روسيا ومأزق اللاجئين السوريين
تحدّثت وسائل الإعلام الروسية، في الآونة الأخيرة، عن عودة 1،2 مليون لاجئ سوري منذ حصول التدخل العسكري الروسي المباشر إلى جانب نظام بشار الأسد الذي كان على وشك السقوط. وأثار العدد استغراب أوساطٍ دوليةٍ على صلةٍ بمتابعة هذا الملف الذي يقدّم إحصائيات موثقة لعدد اللاجئين السوريين في دول الجوار، والذي يقدّر بحوالي 5،6 ملايين، منهم قرابة 3،5 في تركيا عاد منهم خلال العام الماضي نحو 50 ألفا نحو مناطق "درع الفرات" في صورة أساسية، وذلك لأسبابٍ تتعلق بتوفر الأمن وغياب سلطة النظام، ويأتي بعد ذلك العائدون من الأردن، وهم قرابة 15 ألفا، ولبنان أقل من ألف.
لروسيا مصلحة أساسية في عودة اللاجئين السوريين، وإذا لم يتم ذلك، لا سبيل أمامها لإقناع الدول الكبرى، وبعض دول المنطقة للمشاركة في إعادة الإعمار في سورية. ومن دون هذه الورقة، سيبقى كل في مكانه وعلى حاله، ولن تتمكّن موسكو من التقدم إلى الأمام خطوة واحدة، خصوصا أنها غير قادرة ماليا على القيام بالمهمة وحدها، بسبب الكلفة العالية التي تحتاج مئات مليارات الدولارات.
وتبحث روسيا من خلال إعادة الإعمار عن تعويض جزءٍ من خسائرها الاقتصادية في سورية، وإطلاق ورشة دولية تبث الحياة في بنية النظام الذي صار على الأرض منذ عدة سنوات، ولم تعد لديها القدرة على الحركة، وإنْ لم تتمكّن روسيا من إقناع الدول الكبرى المانحة، فإن مشروعها سوف يمضي إلى طريقٍ مسدود، وهذا ما تدركه الأطراف الغربية، الولايات المتحدة وأوروبا، وهي تساوم موسكو عليه، وتضع شرط مشاركتها في التمويل إطلاق عملية سياسية على أسسٍ تحدّد مستقبل الأسد وبقاءه في السلطة مدة محدّدة دستوريا.
ومع أن ورقة اللاجئين ذات قيمة عالية لروسيا، فإنها لا تفعل بما فيه الكفاية، من أجل توظيفها على نحو مناسب، وهي تبدو إلى اليوم كأنها تعمل وفق رؤية النظام لهذا الملف الذي يعد أحد أكثر الملفات خطورةً في المسألة السورية. وليس سرا أن النظام يريد عودة لاجئين لا يشكلون له صداعا، ويخدمون أهدافه القريبة والبعيدة، ومن دون ضماناتٍ قانونيةٍ أو سياسية، وهو بذلك لا يتحمّل أي نوع من المسؤولية عن الحرب التي شنها سبع سنوات ضد الشعب السوري، وقد تصرف النظام على هذا الأساس بخصوص اللاجئين الذين عادوا إلى المناطق التي يسيطر عليها، ومثال ذلك الذين عادوا من لبنان ضمن تسوياتٍ مسبقة، لكن النظام أعاد اعتقال الشباب، ووجّه كثيرين منهم إلى الحرب على الجبهات لقتال المعارضة المسلحة، الأمر الذي لم يشجّع أحدا على العودة، على الرغم من الضغوط التي يتعرّض لها اللاجئون في لبنان والأردن، وهم يفضلون الحياة القاسية والعنصرية على العودة إلى مناطقهم للعيش في ظل النظام.
يخاف النظام والروس وإيران من عودة كثيفة للاجئين، حيث تترتب على ذلك وقائع جديدة على الآرض، يمكن أن تهزّ المعادلات التي تم فرضها بالقوة المسلحة على الصعيد الديمغرافي، ورسم خريطة طائفية جديدة. وإذا اقترنت العودة بضمانات أمنية وسياسية، فإن النظام والروس والإيرانيين لن يكون في وسعهم التحكّم بمسار التطورات، وهنا العقدة الأساسية في ظل التصلب الغربي، وإصرار بلدان ذات ثقل مالي كبير، ومستقبلة أساسية للاجئين، مثل ألمانيا على الضمانات الأمنية والسياسية، فهي، من جهةٍ، لا تستطيع أن تضغط على اللاجئين بالعودة من دون ضمانات، ومن جهة ثانيةٍ، ليست معنيةً بتمويل مشروع روسيا في سورية، وهذا ما تبلّغه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أخيرا.
ورقة اللاجئين من أخطر الأوراق للضغط على الروس. ولذا على المجتمع الدولي توظيفها على نحو سليم، من أجل إنتاج عملية سياسية تحت إشراف دولي.