مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١ أكتوبر ٢٠١٨
سورية قبل إدلب وبعدها ؟

 استطاعت التهدئة إعادة الروح إلى الشارع السوري، تقلّصت فيه الحواجز الأمنية، أزيلت منه المتاريس والكتل الاسمنتية، حذفت من التداول فيه الجراح النازفة، لعلها تندمل بمرور الزمن، وربما بعلاج المصالحات الروسية والسورية!

عادت الروح إلى الشارع العام، أمّا الشارع السياسي فلم تكن فيه حياة حقيقية لتعود الروح إليها. حاول النظام في بداية الأزمة تطعيم سلطته بنكهةٍ ديموقراطية لسد الذرائع، يُسَيِّسُ فيها معارضةً له تحت عباءته الأمنية. وهذا ما حدث فعلياً، فالأحزاب الجديدة جميعها لا تقدم نفسَها إلاّ معارضة، يُسوِّقها في مؤازرة موسكو لدى المجتمع الدولي لإضعاف المعارضة الخارجية وتشتيتها. وعين هذه الأحزاب ترصد وتترقب ليس خرقاً سياسياً بتأثير الضغوط الدولية، بل استمرار التهدئة كما هي حالياً، ومن ثمّ اعتمادها حلاًّ سياسياً تقدم هذه الأحزاب نفسها لحمل راية المعارضة فيه، وكل تأخير في حسم انفراد النظام بالحل يقلقها، ويقضُّ مضاجعها.

مشكلة إدلب لا تُناقَشُ في أدبيات الأحزاب المحلية إلاّ بلغة النظام في القضاء على الإرهاب، وقلقها ليس فقط من طول الانتظار، بل من الصراع الخفي بين من يَستظِلّ بعباءة النظام ومن يستظلّ بعباءة موسكو، وكل طرف منهما يقلقه اتّساع نفوذ غريمه. فحبال الود لم تُقطع بين النظام ومنصتي موسكو والقاهرة، وفي الداخل تمتد حبال الود بين الأحزاب الجديدة المرعية أمنياً وموسكو وحميميم. هذه الحبال قد تُشوش مرحلة ما بعد التهدئة، التي يسعى المجتمع الدولي لتكون تنفيذاً لقراره «2254» ويملك من وسائل الضغط رفض المشاركة بإعادة الإعمار، والتهديد والوعيد أوروبياً وأميركياً. وما العودة إلى اللجنة الدستورية في ظلِّ التهدئة أثناء استفحال الخطر في إدلب، إلاّ محاولة لنزع فتيل الانفجار بوعود دستورية تحترم الرغبة الأممية في تخفيف هيمنة النظام على مرحلة ما بعد الحسم الميداني، استجابة للضغوط العربية والدولية. الصراع على اللجنة الدستورية تشكيلاً وهويّةً وورقةَ عملٍ، لم يُحسم خلال الأشهُر الثمانية الماضية، ويتفاءل دي ميستورا بحسم تشكيلها قبل نهاية العام الحالي، وقد أمسك بطرف الخيط، في اجتماعه بوفود الدول الضامنة، وبعده مباشرة بمجموعة الدول المصغرة (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، السعودية، الأردن، مصر، ألمانيا). وحتى لو تشكلت، يصعب التنبُّؤ بنجاحها، فالشروخ كبيرة ليس فقط بين النظام ومعارضيه، بل بين امتدادات الجهتين عربياً وإقليمياً، إضافة إلى استفحال الاستفزاز الملتبس بين واشنطن وموسكو، وانعدام تأثير المجتمع الدولي على شطحاتهما.

قمة طهران (7/9/2018) كلفت خبراء دولها في الخارجية والدفاع والقوى الأمنية، بوضع الخريطة التي وقعها وزيرا الدفاع الروسي والتركي في قمة سوتشي الأخيرة بين بوتين وأردوغان، وهي اتفاقية للفصل الميداني بين طرفي النزاع. أمّا الجانب السياسي فيها فلم يرشح عنه ما يشكل أرضية لقراءة خطوطه العريضة، والتسريبات مُختَلَفٌ عليها تفسيراً وتأويلاً بين الموالاة والمعارضات، وأغلب الظن أن الحسم السياسي تُرِك لحراك دولي أوسع، لن يُهمل طالما هناك استعراض للعضلات العسكرية بين الثنائية القطبية.

على كل حال، نجحت قمة سوتشي في فصل القوات، وإبعاد هيئة تحرير الشام من إدلب، ربما إلى مرمى النيران السورية والروسية في البادية الشامية، أو إلى الأحضان القطرية الإيرانية في مكانٍ ما، وهذا يسهّل تقبُّلَ الدول الضامنة ما يتبقى داخل إدلب معتدلاً لا متطرفاً، لكن النظام أعلن احترامه الاتفاق، وأردفه بلغة التأهب لإعادة إدلب الى أحضانه!

لا شكّ في أنّ نجاح الحسم الميداني من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، قرار عربي إقليمي دولي، نفذه النظام وموسكو ولم يُعلن عن الثمن الذي دُفع، أو يُدفع للموقّعين عليه خطياً أو شفهياً، أو بغض الطرف، أو بقطع طرق إمداد الفصائل المعارضة المتطرفة. وأغلب الظن أن الثمن بقي قيد التداول في الاستثمار السياسي والمصادرات، ولن يُدفع إلاّ بالتقسيط، فأجواء الاستنزاف الميداني ما زالت قيد التداول.

اللجنة الدستورية يحاول المبعوث الدولي تشذيبها، وتطعيمها بجرعة أممية تسد الرمق الأوروبي وتنفّس احتقانه، بينما يقرع النظام طبول الانتصار الميداني والسياسي معتبراً أو مفسِّراً أو مؤوِّلاً ما تم حتى الآن بأنه يشكّل قصفاً تمهيدياً لتعويم التهدئة. أمّا الحل السياسي، ولجنة الدستور، وشطحات دي ميستورا، فالنظام وموسكو يقفان لها بالمرصاد ومن ثَمَّ فساعةُ الصفر السياسية لن تُنيخَ رِكابَها إلاّ باستنزاف سياسي وميداني قد يكون طويل الأمد، وربما احتاج إلى جهود داعشية داعمة!

ما من خطوة في معركة الحل السياسي على الطريقة الأممية الدستورية، إلاّ وتحتاج إلى منتديات ومؤتمرات، وضغوطات سياسية وميدانية، لكن التوافق على ورقة عمل لجنة الدستور إذا تمّ، فإنه يوحي بإمكان فبركة «خطة» لحل سياسي يحترمه النظام والحلف الثلاثي الضامن، لفرملة الشطط الأممي في لعبة التغيير أو التعديل الدستوري. مشاغل النظام هذه تُلهيه عن الالتفات إلى الأفواه الحزبية المفتوحة في الداخل، تنتظر دعوته إلى المائدة، وجميع أمنائها العامّين يتنقلون اختيالاً بين المقاهي السياسية والمرجعيات الأمنية، لعل «الرتوش» السياسي ينطلق قبل أيّ تغييرات تشمل الداعمين، فتضيع جهودهم (المعارِضة) هباء منثوراً، لذلك يدأب هؤلاء على مدّ حبال الولاء إلى الجيل الصاعد بالمواقع السياسية والأمنية، في جوٍّ ملبدٍ بصراع النفوذ داخلياً بين طهران وموسكو!

المشهد الدولي حول سورية وهي تحاط بالأساطيل البرية والبحرية والجوية، وارتفاع وتائر التأهب، بما فيها إسقاط الطائرة الروسية، حوافز للحسم السياسي، وليس الميداني، وهذا مُتَوَقَّعٌ عملياً، لكن الحل السياسي طالما هو متعثّر فلن يُرفعَ الحسمُ الميدانيُّ من التداول مهما قلّت نسبة احتماله، وأغلب الظن أن حرب المصادرات لن تتخلّى عن الاستنزاف الميداني، على شاكلة حروب الاستنزاف العربية التي لا تنتهي إلاّ بانتصار الجميع، وهذه حال الحل السياسي المطروح أُمَمياً والمتعثّر واقعياً!

اقرأ المزيد
١ أكتوبر ٢٠١٨
سقوط قطعة من لبنان

لا حاجة إلى الكثير من التفكير والتعمق في الأحداث للوصول إلى خلاصة فحواها أن توقف “دار الصياد” عن إصدار مطبوعاتها ابتداء من اليوم الاثنين الواقع فيه الأوّل من تشرين الأوّل – أكتوبر 2018 يعكس الحال التي آل إليها بلد اسمه لبنان. هناك موجة تصحّر تضرب لبنان (لبنان الأخضر سابقا).

ليس توقف صحيفة عريقة مثل “الأنوار”، ومجلة عمرها من عمر الاستقلال مثل “الصيّاد”، ومجلة فنيّة مثل “الشبكة”، سوى تكريس لواقع جديد في بلد كان إلى ما قبل فترة قصيرة ينبض بالحياة والحيوية والأفكار الجديدة فإذا به في السنة 2018 لا يستطيع حلّ مشكلتي الكهرباء والنفايات اللتين يعاني منهما. هناك بلد كان مطاره في ستينات القرن الماضي أحد أهمّ مطارات العالم، فإذا به في أيامنا هذه أقرب إلى مطار بائس في دولة من دول العالم الثالث في أقصى مجاهل أفريقيا.

الأكيد أن هناك أسبابا مختلفة، طابع بعضها عائلي، جعلت القيمين على “دار الصيّاد” يلجأون إلى التدبير الذي لجأوا إليه الذي يعني الاستعانة بمقولة: آخر الدواء الكيّ. لكنّ مثل هذا التدبير ليس سوى سقوط لقطعة أخرى من لبنان في وقت يشهد البلد انهيارا مبرمجا لمؤسسات الدولة. لعلّ آخر دليل على الانهيار، ذلك العجز عن تشكيل حكومة جديدة بعد تكليف النواب الرئيس سعد الحريري تولي هذه المهمّة مباشرة بعد انتخابات السادس من أيار – مايو الماضي، أي قبل نحو خمسة أشهر تقريبا.

هناك إصرار على الهدم والتدمير، بدل ترك الرئيس المكلف يؤدي المهمّة المطلوبة منه، وهي مهمة تبدو ظاهرا في غاية السهولة لكنها تعكس عمق الأزمة اللبنانية ورغبة أطراف معروفة على رأسها “حزب الله” في تغيير طبيعة النظام القائم منذ إقرار اتفاق الطائف الذي أوقف الحرب الداخلية في العام 1989. يكفي طرح سؤال واحد للتأكد من أن مثل هذه المهمّة، مهمة سعد الحريري، ليست مستحيلة. هذا السؤال هو أي حكومة يحتاج إليها لبنان في مثل هذه الأيّام والظروف؟

الجواب أنّه يحتاج إلى حكومة تضمّ شخصيات تتمتع بكفاءات معيّنة… وما أكثر الكفاءات في لبنان. لماذا كلّ هذا الإصرار على منع الرئيس المكلف من القيام بالمطلوب منه من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مؤسسات وقطاعات حيوية؟ من الواضح أنّ هناك قوى تعمل من أجل أخذ لبنان إلى الهاوية.

ليس القضاء على الإعلام اللبناني سوى جزء من هذه الحملة التي تستهدف البلد ككلّ وصولا إلى إفقاره، في كلّ مجال، كي يسهل التحكّم به. هذه الحملة ليست بنت البارحة لإذا أخذنا في الاعتبار اضطرار جريدة متميّزة مثل “السفير” إلى التوقف عن الصدور في اليوم الأخير من العام 2016، مع ما يعنيه ذلك من خسارة لفكرة التنوّع التي تشكل جزءا لا يتجزّأ من الصيغة اللبنانية ومن الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والفنّية في بلد مثل لبنان.

إذا أخذنا في الاعتبار ما تعرّض له لبنان في السنوات الخمسين الأخيرة، أي منذ توقيع اتفاق القاهرة في العام 1969 وحتّى قبل ذلك، نكتشف أن صمود الإعلام طوال هذه الفترة كان معجزة أكثر من أيّ شيء آخر. يبدو أننا بلغنا حاليا مرحلة نهاية هذا الصمود البطولي للإعلام اللبناني الذي يعاني، أكثر من أي وقت، من تقليص دور البلد وتحويله أسيرا لدى “محور الممانعة” الذي تمثله على الأرض ميليشيا مذهبية لا همّ لها سوى أن يكون لبنان مجرّد منصة إعلامية لإيران وأدواتها الإقليمية. لذلك، لا نجد ازدهارا في بيروت سوى للإعلام المرتبط بطريقة أو بأخرى بالمشروع التوسعي الإيراني، إنْ عبر صحف معيّنة، أو عبر فضائيات معروف أنها تبث من مواقع محدّدة بحماية من “حزب الله”، ولا هدف لها سوى الإساءة إلى العلاقات العربية للبنان.

ثمة معلومات خاطئة عن الإعلام اللبناني وعن الصحف والمجلات اللبنانية تحديدا. هذه الصحف والمجلات، من بينها صحف “النهار” والأنوار” و”الحياة”، ومجلة مثل “الحوادث” (سياسية) و “الشبكة” (فنّية) كانت قادرة قبل العام 1975 على إيجاد توازن بين الدخل والإنفاق. كان لبنان سوقا إعلانية كبيرة. صحيح أنّ مؤسسات إعلامية كبيرة كانت تحصل على مساعدات خارجية، لكن الصحيح أيضا أن هذه المساعدات كانت بمثابة دخل إضافي يذهب في معظمه إلى صاحب المؤسسة أو بعض العاملين فيها.

ليس توقف “الأنوار” مجرّد توقف لصحيفة كانت في عز أيام الصحافة اللبنانية تنافس “الحياة”، قبل اغتيال كامل مروّة في 1966، ثم “النهار” التي صعدت إلى موقع الصحيفة الأولى لبنانيا وعربيا في أواخر الستينات ومنتصف السبعينات من القرن الماضي. كانت “الأنوار” في البداية جريدة جمال عبدالناصر في لبنان. كان صاحبها سعيد فريحة ناصريا حتّى العظم، لكنه عرف مع مرور الوقت، ومع انتهاء زمن الناصرية، كيف يحافظ على جريدته ويبني مؤسسة كبيرة تبدو حاليا في طريق الزوال.

ليس توقف منشورات “دار الصيّاد” حدثا عابرا. ما حصل يشير إلى أن الحملة على الإعلام اللبناني أدّت غرضها إلى حدّ كبير. كان مطلوبا في كلّ وقت إسكات بيروت. ما نشهده حاليا هو خطوة أخرى على هذا الطريق. ثمة حاجة بين وقت وآخر إلى العودة إلى الماضي القريب من أجل فهم لماذا هذا الإصرار على خلق بيئة لبنانية لا تتحمّل أي إعلام متنوّع خارج عن سلطة “محور الممانعة” وخطها. ففي أواخر العام 2003، استقبل رئيس النظام السوري الرئيس رفيق الحريري، في حضور ثلاثة ضباط فقط هم غازي كنعان (وزير الداخلية) ورستم غزالي (مسؤول المخابرات في لبنان) ومحمد خلوف الذي كان يشغل موقع رئيس المراقبين السوريين في لبنان. طلب الأسد الابن من الرئيس الحريري بعدما وجه إليه كلاما مهينا ثلاثة أمور. كان بين ما طلبه بيع أسهمه في جريدة “النهار” فورا. رضخ رئيس الوزراء اللبناني وقتذاك لتهديدات بشّار وباع أسهمه في “النهار”، أقله شكلا، بعد عودته إلى بيروت من دمشق.

بعد أقلّ من سنتين اغتيل رفيق الحريري، واغتيل بعد ذلك سمير قصير أبرز المعلقين والكتاب في “النهار”، ثم جبران تويني وذلك كي لا تقوم للجريدة قيامة في يوم من الأيام.

لا تزال “النهار” تصدر على الرغم من الأزمة المالية التي تعاني منها، لكن المطلوب تحقّق ولم يعد للجريدة، التي لا تزال تقاوم، أيّ نبض سياسي. ترمز “النهار” حاليا إلى ما حلّ بالإعلام اللبناني وإلى ما يجب أن يكون عليه هذا الإعلام. جاء احتجاب “الأنوار” التي لم يعد أحد يسمع بها في السنوات الأخيرة، لولا مقالات إلهام فريحة ورفيق خوري، لاستكمال المشهد الذي افتتح بدخول “قوات الردع” العربية التي كانت في معظمها سورية إلى لبنان في أواخر العام 1976، وما تلا ذلك من فرض للرقابة على الصحف.

هل بات في الإمكان الكلام حاليا عن نعي الصحف اللبنانية خصوصا، والإعلام اللبناني عموما. من السابق لأوانه الذهاب إلى هذا الحد في التشاؤم ولكن في ظلّ الانهيار اللبناني الكبير الذي لم يكتمل بعد صار كلّ شيء ممكنا.

اقرأ المزيد
١ أكتوبر ٢٠١٨
سورية إلى مستوى آخر من الدمار

ما يخشاه المرء أن تتطور الأمور في سورية، أن تشتبك الأزمة السورية مع الصراع الروسي الأميركي، عبر الأميركيون كثيراً عن محدودية اهتمامهم بالشأن السوري، يكفيهم تدمير داعش مع بعض الترتيبات على الأرض ولكن الإدارة الحالية أضافت هدف خروج إيران من سورية أو إضعافها.

الدول الكبرى لا تلتقي أو تصطدم مع أصدقائها وخصومها في موضع واحد، قضايا الالتقاء أو الاختلاف تمتد بينها على مستوى العالم، تشابك العلاقة بين أميركا وروسيا على سبيل المثال لا يبقى في حدود أزمة أو أزمتين، ثمة مطاردة واسعة النطاق بين الدولتين، الهدف النهائي غير المعلن هو إضعاف كل طرف الطرف الآخر. نسمع عن قصة التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية والعقوبات الاقتصادية التي أوقعتها أميركا ضد روسيا، ومع الإدارة الحالية حدث تطور كبير، إذ امتدت العقوبات الأميركية لتشمل الصين على خلفية شرائها معدات عسكرية من روسيا، يبدو أن هذه المطاردة ارتفعت إلى مستوى جديد سوف تلقي بظلالها على الأزمة السورية.

أسقطت الدفاعات الجوية السورية طائرة عسكرية روسية، أكد التقرير الروسي أن سبب سقوط الطائرة خيانة إسرائيلية للاتفاقات المبرمة بين الدولتين.

قد يكون هذا الاتهام صحيحاً وقد يكون ذريعة لعرقلة المخططات الأميركية الموجهة ضد إيران، مثلما أن إيران وضعت حزب الله شوكة في حلق إسرائيل لعل روسيا تريد أن تضع إيران بأسرها شوكة في حلق الأميركان، تزويد النظام السوري بدفاعات جوية متطورة سيقدم حماية للوجود العسكري الإيراني في سورية.

هذا الاتجاه في الأزمة السورية يذكرنا بالحرب الفيتنامية الأميركية، أوقع السوفييت خصومهم الأميركان في المستنقع الفيتنامي، زود الروس الفيتكونج بالأسلحة والتدريب والمعلومات، بعد سنوات من الحرب الشرسة والمميتة أقر الأميركان بالهزيمة ورحلوا لا يلوون على شيء. انتظرت أميركا عقداً من الزمان ليقدم لها المجاهدون الأفغان الفرصة للانتقام.

اجتاحت القوات السوفييتية أفغانستان فزودت أميركا المجاهدين الأفغان بصواريخ ستينغر المضادة للطائرات، أصبحت الطائرات السوفييتية في مرمى هذه الصواريخ فأضعفت فعاليتها في المعركة، في النهاية فرّ السوفييت وتركوا أفغانستان لمن يريدها.

صواريخ إس 300 الروسية لم تفصل على الطائرات الإسرائيلية، قادرة كما يقول أصحاب الشأن على ضرب الطائرات المعادية أياً كانت جنسيتها، لن يتردد الأسد في استخدامها لحماية نفسه وحماية حلفائه.

هل تريد روسيا صد الطائرات الإسرائيلية فقط انتقاماً لجنودها الذين قضوا في الطائرة المنكوبة أم تريد نقل الأزمة السورية إلى مستوى آخر رداً على الاستهداف الاقتصادي الأميركي المتتابع على روسيا؟ هذا ما أراه في الأيام المقبلة، الله يعين الشعب السوري إذا كانت وجهة نظري هذه صحيحة.

اقرأ المزيد
١ أكتوبر ٢٠١٨
مزاد بيع سورية وشعبها

تتقاسم الدول المتدخلة في الصراع على سورية مع النظام والفصائل المتطرّفة مسؤولية استمرار الحرب القائمة، وهمجيّتها، وتشعبها باتجاهات عديدة، وتحويل الصراع من سياسي سوري - سوري، بشعارات الحرية والمواطنة والحقوق المتساوية، إلى صراع عسكري بين النظام ومعارضته (المغيّبة حالياً) التي حملت السلاح دفاعاً عن حق الحياة، إلى صراع مسلح بقيادةٍ خارجيةٍ هدفه النفوذ الميداني، والسلطوي، وتقوده دول تمويل الأطراف المحلية المتحاربة، على الجانبين نظاماً وفصائل، ويمتد ليصبح حرباً مباشرةً بين الدول ذاتها، بأدواتها المحلية المسلحة، أو بأدواتها الدبلوماسية التي تدير حربها داخل قاعات التفاوض، وعلى خريطة سورية، ومستقبل السوريين.

وبينما تتجاهل كل الأطراف المتصارعة إرادة السوريين، وتعمل على تدمير ما تبقّى من حاضرهم ومستقبل أولادهم، فإن ثمّة من يساعدهم في ذلك من السوريين الذين أصبحوا جزءاً مبرّراً لصفقات بيع سورية، وتحت شعارين متضاربين: النظام للحفاظ على سوريته التي يدعوها "سورية الأسد"، المرهونة للاحتلالين الإيراني والروسي، والمعارضات للحفاظ على موطئ قدم للدول التي ترعاها، وبالتالي تحتل من خلالها مساحات داخل سورية، في الشمال، والشرق منها.

وبينما يدافع كل طرف من السوريين عن مشروعية هذه الدولة أو تلك في التحاصص على سورية، يغرق الشعب السوري على ضفتي الصراع في مآسيه المصنّعة دولياً، سواء بقهره بقتل أولاده، وتدمير بنيته التحتية، أو بحصاره الاقتصادي الذي تصدّره الدول الصديقة للمعارضة، تحت بند العقوبات، لتتلقفه الدول الخصم لها، والمساندة للنظام السوري، فيطبق هذا النظام الخناق على السوريين في الداخل من خلالها، ويضعهم تحت تهديد الجوع والفقر الذي يرونه أقل بؤساً من قتلهم واعتقالهم، أو تشريدهم نازحين أو لاجئين.

حقيقة الأمر أن خيارات السوريين ما بعد الثورة ليست محصورةً فقط بين "معارضة ونظام"، أو حتى في التيار الصامت بشقيه، المغلوب على أمره بفعل القهر والخوف، وهم يشكلون الأكثرية الحقيقية داخل سورية، أو الانتهازي الذي ينتظر فرصة ميل كفّة الميزان الرابح ليترنّح باتجاهها، وهؤلاء ليسوا من حصة النظام فقط، بل هم أكثرية على الطرف الآخر تحت مسمّيات "وطنية"، وتجمّعات وأحياناً "منظمات مدنيّة"، فثمّة تقسيماتٌ جديدة ألزمنا (بضم أولها) بها، بفعل تعدّد كيانات المعارضة "المفبركة"، والفصائل المسلحة المرتهنة، وهيمنتها على واقع سورية من جهة المعارضة.

وعلى الجانب الآخر، يستكين النظام السوري مقابل بقائه في السلطة لاحتلالين: روسي مقبول دولياً، ويتوفر له الغطاء الشرعي من أصدقاء الشعب السوري، والصحيح "أصدقاء قادة الكيانات المعارضة"، حتى لا نظلم السوريين الذين يدفعون أثمان مواقفهم من النظام، من فقر وفقدان فرص التعليم لأولادهم، وانعدام مقوّمات الحياة الكريمة التي خرجوا من أجلها، في مخيمات النزوح، وبعض بلاد اللجوء. واحتلال إيراني مرفوض داخلياً ودولياً، حيث يعلم السوريون مخاطر انتشار أيدلوجيته الطائفية التوسّعية التي يحاول فرضها عليهم، وهو محاصر أميركياً، ومعاقب اقتصاديا، لكنه مبارك من سلطة حكم الواقع (النظام).

وبهذا، على أي الجانبين مال السوري وقع ضحية استلاب مصيره، وحدّدت دول الاحتلال التي يرفع بعض السوريين "المتبرّعين بحريتهم" على الضفتين، شعارات النصر والترحيب والتهليل لاحتلالات سورية من الدول، بتقسيماتها وتبعياتها الدولية، وحيث يجتهد النظام بتوصيفات قوات الاحتلال التركي والفرنسي والأميركي، متجاهلاً الروسي والإيراني (وزير الخارجية وليد المعلم في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، 29/9). وتبارك فصائل المعارضة ما ينتقده النظام من احتلالات وتعدّيات، في مشهدٍ ينعكس على مصير سورية المستقبل الذي تتبرع كل من هذه الدول في رسمه على مقاس مصالحها، وأهدافها المستقبلية.

وبين ما ينتجه النظام من خطاب ضد معارضيه وما تعيشه كيانات المعارضة من استسلامات قدرية لجهة داعميها، يعيش السوريون، على ضفتي الصراع (على ضفافه، في تعبير أدقّ) حالة العوز السياسي، والاقتصادي، والتعليمي، والأمان الاجتماعي، ويتحملون أعباء الحرب بمنعكساتها التدميرية المادية والمعنوية، ويزيد عليها تهليل الضحايا أنفسهم لما أصاب بعضهم بعضاً من فقر وحرمان، نتيجة واقع اقتصادي نال من الشعب، داخل سورية وفي مناطق نزوحه القريبة منها، وليس من النظام، ودفع ثمنه أهلنا المرابطون في بيوتهم، دفاعا عن حقهم في سوريتهم، وليس بهدف موالاة النظام، أو الوقوف ضد الثورة.

واليوم في خضم اختصار مفاعيل منتجات الثورة إلى "لجنة دستورية"، ستنهي مع أول اجتماع لها كل الكيانات المشكلة منها لجهة المعارضة، ويتقاسم ولاءها الدول التي شكلتها، ويقع على عاتق أعضائها، المختارين، التوقيع على مزاد تضمين "سورية" لمن يملك الحصة الأوفر من
"لا سيادة وطنية في ظل الاحتلالات، بطلب من النظام أو من دونه، ولا مقاومة وطنية في ظل الارتهانات"

الضحايا، ما يجعلنا أمام أسئلةٍ مؤلمةٍ بخصوص هذه اللجنة بكل تبعياتها: ماذا بقي للسوريين كي يساوموا أو يراهنوا عليه في هذا المزاد، فلا سيادة وطنية في ظل الاحتلالات، سواء كانت بطلب من النظام أو من دونه، ولا مقاومة وطنية في ظل الارتهانات، فصائلية كانت أو سياسية؟ وهل تستطيع الأطراف المتناحرة إنتاج وثيقة متماسكة في ظل خلافات جوهرية حول أساسيات إنشاء ومراحل عمل اللجنة وتمثيلها؟ ومن منّا يثق بأن العناوين البرّاقة التي تطرحها الوثائق الأميركية المسرّبة (مع أهمية ما ورد فيها من مبادئ تحدد ملامح الحكومة المقبولة، دولياً، وإقليمياً، وداخلياً، ومداعبتها أحلام السوريين في دستور يضمن حقوقهم ومستقبلهم)، يمكن ترجمتها على أرض الواقع، في ظل التعثر القائم في تفاهمات محوري الصراع الحقيقي في سورية، وهما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا؟

وبينما يتجاوز الخلاف بين الدول على شكل الخريطة السياسية لسورية، تعمل كل الاحتلالات القائمة، سواء التي جاءت بإرادة النظام، أو مساندة لمعارضاته على اختلاف أهدافها وأيدولوجياتها وأدواتها، أو كانت فوق إرادتيهما، على ما هو أخطر من تقسيماتٍ إداريةٍ حدودية لسورية الجديدة، بتقسيماتٍ ديمغرافيةٍ وأيدولوجية مذهبية، تجعل من الصراع العسكري الذي استغرق سنواتٍ في البحث عن قنوات توقيفه، ولم تنجح، حتى اللحظة، أي جهود دولية في ذلك، يمتد ليكون بؤرة الصراع القادم لما بعد الحرب على السلطة، ليصبح صراعاً أهلياً ومذهبياً يعيد سورية (بحضارتها البشرية قبل الحالية) إلى ما قبل الدولة المدنية، ويغرقها في بحر من أسواق النخاسة السياسية.

اقرأ المزيد
٣٠ سبتمبر ٢٠١٨
روسيا وإسرائيل.. واستعجال الفرحة

القرار الروسي الذي أُجّل لسنوات، أي إعطاء صواريخ «إس 300 أرض -جوّ» لسوريا، وُضع أخيراً على جدول التنفيذ. هذا ما أعلنه وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو، موحياً لمراقبين ومعلقين كثيرين بأن تحولاً نوعياً طرأ على «قوانين اللعبة» الدائرة في سوريا وأجوائها. لم يقتصر القرار الروسي على تسليم دمشق السلاح الذي يُعتبر المعادل الاستراتيجي لصاروخ باتريوت الأميركي. فإلى ذلك قرّرت موسكو، وفقاً لوزير دفاعها، تشغيل الإلكترونيات التي تجعل من الصعب على الإسرائيليين تنفيذ ضرباتهم الجوية، فضلاً عن منح السوريين أجهزة للتحقّق تحد من إمكانات الخطأ والتضارب بين الحلفاء.

الإعلان الروسي كان سبباً لفرح وحبور لا حدود لهما في بيئة «الممانعين»؛ فالضربات الجوية الإسرائيلية دمرت، في العامين الماضيين، قرابة 200 موقع ومنشأة إيرانية، وعطلت نقل صواريخ إلى لبنان، وهي في هذا كله لم تخسر إلا طائرة واحدة. كل هذا والروس ينثرون الوعود بتسليم الصواريخ إلى نظام الأسد من دون أن ينفّذوا. وفوق هذا، شاع تحليل يقول إن موسكو قد تضغط على الإيرانيين، إكراماً لعيون إسرائيل، كي ينسحبوا من سوريا، وهي بالفعل أخرجتهم من المنطقة الحدودية مع الدولة العبرية التي يتفاوت تقدير مساحتها وطولها. لهذا كله رأى الممانعون في كلام شويغو ما يشبه فتح صفحة جديدة بعد إسقاط الطائرة الروسية ومقتل 15 من طاقمها بصاروخ روسي أطلقه سوريون.

أغلب الظن أن التطور الأخير سيثير بعض التوتر في العلاقات الثنائية بين موسكو وتل أبيب، ويحد من حركة الإسرائيليين في سوريا وأجوائها، ويجعلهم أكثر انتباهاً إلى المواقع والمصالح الروسية. لكن هذا شيء وتهليل الممانعين شيء آخر.

فلا يزال هناك أكثر من شك في مدى الالتزام الروسي بما أعلنه وزير الدفاع. وسوابق الإعلان عن تسليم «إس 300» لدمشق من دون تسليمه تغذي هذا الشك. وإلى ذلك، فالخلاف الروسي الإسرائيلي يبدو أقرب إلى العتاب حتى لو ارتفعت نبرته: لقد قال شويغو نفسه إن الروس امتنعوا سابقاً عن تسليم الصواريخ مراعاةً لتل أبيب. كذلك فقد نفذوا بالفعل جزءاً من البرنامج الإسرائيلي في ما خص سوريا والوجود العسكري الإيراني فيها، وإن أحجموا عن تنفيذه بالكامل. حتى الخلاف الراهن بين الدولتين ظلت حدته أقل كثيراً من حدة الكلام الذي تبادله الروس والأتراك، بل الرئيسان بوتين وأردوغان شخصياً، بعيد إسقاط الأتراك طائرة روسية. والأهم أن المصالح المشتركة ما لبثت أن طوت الخلاف الروسي التركي، حيث انتقل الطرفان إلى «صداقة» يتفننان اليوم في وصفها. وهنا يكمن بيت القصيد:

فالروس يخوضون مغامرة سياسية خطيرة في سوريا مفادها جمع عدد من النقائض والحفاظ على علاقة طيبة بأطرافها جميعاً. لهذا فحين يقولون إنهم يعملون على تعزيز سلطة بشار الأسد ونظامه لا يكونون يقصدون إلا إنجاح سياستهم هُم في ذاك الجمع الهشّ بين النقائض، وهذا أحد موجبات حرصهم على إبقاء الصواريخ التي قد يرسلونها في عهدة قيادتهم. يزيد في الإلحاح على الوجهة هذه شعور موسكو بضرورة التوصل إلى تسوية مع الولايات المتحدة الأميركية، لا في أوكرانيا فحسب، بل أيضاً في سوريا نفسها (وربما في العراق). ذاك أن الوجود العسكري الأميركي في شمال البلاد وشرقها، وارتكاز هذا الوجود على كتلة أهلية هي الأكراد السوريون، يجعلان الصلة بإسرائيل أحد مداخل موسكو للتعامل مع هذا الواقع الأميركي. والحال أن واشنطن لم تكن أقل حدة من تل أبيب في تعبيرها عن الاستياء من كلام وزير الدفاع الروسي والتحذير من مغبته.

قد يصح القول إن موسكو تخوض في مستنقع من التناقضات التي يصعب أن تخرج منها سليمة معافاة. لكن الصحيح أيضاً في هذه الغضون أن أي علاقة ثنائية في هذا المستنقع، بما فيها العلاقة الروسية الإسرائيلية، ستبقى مضبوطة بمجمل العلاقات متعددة الأطراف هناك. وهذا، وإن كان يحتمل التوتر، فإنه لا يبرر للممانعين الذهاب بعيداً في إبداء الفرح وتبادل التهاني.

اقرأ المزيد
٣٠ سبتمبر ٢٠١٨
عندما تنشر روسيا صواريخ "أس 300" في سورية

يبدو أن توتراً سياسياً بدأ يصيب العلاقات الروسية الإسرائيلية، في إثر إسقاط طائرة التشويش والاستطلاع الروسية "إيل 20"، من المضادات الأرضية السورية، في غارة للمقاتلات الإسرائيلية على مواقع للنظام السوري في محافظة اللاذقية، مساء 17 سبتمبر/أيلول الجاري.

وتتجسّد أسباب هذا التوتر في تبعات إسقاط الطائرة، من خلال تناقض روايات إسقاطها بين ساسة موسكو وتل أبيب وعسكرييهما، خصوصا في تحديد الجهة المسؤولة، وفيما تلاها من خطواتٍ وإجراءات، حيث أبلغ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أنه يحمّل إسرائيل المسؤولية، وتبع ذلك إعلان وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أنه بناء على أوامر بوتين، قرّرت بلاده تسليم نظام الأسد منظومة صواريخ "أس 300" خلال أسبوعين، وتجهيز مراكز الدفاع الجوي للنظام السوري بنظام آلي للتحكم، لا يملكه إلا الجيش الروسي، وإطلاق تشويش كهرومغناطيسي في أثناء أي هجوم مستقبلي محتمل، قد يأتي من السواحل السورية، الأمر الذي أثار حفيظة المسؤولين الأميركيين، حيث اعتبره مستشار الأمن القومي، جون بولتون "تصعيداً خطيراً"، وربط بقاء القوات الأميركية في سورية ببقاء القوات الإيرانية فيها، فيما اعتبر نتنياهو أن تسليم "أس - 300" إلى "أيد غير مسؤولة يهدّد أمن المنطقة"، وأكد على مواصلة استهداف مواقع إيران وقواتها ومليشياتها في سورية.

ويحمل الإعلان الروسي عن تسليم منظومة الصواريخ "أس 300" رسائل سياسية أشد خطورة مما تحمله من الإجراءات والخطوات العسكرية، خصوصا أنه ترافق مع الإعلان عن نشر أجهزة ووسائل إلكترونية لتشويش نشاط "طائرات معادية" واعتراضه في المجال الجوي السوري من جهة البحر الأبيض المتوسط. لكن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين تظهر أن نصب منظومة الصواريخ "أس 300"، وتفعيلها من قبل جيش النظام السوري، لا يعطيها أهمية استراتيجية أو عسكرية، فضلاً عن أن خبراء عسكريين يرونها منظومة متقادمة، وأن مقاتلات إسرائيل، الأميركية الصنع، تملك سبلاً ووسائل لتجاوزها والتغلب عليها، لذلك لن يمنع نشرها في سورية المقاتلات الإسرائيلية من الاستمرار في استهداف المواقع الإيرانية وقوافل السلاح في سورية.

ولعل الأهم أن التردّي الذي بات يعتري العلاقات الإسرائيلية الروسية ليس من المرجح أن يتحوّل إلى أزمة سياسية حقيقية، قد تنعكس على مكانة إسرائيل وحظوتها لدى ساسة موسكو وفي المنطقة، لكن توتر هذه العلاقات قد يفضي إلى تشجيع نظام إيران على مزيد من التغلغل الاحتلالي في سورية.

وعلى الرغم من ذلك كله، يبدو أن مكانة إسرائيل لدى ساسة الكرملين لن تتأثر كثيراً، إذ خرج بوتين، بعد تلقيه خبر إسقاط الطائرة، بتصريح ناعم لم يتهم به إسرائيل، بل أسند الحادث إلى "ظروف عارضة ومأساوية"، فيما اتهمت وزارة الدفاع الروسية إسرائيل بالتسبب في إسقاط الطائرة، وبالتالي فإن قرار تسليم منظومة صواريخ "أس 300" جاء كي يحفظ ماء وجه العسكريين الروس الذين شعروا بالإهانة الإسرائيلية، على الرغم من الخدمات الجليلة التي قدمتها روسيا لدولة الاحتلال، والتي تمتد إلى جملة المواقف المؤيدة لكيانها، منذ نشأتها إبّان الاتحاد السوفييتي السابق، ولا تنحصر تلك الخدمات في مراعاة المصلحة الإسرائيلية، بل وتغليبها، من خلال التنسيق السياسي الكامل والتعاون العسكري، منذ قيام نظام بوتين بالتدخل العسكري المباشر، في سبتمبر/ أيلول 2015، في الحرب إلى جانب نظام الأسد الإجرامي وحليفه الإيراني ضد غالبية الشعب السوري، والذي نهض على التزام النظام البوتيني الحياد التام حيال الهجمات الإسرائيلية على مواقع وجود قوات إيران ومليشياتها المتعددة الجنسيات في سورية، وفق معادلة تقضي بإبلاغ القوات الروسية بتوقيت الهجمات الإسرائيلية، مقابل عدم تصدي المقاتلات والدفاعات الجوية الروسية لها. ولذلك أصابت ساسة الكرملين الدهشة، حين تلقيهم ضربة موجعة من الشريك الصهيوني، "ناكر الجميل"، خصوصا بعد أن أدركوا أن مقاتلات هذا الشريك المدلل لديهم تسببت في إسقاط الطائرة "إيل 20"، نتيجة تعمّد قيام الطيارين الإسرائيليين بتصرفات "غير مهنية"، أو "بإهمال إجرامي".

والملاحظ أن الساسة والعسكريين الروس لم يوفروا جهداً، كي يخفّفوا من وقع إجراءاتهم، بغية التقليل من تأثيرها على إسرائيل، إذ ركزوا على أن هدفهم توفير مزيد من الحماية لقواتهم في سورية، وأن روسيا لن تسمح باستخدام منظومة الصواريخ أس 300، إلا في حالة تجاوز المقاتلات الإسرائيلية الخط الأحمر، أي أمن القوات الروسية، ما يعني أنها لن تأذن باستخدامها في حال مهاجمة إسرائيل مواقع قوات إيران ومليشياتها، ولذلك على إسرائيل الالتزام بالاتفاق الروسي معها، وإعطاء الوقت الكافي لقواتها، كي تتفادى في المستقبل حوادث مماثلة لحادث إسقاط "إيل 20". وبالتالي، حتى لو سلمت روسيا منظومة الصواريخ لنظام الأسد، فإنها ستبقى تحت الأيدي والأوامر الروسية، ما يعني أن قواعد اللعبة، كما يقال، بين روسيا وإسرائيل ستبقى في الجوهر نفسه، مع توفير حماية أكبر للجنود والقوات الروسية في سورية. وعليه، تريد روسيا استغلال الإجراءات العسكرية التي اتخذتها على خلفية حادث إسقاط طائرتها، كي تظهر للغرب وللعالم كله أنها باتت تمسك بجميع الأوراق في سورية، ليس عسكرياً فقط، بل عليها استثمار ذلك سياسياً أيضاً.

اقرأ المزيد
٣٠ سبتمبر ٢٠١٨
صواريخ جديدة بيد النظام السوري

تقول تقارير صحافية إن النظام السوري تقدّم في عام 2010، أي قبيل اندلاع الثورة ضده، بطلب شراء صواريخ من نوع أس 300، وتقرَّر أن يستلمها بحلول ربيع 2014. ودار لغط كبير، في منتصف عام 2013، بشأن تسليم النظام هذه المنظومة الصاروخية الدفاعية، القادرة على صد الهجمات الجوية فوق الأراضي السورية، وإمكاناتها الكبيرة في تتبّع عدد من الأهداف، وعلى مسافات كبيرة قد تصل إلى 150 كيلومتراً، بحسب المواصفات الفنية والتعبوية المعلن عنها في صفحات الدفاع في الإنترنت.

أبدت إسرائيل تخوّفاً، وأبدت أميركا امتعاضاً، من خبرٍ أذاعه النظام بأنه على وشك استلام الدفعة الأولى من تلك الصواريخ، وكانت قوات الأسد في تلك الأيام في أحلك أوقاتها، متقوقعةً داخل دمشق، وضمن مراكز المدن، ومتخذةً وضعاً تدافع به عن نظامٍ يعتمد على أسطوله القديم من الطائرات، في محاولة صد الهجمات التي تقترب من عرشه. استجابت روسيا للقلق الغربي، وقرّرت ألا تسلم النظام تلك المنظومة لعدم حاجته إليها، فلا هي تستطيع إيقاف المتظاهرين، ولا يمكن استخدامها ضمن المجموعات العسكرية التي كانت تقاتل النظام على تخوم المدن، وعلى الطرق الرئيسية في البلاد. عاد الكلام عن تسليم الصواريخ لسورية إلى التصاعد، بعد أن ظهرت إشارات من دول في مجلس الأمن، في ذلك الوقت، عن احتمال تدخّل غربي خارجي في سورية، شبيه بالذي حصل في ليبيا، فكان رد الفعل بتصريح من بشار الأسد أن الصواريخ وصلت بالفعل.

وعدت موسكو في ذلك الوقت بالوفاء بإرسال الصواريخ، واستثمرت ذلك سياسياً، لكنها راوغت في التسليم حتى شهر سبتمبر/ أيلول من عام 2013، حين صرح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأن عملية التسليم قد توقفت، ولكن إذا هاجم الغرب سورية سيعرف كيف يتصرّف. خفتت لهجة التدخل الغربي المحتمل إلى أدنى درجاتها بعد ذلك، ومؤكّد أن صفقة التسليم كانت مثار بحث بين روسيا وإسرائيل وبعض دول الغرب، وتم استثمارها في تمييع موقف الدول الغربية المائع أصلاً. أما إسرائيل فقد استمرت في مهادنة النظام السوري منذ انطلاق الثورة، وصولاً إلى لحظة دخول النظام إلى الجنوب في درعا والقنيطرة قبل أشهر قليلة، فقد ظهر أن هناك تعاوناً ميدانياً وثيقاً نسّقه الروس، حتى تمكّن جيش النظام من الوصول عميقاً إلى حدود الجولان المحتل. لا يمكن القول إن تأجيل صفقة الصواريخ أو تعليقها كان ثمناً لذلك كله، ولكن من المؤكد أنه كان عاملاً مهماً أو أحد العوامل التي ساعدت في عقد كل اتفاقات المهادنة، وسهلت عملها، فإسرائيل ترغب في اختراق الأجواء السورية من دون أي عامل تعكير وتأمين قدرتها على ضرب أي جزءٍ تعتبره مصدر خطر لها على الأراضي السورية، حتى في وجود نظام صاروخي من نوع أس 300.


وهنا سؤال عن حاجة نظام الأسد الآن إلى هذا النوع من وسائط الدفاع الثقيلة والمتقدّمة، وعن إمكانية جيشه الضعيف الذي تحوّل إلى ما يشبه المليشيا في التعامل مع تلك الصواريخ، فضلاً عن استعمالها بنجاح، وعن وجود منشآت استراتيجية بحاجة لحماية بهذه المنظومة الصاروخية المتقدّمة. لقد أظهرت حادثة سقوط الطائرة الروسية ضعف التنسيق الروسي السوري، أو ربما تجاهل القوات الجوية الروسية الدفاعات السورية، وضعف الاستخدام السوري لأنظمة أقل تطوراً، وهي أس 200 التي أسقطت الطائرة الصديقة. لذلك فالنظام بحاجة ماسة إلى خبرات سيؤمّنها له الروس لاستخدام الصواريخ الجديدة، وهكذا يمكن لإسرائيل أن تطمئن إلى أن هجومها على القواعد الإيرانية لن يتوقّف، بل قد يتعطل بعض الوقت، ليتم الاتفاق على بروتوكولات تعاونٍ عسكري جديدة مع الروس. وريثما يتم تثبيت الأنظمة، سرعان ما ستعود الهجمات الإسرائيلية التي تكثفت، في الآونة الأخيرة، إلى نشاطها، من دون خوف من تدخّل أي منظومة صواريخ.

اقرأ المزيد
٣٠ سبتمبر ٢٠١٨
أنقرة تتقدم خطوة خطوة نحو شرق الفرات

يومًا بعد يوم تزداد كمية الأسلحة والمعدات التي ترسلها الولايات المتحدة إلى شرق الفرات. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعلن في كل فرصة قائمة المساعدات العسكرية المرسلة إلى وحدات حماية الشعب.

بحسب آخر أرقام أعلنها أردوغان، أرسلت واشنطن حتى اليوم 3 آلاف طائرة شحن و18 ألف شاحنة محملة بالأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية، إلى وحدات حماية الشعب.

من الملاحظ بوضوح أن جيشًا إرهابيًّا يجري تشكيله على حدودنا عبر هذه المعدات العسكرية، وتشكيل هذا الجيش لا يستهدف النظام السوري أو إيران، إنما هدفه الأساسي تركيا.

تدرك تركيا هذه الحقيقة، وترى بوضوح أن المخطط، الذي يستهدف وحدة ترابها، يجري تنفيذه رويدًا رويدًا. لهذا تدخلنا في سوريا وأرسلنا قواتنا إلى هناك.

نفذنا عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون من أجل إحباط مخططات البنتاغون في المنطقة، وبدأنا بتعزيز وجودنا العسكري في إدلب للغاية نفسها.

ومع أننا نجحنا في قطع الطريق من المنتصف على هذا الممر الإرهابي الممتد على طول حدودنا الجنوبية من خلال العمليات العسكرية، إلا أننا لم نتمكن تمامًا بعد من إحباط مخطط واشنطن في تأسيس دولة إرهابية على حدودنا.

تستمر جهود الولايات المتحدة بلا انقطاع من أجل تأسيس "دولة" في شرق الفرات، وما لم يتحول شرق الفرات إلى "منطقة آمنة"، فإن التهديدات الناجمة عن الولايات المتحدة لن تزول.

تلميح أردوغان لعملية عسكرية ضد شرق الفرات هام جدًّا، فقد أعلن استمرار التحضيرات من أجل جعل المنطقة المذكورة آمنة على غرار عفرين. تتقدم أنقرة خطوة خطوة نحو شرق الفرات من خلال إعداد البنية التحتية والأطر الدبلوماسية اللازمة.

من المستحيل أن تقبل تركيا بالكيان والوضع القائم في شرق الفرات، لأن هذا الكيان ليس خطرًا عليها فحسب، بل على العالم الإسلامي بأسره. ومواجهة تركيا الولايات المتحدة في هذه المنطقة لا مفر منها إن عاجلًا أم آجلًا.

يدرك البنتاغون هذه الحقيقية، ولهذا يضع خططًا للضغط على تركيا من الداخل. تعلم الولايات المتحدة جيدًّا أنها لن تستطيع إيقاف تركيا في الخارج ما لم تشغلها من الداخل، ولهذا تدعم أحزاب المعارضة.

ستتقدم أنقرة رويدًا رويدًا عبر حملات ذكية ومن خلال تعزيز اتفاقاتها نحو شرق الفرات، وستحبط تمامًا المخططات الرامية لإنشاء "إسرائيل ثانية" في المنطقة. ستبوء الولايات المتحدة بالفشل لأنها لم تضع في حسبانها حقيقة أن تركيا دولة عريقة.

اقرأ المزيد
٢٩ سبتمبر ٢٠١٨
في فضيلة الحكمة وضبط النفس

مع النكسة التي أصابت أحلام يقظة نظام الأسد، بعد اتفاق إدلب الذي حرمه مما كان يعتقد أنه النصر الأخير على المعارضة، يعود جيشه الإلكتروني الذي جهد، في السنوات السبع، لتحويل الكارثة/ الجريمة التي ارتكبها بحق سورية وشعبها إلى نصر مؤزر وهزيمة للمعارضة، يعود إلى الخطوط الأمامية. وهو يحاول البناء على مشاعر القلق واليأس والإحباط التي أصابت بالفعل قطاعات واسعة من الشباب الذي شارك في الثورة. ومن خلال تسريب ما يشاء من المعلومات الصحيحة والمليئة بالدسائس والاختلاقات في الوقت نفسه، لتغذية حملة تشهيرٍ وتخوينٍ متبادلة داخل صفوف المعارضة، أول من يتلقّفها تلك العناصر المحبطة التي بقيت تشعر بأنها لم تأخذ نصيبها من "عوائد" الثورة المادية أو المعنوية، أو لم يسمح لها بأن تلعب فيها الدور القيادي الذي كانت تطمح إليه. يحصل هذا في وقتٍ فتح اتفاق إدلب، واستعادة التظاهرات الشعبية حيويتها على نطاق واسع في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، والتبدل الملحوظ في المقاربة الأميركية للأوضاع السورية، خصوصا في ما يتعلق بالوجود العسكري الطاغي لطهران التي كانت الموجه الفعلي للأحداث المأساوية التي عرفتها سورية، آفاقا جديدة أمام المعارضة التي بقيت مغلقة سنوات طويلة سابقة.

يجب أن نعرف أن ما تسرّبه أجهزة الحرب النفسية لدفع المعارضة إلى تهشيم نفسها، حتى لا تستعيد أنفاسها، وحتى يحسم الأمر لصالح الأسد، فيه وقائع صحيحة، لكنّ فيه أيضا وأساسا دسائس وسموما تريد أن تستفيد من مناخ الخسارة الذي بعثته استعادة مليشيات النظام المتعدّدة الجنسيات معظم الأراضي المحرّرة لسلطتها، أو لسلطة الانتداب الروسي، من أجل تحويله إلى شعور عميق بالانكسار، ودفع المناضلين والجمهور السوري الواسع الذي سار في مسيرات الثورة ومظاهراتها، وضحّى بالأبناء والأشقاء أو الأصدقاء، وخسر الكثير، واضطر أكثره للجوء إلى البلدان الأجنبية، أو النزوح داخل البلاد والعيش تحت الخيام، إلى التسليم النهائي بالهزيمة والاستسلام للأمر الواقع.

وليس الهدف من ذلك إقناع هذا الجمهور بعدم عدالة قضيته، أو دفعه إلى الاعتراف بعدم صواب مشاركته في الثورة، فمن المستحيل للمرء الذي أظهر من الشجاعة والإقدام ما أظهره الشباب السوري في السنوات الماضية، وقدّم أغلى التضحيات، وغامر بحياته، أنه لم يكن على حقّ، أو أن الثورة كانت بالفعل مؤامرة خارجية، أو تمرّدا إرهابيا، أو خرافةً خدع بها نتيجة الدعاية الأجنبية. ما يريده النظام من تسريباته المدروسة هو نقل الحرب من ميدانها الحقيقي، أي ميدان الصراع بين شعب حر ونظام جائر وظالم وعديم الإنسانية، إلى ميدان الصراع داخل صفوف قوى الثورة والمعارضة على تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن الخسارة، وتوجيههم نحو البحث عن كبش فداءٍ من داخلهم يوجهون إليه سهامهم، بدل الاستمرار في تنظيم المقاومة ضد سياسة فرض الأمر الواقع التي يسعى إليها الروس، ومن ورائهم المجتمع الدولي الذي يريد هو أيضا أن يغطّي فشله في الوفاء بالتزاماته السياسية والقانونية، وتركه الشعب السوري يصارع الموت وحده، كما فعل في بدايات القرن الماضي مع ضحايا المحارق النازية، قبل أن يعلن ندمه عليها.

قبل أن تتعالى النداءات لتشكيل "محاكم التفتيش"، والبحث في ضمير كل فرد، وفي سبب انتمائه للثورة، والإعداد لمحاسبة المقصرين أو الفاسدين الذين ساهموا بالفعل، وهم كثر أيضا، في تقويض جهود السوريين للتحرّر من نظام العبودية، أود أن أقول لثوار وسائط التواصل الاجتماعي التي يخطئ من يستهين بتأثيرها اليوم إن الصراع في سورية والمنطقة العربية بأكملها لم ينته، ولا يزال مبكرا جدا الانتقال إلى مرحلة تصفية الحسابات الداخلية، كما يريد الروس والنظام منا، حتى يدمّروا كل ما أنتجه الكفاح المشترك للثائرين من رصيد معنوي وتفاهم وثقة بالنفس، ويقضوا على أي احتمالٍ لتشكيل معارضة ديمقراطية قوية في المستقبل، وينجحوا في مشروعهم الهزيل لإعادة ترتيب أوراق النظام الهالك، وتأهيله من جديد، قبل السعي إلى إقناع الدول المتردّدة بالمشاركة في إعادة الإعمار وتقاسم الغنائم والمنافع في ما بينها. وهي تحتاج اليوم أكثر من أي فترة سابقة لتشويه صورة الثورة والمعارضة، ولذريعة انعدام البديل.

لن ننجح في إعادة بناء معارضة ديمقراطية قوية ومتماسكة ومتضامنة، من دون مراجعة عميقة ومؤلمة لتجربتنا السابقة. هذا أمر لا ينبغي تجاهله، وهو يشكل، في نظري، أولوية، والمدخل لأي إعادة إعمار سياسي ومعنوي مطلوب، وسابق على أي إعمار مادي. ولا يمكن أن ننجح في القيام بهذه المراجعة، إذا أسسناها على الأهواء وروح الغل والانتقام من الأشخاص، مهما كانت أخطاؤهم بل خطاياهم كبيرة وفاقعة. بالعكس، ذلك يهدّدنا بأن لا نرى من جبل الجليد إلا قمته الظاهرة، ونهرب، في البحث عن الحل، إلى آلية اختلاق أكباش الفداء التقليدية والعتيقة، بدل أن نجتهد لندخل في عمق المشكلات التي يطرحها الواقع الموضوعي، وننجح في فهمها وتحليلها ومعالجتها. في هذه المراجعة، أقل ما يفيدنا هو الرهان على مشاعرنا الشخصية تجاه الآخرين، والاستسلام باسم الصراحة للتعبير عن مشاعر الكراهية، وتغذية الأحقاد الشخصية. باختصار، لا تستدعي المراجعة تهشيم الأفراد والكشف عن مثالبهم. واختلاق القصص والروايات لتشويه سمعتهم أو الحكم عليهم، وإدانتهم على الشبهة، وإنما التحقق من الأخطاء التي ارتكبوها في أفعالهم وممارساتهم، والتدقيق فيها ومعرفة أسبابها، إذا ما كانت راجعةً إلى عوامل شخصية أو موضوعية، وإذا ما كان مرتكبها فعل ذلك خدمةً لمصالح شخصية، على حساب المصلحة العامة، أو لسوء تقدير وجهل بالمسائل، أو لنقص في الخبرة السياسية. ولا يكفي في ذلك النقل عن فلان أو فلان، أو الأخذ بمقالاتٍ أو منشوراتٍ ذاتية، غالبا ما يكون الغرض منها تصفية حسابات شخصية.

غياب الشعور بالمسؤولية عند كثيرين ممن عمل في صفوفها، وتغليبهم الأهواء الشخصية على التفكير في التحدّيات العملية، كانا السبب الأول في فشل المعارضة السورية، فلا تجعلوا من غياب الشعور بالمسؤولية في نقد تجربة السوريين الفذّة في الثورة والمعارضة سببا في قتل روح المقاومة والصمود التي نحن أكثر ما نحتاج إليها اليوم، للوقوف على أقدامنا والاستمرار في مقارعة الهمجية. من حق أي سوري وعربي أن يسأل ويستفهم، ويتحقق من الوقائع والأحداث، لكن لا أن يكيل الاتهامات والشتائم المسبقة، ويقرّر وحده، وبمعاييره الخاصة، من دون دلائل ولا براهين، في تقييم جهد الآخرين ومعنى أعمالهم. وفي المقابل، من واجب الذين احتلوا مواقع المسؤولية أن يوضحوا للجمهور برامجهم، وخططهم، وحيثيات اختياراتهم، ومغزى أفعالهم ودوافعها، حتى تسود الشفافية ونرتقي بمستوى المساءلة والمحاسبة إلى حد أدنى من الموضوعية. لقد أظهرت المعارضة السورية، أعني قياداتها، السياسية والعسكرية، فشلا كبيرا، وبالكاد تستحق هذه التسمية أصلا، لأنها ولدت جميعا في الحراك الثوري تقريبا، أو ركبت عليه، ولا تملك أكثرها أي خبرةٍ أو معرفةٍ نظرية أو عملية. لكن هذا لا يعني أن كل من احتل منصبا في قيادة المعارضة كان فاسدا.

لا ينبغي أن نسمح لأهوائنا، ولا لغضبنا المشروع، أن يشوّش على هدفنا النبيل، ويشوّه غاية نضال شعبنا الذي فقد الكثير، وضحّى بكل شيء لتغيير الواقع المر والبربري الذي يعيشه. ولنحذر من أن نصب الماء في طواحين أعدائنا. لو بذلنا واحدا بالمائة من الجهد الذي كرّسناه داخل المعارضة، لتشويه صورة كلٍّ منا للآخر وإفشاله، في الاجتهاد لتفهم عمل بعضنا بعضا، والتفاهم بيننا، ونزع فتيل المشاحنة والبغضاء والشك والكراهية المتبادلة، ما كنا وصلنا إلى ما نحن عليه. ولو قبل الآخرون الذين وقفوا ضد الثورة والمعارضة، تكريس النسبة نفسها من جهدهم لملاقاة شعبهم والتفاهم معه، ما كان أصابهم والبلاد ما أصابها من كارثة. ليس هناك مرشد أسوأ من الاستسلام لمشاعر الضغينة والكراهية في تفتيت وحدة الشعوب، وتقويض مصيرها ومستقبلها.

يخطئ من يعتقد أن الأسد ربح الحرب. نهاية الحرب التي اتخذ وحده قرار شنّها على الشعب لحرمانه من حقوقه وحرياته، لن تفتح آمامه آفاقا جديدة، ولن تكتب له مستقبلا ثانيا، كما يتصوّر بعض الحمقى من أنصاره، بالعكس، إنها تحرّر الشعب من قيوده ومخاوفه، بعد أن حرّره عنف النظام الأعمى من أوهامه. سيجد النظام نفسه من جديد، ودفعة واحدة، أمام الخيار الصعب الذي شنّ الحرب لتجنب مواجهته: حقوق الشعب وحرياته. لذلك لا يجد النظام مخرجا آخر للهرب من استحقاقات الوضع الجديد سوى السعي إلى الاستيطان في الحرب وتأبيدها، وهو يُراهن في ذلك على "داعش" وحلفائه الإيرانيين الذين علقوا مصيرهم بمصيره. وسوف يبحث باستمرار عن الذرائع الجديدة التي يحتاجها، يوما بعد يوم، ليدخل المجتمع السوري في دوامة الصراعات الداخلية، على الهوية والجنسية والتوازنات الطائفية والديمغرافية، وعلى حقوق الملكية العقارية والحقوق الفردية والجماعية والبحث عن لقمة العيش والمأوى والملبس. وهذا هو المغزى العميق لجميع القرارات والمراسيم التي يسنّها في الوقت الحاضر. لكنه لم يعد وحدَه، لم يعد قيصر زمانه. الفارق الوحيد أنه خرج من الحرب التي دمر فيها "بلده" وقتل "شعبه" عاريا من دون أقنعة ولا أصباغ: عصابة قتل فحسب، وما من سوري إلا لديه دين عليه، ويتطلع إلى قصاصه.

أبقوا هدف التغيير ومواجهة نظام الجريمة والحقد دائما أمامكم ومرشدكم، ولا تعتقدوا أن المعركة انتهت، وأن النظام انتصر ولم يبق إلا أن نفتح دفاتر الحسابات، وننقل المعركة إلى داخل صفوفنا. لم يكن النظام في أي فترة سابقة أكثر إشرافا على الهلاك مما هو عليه اليوم، ولم يعد لديه، ولا لدى حماته الروس، الكثير مما يمكن أن يفعلوه من أجل التمديد في أجله. لن يستمر ويمد في عمره إلا إذا قرّرنا نحن بالفعل ذلك، ونقلنا المعركة إلى داخل صفوفنا، وهشّمنا بعضنا بعضا، وشوّهنا صورة كل من عارض أو شارك في المعارضة، بدل أن نركّز الجهد على إعادة بناء صفوفنا للاستمرار في مواجهته، فلن تكون نتيجة ذلك إلا تيئيس الشعب وتكفيره بأي مقاومة قائمة أو قادمة. هذه هي أيضا مسؤولية من يريد الانتقاد والإصلاح، حتى لا يقتل المريض بدل المساعدة على شفائه.

اقرأ المزيد
٢٩ سبتمبر ٢٠١٨
روسيا تغير قواعد الاشتباك في سوريا

لا يُقاس نجاح أية عملية عسكرية بمدى تحقيقها لأهدافها الميدانية، وإنما في قدرة هذه العملية على فرض معادلات جديدة في العلاقات بين الطرفين المتصارعين.

من هذا المبدأ يمكن النظر إلى الهجوم الإسرائيلي في 17 من أيلول/سبتمبر الجاري على اللاذقية، وما سببه من إسقاط النظام السوري بالخطأ لطائرة "إيل 20" الروسية.

في المعايير الاستراتيجية تعتبر العملية العسكرية الإسرائيلية ليست فاشلة بالمطلق فحسب، بل أدت أيضا إلى انعكاسات سلبية كبيرة على إسرائيل، انعكاسات من شأنها أن تغير قواعد اللعبة أو قواعد الاشتباك فوق الأجواء السورية.


اجراءات استراتيجية
لم يكن رد الفعل الروسي معادلا للخطأ الذي أدى إلى إسقاط الطائرة "إيل 20"، وقد بدا واضحا أن موسكو لم يكن لها أن تُفوِّت هذه الفرصة دون استغلالها استراتيجيا.

في البداية قال بوتين: إن الحادث الأخير نجم عن سلسلة ظروف مأساوية عرضية، بعدها وصل إلى موسكو قائد سلاح الطيران الإسرائيلي عميكام نوركين، وغادر موسكو بانطباع بأن المشكلة قد حُلّت.

لكن بعد ستة أيام من الحادثة، بدأ موقف موسكو يتغير بقوة مع الكشف عن خلاصة التحقيق الذي أجرته وزارة الدفاع الروسية، ووصل الأمر إلى إعلان موسكو عن القيام بثلاث خطوات كبيرة سيكون لها تداعيات على الأطراف الثلاثة (النظام السوري، إيران، إسرائيل):

ـ تزويد النظام السوري بمنظومة صواريخ إس 300.

ـ تجهيز المراكز القيادية لقوات الدفاع الجوي التابعة للنظام بمنظومة تحكم ومراقبة مركزية.

ـ إطلاق تقنيات التشويش الكهرومغناطيسي لمنع عمل الرادارات واتصالات الأقمار الاصطناعية والطائرات.

تمتاز صواريخ إس 300 بمداها الواسع الذي يصل إلى 150 كلم وبدقتها العالية وقدرتها على الاشتباك مع أي هدف جوي، وقادرة على التعامل مع الجيل الرابع من الطائرات الأمريكية.

وليس معروفا إلى الآن هل ستكون هذه المنظومات تحت تصرف النظام بشكل مباشر أم تحت إشراف روسي، وما هي الحدود التي يستطيع فيها النظام استخدام هذه الصواريخ؟


رسالة لإسرائيل
من الواضح أن تسليم هذه المنظومات لدمشق لا يهدف كما قال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إلى "حماية العسكريين الروس"، فلو كان الأمر على هذا النحو لسُلمت المنظومات للقيادة الروسية في سوريا كما هو حال صواريخ إس 400 المتواجدة في قاعدة حميميم.

الهدف من تسليم المنظومات إلى دمشق منع إسرائيل من توجيه ضربات مستقبلية ضد قواعد النظام العسكرية، وبحسب صحيفة "يديعوت أحرنوت" نقلا عن مصادر أمنية إسرائيلية، أرسلت روسيا رسالة قاطعة للحكومة الإسرائيلية قبيل حادثة الطائرة بأيام، تفيد أن مهاجمة إسرائيل لأهداف سورية تتعارض ومصلحتها في توطيد حكم الأسد.

وعليه، فإن تسليم المنظومات الصاروخية للنظام يسمح له بالرد على الهجمات الإسرائيلية من دون جر روسيا إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل.

وفي ما يتعلق بتجهيز قوات الدفاع الجوي بمنظومة تحكم ومراقبة مركزية، وإطلاق تقنيات التشويش الكهرومغناطيسي، فإن هذه الخطوات ستدفع إسرائيل إلى تغيير طريقة عملياتها في الأجواء السورية، في ضوء قدرة موسكو الكبيرة بحسب مراقبين إسرائيليين في استخدام الحروب الإلكترونية لإعاقة عمل سلاح الجو الإسرائيلي.


تفاهم ثلاثي
ومع أن إسرائيل تعمل مع الولايات المتحدة على منع وصول هذه الصواريخ إلى النظام السوري، عبر صفقة أو تفاهم ثلاثي بين هذه الأطراف يتعلق بمجمل الملف السوري، إلا أن التصريحات الإسرائيلية توحي بأن حكومة نتنياهو قد لا تمانع من تسليم دمشق هذه الصواريخ إذا ربط عملها بقواعد متفق عليها، ويبدو تصريح نتنياهو ذا مغزى؛ "تسليم صواريخ إس 300 إلى أيدي غير مسؤولة يهدد أمن المنطقة".

بالمقابل، تصب التصريحات الروسية في هذا الإطار، على الرغم من القرارات الروسية الكبيرة، فقد أعلن الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن موسكو لا ترغب في خصام دائم مع إسرائيل، وأعلن نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف أن تزويد دمشق بصواريخ إس 300 لن يفسد العلاقة بين روسيا وإسرائيل.

تشكل هذه التطورات انتصارا كبيرا للدبلوماسية الروسية، صحيح أن موسكو لن تدفع الأمور إلى حد منع الطيران الإسرائيلي من شن هجمات في الأجواء السورية، لكنها بالمقابل ستضع قواعد جديدة للاشتباك من شأنها أن تقيد حركة إسرائيل، مع السماح لها بتنفيذ هجمات ضد إيران في حال تجاوزها للخطوط الحمر الإسرائيلية.

الخطوات الروسية لا تقتصر على البعد الإسرائيلي فقط، وإنما تتعداه إلى إيران، فهذه الصفقة ستعيد النظام السوري إلى الحضن الروسي بعدما حاول النظام مؤخرا الانفتاح عسكريا على إيران وإبرام اتفاقيات عسكرية واسعة، من شأنها أن تؤثر بالسلب على القدرة الاستراتيجية الروسية في سوريا، خصوصا أن إيران تشكل عائقا أمام تحقيق روسيا لرؤيتها النهائية في سوريا.

اقرأ المزيد
٢٩ سبتمبر ٢٠١٨
هل يلغي بوتين امتياز إسرائيل في سورية؟

 في التاسع من آب (أغسطس) الماضي قامت طائرتان تابعتان للجيش النظامي السوري برمي مناشير فوق محافظة إدلب، تدعو السكان إلى التعاون مع القوات المسلحة لأن الحرب قد انتهت لمصلحة النظام!

ولكي تدلل قيادة الجيش على أهمية الوفاق بين العسكريين والمدنيين، حرصت على رمي منشور يتضمن صورة امرأة سورية وهي تقبل جندياً في طريقه إلى الجبهة.

الاستعدادات العسكرية التي تعمّد بشار الأسد إظهارها كانت بتشجيع من موسكو التي توقعت أن يحسم طيرانها مصير آخر معقل يحتمي فيه سبعون ألف مقاتل ينتمون الى اثني عشر فصيلاً. ولما حذرت الأمم المتحدة من وقوع حمام دم في إدلب، تدخل الرئيس رجب طيب أردوغان مع فلاديمير بوتين بهدف تأجيل ساعة الصفر خوفاً من تدفق اللاجئين الجدد. علماً أن تركيا تستوعب أكثر من مليونين ونصف المليون لاجئ سوري، فرضت عليهم الحرب الهرب من حلب والمدن المجاورة.

يجزم المراقبون بأن ساعة الصفر تأجلت إلى موعد آخر، ربما يقع بين العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل والخامس عشر منه. والسبب أن بوتين يصرّ على الجماعات التي يصنفها إرهابية بمغادرة منطقة النزاع بمَن فيها «هيئة تحرير الشام» المرتبطة سابقاً بـ «القاعدة».

وتساءل قادتها عن المصير الذي ينتظره المقاتلون بعد تجريدهم من الأسلحة الثقيلة والخفيفة. وتعهدت أنقرة بحل مشكلتهم مع الأسد بواسطة الروس، بحيث يتم صهرهم من جديد داخل المجتمع السوري.

قام بالاطلاع على أحوال الجبهة هذا الأسبوع عدد قليل من المراسلين الذين سُمِح لهم بتصوير أرتال الدبابات والمصفحات المتجهة نحو إدلب. وتُعتَبر هذه المحافظة آخر موقع يلجأ اليه المعارضون لنظام بشار الأسد. ولقد أعرب المراسلون في مقالاتهم عن تخوفهم من حدوث مجزرة في حال حشد الروس والايرانيون كل إمكاناتهم الحربية لدحر المتمردين.

وحدث أثناء زيارة بوتين قاعدتي طرطوس وحميميم (كانون الأول/ ديسمبر - 2017) أن أعلن أمام الحضور مشاركة 48 ألف عسكري في عمليات استمرت منذ سنة 2015. وعدّد في خطابه بعض المهام التي يفتخر بها، كقوله: إن طيّارينا قاموا بـ 34 ألف طلعة، وقصفوا 166 منشأة تابعة للإرهابيين.

وتكلم من بعده وزير الخارجية سيرغي لافروف، الذي طالب بضرورة مغادرة القوات الاميركية سورية، لأن وجودها لم يتم بدعوة من الرئيس الشرعي بشار الأسد.

السبب المباشر الذي أعطى بوتين شرعية التدخل في الشأن السوري كان طلب الإنقاذ الذي حمله معه بشار الأسد الى موسكو. واستقبله بوتين في الكرملين بحضور القيادتين السياسية والعسكرية لاعتقاده أن الزيارة المفاجئة تحمل سبباً وجيهاً وخطيراً. ومن دون مقدمات المجاملة، اعترف الرئيس السوري أنه في مأزق سياسي لا يُحسَد عليه. واعترف أن الجيش السوري المنهك لم يعد بمقدوره الصمود أمام هجمات القوى المعارضة. خصوصاً بعدما أسعفتها الولايات المتحدة بأسلحة متطورة أجبرت قوة الدعم الايرانية على التراجع. ثم تبيّن لاحقاً أن طهران هي التي نصحت الأسد بضرورة الاستنجاد بالدب الروسي بعد سلسلة انسحابات لم يبقَ بعدها أكثر من أربعين في المئة من الأراضي تحت سيادة النظام.

بعد مغادرة الأسد، اجتمع بوتين بجنرالات القيادة المركزية وطلب منهم وضع القوات في وضع الاستنفار الدائم، براً وبحراً وجواً.

أجمع المعلقون الروس في حينه على أن بوتين كان جاهزاً لتلبية طلب الإنقاذ لدولة وقفت إلى جانب موسكو مدة نصف قرن تقريباً. وبسبب هذه الخلفية، أعفى زعيم الكرملين سورية من كل ديونها القديمة مع الاتحاد السوفياتي، أثناء زيارة بشار الأسد لموسكو في ربيع 2011. وقد مثلت تلك الديون أثمان مشتريات سورية من الأسلحة التي احتاجتها بعد حرب 1973.

يعترف بوتين في أحاديثه الصحافية بأن الانتفاضة ضد الرئيس الليبي معمر القذافي وما رافقها من تطورات كانت سبباً مهماً من أسباب دعمه النظام السوري. وهو يتذكر أن دول الحلف الأطلسي، وفي مقدمهم الولايات المتحدة، طلبت منه عدم استخدام الفيتو في مجلس الأمن، وذلك بهدف المساعدة على إجراء مصالحة وطنية. وتجاوباً مع هذه الحجة، أمر سفيره في الأمم المتحدة الوقوف على الحياد في مجلس الأمن. وكان من نتيجة ذلك الموقف تسابق الدول الغربية على ضرب تحصينات القذافي وقواعد نظامه، الأمر الذي شجع المتمردين على الإجهاز عليه، وهو في طريقه إلى الهرب. وكان من نتائج تقويض نظام القذافي أن استغلت التيارات الإسلامية تلك الفرصة لبيع ترسانات الجيش الليبي وتفكيك وحدة البلاد، ومنح «القاعدة» فرصة للنمو والتمدد في البلدان المجاورة مثل تشاد والنيجر ومالي والسودان.

محلل صحيفة «لو موند» الفرنسية رأى في خيبة أمل بوتين من التحايل الغربي سبباً لمنع الولايات المتحدة من احتكار الحلول لمعاناة الشعوب العربية التي كانت تمر في مرحلة تغيير سُميت «الربيع العربي».

وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» في حينه أن الرئيس الأميركي باراك أوباما كان يراهن على سقوط الأنظمة العربية في أحضان الغرب، خصوصاً الدول التي خبرت حكم الاشتراكيات واليسار. ولكن تطور الأحداث لم يصب لصالح الغرب كما توهم أوباما، وإنما انزلقت المنطقة كلها نحو هوة الانهيار الكامل.

القرار الذي اتخذه بوتين بشأن انقاذ نظام بشار الأسد كان يصب في مصلحة علاقات بلاده مع الدول العربية. وكان له مصلحة استثنائية في إظهار وقوفه الى جانب الأسد، خلافاً للرئيس اوباما الذي تخلى عن الرئيس المصري حسني مبارك.

والثابت أن بوتين ظل محافظاً على هذا الخط السياسي بالرغم من انتقال الرئاسة الأميركية الى رئيس صدامي هو دونالد ترامب. ويبدو أن صاحب شعار «اميركا أولاً» قد اعترف هو الآخر بأهمية الدور الذي يؤديه بوتين في الشرق الأوسط.

وبناء على هذا الاعتراف فقد ناشدت سفيرة اميركا في الأمم المتحدة نيكي هيلي الرئيس بوتين عدم التهور في عملية اجتياح إدلب. وقالت إنها تتوجه في طلبها الى الذي يملك النفوذ المطلوب للتأثير على مجرى الأحداث.

وكانت موسكو قد حركت 26 بارجة حربية، و36 طائرة الى الساحل السوري. كل هذا بهدف حسم مصير الملجأ الأخير للمعارضة المسلحة. وتقضي خطة التسوية بوجوب محاكاة الحل في الشيشان. أي فرض اتفاقية تهدئة بين النظام والمعارضة.

تفادياً لوقوع مجزرة يصعب تقدير عواقبها على الروس والإيرانيين والأتراك، قدم رجب طيب أردوغان اقتراحاً إلى بوتين وجد فيه مخرجاً للحل النهائي المؤجل. ويقضي الاقتراح بتحويل منطقة خفض التصعيد الى منطقة استقرار مؤقتة منزوعة السلاح بعمق 15-20 كيلومتراً شمال سورية. وفي العاشر من الشهر المقبل تباشر الدولتان الكفيلتان -روسيا وتركيا- في جمع السلاح الثقيل من فصائل المعارضة. وقد تسلمت الأمم المتحدة في نيويورك نسخة عن الاتفاق.

خلال فترة التهدئة والانتظار في إدلب، عكرت أجواء اللاذقية حادثة إسقاط طائرة روسية (ايل -20) ومقتل خمسة عشر جندياً كانوا على متنها.

الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف اتهم القوات الجوية الإسرائيلية بكامل المسؤولية عن إسقاط الطائرة. وعلى الفور أرسل بنيامين نتنياهو قائد سلاح الجو الإسرائيلي اللواء عميكام نوركين الى موسكو، ليجتمع بقائد سلاح الجو الروسي سيرغي سوروفيكين ويقدم له الاعتذار عن خطأ غير مقصود. وإدعى أثناء مراجعة الحادثة أن الغارة كانت موجهة لتدمير مخازن إيرانية أثناء نقل شحنة صواريخ إلى «حزب الله». وكان بهذا العرض يريد أن يقول إن الغارة تمت ضمن حدود الاتفاق مع روسيا.

لذلك اتصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالرئيس بوتين قبل سفره الى نيويورك لحضور جلسات الجمعية العامة وأعرب عن أسفه لخطأ غير مقصود. ومع أن المكالمة ظلت سراً من الأسرار، ولكنه -بحسب صحيفة «كومسومولسكايا - برافدا» حذره الرئيس الروسي من عواقب تقييد حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في سورية.

ومع أن نتانياهو وعد بوتين بأن هذا الحادث لن يتكرر، وأن التنسيق مع موسكو سيظل ساري المفعول، إلا أن قرار تزويد الجيش النظامي السوري بصواريخ «اس -300»، سيلغي تلقائياً قرار الرئيس الروسي السماح لإسرائيل بأن تدافع عن أمنها ولو على حساب الأمن السوري.

اقرأ المزيد
٢٩ سبتمبر ٢٠١٨
الشمال السوري ...... نحو المجهول

يخطئ من يظن أن الاتفاق الأخير الموقع بين روسيا وتركيا في "سوتشي" بشأن إدلب، قد أنهى حلم النظام في السيطرة على الشمال السوري، فالمطلع على بنود الاتفاق الموقع يجد أن الشمال السوري أصبح في خطر أكبر من السابق فالدول الغربية تراقب بشكل محموم تنفيذ بنود هذا الاتفاق وتستعجل في تطبيقه لإنهاء الحرب الدائرة في سوريا، وإنهاء معاناة الشعب السوري كما يدعون.

تدخل الثورة السورية عامها الثامن دون أي بصيص للأمل في انفراج الوضع الحالي ومع مرور الأيام يزداد الخناق بشكل أكبر على هذه المنطقة حيث أعلنت البارحة كل من بريطانيا والولايات المتحدة عن إيقاف المساعدات المقدمة عن طريق منظماتها بالدخول من معبر باب الهوى الشريان الأساسي للشمال السوري، وتحويل هذه الدعم للدخول باتجاه منطقة باب السلامة في مدينة إعزاز وللعلم فإن هذا القرار لم يكن وليد اللحظة بل كان يخطط له منذ عدة أشهر وذلك عقب سيطرة تحرير الشام على معبر باب الهوى وفرض سيطرتها على مناطق من الشمال السوري.

"تحرير الشام" لمصنفة على قوائم الإرهاب دولياً، لم تكن يوما تنظر إلى الشعب السوري أكثر من مجرد رعاع وعوام تقوم بتحريكهم وفق ما تريد، لتحقيق مصالحها وأجنداتها، غلبت مراراً منهجها على حساب دماء وتضحيات هذا الشعب وحرفت البندقة لقتل فصائل الثورة واعتقال نشطائها في سجونها، وتملكت القطاع المدني معتبرة نفسها الوصي الوحيد على هذا الشعب.

وإضافة للتضييق والاعتقالات، لايخفى ماقامت به من عمليات اغتيال وتصفية وخطف، هذا عدا عن التضييق الممارس حتى اليوم على المنظمات الإنسانية والتي تفرض علي كل من يعمل لتقديم المساعدة للمدنيين حصة خاصة بها كأتاوة، ولأنها تسيطر على معبر باب الهوى تم تصنيف واردات المعبر أنها تذهب لتمويل جماعات متطرفة ويجب تجفيف منابع الإرهاب كما يسميها البعض.

قد تعلو العديد من الأصوات اليوم لتقول أن المعبر هو معبر مدني ومستقل وبعيد عن العسكرة متجاهلا الخلايا الأمنية التي تنتشر بكثافة ضمن المعبر ومتجاهلا أيضا مكتب المتابعة التابع لتحرير الشام والذي يتبع بشكل غير مباشر لمكتب المنظمات في الهيئة والذي يصادر بنسب تتراوح بين 20% و40% من واردات المنظمات الى الداخل السوري والذي يديره قيادي من تحرير الشام يدعى "أبو عبد العزيز" مع العلم أن هذا الشخص تم ارساله الى تركيا عبر بطاقة تاجر ليفتتح أعمال تجارية هناك ويقوم بإدارة الأمور المالية لتحرير الشام ومراقبة المنظمات التابعة لهم والمنظمات الأخرى كما تم تجنيد العديد من مدراء المنظمات في الداخل السوري لصالح تحرير الشام لتنفيذ المهمات المطلوبة منهم.

وفي مقام آخر يعمل البعض على تسويق "حكومة الإنقاذ" (الذراع المدني لتحرير الشام) على أنها منفصلة بشكل كامل عن الهيئة متناسين العديد من الشخصيات التي تتبع لتحرير الشام حيث يوجد لكل مسؤول في وزارات الإنقاذ موظف أو عنصر تابع لتحرير الشام لمراقبة القرارات التي يتم اتخاذها وفي مقدمتهم "محمد الشيخ" رئيس الحكومة السابق والذي لا يستطيع توقيع أي قرار دون وجود ورقة معلقة خلف القرار بالقبول والرفض من أحد قياديي تحرير الشام (محمد الأحمد أبو طه) والذي يشغل منصب وزير الاقتصاد بالحكومة وسيضم اليه قريبا وزارة الزراعة وغيرهم كثر كالمدعو أبو أسامة 30 والذي يشغل منصبا وزاريا في حكومة الإنقاذ (وزارة الإدارة المحلية) وهو من القادة العسكريين لهيئة تحرير الشام والذي هدد في إحدى المرات أن من يمتنع عن تسديد الضرائب من المدنيين سيتم اعتقاله من قبل تحرير الشام.

والبعض الآخر يقول أن تحرير الشام ليس لها أي تدخل في أي نشاط مدني وعملها يقتصر على الجبهات العسكرية ونقول لهؤلاء كلامهم صحيح فهم متواجدين على جبهات التنقيب عن الاثار وجبهات بيع المعامل وسرقات المخيمات الحدودية وجبهات الاغتيالات والخطف والاتاوات وما بيع أحد المعامل في ريف حلب من قبل قيادي في تحرير الشام ببعيد.

سيتشدق الكثيرين بمقولة أن |إنهاء تحرير الشام هو إنهاء للثورة السورية والجواب هنا هل خروجنا في عام 2011 كان برعاية النصرة او تحرير الشام ... ؟، وهل كانت قيادات تحرير الشام تقود المظاهرات والحراك السلمي ...؟، وفي الطرف الآخر هل من انسحب من مناطق ريف حلب وريف إدلب ومناطق شرق السكة ومدينة حلب هم الشعب أم تحرير الشام ....؟

وهل لاحظ الجميع أن أغلب الانسحابات والخروج بالباصات كانت تحرير الشام في مقدمة المنسحبين والخارجين فمن لا يعلم فعليه بالسؤال أكثر.

أخيرا وبعد إيقاف المساعدات الأمريكية والبريطانية من الدخول من باب الهوى هل تجرؤ تحرير الشام أن تصدر بيانات على عدم تدخلها بالحياة المدنية وإنها منفصلة عنه بشكل كامل ولحكومة الإنقاذ هل تستطيعين تبرئة نفسك بالأدلة الدامغة عن عدم تبعيتك لتحرير الشام وان معبر باب الهوى مستقل عن العسكرة ويقاد من قبلكم ... ؟

الأيام تمضي كدقائق مسرعة والسرطان الذي ينهش المناطق المحررة يجب أن ينتهي بشكل عاجل وليعلم الشعب السوري في المناطق المحررة إن لم ينهي هذا الورم الخبيث والدخيل على جسد الثورة السورية فسيستأصل من أمم الأرض كافة كما استأصل مع الشعب في مناطق أخرى ولنا في الرقة والموصل مثال ليس ببعيد.

اقرأ المزيد
9 10 11 12 13

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
دور تمكين المرأة في مواجهة العنف الجنسي في مناطق النزاع: تحديات وحلول
أ. عبد الله العلو 
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
صمود المرأة ودورها القيادي في مواجهة التحديات
فرح الابراهيم
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
العنف الجنسي في حالات النزاع: تحديات وآثار وحلول ودور المرأة في هذه الظروف
أحمد غزال 
● مقالات رأي
١٣ يونيو ٢٠٢٤
تعقيب قانوني على تقرير لجنة تقصّي الحقائق حول استخدام السلاح الكيماوي في ريف حماه الشرقي
المحامي: عبد الناصر حوشان
● مقالات رأي
٢٤ مايو ٢٠٢٤
القائد العصامي ومكتسبات الثورة السورية في "ميزان الفاتح"
عبدالله السباعي
● مقالات رأي
٢٠ مايو ٢٠٢٤
وضع يده بيد المجرم وشارك بقتلهم .. لماذا يفرح السوريون بمقتل الرئيس الإيراني "رئيسي"
ولاء زيدان
● مقالات رأي
١٧ مايو ٢٠٢٤
"الجـ ـولاني" على نهج "الأسد" في قمع الاحتجاجات وكم الأفواه بالرصاص
ولاء زيدان