكنها أن تخرجنا منها، إذا أحسنّا استغلالها، ووحدنا أنفسنا والشارع حولها، وركّزناها على هدفٍ رئيس هو بلوغ الحرية. وبالتالي إسقاط الأسدية هدفا مشتركا يجمعنا، من دون أن يفيد الإرهابيون من زوالها، على أن لا نختلف إلى درجة العداء على طرق إزاحتها، إن كنا راغبين حقا في رؤية أنفسنا وأحزابنا وانتماءاتنا بدلالة وطننا وثورته، عوض أن نراهما بدلالة ذواتنا وأحزابنا وولاءاتنا الدنيا، التي لطالما فرّقتنا وسمحت لأعدائنا بالتلاعب بنا، وحولت تبايناتنا إلى تناقضاتٍ شحنت علاقاتنا بصراعاتٍ أنهكتنا، فاقت حدّتها أحيانا حدة صراعنا مع عدونا الأسدي، وسمحت له، ولكل من هبّ ودب، بالتدخل في شؤوننا، فلا عجب أن شلّنا العجز والضعف، يَعِد تجديد الثورة اليوم بمنحه ما يحتاج إليه من مساندة، ليستعيد دوره في الصراع على وطنه، وموقعه طرفا يستمدّ وزنه من تضحيات مجتمعه وصموده الأسطوري نيّفا وسبعة أعوام، فشل خلالها الحلف الأسدي الإيراني الروسي في كسر إرادته، فمن غير المقبول أن نبادر نحن، إن كنا حقا ثوارا وبكامل قوانا العقلية، إلى تحقيق، أو مساعدته من جديد على تحقيق ما فشل فيه.

من غير الجائز أن تكرّر البداية الجديدة أخطاء سابقتها. هذا منطلق أي عمل ثوري حقيقي ومآله.

اقرأ المزيد
٢١ سبتمبر ٢٠١٨
كيف سيرد بوتين على عدوان إسرائيل؟

حمّلت وزارة الدفاع الروسية مسؤولية سقوط الطائرة الروسية ومقتل طاقمها إلى إسرائيل، ووصفت ما قامت به إسرائيل بالعمل غير المسؤول، وما دام هذا عملا غير مسؤول، فما هو العمل المسؤول إذن! إنه المتفق عليه، وهو تدمير أسلحة قد تصل إلى يد حزب الله، بمعنى أنه لولا سقوط الطائرة الروسية لكان الأمر عاديا ومسؤولا، ولا مانع من ضرب وتدمير ما تسميه إسرائيل مصانع ومختبرات تصنيع أسلحة في اللاذقية، قد تصل إلى يد حزب الله.

أعرب نتنياهو عن أسفه للحادث وقدم تعزيته، واعتبر أن ما حدث هو مأساة، ولكنه أكد على حقه في محاربة الوجود الإيراني في سوريا ومنعه من التموضع العميق، وقال إن الصواريخ السورية انطلقت بعد دخول الطائرات الإسرائيلية إلى شمال فلسطين، وحمّل المسؤولية لجيش النظام.
إذن كيف يمكن لبوتين أن يرد على العمل غير المسؤول وما هي حساباته؟

لقد حقق بوتين مكاسب كبيرة في سوريا جوّا وبحرا وبرّا، وفرض نفسه قوة عظمى في الشرق الأوسط، بعد استفراد أمريكا في المنطقة لحقبة طويلة، وذلك من خلال تعلّق نظام بشار الأسد فيه بشكل مطلق، فلم يعد قادرا على الاستغناء عنه، وبات من مصلحة بوتين بقاء الوضع القائم، هذا الوضع يسهم الجانب الإسرائيلي في بقائه، فهو يملك قدرة التلاعب في الأوراق والتخريب والتنغيص على بوتين. العلاقة بين إسرائيل وروسيا عميقة أكثر مما يبدو على السطح، وهناك التزام روسي بعدم تعريض أمن إسرائيل لأي خطر كان ومن أي طرف كان، وتلتزم بعدم تزويد أي طرف معاد لإسرائيل بأسلحة نوعية متقدمة، وخصوصاً في مجال الدفاع الجوي. بوتين ينظر إلى إسرائيل كحليف قوي يمكن الاستفادة منه في عدة قنوات، فهو نافذة جيّدة على أمريكا وبعض الدول الأوروبية وحتى العربية، ويفيده في داخل روسيا نفسها، بينما ينظر إلى نظام الأسد كمتذيّل له، عاجز عن الحياة بدونه. هناك مئات آلاف المواطنين في إسرائيل يحملون جنسية مزدوجة روسية وإسرائيلية، ويعيش في فلسطين حوالي مليون إنسان من أصل روسي. اللغة الروسية لها مكانة خاصة ولها حضور رسمي وشعبي، وهي منتشرة في كل شارع ومتجر، وتوجد صحف وقنوات روسية، وهي حاضرة في معظم الإعلانات ونشرات المواقع والمؤسسات.

هناك اتفاقيات تبادل ثقافية روسية إسرائيلية، وما هو مشترك بين هذه الثقافات أكثر بكثير من المشترك بين ثقافة العرب والروس عموما، إضافة للقادمين من شرق أوروبا المتأثرين بالثقافة الروسية. يقام في كل عام مهرجان للموسيقى الروسية في وسط تل أبيب يحضره عشرات الآلاف، منذ عام 2000 حتى يومنا هذا، كتعبير عن قوة الحضور الثقافي الروسي، إضافة لمئات العروض المسرحية والفنون بكافة أشكالها باللغة الروسية في معظم المدن والتعاونيات الإسرائيلية.

في الحرب ضد الشيشان وقفت إسرائيل إلى جانب روسيا، وقدّمت لها الخبرة في مجال ما يسمى مكافحة الإرهاب – الإسلامي طبعا- وما زال هذا التعاون مستمرًا.

هناك أبحاث علمية مشتركة وتعاون في مجال التكنولوجيا الدقيقة، وبالذات في ما يسمى، النانو تكنولوجيا. هناك تعاون في المجال الفضائي، حيث أطلقت إسرائيل أقماراً صناعية بمساعدة روسية.

لا تمر بضعة أسابيع، حتى يزور وفد عسكري روسي رفيع هيئة الأركان في تل أبيب، للتباحث حول التعاون والاستشارات العسكرية المتبادلة، مثل محاربة «الإرهاب»، والمقصود في هذه الحالة المعارضة السورية، كذلك فإن إحدى الغارات الإسرائيلية على قوات إيرانية في سوريا نُفذت قبل فترة وجيزة أثناء وجود وزير الدفاع الروسي في تل أبيب، كتوقيع وتأكيد على تنفيذ الاتفاقات.

كثيرا ما استخدَم ويستخدم الطيران الروسي أجواء شمال فلسطين والجولان المحتل للإغارة على مواقع المعارضة السورية، وهذا بتنسيق تام واتصال مباشر بين الطيارين الروس والدفاعات الجوية الإسرائيلية. كما توجد علاقات تجارية متنامية بين البلدين، خصوصا بعد العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا، الأمر الذي أتاح لرجال أعمال إسرائيليين المزيد من الفرص في روسيا.

ما ينطبق على سوريا ينطبق أكثر على إيران، فروسيا ترى بإيران حليفا وعميلا تجاريا، ولكن من مصلحتها عدم السماح لهذا الحليف بتطوير أسلحته وقدراته العسكرية، كي يبقى معتمدا أكثر على السلاح الروسي. كذلك فهي حريصة على أن تكون هي القوة الأولى في سوريا وصاحبة القرار الأخير، ولهذا لا يقلقها ضرب إسرائيل لأسلحة وقوات إيرانية على الأرض السورية.

تخشى روسيا من مواجهة جويّة مع طيران إسرائيل وتتحاشى هذا، لأنها النتيجة قد تمس بهيبتها التي حققتها على الساحة السورية بعد عشرات آلاف الغارات على المدن والقرى السورية، وقد تؤدي المواجهة إلى تنفيس بالون دفاعاتها الجوية وقدراتها، وهذا قد يؤدي إلى خسارة مليارات الدولارات. ما يحدث في سماء سوريا يقول بأن السيطرة الإسرائيلية على الأجواء مستمرة رغم تهديدات روسية سابقة، طالما أنها تلتزم بعدم المساس بالقوات الروسية، وتقدم تبريرا «معقولا» في كل عدوان على قوات النظام، ولا حاجة لتقديم تبرير للغارات على القوات الإيرانية. بالتأكيد لن يتغير شيء في العلاقات والتعاون بين الطرفين في شتى المجالات، وقد يُنشر استنتاج يبرّئ إسرائيل تماما من التسبب في سقوط الطائرة الروسية ومقتل طاقمها، وأغلب الظن أن الإجراءات التي يتحدث عنها بوتين تعني زيادة التعاون والتنسيق العسكري بين روسيا وإسرائيل.

اقرأ المزيد
٢١ سبتمبر ٢٠١٨
الحقد الإيراني على رفيق الحريري

ليس اسم شارع باسم مصطفى بدرالدين وسكوت قسم من الطبقة السياسية على ذلك مجرد استقواء على الدولة اللبنانية ومؤسساتها، بمقدار ما أنه دليل على أن هناك من صار يمتلك القرار اللبناني.

تعطي تسمية شارع في الضاحية الجنوبية لبيروت باسم مصطفى بدرالدين فكرة عن مدى الحقد الإيراني على رفيق الحريري وعلى لبنان. عُوقب رفيق الحريري على إعادته الحياة إلى لبنان العربي، بالمعنى الحضاري للكلمة، وإلى بيروت بالذات لا أكثر ولا أقلّ.

في النهاية ليس مصطفى بدرالدين المتهم الرئيسي في ترتيب عملية تفجير موكب رفيق الحريري ورفاقه فحسب، بل هو متهم أيضا بتفجيرات سبقت محاولة اغتيال أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد في العام 1985.

بقي بدرالدين، الذي كان يقيم في الكويت تحت اسم إلياس صعب، في السجن الكويتي حتّى صيف العام 1990. أخرجه منه العسكريون ورجال الأمن العراقيون الذين شاركوا في مغامرة احتلال الكويت وقتذاك إبان حكم صدّام حسين. أراد صدّام من إطلاق بدرالدين توجيه رسالة حسن نيّة إلى إيران التي خاض معها حربا استمرّت ثماني سنوات.

كانت الكويت، مع دول مجلس التعاون الخليجي، من بين الذين دعموه ماليا وسياسيا في تلك الحرب… فكافأها بالإقدام على مغامرته المجنونة غير مدرك أنّ إيران ستكون في المدى الطويل المستفيد الأوّل والأخير من هذه المغامرة. يدل على ذلك، بوضوح ليس بعده وضوح، ما نراه بأمّ العين في العراق اليوم.

ليست المسألة مسألة شارع باسم شخص وفّر الادعاء العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أدقّ التفاصيل المتعلّقة بدوره في عملية اغتيال رفيق الحريري. المسألة أبعد من ذلك بكثير وهي مرتبطة، أوّلا وأخيرا، بالسيطرة على لبنان وتحويله مستعمرة إيرانية.

هل سينجح “حزب الله” في ذلك؟ هذا هو السؤال الكبير والمحوري الذي يفرض نفسه في وقت قرّر قسم لا بأس به من المسيحيين في البلد الوقوف موقف المتفرّج حيال ما يدور على أرض بلدهم. لم يعد هذا الموقف العجيب لبعض المسيحيين مستغربا في ضوء الخطوة الأساسية التي أقدم عليها “حزب الله” عندما استطاع أن يتحول إلى الطرف الذي يسمّي رئيس جمهورية لبنان، وأن يفرض هذا الاسم على الآخرين بعيدا عن أي ممارسة ديمقراطية من أيّ نوع.

إن قبول قسم من المسيحيين بأن يفرض “حزب الله” من هو رئيس الجمهورية على كلّ اللبنانيين جريمة لا تقل في خطورتها عن قبول اتفاق القاهرة في العام 1969 من دون إدراك نواب الأمّة، وبينهم زعماء مسيحيون كبار، لأبعاده ونتائجه ومن دون الاطلاع على فحواه.

باستثناء تسجيل موقف واضح يعترض على خطوة من نوع تسمية شارع باسم شخص موضع اتهامات بجريمتيْ قتل وتفجير في لبنان والكويت، ليس في استطاعة الدولة اللبنانية القيام بالكثير. هناك ما يتجاوز تسمية الشارع باسم شخص لا تزال ظروف مقتله في مطار دمشق في العام 2016 لغزا يلفّه الغموض، تماما مثل لغز اغتيال عماد مغنيّة (بدرالدين متزوج من شقيقة مغنيّة) في إحدى ضواحي دمشق (كفرسوسة) في شباط – فبراير من العام 2008.

في انتظار اليوم الذي تتكشف فيه حقيقة من قتل مصطفى بدرالدين في مطار دمشق وظروف التخلص منه ومن اغتال عماد مغنيّة في كفرسوسة، يفترض في اللبنانيين تحديد الخطر الحقيقي الذي يتهدد بلدهم. يكمن هذا الخطر في أسباب الوصول إلى مرحلة لم تعد فيها الدولة اللبنانية قادرة سوى على الوقوف مكتوفة، والاكتفاء بتسجيل موقف، أمام تسمية شارع باسم شخص يأتي اسمه على رأس لائحة المتهمين باغتيال رفيق الحريري.

لعلّ أخطر ما في الأمر ذلك السعي الدؤوب إلى التخلّص نهائيا ممّا كان يرمز إليه رفيق الحريري، الذي علّم على نفقته آلاف اللبنانيين من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق والطبقات الاجتماعية، ومن كلّ أبناء مدرسته وكلّ ما لا يزال يرمز إليه الرجل.

قبل كلّ شيء، يرمز رفيق الحريري إلى ثقافة الحياة في لبنان. يرمز أيضا إلى أن بيروت تستطيع أن تكون لؤلؤة المدن على شاطئ البحر المتوسط. يرمز رفيق الحريري إلى صمود بيروت وازدهارها وقدرتها على مقاومة ثقافة الموت.

منذ اغتيال رفيق الحريري، لم يوجد من يدق مسمارا في مشروع بناء يساهم في تحسين البنية التحتية للبلد. على العكس من ذلك، هناك اهتراء يومي لما تركه رفيق الحريري للبنانيين من أسس لإقامة مثل هذه البنية

بيروت المدينة التي فيها جامعات ومدارس وحركة فنّية وثقافية وإعلام متنوع ومتطور. بيروت التي تتمتع بالقدرة على أن تكون لجميع اللبنانيين والعرب والأجانب، بغض النظر عن دينهم وثقافتهم وخلفياتهم الاجتماعية. هذا بعض من حلم رفيق الحريري الذي تحقّق جزئيا، والذي كان مطلوبا القضاء عليه كي لا يعود أي لبناني يفكّر بغير كيفية إيجاد طريقة للهجرة وإرسال أولاده إلى خارج البلد في بلد لا يستطيع إيجاد حلّ لمشكلة الكهرباء أو النفايات… أو زحمة السير والمطار.

منذ اغتيال رفيق الحريري، لم يوجد من يدق مسمارا في مشروع بناء يساهم في تحسين البنية التحتية للبلد. على العكس من ذلك، هناك اهتراء يومي لما تركه رفيق الحريري للبنانيين من أسس لإقامة مثل هذه البنية. فوق ذلك كلّه، لم تعد بيروت وجهة عربية. صار العرب يخافون منها. كلّ كلام عن استخراج النفط والغاز من النوع المضحك المبكي في عالم يحتاج إلى خبراء في هذا الشأن وليس إلى سياسيين صنعوا في أنابيب. يمكن أن يكون هناك الطفل الأنبوب ولكن لا يمكن صناعة سياسي في أنبوب. خير دليل على ذلك ما آلت إليه سوريا منذ خلف بشّار الأسد والده في العام 2000.

ليس اسم شارع باسم مصطفى بدرالدين وسكوت قسم من الطبقة السياسية على ذلك مجرّد استقواء على الدولة اللبنانية ومؤسساتها، بمقدار ما أنّه دليل على أنّ هناك من صار يمتلك القرار اللبناني. هذا كلّ ما في الأمر. من يمتلك القرار بات يجاهر بأنّه لا يستحي بالوقوف خلف اغتيال رفيق الحريري، ولا يستحي من قدرته على إثارة كلّ الغرائز المذهبية التي يمكن إثارتها. هذا لا يمنع من طرح سؤال في غاية البساطة؛ هل التفاخر بأشخاص مثل مصطفى بدرالدين دليل ضعف أم دليل قوّة؟

الأكيد أن القوي حقيقة لا يلجأ إلى الترهيب في التعاطي مع شركائه في الوطن، بما في ذلك الشيعة الذين يعتبرون لبنان وطنا نهائيا يستحق كل ولائهم، ولا إلى إلغاء مؤسسات الدولة اللبنانية عن طريق تدميرها وقضمها. هذه لعبة لا يمكن أن يخرج منها رابح خصوصا في وقت بات على إيران أن تختار بين أن تكون دولة طبيعية، أو أن يصبح النظام فيها منبوذا.

كيف يمكن، في نهاية المطاف، الرهان على نظام، مرفوض من الإيرانيين أنفسهم، لا مستقبل من أي نوع له. خطورة هذا الرهان في أنّ لبنان يمكن أن يدفع ثمنا كبيرا بسبب وجود من قرّر اعتماده. وهذا لا ينطبق على “حزب الله” وحده للأسف الشديد… بل على كلّ من يؤمن بحلف الأقلّيات أيضا وبأن للنظام السوري مستقبلا ما غير مزبلة التاريخ.

اقرأ المزيد
٢١ سبتمبر ٢٠١٨
مظاهرات إدلب.. الحكاية من البداية

خرجت محافظة إدلب، وأجزاء من محافظتي حلب وحماة في مظاهرات حاشدة يوم الجمعة (14 سبتمبر/ أيلول الحالي)، وهذه هي المرة الأولى التي يتمكّن فيها الحراك المدني من العودة إلى التظاهر بحرية، بعيدا عن قمع التنظيمات الإرهابية، مثل داعش وجبهة النصرة، اللذين هيمنا على المشهد منذ بدايات عام 2013، وحرفا الثورة، تدريجيا، عن هدفها الأساسي ومشروعها الوطني الديمقراطي.

أعادت المظاهرات مشاهد 2011، حين نزل السوريون من أقصى الجنوب في درعا حتى أقصى الشمال في القامشلي، وهم يهتفون "الشعب يريد إسقاط النظام"، وكان ذلك قبل أن يدخل السلاح في المعادلة بتخطيط من النظام، وشارك في إحدى مظاهرات يوم الجمعة حوالي ثمانية ملايين.

يبالغ كثيرا كل من يحسب أن مظاهرات إدلب ستعيد الموقف إلى ما كان عليه في 2011، لكن لا يمكن التقليل من أثرها السياسي المباشر، فهي عكست نفسها على قمة الرئيسين، التركي والروسي، رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، يوم الاثنين الماضي، ولعبت دورا في تجنيب المحافظة عملية عسكرية واسعة، كانت ستنتهي إلى ضحايا ودمار وتهجير.

وجاءت المظاهرات، لترد على الزعم القائل إن الثورة انتهت كليا، وأصاب الشارع السوري اليأس والإحباط. وأيقظ الشعار الذي رفعه المتظاهرون "لا بديل عن إسقاط النظام" نوعا من النوستالجيا لدى السوريين. ومع أنهم يعرفون أنه بات مستحيلا أن تتجدد الثورة اليوم، وهي تواجه الحرب الروسية الإيرانية ضدها، فإنهم أرادوا أن يعبروا عن رفضهم عودة نظام الأسد إلى المناطق التي لا تزال خارج سيطرته، لا سيما أن إدلب استقبلت، عدة أعوام، جميع الرافضين للمصالحة مع النظام، والذين نزحوا إليها من جميع المناطق، ويشكل هؤلاء، مع أهل إدلب، أكثر من ثلاثة ملايين.

أما في ما يخص التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها جبهة النصرة، فقد اختفت من مسرح المظاهرات، ولم تقم بما يمكن أن يقمعها، جريا على عادتها في الأعوام الماضية، حيث منعت رفع راية الثورة، واعتقلت الناشطين الذين ينادون بالسلمية والانتماء للجيش الحر. ولا يمكن تفسير هذا الموقف بأنه من باب مكارم الأخلاق، أو صحوة في لحظة مفصلية في مصير هذه المنطقة، بل هو خوف من رد الفعل الشعبي تجاه هذه الجماعات التي سمّمت حياة الناس، وساهمت بسلوكياتها في تمهيد الأرض من أجل عودة النظام.

يشكل هذا الموقف مناسبةً من أجل العمل على عزل هذه المجموعات، ومنعها من إفشال الاتفاق التركي الروسي، ومن تقديم ذريعة جديدة لروسيا وإيران للهجوم الواسع على إدلب والتنكيل بها، مثلما حصل في حلب والغوطة ودرعا. وفي هذه الحالة، ليس من مصلحة أهل إدلب إيجاد مخرج لجبهة النصرة وأخواتها من التنظيمات الإرهابية، فهؤلاء ركلوا عشرات المبادرات التي تم تقديمها لهم، كي يحلوا أنفسهم، إلا أنهم أصرّوا على خدمة أجنداتٍ خارجية، وبالتالي تلوح فرصة اليوم لتصعيد العمل ضد التنظيمات الإرهابية وطردها من محافظة إدلب المكتظة بالمدنيين.

كرّرت إدلب ما قالته حلب والغوطة ودرعا من أن الثورة لم تنهزم، وهي يمكن أن ترفع رأسها إذا زال خطر براميل النظام وبندقية التنظيمات الإرهابية وأمراء الحرب. الشعب السوري ضحية هذه المعادلة منذ عام 2013، ولا خلاص فعليا للمناطق المحرّرة من النظام إلا بعودة الحراك المدني الذي سوف يغيّر مجرى المعادلة الحالية.

المظاهرات هي عينة من بلد يريد الروس والإيرانيون أن يعود بشار الأسد وأجهزته لحكمه. وقبلها كانت المناطق التي أخضعوها، بقوة السلاح والدمار، تحت ذريعة الإرهاب. ريف حمص، حلب، ريف دمشق، الغوطة، درعا، وهي مرشّحة للسير على خطى إدلب.

اقرأ المزيد
٢١ سبتمبر ٢٠١٨
الدبلوماسية التركية تحيي أمل الحل السياسي بإدلب

بعد عشرة أيام من قمة ثلاثي أستانة في طهران، عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قمة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي، قدمت مؤشرات على العديد الصعد.

في الواقع، لم تتمخض قمة طهران عن النتيجة المأمولة. وقبلها دعا أردوغان إلى وقف إطلاق النار وإيجاد حل سياسي في مواجهة هجمات روسيا والنظام السوري على إدلب، لكن اعتراض بوتين زعزع الآمال بالتسوية.

هذا الخلاف على طاولة المباحثات انعكس على الساحة فاستمر القصف من البر والجو عدة أيام، وسقط فيه الكثير من المدنيين بينهم نساء وأطفال.

تدخلت الدبلوماسية التركية، وبدأت تحركات على الصعيد الدولي لإقناع روسيا بوقف إطلاق النار، فعقدت اجتماعًا رباعيًّا على المستوى الدبلوماسي والتقني في إسطنبول مع فرنسا وألمانيا وروسيا. كما كثفت جهوها في الأمم المتحدة، وحصلت على دعم واسع بشأن التوصل إلى هدنة شاملة في إدلب..

وفي الأثناء، واصلت الدبلوماسية والاستخبارات التركية مباحثاتها المباشرة مع روسيا، ليجتمع أردوغان في نهاية المطاف ببوتين في سوتشي، يتفق الزعيمان على بدء مسار جديد من أجل إدلب.


دبلوماسية فعالة
أهم ما في هذا الحدث هو إصرار أنقرة على حل سلمي في إدلب، وبذلها جهود دبلوماسية فعالة في هذا السبيل. وهذا يكشف أولًا عن الدور الدولي لتركيا من جهة، وعن تأثيرها على بلد قوي كروسيا من جهة أخرى.

في الحقيقة، لولا ضغوط أردوغان، لربما زادت روسيا والنظام السوري من هجماتهما على إدلب، وبالتالي كانت الأزمة ستتفاقم بشكل أكبر.

نقطة أخرى جديرة بالإشارة، وهي طريقة تعامل تركيا وروسيا مع الخلافات بينهما. رغم سقوط مدنيين استخدمت تركيا أسلوبًا معتدلًا، وعوضًا عن استخدام خطاب شديد اللهجة على العلن فضلت الدبلوماسية الهادئة، وهذا هو الصواب لا شك.


طريق وعر وطويل
إصرار أنقرة على سلوك السبيل السياسي وليس العسكري من أجل حل مشكلة إدلب هو الصواب. ومن الواضح تمامًا أن موجة نزوح جماعي هي مشكلة واحدة فقط من المشاكل السلبية الكثيرة التي قد تنجم عن العمليات العسكرية بإدلب.

مما لا شك فيه أن من الصعب الوصول إلى حل عبر الطريق السياسي في منطقة تكوينها الديموغرافي معقد، وتحتض العشرات من المجموعات المسلحة الصغيرة والكبيرة، التي يعادي البعض منها البعض الآخر.

هذا يتطلب حسن نية وعزيمة وصبر. القمة التي استضافتها سوتشي تبعث على الأمل بأن هذا الحل السياسي هو الطريق المفضل من الآن فصاعدًا..

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
دور تمكين المرأة في مواجهة العنف الجنسي في مناطق النزاع: تحديات وحلول
أ. عبد الله العلو 
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
صمود المرأة ودورها القيادي في مواجهة التحديات
فرح الابراهيم
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
العنف الجنسي في حالات النزاع: تحديات وآثار وحلول ودور المرأة في هذه الظروف
أحمد غزال 
● مقالات رأي
١٣ يونيو ٢٠٢٤
تعقيب قانوني على تقرير لجنة تقصّي الحقائق حول استخدام السلاح الكيماوي في ريف حماه الشرقي
المحامي: عبد الناصر حوشان
● مقالات رأي
٢٤ مايو ٢٠٢٤
القائد العصامي ومكتسبات الثورة السورية في "ميزان الفاتح"
عبدالله السباعي
● مقالات رأي
٢٠ مايو ٢٠٢٤
وضع يده بيد المجرم وشارك بقتلهم .. لماذا يفرح السوريون بمقتل الرئيس الإيراني "رئيسي"
ولاء زيدان
● مقالات رأي
١٧ مايو ٢٠٢٤
"الجـ ـولاني" على نهج "الأسد" في قمع الاحتجاجات وكم الأفواه بالرصاص
ولاء زيدان