مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٢ سبتمبر ٢٠١٨
حسابات تركيا المعقدة في إدلب

تبذل تركيا جهودًا كبيرة لتجنيب إدلب عملية عسكرية كبيرة يهدد بها النظام منذ أسابيع ويحشد لها القوات مؤخرًا. فالمنطقة، الرابعة من مناطق خفض التصعيد وفق مسار أستانا، باتت الملف الأول في أجندة عواصم الإطار الثلاثي الضامن لوقف إطلاق النار في سوريا، ومن المتوقع أن تكون أحد أهم ملفات القمة الثلاثية التي ستعقد في السابع من أيلول/سبتمبر المقبل في إيران.

تحظى المحافظة باهتمام تركي كبير لما تختص به من مميزات. فهي منطقة واسعة جغرافيًّا، ويقطنها حوالي أربعة ملايين إنسان وفق بعض التقديرات، غالبيتهم من النازحين إليها، وتتركز فيها فصائل عسكرية معارضة يقدر عددها بحوالي 100 ألف مقاتل، وهي المنطقة الوحيدة التي تسيطر عليها المعارضة المحسوبة عليها، إضافة لتواصلها الجغرافي و/أو قربها من مناطق النفوذ التركية في درع الفرات وغصن الزيتون، فضلًا طبعًا عن التواجد التركي الميداني في المحافظة عبر نقاط المراقبة الاثنتي عشرة.

بذريعة “تحرير” المنطقة من هيئة تحرير الشام، التمظهر الأخير للفصائل المحسوبة على “القاعدة” في سوريا، يهدد النظام بعملية واسعة وتدعمه روسيا في مساعيه. عملية كهذه ترفضها تركيا وتحاول قدر الإمكان تجنبها وتجنيبها، أولًا: لما ستسببه من كارثة إنسانية كبيرة بالنظر للكثافة السكانية المرتفعة، وثانيًا: بسبب موجات اللجوء والنزوح الكبيرة المتوقعة في حال حدوثها، والتي سيكون نصيب الأسد فيها لتركيا التي تستضيف حوالي ثلاثة ملايين منهم، ولا تريد عبئًا إضافيًّا. ولذلك فقد ركزت تصريحات أردوغان ووزير الخارجية تشاووش أوغلو على النتائج الكارثية للحملة المفترضة على إدلب وعلى مسار أستانا برمته.

هناك من يتوقع و/أو يريد جهدًا عسكريًّا تركيًّا مباشرًا لحماية المحافظة، على غرار عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، بيد أن أنقرة لا تريد ولا تستطيع ذلك لأربعة أسباب رئيسة على الأقل. فمن الناحية القانونية والسياسية لا تملك تركيا في إدلب نفس المسوغات التي قدمتها في العمليتين العسكريتين السابقتين خصوصًا وأنها منطقة غير حدودية معها. كما أنها لا تستطيع الوقوف أمام النظام في ظل سعيه لبسط سيطرته على “أراضيه” وهو المسعى المدعوم روسيًّا والمقبول دوليًّا في الفترة الأخيرة، فضلًا عن أن ذلك قد يضعها في سياق الدفاع عن “منظمة إرهابية” -هي هيئة تحرير الشام- ذريعة تدخل النظام وروسيا. وبالنظر لموازين القوى العسكرية فلا يمكن لتركيا أن تدخل في مواجهة عسكرية إذا ما كان طرفها الآخر روسيا، ويزيد من حساسية الموقف الحسابات السياسية مؤخرًا في ظل الأزمة مع واشنطن، وهو ما يبدو أن موسكو تستغله بشكل كبير للضغط على أنقرة في موضوع إدلب.

بناء على هذه المعطيات والحسابات الدقيقة، تبدو خيارات تركيا محدودة، أهمها وفي مقدمتها الجهد السياسي والدبلوماسي مع روسيا تحديدًا لتجنيب المنطقة مآلات التدخل العسكري. وتقوم المقاربة التركية على التوافق مع موسكو حول ضرورة خروج/إخراج “تحرير الشام” من المحافظة، لكن ليس بالضرورة من خلال المواجهة العسكرية. إذ تبذل أنقرة منذ فترة ليست بالقصيرة جهودًا غير مباشرة لـ”حل” الهيئة أو “تفكيكها”، بما قد يتضمن ترحيل المقاتلين الأجانب و”إذابة” عناصرها السورية أو معظمها في المحافظة وربما ضم بعض العناصر لـ”الجبهة الوطنية للتحرير” التي تشكلت حديثًا بتوحد عدد من الفصائل. ولاحقًا إدارة المنطقة مدنيًّا وأمنيًّا من خلال تلك الفصائل وبضمانات تركية أو ربما تركية ورسية وإيرانية وفق اتفاق سابق بينها، وهو سيناريو شبيه بما طبق في درعا مؤخرًا.

لكن وتيرة التصريحات الروسية تحديدًا بخصوص إدلب تشير إلى أن أنقرة قد لا تملك الوقت الكافي لبلورة هذا الحل وتطبيقه في ظل الضغوط الروسية عليها لإنهاء مشكلة الهيئة، ولعل حديث وزير الخارجية الروسي لافروف عن “محادثات روسية مع الولايات المتحدة بخصوص إدلب” تصب في معنى الضغط على أنقرة من جهة وفتح مصير إدلب على احتمالات إضافية من جهة أخرى.

في ظل هذه الحسابات، ولسحب الذريعة من يد روسيا والنظام، قد تضطر تركيا للقوة الخشنة، أي تدخلها أو تدخل الفصائل السورية المدعومة من طرفها ضد هيئة تحرير الشام. فقد كانت خطوة التوحد تحت اسم الجبهة الوطنية للتحرير موجهة بالأساس للنظام، لكنها أيضًا حملت معنى التمايز عن الهيئة وتهديدها ضمنيًّا بخطوات عملية ضدها في حال رفضت التعاون مع مسار الحل والتفكيك.

تدرك أنقرة بالتأكيد أن سيناريو المواجهة العسكرية مع الهيئة قد يخلط الأوراق في المحافظة ويفتح باب الفوضى فيها وأنه قد يكون له ارتداداته في داخل أراضيها إما انتقامًا و/أو تفاعلًا، ولذلك فقد كانت دومًا تتجنب هذا السيناريو ولن تذهب إليه -إن ذهبت- إلا مضطرة وبحسابات دقيقة مرة أخرى.

أما في حال شن النظام فعلًا عملية عسكرية في المحافظة، فمن المنطقي أن طبيعة الرد التركي ستعتمد على مستوى ووتيرة هذا التدخل، خصوصًا وأنها موجودة على الأرض من خلال نقاط المراقبة العسكرية. قد يكون الرد التركي عن طريق الجبهة الوطنية للتحرير تسهيلًا أو دعمًا، وقد تتدخل القوات التركية لحماية نقاط المراقبة وبعض المناطق المحاذية لها، لكن  -مرة أخرى- ليس من المتوقع أن يكون هناك تدخل تركي مباشر وواسع في حال كانت روسيا جزءًا من العملية العسكرية أو داعمة لها من الجو.

بكل الأحوال، تأمل تركيا أن تكون الظروف المختلفة لإدلب، وخصوصًا عدد مقاتلي فصائل المعارضة وتسليحهم وتدريبهم وتوحدهم مؤخرًا وصعوبة لجوئهم لأي منطقة أخرى بعد إدلب ما قد يعني استماتتهم في القتال، تأمل في أن تكون تلك الظروف عاملًا رادعًا للنظام عن شن حملته العسكرية التي يتوعد بها أو على الأقل تأجيلها، بما يفسح لها المجال الزمني لإنجاح المسار الدبلوماسي مع روسيا وبدرجة أقل إيران. لكن تركيا تدرك بالتأكيد أن هذه الاختلافات في النهاية “كمية” وليست “نوعية”، وبالتالي فهي غير قادرة على ضمان مصير مختلف لإدلب عن حلب والغوطة الشرقية ودرعا بالضرورة.

ولذا، تعول تركيا كثيرًا على عامل الزمن وعلى القمة الثلاثية المقبلة في إيران، إن لم تبدأ العملية العسكرية قبلها، لاجتراح حل بديل عن التدخل العسكري، لتثبت الأيام لاحقًا هل يكون حلًّا مستدامًا أو مؤقتًا لتعود بعده تهديدات النظام وروسيا أو خططهما البديلة.

اقرأ المزيد
١ سبتمبر ٢٠١٨
إدلب.. تركيا.. والمنعطف الأخير

لم يعد خافياً على كل متابع لما يجري بسورية اليوم، حقيقة انحسار وتراجع المعارضة السورية والفصائل المقاتلة، وتقدم قوات الأسد وبسطها السيطرة على مناطق شاسعة من الأراضي السورية.

البداية كانت من حلب بعد إخراج "أو خروج" المقاتلين منها وماتحمله حلب من أهمية ورمزية حظيت بها منذ بداية المظاهرات السلمية، حيث كان النظام يتباهى ويستقوي بعدم انضمامها للثورة كما يفعل اليوم بعد استعادتها ويعتبر هذا مؤشراً على بداية الانتصارات (!) واستعادة الأراضي من جديد.

خروج حلب من المعادلة كانت انعطافة جديدة وربما تكون بداية المنعطفات في انكسار الثورة السورية وتراجعها، وترجمة للقول المشهور "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض" حيث تتالت الثيران بعد حلب بالانهيار والاستسلام، وربما كان ثور الغوطة هو بداية النهاية الحقيقية وبعد ذلك لم يكن انهيار المنطقة الجنوبية بالأمر الصعب ولا المستحيل، لتبقى إدلب وهي الانعطافة الأخيرة لانحسار الثورة السورية وعودة النظام من جديد ليبسط قوته على كل الحدود والمنافذ البحرية والبرية.

 وهذا مؤشر خطير ويحمل كثيرا من المعاني والتكهنات بمستقبل الملايين من أبناء سورية الذين خرجوا مطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية، ومؤشر أيضا لمستقبل مناطق درع الفرات وغصن الزيتون التي لن يسكت النظام عنها، وستكون خطوته اللاحقة، بل وربما يتجرأ النظام "المنتصر" على إلغاء اتفاقية أضنة مع تركيا والعودة من جديد لدعم لحزب العمال الكرستاني لينتقم من تركيا أيضاَ.

ولم يكن خافياً على أحد أيضاً، أن الدور سيأتي على إدلب، وأن النظام لن يتخلى عنها، وخاصة بعد الإنجازات والانتصارات التي حققها من خلال الحصار وسياسة التجويع والتدمير وإرغام الفصائل على مصالحات المنهزمين في مناطق عديدة من سورية.

وهنا يحق التساؤل بل ويجب على كل متابع وسوري أن يسأل عن الخطة أو الخطوة التي أعدها المشاركون في هذه المفاوضات والمصالحات اعتباراً من الخروج من حلب مروراً بأستانة ومصالحات الغوطة وانتهاءً بمصالحات (!) المنطقة الجنوبية...

هل كان الخروج من حلب والغوطة وباقي الأماكن بناءً على وعود روسية، بأن إدلب ستكون ملاذاَ آمناً لهم!!؟؟ وأنه لن يتم التعرض لها!!؟؟ حتى مثل هذا التعهد - إن وجد - ما كان يجب أن ينطلي على المشاركين لأنه يخالف كل نواميس الكون وطباع الذين يجسلون معهم على طاولات المفاوضات...

أم كان الأمر هو مجرد عمل إسعافي سريع، الغاية منه الحفاظ على أرواح البقية الباقية وتأجيل موضوع إدلب لمرحلة لاحقة...!!؟؟

أي ترحيل المرحلة وربما تسويف المشكلة...!!؟؟

لا يحتاح الأمر لذكاء خارق أو عبقرية سياسية ولا لخبرة استراتيجية لمعرفة مستقبل إدلب وما ستؤول إليه الأمور بعد تمكن النظام من فك الخناق المحكم على رقبته في الغوطة من خلال تقويض الفصائل العسكرية هناك - التي اشتغلت وانشغلت بمحاربة بعضها بدل الاستعداد للمرحلة القادمة - استعادة النظام للغوطة وريف دمشق جعله يتنفس الصعداء ويتسعيد الثقة بالنفس لكي يستمر في خطته التي وصلت لأطراف محافظة إدلب اليوم...

تركيا، وعلى لسان رئيس الجمهورية ومنذ أكثر من شهر صرح بأن هناك أموراً تجري بسورية على عكس ما تريده وتتمناه تركيا، وأن هجوماً عسكرياً على إدلب سيقلب الطاولة في مباحثات أستانة وستعتبر بحكم الملغاة، كان بمثابة إشارة واضحة على ما يطبخ لإدلب وراء الكواليس، كما أن تصريح وزير الخارجية التركي بالأمس أيضاً أن الهجوم على إدلب سيفقدنا نحن ضامني أستانة الثقة بنا أمام بقية الاطراف، هو أيضا إشارة لعمق الخلاف التركي الروسي ووصول المباحثات لنقطة شبه مسدودة... مع العلم أن مراجعة بسيطة لكل ما حدث بمخرجات أستانة توضح أن الضامن الروسي والإيراني لم يلتزما ولم يضمنا سوى كل ما يحقق تقدم النظام وانتصاراته على حساب المعارضة والفصائل المشاركة بأستانة وتركيا الضامنة...

وهنا يمكننا التساؤل من جديد، ما هي الخطة الحالية للمعارضة وتركيا في مواجهة الحشود العسكرية وتطويق محافظة إدلب، واستعداد النظام والميليشيات الإيرانية لاقتحام المحافظة...!!؟؟

هل المجابهة والمقاومة...؟؟

أم الاستسلام والتصالح..؟؟

وما مصير من رفض وسيرفض الاستسلام والمصالحة... وإلى أين سيرحلون هذه المرة...!!؟؟

وما هو مصير غصن الزيتون ودرع الفرات بعد اجتياح إدلب!!؟؟

وهل ستعود قوات البي ي دي لعفرين من جديد وتبدأ بتهديد الحدود التركية؟؟

أسئلة كثيرة وكبيرة، معقدة وحرجة...

ريما يكون الموقف التركي هذه المرة في أضعف حالاته، حيث لم يلتزم الضامن الروسي بأي تعهداته، والضامن الإيراني يطالب تركيا علناً بالخروج من سوريا... روسيا تصر على  قهر المعارضة وإخضاعها للاستسلام، وأمريكا تريد الضغط على تركيا وإشراك قوات الحماية الكردية بالهجوم على إدلب مع قوات النظام... وكثير من المحلليين السياسيين الأتراك – مع الأسف الشديد - يطالبون الحكومة بالتقارب مع النظام وإنهاء الأمر كما يريد... متجاهلين عن قصد أو غير قصد أن النظام هو الذي كان يدعم حزب العمال الكردستاني لعقود من الزمن ضد تركيا، ومتناسين كيف سيكون الحال بعد أن يشعر النظام بالنصر والدعم الروسي والأمريكي له...

وهذا يقودنا لحقيقة طالما ذكرناها مرارا وتكرارا، وهي أن المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري لم تكن تملك الرؤية والخطط والبدائل تجاه كل المتغيرات والاحتمالات والانعطافات التي يمكن أن تعايشها الثورة السورية...

وما أحوج السوريين اليوم لامتلاك رؤية واضحة معلنة محددة...

إدلب هي الانعطافة الأخيرة ولا يزال أهل الأرض يملكون القوة التي قد تغير قواعد اللعبة...

فهل يمكن تدارك الأمر وقلب الطاولة...

أم أن إدلب ستكون بداية النهاية... وبداية مأزق جديد لتركيا، ومأساة وتغريبة جديدة لملايين السوريين...!!؟؟

اقرأ المزيد
١ سبتمبر ٢٠١٨
من ينقذ إدلب؟

كانت إدلب محافظة المدن المنسية التي طواها التاريخ، بعد أن تعرضت للدمار على مدى قرون، وهي أغنى مناطق سوريا بالآثار التي يزيد عدد مواقعها الشهيرة على خمسمائة موقع، كثير منها مسجل في لائحة التراث العالمي، وبعضها كشف للإنسانية حضارات كانت مدفونة تحت ترابها الخصب، مثل إيبلا (تل مرديخ) الذي غير معرفة الإنسانية بتاريخ مغيب لدولة كبرى من منتصف القرن الثالث قبل الميلاد، بسطت نفوذها على هضبة الأناضول حتى جنوب سيناء ومن وداي الفرات إلى شاطئ المتوسط، وهي أقدم من الإمبراطورية الآكادية، والمفارقة أن هذه المحافظة تخرج اليوم من هوة النسيان، لتصير موضع اهتمام دولي، لأنها قيد التعرض لدمار جديد بعد مرور أربعة آلاف عام على الدمار الأول الذي قام به نارام سين الآكادي الذي أحرق القصر الملكي في إيبلا، ودفن تلك الحضارة العريقة، واليوم تستعد روسيا وإيران والنظام السوري لإشعال حريق آخر بهدف استعادة تلك المنطقة التي ابتليت بوجود تنظيمات متطرفة اختطفت ثورة الحرية والكرامة وحاربت «الجيش الحر»، على نحو يواكب ما فعله تنظيم «داعش»، الذي كان ذريعة لقيام تحالف دولي لمحاربة الإرهاب، وكانت النتيجة أن الشعب هو الذي دفع الأثمان الباهظة، فقد تم قتل مئات الآلاف وتهجير وتشريد ملايين السكان.

ويبدو أن المجتمع الدولي الذي صمت عن مجازر الغوطة، ولم يتخذ موقفاً أخلاقياً أو قانونياً حازماً بعد الاستخدام المتكرر للكيماوي بدأ يشعر بخطر إمكانية استخدام الكيماوي في إدلب، والتصريحات والتسريبات الراهنة حول هذا الموضع قابلة لتفسيرين، أحدهما تهيئة لاتهام المعارضة باستخدام الكيماوي، وثانيها إثارة الملف من جديد ليكون تهيئة لاستكمال الملف الراهن والجاهز للإحالة إلى الجنائية الدولية مع اقتراب موعد الاستحقاقات الأخيرة التي يكشف عنها الإصرار الدولي على أن تكون جنيف والقرار 2254 محطة الحل النهائي.

ومع تحذيرات الأمم المتحدة من احتمال أن تواجه تركيا (ومن بعدها أوروبا) موجة نزوح جديدة قد تتجاوز 800 ألف إنسان، يصر الأميركان على تكرار تصريحاتهم بالحرص على أمن السكان، وعلى التفريق بين المعارضة المعتدلة القابلة بالحل السياسي، وبين المتطرفين، ويبدو أن الدول التي جاء منها المتطرفون رفضت عودتهم إلى بلادهم، وهي تفضل موتهم في إدلب على عودتهم ومحاكمتهم التي قد تكشف من الفضائح ما لاتريد كشفه، ومع أن بعض الدول المجاورة بذلت جهوداً لتفكيك تلك التنظيمات المصنفة إرهابية، إلا أن نتائج هذه الجهود لم تظهر إلى الآن، ربما بسبب الرفض الدولي لاستيعاب قادة وعناصر هذه التنظيمات وهم على الغالب من خارج سوريا، فأما المحليون من أبناء سوريا، فالحل بسيط لمشكلتهم، لأنهم على الغالب غير مؤدلجين، وإنما قادتهم ظروف الحرب والحاجة والجهل للدخول في هذه التنظيمات ولاسيما بعد أن تعرضت فصائل «الجيش الحر» لانهيار بعد هجوم المتطرفين عليها، وبعد توقف كل دعم عنها، فلم يجد بعض الشباب المقهورين غير هذه التنظيمات بديلاً يحتوي غضبهم.

ومن المتوقع أن تكون قضية إدلب محل تنازع دولي خلال شهر سبتمبر المقبل، ولن يكون سهلاً إنقاذ المدنيين إن لم تخرج تلك التنظيمات المتطرفة من إدلب، والخوف من أن يسارع الروس إلى الحل العسكري كما فعلوا في حلب، وهم اليوم يريدون الإسراع بإنهاء الملف السوري، وعودة اللاجئين والبدء بإعادة الإعمار لإعلان الانتصار الساحق، وربما يستلهمون ما نجحوا به مرحلياً في حوران والقنيطرة، ولكنهم حتى هذه اللحظة يخشون اللجوء إلى حل في إدلب ترفضه تركيا التي ستواجه مشكلة النازحين في حال حدوث هجوم كاسح، فأما النظام فهو مُصر على حل عسكري في منطقة جسر الشغور والغاب وجبل التركمان بخاصة، لكونها متداخلة مع ريف اللاذقية، لكن اشتعال النار سيهدد بشمولها كل أنحاء المحافظة، فضلاً عن امتداداتها إلى ريفي حماه وحلب، حيث نقاط المراقبة التركية، والخطر أن يتصاعد الصدام ويعزز احتمال تبدل خارطة العلاقات بين أقطاب أستانة، فضلاً عن احتمال تدخل أميركي وغربي مفاجئ سياسياً، وربما يكون خاطفاً عسكرياً لخلط الأوراق وقلب الطاولة، فالولايات المتحدة التي آثرت سياسة التخلي عن القضية السورية بدت في المرحلة الراهنة ترفع سقف تصريحاتها، ولم يأخذها السوريون مأخذ الجد، بعد الخذلان الذي تعرضوا له في حوران (وكانت الولايات المتحدة هي الضامنة)، ولكن السوريين الذين يترقبون ما سيحدث في إدلب بحذر وريبة، ويخشون دخول النظام إليها خشية فظاعة الانتقام، يرغبون أن تخرج التنظيمات المتطرفة الغريبة عن بلدهم وعن سلوكهم، ويعملون على تشكيل مجالس حكم محلية تقنية بإشراف الضامن لمرحلة مؤقتة ريثما تنعقد جولة جنيف للحل النهائي التي ستشهد ولادة المرحلة الانتقالية، ويطبق فيها القرار 2254.

اقرأ المزيد
١ سبتمبر ٢٠١٨
هروب الأسد وروحاني إلى «إدلب»

 لم تعد إدلب ملجأً لمعارضي الأسد من مقاتلي الفصائل المسلحة فحسب، ولا هي فقط التجمع السكاني الأكبر لحاضنة الثورة الشعبية، ممن رفضوا التسويات التي أجبرت عليها مناطق حمص وحلب وريف دمشق ودرعا، وليست إدلب «المنطقة المحررة» الأخيرة التي يريد نظام الأسد استرجاعها تحت سيطرته، لاستكمال مشروعه بإعادة إنتاج نفسه أمام المجتمع الدولي، كما أنها ليست فقط المجال الحيوي لتسوية دولية تجمع بين روسيا وتركيا، مقابل بقاء الأخيرة كضامن لقبول المعارضة إملاءات التسوية الروسية في مساري»آستانا» و»سوتشي»، في مواجهة الحلف الأميركي - الغربي، لقلب الطاولة على المسار الأممي في جنيف المدعوم بقرارات دولية لحل الصراع في سورية... إدلب في حقيقة الأمر هي ذلك كله وأكثر، إلا أنها أيضاً في هذا الوقت، هي طوق النجاة الذي يبحث عنه كل من الأسد وروحاني إيران، في مواجهة حملة الترحيل المستعجلة التي تعلنها الولايات المتحدة الأميركية عليهما.

فحيث يبني النظام السوري قدراته على تأخير الحل السياسي المبني على بيان جنيف1، ولاحقاً القرارات الأممية ومنها القرار 2254، وإرادة الولايات المتحدة الأميركية التي أعلن عنها وزير خارجيتها «أن ما يحدث في سورية حرب أهلية ويجب ألا يكون للأسد مستقبل في أي حل سوري مقبل»، ما يجعل وسيلته لتمديد بقائه في السلطة استمرار وجود المعارك البينية مع المعارضة من جهة (وهذه يمكن القول إنها انتهت مع آخر معاركه في درعا)، قبل عملية التسوية الروسية مع الفصائل، وأيضاً معاركه ضد الإرهاب المتمثل في كل من «داعش» وجبهة «النصرة»، وهو يدرك تماماً أن الحل السياسي المقبل يعني إنهاء شكل النظام الحالي بكل ما يمثله، بدءاً من رأس النظام، وانتهاء بشكل الجيش، وبنية الحكم، وطبيعة الانتخابات التشريعية والرئاسية، أي أن استمراره زمنياً ووظيفياً مرتبط:

أولاً، بقدرته على استثمار الوقت اللازم «محلياً» لإعادة تأهيل المناطق التي استولى عليها النظام، مما سُمي سابقاً «مناطق خفض التصعيد»، عبر عملياته القتالية التي استبقت فرض التسويات الاستسلامية للفصائل المسلّحة، ومن ثم قبول بعض تلك الفصائل بدخولها مرحلة التدجين، تحت مسميات تحوّلها إلى شرطة محلية، أو تطوعها في خدمة الفيلق الخامس ذي المرجعية الروسية، أو اندماجها مع الفرقة الرابعة ذات التبعية الإيرانية، وهذا يعني إعادة تنشيط حاضنته الشعبية وتوسيعها أيضاً.

ثانياً، استمرار المعارك في سورية تحت شعار محاربة المتطرفين، لاستثمار الوقت «دولياً» والحاجة الى النظام السوري كقوة مقاتلة على الأرض، تعمل وفق التوجهات الروسية من جهة، وبما يتوافق واتفاقات خفض التصعيد الموقعة في آستانا بضمانة كل من روسيا وتركيا وإيران، التي تتيح للنظام استمرار ادعاء شن الحرب على المتطرفين في أي منطقة في سورية، من جهة ثانية، ما يعني أن شرعية استمرار النظام الحالي يستمدها من شرعية معاركه المفتعلة ضد ما يسمى المتطرفين في «النصرة»، ومن هو في سياق المتحالف معها، ومن هنا يمكن القول إن ظهور أمير النصرة «الجولاني» في المناطق التي يريد النظام إدارة معركته ووقته الأطول فيها، هو خدمة جلية ومأجورة وواضحة لإمهال النظام وتمكينه من تلك المعارك عسكرياً، قبل خوضه معركة التفاوض سياسياً، ما يجعل من إدلب الملجأ الأخير لـ»الأسد» ليهرب إليها من تسارع الوقت الذي تفرضه الولايات المتحدة على روسيا لإنهاء الصراع في سورية وفق مسار جنيف الأممي.

أما النظام الإيراني الذي يراهن ليبقي على وجوده في سورية، ومعركة إدلب هي فرصته الأخيرة لخوض معركة بقائه في المعادلة، ومن خلالها في المنطقة عبر أذرعه الميليشياوية الطائفية، بزعم أنه جاء بطلب من الحكومة السورية، وهو ما نفاه الأسد في لقائه مع قناة «روسيا اليوم» في 31 أيار (مايو) الماضي، معتبراً أن دعوته اقتصرت على القوات الروسية فقط. ورفضت إيران الانسحاب في تصريح لوزارة خارجيتها في (21 أيار 2018)، رداً على دعوة الرئيس بوتين كل القوات الأجنبية للخروج من سورية، مؤكدة عكس ما صرح به الأسد لاحقاً، «بأن وجودها هو بناء على طلب من حكومة دمشق»، ومن ثم إعلان روسيا عجزها عن تأدية التزاماتها بإقناع إيران بالانسحاب. ما وضعها أمام مأزق شرعنة وجود قواتها دولياً، واضطرارها لأن تختبئ في عباءة النظام تارة، وتحت ظل اتفاقات آستانا وثغراتها القانونية تارة أخرى، لتمدد من ضرورة بقائها كقوة حليفة في الحرب على التطرف الذي تمثله جبهة «النصرة» في إدلب.

وسواء بقصد تسريع الحل في سورية، أو إزاحة إيران من المشهد تنفيذاً للمطالب الأميركية - الإسرائيلية والعربية، فإن تصريحات موسكو عن عدم قدرتها على إلزام إيران بالخروج من سورية، هو في مثابة الضوء الأخضر للإدارة الأميركية في إعلان حربها على إيران اقتصادياً وعسكرياً، حتى عندما تكون الضربات مموّهة بالهوية الإسرائيلية، والتي تقف روسيا صامتة تجاهها، على رغم منظومات دفاعها الجوية التي أخذت وضعية الصمت المريب، الذي لم تتجاهله إيران على ما يبدو، وأسست لعرقلة اتفاقات حليفها الروسي بوتين مع نظيره الأميركي ترامب، عبر الدخول في حروب متتالية تصنع لها مسببات تأجيل عملية ترحيلها من سورية، والمنطقة عموماً، وتأجيج الخلافات الداخلية بفعلها، أو بفعل أذرعها كما يحدث في لبنان واليمن.

من هنا، يمكن فهم تصريحات وزير الدفاع الأميركي منذ يومين، بأن خروج إيران من سورية «ضمانة لنزع العامل الأقوى في زعزعة الاستقرار في المنطقة»، والتي تأتي في سياق تأكيد النقاط 12 التي طرحها مايك بومبيو في أيار الماضي، ومنها الانسحاب من سورية، وإنهاء دعم إيران للميليشيات الطائفية، ومنها حزب الله في لبنان والقوى الطائفية في العراق، والحوثيون في اليمن، ما يعني خروج الأمر بما يتعلق بإيران من مجال التفاوض عبر وسيط (الروسي)، إلى رحاب الرسائل الجدية من قوى التحالف الغربي - الأميركي، الذي يستعرض قواه في الطرف المقابل للحشود الإيرانية وقوات النظام في إدلب.

ويأتي هذا التصعيد على جانبي الصراع الدولي، ليس من باب التقليل من حجم التفاهمات الروسية - الأميركية، بما يتعلق بحل الصراع في سورية، وإنما ضمن سلسلة الإجراءات المتفق عليها بين الجانبين، والتي تمر بحالة استعصاء أحياناً، بسبب «الوهم الروسي»، الذي رافق بداية الاتفاق مع الجانب الأميركي، حول قدرتها على عقد اتفاقات تتعلق بمصير إيران في سورية، وإلزام النظام السوري بكامل رموزه الاتجاه خلف الإرادة الروسية في تبني الحل السياسي، الذي يعتمد مبدأ التسويات، مقابل التغيير السياسي الهادئ عبر الدستور، والانتخابات، وخروج القوات الإيرانية، بضمانة الوجود الروسي، «كشرطي منطقة» لا يخرج في اجتهاداته عن سيناريوات الحل التي تضمن مصالح القوى المتصارعة، وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية، بما في ذلك ما يتعلق بعقود الإعمار التي أوقف ترامب تدفق فاتحات الشهية عليها، التي وزعتها روسيا على أوروبا، تحت مسمى عودة اللاجئين وتوطينهم.

اقرأ المزيد
٣١ أغسطس ٢٠١٨
حشود أمريكية وتحذيرات روسية

حشود امريكية في الخليج العربي والمتوسط تتباين الرؤى حول اهدافها تارة النظام السوري وحلفاؤه في سوريا بذريعة استخدام الاسلحة الكيماوية في حال اندلاع معركة ادلب او ردعه عن فعل ذلك؛ وتارة بان الهدف تدعيم قوة الردع الاسرائيلية في حال اندلاع مواجهة مع حزب الله وايران؛ واخرى بهدف توجيه ضربة للمفاعلات النووية الايرانية.

الحشود بحد ذاتها تحمل خطرا كبيرا من احتمال تحول أي مواجهة الى حرب اقليمية تمتد من البحر الاحمر واليمن الى الخليج العربي فسوريا ولبنان والعراق وفلسطين؛ فكلها باتت بؤرا ساخنة واي حشود اضافية تجعل من امكانية توسع المواجهة او رفع مستوى السخونة في بؤر التوتر واردة جدا.

روسيا وعلى لسان وزير دفاعها حذرت من امكانية توجيه ضربة عسكرية للنظام في حمص وحماة ومحيط ادلب بحجة استخدام النظام للسلاح الكيميائي؛ خصوصا بعدما تكاثرت التحذيرات والحديث عن السلاح الكيميائي في الآونة الاخيرة ما دفعها الى البدء بحملة اعلامية استباقية وحشد بعض قطعها في المتوسط على امل احباط أي توجه امريكي لإحياء التحالف الثلاثي (الفرنسي البريطاني الامريكي) لتوجيه ضربة ثلاثية جديدة خصوصا أن الرئيس الفرنسي ماكرون عاد ليتحدث عن مستقبل الاسد واستحالة بقائه في السلطة بحماسة شديدة.

التحرك الامريكي على الرغم من ارتباطه بسياق اقليمي يهدف لممارسة المزيد من الضغوط على ايران وحزب الله؛ فإنه يبدو للمراقب استعراضا للقوة في المنطقة يهدف الى تعظيم اوراقها التفاوضية واستعادة زخم حضورها في الاقليم مع اقتراب موعد عقد محادثات جديدة في جنيف والاستانة؛ بل وانعقاد جلسات الجمعية العامة في الامم المتحدة؛ كما ان المتغير الداخلي حاضر.

فترامب يهدف لاستعراض قوته في الداخل الامريكي وقدرته على الفعل و التاثير امر ليس مستبعدا فتحقيق انجازات بعد ان تعثرت سياسته تجاه ايران بسب الممانعة الصينية الروسية التركية الاوروبية بات ملحا؛ خصوصا بعد تفجر ازمة الثلاثاء الاسود التي تبعت ادانة رئيس حملته الانتخابية مانفورت وشهادة محاميه كوهين واقتراب موعد انتخابات الكونغرس الامريكي في تشرين الثاني القادم.

تختلط الاوراق المحلية والاقليمية بشكل غير مسبوق لتنتج سياسة متناقضة تحمل العديد من المفارقات الغريبة؛ فسحب حاملات الطائرات والقطع البحرية من جنوب شرق اسيا وبحر الصين الجنوبي كشفت عن مخاوف من خلق فجوة امنية واستراتيجية تتيح للصين توسيع نشاطاتها في المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي؛ امر دفع احد القادة العسكريين في البنتاغون وعلى غير العادة الى التحذير من هذا الفراغ الاستراتيجي كاشفا عن تباين وخلافات في الرؤى بين ما يطرحه ترامب وطاقم ادارته وبين مصالح امريكا المشدودة ومتطلبات الامن الاستراتيجي الامريكي.

فترامب يخوض صراعات على كافة الجبهات ويخلق المزيد من بؤر التوتر دافعا القوى الدولية والاقليمية الى مزيد من التحدي لإرادته السياسية والامنية؛ فايران تستعرض قوتها بشكل اكبر في الخليج العربي وتهدد بإغلاقه والصين تتعاقد مع سفن ايرانية لتصدير النفط اليها وتوسع نشاطها في المحيط الهندي ونيبال وبحر الصين الجنوبي؛ وروسيا تتحرك اعلاميا ودبلوماسيا في سوريا وغرب اسيا لإحباط وامتصاص اثار أي هجوم امريكي على النظام السوري.

التخبط سمة اساسية للسياسة الامريكية الفاقدة لاستراتيجية ثابته فهي تتحرك على وقع احباطات ترامب الداخلية والخارجية لتزيد من حدة الاستقطاب والعزلة فاتحة الباب لمزيد من التراجع في مصداقيتها؛ ففرنسا المتحمسة للسياسة الامريكية الجديدة تجاه سوريا تعيش مفارقة كبيرة بتمسكها بالاتفاق النووي الايراني 5+1 ما يجعل من التحالف الامريكي الفرنسي في الملف السوري فاقدا لمعناه استراتيجيا؛ فكل طرف له اهداف مغايرة للآخر؛ فهو تحالف آني لا مستقبل له بين حلفاء لا يثقون ببعضهم البعض.

الكثير الكثير من التناقضات والمفارقات والثغرات يمكن اكتشافها بسهولة في الاستراتيجية الامريكية الجديدة التي تقودها ادارة ترمب لتفتح شهية القوى الطامحة والصاعدة لتحدي الارادة الامريكية؛ لعلمها بمقدار سطحية وهشاشة الاستراتيجية الامريكية وقصر نظرها وقصورها الاستراتيجي والتكتيكي سواء على صعيد التحالفات او التحركات التكتيكية؛ اذ انها تتحرك على بحر من الازمات الداخلية والخارجية.

اقرأ المزيد
٣١ أغسطس ٢٠١٨
مظلة أمريكية لدويلة إرهابية في شرق الفرات

مع انتشار مشاهد تركيب الولايات المتحدة نظام رادار إلكتروني في عين العرب والحسكة، اللتين يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني وذراعه في سوريا وحدات حماية الشعب، عاد إلى الأذهان شمال العراق مطلع التسعينات.

فخلال حرب الخليج الأولى، أرست الولايات المتحدة أسس "الدولة الكردية" الحالية، عبر وضع شمال العراق تحت الحماية. وسعي واشنطن لتطبيق النموذج نفسه في شمال سوريا يذكرنا بتلك الأيام.

تستهدف الولايات المتحدة أولًا تركيا من نظام الرادار الذي أسسته في مناطق سيطرة وحدات حماية الشعب. لا أحد يمكنه إنكار هذه الحقيقة على حد اعتقادي.

نظام الأسد يشكل خطرًا أقل مما يُعتقد بالنسبة للولايات المتحدة. كل المخططات بخصوص شمال سوريا تستهدف أنقرة، وليس نظام الأسد.

نظام الرادار المذكور جزء فقط من التحضيرات الأمريكية ضد تركيا. فهناك عشرات القواعد ومعسكرات التدريب الأمريكية في شرق الفرات، يتلقى فيها عناصر وحدات الحماية تدريبات لمواجهة تركيا.

الولايات المتحدة تؤسس جيشًا إرهابيًّا على حدودنا، وتواصل إمداد حزب العمال بآلاف الشاحنات من الأسلحة والعتاد. علينا ألا ننسى أن كل حركة في شمال سوريا تستهدف تركيا وليس إيران أو روسيا أو الأسد..

هناك تحضير لعملية حصار عسكرية ضد تركيا على حدودنا الجنوبية، والولايات المتحدة تستعد لإغلاق المنطقة أمام الطيران التركي، لمواجهة التدابير الدفاعية التي اتخذتها أنقرة عبر عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون.

أقدمت الولايات المتحدة على خطوة أخرى تحت مظلة وحدات حماية الشعب، عندما أعلنت تركيا أنها ستطهر غرب الفرات وشرقه من الإرهاب، وعندما أظهرت عزيمة عسكرية على ذلك، وعندما نفذت عمليات جوية ضد حزب العمال في سنجار.

ستعمل الولايات المتحدة، من خلال تأسيس نظام الرادار الإلكتروني في شرق الفرات، على إبعاد تركيا عن هذه المنطقة. منطقة حظر الطيران في شمال العراق بالتسعينات أثمرت عن دولة البارزاني.

بعد عشرة أعوام ستظهر دويلة أخرى على حدودنا الجنوبية! ستحاول الولايات المتحدة إنهاك وتخويف تركيا عبر الهجمات الاقتصادية، وستسعى لإجبارها على تقبل "إسرائيل ثانية".

القبول بدويلة إرهابية في غرب الفرات وشرقه يعني تخلي تركيا عن جزء من ترابها، والجميع يدرك هذا التهديد. لم يعد من الممكن خداع أنقرة، أو السيطرة عليها من خلال ترهيبها.

تركيا لن تسمح بإنشاء دويلة لا في شرق الفرات ولا في غربه. ستدرك الولايات المتحدة هذه الحقيقة قبل مرور وقت طويل، وسترى كيف ستشتت تركيا ذلك الجيش الإرهابي الذي أعدته واشنطن ضدها.

اقرأ المزيد
٣١ أغسطس ٢٠١٨
سورية والحاجة إلى تعلّم السؤال

يحتاج التحوّل في الوعي المجتمعي الذي بات أكثر ما نحتاجه في سورية إلى بعد زمني لإنجازه، فيما لو توفرت إمكانات إنجازه، وهو طريق وعر، فيه عثرات ومعوقات ومبرّرات لليأس والتراجع كثيرة، خصوصا في بداياته، حيث الوعي مضلل بالشعارات والخطابات الحماسية العاطفية الانفعالية. والصدور، بسبب حجم العنف والظلم الممارس عليها، مليئة بالغلّ والضغينة والرغبة في الانتقام. وكلما طال أمد العنف والتنكيل وتهديد الوجود، زاد معه تمكين الوعي الزائف في العقول، بل ازداد تعطيل التفكير المنطقي والرفض للاحتكام إلى العقل أو تحليل الأدوات التي يمدّ الواقع بها.

سورية الحالية شبيهة بلعبة الـ "بازل"، تغييب قطعة أو أكثر في أثناء تركيب المشهد لن يظهر المشهد كما هو في الواقع، كما أن وضع قطعةٍ مكان قطعةٍ يستوعبها الفراغ نفسه سيزيد في تشويه الصورة وغموضها. وما يحصل اليوم هو لعبة البازل بهذه الطريقة التي لا يمكن أن تساهم في صناعة الوعي العام، بل ستزيدُه تأزمًا وارتباكًا، ما سيولّد توترًا وغضبًا وانفعالاً إضافيًا، وبالتالي سيزداد الانزلاق نحو ممارساتٍ لا تخدم هدف الثورة أو الغاية منها.

لا يمكن إنكار ما جرى للحراك السوري من تشويش، وانتزاع لهويته وحرفٍ لمساره حرفًا دراماتيكيًا، ما أدّى إلى زيادة الشرخ بين مكونات الشعب، وخسارة الثورة المرجوة قسمًا من مؤيديها، بدلاً من زيادة القاعدة الشعبية وعدد الملتحقين بركب الحراك ونشدان الانقلاب على الواقع.

صار الحديث عن طغيان النظام مكررًا من دون طائل، سنوات أوشكت أن تكمل الثماني، كافية لتشكيل جيلٍ بوعي مغاير، وبهموم واهتمامات أخرى، جيل أنضجته نيران الحرب قبل أوانه، من حقّه أن يطرح أسئلته الوجودية، وقد صار مرتهنًا للسلاح على مساحة أرض سورية، متنازلاً طوعًا أو إكراهًا عن أحلامه وطموحاته، فهل يمكن أن يُبنى وطن المستقبل بخبرات السلاح والمعارك والحروب فقط؟

نقد الأداء السياسي والعسكري والتفاوضي للجماعات المعارضة، كما نقد إدارة المناطق الواقعة تحت سيطرة أطراف معارضة للنظام، وقد تكون معارضة لبعضها بعضا، لا يعني الوقوف إلى جانب النظام، أو تأييد طرف دون آخر من المتنازعين، بل هو أمر صحي بالنسبة لحركات التغيير والحركات الثورية، وهذا جدير بالوقوف عنده، فالنظام الذي انتفض الشعب في وجهه صادر الماضي، وصار مقروءًا بدقة، أما التعويل فهو على من يصنع المستقبل، يحقّ لهذا الجيل الذي خسر الكثير في هذه الحرب، وتعطلت سنوات عمره المنتج، أن يسأل عن مستقبله، وأن ينتقد أداء وممارسات الجهات التي تصادر مجاله الحيوي، وتمارس دورها القيادي، بل تحتكره وفق أجنداتٍ قد لا تكون مقروءة أو واضحةً بما يكفي، فالشفافية مطلوبة، والإعلان وكشف الأخطاء التي تصل، في بعض منها، إلى درجة الارتكابات، أمر يخدم الثورة ولا يدينها، فالثورة، وإن اتسمت بالفوضى والغوغائية وعدم اتضاح الرؤية أو المنهج، بالنتيجة هي مفهوم مبنيّ على قيم أخلاقية، فالعدالة والحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص واحترام الواجبات وصون الحقوق والعيش المشترك والأفكار والمعتقدات، وأمور كثيرة غيرها، هي في المحصلة منظومة أخلاقية وقيمية، ومؤسِّسة لبناء مستقبلي متين. وهي بحسب المفكر عزمي بشارة: "الثورة.. فضيلة الانحياز والخطيئة"، انتفاضة المظلومين ضد نظام قائم، وليست صراعًا بين الأخيار والأشرار. لكن يجب ألاّ يُترك الحراك رهنًا للصراعات والأجندات والمصالح، حتى لا يفقد قيمته وزخمه، ويضيع بوصلته، ويتحوّل إلى صراع بالفعل بين أخيار وأشرار، مع التحفظ على القيمة الدلالية التي يحملها مفهوم الخير والشر، فقد تغيّرت دلالات المعاني في كثير منها بعد أكثر من سبع سنوات على النزيف السوري، وصارت تحمل الضّدين، بعدما انقسم الشعب بين مؤيد للحراك ومؤيد للنظام، وأصبحت الأخلاق مفهومًا مطواعًا يأخذ شكل القالب الذي يحتويه، والكل يربطها بالوطنية التي يفصّلها أيضًا على مقاس عقيدته، ويقصي الآخر خارجها.

عندما نرى أن انتفاضة المظلومين ضد نظام ظالم قد فتكت بها أنظمةٌ بديلةٌ واعدة، ومارست كثيرا من سلوك الطغيان الذي مارسه النظام القمعي الشمولي عقودا، فلا بد من النقد، والنقد المؤسس لوعي، وليس النقد من أجل التشهير والتجريح. وإذا لم يُفهم النقد المؤسّس للوعي على أنه من ضرورات الثورات أو حركات التغيير، وأن اللازمة في أي مدونة أو خطاب نقدي ليس بالضرورة أن تكون افتتاحيتها بتعداد جرائم النظام وشتمه ولعنه، حتى تحظى بالمصداقية، وتكون مقبولةً، كما أنها ليست ضرورة تاريخية لضمان زخم الثورة، فإن الثورة ستبقى في أزمةٍ، وستفقد وهجها ومناصريها. هذا منطق الأشياء، فهناك جيل سوري يتشكّل، جيل يولد من رحم الآلام والتصدّعات الروحية والنفسية والمجتمعية، جيل تغيّرت مفرداته ومنظومات وعيه ومفاهيمه، سوف يبحث عن مساره الخاص، وهذا من حقه. ومن واجبنا أن ننفتح عليه، ونفهم ما يريد، وهل كان فعلاً ملّ من الكلام المكرور واللغة الخشبية، ومن طغيانٍ يعيد تشكيل نفسه، أو يتناسخ من الصورة الأولية، لتذهب دماء هذا الشعب هباء؟

عندما قال جيفارا: يجب تحويل المجتمع بكامله إلى مدرسة عملاقة، أظنه كان يقصد أن عملية الوعي يجب أن يُؤسس لها، ويتشارك الجميع في العملية التربوية والمعرفية المنشودة، وإذا لم يكن أساس التربية هو تعليم التفكير النقدي، ومهارات طرح الأسئلة، فإن التغير المنشود سيبقى بعيد المنال في سورية، بكل مناطقها، بعدما آلت بنا التجارب المريرة إلى أن نحكي عن سورية بأجزائها، وليس بكليتها، ولا ضير من الإقرار بهذا الواقع، بل الإقرار به ضروري، من أجل أن تمتدّ تلك المدرسة العملاقة على مساحات الأجزاء كلها، وأن يكون السوريون جميعهم، في كل أنحاء سورية، ممن بقوا وممن هجروا، الهدف المنشود لتلك المدرسة العملاقة. نعم، السوريون كلهم، فهم ليسوا معارضة وموالاة، بل هم شعب كامل تعرّض لأبشع عملية انتهاكٍ لمقومات أمته المنشودة، من حقه أن يعيش ويصنع حياته، وكي يصنعها لا بد من أن يفهم.

اقرأ المزيد
٣١ أغسطس ٢٠١٨
«الغرق» الروسي يمدد الوجود الإيراني في سورية

 حصل فلاديمير بوتين من دونالد ترامب على تفويض للتصرف بالملف السوري، من دون إسقاط الشروط الأميركية للتسوية النهائية للأزمة. المؤشّر الأول للتفويض جاء من عودة بعثة الأمم المتحدة إلى الجولان وموافقة إسرائيل على وجود شرطة روسية في المنطقة الفاصلة بينها وبين قوات النظام. وتمثّل المؤشّر الآخر في ما تردّد عن «اتفاق مبدئي» بين الرئيسين على إخراج الإيــــرانيين وأتـــباعهم من سورية، ولم يعلن هذا الاتفاق رسمياً ولا أي اتفاقات أخرى، لكن حديث طهران للمرّة الأولى عن شروط انسحابها عنى أن هذا الاحتمال بات قيد الدرس والتداول. الإسرائيليون يعتبرون أن بشار الأسد الذي طلب من الإيرانيين مساعدته هو مَن سيطلب منهم المغادرة. وكـــــان تردّد أن الرئيس الروسي طلب من رئيس النظام السوري وضع هذا الاســـــتحقاق في حسابه. سبق أن تلقّى الأسد في الشهور الأولى من هذه السنة طلبات أميركية وإسرائيلية مماثلة عندما كانت «حرب إسرائيلية - إيرانية» في سورية حديث المنطقة. هذه الحرب باتت مستبعدة في سورية وتظلّ احتمالاً قائماً ضد «حزب الله» في لبنان بسبب ترسانته الصاروخية.

في ذلك الوقت، تكرّرت الإنذارات للأسد، إذ اتهمته إسرائيل بأنه يدعم «شخصياً» الاستعدادات الإيرانية وهدّدته بأنه سيدفع الثمن «شخصياً» أيضاً. وعندما راجع مبعوثوه الأميركيين سمعوا التحذيرات ذاتها، لكنهم فهموا كذلك أن «التعاون» خيار مفتوحٌ أمامه إذا حسم موقفه من إيران وإذا أراد إنقاذ سلطته ونظامه. لم يهمل النظام هذا العرض الأميركي (- الإسرائيلي) لكنه لم يعتبره عاجلاً، ومع خشية النظام من حصول مواجهة إيرانية - إسرائيلية كان يعتقد أن الروس لن يسمحوا بتوسّعها داخل سورية وسيتدخّلون لاحتوائها، وبالتالي يمكنه أن يستفيد من تلك المواجهة لأن وقفــــــها سيستدعي اتصالات دولية لا بدّ أن يكون هو جزءاً منها، ما ينعش «شرعيته» التي يتعطّش إليها منذ بدأ يلهج بـ «الانتصارات» التي يحقّقها له الروس والإيرانيون. بعد الضربات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا (14/04/2018) لمعاقبة النظام على قصفه دوما بالسلاح الكيماوي، وقبل أن يستدعي بــــوتين الأسد إلى سوتشي (17/05)، كان ترامب أعلن في الأثناء الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي (08/05) وبدأت الغارات الإسرائيلية المركّزة على المواقع الإيرانية ثم تكثّفت بالتزامن مع عودة بنيامين نتانياهو من روسيا بعد لقائه مع بوتين.

لم يعد سرّاً مدى ارتباط الضربات الإسرائيلية بالاتصالات والتنسيقات السياسية، وإذ لم تعد كثيفة ومتواصلة إلا أن وتيرتها شبه اليومية مستمرّة وسط تعتيم إعلامي. لا شك في أن الإيرانيين عزَوا، قبل سواهم، فاعلية الضربات واستهدافاتها إلى أن خريطة انتشارهم ومواقعهم العسكرية لم تتوفّر للإسرائيليين بفعل الرقابة الجويّة والتجسس الميداني فقط، بل وُفّرت لهم إحداثياتها الدقيقة. ففي بعض الهجمات مثلاً قُصفت أبنية (كما في مطارات المزّة والنيرب والشعيرات) يشغلها الإيرانيون ولم تتأثر أبنية مجاورة لقوات النظام أو أخرى يستخدمها الروس. هل يُستَنتج من ذلك أن البنية العسكرية الإيرانية في سورية زُعزعت، أو أن الضربات الإسرائيلية كافية لإشعار الإيرانيين بضرورة الانسحاب؟ طبعاً لا، لكن المؤكّد أنهم اضطرّوا لتقليص وجودهم وطيّ خططهم في جنوب سورية، إذ زادت روسيا اهتمامها بهذه المنطقة لتفادي احتمالات المواجهة مع إسرائيل، فكثّفت وجود شرطتها فيها إلى جانب «الفيلق الخامس» الذي بات يعتبر «جيش روسيا» المستقل عملياً عن قوات النظام، وإن لم يُثبت الروس حتى الآن أنهم أرادوا/ أو استطاعوا أن يبثّوا في أفراده «أخلاقية» قتالية مختلفة عن «شبّيحة» النظام.

فيما أظهرت المحادثات الأميركية - الروسية الأولى بعد قمة هلسنكي، أن «التفويض» لبوتين محدود ومشروط، وأن إعادة الإيرانيين إلى إيران هو أبرز الشروط كما أوضح جون بولتون بعد لقائه مع نظيره الروسي نيكولاي باتروشيف، يعكف الإيرانيون حالياً على تعزيز انتشارهم في الوسط والشمال، مركّزين على منطقة الحدود العراقية - السورية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من «ممر طهران - بيروت». في الوقت ذاته، يواصلون تطوير تغلغلهم العسكري - المدني في محافظات حلب وحمص وحماة، ويهمهم أيضاً أن تميل روسيا إلى اجتياح إدلب على غرار ما حصل في الغوطة الشرقية لأنه كفيل بتعقيد الأزمة في اللحظة التي يعتقد الروس أنهم أحرزوا تقدماً في ضبط ملفاتها الثلاثة: الحل السياسي، إعادة اللاجئين، إعادة الإعمار. كل ما يؤجّل إنهاء الصراع في سورية مرحّب به في طهران كما في دمشق، ما لم تحققا أهدافهما. أشار بولتون إلى عدم التوافق مع الروس في شأن إدلب، علماً أن واشنطن قالت دائماً أن ما يعنيها في إدلب هو القضاء على البنية الإرهابية.

في خضم الأزمة الساخنة بين واشنطن وأنقرة، ومع استمرار تعاونهما في منبج، ليس واضحاً ما إذا كان الجانب الأميركي يدعم خطة تركيا في إدلب. لكن الملاحظ أن استياء بوتين من عدم التجاوب الأوروبي في تمويل إعادة الإعمار، ومن بروز الخلافات مجدّداً مع الأميركيين، قد يكون شجّع الروس على تعويم سيناريو الاجتياح، سواء بعودة النظام والإيرانيين إلى حشد قواتهم لإشاعة أجواء عملية عسكرية واسعة، حتى أن الروس استخرجوا فجأة اتهاماتهم السابقة للمعارضة في إدلب بأنها تعدّ لهجوم بالسلاح الكيماوي. صحيح أنهم كانوا يردّون على التحذيرات الأميركية والأوروبية (في الذكرى الخامسة للهجوم الكيماوي على الغوطة عام 2013) إلا أن سجل روسيا الأسود مع الملف الكيماوي جعل اتهاماتها الواهية تهديداً للمدنيين للشروع في إخلاء إدلب، بالتالي إشارة إلى أن الاجتياح لم يعد مستبعداً.

من شأن إيران أن تقرأ في البلبلة حول إدلب، كما في الخلافات الأميركية - الروسية وإنْ مرفقة بتعزيز الاتصالات العسكرية والديبلوماسية، تأجيلاً لبتّ مصير وجودها في سورية. فـ «لحظة إدلب» ليست مناسبة للضغط على النظام أو على طهران كي يحسما أمرهما، خصوصاً أن «التفويض» لروسيا لا يبدو مشجّعاً بل أُرفق بقرار بقاء القوات الأميركية في سورية لمواصلة الحرب على تنظيم «داعش» و «لمراقبة الوجود الإيراني»، أي أنه استعاد منحى الضغط على موسكو التي جدّدت بدورها المطالبة بخروج كل القوات الأجنبية (الأميركية في طليعتها) من سورية. هذا لا ينفي أن محادثات بولتون - باتروشيف استكشفت بعض «الخيارات» للتعامل مع المعضلة الإيرانية، وقد رفض الأميركيون في هذا المجال اقتراحاً روسياً برفع العقوبات عن إيران أو التخلّي عن العقوبات المزمعة على قطاع النفط.

ما الذي يحول دون أن تحقّق الخطط السياسية الروسية اختراقاً؟ أكثر ما افتقده بوتين دائماً هو الرفض الأميركي الدخول في مساومة واسعة تشمل سورية وغيرها، وإذ لام باراك أوباما سابقاً فإنه يبرئ ترامب الآن ليلوم «مؤسسات الحكم» الأميركي. وإذا ترك بوتين المساومة الكبرى جزئياً لينكبّ على الوضع السوري يجد أنه وحلفاءه (النظام وإيران وتركيا) ليسوا قادرين على إنتاج حل حقيقي متكامل للأزمة. فعدا أنهم جميعاً تحت عقوبات أميركية أو غربية فإن إدارتهم للصراع ورّطتهم بمسؤوليات لا يستطيعون تلبيتها مع افتراض أنهم يريدون تحمّلها، بل قادتهم إلى خيار لا مستقبل له وهو الحل المفروض بالقوة، وقد استنبط له نظام الأسد اسماً كاذباً هو «المصالحات».

كان الأميركيون توقعوا أن تتورّط روسيا في سورية كما فعلت في أفغانستان، إلا أن بولتون هو المسؤول الأول الذي قال صراحةً أن روسيا «غارقة» في سورية وأنها «عاجزة»عن إخراج إيران، أي أن إنقاذها لن يكون من دون تنازلات، والبداية بإخراج الإيرانيين. سورية هي المتضرّر الأول والنظام (مع إيران) المستفيد الأول من «الغرق» الروسي. هذا «الغرق» يعتمل لأن بوتين لم يولِ أهمية للترابط الزمني الضروري بين تقدّم عسكري على الأرض وتقدّم سياسي في بلورة حلول ومبادرات، ولا يزال يعمل لتوظيف السياسي الذي يجب أن يكون متوازناً ومنصفاً لمصلحة العسكري الذي يبقى بعيداً من ضخّ أي نوع من الاستقرار سواء لتشجيع اللاجئين على العودة أو لحفز المموّلين على المساهمة في اعادة الإعمار.

اقرأ المزيد
٣٠ أغسطس ٢٠١٨
الروهينغا السوريون

يتناوب مسؤولون أميركيون وأوروبيون وروس، منذ أيام، على إطلاق إنذاراتٍ شديدة اللهجة، ومتناقضة الدلالات إلى حد أن سامعها قد لا يفهم منها سوى أن مدينة إدلب شمال سورية مقبلة على مذبحةٍ بالأسلحة الكيميائية، يتهيأ نظام بشار الأسد لارتكابها، وفق بياناتٍ تحذيريةٍ طيّرتها واشنطن ولندن وباريس، مشفوعةً بالتهديد بمعاقبته إن فعلها، أو تستعد قوى سورية معارضة لافتعالها، وفق اتهاماتٍ صريحةٍ ردّدتها موسكو، مقرونةً بالتنديد باختلاق الذرائع لضرب حليفها في دمشق.

ولك إن شئت أن تفسّر كل هذا الكلام، أو بعضه، بما تهوى، فتستبعد أو تستقرب ما تريد منه وما لا تريد، إلا إذا كنت أنت وأسرتك من أبناء المدينة المهدّدة بالاختناق بغاز السارين، أو من المهجّرين إليها عنوةً، بعدما صارت منفى إجبارياً لعشرات الألوف من أبناء مناطق سورية أخرى، كان قد انتصر فيها حلف أعداء الثورة، باستخدامهم الأسلحة الكيميائية، والبراميل المتفجّرة، فضلاً عن البنادق المذهبية الإيرانية، وفوقها جميعاً القاذفات الحربية الروسية.

في هذه الحال، أي إذا كنت إدلبياً، أو نازحاً إلى إدلب، لن تلتفت غالباً إلى الترّهات الدولية المتبادلة عن هوية الجهة التي قد ترتكب المذبحة، ولن تعنيك، على الأرجح، سيناريوهات معقدة يتداولها المحللون السياسيون والعسكريون عن سير المعركة المنتظرة، بقدر ما ستدقق ملياً في وجوه أطفالك، لتملأ عينيك بهم مودعاً، وربما تختلط صورهم في نظرك بصور أطفال آخرين، نقلت شاشات التلفزة تفاصيل موتهم في مواسم مماثلة، وهم يكابدون ليتنفسوا هواءً نظيفاً من بخار السموم. قد تفكّر أيضاً في الفرار لتنجو بهم، غير أنك ستتذكّر ضيق ذات اليد عن توفير الكلفة المالية لرحلة الهروب، وستتمّنى لو أنك من أقلية الروهينغا في ميانمار لتفرّ إلى بنغلادش المفتوحة حدودها أمام جيرانها المضطهدين، وأنت ترى حدود سورية وممرّاتها المؤدية إلى شواطئ الأمان بعيداً عن حضن الوطن، قد أحكم أصحابها إغلاقها، بعدما ضاقت بلادهم بملايين اللاجئين إليها قبلك من أبناء جلدتك.

ماذا يتبقّى بعد ذلك ليستحقّ أن تتذكّره، أو تفكر فيه؟ سيرة الروهينغا هنا لم تأت عفو الخاطر، بل لأن الأنباء عن استخدامٍ وشيك للأسلحة الكيميائية في إدلب تزامنت مع نشر تقرير جديد للأمم المتحدة يدعو إلى محاكمة قادة الجيش في ميانمار، أمام محكمة الجنايات الدولية، أو إنشاء محكمة خاصّة لهم، بتهمة ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية، وهي دعوةٌ ما زال يفصلها بون شاسع عن إمكانية وضعها موضع التطبيق، لكنها تعيد إلى الأذهان تواطؤ العالم مع جرائم إبادةٍ لا تقلّ وحشيةً ارتكبها نظام الأسد بحق ملايين السوريين.

وطالما أن الحديث يدور عن "الجريمة والعقاب"، ستبدو مضحكةً دعاية الروس عن نيّة قوى المعارضة السورية افتعال تمثيلية ضرب نفسها في إدلب بغازات سامّة، كي تستدرّ ضربة غربية لنظام الأسد، والسبب ببساطة أن الأميركيين والأوروبيين سبق لهم أن اكتفوا بعد استخدام الأسلحة الكيميائية ضد غوطة دمشق عام 2013 بصفقةٍ تصادر سلاح الجريمة، وحين حاول الرئيس دونالد ترامب تمييز موقفه عن موقف سلفه باراك أوباما، قصف عام 2017 مطار الشعيرات العسكري، رداً على هجوم آخر بالأسلحة الكيميائية على بلدة خان شيخون، ثم قصفت واشنطن ومعها لندن وباريس أهدافاً غير ذات أهمية قرب دمشق، منذ نحو أربعة شهور، رداً على تكرار الجريمة نفسها في هجومٍ على مدينة دوما.

ممنوع استخدام الأسلحة الكيميائية، واقتل بغيرها، كما تشاء، يقول قادة القوى الدولية الكبرى للأسد، فيخرق تعليماتهم مرة، ويلتزمها مراتٍ ومراتٍ في المدن والقرى والسجون، لأنه يدرك أن "أكثرية الروهينغا" التي يحاول إبادتها في سورية، لا تحظى حتى بالقليل الذي تحظى به أقلية الروهينغا في ميانمار من اهتمام العالم، ويتجاهل دروس التاريخ القائلة إن أحداً من الطغاة أمثاله لم ينج إلى الأبد، وإن تأخّر عقابه.

اقرأ المزيد
٣٠ أغسطس ٢٠١٨
«حزب الله» والغطاء الحكومي

لم يبقَ كثير من مرتكزات التسوية الرئاسية التي أتت بميشال عون رئيساً للجمهورية، وسعد الحريري رئيساً للحكومة. كل الشواهد تشير إلى أن التموضع خارج التسوية قائم على قدم وساق، بمعزل عن الإصرار اللفظي في تصريح هنا أو موقف هناك.

المسألة تتجاوز اتهامات الخداع السياسي الرائجة اليوم في لبنان، وتتصل أكثر بالتغيير الذي أصاب البيئة الاستراتيجية الحاضنة للتسوية. قامت التسوية أولاً على فكرة، تحتاج إلى كثير من الحظ وحسن النوايا والتفكير الرغبوي، وهي تحييد لبنان عن قضايا النزاع الرئيسية في المنطقة، تحت عنوان غامض هو «النأي بالنفس»، والاهتمام بدل ذلك بالقضايا الداخلية والخدماتية للبنانيين، بعد تراكم فضائح النفايات والكهرباء، وتفاقم المخاوف بشأن الاقتصاد.

وحملت في طياتها إعلاناً عن ضرورة طي صفحة الانقسام السياسي اللبناني، والتمترس خلف السقوف العالية لجبهتي 8 و14 آذار، باعتبار أن هذه المرحلة لم تنتج إلا خطابات متشنجة واختلالات أمنية خطيرة، فيما الحسم الحقيقي في قضايا النزاع الرئيسية، أي سلاح «حزب الله»، ستقرره نتائج المعركة الأوسع في الإقليم، مع مرجعيته الإيرانية.

زادت محفزات الرهان على التسوية الرئاسية وقابليتها للحياة، في ضوء اتفاق مناطق خفض النزاع في سوريا، بين روسيا وإدارة دونالد ترمب، بعد نحو ثلاثة أشهر على تشكل حكومة الحريري الأولى في عهد عون. وكانت الترجمة العملية لاتفاق مناطق خفض النزاع في بيروت، أن القوى الدولية لن تسمح بانتصار أي من الطرفين في سوريا، فلا روسيا ستسمح للمعارضة المسلحة بإسقاط النظام، ولا واشنطن ستسمح للنظام بأن يستعيد السيطرة على سوريا. استظلت التسوية الرئاسية هذا التوازن لأشهر قليلة، قبل أن يبدأ اتفاق مناطق خفض النزاع بالترنح بدءاً من سبتمبر (أيلول) 2017، وصولاً إلى انهياره التام مع استعادة الأسد السيطرة على الجنوب السوري بموافقة أميركية إسرائيلية روسية، مروراً باستقالة الحريري في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017.

خلال أشهر قليلة من عمر التسوية الرئاسية، وتشكل أولى حكومات العهد، بدا أن لبنان في طريق العودة إلى صلب الاشتباك الإقليمي، وأن الفكرة التي قامت عليها التسوية هزلت بالكامل في ضوء تطورات هذا الاشتباك. وتزامنت الانتخابات النيابية اللبنانية في مايو (أيار) 2018 مع انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الاتفاق النووي مع إيران، لتجد التسوية الرئاسية نفسها أمام متغيرين كبيرين: تصاعد مستوى الاشتباك الأميركي العربي مع إيران، واستعادة الأسد السيطرة على سوريا، وهو الأمر الذي وضع نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية، وفوز محور «حزب الله» فيها في سياق آخر تماماً. فلم يعد يسيراً الرهان على الفصل بين كتلة الرئيس عون النيابية وبين كتلة الفريق الذي يتزعمه «حزب الله»، مع ضيق الهوامش التي كانت متاحة أمام رئيس الجمهورية في بواكير التسوية، والتي ظن وظننا معه أنها ستدوم.

ولعل أفضل برهان على استعداد الفريق الإيراني لتوظيف نتائج الانتخابات النيابية خارج سقف التسوية وضوابطها وهوامشها، هو كلام قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري، اللواء قاسم سليماني: «إن الانتخابات التي أجريت في لبنان أخيراً كانت بمنزلة الاستفتاء الشعبي، وهي تمثل انتصاراً كبيرا لـ(حزب الله) الذي تحول من حزب مقاوم إل حكومة مقاومة».

شيئاً فشيئاً يتضح أن كلام سليماني الذي أحرج «حزب الله» واستدرج رئيس كتلته البرلمانية النائب محمد رعد للقول إن الأكثرية في لبنان باتت متحركة بحسب الملف المطروح، هو الصحيح، فيما كلام نائب «حزب الله» أقرب إلى حفظ ماء وجه الحزب ورئيس الجمهورية. فما لبث أن عاد «حزب الله» إلى خطاب هجومي ضد المملكة العربية السعودية، كان عزف عنه لفترة من الزمن، ثم ذهب باتجاه استقبال وفد من ميليشيا الحوثي من دون رد فعل جدي من رئيس الجمهورية، باعتباره نقطة التوازن والمسؤول عن حماية «النأي بالنفس» من موقع استقلاليته عن القوى السياسية كافة في لبنان. ثم تولت صحيفة مقربة من «حزب الله» تسريب خبر اتصال كل من رئيس الجمهورية وقائد الجيش اللبناني بنظرائهما، في عز اشتعال معركة التطبيع مع نظام الأسد، على قاعدة منتصر ومهزوم في سوريا وفي لبنان.

لماذا إذن، وفق هذه الوقائع يستمر «حزب الله» في تغطية تكليف الحريري، ولا يذهب باتجاه حكومته؟

الجواب ببساطة أن عام 2018 هو غير عام 2011، يوم انقلب «حزب الله» على حكومة الحريري وأتى بنجيب ميقاتي رئيساً لحكومة «حزب الله» الأولى منذ نشأة الحزب.

جرى ذلك قبل الثورة السورية، وقبل وصول ترمب إلى الرئاسة وإعلانه الحرب «الدافئة» على إيران وأدواتها، ومنها «حزب الله»، وقبل أن يهتف الإيرانيون: الموت لخامنئي!

«حزب الله» يريد «حكومة ورقة توت» تعفيه من تبعات حكم لبنان وتحويله إلى دولة «حزب الله»، كما أشار سليماني. يريد لبنان دولته غير المباشرة التي يحكمها آخرون، وهو ما يوجب التفكير الجدي في منعه من هذه الرفاهية.

لنختبر تسليمهم البلد، وليذهب الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع إلى المعارضة، وبعدها لكل حادث حديث!

اقرأ المزيد
٣٠ أغسطس ٢٠١٨
حاتمي في سوريا: البقاء أو الانسحاب؟

أمير حاتمي هو وزير الدفاع الإيراني، الذي كانت زيارته لدمشق الأسبوع الماضي لافتة للنظر. تحدث عن رغبتهم في «تعزيز ترسانة (سوريا) العسكرية»، ومساعدتها في «تعزيز عتادها العسكري»، كما أوردت الخبر وكالة الطلبة للأنباء، الإيرانية. ولمح بأنه «يحاول تمهيد الطريق للمرحلة المقبلة من التعاون». فما هي هذه المرحلة المقبلة؟ هل تعني انسحاب إيران من سوريا؟

محاولات فك التوأمة بين النظامين السوري والإيراني لم تفلح، رغم القصف الإسرائيلي لقوات إيران في سوريا، الأكبر منذ حرب 1973، ورغم تصريح روسيا بأنها ليست مع بقاء إيران ولن تحميها من غارات قوة الجو الإسرائيلية. والأميركيون يقولون إنهم جربوا إغراء نظام دمشق وفشلوا، وسبق لإعلام إيران في لبنان أن ادعى أن السعودية حاولت وفشلت.

علاقة دمشق بطهران إشكالية للمنطقة، قديمة مستمرة، تعود إلى فترة الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات. نشأت في إطار تحالفات الضرورة، البعثي السوري مع الديني الإيراني. وفي أواخر التسعينات انتفت علاقة الضرورة هذه. وقد سعى حافظ الأسد، الأب، إلى تقليص المواجهات - يمهد لما بعد وفاته - تقارب مع نظام صدام المحاصر، وتصالح مع تركيا بعد أن سلم زعيم المعارضة الكردية التركية، وفاوض إسرائيل على السلام ووصل مرحلة اتفاق متقدم معها في جنيف، لولا أن إسرائيل هي من عطل التوقيع بدعوى تدهور صحة الأسد، وخشيتها من مستقبل سوريا بعده.

ومع صعود بشار إلى سدة السلطة عمَّ التفاؤل المنطقة حتى اتضح أن العلاقة مع طهران أصبحت أعمق في السر. وتأكدت بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، وكان يفترض أن يمهد انسحابها لانفراجات تشمل انسحاب القوات السورية من لبنان، ومصالحات تتوازى مع مشروع السعودية للسلام الذي قبلت به سوريا، وكل الدول العربية والإسلامية. إنما الذي حدث العكس تماماً، فقد عزز الحليفان، إيران وسوريا، وجودهما في لبنان. ونفذا موجة اغتيالات واسعة، وهيمن النظامان على البلاد تقريباً بالكامل. ولم يعد هناك شك في العلاقة الخاصة بين دمشق وطهران عندما اتضح تعاون الحليفين في تبني المقاومة العراقية، ودعم الجماعات الإرهابية في العراق بما فيها تنظيما «القاعدة» والزرقاوي، (داعش) لاحقاً، وظهر بعدها مصطلح «قيام الهلال الشيعي».

اليوم، تبدو محاولات إخراج إيران من سوريا بمثابة قطع الحبل السري، احتمالات نجاحها ضئيلة. فالعلاقة إسمنتية بين النظامين، وأيضاً نتيجة لتهاوي مؤسسات الأسد الأمنية والعسكرية جراء الحرب الأهلية.

ولا تخرج حسابات المرحلة المقبلة عن ثلاثة مؤثرات، الأول مطلب إدارة ترمب من إيران، بالخروج من سوريا، ضمن شروطها الاثني عشر لوقف حربها الاقتصادية. والثاني، إصرار إسرائيل على خروج قوات إيران وميليشياتها وإلا سيتم تدمير قدراتها. والثالث أن الأميركيين يشترطون لبقاء نظام الأسد أن تخرج إيران وميليشياتها. وقد تراجعت إدارة ترمب عن مغادرة سوريا وقررت الإبقاء على وجودها العسكري والسياسي.

نظرياً، خروج القوات الإيرانية وحزب الله والبقية، تبدو النتيجة المتوقعة، لكن من ذَا الذي سيصدق أن إيران في وارد التعاون والخروج بعد خسائرها البشرية والمالية الهائلة في حرب سوريا؟ خروجها سيعتبر هزيمة مجانية، وسيضعف قدرة حكومة طهران التفاوضية مع إسرائيل والولايات المتحدة، إضافة إلى أنه سيتسبب في إنهاء استثمارها في لبنان، أي حزب الله الذي بنته من الصفر وأنفقت عليه مليارات الدولارات. أما بالنسبة للأسد، فإن حلفه مع طهران قديم منذ بدايات حكمه، وعلى مدى عقد ونصف فشلت كل المحاولات القديمة لفكه.

اقرأ المزيد
٣٠ أغسطس ٢٠١٨
رسالة من ماري أنطونيت إلى أسماء الأسد

تبدأ كل الحكاية يا أسماء عندما يتسلل وحش الطغيان لروحك، يدب دبيب النمل، وبروية يلتقط فتات مظالم الناس، يغذي نفسه بها، لا يلبث طويلا حتى يجوع أكثر، لن تلقميه حقوقاً سُلبت، ومفاسداً ارتكبت، هذه المرة هو بحاجة ليروي ظمأه الوحشي بدماء الشعب المكلوم، الرغبة تنمو وتتنامى وتكبر في نفسك الوحشية لتصبح الدماء الطاهرة سلسبيلاً يطفئ عطش وحشك المترامي على جوانب الإثم والخطايا وفي أحضان العذاب والموت، تنتكس روحك المجرمة وتصاب بداء الأنين، لا تقولي أنكِ لا تعرفيه؟ ...، مررتُ به سابقاً، وأنا على ثقة بأن داء الأنين يلاحقك في يقظتك ومنامك، لا دواء له سوى المزيد من المجازر والدماء والكثير من آهات المعتقلين وأنين المعذبين، الشفاء يكون آنياً، وستبقين بحاجة للمزيد من الجريمة وانتهاك الحرمات.

إنك تذكرينني بنفسي يا أسماء، إلا أنك تتفوقين بكل مقاييس الإجرام، ذلك الوحش التهمني كما التهمك ولكنكِ تجاوزتني بأن الوحش تقمصكِ وتقمصتِه، اندمج بكِ واندمجتِ به، انصهرتما معاً، ذابت بقايا إنسانيتك التي لا أعرف إن وجدت بك سابقاً، أما أنكِ خُلقتِ وحشاً متعطشاً لسرقة بقايا حياة الناس وفتات أحلامهم ورماد أحلامهم.

 
أما بعد:
مشت جموع الثائرين، تطأ الدجى، وتدوس أعباء السنين، اتجهوا إلى قصري ينددون ويتظاهرون، ويحملونني ذنب جوعهم المقيت، أوتصدقين يا أسماء كيف لأولئك الناس اتهامي بتجويعهم وظلمهم، وسلب حقوقهم وخيانة أرضهم.. أما أننا معشر الطواغيت ننسى ظلمنا وطغياننا ونتمسك بقشة المرض الواهية نحاول أن نستجلب العطف أو بعض بضعٍ من الإنساني. أوليس كذلك يا أسماء؟ سواء كان مرضك لعبة سياسية أو حقيقة عضوية أو مجرد إشاعات دبلوماسية، الأمر واحد، لن تنالي سوى المزيد من الألم، الوحش الذي انصهرتِ معه وتغلب على فتات بشريتك، سيقتلكِ، كما قتلني.

الجشع والظلم والخيانة والعمالة جعلت منا مسوخا بشرية تتقاذفنا رياح المرض، وأمواج الضياع لنغرق في محيطات الألم، حتى داء العافية وسلب الصحة البدنية، سيحجم عنك، لن يقبل بالمكوث في مسخ بشري، التعاطف المرجو في تدني الحالة الصحية لا يجب أن تتوقعيه من ضحاياكِ يا أسماء، المتوقع آت ولكنني أخالكِ تتناسينه في طيات الأيام ومرور الأسابيع ومضي الأعوام، تلك الجموع الثائرة، وشعل الضياء الباردة بموت ألقيته عليهم لن يستكينوا قبل الثأر يا أسماء، أوتحسبين أن كل الأناس خونة مثلنا؟

حاشى لشعب مظلوم أن يشتركوا معك في صفة أو أن تتماثلوا في سمة، الدماء التي رويتِ بها ظمأ طاغوت ذاتك لن تذهب سدى.. ولن تدفن هباء منثورا.. بل ستكون الطوفان الذي يغتالك من جذورك، يقتلع غرورك ويغرق وحشك وتنتهي قصتك المخزية كانتهاء أي خائن يا أسماء.

 
ختاماً:
في عام ١٧٩٣ نصبت المقصلة جزاءً لكل خوان، استعان بالمحتل على شعبه لمعت شفرتها في عينيّ، أدركت أنها النهاية التعيسة لطاغوت تعيس، المؤلم حينها يا أسماء سقوطك المدوي، الفرحة في أعينهم، السعادة التي تملؤ أفواه الجياع، كيف فعلوا ذلك؟

يبدو أننا عندما كفرنا بالجحيم وأنكرنا العقاب وتطاولنا على رب الأرباب، حينها آمن المستضعفون حق الإيمان وأقبلوا على الموت واثقين، فوهبت لهم الحياة، حياة ماجدة تليق بالأحرار، لم نضحِ إلا بأخلاقنا وإنسانيتنا وبقايا بشريتنا لننال هذه السلطة التي خولتنا أن نكون وحوشا بحق، بينما ضحوا بفلذات أكبادهم ودماء أرواحهم لينالوا الانتصار، أفعندكِ شك بأنهم منتصرون؟ هم المنتصرون، هذا هو التاريخ والحاضر والمستقبل.

بينما كنت متجهة إلى مقصلتي رأيت الأم الثكلى، والزوجة الأرملة، والأخت المكلومة، والأخ المتألم، والابنة اليتيمة، والعجوز الفاقد لحبيبات فؤاده، كانت صفعات أعينهم أقوى علي من سياط الجلاد وأشد ألماً من حدة المقصلة.. لقد ثاروا وأخذوا بالثأر من قتلتهم. في الجحيم يا أسماء لن تحتاجي الكثير من أفعالك بعضها فقط يكفي لخلودك، بانتظار الثأر منك ولحاقك بمن سبق، مزابل التاريخ تشتاق لاحتضانكم ومهاوي الجحيم تفتقد أمكنتكم.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
دور تمكين المرأة في مواجهة العنف الجنسي في مناطق النزاع: تحديات وحلول
أ. عبد الله العلو 
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
صمود المرأة ودورها القيادي في مواجهة التحديات
فرح الابراهيم
● مقالات رأي
١٩ يونيو ٢٠٢٤
العنف الجنسي في حالات النزاع: تحديات وآثار وحلول ودور المرأة في هذه الظروف
أحمد غزال