مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٨ سبتمبر ٢٠١٨
إدلب بين قوسين أو أدنى

لا حرب بدون ذرائع، ولا هجوم يتحقق من دون أن تسبقه المبررات الكافية، التي تعمل الأنظمة السياسية على طبخها خلف الكواليس وتتولى الماكينات الإعلامية ترويجها عالميًا، فحين أراد هتلر احتلال بولندا لم يجد ما يدفعه للقيام بذلك من دون سبب حقيقي، لا سيّما وأن الهدف من غزوها هو تنفيذ سياسته التوسعية ليس إلا، فقام جهاز مخابراته بإرسال مجموعة من رجال القوات الخاصة بحرق محطة الإذاعة الألمانية في مدينة "غليفيتش" التي تقع على الحدود بين ألمانيا وبولندا حتى يبدو الأمّر كأنه دفاعًا عن الدولة، في حين أن باطنه هو التوسّع والسيطرة، ومن هنا بدأ الإعلام الألماني بالدعاية الكاذبة وحشد الرأي العام، وتعبئته تجاه الحادث بضرورة الرد والدفاع عن النفس تجاه هذا التجاوز، وأمر هتلر المركز النازي المسؤول عن الصحافة بعدم ذكر كلمة حرب نهائيا لإبعاد الشبهات عنها، وهكذا تشكّلت كل عوامل الرغبة والأرضية السياسية والدعائية في الهجوم على بولندا، وبالفعل تم الغزو عام 1939.

إن التاريخ تتشابه صفحاته وألاعيبه السياسية باستثناء الضحايا، فهم مختلفون باختلاف الجغرافيا ومناطق الصراع وحجم اللاعبين والمصالح، وفي هذا العصر تحولت منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة صراع مصالح وتقاسم نفوذ مشترك بين الدول الكبرى، الخاسر الوحيد فيها هم العرب.

تتخذّ روسيا عدة ذرائع من أجل ضرب إدلب وإعادة تسليمها للنظام السوري، أول تلك الذرائع هو الادعاء الذي تروّج له وسائل الإعلام والخارجية الروسية بأن قاعدة حميم العسكرية تتعرّض لهجمات بين الوقت والحين من قبل الإرهابيين بطائرات مسيّرة، بالإضافة إلى الرغبة الانتقامية في الأخذ بالثأر لإسقاط طائرة سخوي روسية ومقتل قائدها علي يد الثوار قرب مدينة "سراقب" بإدلب ما جعل الروس يزيدون من وتيرة الاستعداد والتجهيز لاقتحام إدلب وتسليمها للنظام من جانب، ومن جانب آخر توقف نزيف الخسائر العسكرية بالقضاء على أخر معقل ثوري بسوريا، وبما أن حسابات تلك المعركة معقّدة لتضارب المصالح بين روسيا وتركيا ساهمت وسائل الإعلام الموجهة من الروس والنظام بإثارة المخاوف لدي الجانب التركي، في محاولة للسيطرة على المدينة بشكل سلمي بعيدًا عن الحل العسكري، عن طريق دفع تركيا لإقناع هيئة تحرير الشام بتسليم أسلحة المقاومة، والخروج من المدينة بذريعة الخسائر التي سوف تلحق بالمدنيين وكميّة النزوح المقدّر عددها حوالي مليون إنسان، باتجاه الحدود التركية، إضافة إلى عدد القتلى، وهذا ما بدا واضحًا في تصريحات الرئيس التركي أردوغان  لصحيفة "حرييت" فقال: "الوضع في إدلب مهمّ للغاية بالنسبة لنا إذا انهمرت الصواريخ، لا قدر الله، على هذه المنطقة سوف تحدث مجزرة خطيرة وموجة نزوح كبيرة، وهذا ما سنحاول منعه في قمة طهران المقبلة، التي تمثّل استكمالا لعملية أستانا، آمل أن نتمكّن من منع هذه النزعة المتطرفة في الهجوم على إدلب".

إن الاعتماد على الروس في منع الهجوم على إدلب مجرّد أمنية واهية فلا أمان لهم، وهناك تصريحات تؤكد أن المفاوضات مهما تم فيها من مخرجات تصبّ في صالح التهدئة، فإنها ليست مُلزمة لروسيا ففي تصريح لوزير الخارجية سيرجي لافروف  قال فيه: "إن مخرجات أستانة لا تستبعد الهجوم علي الإرهابيين في إدلب ولدمشق الحق في تصفية هذه الفصائل المسلحة" لذلك على تركيا أخذ الحذر وتوقع كافة السيناريوهات المطروحة على مسرح الأحداث وأن تكون مستعدة لها، ولعل وجود ما يُعرف بمصطلح "توازن القوى الاستعماري" جعل الدول الكبرى تتجنّب الصدام المباشر وتنسّق فيما بينها، لوضح حلول سياسية تجنبهم الخسائر المادية والعسكرية والقطيعة الدبلوماسية وهذا ما ظهر أثره في قضية إدلب حتى الآن لا سيما مع تضارب المصالح وتباينها بين هذه الدول في الملف السوري بشكل عام.

لا حل إلا بالتفاوض، فهذا أضعف الإيمان، وإلا ستكون هناك كارثة إنسانية سنقف أمامها مكتوفي الأيدي كما حدث من قبل في حلب ودوما وغيرهما، وعلى الفصائل أن لا تعوّل على أي ضامن ويجب عليها إعادة إلمام الصفوف والاستعداد للمواجهة، فإن شرف الهلاك أفضل بكثير من نذالة الحياة.

اقرأ المزيد
٨ سبتمبر ٢٠١٨
لماذا تعارض تركيا عملية إدلب؟

تنشط الدبلوماسية التركية في ربع الساعة الأخير، للحيلولة دون انطلاق العملية العسكرية المرتقبة لنظام الأسد ضد إدلب، وفي هذا السياق شدّد وزير الخارجية مولود تشاويش أوغلو على أن بلاده أبلغت الجانب الروسي، بأن الهجمات الأخيرة على محافظة إدلب خاطئة، مشيراً الى أن هدف النظام السوري هو السيطرة عليها بذريعة وجود تنظيمات إرهابية.

ويؤمن الجانب التركي بأن هذا الهدف تم التخطيط له منذ البداية، من خلال دفع المجموعات الإرهابية من جميع المناطق السورية باتجاه إدلب، تمهيداً لعملية عسكرية، يكون هدفها القضاء على المعارضة والسيطرة على المدينة. ولتجنيب إدلب هذا المصير، أجرى الجانب التركي جولات مكوكية من المفاوضات مع المسؤولين الروس، على اعتبار انّ اتفاق خفض التصعيد يحكم العلاقة بين مختلف اللاعبين.

وبالرغم من أن الآمال بإيقاف العملية العسكرية المنتظرة تتضاءل مع مرور الوقت، فإن الجانب التركي لا يزال يأمل في إمكانية إقناع روسيا وإيران في الاجتماع الثلاثي، الذي سينعقد في طهران اليوم، بإيقاف العملية والانتقال الى أنماط أخرى لمعالجة المشكلة.

وفي هذا الصدد، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الهجوم على إدلب، سيتسبب في مجزرة، لكنه أبدى تمسّكاً بتفاؤله حيال أمكانية أن تخرج قمة طهران بنتائج إيجابية، يتم من خلالها تحييد ما سماه «النزعة المتطرفة للحكومة السورية».

من وجهة نظر أنقرة، الجميع متّفق على إخراج التنظيمات الإرهابية وفصل المدنيين عن المقاتلين، لكن البعض يريد استخدام هذا الموضوع سياسيا، والبعض الآخر يبحث عن حل يجنّب المدنيين والمحافظة ويلات العمل العسكري.

وترفض أنقرة العملية العسكرية لعدة أسباب، لعل أهمها العامل الإنساني، حيث من المنتظر أن تؤدي مثل هذه المعركة الى إيقاع عدد كبير من القتلى المدنيين، بالإضافة الى موجات نزوح ولجوء، في وقت تتعرض فيه الحكومة التركية لضغوط داخلية وأوروبية بالحد من تدفق اللاجئين الى البلاد، لا سيما في الوقت الذي تعاني فيه أنقرة من تحديات اقتصادية هي الأكبر على الاطلاق منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في عام ٢٠٠٢.

واندلاع عملية عسكرية كبرى من شأنه ان يهدد القوات التركية المتواجدة داخل إدلب، التي تنتشر في ١٢ نقطة للمراقبة، وقد تجد هذه القوات نفسها منجرّة الى مواجهة مع النظام السوري والميليشيات المساندة له بشكل مباشر أو غير مباشر. بهذا المعنى، ستفرض مثل هذه العملية مخاطر أمنية عالية على تركيا، وبما ان هدف نظام الأسد هو السيطرة الكاملة على إدلب، فهذا يعني ان القوات التركية ستكون مجبرة على المواجهة أو على المغادرة لتفادي ذلك.

ومغادرة القوات التركية ستعني بالضرورة انتهاء المعارضة السورية هناك، وتراجع النفوذ التركي، كما ان سيطرة الأسد على إدلب ستضع ضغطاً على المناطق التي قامت تركيا بتحريرها شمال سوريا في العامين الماضيين، لاسيما مدينة عفرين، وهو الامر الذي سيضعف من موقف أنقرة السياسي والعسكري في الملف السوري. فحصول عملية عسكرية كبرى رغماً عن معارضة أنقرة سيقوّض من مصداقيتها ودورها كضامن في أعين المعارضة السورية.

انطلاقاً من هذه المعطيات المفترضة، ستضع العملية العسكرية في حينه دور تركيا في الملف السوري، وقدرتها على حماية السوريين في المناطق التي حررتها، موضوع تساؤل: هل ستنجح تركيا عبر سياسة نزع الذرائع في إقناع موسكو بضرورة تجنّب الاعتماد على عملية عسكرية كبرى، واللجوء إلى خيارات أخرى تضمن سلامة المدنيين، وتحافظ على التوازنات في الملف السوري، في وقت ستكون فيه روسيا بحاجة الى دور تركي أكبر في الملف السوري؟

قمّة اليوم الثلاثية ستساعد على الأرجح في معرفة المسار، الذي ستسلكه المدينة ومصير العملية العسكرية.

اقرأ المزيد
٨ سبتمبر ٢٠١٨
مشكلتنا مع روسيا

اعتدتُ أن أقول لمحاوري الدوليين، منذ تأسيس المجلس الوطني السوري في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، إن القضية ليست مشاركة المعارضة في الحكم، مع الأسد أو من دونه، وإنما الرد على تطلعات الشعب، والانتقال به نحو حياةٍ ديمقراطيةٍ حرّة وعادلة. وإذا أمكن هذا الانتقال من دون مشاركة المعارضة، فالمعارضة في غنىً عنها. المهم أن تتغيّر قواعد الحكم الاستبدادي المدمّر السائد التي صمّمت لوضع الدولة والمجتمع معا ومواردهما في خدمة سلطة الحزب الواحد، ثم سلطة أسرة الأسد، والقائمة، بكل بساطةٍ، رسمياً وقانونياً، على الإقصاء العلني الكامل للشعب، والتعقيم السياسي الكلي للمجتمع والفرد، وحكم الإرهاب والإهانة والإذلال المتعمد لتحقير الفرد في نظر نفسه، وانتزاع روح السيادة منه، وتدجينه وتطويعه لقبول العبوديّة والتسليم للقوة الغاشمة. دور المعارضة التي لا تريد شيئاً لنفسها، ولا ينبغي أن تفعل، لا بوجود الأسد ولا بغيابه، هو اليوم أن تضمن للشعب توفير شروط ممارسته حقّه في تقرير مصيره بنفسه. وهذا يعني مساعدته على الوصول إلى وضعٍ يسمح له، من خلال انتخاباتٍ حرّة ونزيهة، باختيار ممثليه الحقيقيين، وإرساء قاعدة قوية للحكم التمثيلي والديمقراطي في البلاد.

(1)
هذا يعني أن المعارضة ليست الموضوع، وليست الطرف المهم في المباحثات والمفاوضات القائمة، التي قبلت المعارضة الدخول فيها، منذ تأييدها مبادرة جامعة الدول العربية وبيان جنيف 1 في يونيو/ حزيران 2012، وبعثة كوفي عنان العربية الدولية. الموضوع والطرف هو الشعب السوري، وتطلعاته وحقوقه ومكانته، ودوره في النظام السياسي المطلوب إنشاؤه على أنقاض حكم الديكتاتورية الدموية. ومسؤولية المعارضة أن تواكب ثورة شعبها، وتثمّر تضحياته الغزيرة، والتي لم تتوقف منذ سبع سنوات، من أجل الخلاص والتحرّر من نيْر سلطةٍ تحولت إلى نظام احتلال داخلي، وواجبُها أن تسعى إلى تأمين الدعم العربي والدولي في سبيل تسريع عملية الانتقال، والتحول نحو نظام جديد يضع حدّاً للحرب وسفك الدماء، ويردّ على تطلعات السوريين نحو الحرية، ويليق بتضحياتهم وكفاحهم.

ولذلك، لم يكن هدف المفاوضات مع النظام، واليوم بالأحرى مع أسياده الروس، المساومة على حق الشعب السوري في الانتقال إلى نظام ديمقراطيٍّ يساوي بين جميع أبنائه، ويعترف بالمواطنة وحقوقها الواحدة للجميع، وإنما التفاهم على آليات وصيغ مرحلة الانتقال التي تنتهي مع تنظيم أول انتخابات تشريعية. وعندئذ، يكون الشعب حرّاً في تقرير مصيره، وانتخاب من يمثّله، ومن خلالهم، تحديد مضمون النظام الجديد النهائي، والتعديلات الدستورية، والتسويات السياسية، والتفاهمات الاجتماعية المطلوبة بالتأكيد لمعالجة آثار الحرب، وتطمين الأطراف والجماعات، أقليات قومية ومذهبية ونوعية ومهنية وغيرها، على مصيرها وضمان حقوقها وأمنها.

ولكن هدف الروس كان ولا يزال أن يضحّوا بقضية الشعب في الخروج من حكم الطغيان، لصالح فكرة حكومة وحدةٍ وطنيةٍ تحافظ على النظام مع بعض الإصلاحات الدستورية الشكلية، في الوقت الذي لا يعني الدستور شيئاً في مثل هذا النظام القائم على الهوى والعصبية والعلاقات الشخصية والسلطة الفردية المطلقة والمقدّسة. ولذلك لا يوجد هناك أي إمكانية للتسوية، أو للحل الوسط، بين المنطقَين، منطق الحفاظ على النظام بمشاركة المعارضة أو بشراء بعضها أو بخيانة آخرين، لا فرق، ومنطق تلبية مطالب الشعب وتطلعاتّه نحو السيادة والحرية.

منذ أول لقاء مطوّل، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، برز الخلاف العميق في التحليل والخيارات. وبدل أن يحاول أن يتقرّب من موقفنا أو أن يحاول تفهّمه، جاء ردّه تهكّماً بالثورة نفسها التي قال إنه هو الأكثر خبرةً بما تعنيه. وعلى الأغلب، كان صادقاً في مشاعره ورؤيته السلبية لأي حركة احتجاجية، وبالأحرى ثورية شعبية تهدف إلى التغيير الجذري لنظامٍ قائمٍ على العنف والإكراه والقهر. لم يفهم الروس معنى تطلعات الشعب وحقوقه، أو لم يريدوا أن يفهموا، وأرادوا إقناعنا بأن الغرب هو المسؤول عن كل شرور العالم. وربما اعتقدوا بالفعل أن ما يحصل في سورية يشبه ما حصل في عراق 2003، أو في أحسن الأحوال في ليبيا 2011، وراهنوا على أن تدخلاً قوياً منهم في مجلس الأمن والأمم المتحدة سوف يردع القوى الغربية الراغبة في التدخل في سورية، على حساب النفوذ الروسي.

وفي خطوةٍ لاحقة، اعتقدت الدبلوماسية الروسية أن بإمكانها، من خلال الرهان على التدخل العسكري الإيراني من جهة، ومغازلة المعارضة، أو بعض أطرافها، لتقريبها من موسكو من جهة ثانية، التوصل إلى تسويةٍ سياسيةٍ سريعةٍ للأزمة السورية، وتذليل تعنّت الأسد الذي أصبح مديناً لها في الدفاع عن وجوده. وهكذا اعتقدت موسكو أنها تستطيع أن تحقّق النجاح الدبلوماسي الذي تحتاجه لتعيد تأهيل نفسها، وتسترجع صدقيتها ومكانتها الدولية، وهذا ما كانت بأمسّ الحاجة إليه لمواجهة الضغوط الأوروبية والأميركية المستمرّة عليها، سواء ما تعلق منها بالعقوبات الاقتصادية القاسية، أو بالضغوط العسكرية والاستراتيجية، في مجال نفوذها. وعندما شعرت بداية عام 2015 أن النظام يكاد ينهار، تدخلت هي ذاتها، وحاولت أن تضع كل ثقلها العسكري لحسم الصراع بأي ثمن، وبأسرع وقتٍ ممكن. وأتذكّر أنه بعد أيام من دخول القوات الروسية إلى سورية، التقيت الممثل الشخصي للرئيس بوتين ونائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، بدعوةٍ منه، في مقر سفارة روسيا الاتحادية في باريس، لينقل إلي رسالةً مفادها بأن روسيا لا تريد التدخل العسكري في سورية، لكنها دخلت فقط للقضاء على الإرهابيين الروس المشاركين في الحرب مع المتطرفين، والذين قدر عددهم بألفي شخص، ولن تقبل عودتهم أحياء إلى بلادهم، ولن تزيد فترة تدخلها عن شهرين. ضحكت طبعاً من فترة الشهرين، لكن بوغدانوف لم يتردّد في التأكيد عليهما، بينما كانت الصحافة الرسمية تتحدث عن ثلاثة أشهر. وها هم الروس يخطّطون للبقاء في سورية نصف قرن بعد انقضاء سنتين على تدخلهم القاتل في الحرب الدولية على السوريين.

(2)
أخطأ الروس أخطاء كبيرة، ولا يزالون يخطئون، بحق السوريين أولاً، لكن تجاه مصالح روسيا أيضاً والعلاقات الروسية السورية في المستقبل، ولأسباب عديدة. أول هذه الأسباب إنكارهم، مثل الأسد وطهران، حقيقة ما يجري في سورية منذ ثماني سنوات، وعمق تجذّر مطالب التحرّر من قبضة الحكم البدائي البهيم في وسط قطاعاتٍ واسعةٍ من الشعب السوري، وهذا خطأ جوهري نابع من رفضهم فكرة الثورة والاحتجاج الشعبي والتغيير نفسها، وامتناع منهج تفكيرهم على استيعاب هذا الأمر، حتى على مستوى الاحتمال. وهكذا تصرّفوا بالفعل على أساس أنهم يواجهون تدخلاً غربياً واسعاً ضدهم في سورية، لا حركة شعبية عميقة الجذور.

وأخطأوا ثانياً عندما عطّلوا، بشلّهم مجلس الأمن، أي تسويةٍ سياسيةٍ سوريةٍ، وغطّوا على تدخل المليشيات الإيرانية الطائفية، وهم يتحمّلون اليوم مسؤولية أخلاقية وسياسية وقانونية أساسية في المجازر وعمليات التهجير القسري والتجويع واستهداف المدنيين والإبادة الجماعية التي نجمت عن هذا التدخل، والتي ستنجم في المستقبل تحت حمايتهم وبرعايتهم وبمشاركتهم الكاملة، العسكرية والسياسية والدبلوماسية. وقد حرمهم غضّهم النظر عن هذه الأعمال الإجرامية التي دانتها تقارير المنظمات الدولية جميعاً من أي أملٍ في كسب ثقة الشعب السوري، أو بعض قطاعاته، حتى القريبة منهم، والتي راهنت، في فترةٍ ما، على روسيا لتحجيم التدخل الإيراني وعقلنة سياسة الأسد الانتحارية.

وأخطأ الروس ثالثاً عندما احتقروا المعارضة واستضعفوها واستهزأوا بها، واعتقدوا أن في وسعهم تدجينها والالتفاف عليها واستغباءها، لتحقيق مخطّطاتٍ مكشوفة الغاية الواضحة، منها تصفية مطالب الشعب السوري، وإخفاء وجه نضالاته ومعالم ثورته العظيمة، حتى تتحقق أطروحتهم الأولية المطابقة أطروحة الأسد، أي إنكار أي حركة شعبية داخلية ذات مطالب شرعية، والتمسّك بأطروحة المؤامرة الخارجية.

وأخطأ الروس رابعاً عندما كذبوا على السوريين، وربما على أنفسهم، وأعلنوا أن هدفهم المشاركة في القضاء على المنظمات الإرهابية، والإرهابيين الروس خاصة، ولم يلبثوا حتى نصبوا أنفسهم سلطة انتداب الأمر الواقع على سورية وشعبها، يستفردون بقرارها، ويهزأون من رجالاتها ومعارضاتها، يجمعونهم ويفرّقونهم منصّاتٍ ومجالس، حسب الطلب والحاجة، ما جعلهم يتماهون في سياساتهم مع سياسات الأسد، ويصادقون على تكتيكاته الإجرامية في الإبادة الجماعية والتجويع والترويع والتهجير القسري لتعديل البنية الديمغرافية، ويغطّون على خروقاته ونكثه عهوده بعد التوقيع على اتفاقات خفض التصعيد والمصالحات الزائفة الأخرى. وهذا ما حوّلهم، في نظر السوريين، بسرعة، من قوةٍ يمكن المراهنة عليها وسيطاً دولياً للمساعدة على ضبط المليشيات الإيرانية وعقلنة السياسة الأسدية والوصول إلى تسوية، حتى جزئية، إلى قوة احتلال بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وما تنطوي عليه سياسات الاحتلال الروسي، كما عرفته بعض شعوب القوقاز من عنفٍ ودمارٍ لا يُجارى.

وأخطأ الروس خامساً، عندما ورّطوا أنفسهم في تبني قضية الأسد شخصياً والمبالغة في الدفاع عن بقائه في الحكم، وحقه في الترشح لأي انتخاباتٍ رئاسيةٍ قادمة، وتبرئته من التهم التي كبّلته بها المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية، ولجان التحقيق الأممية، بما في ذلك استخدام السلاح الكيميائي، متحدّين بذلك مشاعر ملايين السوريين الذين فقدوا أبناءهم، وقضى الأسد على مستقبلهم، وخرّب وطنهم.

وسيخطئ الروس سادساً وأخيراً إذا اعتقدوا أن الأمر قد استتبّ لهم في سورية، وأن شعبها فقد نوابض المقاومة والقوة، أو أن العالم سحب يده منها، وسلّم بسيطرة روسيا وإيران عليها، أو قبل بتقاسمها بين القوى الإقليمية. ولعل بوادر الحرب المعلنة على الوجود الإيراني المليشياتي في سورية، منذ أسابيع فقط، تظهر هشاشة التموضع الروسي في الشرق الأوسط أيضاً، في غياب قوة برية مستقلة، على الرغم من المواقع الجديدة التي نجحت روسيا في كسبها.

ولا يوجد شكٌّ في أن خشية موسكو من تقويض الغرب الموقع الاستثنائي الذي احتلته في هذه المنطقة هو الذي يدفعها إلى الاستعجال في فرض تسويةٍ سياسيةٍ بأسرع وقت، تضمن بقاءها في المستقبل. كان هذا هو الدافع للاستعجال في الدعوة إلى مؤتمر الشعوب، ثم الشعب السوري، الذي أعلن عنه أولاً في حميميم، ثم نُقل باسم الحوار الوطني السوري إلى سوتشي في 30 يناير/ كانون الثاني 2018، وسبّب ولادته ميّتاً أيضاً، بعد رفض أطراف المعارضة الرئيسية حضوره والمشاركة فيه. وهذا هو السبب، أخيراً، في استعجال الروس حسم مسألة إدلب التي تلخص اليوم التراجيديا السورية بكل أبعادها، ولا تريد أن ترى مشكلة فيها، ولا مصير أربع ملايين إنسان، نصفهم من المهجّرين والمنكوبين بسببها، إلا من زاوية الحرب على الإرهاب، في الوقت الذي لم تبذل روسيا فيه أي جهدٍ حقيقيٍّ لمحاربة المنظمات المتطرّفة، ووجهت كل قوتها العسكرية ومناورتها السياسية للقضاء على فصائل المقاومة المعتدلة السورية.

وستفشل المبادرات الروسية القادمة جميعاً أيضاً، إذا استمر الروس في حصر تفكيرهم في القضية السورية في هذه الزاوية، وعلى هذا المنوال. فلم يقدّم الشعب السوري مليون ضحية وملايين المشرّدين واللاجئين وعشرات بل مئات المدن المدمّرة والمسوّاة بالأرض، من أجل أن "يزيّن" بعض المعارضين، كما يتوّهم القادة الروس، مهما كانت مواهب هؤلاء ومقدّراتهم وتاريخهم، حكومةً جديدةً للأسد، لن تكون سوى حكومة إدارة الكراهية والحقد والانتقام من الشعب السوري الذي انتفض على نظامٍ لم يتوقّف عن تدمير شروط حياته، واستعباده، وتحول في الحرب إلى عصابةٍ تعمل لحساب من يموّلها. لقد قدّم السوريون شهداءهم من أجل أن يسترجع كل سوري، صغيراً أو كبيراً، مسلماً أو غير مسلم، عربياً أو كردياً أو غيرهما، فقيراً أو غنياً، حاكماً أو محكوماً، كرامته، أي أن يكون سيداً، حرّاً، ولياً على أمره، حياً بضميره، ومشاركاً في تقرير مصير وطنه. أي أيضاً من أجل أن يكون للسوريين وطن، ولا تكون سورية مزرعة لأحد، لا للأسد وجلاوزته ومخابراته، ولا للروس، ولا لغيرهم مهما كانوا. وجوهر الكرامة وقوامها هو الاعتراف المتبادل والاحترام المتساوي، للذات والآخر.

بسياستها التصفوية الراهنة، لا تجرّد الدبلوماسية الروسية المعارضة من احترامها نفسها واحترام شعبها لها فحسب، وإنما تهين جميع السوريين الذين تتعامل معهم، كما لو أنهم لا يزالون في المزرعة العبودية ذاتها التي يحاول الأسد، بحرب الإبادة والدمار الشامل، منذ سبع سنوات، إعادتهم المستحيلة إليها.

لهذه الأسباب، فشلت روسيا في سورية، ولا يمكن لها إلا أن تفشل. بدل أن تكون صانعة سلام، كما أرادت، وتستعيد صدقيّتها على ساحة السياسة الدولية، ها هي تغرق أكثر في مستنقع الدم والبؤس والدمار الذي صنعته بيديها، ولا تزال ترفض أن تخرج منه. ولن يفيد فشلها للأسف أحداً، ولكنه، بمقدار ما يقود سورية إلى الاستيطان في النزاع والحرب، سوف يزيد من عذابات شعبها وآلامه، ويفرض عليه الاستعداد لحرب جديدة ومعقدة ثانية، من أجل حقوقٍ أساسيةٍ، تحصل عليها الشعوب اليوم من دون نقاش. تلك هي مشكلتنا مع روسيا وخياراتها.

اقرأ المزيد
٨ سبتمبر ٢٠١٨
لماذا رفض ماتيس قتل الأسد؟

يكشف الكتاب الذي سينشره الصحفي الأمريكي الشهير، بوب وودورد، عن إدارة الرئيس دونالد ترامب، مدى سيطرة الدولة العميقة في أمريكا على مجريات الأحداث. إذ رغم الصلاحيات الهائلة التي يقرها الدستور الأمريكي للرئيس، إلا أنه يبقى محكوما بدرجة كبيرة للبيروقراطية والدولة العميقة، وتقديراتهما، ومدى صلة قراراته بالمصالح الاستراتيجية بعيدة المدى، حسب رؤية تلك الدوائر.

ورغم ما عرف عن ترامب من تفرد بالقرار وسيطرة على مراكز صنع القرار، إلا أن كتاب وودور الاستقصائي؛ يكشف أن مفاصل الدولة العميقة لديها القدرة على التلاعب بخيارات الرئيس، وتمييع ما ترى أنه غير صائب، وجعل ما تعتقد أنه مناسب أولوية وضرورة استراتيجية مهمة.

من المعلوم أن أي صانع قرار يحيل القرار الذي بصدد إصداره إلى المستشارين، الذين في الغالب يتشكلون من جهات مختصّة لها علاقة بطبيعة القرار، فإذا كان القرار ذا طبيعة عسكرية، فبالتأكيد فإن الجهات العسكرية تصبح المسؤولة عن تقديم تقدير الموقف الخاص بالحالة وتقديم الخيارات للرئيس، مع توضيح مخاطر كل خيار وإمكانيات تنفيذه وتوفّر الموارد اللازمة، والرئيس يختار الأكثر ملاءمة للظروف والواقع.

فلنقتله، لنذهب إلى هناك ونقتل الكثير منهم.. هكذا قال ترامب لوزير الدفاع جيمس ماتيس، فور تبلغه نبأ ضرب الأسد لمدنيي خان شيخون بالكيماوي. وفي ذلك الحين، قيل إن ترامب تأثر بصور أطفال خان شيخون الذين يحتضرون من تأثير الكيماوي، وقرر معاقبة بشار الأسد بأقسى أنواع العقوبات.

لكن ماتيس، وبحسب كتاب بوب وودورد، وإن وافق ترامب على التصرف، لكنه ما أن وضع سماعة الهاتف حتى قال لأحد مساعديه، إن الولايات المتحدة ستتخذ خطوات "مدروسة أكثر" ضد سوريا، فكانت على شكل غارات جوية عقابية.

من يتذكر في ذلك الوقت، جرى تسريب من كواليس القرار الذي اتخذه ترامب بضرب مطار الشعيرات بـ59 صاروخا؛ أن من بين الخيارات التي وجدت على طاولة ترامب خيار اسمه" الرأس المقطوع"، وكان هذا الخيار يعني قتل بشار الأسد والدائرة المقربة منه، وقد تم عرضه على ترامب، لكن جرى استبعاده من دائرة الخيارات المحتملة.

لماذا استقر قرار ترامب على مجرد ضربات عقابية؟ بلا شك أن ذلك سببه تأثير وزير الدفاع ماتيس وجنرلات البنتاغون والمخابرات، الذين تلاعبوا بالتوصيات، وإبراز المخاطر والتداعيات التي يمكن أن ينتج عنها قرار قتل الأسد، والأهم من ذلك الأضرار السياسية. في وقت كانت دوائر البنتاغون تعتقد أن تدخلا عنيفا في الحرب السورية، من حجم قتل الأسد او تغيير موازين القوى ضده، من شأنه التأثير على الأمن الإسرائيلي حصرا، وأن أمريكا لن تستفيد كثيرا من تغيير نظام الأسد في سوريا، فرغم كل مساوئه يبقى الشيطان الذي تعرفه أمريكا وإسرائيل.

إن ترامب لديه فهم تلميذ في "الصف الخامس أو السادس"، أي طفل عمره 10 أعوام إلى 11 عاما. هكذا يقتبس بوب وودورد على لسان ماتيس، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن ترامب لا يفهم في الاستراتيجية والحيل الجيوسياسية والألعاب الاستخباراتية، فما يتم إعلانه للجمهور والفضاء العام من مواقف ضد الأسد بشأن المذبحة السورية، لا يشكل بالضرورة الموقف الأمريكي الحقيقي الذي يقوم على حسابات مختلفة تماما، وليس نتيجة انفعالات وتأثيرات آنية.

وطوال مرحلة الحرب السورية، لم يكن لرئيس الإدارة الأمريكية تأثير مباشر في مسار الحدث، بل تولت الأمر جهات طالما نظرت له من زوايا نظر عديدة، فعزلت التأثيرات الإنسانية نهائيا عن مجال صنع قرارها، وركزت على تفاعلات الحدث وتأثيراتها المستقبلية على مستقبل المنطقة، ومصالح أمريكا بعيدة المدى ومصالح إسرائيل. وليس من المستغرب تزامن صدور هذه المعلومات مع تسريبات عن مذكرات وزير الخارجية السابق جون كيري، بعنوان "كل يوم هو زيادة"، التي يؤكد فيها كيري توسيط بشار الأسد له لنقل رسالة إلى بنيامين نتنياهو؛ يؤكد فيها استعداده لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل مقابل تنازلات كبيرة يقدمها لنتنياهو.

لم يقتل ماتيس الأسد، أو رفض تنفيذ رغبة ترامب؛ لأن الحكاية السورية ما كان يجب لها أن تنتهي على هذه الشاكلة. قتل بشار الأسد لم يكن هدفا بحد ذاته، ولو أرادت أمريكا ذلك لفعلته قبل ذلك بكثير، الأسد وقع في المصيدة أكثر من مرّة، ووقع في دائرة القناص الأمريكي مرات عديدة، وفي كل مرّة كان يقال له، ابتعد لست أنت الهدف المقصود.

لم يقتل ماتيس الأسد؛ لأن الحرب السورية ما زالت تنطوي على إمكانيات كثيرة تخدم مصالح أمريكا البعيدة، ولعل واحدة من تلك الأهداف قمع الثورة في المنطقة لعقود طويلة، فشعوب هذه المنطقة إذا شعرت أنها انتصرت على أنظمتها الديكتاتورية، ستطوّر طموحاتها حكما لإنهاء علاقات التبعية مع القوى الكبرى، وستبحث عن طرق لتحرير فلسطين.

لم يقتل ماتيس الأسد؛ لأن بوتين هو من يجب أن يقتله، بعد أن بدأ يتحول إلى عبء ثقيل عليه، وكل يوم زيادة له في الحياة يخصم من رصيد أرباح روسيا، وبوتين سيصل إلى مرحلة يجد نفسه مضطرا للتخلص من بشار الأسد، بعد أن يكون قد استنفذ كل حاجة إليه، فلماذا يريحه ماتيس من هذه المهمة الصعبة؟

اقرأ المزيد
٧ سبتمبر ٢٠١٨
مراسلات الأسد ـ نتنياهو: ما نفع ساعي البريد؟

في شباط (فبراير) 2013، حين تولى جون كيري وزارة الخارجية الأمريكية، استعدتُ شخصياً صورة فوتوغرافية تجمعه وزوجته تيريزا هاينز، إلى طاولة عشاء في أحد المطاعم الدمشقية، ضيفاً على بشار الأسد وزوجته أسماء الأخرس؛ والصورة تعود إلى عام 2009، حين كان كيري يترأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي. وكان غرض الاستعادة هو تأكيد قناعتي أنّ إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وسائر الإدارات الأمريكية في الواقع، تجمعها مع أنظمة الاستبداد العربية أنساق متعددة من الـ«بزنس»؛ ولن تنحاز، حكماً ومنطقاً، إلى أية انتفاضة شعبية عربية، خاصة إذا كانت ديمقراطية وسلمية، يمكن أن تنتهي إلى إسقاط تلك الأنظمة، وأقصد الإسقاط الفعلي وليس الاستبدال الكاذب والمخادع. وخلال الأسابيع التي أعقبت تسلمه وزارة الخارجية، قال كيري في شتم الأسد أكثر بكثير مما قال مالك في الخمر، ابتداءً من «السفّاح» و«القاتل»، وليس انتهاءً بـ«الوحش» وشتى المقارنات الهتلرية ؛قبل أن يبتلع لسانه، إلا حين يتصل الأمر بتوبيخ المعارضة السورية الاسطنبولية، أو التحذلق حول سياسات أوباما بصدد هذا أو ذاك من شؤون سوريا.

وأمّا اليوم، في مناسبة صدور كتابه «كلّ الأيام إضافية»، فإنّ كيري يكشف النقاب عن فصل من ثمار تلك العلاقة مع الأسد، يفيد أنه حمل رسالة من الأخير إلى أوباما حول استعداد النظام السوري لاستئناف المفاوضات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ وأنّ الرسالة وصلت، أيضاً، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. الأخير أبدى دهشته وسعادته، وسيد البيت الأبيض أعطى التوجيهات لاختبار نوايا الأسد، والسياقات الإقليمية (سنة العسل مع السعودية في عهد الملك عبد الله، الوساطة التركية بين النظام وتل أبيب، ارتباك تكتيكات «حزب الله بعد «غزوة بيروت» والفشل في تأمين أغلبية برلمانية بعد انتخابات 2009 والعجز عن الثأر لمقتل عماد مغنية…) كانت تشجع على استبشار معقول. لكنّ المرء يعثر، في فقرات من كتاب كيري الجديد، على توصيفات لرأس النظام السوري تكاد توحي بأنّ كيري وعقيلته تناولا العشاء، في ذلك المطعم الدمشقي الحميم، مع مضيف آخر غير بشار الأسد! «الرجل الذي يكذب في وجهك وعلى مبعدة أربعة أقدام، يمكن بسهولة أن يكذب على العالم بعد أن خنق شعبه حتى الموت بأسلحة الغاز»، يكتب كيري اليوم في وصف شخص الأسد!

ولكن… هل كان الأسد بحاجة، حقاً، إلى ساعي بريد مع نتنياهو؛ لا يتمثل في شخص كوندوليزا رايس أو هيلاري كلنتون، لكي يبعث بالرسالة عن طريق كيري؟ سؤال يحمل بعض الوجاهة من واقع أنّ تعاطي النظام السوري مع الإدارة الأمريكية، بوش الابن ثمّ أوباما، لم يكن راكداً وشبه جامد ومعلّق، فحسب؛ بل كانت تحركات الأسد الإقليمية، وخاصة في المناورة بين الرياض وطهران، لا توحي بأيّ هامش عدائي يستحق عناء المبادرة؛ وكان العكس هو الصحيح، في الواقع. الخيارات الأمريكية ظلت تنطلق من قاعدة مركزية أشارت على الدوام إلى «فوائد» نظام آل الأسد، إبقاء الجولان هضبة آمنة هادئة مسالمة لا تُطلق في أرجائها بندقية صيد؛ أو في ضبط لبنان، ومنظمة التحرير، وإدارة حروب المخيمات وتل الزعتر وطرابلس، والانخراط في «عاصفة الصحراء»؛ أو في الإمساك بالعصا من المنتصف، بين حلفاء أمريكا في المنطقة وخصومها…

بوصلة اولى في ضبط هذه المعادلة بدت عابرة حتى للخلافات بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، كما في زيارة ربيع 2007 «التاريخية» إلى دمشق، والتي قامت بها نانسي بيلوسي، وكانت رئيسة مجلس النوّاب الأمريكي آنذاك؛ فأعطت، من جهة أولى، إشارة اختلاف الحزب الديمقراطي مع مقاربة بوش الابن، في «الضغط» على النظام؛ كما شددت، من جهة ثانية، على المطالب ذاتها التي يشترطها البيت الأبيض لتحسين العلاقة مع النظام السوري. وحين حرصت بيلوسي على الاجتماع مع رايس قبيل أن تقلع طائرتها إلى دمشق، كانت في حقيقة الامر تتسلم لائحة الرسائل الشفهية التي سوف تبلّغها إلى الأسد؛ تماماً كما فعل وزير الخارجية الأسبق كولن باول ومساعده ريشارد أرميتاج غداة اجتياح العراق.

كذلك فإنّ الأمر الرئاسي رقم 13338، الذي وقّعه بوش الابن في أيار (مايو) 2004 وقضى بوضع «قانون محاسبة سورية» قيد التنفيذ، كان أعلى تجسيد لما اعتُبر سياسة «الضغط» على النظام: «حصار» شكلاني شمل حظر تصدير الذخائر والموادّ ذات الاستخدام المزدوج، ومنع الطيران السوري من حركة الهبوط أو الإقلاع في المطارات الأمريكية، وإنهاء التعاملات بين وزارة الخزانة الأمريكية والمصرف المركزي السوري. وأمّا الجانب السياسي فقد تكفّل بتفريغه من مضمونه عدد من كبار النوّاب الأمريكيين (جمهوريين وديمقراطيين على حدّ سواء)، كلّما اقتضت المصلحة العامّة (للولايات المتحدة، ثمّ إسرائيل)، أو المصلحة الشخصية لهذا النائب أو ذاك (السناتور الديمقراطي بيل نلسون، مثل السناتور الجمهوري أرلن سبكتر، دون أن نغفل الإشارة إلى كيري نفسه بالطبع).

يُضاف إلى هذا أنّ رسائل النظام السوري كانت تذهب علانية إلى دولة الاحتلال، دون حاجة إلى ساعي بريد أو وسيط؛ كما في ذلك الاقتسام الفاضح والسقيم الذي طرحه وزير خارجية النظام، وليد المعلّم، في حوار مع غابرييلا رفكند من صحيفة الـ»غارديان» البريطانية في ربيع 2010: «يمكن للانسحاب من الجولان أن يتمّ على مراحل، تنطوي توقيتاتها على شكل من التطبيع. نصف الجولان يمكن أن يفضي إلى إنهاء العداء. ثلاثة أرباع الجولان، تفتح ممثلية لرعاية المصالح الإسرائيلية في السفارة الأمريكية. الانسحاب الكامل سوف يسمح بسفارة سورية في إسرائيل». وتسأله رفكند عن العلاقة مع إيران و«حزب الله»، فلا يقول إنها «خطّ أحمر»، على جري العادة في الرطانة الإعلامية الرسمية، بل يجيب بوضوح: هذه مسألة نتولى أمرها بعد الانسحاب!

أم أنّ الرسالة يمكن أن يحملها مبعوث لا يشبه أياً من سعاة البريد، مثل المخرج الأمريكي الشهير فرنسيس فورد كوبولا؟ في تلك الحقبة ذاتها، أواخر العام 2009، مُنعت طائرة كوبولا الخاصة من الهبوط في مطار بيروت لأن بعض قطع غيارها صُنعت في إسرائيل. أحد الأذكياء نصح صاحب «العرّاب» بإجراء اتصال من الجوّ مع الأسد، الذي أمر بأن تهبط الطائرة في دمشق، ثمّ انتقل كوبولا بعدها إلى بيروت في طائرة أخرى، بعد وليمة رئاسية دافئة. مكسب الأسد، في المقابل، كان خبراً في العلاقات العامة تناقلته بعض وسائل الإعلام الأمريكية، وتصريحاً منافقاً من كوبولا يشير إلى حرص الأسد على السلام، وأنّ «الطعام بديع»، والأسد و«عقيلته وأسرته، اتصفوا بالوضوح والأنس والقدرة على الحديث في مستويات عديدة. وبهذه الطريقة أقنعني أنّ الرؤيا التي يحملها عن البلد إيجابية».

أخيراً، خلال تلك الحقبة ذاتها دائماً، لم يكترث النظام بإخفاء أو نفي استئناف المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية برعاية تركية، وكان الغرض استثمار هذه الوقائع في إلهاء الشارع الشعبي عن مصاعب العيش اليومية، وكوابيس قسائم المازوت، ومطحنة شائعات رفع الدعم؛ وكذلك ترحيل خلافات أهل السلطة الداخلية، العائلية والأمنية والاستثمارية، إلى ملفّ استئناف التفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي بوصفه منطقة محايدة إذا جاز التعبير؛ ليس دون توجيه رسالة جديدة إلى الحليف الإيراني، ومن خلفه «حزب الله» تحديداً، حول استعداد النظام لقلب المعطف…
فما نفع ساعي بريد مثل كيري، في نهاية المطاف!

اقرأ المزيد
٧ سبتمبر ٢٠١٨
«خفض التصعيد»... مؤامرة قد تتكرر في إدلب

المفترض أن يكون هناك إدراك مبكر لأن لعبة «خفض التوتر»، التي طرحها الروس وتنقلوا بها من منطقة سورية إلى منطقة أخرى؛ بدءاً بمدينة حلب وضواحيها وانتهاء بحوران وحوض نهر اليرموك والسويداء، ستصل إلى إدلب التي تحولت إلى مستودع بشري كبير تجاوز عدد الذين تم «تهجيرهم» إليه ثلاثة ملايين ونصف المليون؛ جميعهم، ومن دون استثناء، من الطائفة السنيّة، التي بات واضحاً ومؤكداً، إلا لأعمى بصر وبصيرة، أنها هي المستهدفة بصفتها أكثرية «ديموغرافية» في هذا البلد، الذي لم يعرف هذا الوباء المذهبي بأبشع وأخطر أشكاله، إلا بعد انقلاب حافظ الأسد على رفاقه في حزب كان رفع شعار: «أمة عربية واحدة... ذات رسالة خالدة»!

كان على الأميركيين، بما أنهم اللاعب الرئيسي الثاني في هذه «المسرحية» الدامية، أن يسألوا الروس: ما المقصود من نقل معظم أهل وسكان مناطق «خفض التوتر» هذه، الذين كلهم من مكون طائفي واحد، إلى إدلب، ولماذا؟ وفي الوقت ذاته تم نقل مجموعات تنظيم «جبهة النصرة»، التي لم يعد تورطها خافياً في مؤامرة تسليم مدن حلب وحوران والسويداء وحوض نهر اليرموك وبعض مناطق حمص وحماة، إلى هذه المنطقة، أي منطقة إدلب، التي من الواضح أنه إنْ استطاعت روسيا استكمال مخططها فيها، الذي كانت بدأته في عام 2015 وربما قبل ذلك، فستتحول إلى مقبرة نهائية للثورة السورية وللمعارضة، التي إذا أردنا قول الحقيقة فإنه ثبت أنها كانت مخترقة من أجهزة نظام بشار الأسد ومخابراته بالطول وبالعرض، وإلا ما معنى أن «تسقط» جبهة درعا بالطريقة التي سقطت بها؟ وما معنى أن يكون هناك كل هذا الالتحاق لـ«ثوار» الأمس القريب بالجيش، الذي يقوده عملياً ضباط روس وإيرانيون، والذي هو المسؤول عن كل المذابح، التي جرت منذ عام 2011 وحتى الآن وكل هذا الدمار والخراب الذي حل بكل المدن السورية؟

يطرح الروس الآن، وقد بات البعض يرى أن معركة إدلب ستكون المعركة النهائية في هذه الحرب المكلفة الطويلة، التي اقتربت مدتها من الأعوام الثمانية، إنشاء ممرات آمنة لمن سيغادر هذه المدينة وهذه المنطقة، سواء من أهلها الأصليين أو من المهاجرين والمهجّرين إليها... والسؤال هنا هو: إلى أين ستأخذ هذه الممرات هؤلاء... هل إلى منفى جديدٍ خارج سوريا أم إلى مناطق داخلية أخرى سيأتيها دور الإبادة والتقتيل الذي بقي يتنقل من منطقة سابقة إلى منطقة جديدة وكانت النتيجة كل هذا الدمار والخراب، وكل عمليات التهجير هذه وبالقوة والعنف، التي تجاوز حصادها حتى الآن أكثر من 7 ملايين مهجّر وليس مهاجراً، وهذا بالإضافة إلى عمليات التهجير الداخلية كلها؟

جاء في تقرير أشارت إليه بعض وسائل الإعلام الغربية أن روسيا قد استخدمت وبنجاح كبير اتفاقات وقف إطلاق النار المحلية (خفض التوتر) لعزل مناطق ومواقع الثورة السورية، وقد جاء سقوط الغوطة الشرقية والجبهة الجنوبية في أيدي جنود جيش النظام، ليحقق هذا النظام نجاحاً سياسياً من دون أي تكلفة فعلية في غضون فترة زمنية قصيرة، حيث تمكن من استعادة مناطق واسعة قدرها بعض المسؤولين الروس بنحو 96 في المائة من مساحة سوريا، في حين قدرها مراقبون أكثر تواضعاً بأنها لم تتجاوز 60 في المائة.

المهم أن عملية السلام التي كانت أطلقتها موسكو في غضون ذلك قد أدت إلى تمزيق المعارضة السورية، وأسفرت عن اجتذاب دولتين إقليميتين رئيسيتين هما إسرائيل وتركيا، وتحييد، وإنْ بقدر محدد، بعض الدول العربية المجاورة والبعيدة، التي كانت في بدايات هذا الصراع من بين من كانوا الأكثر تشدداً وتمسكاً بأنه لا بقاء لنظام بشار الأسد، وبأن بقاءه سيعني بقاء هذا الجرح مفتوحاً، وسيعني أن هذه الأزمة المدمرة ستستمر وستبقى متواصلة وإن بأشكال جديدة ولسنوات متعددة وطويلة.

ولعل الأخطر في هذا كله أن فلاديمير بوتين ومعه وزير خارجيته سيرغي لافروف، قد لعبا لعبة الضغط الرئيس التركي على رجب طيب إردوغان بذكاء هائل عندما دفعا بحزب العمال الكردستاني - التركي، الذي هو بالأساس قد تم اختراعه في دوائر المخابرات السوفياتية (كي جي بي) ودوائر المخابرات السورية، إلى القيام بعمليات موجعة تستهدف تركيا، إنْ في المناطق الحدودية وإنْ في الداخل؛ ضربة مطار مصطفى كمال أتاتورك الشهيرة مثال على ذلك، مما جعل إردوغان يراجع حساباته كلها ويذهب هرولة للحصول على دور في عملية «آستانة» المعروفة، ويدخل الدائرة الروسية - الإيرانية التي لم يستطع الخروج منها حتى الآن... حتى بعدما أصبحت إدلب مهددة بمصير كمصير مناطق «خفض التوتر»، التي سقطت واحدة تلو الأخرى خلال فترة زمنية قصيرة.

ولعل الأسوأ في هذا كله أن الولايات المتحدة، التي في عهد إدارة باراك أوباما، قد اتخذت مواقف إنْ هي ليست تآمرية فإنها كانت «انكفائية» إزاء صراع من الواضح أنه سيقرر موازين القوى في الألفية الثالثة وفي القرن الحادي والعشرين ليس في هذه المنطقة الاستراتيجية فقط، بل في العالم بأسره، ولم تكتفِ بدفع إردوغان دفعاً في اتجاه التحالف الروسي - الإيراني، بل إنها أيضاً قد ارتكبت ذلك الخطأ القاتل عندما افتعلت ما سميت «فيدرالية شمال سوريا الديمقراطية» التي تعدّها أنقرة «مقتلاً» استراتيجياً بالنسبة إليها قد يؤدي في النهاية إلى تمزيقها إلى عدد من الدول الإثنية والمذهبية الموزعة بين المحاور الدولية الكبرى المتنازعة.

لقد جاء في هذا التقرير المشار إليه في البدايات: أن السيطرة على إدلب قد تستغرق مزيداً من الوقت نظراً لتعدد المجموعات «الثورية والجهادية»، لكن أغلب الظن أنه بإمكان روسيا أن تدير هذا الصراع عبر التفاوض لعودة النظام إلى هذه المنطقة، وهذا في حقيقة الأمر متوقف على جدية الولايات المتحدة، وما إذا كانت بالفعل ستستخدم مبرر استعمال بشار الأسد الأسلحة الكيماوية في هذه المنطقة، كما كان استخدمها في مناطق أخرى متعددة على مدى سنوات الصراع الماضية، أم إنها بعد كل هذا الإرغاء والإزباد ستتراجع وتستسلم للأمر الواقع كما في بعض الفترات السابقة؟!

إنه من الواضح أن الروس سيتلاعبون مجدداً بمسألة الحل السياسي المطروح على أساس «جنيف1» والقرار «2254» والمرحلة الانتقالية، إذا لم تكن الولايات المتحدة ومعها بعض الدول الأوروبية حاسمة وحازمة بالنسبة لهذا الأمر، الذي من المفترض أن تترتب عليه مستجدات كثيرة قد يكون أهمها موضوع إخراج إيران من سوريا والاستجابة للشروط والمطالب الإسرائيلية وإصرار إسرائيل على أن تكون رقماً رئيسياً في معادلة موازين القوى المستجدة في هذا البلد الذي لا يمكن عودته إلى ما كان عليه قبل عام 2011 ما دام أنه أصبح ساحة صراع دولي، وما دامت الأكثرية من أهله ستبقى مستهدفة من قبل ما يسمى «تحالف الأقليات الطائفية» وذلك في حين أن الذين تم تهجيرهم إلى خارج وطنهم سيبقون محرومين من العودة إليه، وعلى غرار ما حدث على مدى حقب التاريخ في بلدان متعددة وكثيرة.

ثم إنه لا بد من الإشارة إلى أنه لا قيمة لاستعراض القوة هذا الذي لجأت إليه روسيا بمناوراتها البحرية بالقرب من الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط ما دام أن الأميركيين يتحكمون عسكرياً في هذه المنطقة الشرق أوسطية كلها وما دام أنهم عازمون على البقاء في الجزء الشرقي من سوريا وهو الجزء الذي يعدّ مستودع النفط والغاز الرئيسي في هذا البلد، وأيضاً ما دام أنهم يملكون أوراقاً كثيرة من بينها الورقة الإسرائيلية وورقة ربط إعادة البناء بالحل السياسي المطلوب، وعلى أساس «جنيف1» والقرار الدولي رقم «2254» والعملية الانتقالية.

ويبقى أنه لا بد من القول إن روسيا ستحاول وبالتأكيد أن تلعب لعبة «خفض التصعيد» هذه في إدلب، كما كانت قد لعبتها في حلب وفي مناطق كثيرة في سوريا، وحقيقة أن نجاح الروس مجدداً في هذه اللعبة يتوقف على مدى جدية الأميركيين الذين ما زالوا، وكما هو ملموس وواضح، غير حازمين في اتخاذ موقف جاد تجاه الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف يضعهما أمام خيارات مكلفة وصعبة إنْ هما تجاوزا كل الحدود المعقولة وحاولا أن يفعلا في هذه المنطقة السورية ما فعلاه في العديد من المناطق الأخرى، وحيث قد أصبحت الأمور على ما هي عليه الآن من أوضاع كارثية ومأساوية.

اقرأ المزيد
٧ سبتمبر ٢٠١٨
إدلب معركة سورية الأخيرة

تعيش مدينة إدلب وضعاً لا تُحسد عليه، ويخيّم على أهل المدينة وريفها جوٌّ من الرعب وسط حشود عسكرية وتهديدات لا تتوقف. روسيا وإيران والنظام السوري على أهبة الاستعداد، من أجل خوض المعركة التي يريدون لها أن تكون الأخيرة، والفاصلة في الحرب السورية، وهذا ما يمكن أن يلمسه المراقب من ضخامة حجم القوة العسكرية التي جهّزتها روسيا في البحر المتوسط وقاعدة حميميم الجوية.

وسط قعقعة السلاح، وحالة الرعب التي يعيشها قرابة ثلاثة ملايين مدني سوري من أهل المدينة واللاجئين إليها، اقتصر رد الفعل الدولي فقط على تهديد الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا للنظام من عواقب استعمال أسلحة كيماوية، بينما زكّى مندوب الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، العملية العسكرية المرتقبة، وأعطى الضوء الأخضر لها من خلال سلسلة من التصريحات التمهيدية التي تعيد التذكير بمواقفه من معارك حلب والغوطة ودرعا. وفي المحطات الثلاث، أعاد العبارات نفسها، وقدّم الذرائع نفسها للروس، كي يباشروا الحرب داخل مدن مكتظة بالسكان.

حين يأتي الوقت لتسليط الضوء على الدور الذي لعبه دي ميستورا في المسألة السورية، لن يضعه أحد في مصاف المبعوثين اللذين سبقاه في هذه المهمة، كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، ليس لأنه افتقر إلى النزاهة والحياد فقط، ولم يكرّس جهده من أجل الحل، بل سوف يكون مضرب المثل للمبعوث الأممي الذي خان شرف الأمانة التي يجب أن يتحلّى به، بوصفه موظفا في أعلى هيئة دولية أوفدته في مهمة تحقيق السلام، فتحوّل إلى عرّاب للجرائم الروسية الإيرانية في سورية، في ظل سطوةٍ روسيةٍ في مجلس الأمن، وتهاون أميركي غربي حيال جرائم النظام في سورية منذ مجزرة كيماوي الغوطة.

وتؤكّد المؤشرات كافة أن العد العكسي للمعركة قد بدأ، والموعد المفصلي في ذلك هو يوم السابع من الشهر الحالي، حيث تُعقد في طهران القمة الثلاثية الثالثة بشأن سورية بين الرؤساء، الإيراني والروسي والتركي. وعلى الرغم من أن الأوساط المحلية والإقليمية والدولية تعوّل على هذا اللقاء من أجل إيجاد مخرجٍ يجنّب المدنيين كارثة جديدة، ويتلافى دمارا كبيرا يمكن أن يلحق بالبنى التحتية، فإن التصميم الذي تبديه موسكو وطهران على خوض المعركة لا يبشّر بأي بارقة أمل، ولا يترك أمام المساعي التركية أي فرصةٍ للنجاح.

ستكون إدلب المعركة الأخيرة، ولا أحد يعرف كيف ستتم. وربما يشكل الجهل بمجرياتها أحد أساليب خوضها من طرف الروس، وهذا ما حصل في الغوطة ودرعا، حيث لجأ الروس إلى أنماطٍ من التكتيكات انتهت بكسب المعركة. ولكن في المرّات جميعها كان هناك طريق للخروج لمن لا يريد القتال، ومكانٌ لاستقبال النازحين هو مدينة إدلب. وفي هذه المعركة، لا مفرّ ولا ممرّ ولا مستقرّ لمن يستعدّون للهروب. وقد شرعت بعض منصات البروباغندا الروسية في نشر دعاياتٍ بأن هناك ممرّات سيتم فتحها من أجل خروجٍ آمن للمدنيين، وجاء ذلك على لسان دي ميستورا، لكن هذا الأمر صعبٌ من الناحية اللوجستية، وفي ظل انتشار عسكري كبير في المدينة، تشكل فيه جبهة النصرة نسبة محدودة لا تتجاوز 10%، والباقي يعود إلى فصائل جبهة تحرير سورية والجبهة الوطنية للتحرير.

لن تكون المعركة نظيفةً، كما يروّج الروس، وسيدفع المدنيون الفاتورة الأساسية من الدم والممتلكات والتهجير. وكما هو الحال منذ معركة حلب التي كانت جبهة النصرة طرفا رئيسيا فيها، ستجد هذه وسيلة كي تنجو بنفسها، بعد أن تكون قدمت الذريعة للمعركة.

لا يختلف أحدٌ على الدور القذر الذي لعبته المجموعات الإرهابية، ومنها جبهة النصرة، في الإساءة إلى ثورة السوريين، لكن استخدامها ذريعة من أجل اقتحام إدلب لا ينطلي على أحد، ولو أنها لم تكن موجودة لخلقها الروس والإيرانيون.

اقرأ المزيد
٧ سبتمبر ٢٠١٨
بقي الأسد أسداً على شعبه وحسب

الشِجار اللبناني بشأن نظام الأسد يتقدّم بعناوين مختلفة: اللاجئون السوريون في لبنان، "تطبيع" العلاقة مع دمشق، تلزيمات إعادة إعمار سورية، تعثّر تشكيل الحكومة.. والفريقان المتناكفان يختلفان حول "الموقف"، السلبي أو الإيجابي مع الأسد. بل طلعت أصوات أخيرا، نفد صبرها من تأخّر تشكيل الحكومة، مفادها بأن الطبقة السياسية التي اعتادت على أخذ الأمر من دمشق، في الصغيرة والكبيرة، صار لزاماً عليها أن تعود إليها، إلى أصولها، لتيسير شأن الحكومة وحلّ الخلافات بين أقطابها. عبّر أحدهم عن هذا الحنين لزمن الوصاية الأسدية: "رزق الله لما كان غازي كنعان يحدّد تشكيلات اللوائح الانتخابية، ويأمر رئيس الحكومة أو غيره بتوزير فلان، أو بتعيين آخر..".

"المنتصرون" الممانعون ما زالوا ينظرون إلى الواقع الأسدي وكأنه "نظام" قائم بذاته؛ كما كان أيام دخول جيش مؤسّسه، حافظ الأسد، إلى لبنان صيف 1976، لوقف الزحف الفلسطيني -الوطني التقدمي باتجاه المناطق التي كانت توصف سنتها باليمينية - الإنعزالية. هل يمكن تخيّل حدث شبيه الآن؟ (خصوم الممانعين لا يقلّون عنهم تغافلاً. يتصوّرن أن "المجتمع الدولي" الذي يستقوون به، بدورهم، ما زال على عهده السابق من التناسق والتماسك والانتظام. ولكن هذا موضوع آخر، وإن تقارب مع موضوعنا).

وفضل التقاليد الانتصارية أنها جديرة بالإسقاط على الواقع الأسدي، فتسجّل أمجاده، وترفع أكاليل الغار. وبهذه الروحية، نصّب بشار الأسد شبحاً لا يعرف الموت، يحييه الإيمان بأبديته. أو قلْ فزاعة، تُرفع عالياً بوجه من يتجرّأ على السؤال، مجرّد السؤال عن طبيعة هذه الانتصارات. وفي قلب هذه اللجاجة، يُثبّت العقل الوطني اللبناني، فيفوَّت؛ يعاند الوقائع، كأن عيناً مجرّدةً تخطئها.

نظام المخابرات الذي حكَم لبنان، وروّض طبقته السياسية، ونزع عنها الإرادة السياسية الحرّة، التي لم تكن أصلاً قوية.. هو نظام ميّت حيّ. كان أيام عزّه قوياً علينا وعلى الفلسطينيين. أما الآن، فبالكاد تراه يأخذ قراراً، أو يبادر إلى فكرةٍ، غير الأفكار الإعلامية التجميلية العاطفية (بالأحرى أفكار شركات العلاقات العامة). وما زالت طبقة السياسيين اللبنانيين على عماها، المقصود، إذ لا تملك موارد سياسية كثيرة، ولا قراراً، هي الأخرى، ولا طبعا مبادرات. طبقة عائشة على الصبحانية، على الرغم من "الذكاء الخارق" لبعض لوالبها. عدوة المعرفة، معرفة سورية، وما يحصل فعلاً داخلها. ربما تعلم تلك العقول المزهوة بنفسها، ولكن لا يفيد الآن، وسط الانتصارات المذهلة، إضعاف معنوياتها وتبنّي سرديّة العدو...

مع أنه، وبعيداً عن معرفةٍ مفصّلة للواقع السوري الآن، واعتماداً فقط على ما هو متداول، ووسط كل الاتجاهات، يمكننا رسم الملامح العامة لنظام الأسد؛ وهي وحدها تنبئ بهول التغيير الذي طرأ على بنيته، وهرميته، نتيجة حربه على شعبه، ومدى عجزه الطارئ عن إدارة صراعات إقليمية، بعدما نزع عن نفسه الأصول، أي إدارة الشأن الوطني السوري، معتقداً بأنه بذلك إنما ينقذ نظامه.

ما عادت سورية اليوم كما كانت أيام عزهّا الإقليمي. في جوّها وعلى أرضها ومياهها الإقليمية روسٌ، واتفاقيات ثنائية وقواعد عسكرية وطلعاتٌ جوية مدمّرة. وهم، الروس، يعتقدون أنهم سيتولّون "الحل السياسي" في سورية، بعدما قصفوا وهجّروا؛ وشرطتهم العسكرية تتدخل لفض الاشتباكات بين الفرق الأسدية المتعادية على الغنائم، أو على أحياء النفوذ وزواريبه؛ بل اختاروا قادة لامعين من هذه الفرق، ليلحقوهم بقيادتهم المباشرة، ويتحوّلوا إلى "أزلامها". ثم مناكفة روسية إسرائيلية حول مدى الانسحاب الإيراني من الأراضي السورية، وسكوت تام عن الغارات الإسرائيلية على منشآت إيرانية، أو قوافل السلاح الحزبلهية. واتفاقيات أخرى، مع إيران، جديدة وقديمة، تطرح السؤال عن الفرق بينها وبين الاتفاقيات مع روسيا. إذا كان الأسد "أجّر" لروسيا أرض حميميم وغيرها، فماذا أعطى للإيرانيين؟ وماذا أعطى الإيرانيون للروس؟ ماذا تبادلوا؟ قايضوا؟ وهؤلاء ماذا أعطوا للإسرائيليين أو الأتراك؟ وهكذا... وتنافس يضعف تركيا، أو ويقويها. وأولويتها الكردية التي يلعب عليها الجميع أيضا: الروس، الإيرانيون، الأميركيون.. وبهذه الأولوية، قد لا تتصدّى تركيا لاجتياح إدلب، إذا كان ثمن تغاضيها هو فوزها النهائي بالأكراد. والأقوى عسكريا من الجميع، أي الولايات المتحدة، صاحبة مزاج خاص، لا استراتيجية، كما ينبغي للإمبراطوريات أن تكون. وقد تُنقذ السوريين الأكراد وقد تطنّشهم. من يدري؟ تُبقي العالم لاهثاً محتاراً، بلعبتها هذه التي لا تنال إلا من السوريين.. والهوْجة الترامبية ليست وحدها المسؤولة عن الميوعة الإستراتيجية الأميركية. قبل ترامب، كان باراك أوباما يردّد "ليس للولايات المتحدة استراتيجية في سورية". فيما البغدادي، زعيم "داعش"، يطلق تسجيلاً صوتياً، يعلن فيه: "دولة الخلافة باقية. وليست محصورة في هجين" (جيبه في دير الزور). وقبل ذلك، تمكّن "داعش" من غزو قرىً في السويداء، وقتل 250 شخصا من سكانها، وخطف عشرات، في عمليةٍ مشبوهة، بدا فيها النظام مترهلاً، عاجزاً عن حماية "انتصاراته"؛ أو متواطئا معها، مسهِّلا عملياتها الإجرامية، عقاباً لأهالي السويداء على عدم إذعانهم بالانخراط في جيشه. ولا تمييز بين الاحتمالين من حيث ضررهما البالغ على دولة نظام الأسد.

ما الذي يبقى بين أيادي الأسد؟ الفتك بالسوريين وحده المجال المتوفّر لدى الأسد، بعدما تجاوزته الأمم في ممارسة ما كان يمارسه هو على المسرح اللبناني: الصراع بين هذه الأمم على سورية، بداخلها، بساحتها، بالنيران المجرّبة وغير المجرّبة، باللحم الحيّ لأبنائها. فيكون نوعٌ غريب من تقسيم العمل بين تلك الأمم والأسد: هي تلعب، بشروط بعضها بعضا، بموازين قواهم، بنوعية أسلحتهم؛ فتقتل من السوريين ما تيّسر. فيما الأسد خارج اللعبة تماماَ. لا دور له غير الواجهة الرسمية القانونية، وقد يُستغنى عنه أحيانا. حتى هذا الدور الزهيد، قد يغلو عليه يوماً.. ولكنه، في المقابل، مطلق الحرية في قتل شعبه والتنكيل به. لم يبق بين أيادي الأسد غير قتل السوريين. لم يعد له ملعب آخر يلعب فيه. اللاعبون، كباراً أو متوسطين، يقرّرون ويقتلون، فيما هو يقتل وحسب.

إلا أولئك المتساذجين من اللبنانيين الذين يعاندون الواقع، وينشدون حلا سوريا لمنازعاتهم الرخيصة، ينشدون حَكَما شبَحاً، فالأسد بقي أسداً، صحيحٌ، ولكن على شعبه وحسب.

اقرأ المزيد
٦ سبتمبر ٢٠١٨
من كسب الرهان في سوريا الأسد أم بوتين؟

في مقابلة إذاعية قبل يومين، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إن "الأسد كسب الحرب لكنه لم يفز بالسلام". بدت العبارة وكأنها التماس ذريعة أمام الرأي العام الغربي لا أكثر، بيد أنها خاطئة من مختلف وجوهها.

فالنظر من زاوية الأسد فقط إلى الحرب السورية برمتها وقراءة النتائج بالنسبة له فحسب قد لا يكون واقعيًّا. المتحكم الرئيسي بالعملية العسكرية والسياسية في سوريا هو بوتين، مع شريك صغير هو إيران.

وبالتالي، من الطبيعي أن يكون من المفيد أكثر النظر إلى التطورات العسكرية والسياسية من جهة بوتين للوصول إلى إجابة عن سؤال "من المنتصر في الحرب السورية؟".

مع وصول بوتين إلى السلطة بدأت روسيا، التي فقدت الكثير من هيبتها لصالح الغرب، بحملة مضادة في منطقة واسعة. وكانت أولى المبادرات استخدام القوة في جورجيا.

لاحقًا، اشعلت روسيا فتيل الأزمة الأوكرانية، وضمت القرم إلى أراضيها. اختبر بوتين قوته وقدراته واستراتيجيته من جهة، ووضع خصومه من جهة أخرى. وفي النهاية كرّس تركيزه لسوريا.

كان تركيز بوتين منصبًّا على تحقيق نتائج من شأنها إحباط آمال الغرب، أكثر منها ضمان مستقبل الأسد في سوريا. وبحسب روسيا فإن الغرب، وفي طليعته الولايات المتحدة، استغل الثورات الملونة والربيع العربي بـ "أسلوب رخيص"، من أجل توسيع ونشر نفوذه وإيديولوجيته.

مع مرور الوقت تغيرت التوازنات. حدثت تطورات سياسية وعسكرية غير منتظرة أثارت صراع مصالح بين الحلفاء الغربيين، وصعّدت التوتر السياسي تمامًا كما حدث في الأزمة التركية الأمريكية.

مخرجات الحرب في سوريا جاءت لصالح روسيا وإيران أكثر من النظام، ولهذا فإن المنتصر في سوريا هو بوتين وليس الأسد.

الوزير الفرنسي أخطأ في ناحية ثانية. نجاح مكافحة الثورة والحرب الداخلية والإرهاب عسكريًّا وسياسيًّا لا يمكن قياسه بمعايير الحرب التقليدية. المهم هنا هو جعل الكلفة مقبولة والقدرة على إدارة الحرب.

لا يمكننا الحديث عن مشهد يمكن أن يثير قلق روسيا، التي خبرت الحرب المدمرة في سوريا وتمتلك ثقافة لا تعير اهتمامًا لسقوط ضحايا مدنيين.

الناحية الثالثة التي أخطأ الوزير الفرنسي بتقديرها هي افتراضه أن روسيا لن تستطيع توفير التمويل اللازم لتحقيق السلام، وأنها ستكون بحاجة للغرب.

في الحقيقة، سوريا، التي دمرتها الحرب وتمثل أزمة إنسانية وأمنية، هي مشكلة أكبر بالنسبة لأوروبا من روسيا، وذلك لأسباب ثقافية وجيوسياسية. فروسيا لا يهمها "السلام الدائم" الذي تحدث عنه لودريان.

هناك حقيقة وهي أن الأسد بحاجة إلى مدة قصيرة من أجل تحقيق النصر العسكري بمساعدة من روسيا، وطويلة من أجل تحقيق السلام الدائم. لكن النظر إلى الصراع السياسي والعسكري والنفسي متعدد الأطراف من منظور الأسد فحسب ليس واقعيًّا تمامًا.

اقرأ المزيد
٦ سبتمبر ٢٠١٨
إدلب معركة المصير والضمير

تقف إدلب في هذه اللحظة التاريخية من حياة الأمة شاهدة على الأوضاع التي وصل إليها حالنا من تشتت وتفرق وهوان، حين انكسر عمود خيمتنا، وهبّت عواصف الصحراء الهوجاء تعمي العيون فتفقدها البصر والبصيرة، وتغوص أقدامنا في رمالها المتحركة وكلما، تحركنا للنجاة منها غرقنا أكثر وأكثر. لم نفهم طبيعة الصراع معها كما ينبغي حتى ننقذ أنفسنا منها بدلا من أن تهلكنا.

إدلب هي آخر المعاقل التي تقع تحت سيطرة المعارضة السورية بتشكيلاتها المختلفة، وبسقوطها - لا قدّر الله - تسقط الثورة السورية بمنطق الجغرافيا لا منطق الحق في أيدي نظام بشّار الأسد وأسياده في الكرملين وطهران.

والمعركة التي يقرع طبولها الآن من الجميع تلخص لك سبع سنين عجاف من تاريخ الثورة السورية قتل فيها نحو مليون مواطن سوري على يد النظام وحلفائه، وشرّد وهجّر الملايين (12 مليون سوري) في أصقاع الأرض المختلفة، واعتقل وعذّب مئات الألوف من الأبرياء في مآس يندى لها جبين البشرية، وسط ضوء أخضر مخزٍ من دول الغرب المحتل السابق والحالي لأوطاننا، ومعاونة من دول الشرق العربي بالمال والسلاح والشجب والإدانة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، وأحيانا الصمت المخزي على ضياع الأرض والعرض في سوريا.

المبعوث الأممي إلى سوريا ستافان دي ميستورا كان واضحا بوقاحة هذه المرة، ممهدا الطريق أمام الهجوم على إدلب، عندما أعلن نهاية شهر آب/ أغسطس المنصرم أنّ هناك "حوالي 10 آلاف مقاتل في إدلب من القاعدة والنصرة، الذين لا يشكك أحد في أنهم إرهابيون تتعيّن هزيمتهم"، على حدّ قوله، وهو ما يفهم منه أنه ضوء أخضر أممي للنظام والروس ببدء معركة إدلب وارتكاب حمّام للدماء فيها بحقّ أربعة ملايين مواطن من المدنيين، وهو ما يكشف حقيقة تحيزات هذه المنظمات الدولية خاصة السياسية منها، وأنها في الحقيقة ليست سوى ذراع في يد أمريكا وحلفائها.

الكارثة الأسوأ التي تحدّث بها دي ميستورا؛ عندما أكّد أنّ النصرة والقاعدة يمتلكون أسلحة كيماوية وأنهم قد يستخدمونها في معركة إدلب، وهو ضوء أخضر غير مباشر كذلك للنظام للاستخدام السلاح الكيماوي ضدّ المدنيّين، وبعد وقوع الكارثة سهل حينها إلقاء المسؤولية على فصائل المعارضة وأنها من استخدمت هذه الأسلحة.

وبناء عليه، فإنه يبدو دي ميستورا الناطق غير الرسمي للإدارة الأمريكية، وكأنّه يمهد للمعركة استعدادا لتصفية ملف الثورة السورية والبدء في حلب بقصة إعادة الأعمار على أشلاء ملايين السوريين، وهو ما يجعل عقلية "رجل الأعمال" التي يتعامل بها ترامب مع الأزمة السورية أشبه بـ"صفقة قرن" جديدة، لكن هذه المرة في الملف السوري.

على الجانب الآخر تبدو روسيا أكثر نهماً لتصفية القضية السورية بالقضاء على المعارضة في إدلب، حتى يتسنّى لها تأسيس نفوذ مستقر ودائم على الأراضي السورية، خصوصا أنّها وقّعت في السابق مع النظام السوري، في 26 آب/ أغسطس 2015، اتفاقا يعطي الحق للقوات الروسية باستخدام قاعدة حميميم في كل وقت من دون مقابل ولأجل غير مسمى!!

وتكرر الأمر في 18 كانون الثاني/ يناير 2017 بتوقيع اتفاقية تقضي ببقاء القاعدة الروسية في مدينة طرطوس السورية لمدة 49 عاما قابلة للتمديد، وتحديثها وتوسعتها لاستيعاب حاملات الطائرات والغواصات النووية!!

وعليه، فإنها تسعى روسيا للانتقال إلى خطوتها التالية في سوريا عبر تأمين وجود سياسي واقتصادي دائمين لها، إلى جانب الوجود العسكري، ما يجعلها أكثر شراهة لدخول معركة إدلب والقضاء على المعارضة فيها، حتى تتفرغ لعملية إعادة الأعمار التي تبني عليها آمالا كبيرة لتحسين أوضاعها الاقتصادية المتدهورة، فضلا عن حضور قوي ودائم في قلب الشرق الأوسط وفي نقاطه الساخنة، واستعادة شيء من ظلال إمبراطوريتها السوفييتية.

من ناحية أخرى، تعتبر إدلب الملجأ الأساسي لعملية التهجير القسري المتعمد من كافة أنحاء سوريا إليها، وضمّت الهجرات إليها مدنيين وعسكريين ومنتمين لمجموعات مصنفة دوليا كمنظمات إرهابية.

ونتيجة للنمو السكاني المفاجئ فيها بسبب النزوح المتواصل إليها، فقد تدهورت الحياة في المدينة سريعا، اقتصاديا وخدميا، فضلا عن صراعات الفصائل العسكرية المختلفة على السيطرة والنفوذ داخلها، واستهدافها بالقصف المستمر من قبل النظام والروس، كل هذا جعل أكثر من 90 في المئة من سكان المدينة تحت خط الفقر، مع ما يقل عن 40 دولارا شهريا.

بهذه الخلفية تستعد إدلب المنهكة والمثخنة بالجراح لمعركة مصيرية، ليس في الصراع مع النظام وحلفائه فحسب، ولكن حتى في الجانب الأخلاقي والإنساني، لما يتوقع من استخدام الروس والنظام لسياسة الأرض المحروقة مع المدينة وسكّانها لغلق ملف الصراع العسكري في سوريا، كما يأملون.

الأتراك من جانبهم يعززون تواجدهم عسكريا في شمال إدلب ومحيطها، خصوصا بعد فشل المفاوضات مع جبهة تحرير الشام كي تقوم بحلّ نفسها لتفويت الفرصة على الروس والنظام؛ الذين يبررون هجومهم على إدلب بالقضاء على الجبهة التي يصفونها بالإرهابية، حيث طلب الأتراك من الروس فرصة حتى الرابع من أيلول/ سبتمبر لإقناع الجبهة بحلّ نفسها، في حين ترى فصائل من المعارضة أن المفاوضات مع النظام لن تؤدي إلى شيء، كما حدث سابقا، وأنها فرصة يستغلها الروس للاستعداد للمعركة وكسب مزيد من الوقت.

وهذا ما يجعلنا أمام كارثة إنسانية بحق بسبب هذا الخلاف، فالأتراك أعلنوا الجبهة منظمة إرهابية، وهو ما يعني احتمالية وقوع صدام عسكري بينهما رغم وجود تفاهمات وتنسيق كبير بينهما قبل ذلك، كما أنّ الجبهة تسيطر فعليا على معظم أنحاء إدلب، ما يعني معركة على نطاق واسع يخسر فيها الجميع ويكسب النظام وحلفاؤه، وبالتالي نصبح أمام المعضلة الآتية: هجوم منتظر للنظام والروس على المحافظة، وفصائل منقسمة على نفسها، جزء منها موالٍ للأتراك، وآخر رافض لها، وثالث ينسّق أمريكيا.

وهنا نصل إلى النتيجة الحتمية التي نسير إليها، وهي الحرب. فلا تنازلات حقيقية بين الأطراف ولا ثقة بينهم لتقديمها، وعليه سيعتمد حسم مصير إدلب على صوت البندقية، ونصبح أمام مأساة إنسانية على وشك الحدوث نتيجة حالة الضعف والتشرذم التي تحياها الأمة. اللهم إنّا نسألك السلامة والأمن لأهلنا في إدلب وسوريا.

اقرأ المزيد
٦ سبتمبر ٢٠١٨
هل تنتظر إدلب الغوص في "حمام دماء" قادم؟

منذ سقوط حلب نهاية العام 2016 ومناطق سيطرة المعارضة السورية في شرق البلاد وغربها ومن شمالها إلى جنوبها، تنتظر دورها إلى ذات المصير، وسط مشهد يطغى عليه طابع الاستسلام أو الرضوخ تحت وطأة الضغوط الدولية والإقليمية. في المقابل بدأ نظام الأسد يتقدمه الروس ومعهم الإيرانيون، أكثر جدية وسعيًا للوصول إلى كافة المناطق السورية الخارجة عن سيطرتهم، مستغلين بذلك موقف المعارضة الضعيف، وانكماش الولايات المتحدة وحلفائها من المشهد السوري، حتى الوصول إلى خطة "أستانا" التي كانت الطريقة المُثلى لخداع الفصائل السورية وتطويع الأتراك للوصول إلى تصفية للقضية السورية أو حلّ لها لصالح النظام.

كان مبدأ "أستانا" واضحًا لدى الروس، وهو تقسيم المناطق "المحررة" إلى إرهابية وغير إرهابية، واستدراجها -جميعًا- إلى المصير نفسه واحدة تلو الأخرى، فلا الغوطة سلِمت ولا ريف حمص الشمالي ولا درعا، وجميعها كانت تصنف على أن من فيها مسلّحين معارضين وليسوا إرهابيين -ليس بينهم عناصر من "النصرة" أو "داعش"-، وبالتالي يخضعون لاتفاق "خفض التصعيد". وبعد أن خسرت المعارضة جلّ مناطقها، تتجه أنظار السوريين إلى آخر حصونها "إدلب"، النظام يحشد إعلاميًا وعسكريًا، وتتفق موسكو وطهران معه بالتأكيد على أن الحسم في المدينة لا بدّ منه.

إذ صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن "الوضع القائم في إدلب لم يعد يحتمل ومن المستحيل إبقاء الحال على ما هو عليه"، وذلك بزعم أن "نظام وقف إطلاق النار في سوريا يتم انتهاكه يوميا من قبل الإرهابيين"، وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قال أيضًا إنه "يجب تطهير إدلب من المسلحين"، رابطًا إعادة إعمار سوريا وعودة اللاجئين والنازحين بسيطرة النظام على كل الأراضي السورية.

وبالرغم من هذه التصريحات فإن إدلب تمتلك خصوصية تزيد من التعقيد حول البتّ في مصيرها، أبرزها أن سياسة التهجير التي لجأ إليها النظام في المناطق التي سيطر عليها سابقًا، جعل منها خزانًا بشريًا لنحو أربعة ملايين مدني، ما يعني أن أي عمل عسكري قد يؤدي لكارثة إنسانية وموجات نزوح واسعة باتجاه مناطق أخرى، وبالرغم من تشديد الأتراك على خطورة هذه النتيجة، إلّا أن النظام السوري لم يتوانى سابقًا عن ارتكاب مجازر بشعة باستخدام صنوف الأسلحة، مستغلًا الضوء الضمنيّ الأخضر الذي منحه إيّاه المجتمع الدولي برعاية روسية، فما الذي سيمنعه من ارتكاب مجازر أخرى، لا سيما وأنه يعيش لذة "الربع ساعة الأخيرة قبل النصر"، كما قال وليد المعلم.

بالإضافة إلى ذلك، لدى إدلب خصوصية قربها من تركيا والاهتمام التركي منذ سيطرة المعارضة عليها بشؤونها المدنية والعسكرية، ما يجعل مصير المدينة مهما جدًا لدى أنقرة، التي تعتبر وصيّة عليها أيضًا ضمن اتفاق "أستانا"، لكن الأتراك اليوم وفي ظل خلافهم المتفاقم مع الأمريكيين وفرض التقارب مع الروس، لا يبدون قادرين على السير بعيدًا في ذات الاستراتيجية القديمة، حتى تصريحات وزير الخارجية جاويش أوغلو اقتصرت على التحذير من الكارثة الإنسانية المرتقبة حال حُسمت الأمور عسكريًا، وبعض التحليلات تشير إلى أن تركيا لن تمانع من عودة علاقاتها مع النظام في دمشق، شريطة الحصول على مكاسب سياسية لحلفائها المعارضين في أي حلٍّ سياسي منتظر، أو الإبقاء على بعضهم كوكلاء داخليين، عبر المجالس المدنية أو حتى الجسم العسكري.

الموقف الأمريكي الباهت اتضح في "تغريدة" ترامب بالتحذير من مهاجمة إدلب "بشكل متهوّر"، كما أن الرد العسكري -إن كان واردًا- سيكون مشروطًا بشن هجوم كيميائي، وطبيعة الرد لن تكون مغايرة لتلك التي تمت في نيسان الماضي، ببساطة الموقف الأمريكي الحقيقي يتضح بقرارات ترامب الأخيرة بوقف دعم فصائل المعارضة وإزالة الغطاء عنها، وجعل "قوات سوريا الديمقراطية" مشروع واشنطن في سوريا. ويعقد مشهد الحل في إدلب طبيعة الفصائل التي تسيطر عليها، والتي تندمج في جسمين، الأول هو "الجبهة الوطنية للتحرير" وعدد مقاتليه يقدر بـ 70 ألفًا، وتُعدُّ معظم فصائله من المعارضة المعتدلة، أي أنه من المتوقع أن تكون قابلية تطويعه لحل سياسي ممكنة، نظرًا لتفاهمهم مع الأتراك وما آلت إليه تجارب سابقة لفصائل قريبة في النهج كالجبهة الجنوبية مثلًا، ضمن سيناريوهات متشابهة وليست متطابقة.

أما "هيئة تحرير الشام" المصنفة لدى الأمم المتحدة "إرهابية" والتي يبلغ عدد مقالتيها حوالي 25 ألفًا، فإنها إن لم تقبل بالحل السياسي ستكون عرضة لجرّها إلى مصير مشابه لمصير تنظيم الدولة في الرقة، أو تعود إلى تموضع "تنظيم القاعدة" الطبيعي في تشكيل خلايا لشن هجمات في المناطق السورية. لن تتغيّر رغبة النظام في السيطرة على إدلب بأيّ ثمن، بل سيحاول الضامنون واللاعبون الاتفاق على تحديد طريقة للانتهاء من ملف المدينة، وعلى الأرجح ستكون الضغوط جميعها باتجاه الوصول إلى "حسم سياسي"، لا سيما وأنهم -تحديدًا الروس- في مراحل إعادة تأهيل النظام وإنعاشه وإعادة اللاجئين، ومن غير اللائق بالنسبة لهم أن تتم هذه المراحل بكثير من الدماء.

اقرأ المزيد
٥ سبتمبر ٢٠١٨
الى أين تأخذ إيران المنطقة؟

 خبر خطير جاءنا أمس، من شبكة «فوكس نيوز» حول نقل طائرتين تابعتين للحرس الثوري الإيراني الى لبنان أسلحة ل«حزب الله» ولمصنع أسلحة إيراني. أهمية الخبر أن من نقله شبكة فوكس نيوز شبه الوحيدة التي تحظى بترحيب ورضا الرئيس دونالد ترامب، الذي ينهال على باقي وسائل الإعلام الأميركية بالشكاوى وبوصفها أنها أخبار كاذبة fake news. فما نقلته «فوكس نيوز» عن مصادر استخباراتية يعني أن إسرائيل التي تضرب يومياً أهدافاً إيرانية في سورية، قد تضرب أيضاً مواقع «حزب الله» وإيران في لبنان.

لا شك أن مثل هذا الخبر مقلق جداً، لأن تعرض مطار بيروت أو أي موقع آخر لضربة إسرائيلية مع الضوء الأخضر الأميركي سيكون كارثة جديدة على لبنان. وكتب مسوؤل سابق في «موساد» أن إسرائيل الآن ستغير نهجها مع «حزب الله» وتعتمد دفع حليفها ترامب الى المزيد من العقوبات على «حزب الله» ولبنان. وهذا يعني أن لبنان على أبواب مأساة اقتصادية إضافية جديدة قد تؤدي الى كارثة حقيقية. فاليوم، والحكومة لم تتشكل بعد، وحليف «حزب الله» المسيحي الرئيس ميشال عون وصهره الوزير جبران باسيل يضغطان على الرئيس المكلف تشكيل حكومة بشروطهما، وقد يكون من الأفضل أن يستمر الرئيس المكلف سعد الحريري بالتجاوب مع مطالب الآخرين، «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، لكي يحمي لبنان من عقوبات أو ضربة تستهدفه، بحجة أن الرئاسة والحكومة والديبلوماسية كلها تحت سيطرة «حزب الله». وهذا خطر كبير على لبنان، خصوصاً في ضوء مثل هذه المعلومات حول سيطرة «حزب الله» على مطار بيروت ومرفأها.

ما تقوم به إيران في المنطقة، في سورية والعراق واليمن والبحرين، وأينما كان، هو نتيجة حروب وأزمات أعطت طهران فرصة للتدخل في جميع هذه الأماكن. ومن يراهن على أن روسيا ستخرج إيران من سورية لا يعرف ماذا يقول. فإيران التي حاربت لحماية بشار الأسد وللبقاء في سورية والتي مولت حرب «حزب الله» في سورية، لن تغادر هذا البلد الذي أصبح بالنسبة إليها كما كان لبنان تحت الاحتلال السوري. لكن سورية الآن تحت سيطرة روسيا وإيران. وبقاء روسيا في سورية وامتلاكها قاعدة هناك مهمان جداً لها ولموقعها العالمي.

وإيران أيضاً مستفيدة من بقائها مسيطرة على الأرض السورية لأنها تهيمن من هناك على البلد وتشارك في اختيار الشعب لمستقبل بلده وتضع وكلاءها السوريين في سورية المستقبل تماماً كما فعلت سورية في لبنان خلال سنوات الاحتلال. والسؤال إذاً: الى أين يأخذ الحرس الثوري الإيراني هذه المنطقة التي يهيمن عليها عبر «حزب الله» وبشار الأسد ونوري المالكي. إن التحذير الأميركي لجميع أصدقاء أميركا في لبنان إزاء عدم تسليم «حزب الله» حقائب خدماتية مثل الصحة أو أي حقيبة مهمة أخرى هو جدي. فإدارة ترامب لن تترك مطار بيروت ومرفأها يتحولان الى مركز نقل أسلحة إيرانية لـ «حزب الله». كما أنها لن تساعد دولة يسيطر على مؤسساتها الحكومية «حزب الله». ورغبة هذا الحزب في الإسراع بتشكيل الحكومة سببها أن الحزب يطمح الى شرعية مؤسساتية بعد هيمنته العسكرية في البلد. لقد اختار الرئيس في إطار تسوية بين سعد الحريري وميشال عون. فعون حليف «حزب الله» وهو الذي اختاره رئيساً لأنه يعطيه تغطية مسيحية أكبر. وخطورة هذا الحلف أن قراءة ترامب وحليفه الإسرائيلي أن لبنان تحت سيطرة الثنائي «حزب الله» والتيار الوطني الحر، حزب عون، وأنهما مسوؤلان عن العقوبات التي قد تضاف على هذا البلد المسكين لبنان.

أما تشكيل الحكومة فإذا تم بشروط هذا الثنائي فالمشكلة ستكون أكبر، والأحداث في لبنان لن تكون مشجعة. لذا المطلوب من الرئيس المكلف أن يحاول قدر الإمكان عدم التنازل لكل ما يريدونه، وإلا فإن لبنان سيغرق. الأفضل للحريري الانتظار وعدم الاستسلام. فإذا قرر الرئيس اللبناني إقالته والإتيان بأي مرشح آخر فلن يحصل على أي تأييد غربي والمساعدات لن تصل... هذا إذا لم يتعرض لبنان لضربات إسرائيلية.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
دور تمكين المرأة في مواجهة العنف الجنسي في مناطق النزاع: تحديات وحلول
أ. عبد الله العلو 
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
صمود المرأة ودورها القيادي في مواجهة التحديات
فرح الابراهيم
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
العنف الجنسي في حالات النزاع: تحديات وآثار وحلول ودور المرأة في هذه الظروف
أحمد غزال