مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٣ سبتمبر ٢٠١٨
إدلب بين الأسوأ والأخطر

 التصعيد السياسي حول الوضع القلق في إدلب يتوالى على ألسنة مسؤولين كبار في الإقليم وأوروبا والولايات المتحدة، ويبدو شديد اللهجة إلى حد اعتباره إعلان حرب.

يؤكد الإعلام الأميركي أن الرئيس السوري بشار الأسد أصدر أوامره باستخدام الكيماوي في قصف إدلب. وتعلن موسكو أن مجموعة من معتمري الخوذ البيض وصلت من تركيا لتصور ضحايا القصف بالكيماوي الذي ينسبه الروس إلى المعارضة المتطرفة لا إلى جيش الأسد. ويكرر جون بولتون كلام الرئيس دونالد ترامب عن استعداد عسكري أميركي للردّ على استخدام الكيماوي في معارك إدلب المتوقعة. ويبدو أن قوى كثيرة ترغب في خوض تلك المعارك، آخرها المانيا التي تنسق مستشارتها أنغيلا مركل مع الحلفاء مشاركة جيشها في الحرب. كأننا على عتبة حرب عالمية تخاض في المنطقة التي ولد فيها وعاش أبو العلاء المعري، الشاعر والمفكّر الذي نقلت مؤلفاته الى لغات العالم الحية، وقدم فيها رسائل انحياز إلى الإنسان مشككاً بالحماسات العاطفية العمياء التي تتسبب بقتل بشر وتحطيم عمرانهم بلا مسوّغ منطقي.

عضّ على الأصابع قبل حرب إدلب، بل هو عضّ للأصابع حتى إسالة الدم وتحطيم العظام.

حشود عسكرية روسية وسورية مع ميليشيات موالية لإيران، وحشود تركية على الحدود، وتعنت المسلحين المتطرفين حين يصمّون آذانهم عن نداءات أردوغان بتسليم السلاح الثقيل وترحيل الأجانب منهم إلى بلادهم أو إلى أي مكان يستقبلهم. وبذلك تضمن الإدارة التركية حلاً يقي إدلب ومنطقتها، بل البلاد المجاورة وأوروبا، نتائج القتل والهدم والنزوح إلى أماكن قريبة أو بعيدة.

ولكن، هناك من يعتبر الحرب أول الحلول لا آخرها، وليس النظام السوري وروسيا وحدهما في هذا الخيار بل هناك أيضاً قوى أجنبية، تعتبر نفسها صديقة للشعب السوري، متحمسة لخوض الحرب تأكيداً لحصصها مادياً واستراتيجياً.

لكن المعركة، إذا حدثت، ستكون قاسية جداً على الروس وجيش الأسد كما على المعارضين المسلحين ومناصريهم في تركيا وأوروبا والولايات المتحدة. ويقدّر العارفون بأن معركة معقدة مثل هذه ستستغرق ستة أشهر على الأقل، ولا أحد يتوقع لها نتائج محددة، فمنطقة إدلب حساسة لتركيا ولنظام دمشق ولقواعد الجيش الروسي في حميميم، كما أن نتائجها الكارثية ستمتد الى أوروبا، استناداً الى تهديد الرئيس التركي بتسهيل نزوح سكان منطقة إدلب غرباً، وعددهم حوالى ثلاثة ملايين، فيشكلون ضغطاً على الدول والمجتمعات الأوروبية لن تحتمله، خصوصاً مع المتغيرات السياسية والاقتصادية الناتجة عن النزوح الأخير للسوريين وغيرهم إلى القارة العجوز. هنا قد تتطور حرب إدلب الى ما يشبه معركة أوروبية للدفاع عن أوروبا، تماماً عند حدود بحر إيجة، وما يحمل هذا التطور من صعود دراماتيكي لليمين المتشدد يهدد جوهر الديموقراطية في بلاد أطلقتها ونشرتها في العالم.

إدلب أمام احتمالين، الأسوأ والأخطر. ويرجح معارضون سوريون معتدلون الاحتمال الأول مستندين إلى العلاقة المتينة بين موسكو وأنقرة التي يحرص عليها الطرفان، فالروس لا ينسون تسهيل تركيا سيطرة النظام على حلب التي مهدت لسيطرته لاحقاً على الغوطة والجنوب السوري، والأتراك يقدرون لروسيا وقوفها معهم في أزمتهم الحالية مع الولايات المتحدة. لذلك يرجح المعارضون حصول حرب قاسية تؤدي إلى سيطرة النظام على جسر الشغور والغاب، ما يعني تأمين سلامة القواعد الروسية في حميميم وسلامة اللاذقية، قلب النظام. وما تبقى من ملف إدلب تتابعه أنقرة على طريقتها، مشددة في الوقت ذاته على حلّ شامل في شمال سورية ينهي إرهاب «النصرة» والإرهاب الذي تنسبه تركيا إلى المسلحين الأكراد، معاً وفي وقت واحد.

اقرأ المزيد
١٢ سبتمبر ٢٠١٨
ننتصر عندما نهزم حافظ الأسد

علينا أن نعترف بأن تأثيرات حافظ الأسد لا تزال فاعلة ومؤثرة وصانعة لأفكارنا وموجهة لسلوكنا، ولم تستطع الثورة في سورية تشكيل قطوع ذات شأن مع ذلك البناء الفكري والسلوكي الذي صنعه، وبدا الأمر وكأنه اعتراضٌ على ضآلة حصصنا في توزيع الموارد والمناصب، وتضاربها مع توقعاتنا وتقديراتنا، من دون أن يعني ذلك رفضنا نمط الإدارة والحكم التي أوجدها حافظ الأسد.

لم يعد سرّاً أن السوريين أداروا الثورة، عسكريا وسياسيا وإعلامياً، من وحي تكتيكات حافظ الأسد وأساليبه، وهذا ما يفسّر وصول الأوضاع في سورية إلى طريق مسدود، بعد أقل من عامين على انطلاق الثورة، لتشابه التكتيكات والأساليب والأدوات، ذلك أن غالبية من تولوا إدارة فعاليات الثورة كانوا قد خدموا في مؤسسات الأسد وإداراته، سواء كانوا ضباطا في جيشه أو إعلاميين في منابره أو سياسين في الأحزاب التي سمح بوجودها، ولم ينج من هذه اللوثة حتى السجناء الذين قضوا سنواتٍ في مؤسسته العقابية.

لكن ما سر هذا التعلق والانشداد لفكر حافظ الأسد وأساليبه في إدارة السياسة؟ هل لأنه إستمر في الحكم سنوات طويلة، وبالتالي، فإن تأثيرات تلك السياسات طوت تحت جناحها أجيالا عديدة، دجّنتهم وسلبت منهم إمكانية التفكير المستقل والقدرة على صناعة أنماط فكرية وإدارية مختلفة؟ أم أن حافظ الأسد يعتبر صانع السياسة الحديثة في سورية، بغض النظر عن طبيعة هذه السياسة ومخرجاتها، باعتبار أن من سبقوه لم يتسنّ لهم الوقت، ولم تسمح لهم الظروف، لتنظيم المجال السياسي، ليأتي حافظ الأسد، ويشكّل هذا المجال على هواه ومقاسات مصالحه، وبذلك يكون قد أوجد أطراً وأقفاصا سياسية لم يستطع العقل السياسي السوري تجاوزها حتى اللحظة؟

وحتى لا يبدو أنه يتم هنا أخذ الأمور باتجاه اتهاميّ استباقي، في وقت نبحث فيه عن تفسير لظاهرة استمرار تأثيرات حافظ الأسد السياسية ودوامها، وبالتالي نحرم أنفسنا من إمكانية الوصول إلى إجابة منطقية، وتفسير حقيقي، لهذه الظاهرة، فلا بد من تسليط الضوء على كامل المشهد، عبر طرح الأسئلة: هل ناسبت سياسات حافظ الأسد السوريين، وجاءت متوافقة مع طبيعة تفكيرهم وسلوكهم وإستجاباتهم؟ هل أحبّ السوريون هذا النمط من السياسات، بحيث لا يجدون ضرورة لمغادرة شيء أحبّوه؟ هل حافظ الأسد هو الذي تأثر بالسوريين، وعبقريته أنه صنع المجال السياسي السوري بما يتطابق مع المواصفات والشروط التي يحبّذها السوريون أنفسهم؟

ارتكز حافظ الأسد على جملة من العناصر، شكلت البنية الأساسية لهياكل سلوكه في سياساته الداخلية:
المناطقية والطائفية: حيث يتم تعريف السوري بمنطقته، وهذه تتضمّن انتماءه الطائفي، فلا حاجة لإعلان السوري عن طائفته أو مذهبه، لأن انتماءه المناطقي يكشف بوضوح عن طائفته. وعلى هذا الأساس يتم التعاطي مع الشخص في دوائر السلطة، ويجري تفضيل ابن المنطقة عن سواه في مختلف التعاملات.

الفساد: أصبح الفساد في سورية حلاً سهلاَ، ليس فقط في مواجهة البيروقراطية، وإنما لتجاوز القانون، وبالتالي حظي الفساد بتواطؤ الجميع ورضاهم، الفاسد والمفسد.

الارتزاق: وفي ترجمتها السورية تحويل المواقف إلى سلع لها ثمن مقابل، ولا يوجد شيء مجاني.

الاستزلام: لكل مواطن سوري "زلمة" واصل في السلطة، أو يتبع "زلمة"، وكلما كان هذا الـ"زلمة" صاحب منصب كبير، فإن تابعه/ توابعه، يكونون ذوي شأن وأهمية، وقد يكون هذا الـ "زلمة" فرّاشا في مكتب أحد المسؤولين، أو يكون برتبة مساعد في مخفر شرطة، وربما يكون عضو مجلس شعب، أو ضابط مخابرات، أو حتى وزيرا، ومن ليس له "زلمة" فهو مكشوف للمخاطر. ووصل الأمر إلى حد أن وجود "الزلمة" ضروري لبرستيج الشخص، وجزءٌ من الثروة أو الرأسمال الرمزي.

لكن هذا السلوك السياسي الذي اتّبعه حافظ الأسد كانت له نتائج خطيرة على السوريين، أسهمت بدرجة كبيرة في حالة التخلف والانحطاط التي وصل إليها السوريون، ومن نتائجها طمس الشخصية السورية، وحرمانها من الإبداع والتميّز، شأن كل المجتمعات التي تعيش في ظل سلطات ديكتاتورية. ولذلك كانت سورية أقل دول المنطقة إنتاجاً للمبدعين والمثقفين المتميّزين، ما عدا استثناءات بسيطة لأشخاصٍ عاشوا وتعلموا في الخارج.

من يتابع سلوك المعارضة السورية اليوم لن يصعب عليه اكتشاف مدى تجذّر قيم حافظ الأسد في سلوكها. ولعل الصراعات الناشبة بين شرائح هذه المعارضة وفئاتها، وأسلوب الشللية والارتزاق والمناطقية، خير دليل على هذه الحقيقة، وكذلك ظاهرة الاستزلام، حيث يستطيع المرء معرفة إلى أي "زلمة" يتبع هذا المثقف أو ذاك، خصوصا بعد أن تحوّل جزء من مثقفي المعارضة وسياسييها إلى أزلام، صنعتهم أطرافٌ خارجية، وبات هناك حاجة لوجود مستزلمين.

غير أن أخطر صفة استنسخها المعارضون السوريون من الحكم الأسدي العطالة وقلة الفاعلية. وعلى الرغم من حصول قيادات المعارضة على أموال طائلة من دول الخليج، إلا أنهم لم يستطيعوا تأسيس إطار سياسي حقيقي يستثمر طاقة السوريين. هل يستطيع أحد تفسير عدم استثمار ملايين السوريين في تركيا وأوروبا لإيجاد لوبيات سورية تؤثر على صناع القرار في هذه الدول؟ ولماذا عجز السوريون عن إنتاج إعلام مؤثر وقادر على الوصول إلى الرأي العام العالمي، على الرغم من أن الدعم المالي الذي حصل عليه السوريون في هذا المجال كان كبيراً؟ وهل يستطيع أحدٌ تفسير سبب استسهال روسيا تشويه صورة السوريين إلى حدّ وصفهم بالبرابرة والهمج، من دون الخوف حتى من مجرد الرد إعلامياً على ذلك؟

على الرغم من كل المآسي التي تحيط بالسوريين، يجد مثقفو المعارضة الوقت وهناءة البال ليتصارعوا على قضايا تافهة. وقبلهم كانت فصائل المعارضة تتقاتل فيما بينها على الأرض، وطائرات روسيا تقصفها من السماء. وليس لهذا سوى معنى واحد، أن حافظ الأسد مقيمٌ داخل كل فردٍ منا، أو كما قال رئيس مجلس الشعب السابق في تأبينه حافظ الأسد: لقد صنعت لنا منهجاً وسنبقى ملتزمين به.. ألم يقل أحد المؤبنين: فقدناك شعباً فقدناك وطنأً فقدناك أمة؟ فنم قرير العين يا حافظ، على دربك سائرون.

اقرأ المزيد
١٢ سبتمبر ٢٠١٨
الروس يرفضون الهدنة في إدلب للخروج من الورطة السورية

بدا واضحا أنّ الفجوة بين الأتراك والرّوس حول مستقبل إدلب لن تردم بما يرضي الطرفين، حيث لم يستطيعا في قمّة طهران إخفاء خلافاتهما حول الموضوع. فقد أعلن الرّئيس الرّوسي صراحةً رفضه اقتراح الرّئيس التّركي أردوغان بعقد هدنة جديدة، بل ودَعا من أسماهم "المسلحين" لإلقاء السّلاح، وأكّدَ في الوقت ذاته أحقيّة الحكومة السّوريّة (نظام الأسد) بالسّيطرة على كافّة أراضي البلاد، بما فيها إدلب. وفهم كثيرون رفض بوتين للهدنة على أنّه بدء لساعة الصّفر، وقرع لطبول الحرب ضدّ إدلب، واستمرار لسيناريو روسيا في نقض اتفاقات مناطق خفض التّصعيد، كما حصل في الغوطة وريف حمص ودرعا.

يبدو هذا الكلام مقبولا لو أنّ الطّبيعة العسكريّة والسّياسيّة والجغرافيّة في مناطق خفض التّصعيد الأخرى تشبه إدلب.

فالقوّة العسكريّة الموجودة في إدلب غير موجودة في بقيّة المناطق، سواء من حيث عدد المقاتلين أو السّلاح، فضلا عن بعد مسرح العمليّات العسكريّة في إدلب عن إسرائيل التي ضغطت على أمريكا لمنع قيام معارك في الجنوب، ما شكّل عامل ضغط على فصائل الجنوب. كما أنّ الدّور التّركي كان هامشيّا في مناطق خفض التّصعيد الأخرى، إذ لا يملك الأتراك حدوداً مع درعا والغوطة خلافا لإدلب، فلا يُلام الأتراك في ملفي الغوطة ودرعا، بينما تتحمل جزءا من المسؤوليّة في إدلب التي تعد أمانةً في عنق الأتراك، وهذا ما يفسّر إرسال تركيا لتعزيزات عسكريّة عقب قمّة طهران التي رفضت الهدنة.

وثمّة أسباب تتعلّق بالرّوس ومصالحهم تحول دون انطلاقهم بعمليّة عسكريّة في إدلب، فالتّدخل العسكري الرّوسي بلغ النّهاية من النّاحية الاستراتيجيّة، ولن يضيف احتلال إدلب -لو تمّ- مكسبا جديدا لروسيا التي ستجد نفسها عاجزة تماما أمام الأمريكان، وهذا موقف لا يريد الرّوس حصوله، فأحقيّة النّظام السّوري في السّيطرة على كافّة الأراضي سيصيبها الشّلل عند الحدود التي رسمها الأمريكان للروس، حيث لن يستطيع الرّوس إطلاق رصاصة واحدة صوب المناطق الشرقيّة الواقعة تحت الحماية الأمريكيّة، كما يخشى الرّوس أن تكون إدلب الثّقب الأسود لكل استثماراتهم في سوريا، فالتّدخل الرّوسي اليوم يتجاوز عامه الثّالث بعد أن كان مقدّرا له ثلاثة شهور.

كما قد يؤدي الهجوم الرّوسي على إدلب لخسارة روسيا تركيا؛ التي لن تكون مسرورة تجاه أي حراك عسكري، إذ تعدّ تركيا إدلب جزءا من أمنها القومي، فضلا عن الاعتبارات الأخلاقيّة. فقد أوضح الرّئيس التّركي أنّ مستقبل إدلب لا يتعلّق بمستقبل سوريا بل بمستقبل تركيا أيضاً، وذهب الرّئيس التركي أبعد من ذلك عندما أكّد أنّ تركيا لن تقف موقف المتفرّج إذا تجاهل العالم قتل آلاف الأبرياء. ويلمس المتابع للتحركات العسكريّة التّركيّة جديّة موقفها، وهذا سيُوقع الرّوس لاحقاً في ورطة مع إيران، حيث ستزداد الضّغوط على روسيا لإخراجها ومليشياتها من سوريا، هذا إن استطاعت بدايةً حسم معركة إدلب، وهذا حسم مشكوك فيه.

ويدرك الرّوس جيّدا أنّ ابتعاد تركيا عنها سيؤدي مباشرةً لتحسّن العلاقات التّركيّة الأمريكيّة، ولا يستبعد هنا أن تكون إدلب أفغانستان جديدة؛ وتركيا باكستان جديدة.

وهنا يبرز السؤال التّالي: لماذا رفض الرّوس مقترح الهدنة التّركي؛ ما دام الهجوم العسكري مستبعداً ولا يصبّ في مصلحتهم على الأقل في المدى المنظور؟

يهدف الرّوس من رفضهم الهدنة ونبرتهم الهجوميّة؛ لابتزاز الجميع، فالرّوس يدركون عجزهم عن إعمار سوريا، فضلاً عن عجزهم تحقيق الحلّ السّياسي دون مساعدة الغرب الذي ما زال مصرّا على حل سياسي حقيقي قبل الإعمار، والتهديد بهجوم إدلب يعني إغراق أوروبا بمئات الآلاف وربما ملايين اللاجئين.

وفي الوقت عينه يريد الرّوس استمالة تركيا أكثر لجانبهم، وهذا حاصل ما دام التّعاون قائما في سوريا، لا سيما في ظل حاجة الأتراك لروسيا. وهذا ما يدفعنا للاعتقاد أنّ الرّوس لن يرتكبوا حماقة عسكريّة في إدلب تجعلهم يغوصون أكثر في المستنقع السّوري، فهل يحصل الرّوس من رفض الهدنة على طوق النجاة؟ هذا ما يعتقده الرّوس الذين وجدوا أنفسهم بين نار المتابعة ونار انتظار ما يريده الآخرون، وكلاهما يعني البقاء في المستنقع إلى حين.

اقرأ المزيد
١٢ سبتمبر ٢٠١٨
عملية إدلب وموقف تركيا من التطورات

في الوقت الحالي تبدو إدلب وكأنها إحدى الخطوات النهائية في إطار الحرب السورية، ولكن في الواقع لا يمكن القول إنها المرحلة الأخيرة لهذه الحرب، نعم إدلب هي المنطقة الأخيرة من بين المناطق التي تتقاسمها القوى المتدخّلة في الساحة السورية، ولكن يجب أن لا ننظر إلى الحرب الداخلية السورية على أنها مرحلة على المدى القصير، لأن تقسيم المناطق لا يعني نهاية الحرب وبدء المفاوضات من أجل تحقيق السلام بشكل سريع، كما ذكرت مسبقاً أصبحت سوريا أشبه بمتاهة كبيرة، والخروج من هذه المتاهة ليس بالأمر السهل، بل أصبح الأمر يزداد تعقيداً يوماً تلو الآخر.

قد تكون إدلب إحدى فترات هذه المرحلة، ولكن لن تكون نهاية المرحلة أبداً، إذ أدت مواقف أمريكا إلى مواجهة طرق مسدودة داخل المتاهة السورية، وقد توضّح أن هذه الطرق ستصبح مسدودة منذ أن دافعت أمريكا ودول الغرب عن الاستبداد بدلاً من الديمقراطية في سوريا، وكذلك عندما تغاضت أمريكا عن التدخّلات الروسية لصالح الاستبداد الذي نشهده في سوريا.

كانت أمريكا تستطيع الضغط من أجل الوصول إلى حل لصالح طرفها من خلال دفع الأسد للرحيل وتنصيب شخص آخر قريب للأسد أو معارض له ليؤسس حكومة جديدة، وبذلك كانت روسيا ستضطر للاكتفاء بالمشاهدة من بعيد، لكن أمريكا لم تفعل ذلك، بل دعمت هذه المتاهة وأدت إلى زيادة الطرق المسدودة، وعندما تدخّلت روسيا في مجرى الأحداث انتقلت الحرب السورية إلى منحى مختلف تماماً عن السابق.

عند دخول أي دولة تملك قوة نووية إلى دولة أخرى يُصبح إخراجها أمراً صعباً مهما كان مدى القوة الاقتصادية والعسكرية للدولة المدخول إليها، وخصوصاً إذا كانت الدولة المتدخّلة دولةً ذات قوة نووية ضخمة وقدرة عسكرية عالية مثل روسيا، عندها تُصبح استراتيجية أمريكا التي تعتمد على الضغط لصالح طرف واحد مستحيلة وغير نافعة ولن تحقق نتائج ملموسة.

منذ دخول الجيش الروسي إلى الساحة السورية أصبحت روسيا تملك الفرصة لتكون جزءاً من جميع أنواع المفاوضات والمباحثات لإيجاد حل للقضية السورية، وكذلك أخذت إيران وتركيا وأمريكا موقعها في المنطقة أيضاً، وبذلك تشّكلت أجواء تعيق مهاجمة أي قوة لقوة أخرى، وفي هذا السياق تزعم بعض الجهات المؤيدة لروسيا أن الأخيرة تستطيع إجبار تركيا على الانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها القوات المسلّحة التركية من خلال عمليات درع الفرات وغصن الزيتون، لكن هذه المزاعم ليست واقعية، إذ يمكن لروسيا أن تهاجم تركيا في الساحة السورية عن طريق الغلط فقط، لكن ليس هناك أي احتمال يدور حول مهاجمة روسيا لتركيا بشكل مقصود، ويتوضّح ذلك من خلال النظر إلى مسار المفاوضات التي تجري بين الدولتين التركية-الروسية فيما يتعلّق بمدينة إدلب.

تحاول روسيا وشركائها الضغط من أجل تنفيذ عملية عسكرية في إدلب، لكن لا أحد ينظر إلى هذه المسألة على أنها المرحلة الأخطر أو الأهم في الخصوص السوري، لأن روسيا لن ترغب في خسارة كل ما اكتسبته منذ البداية إلى الآن فقط من أجل تنفيذ عملية عسكرية في إدلب، من جهة أخرى قد تكون إيران أكثر جرأة من روسيا في الصدد ذاته، ولكن نظراً إلى ارتباط إيران بروسيا بشكل كبير يمكن القول إنّ العامل المحدد في هذه النقطة هي القيمة التي يعطيها الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لشروط مرحلة أستانة، وفي هذا السياق يمكن لتركيا أن تُظهر لباقي القوى أن التدخّل العسكري في إدلب قد يؤدي لخسارة دعم وصداقة تركيا بشكل نهائي، ولكي تكتسب هذه المسألة جديّة أكبر يجب على أمريكا والدول الأوروبية أن تدخل في الساحة بشكل أبرز، لكن مع الأسف لم تُظهر هذه الدول الاهتمام المفروض للمسألة، لذلك يجب على تركيا أن تكون مستعدّة لجميع الاحتمالات خلال المراحل المقبلة، كما يمكن للأخيرة أن توضّح أنها قد تبادر بتدخّل إنساني والدخول إلى شمال إدلب في حال بدء العملية العسكرية على أرض الواقع.

اقرأ المزيد
١٢ سبتمبر ٢٠١٨
استمرار المأساة السورية

نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية تقريراً لمارتن شلوف عن اللاجئين في إدلب الذين ينتظرون الهجوم عليهم ولا مكان للفرار.

وأكدت الصحيفة أن إدلب، الواقعة في شمال غربي سوريا، والمحاصرة من جميع الجهات، ويعيش فيها نحو 3 ملايين شخص، تتوقع هجوماً عسكرياً لا مفر منه على يد القوات الروسية التي تسعى لتحقيق النصر واستعادة آخر المعاقل الرئيسية للمسلحين. وأكد التقرير أن روسيا حشدت بوارجها الحربية في منطقة شرق المتوسط، وواكبت ذلك استعدادات لدول أخرى حول إدلب؛ إذ أرسل الجيش التركي قافلة مسلحة إلى العمق السوري، وتمركزت الميليشيات المدعومة من إيران في الجنوب، ووضع الجيش السوري على أهبة الاستعداد. وأردفت الصحيفة أن لجميعهم حصته في هذه المعركة التي ستكون الأخيرة لصراع هز بنية البلاد والذي قد ينتهي بإعادة ترسيم لحدود سوريا.

ما نشهده اليوم في سوريا هو سياسة روسية هجومية اتبعتها في سوريا منذ عام 2015، وانكفاء أميركي أمامها لم تشهده هذه الدولة منذ الحرب العالمية الثانية.

سوريا المنكوبة يُجرب في شعبها أحدث أساليب القتل والتهجير والتشريد والتجويع على مرأى ومسمع من كل دول العالم منذ عام 2011 حتى الآن، وما بقي من إنسانية، ومنظمات دولية عاجزة يستغيث بعضها ويصرخ بعضها الآخر ويتواطأ القليل منها.

لقد تدخل الروس في سوريا عام 2015 تحت ذريعة محاربة إرهاب «داعش»، وقد نسقت روسيا في البداية تدخلها مع الولايات المتحدة لتفادي أي مواجهات للمقاتلات العسكرية الروسية والأميركية.

من أهم أسباب تفاقم الأزمة السورية على مدى 7 سنوات، تدخل القوى الكبرى؛ وتحديداً روسيا والولايات المتحدة، حيث ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ثقل روسيا وراء النظام، الذي بلغ مداه بالتدخل العسكري الشامل عام 2015.

التدخلات الروسية والأميركية في سوريا ليس الهدف منها محاربة الإرهاب كما يدّعون، فهم مدفوعون في المقام الأول بمصالحهم الذاتية وتنافسهم على القوة والنفوذ في المنطقة، فالرئيس بوتين مصمم على استعادة مكانة روسيا دولياً بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وعلى مقاومة اعتبار أميركا والغرب أن روسيا ليست إلا قوة إقليمية.

واضح أن الدور الروسي في سوريا جعل منها قوة على نطاق الشرق الأوسط، وملأت الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة تحت إدارة أوباما.

السؤال: لماذا تراجع دور أميركا والدول الغربية في المنطقة؟ هنالك أسباب كثيرة، لكن من أهمها تنامي الإرهاب في المنطقة الذي أسهم في تعميق أزمة النظام الديمقراطي الغربي، لأنه أتاح ذريعة لتفسير التراجع عن القيم الإنسانية الجوهرية التي لا تقوم لهذا النظام قائمة من دونها، فتخلت معظم الدول الغربية عن أهم المقومات الإنسانية للنموذج الديمقراطي عندما أغلقت حدودها أمام المهاجرين السوريين، وتخلت عن مواقف كانت تتبناها في شأن الأزمة السورية، وذلك في سلوك لا سابقة له في تاريخ الحروب الداخلية والحروب بالوكالة في العصر الحديث.

السؤال: لماذا كل هذا التدخل والتكالب العالمي على سوريا وشعبها، وما مدى تداعياته على جهود التسوية؟

تنبع أهمية سوريا من موقعها الجغرافي؛ حيث تحتل قلب المشرق العربي، وهي مجاورة لثلاث دول عربية؛ هي العراق ولبنان والأردن، ودولتين غير عربيتين هما تركيا وإسرائيل؛ اللتان تعدّان من أقوى دول المنطقة عسكرياً. بالنسبة لموسكو، تمثل سوريا حليفاً لها منذ الاتحاد السوفياتي السابق، حيث باشرت بكسر الاحتكار الغربي للتسليح في الشرق الأوسط. اليوم تتعاون موسكو مع كل من تركيا وإيران لدعم نظام بشار الأسد ومنع سقوطه وتأكيد استمراره في الحكم.

الولايات المتحدة تخلت عن مبادئها لعدم مقدرة النظام الديمقراطي على تجديد نفسه وتوسيع نطاق تفاعلاته لاستيعاب المستجدات الجديدة... كل ما يهم الولايات المتحدة تحت رئاسة ترمب هو حماية مصالحها ومصلحة إسرائيل وتوسع هيمنتها. الوضع في سوريا يزداد تعقيداً بعد تهديدات أميركا بالتدخل في حال استعمال الأسلحة البيولوجية في إدلب، ومزاحمتها النفوذ الروسي.

ما نتخوف منه هو استمرار المأساة السورية، والفشل في فرض تسوية سياسية، مما سيعود حتماً بأفغنة سوريا واستمرار الحرب... وزيادة مأساة الشعب السوري.

اقرأ المزيد
١١ سبتمبر ٢٠١٨
هل عيون العالم معلقة حقًّا بإدلب؟

نشهد في الآونة الأخير تصاعدًا في الاقتتال الإقليمي، وبالتوازي معه مرحلة من اللامبالاة العالمية إزاء هذا الاقتتال. ولهذا يقف المجتمع الدولي غير عابئ بملايين النازحين من ديارهم، ومئات الآلاف من القتلى.

من الواضح عدم اكتراث الرأي العام العالمي إزاء دوامة الظلم والمجازر والاقتتال المستمرة في سوريا منذ عام 2011.

العالم الغربي فضل التعامي عن ديكتاتور يستخدم السلاح الكيميائي، خشية من أن يكون البديل الإسلام والمسلمين.

تغاضى العالم الغربي من أوروبا وحتى أمريكا عن جميع المجازر المرتكبة في سوريا، تحسبًا لتسلم معارضة مسلمة زمام الحكم.

تتصدر إدلب حاليًّا قائمة قضايا الساعة. إدلب مدينة صغيرة بدأت قوات النظام السوري ورسيا بقصفها شيئًا فشيئًا، وجراء القصف يسقط ضحايا بين المدنيين.

أضحت هذه المدينة التي أصبح عدد سكانها 3.5 مليون نسمة وتبعد عن تركيا 100 كم، ساحة مهيئة لارتكاب المجازر فيها.

تابعنا مباشرة القمة الثلاثية في طهران. دافع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإصرار عن وقف إطلاق النار في مواجهة نظيريه الإيراني والروسي، لكن القمة انفضت عن حقيقة ظهرت مجددًا وهي أن تركيا هي المدافع الوحيد عن المظلومين والأبرياء.

أكد بيان القمة المكون من 12 مادة على أهمية مسار أستانة، ولفت إلى عزم البلدان الثلاثة على الوقوف في وجه الأجندات الانفصالية الرامية إلى إضعاف بلدان الجوار بحجة مكافحة الإرهاب.

وجدد البيان عزم البلدان الثلاثة على مواصلة الجهود المشتركة الرامية لدفع مسيرة التوصل إلى حل سياسي بقيادة الشعب السوري، وأكد على التعهدات بشأن المساعدة في إطلاق العمل على تشكيل لجنة صياغة الدستور.

وشدد البيان على أهمية مسألة المساعدات الإنسانية، وعلى فكرة عقد مؤتمر دولي بخصوص اللاجئين.

قمة طهران كانت هامة، لكننا رأينا كيف كانت الاستجابة إلى جهود تركيا الرامية إلى الحيلولة دون اقتران ذكر إدلب بمجزرة جديدة.

لكن بينما تسعى تركيا بكل طاقتها من أجل منع وقوع كارثة في إدلب، ماذا يفعل صناع القرار في العالم؟

تمامًا كما فعلوا منذ اندلاع الحرب السورية حتى اليوم.. يفشلون في اجتياز اختبار الضمير الإنساني..

ليحمي الله جميع الأبرياء من القصف العشوائي..

اقرأ المزيد
١١ سبتمبر ٢٠١٨
هل من مواجهة إسرائيلية إيرانية في سورية؟

عاد التصعيد الإسرائيلي ضد الوجود العسكري الإيراني في سورية، بعد فترة قصيرة من الصمت الإعلامي الذي يبدو أنه كان لإتاحة المجال أمام الروس، للتوصل إلى حلّ لهذه المشكلة، بالتفاهم مع حلفائهم الإيرانيين. عودة التهديدات الرسمية مترافقةً مع عودة الهجمات الجوية الإسرائيلية على أهدافٍ عسكريةٍ في سورية دليل على أمرين: خيبة أمل إسرائيلية مما أسفرت عنه الجهود الروسية من مسألة لجم الوجود الإيراني؛ وإعلانٌ عن بداية مرحلةٍ جديدةٍ في التعاطي الإسرائيلي مع المشكلة.

يدرك الإسرائيليون أن روسيا مشغولة الآن بالمعركة التي يجري تحضيرها ضد إدلب، المعقل الأخير للمعارضة السورية، لكنهم، منذ الآن، وبغض النظر عن نتائج المعركة يريدون أن يوضحوا للروس أن انتصار الأسد، وحليفته إيران، لن يكون على حسابهم. وهم يتخوّفون من أن يضطروا إلى دفع أثمان هذا الانتصار. وبحسب المختص في شؤون سورية، إيال زيسر، ستساعد دولٌ غربيةٌ عديدةٌ الأسد في إعادة إعمار بلاده، على أمل أنه سيُخرج الإيرانيين، وستضغط هذه الدول على إسرائيل، لتكبح عملياتها داخل سورية، حفاظاً على استقرارها. ولا يخدم هذا كله الهدف الاستراتيجي الأساسي لإسرائيل: التخلص من الوجود العسكري الإيراني في سورية.

"معارك بين الحروب" هو عنوان المرحلة المقبلة في المواجهة الإسرائيلية مع الوجود العسكري الإيراني في سورية، والمقصود عمليات عسكرية محدودة جراحيّة، تستهدف، بحسب مدير معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل، عاموس يادلين، "منع إيران من بناء قوة عسكرية متقدّمة لها في سورية ولبنان، وحتى العراق، بمنع تعاظمها العسكري، وضرب قدراتها الصاروخية المتقدّمة".

لكن التحدّي الذي تواجهه إسرائيل في تطبيق هذه الاستراتيجية الجديدة - القديمة في سورية مزودج: الخشية من أن تؤدّي هذه الاستراتيجية إلى تردّي علاقاتها مع الروس؛ والخوف من خروج الأمور عن السيطرة، وتدهورها إلى مواجهةٍ واسعةٍ مع الإيرانيين في سورية، وربما خارجها أيضاً. بالإضافة إلى أن هناك حرصا إسرائيليا على عدم التورّط في الصراع العسكري في سورية الذي تدّعي أنها وقفت منه موقف المتفرّج، واقتصر تدخّلها على تقديم مساعداتٍ إنسانيةٍ وطبيةٍ لمدنيين من سكان مناطق قريبة من حدودها، على الرغم من تقارير في الإعلام الأجنبي بشأن تسليح إسرائيل بعض التنظيمات المسلحة السورية المعارضة.

يعوّل الإسرائيليون في تطبيق هذه الاستراتيجية على أمرين: حاجة الأسد، في المرحلة المقبلة، إلى توطيد حكمه، الأمر الذي قد يمنعه من الانزلاق إلى مواجهةٍ مباشرةٍ مع إسرائيل، وتوقّعهم أن يواصل ممارسة سياسة الستاتيكو في الجولان التي كانت وراء السنوات الطويلة من الهدوء الذي ساد الحدود. وحاجة الروس إلى إنجاح مساعيهم في التوصّل إلى تسويةٍ سياسيةٍ بعيدة الأمد، لأن الانتصار في الحرب من دون تحقيق السلام سيجعل الإنجاز الروسي منقوصاً. وضمن هذا الإطار، يُطرح السؤال: هل المرحلة المقبلة من استراتيجية "معركة بين الحروب" يمكن أن تزيد من احتمال اندلاع مواجهةٍ جديدةٍ بين حزب الله وإسرائيل؟

على الرغم من التأكيد مرّاتٍ على عدم وجود نيّةٍ لدى أيٍّ من الطرفين التسبّب باندلاع حربٍ جديدةٍ، فإن ثمّة أجواء تصعيد إسرائيلي ضد إيران وحلفائها، واستعدادات حثيثة يجريها الجيش ضمن إطار "خطة جدعون"، المتعدّدة السنوات التي نشرها رئيس الأركان، غادي أيزنكوت، سنة 2015، ثم أعاد تحديثها هذا العام، وتركّز على دور القوات البرّية في أي مواجهةٍ عسكريةٍ مستقبلية، والتدريبات التي تُجريها هذه القوات لمحاكاة حربٍ جديدة ضد حزب الله، وذلك كله لا يبعث على الاطمئنان.

بعد الهدوء النسبي الذي ساد جبهة غزّة، يتوجّه الاهتمام الإسرائيلي اليوم إلى الجبهة الشمالية، وخصوصاً إلى انعكاسات معركة إدلب المحتملة وتطورات الوضع في سورية، وإلى الطريقة التي سيتعامل بها الروس، بعد انتصار الأسد النهائي، مع الوجود العسكري الإيراني. لقد سبق وأعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أن المرحلة المقبلة هي مواجهة النفوذ الإيراني في سورية والمنطقة.

وقد بدأ يتضح فيه أكثر فأكثر التناغم الإسرائيلي - الأميركي في الموقف من الوجود العسكري الإيراني في سورية، مع إعلان مسؤولين في إدارة الرئيس دونالد ترامب عن استراتيجيةٍ جديدةٍ أميركية في سورية، وتمديد وجود القوات الأميركية هناك، حتى تحقيق أهدافٍ جديدة، في طليعتها خروج القوات الإيرانية والمليشيات التابعة لها من سورية.

استراتيجية "معارك بين الحروب" طبّقتها إسرائيل ضد حزب الله منذ حرب يوليو/ تموز 2006، ونتائجها معروفة وملموسة. صحيحٌ أنه، منذ ذلك التاريخ، يسود هدوءٌ هشٌّ على الحدود مع لبنان، لكن هذه الاستراتيجية لم تنجح في لجم التعاظم العسكري للحزب، ولم تمنعه من تعزيز ترسانته الصاروخية. من هنا، يمكن القول إن الضجيج الإسرائيلي محاولة لجذب انتباه الروس والأميركيين إلى أهمية المحافظة على مصالح إسرائيل، في مرحلة ما بعد انتصار الأسد.

اقرأ المزيد
١١ سبتمبر ٢٠١٨
سوريا.. السجن الكبير وغرفة التعذيب المظلمة!

ما تزال سوريا في أوج العاصفة وفي نزيف حاد يتقطر منها الدماء من كل منحى جغرافيتها مقطعة مقسمة، مجتمعاتها مفتتة، بلى فيها الإنسان والحياة وطُمست الحضارة والعراقة وفُقد التراث وضاع التاريخ بين ركام بيوتها الذي بات غطاء أشلاء شعبها، كل شيء مُلطخاً بالدماء، حياة حمراء تجلى فيها الرعب والخوف وأنين الألم، اغتيلت الطفولة وتفشى الجهل وانحسر التعليم وماتت الأحلام وضاع المستقبل ومَنْ ذا الذي سيحمل على عاتقه رسم حاضر اليوم تاريخاً يُفتَخر به على مر السنين!

تموضعت في ذاكرتنا ساعة زوال الألم وانتهاء المأساة وعيش نشوة الانتصار التي باتت أشبه بالمستحيل، سبعة أعوام وسوريا في نفق مظلم بلا نهاية ويكثر في هذا النفق الجلادون والجزارون ولكلٍ له فرائسه تقضم من أجسادنا وتشرب من دمائنا ثم تندد وتستنكر ثم يمشي هؤلاء مشيعون في جنائزنا، حدودنا لم تكن سوى أبعد من حدود بلادنا في حين كان فخري البارودي يكتب والشعوب تردد ما كتبه.. بلاد العرب أوطاني، عذراً يا فخري فليس لدي سوى وطن أول وأخير وهو ذلك الكفن بهمة ونخوة من أغلقوا كل منافذ الفرار من الجحيم الذي يفعله الغزاة والمحتلون في بلادنا وأهلنا، في حين كانوا عاجزين عن إغاثتنا ودعمنا، ليجثو الجميع على ركبتيه ويرفع يديه إلى السماء ويصرخ يا رب مالنا سواك وكل الأبواب أُغلقت إلا بابك مفتوحاً لا يرد خائباً.. فرج كربتنا.

لقد خنقت سوريا خنقاً وحوصرت حصاراً وكان الأسد كفيلاً بأن يعيد تاريخ عائلته في الإجرام ويحوّلها إلى مسلخ بشري وسجن كبير وغرفة تعذيب حمقاء لا يمكن أن يُغادرها حيّ، فالتاريخ لا يمكن أن يُمحى وفي صفحاته تأرخت دكتاتورية آل الأسد وإجرامهم، مدينة حماة التي غرقت بالدماء والدمار سنة 1982 كانت كفيلة بأن تُظهر مدى إجرام هذه العائلة، مجزرة حماة أو مجزرة العصر كما يقال عنها كانت بكفالة بيت الأسد الذي لم يتوانى حينها حافظ الأسد بقتل عشرات الآلاف في غضون 27 يوما والتي كانت فترة المجزرة حينها، عندما قام بحملة عسكرية كبرى قامت بها المخابرات وجيش الأسد والمخابرات الجوية والتي منحها الأسد الأب حينها كامل الصلاحيات في توجيه الضربات للمعارضين حينها واجتثاثهم وقتل حتى المتعاطفين معهم، لقد كانت مجزرة مُرعبة ألقت تعتيماً إعلامياً ولكن! ما الفائدة من الإعلام إن كان الأسد الابن اليوم ارتكب وما زال يرتكب مجازراً أكثر عنفاً ودموية مما فعله أبوه في حماة وعلى مرآى العالم وكما يُقال وعلى عينك يا تاجر، حتى أثبت هذا العالم مدى تخاذله واستهانته بدماء الشعوب البريئة التي أيقظت ربيعاً عربياً في المنطقة ولكن نالت الشعوب أكثر مما تَوَقَّعتْه.

قبل فترة ليست بالبعيدة شاهدت عدة رسومات لفنان سوري يُدعى نجاح البقاعي والرسومات تُجسد حقيقة ما يحدث في داخل السجون والمعتقلات الأسدية والتي أُطلق على أكبر السجون فيها مسمى المسلخ البشري وهو سجن صيدنايا العسكري، ويحاول البقاعي من خلال هذه الرسوم أن يروي معاناة المعتقلين في سجون الأسد مع التعذيب وعكس واقع هذه السجون من الداخل وتوضح الرسومات أيضاً مدى الإجرام الذي فاق أي إجرام يحدث في أية سجون في العالم وحقيقة ما يحدث فيها من تعذيب للمعتقلين وإذلالهم وحتى إجبارهم على العمل الشاق.

إحدى الرسوم لم تغادر ذاكرتي لفظاعة الألم فيها والتي كانت عبارة عن رسم فكيف لو كانت بالحقيقة!، لم يكن الأسد شجاعاً بكل هذه الدرجة لو لم يكن يعلم يقيناً أنه لن يقف أحداً في وجهه ويردعه ويحاسبه على جرائمه، أتذكر أحد العناوين الذي قرأته في إحدى الصحف العربية ويقول ما كان يفعله حافظ بالخفاء يرتكبه بشار اليوم بالعلن، عنواناً في مضمونه آلاف الكلمات بل تستطيع أن تكتب كتاباً منه لفظاعة ما يفعله الأسد اليوم بدون رادع! أين المحاكم الدولية! ماذا فعل مجلس الأمن الذي حصّنه بـ 12 فيتو برعاية روسيا، ماذا تفعل الأمم المتحدة! هي متحدة ولكن على كل شيء ضد الشعوب التي تريد أن تمارس حقوقها الطبيعية في بلادها وهذا يُظهره جلياً أفعالها التي انعكست اتجاه الشعوب التي عانت وتعاني من القمع والاضطهاد والقتل على أرضها، هكذا حوّل الأسد سوريا بلد الياسمين إلى سجن كبير لا يمكن الخروج منه ويحاول تعذيب وتصفية كل من قال لا في وجه عنجهيته وغطرسته.

سجن صيدنايا العسكري سيء الصيت قرب العاصمة دمشق الذي بات يُعرف بالمسلخ البشري بعد تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية تحت عنوان المسلخ البشري والذي كشف عن حملات نفذتها سلطات الأسد بحق المعتقلين وهي حملات إعدام خارج القانون بحق هؤلاء الذين لا يحملون أية تهمة سوى التظاهر أو التكلم وحتى البعض بلا أي تهمة، والذي كان لا يمر يوما فيه إلا ويتم اعدام فيه عدد من المعتقلين والذي أقام نظام الأسد بذات السجن محرقة لجثث المعتقلين بعد تصفيتهم وهذه الأدلة كشفت عنها الخارجية الأمريكية بحسب تقرير للجزيرة في 2017.

ولا يمكن أن ننسى الـ 13 ألف ضحية الذين قضوا في هذا السجن إعداماً وشنقاً خلال ما يقارب خمسة سنوات ثم تم دفنهم في مقابر جماعية، في حين يُلقي في ظلاله العالم على هذه الجريمة التي ارتكبها هتلر العصر بشار الأسد بالتنديد والاستنكار يستمر الأسد بالقتل بكل أنواعه ولا أذكر صراحة إن استخدموا فعلاً حينها هذه الخطوات الجدية التي أربكت الأسد ونظامه التي لا تتخطى التنديد ولا يمكن أن تصل حتى التحذير.. وأسفاه بِتنا مجرد أرقام تتناقص ولا كأن الذي يضمه التراب أجساد فارقتها الروح بعد عناء التعذيب والتنكيل بدون أي ذنب، جريمتهم وتهمتهم كانت المطالبة بالحرية والكرامة فقط.

ما ذكرته قد يكون لا شيء أمام ما يجري فعلياً ووصف بسيط للقليل مما يحصل والذي أعرفه أنا أو نحن أو ما تعرفه الصحافة وتنشره ولكن أثق تماماً أن هناك أفعال وأمور لا أحد يعلم بها وتجري في غياهب هذه المسالخ بشكل خاص وما يجري على الارض السورية عامة ولكن لا يوجد عدسة كاميرا توثقها، عدا النهج الذي يستخدمه المحتلون والطغاة ضد الشعب والذي بات روتيناً يومياً من القصف المدفعي والصاروخي من السماء والأرض والذي يستهدف المراكز الحيوية والمشافي والنقاط الطبية والمدارس، مما أدى إلى ازدياد المعاناة أكثر وتوليد حركة النزوح والتهجير إلى حدود البلاد المجاورة والتي كانت سد منيع في وجه أهلنا في كل وقت مما جعلهم دائماً تحت سماء تُمطر قذائف وصواريخ روسية أسدية تحاول إجبارهم على الخنوع والرجوع إلى زريبة الطاعة الأسدية التي لا تميز بين رجل أو امرأة أو طفل ليكون مصيرهم إلى غرفة التعذيب المظلمة ليعاني ويعاني حتى يُسجّى جسده بالتراب.

اقرأ المزيد
١٠ سبتمبر ٢٠١٨
هل أذِنَ ترامب لمعركة إدلب؟

لم يحتَجْ الجيش السوري  إلى إذنٍ من الولايات المتحدة قبل البدء بالمعارك التي خاضها، على مر السنوات السابقة، من أجل إعادة فرض سيطرته على المدن التي كانت تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة، أو حتى تنظيم داعش الإرهابي. لكن، هذه المرّة، مع معركة إدلب، المحتملة، ومع معركة درعا التي سبقتها، قبل أشهر، أطلَّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ليُدلي بما يشبه الإذن لهذا الجيش من أجل البدء بعملياته العسكرية. كما تَبِعَ إطلالتَه صدور كلامٍ من مسؤولين أميركيين آخرين تندرج ضمن السياق ذاته. وكان اللافت، هذه الأيام، كلام ترامب عن أن الهجوم على إدلب يجب ألا يكون متهوّراً، ما يشبه التسليم بالهجوم المتوقع.

وكان ترامب قد قال، في تصريحه الذي حملته تغريدته على موقع تويتر، في 4 سبتمبر/ أيلول الجاري: "لا يجب على الرئيس السوري بشّار الأسد مهاجمة محافظة إدلب بتهور"، بمعنى ألا يستخدم في الهجوم الأسلحة المحرّمة دولياً، ما قد يُحرج الإدارة الأميركية. وهي مفارقةٌ، حيث إنه لم يصرِّح بما يدلّ على رفضه الهجوم، كما اعتاد أن يفعل. ولم يدلِ ترامب بهذا التصريح حين كان الجيش السوري يُعزِّز قواته على حدود المحافظة. وهي حشودٌ، يرى غير المختص، في ضخامتها وعديدها ملامح معركةٍ كبيرةٍ على وشك الوقوع، لكنه انتظر حتى بات الاستعداد تامّاً للبدء بالهجوم، فأطلق تصريحه ذاك، ربما ليوقف الشكوك لدى طرفي المعارضة والنظام، بشأن موقف إدارته منه، إذ يشكل غياب موقفٍ كهذا إرباكا لكليهما.

ولكن، ما الذي طرأ حتى يُطلق ترامب تصريحاتٍ على هذه الشاكلة؟ بل لماذا أتبعه رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية بالتوصية بتنفيذ عملياتٍ محدّدة، وعلى نطاق ضيقٍ ضد المتشدّدين في إدلب، لأن عملية عسكرية كبيرة ستؤدي إلى كارثة إنسانية، حسب قوله؟ إلا أن الاستغراب يزداد مع التصريح الأكثر إثارة، على لسان مندوبة واشنطن في مجلس الأمن، نيكي هيلي، في مؤتمر صحافي عقدته في الأمم المتحدة في اليوم نفسه. إذ بعد التوطئة بالكلام عن الإرهاب في سورية، قالت إن بإمكان قوات النظام المضي للسيطرة على كامل الأراضي السورية، شريطة عدم استخدامها السلاح الكيماوي.

وتعيد هذه التصريحات إلى الذاكرة تصريحات الإدارة الأميركية، وترامب نفسه، بشأن معركة درعا والجنوب السوري، وطريقة تعاطيهم معها التي لا تشبه طريقة تعاطيه مع معركة إدلب المحتملة. فبالنسبة إلى معركة درعا، بدايةً، حذَّرت الخارجية الأميركية في بيان لها، في 14 يونيو/ حزيران الماضي، النظام من القيام بعملية عسكرية تخرق الاتفاق الثلاثي الروسي الأميركي الأردني، الخاص بوقف إطلاق النار في المنطقة الجنوبية، وتوعَّدت بعواقب وخيمة. لكن، فيما بعد، امتنعت الخارجية عن إضافة أي معلوماتٍ إلى بيانها ذاك، أو أي تفصيلٍ بشأن نوعية الرد. ثم بعد أيام، أعرب ترامب عن قلقه حيال العمليات في المنطقة، محذِّراً من الدور الإيراني في سورية. وتزامنت تلك التحذيرات مع حشود الجيش السوري، وتتالت حين كان هذا الجيش يُحكم سيطرته على المنطقة، ويُجري المصالحات المعتادة.

يرى كثيرون أن هذا النوع من التصريحات والتحذيرات ليس سوى تخلٍّ رسميٍّ عن المعارضة السورية المسلحة، وعن المعارضة السياسية معاً، وهو ما كان أعضاء بارزون في هذه المعارضة يستنتجونه، ويلفتون النظر إليه، بعد كل معركةٍ يربحها الجيش السوري. وتأتي تلك التصريحات المتضاربة بعدما ثبت إيقاف واشنطن دعمها العسكري لعدد من الفصائل السورية، بداية هذا السنة، خصوصاً في الجنوب السوري. وربما يكون كلام نيكي هيلي عن الإرهاب في سورية تعبيراً عن عدم قدرة واشنطن على تطويع فصائل سورية معارضة والتحكّم بها، كذلك بسبب حاجة حليفتها، إسرائيل، إلى نظامٍ قويٍّ ينهي حالة الفلتان في البلاد، ويبعد إيران عن المنطقة.

ترافقت حشود الجيش السوري على تخوم إدلب بمساعٍ روسيةٍ من أجل عقد "مصالحاتٍ" تُجَنِّب المدينة معركة كبيرة لا يعرف أحدٌ عواقبها أو ارتداداتها، خصوصاً مع تمركز فصائل سورية كثيرة قصدت إدلب وتمركزت فيها، بعد مصالحاتٍ جرت في مدن سوريةٍ كثيرة، حتى باتت هذه المدينة المعقل الأكثر كثافة بالمقاتلين والنازحين في سورية. كما إنها تعدّ المعقل الأخير للمعارضة السورية، والتي قال عنها قائد هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، نهاية شهر أغسطس/ آب الماضي، إنها ستكون منطلقاً لـ "تحرير كامل سورية"، من دون معرفة القدرة الفعلية على تنفيذ أجندةٍ من هذا النوع. وإدلب التي إن تلقت ضرباتٍ من الجيش السوري فستكون الكثافة السكانية فيها سبباً في سقوط آلاف الضحايا، بل كان ترامب أكثر تشاؤما، حين تحدّث، في تغريدته تلك، عن عشرات الآلاف، فما بالك بهجوم واسع النطاق؟

طبعاً، ليست مسألة سقوط الضحايا في الحروب والمعارك، وخصوصاً معركة إدلب المحتملة، من أولويات ترامب، أو حتى مما يقلقه، ويبعد النوم عن عينيه. كما لا تقلقه عودة النظام السوري إلى فرض سيطرته على كامل أراضي البلاد. ما يقلقه هو تجذّر إيران في سورية التي تساعدها المعارك على تعزيز هذا التجذّر وتكريسه، وتشكيل وجودها في سورية تهديداً للكيان الإسرائيلي. لذلك من المحتمل أن تكون تغريدتُه بمثابة غضّ النظر عن معركة إدلب، إن لم تنجح القمة الثلاثية الروسية التركية الإيرانية في تجنيب المدينة إيّاها، وإدخالها في عملية المصالحات التي سبقتها إليها مدن ومناطق سورية أخرى.

اقرأ المزيد
١٠ سبتمبر ٢٠١٨
خالد بن الوليد.. رجل دمشق الذي لا ينام

الخامس من سبتمبر سنة ٦٣٥م كان يوما فارقا في تاريخ الإسلام وتاريخ الشام تحديدا، كان صاحبنا يتحرك في هذا اليوم دون تعب أو ملل في كل الاتجاهات يبحث عن ثغرة تمكنه من النصر وفتح درة الشام وتاجها، لم يكن ينام ولا يسمح لأحد بالنوم حتى يجد الثغرة ويبتكر الوسيلة ويحقق الغاية. ولأن النفوس العظيمة والهمم العالية تعرف طريقها جيدا، فقد تحقق له ما أراد بعون الله، ووجد الثغرة التي ينتظرها، والعجيب أن هذه الثغرة التي كانت السبب في النصر على الأعداء وقتها هي نفسها ثغرتنا التي نؤتى من قبلها اليوم من نفس العدو!

كان بطلنا خالد بن الوليد يحاصر دمشق من بابها الشرقي بعد أن استعصى على جيوش المسلمين فتحها فأضرموا الحصار حولها حتى يستسلم جيش الروم المرابط داخلها بقيادة توماس زوج ابنة الإمبراطور هرقل، والذي رفض الاستسلام للجيش الإسلامي معتمدا على تحصينات المدينة العالية والقوية والتي يصعب اختراقها ومنتظرا التعزيزات التي سيبعثها إليه إمبراطور الروم من حمص لتحاصر جيش المسلمين من الخلف ويقع الجيش الإسلامي في مصيدة الروم من الأمام برماة الرومان المتحصنين بالمدينة وأسوارها الشاهقة ومن الخلف بالجيش القادم من حمص.

وفهم سيدنا أبو عبيدة بن الجرّاح قائد الجيش الخطة التي يحيكها الروم فأمر بتحريك لواءات من الجيش لانتظار التعزيزات الرومية القادمة من حمص بعيدا عن دمشق وأسوارها، وفعلا وقعت معركة كبيرة بين الطرفين انتهت بانتصار المسلمين وتراجع الجيش الروماني أو من تبقى منه إلى حمص مرة أخرى. لكنّ دمشق لا تزال مستعصية على الفتح الإسلامي، ولا يزال قائدها تومس يناوش المسلين المحاصرين للمدينة بين الحين والآخر بالسهام والنبال ويخرج مع فرسانه مرة تلو الأخرى من أبواب دمشق ليشتبك مع الجيش الإسلامي وتقع معارك طويلة بينهما ينتصر فيها المسلمون ويعود الجيش الروماني أدراجه إلى داخل المدينة ويغلق أبوابها من جديد في وجه الجيش المسلم.

لكن خالد لا يهدئ ولا ينام وجعل عيونه ورجاله يستطلعون ما يحدث داخل المدينة يجمع منهم المعلومات ويحللها ويحدد بناءا عليها التوقيت المناسب للهجوم واختراق تحصينات المدينة، حتى جاءته المعلومة المنتظرة والثغرة التي يؤتي الجميع من قبلها "الغفلة واللهو" بلغه أن حامية دمشق مشغولة في حفل عند بطريرك المدينة الذي رزق بمولود جديد؛ فدعا الجميع إلى الاحتفال بتلك المناسبة، فأفرطوا في الشراب والسكر والعربدة وتخلى كثير منهم عن مواقعهم على الأسوار.

الإيمان المستعلي والحماسة المتقدة والتضحية بكل شيء في سبيل الله، هو وحده عربون النصر وحافظ بنيان هذه الأمة، فكم فينا من رجل لا ينام ولا ينيّم حتّى نعلي كلمة الحق والدين؟

وهنا اقتنص بطلنا الفرصة التي استعد لها من قبل فجهز السلالم والحبال وارتقى ورجاله إلى أعلى الأسوار في ظلمة الليل البهيم حتى نجحوا في الدخول الى المدينة بعد تسلق اسوارها وفتحوا باباها وارتفعت التكبيرات تشق سكون الليل وتبعث الحماسة في الجيش المسلم من جديد فينقض على المدينة ويشتبك مع حاميتها الغافلة اللاهية عن مهامها ويحقق النصر عليها وتفتح دمشق عروس الشام وتاجها في الخامس من سبتمبر سنة ٦٣٥م الموافق 16 من رجب 14 هـ.

دمشق التي يسكنها الآن جزّار سوريا بشّار الأسد وتعيث فيها ميليشيات الشيعة فسادا ومحوا لمعالمها الحضارية وتاريخها العريق ويتحول حاميها الى عبد ذليل لدى الرومان الجدد من الروس وغيرهم، هي خير شاهد على أن الثغرة التي فتحتها هي ذاتها الثغرة التي أسقطتها وجعلتها مرتع ومسكن للشيطان وأبالسة البشر.

دروس فتح دمشق لا تتوقف على هذه الثغرة التي أوتينا من قبلها، فسيدنا أبو عبيدة بن الجرّاح في بداية الفتح واجهته مقاومة شرسة من جيوش الروم قبل أن يصل إلى دمشق رغم أن السادة عكرمة بن أبي جهل ويزيد بن معاوية وعمرو بن العاص كانوا على رؤوس جيوشهم كذلك واختاروا أبو عبيدة أمير للجيوش الأربعة مجتمعة، ولمّا لم تكن القيادة والزعامة مطلب لذاتها فإن أبو عبيدة بعث في طلب خالد بن الوليد من العراق ليقود هو الجيوش ويحققون معه النصر.

وجاء خالد واستقر بجنوده على ضفة اليرموك نحو شهر ولم يتعرض لهم الرومان، لكن سيدنا أبوبكر رضي الله عنه انتقل إلى جوار ربه وجاء الفاروق عمر فكان أوّل ما أمر به هو عزل خالد وتعيين أبو عبيدة قائدا للجيوش مخافة أن يفتتن الناس بخالد بعد أن شاعت انتصاراته وبطولاته على ألسنة الناس. لكنّ أبو عبيدة حين جاءه خبر عزل خالد كتمه حتى لا يتسبب في ارتباك القيادة مع اقترابهم من معركة كبيرة وهي اليرموك والتي حقق فيها الجيش انتصارا عظيما على الروم، وحينما علم خالد بنبأ عزله لم يتأثّر أو يغضب فهو سيف الله المسلول وفارس من فرسان الحق لا يهمه أين موقعه مادام يعمل في سبيل رفع راية الإسلام ومادامت الشهادة لا المنصب غايته، واستمر الجيش بالتحرك مواجها الرومان في أكثر من موقعه حتّى وصلوا إلى ما بدئنا به قصتنا وهو حصار دمشق وفتحها على يد هذه الثلّة المؤمنة التي اختارت أن تعيش لدينها وأمّتها لا لنفسها وعالمها الخاص.

كانوا يحققون الانتصارات ويقوّضون الحصون بإيمان تشربت به قلوبهم، وتجرّد عمرت به أفئدتهم وقوة في الحق لا تلين ولا تستكين. إنّ هذه السمات هي أكثر ما نحتاجها اليوم لتحرير دمشق وسوريا وكل بلاد الإسلام من الرومان الجدد وأذنابهم، إنّ هذا الإيمان المستعلي والحماسة المتقدة والتضحية بكل شيء في سبيل الله، هو وحده عربون النصر وحافظ بنيان هذه الأمة، فكم فينا من رجل لا ينام ولا ينيّم حتّى نعلي كلمة الحق والدين؟

اقرأ المزيد
١٠ سبتمبر ٢٠١٨
تركيا تحدثت باسم الإنسانية في قمة طهران

شارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس في القمة الثلاثية، التي اتجهت إليها أنظار العالم، وانعقدت في طهران بخصوص إدلب.

قبيل انعقاد القمة على مستوى الوفود، اجتمع أردوغان على انفراد بنظيريه الإيراني حسن روحاني أولًا، ثم الروسي فلاديمير بوتين.

يبدو من التصريحات الصادرة عقب القمة أن روسيا وإيران مستمرتان في تحفظاتهما "المعروفة" بخصوص النظام السوري.

موقف كلا البلدين بشأن إدلب يتمحور بشكل عام حول توسيع مجال نفوذهما في مواجهة الولايات المتحدة بسوريا.

أما موقف الجانب التركي على طاولة المباحثات فهو يولي الأهمية إلى "الوضع الإنساني" في المدينة التي يقطنها أكثر من 3 ملايين نسمة.

كما أن تركيا، التي تحملت عبء إقامة 12 نقطة مراقبة في إدلب، أظهرت أنها لن تتهرب من أي مسؤولية في سبيل تحقيق السلام الداخلي في سوريا.

***

من الملاحظ بوضوح أن عزم أردوغان في مسألة إدلب خفف جزئيًّا من لهجة تصريحات بوتين وروحاني.

فالزعيمان، وعلى الأخص روحاني، أشارا إلى "حق المدنيين بإدلب في الحياة"، خلال تأكيدهما على التفاوض مع الأسد.

لكن نعلم جميعًا أن التصريحات الرسمية لا تتطابق في معظم الأحيان مع ما يحدث في الميدان. وأعتقد أن قصف روسيا لإدلب قبل القمة كان أوضح مثال على ذلك.

علاوة على ذلك، فإن أخطارًا قريبة من قبيل أحداث إدلب وموجة النزوح الجديدة المحتملة لا تتعلق فقط بموقف البلدان الثلاثة المشاركة في قمة طهران.

ففي سوريا، وعلى الأخص شرقي الفرات، تقف أنشطة الولايات المتحدة، الداعمة علنًا لإرهابيي وحدات حماية الشعب، حجر عثرة أمام حل المشكلة.

وكان جديرًا بالملاحظة في قمة أمس الموقف المتفهم جزئيًّا لإيران إزاء مسألة أمن تركيا، والتحول الديمقراطي في سوريا.

***

أظهرت القمة الثلاثية في طهران مرة أخرى للعالم بأسره أن تركيا تلعب دورًا محوريًّا في مسألة مستقبل سوريا.

وما يقع على عاتق العالم المعاصر من الآن فصاعدًا هو دعم تركيا، التي تمثل القيم الإنسانية المشتركة في المنطقة، من أجل زيادة فعاليتها  في سوريا كعنصر توازنن وإلا فإن أكبر تحرك ديموغرافي شهده التاريخ سوف يتزايد على نحو خطير، ويؤثر على أوروبا بأسرها، وبشكل غير مباشر على الولايات المتحدة..

ولن يكون من المفاجئ أن تلجأ تركيا، التي استنفذت قدرتها على استيعاب المهاجرين تمامًا، إلى "بدائل" في مواجهة هذا التحرك.

اقرأ المزيد
٩ سبتمبر ٢٠١٨
لماذا يعترض السوريون على دي ميستورا؟

كان من اللافت للنظر في مظاهرات الشمال السوري الأخيرة، التي نظمت في مواجهة احتمال الحرب على إدلب، أن خص المتظاهرون المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا ببعض هتافاتهم، كما خصوه ببعض اللافتات، التي رفعوها، وفي الحالتين اعترضوا على سياساته، كما انتقدوا تصريحاته، لا سيما تصريحه بإمكانية حضوره إلى إدلب لتأمين ما سماه «الممر الإنساني» لإخراج سكان إدلب البالغ عددهم قرابة أربعة ملايين نسمة إلى «منطقة آمنة» قبل اندلاع الحرب التي ينوي نظام الأسد بدعم روسي - إيراني شنها، متجاهلاً ما يقوم به النظام من إرهاب في تعامله مع سكان المناطق الخارجة عن سيطرته من قتل واعتقال، واعتبر بعض المشاركين في مظاهرات إدلب، أن تصريح دي ميستورا، مشاركة غير معلنة في الحرب المحتملة على إدلب، والعمل على إفراغ المنطقة من سكانها، وتشجيع النظام وحلفائه على المضي في حربهم هناك.

وللحق فإن موقف المتظاهرين من المبعوث الدولي في إدلب، لا يمثل سابقة في موقف السوريين منه، إنما هو موقف تكرر كثيراً في السنوات الأربع الماضية، التي أمضاها دي ميستورا حتى الآن في موقعه مبعوثاً للأمم المتحدة في سوريا، بل إن فعاليات سورية سياسية ومدنية وكتاباً سوريين، طالبوا مرات بإقالته، وتعيين بديل له بسبب ما يعتبرونه «خروجاً» عن مهمته كوسيط دولي، وانحيازه إلى جانب نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين في الصراع السوري.

وبطبيعة الحال، فإن عمومية موقف السوريين من دي ميستورا، تستند إلى تفاصيل في مسار الرجل وتعامله مع القضية السورية، لا سيما في الملفات الرئيسية فيها. وإذا كانت العملية السياسية، هي الأهم في الملفات، فإن دي ميستورا، لم يحقق أي تقدم فيها منذ توليه مهمته في يوليو (تموز) 2014، بل ساهم في تراجع الإجماع الدولي على مسار جنيف وأساسه بيان جنيف لعام 2012 وما لحقه من قرارات دولية. وتجاوز ما سبق إلى طرح مبادرات غير ذات جدوى، كما في مبادرته حول الهدنة في حلب عام 2014، التي أدت إلى ارتباكات في صفوف المعارضة، وزاد عليها لاحقاً تحوله إلى مسايرة النظام ومحاباة الموقف الروسي بعد تدخل موسكو العسكري في سوريا أواخر عام 2015، ودعمه سياسة روسيا، سواء في مسار آستانة أو في مؤتمر سوتشي اللذين يعكسان مساراً مختلفاً عن مسار جنيف، وقد تبنى في واحدة من خطواته المطلب الروسي في موضوع دستور سوري جديد، مما يقزم القضية السورية بعد ثماني سنوات من حرب كلفت السوريين مليون قتيل وملايين الجرحى والمصابين، وأكثر من ستة ملايين لاجئ موزعين في العالم.

ويأخذ السوريون على دي ميستورا وفريقه إهماله لقضية المعتقلين والمختفين قسراً في سجون النظام، وقد قتل منهم أكثر من عشرين ألفاً تحت التعذيب، وامتناعه عن إدانة استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي ضد المدنيين لأكثر من مائتي مرة، حسب ما أوردته تقارير سورية، وأثبتت كثيراً منها تقارير دولية موثقة، وكله يضاف إلى مشاركة فريق دي ميستورا بمفاوضات تحت القوة والحصار، أدت إلى ترحيل قسري لمدنيين سوريين من أماكن سكناهم، كما حدث في مفاوضات تبادل سكان الزبداني وكفريا والفوعة عام 2015 بما تعنيه من تغيير ديموغرافي، يصفه القانون الدولي بـ«الجريمة».

وثمة نقطة أخرى تتعلق بموقف دي ميستورا من المعارضة السورية، وهي الطرف الموازي للنظام في المفاوضات حول الحل السوري، وتركز جهد المبعوث الدولي في هذه النقطة على إضعاف دور المعارضة، ليس فقط عبر إضعاف دور كيانها الرئيسي ممثلاً بالائتلاف السوري الحائز اعترافاً دولياً واسعاً، بل في السعي إلى خلق أطر أخرى من قوى مصطنعة، كما حال منصة موسكو، التي صنعتها روسيا، وأخرى موالية لنظام الأسد، وقد تجاوز الأمر ذلك للسعي نحو توليد كيانات تمثل المجتمع المدني لإشراكها في مفاوضات مع النظام، كان من الواضح أنها لن تُعقَد، الأمر الذي كان يعني تشتيت المعارضة واستنزافها في موضوعات غير ذات جدوى ولا فائدة منها.

ويتبادل السوريون معلومات حول فريق دي ميستورا المعاون من العرب والأجانب وثيقي الصلة والارتباط المباشر وغير المباشر بنظام الأسد وحلفائه الروس، ويقارنون بين سياسة الرجل، التي يصفونها بأنها «إدارة للأزمة»، وسياسة سابقيه من مبعوثي الأمم المتحدة إلى سوريا كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي على التوالي، وكان همهما معالجة القضية السورية، وعندما عجزا، بادرا إلى إنهاء مهمتهما، فيما يصر دي ميستورا على الاستمرار في مهمته، رغم مطالبات سورية له بالاستقالة، وللأمين العام بإقالته، وهذا ما تضمنه بيان أصدرته مجموعة من منظمات المجتمع المدني في سوريا، وطالب به الكثير من الكتاب والسياسيين السوريين، بعد تصريحات دي ميستورا الأخيرة حول الحرب المحتملة على إدلب.

ويستعيد السوريون في هذه الأيام، تصريح الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون عشية تعيين ستيفان دي ميستورا لمهمة المبعوث الخاص وقوله إن «المبعوث الخاص سيوظف نواياه الحسنة من أجل وضع نهاية للعنف وانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا والدفع باتجاه التوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية»، ويؤكدون أن مسيرة الرجل في سنواته الأربع السابقة، لم تتطابق مع ما كلف لإنجازه.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٠ مايو ٢٠٢٤
وضع يده بيد المجرم وشارك بقتلهم .. لماذا يفرح السوريون بمقتل الرئيس الإيراني "رئيسي"
ولاء زيدان
● مقالات رأي
١٧ مايو ٢٠٢٤
"الجـ ـولاني" على نهج "الأسد" في قمع الاحتجاجات وكم الأفواه بالرصاص
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٤
في "اليوم الدولي للتعليم" .. التّعليم في سوريا  بين الواقع والمنشود
هديل نواف 
● مقالات رأي
٢٣ يناير ٢٠٢٤
"قوة التعليم: بناء الحضارات وصقل العقول في رحلة نحو الازدهار الشامل"
محمود العبدو  قسم الحماية / المنتدى السّوري 
● مقالات رأي
١٨ أكتوبر ٢٠٢٣
"الأســـد وإسرائـيــل" وجهان لمجـ ـرم واحــد
ولاء أحمد
● مقالات رأي
٢٦ سبتمبر ٢٠٢٣
منذ أول "بغي" .. فصائل الثورة لم تتعلم الدرس (عندما تفرد بكم "الجـ.ــولاني" آحادا)
ولاء أحمد
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٣
هل تورطت أمريكا بفرض عقوبات على "أبو عمشة وسيف بولاد" ..!؟
ولاء زيدان