أعلنت الأمم المتحدة، يوم الجمعة، أن أكثر من 1.5 مليون لاجئ ونازح سوري عادوا إلى مناطقهم داخل البلاد منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، وذلك في مؤشر يُعزز الآمال ببدء مرحلة جديدة من الاستقرار وإعادة الإعمار.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقدته أيدم وسورنو، مديرة العمليات والمناصرة في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة (OCHA)، عبر الاتصال المرئي.
وقالت وسورنو إن "عدد العائدين إلى ديارهم في ارتفاع مستمر، رغم التحديات المتبقية"، مشيرة إلى أن المنظمة تتابع هذه التحركات ضمن إطار أوسع لتقييم الاحتياجات الإنسانية وتقديم الدعم الملائم.
وأكدت المسؤولة الأممية أن نحو 16.5 مليون شخص داخل سوريا لا يزالون بحاجة إلى مساعدات إنسانية وحماية أساسية، مشددة على أن الأمم المتحدة وشركاءها الإنسانيين يصلون إلى ما معدله 2.4 مليون شخص شهرياً، من خلال العمليات الميدانية المحلية وعبر الحدود.
وأعربت وسورنو عن أملها في أن يُسهم قرار رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا في تسهيل عملية الانتعاش الاقتصادي والتنمية المجتمعية، بما يضمن تعزيز القدرة المحلية على تلبية احتياجات السكان العائدين.
وبحسب البيانات الأممية، فإن أكثر من مليون نازح داخلي عادوا إلى مناطقهم الأصلية، إضافة إلى عودة أكثر من 500 ألف لاجئ من الدول المجاورة إلى الأراضي السورية، منذ أواخر عام 2024.
ويأتي ذلك في ظل تسارع الخطوات الحكومية والدولية لإعادة تأهيل البنية التحتية، وتوفير بيئة آمنة تضمن عودة طوعية وكريمة للمهجرين، فيما يُتوقع أن تسهم التحركات الدولية الأخيرة، لا سيما المتعلقة برفع العقوبات، في تحسين مناخ العودة وتعزيز الاستقرار المجتمعي.
مجلس الأمن: رفع العقوبات يفتح الباب لتعافي سوريا
وكان ناقش مجلس الأمن الدولي في جلسته يوم (الأربعاء) تطورات الوضع في سوريا، مركّزاً على الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية المتفاقمة، وداعياً إلى استجابة دولية واسعة تسرّع من جهود التعافي وإعادة الإعمار، وتُهيئ الظروف لعودة اللاجئين، مع وضع حد للاعتداءات الإسرائيلية المستمرة.
وقال ممثل سوريا في المجلس، السفير قصي الضحاك، إن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب برفع العقوبات عن سوريا يمثّل “نقلة نوعية” جاءت تتويجاً لجهود السعودية وتركيا وقطر والإمارات. وأكد أن قمة بغداد كرّست دعمها لـ “خيارات الشعب السوري” وشددت على أهمية المضي في عملية التحول الوطني.
وأشار الضحاك إلى أن الاحتياجات في البلاد ضخمة، خصوصاً في ما يتعلق بإعادة تأهيل البنى التحتية والمؤسسات الوطنية، مطالباً مجلس الأمن بتحمّل مسؤولياته وإلزام إسرائيل بوقف اعتداءاتها والانسحاب من الأراضي السورية المحتلة.
من جانبه، أشاد مندوب تركيا أحمد يلدز بما وصفه بـ”الخطوات الملموسة” التي اتخذتها الحكومة السورية لبسط الأمن، مشيراً إلى أن أكثر من نصف مليون نازح عادوا إلى منازلهم منذ انهيار النظام السابق، ما يعكس تحسّن الوضع الميداني وتعزيز فرص العودة الآمنة.
ورحّبت مندوبة الإمارات، لانا نسيبة، بالاتفاقات السياسية التي تسعى إلى توحيد الصف السوري تحت مظلة الدولة، مؤكدة دعم بلادها للدول المستضيفة للاجئين السوريين، في حين قال مندوب السعودية عبدالعزيز الواصل إن بلاده تنظر بإيجابية للتطورات الأخيرة، وتشيد باستجابة واشنطن لمبادرة الرياض لرفع العقوبات.
الجلسة اختُتمت بتوافق عربي–تركي على ضرورة تمويل مشاريع حيوية في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات العامة، في وقت أجمع فيه الأعضاء على أن استقرار سوريا عنصر محوري في تعزيز الأمن الإقليمي والدولي.
وكانت الجلسة قد ترأسها وزير خارجية اليونان، جيورجوس جيرابتريتيس، وشارك فيها كل من المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون وراميش راجاسينغهام، مدير قسم التنسيق في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، حيث قدما إحاطتين شاملتين أعقبهما اجتماع مغلق بين الدول الأعضاء
أعلنت وزارة الداخلية السورية، اليوم الجمعة، عن اعتقال "آصف رفعت سالم"، أحد الصفوف القيادية في ميليشيا "لواء درع الوطن" التابعة لرامي مخلوف، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة ضد المدنيين خلال سنوات الحرب.
ووفقاً لما نشرته معرفات رسمية تابعة للوزارة، فإن فرع الأمن في محافظة اللاذقية تمكن من إلقاء القبض على "سالم"، المتورط في سلسلة من الجرائم والانتهاكات في منطقتي الزبداني ومضايا، بما في ذلك مساهمته في تصنيع البراميل المتفجرة التي استخدمها سلاح الجو لاستهداف أحياء سكنية، وأدت إلى مئات القتلى والجرحى ودمار واسع في البنى التحتية.
وأكدت الوزارة أنه تم تحويل الموقوف إلى الجهات القضائية المختصة لمباشرة التحقيقات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقه، في إطار سلسلة حملات أمنية متواصلة تهدف إلى ملاحقة المطلوبين من عناصر الأجهزة الأمنية والميليشيات المرتبطة بالنظام السابق.
وفي سياق متصل، أعلنت إدارة الأمن العام في محافظة حمص عن إلقاء القبض على عدد من المشاركين في تنفيذ مجزرة الحولة التي وقعت بتاريخ 25 أيار 2012، وراح ضحيتها عشرات المدنيين، غالبيتهم من الأطفال والنساء، على يد قوات النظام السابق وميليشيات موالية.
وأفادت مصادر محلية بأن الموقوفين خضعوا لعملية "تمثيل جريمة" ميدانية في مدينة تلدو بريف حمص الشمالي، بحضور دوريات أمنية وعدد من ذوي الضحايا، وذلك في إطار التحقيقات الجارية لإثبات الوقائع والتفاصيل التي وثقتها تقارير حقوقية محلية ودولية.
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي تداول مقطع مصور يوثق جانباً من إعادة تمثيل المجزرة، وسط تفاعل شعبي واسع مع الذكرى السنوية التي تصادف يوم 25 أيار، وتعد من أكثر الأحداث دموية منذ دخول بعثة المراقبين الدوليين إلى سوريا في ذلك العام.
وتشير شهادات وتوثيقات إلى أن ضحايا المجزرة البالغ عددهم 97 مدنياً، بينهم 49 طفلاً و32 سيدة، قتلوا بطرق مروعة شملت الذبح بالسكاكين، والقتل بالسواطير، والإعدام بالرصاص. وقد وصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" حينها ما جرى بأنه "جريمة إبادة جماعية بحق عائلات كاملة"، مشيرة إلى تورط قوات حكومية وميليشيات موالية في تنفيذها.
وتعتبر هذه الذكرى الأولى التي تمر على السوريين بعد سقوط النظام السابق، ما يضفي على ملف العدالة الانتقالية زخماً جديداً، خاصة مع تصاعد المطالبات بمحاكمة كافة مرتكبي المجازر والانتهاكات، وعلى رأسها مجزرة الحولة، بوصفها نموذجاً للفظائع التي تعرض لها المدنيون طيلة سنوات الحرب.
ويرى ناشطون حقوقيون أن اعتقال المتورطين في المجزرة يمثل بداية حقيقية لمرحلة جديدة من المساءلة، وإشارة إلى أن الجرائم بحق السوريين لن تمر دون محاسبة، وأن مسار العدالة الانتقالية بدأ يأخذ طريقه، وإن طال انتظاره.
ويواصل السوريون إحياء الذكرى سنوياً عبر المنصات الرقمية، حيث تتصدر صور الأطفال والنساء الذين قضوا في مجزرة الحولة المشهد، في تذكير دائم بأن العدالة، وإن تأخرت، لا تسقط بالتقادم.
أعلنت مجموعة “تايغر” العقارية الإماراتية نيتها تنفيذ مشروع برج ترامب في العاصمة السورية دمشق، في خطوة وصفتها بأنها “رمزية” تهدف إلى دعم مرحلة الانفتاح الاقتصادي لسوريا بعد رفع العقوبات الأميركية عنها.
المشروع، الذي أكده رئيس مجموعة تايغر رجل الأعمال وليد الزعبي، من المقرر أن يتكوّن من 45 طابقًا بتكلفة تقديرية تتراوح بين 100 و200 مليون دولار، مع إمكانية تعديل عدد الطوابق حسب الموقع والمخططات النهائية.
وقال الزعبي إن شركته ستتقدّم خلال هذا الأسبوع بطلب رسمي للحصول على تراخيص البناء من الجهات المختصة في دمشق، على أن تبدأ أعمال التنفيذ فور استكمال الموافقات القانونية، بما فيها اتفاقية استخدام العلامة التجارية “ترامب”، والتي لا تزال قيد التفاوض.
وأكد الزعبي أنه التقى الرئيس السوري أحمد الشرع في يناير/كانون الثاني الماضي، وتم خلال اللقاء مناقشة المشروع ضمن رؤية أوسع لتعزيز الاستثمارات الكبرى في سوريا، مشددًا على أن “البرج سيكون بمثابة رسالة إلى الخارج بأن سوريا تستحق فرصة للسلام والازدهار بعد سنوات الحرب”، بحسب تعبيره.
وكانت فكرة المشروع قد وُلِدت أواخر العام الماضي، بعد أن أثارها النائب الأميركي جو ويلسون خلال جلسة في الكونغرس، مقترحًا أن يكون إنشاء برج باسم ترامب في دمشق جزءًا من الانفتاح الأميركي على سوريا بعد تغيّر النظام.
وتأتي هذه الخطوة في سياق تحولات إقليمية بارزة، بدأت بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 14 أيار/مايو من الرياض رفع العقوبات عن سوريا، عقب لقاء جمعه بالرئيس السوري أحمد الشرع وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهو ما مهّد لموجة انفتاح سياسي واقتصادي إقليمي ودولي تجاه دمشق.
ورغم الطابع الاستثماري للمشروع، إلا أن مراقبين رأوا فيه أيضًا محاولة للفت انتباه الإدارة الأميركية وإرسال إشارات برغبة الحكومة السورية الجديدة في استئناف العلاقات الاقتصادية والسياسية مع واشنطن، لا سيما مع تزايد اهتمام شركات أجنبية بالتواجد في السوق السوري بعد إزالة القيود المالية.
ويُعد المشروع، في حال تنفيذه، أول استثمار من هذا النوع يحمل اسم “ترامب” في منطقة كانت لسنوات تحت العقوبات الأميركية، ويُعوّل عليه أن يكون محفزًا لمزيد من الاستثمارات في البنى التحتية وقطاع الأعمال في سوريا. غير أن تحديات عدة ما تزال قائمة، أبرزها الوضع الاقتصادي الهش، وضعف خدمات الطاقة، وبطء عملية التعافي، رغم التفاؤل الرسمي بمرحلة ما بعد العقوبات.
ويُذكر أن مجموعة “تايغر” التي تتخذ من دبي مقرًا لها، تُعد من أبرز شركات التطوير العقاري في المنطقة، وتُشرف حاليًا على مشروع “تايغر سكاي تاور” في الإمارات، بتكلفة تتجاوز مليار دولار، وتُقدَّم على أنها الشركة المنفذة لأحد أبراج “ترامب تاور” في إسطنبول.
أوضحت وزارة الاقتصاد والصناعة في الجمهورية العربية السورية، أن قرار إيقاف طلب وثيقة التأمينات الاجتماعية عند الانتساب إلى غرف التجارة لا يعني بأي حال إعفاء التجار من تسجيل العاملين لديهم لدى مؤسسة التأمينات الاجتماعية.
وقالت الوزارة، في بيان توضيحي، إن الإجراء يهدف إلى تبسيط متطلبات الانتساب إلى الغرف التجارية، وتشجيع التجار على العودة للتسجيل ومزاولة عملهم ضمن الإطار النظامي، وقد مُنحوا مهلة حتى نهاية العام الحالي لتقديم طلبات الانتساب دون الحاجة لتقديم الوثيقة التي تُبيّن عدد العاملين المسجلين في التأمينات.
وأكدت الوزارة أن هذا القرار لا يُلغي الالتزام القانوني بتسجيل العمال، وأن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ستواصل متابعة أوضاع العاملين في المنشآت المُسجلة، بناءً على البيانات التي يتم تبادلها بين الوزارتين، وفق ما نصّت عليه القوانين الناظمة، وخاصة الفقرة /هـ/ من قانون غرف التجارة رقم 8 لعام 2020.
وأشارت الوزارة إلى احتفاظها بحق طلب أي وثائق إضافية ضمن إجراءات منح أو تسجيل السجل التجاري، بما يضمن التنظيم الكامل للعمل التجاري.
وشددت وزارة الاقتصاد والصناعة على حرصها على حماية حقوق العمال وضمان مصالحهم، مؤكدة أن التنسيق مستمر مع الجهات المعنية لضمان تطبيق القانون والحفاظ على التوازن بين تبسيط الإجراءات ودعم سوق العمل النظامي.
وفي السياق ذاته، رد وزير الاقتصاد والصناعة الدكتور نضال الشعار على بعض الانتقادات التي وُجّهت للقرار، معتبرًا أن “التسرع في الحكم على الأمور مَقتل وتمهيد لكوارث”. وكتب في منشور له عبر حسابه الرسمي:
“تم اتهامي بخرق القوانين وانتهاك حقوق العمال.. لماذا؟ لأنهم لم يقرأوا القرار بدقة إنما بسطحية. ما يؤلمني هو مدى التجريح غير الضروري من اقتصاديين وحقوقيين. لتوضيح القرار الذي تم تصويره من قبل البعض ليبدو كجريمة.
ويأتي هذا الرد في ظل جدل واسع أثاره القرار بين الأوساط التجارية والحقوقية، وسط تأكيد حكومي على أن الغاية هي التيسير الإداري لا المساس بحقوق العمال.
في مشهد بدا بعيداً كل البعد عن سياق المأساة السورية، أطلق الفنان السوري المعروف بموالاته لنظام المجرم بشار الأسد، علي الديك، أغنيته الجديدة بعنوان "جاي يا إمي"، ظهر فيها وهو يشكو البعد عن أمه وحنينه إلى دفء الوطن، بعد شهور قليلة فقط من مغادرته سوريا، ليتعرض للسخرية اللاذعة من قبل ناشطين.
لم ينسَ السوريون بعد موقف علي الديك المعلن والحاد في تأييده السابق للمخلوع الأسد، وظهوره المتكرر في برامج ولقاءات يدافع فيها عنه بحدة ويهاجم كل من ينتقده. فتجاهل القصف، الصواريخ، البراميل المتفجرة، المجازر، والتهجير، وصم الآذان عن أصوات الأمهات وصرخات المعتقلين، لم يكن يوماً عابراً بل موقفاً اختاره بكل وعي. فبينما كانت المدن تُقصف، والمدنيون يُذبحون من قبل قوات الأسد الإرهابي وأعوانه، كان الديك يغني للجيش ويُمجّد حاكمه.
هذه الخلفية لم تغب عن ذاكرة السوريين حين ظهر الديك في فيديو كليب أغنيته الجديدة، يؤدي مشهداً تمثيلياً لمكالمة مع والدته، يشكو فيها شوقه لكعك العيد ودفء عائلته. فانهالت التعليقات الساخرة التي استحضرت الوجوه الحقيقية للغربة، تلك التي لم يعرفها بعد. كتب أحدهم: "الغربة ليست فقط بعداً عن الأم.. الغربة أن تجهل مصير أخيك المعتقل منذ عشر سنوات دون تهمة"، بينما علّق آخر: "الغربة أن تعود إلى بيتك في العيد وتجد الحائط مكان غرفة ابنك، بعد أن سويَ المنزل بالأرض".
الناشطون السوريون وجّهوا رسائل قاسية لعلي الديك، قالوا فيها إن الغربة ليست رحلة عابرة أو غياباً مؤقتاً عن دفء العائلة، بل هي وجوه كثيرة لم يرها بعد: غربة القهر، الغربة في الزنازين، الغربة في المخيمات التي لا تعرف الليل من النهار، الغربة داخل الوطن ذاته، حين يتحوّل إلى مكان لا يشبهك ولا يأويك.
وفيما بدا علي الديك متأثراً بمشاعر "المغترب الجديد"، لم يغب عن كثيرين أنه ذاته الذي لطالما جاهر بولائه للأسد الديكتاتور، ذاك الذي تسبب في تهجير الملايين وإلقاء عشرات الآلاف في غياهب السجون ليذوقوا قسوتها وغربتها. فتساءل الناشطون بسخرية مريرة: "أي غربة تلك التي يتحدث عنها من صفق لمجرم أذلّ شعبه؟" شماتة المعارضين لم تكن مجرد انتقاد، بل تعبير عن ألم مضاعف، حين يرون من شارك في دمارهم يغني اليوم عن ألم لم يعشه. غربة الديك، كما وصفها البعض، ليست سوى ظلٍ باهت لغربة أناس لا يُسمع صوتهم، ولا تُرى دموعهم، ولا تلتقطهم الكاميرات في مشاهد مصورة، بل يعيشونها كل يوم بصمت مميت.
ووفقاً لتقرير أصدرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة لانطلاق الثورة السورية، فإن معاناة السوريين لم تزل مستمرة وبأرقام مفزعة. فقد وثقت الشبكة مقتل ما لا يقل عن 234,145 مدنياً منذ منتصف آذار 2011، فيما لا يزال 177,021 شخصاً قيد الاختفاء القسري، غالبيتهم على يد قوات النظام البائد، في ظل دمار هائل طال البنى التحتية في مختلف أنحاء البلاد. هذا الرقم ليس مجرد إحصائية، بل شاهد حي على حجم الجريمة التي ارتُكبت بحق شعب كامل، دون أن يرف جفن للمؤيدين، وفي مقدمتهم فنانون كرّسوا حضورهم للدعاية والتصفيق.
كما أعاد بعض الناشطين تداول مقطع مصور لعلي الديك عندما كان ينتخب، فبصم لبشار الأسد بدمه بعد أن وخز يده، في مشهد حمل رمزية مرعبة، تلخّص مساراً دموياً امتد سنوات. تساءل الناشطون: أين كان صوت "المغترب الجديد" آنذاك، عندما سال الدم في الشوارع ولم يكن حبراً على أوراق، بل دماء على أرصفة المدن المقصوفة؟
في بلد تحوّل فيه الغياب إلى هوية وطنية، والحنين إلى نزيف دائم، لم يجد كثيرون في أغنية علي الديك إلا محاولة تجميل لصورة مشروخة، وتغافلاً متعمّداً عن واقع مؤلم لا تنفع معه أغانٍ باردة، ولا مشاهد تمثيلية. فالغربة التي يعرفها السوريون لا تُغنّى، بل تُعاش، وتُحتمل، وتُبكى في كل عيد، وعلى كل مائدة ينقص فيها فرد من العائلة، ربما إلى الأبد.
أُقيمت مؤخراً فعالية مسرحية بعنوان "موعد مع وطن جديد" في مدينة حماة، بتنظيم من فريق "حكاية شغف" وبالتعاون مع مديرية البيئة في حماة، حيث احتضن مدرج مجلس المدينة الحدث الذي جمع بين التوثيق الفني والاستشراف المستقبلي.
الفعالية انقسمت إلى قسمين رئيسيين، بحسب ما أوضحته ماريا عبد الرحمن، المساعدة الإدارية في فريق "حكاية شغف"، في تصريح لـ"زمان الوصل". القسم الأول تمثل بعرض مسرحي مؤدّى من قبل طفلتين، تناول أحداث حرب مدينة حماة 1982، بهدف تعريف الجيل الجديد بتلك الحقبة، وتسليط الضوء على جرائم النظام البائد التي ما زالت غائبة عن وعي الكثيرين من أبناء الجيل الصاعد.
أما القسم الثاني، فكان عبارة عن أمسية أدبية قدّم خلالها كتاب الفريق نصوصاً مسرحية تناولت موضوعات النصر، ومرحلة ما قبل سقوط النظام، والسعادة بالتحرر، مع لمحات استشرافية عن المستقبل المنشود لسكان المدينة.
وقال علي محمود المصري، الكاتب في فريق "حكاية شغف":"قدمنا هذه الفعالية فرحاً بالنصر وتذكيراً لأهالينا بالمصائب التي حصلت خلال حكم النظام البائد. دوري ككاتب في هذا الحدث لا يُقدّر بثمن. نحن نؤمن بأن الكلمة قادرة على صناعة التغيير في المجتمع، وهذا ما نسعى إليه من خلال نشاطاتنا الفنية والثقافية."
يُذكر أن هذه الفعالية تأتي في سياق جهود ثقافية متواصلة تهدف إلى إعادة بناء الوعي الجمعي وترسيخ قيم الحرية والعدالة من خلال الفن، في مدينة لا تزال تحاول استعادة نبضها بعد سنوات من الألم والاضطهاد. حُظيت الفعالية بتفاعل واسع من الناشطين، الذين ثمّنوا أهمية تسليط الضوء على أحداث مغيّبة من تاريخ المدينة. وتناقلوا عبر منصات التواصل مقاطع من العرض، مؤكدين أن الفعالية تساهم في تعزيز الوعي المجتمعي، وأشادوا بجهود فريق "حكاية شغف" في توظيف الفن لخدمة قضايا الذاكرة والحرية.
ويُذكر أن مجزرة حماة تعد واحدة من أبشع الانتهاكات التي ارتكبها المقبور حافظ الأسد. وفي نهاية يناير 1982، حاصرت قوات من أجهزة الأمن والجيش مدينة حماة، وتمركزت بعض القوات في عدة مناطق داخل المدينة، وتوزعت القوات المشاركة في المجزرة بين:
(قوات سرايا الدفاع: 12 ألف جندي بقيادة رفعت الأسد - قوات الوحدات الخاصة: بالأسلحة الثقيلة والدبابات والمدفعية - الكتائب الحزبية: تتكون من مدنيين دربوا على حمل السلاح - قوات فرع الأمن العسكري - - قوات أمن الدولة - الأمن السياسي).
بداية المجزرة: حصار المدينة وبدء القصف العشوائي
في 2 فبراير 1982، بدأت القوات باقتحام المدينة، وأدت الاشتباكات الأولية إلى انسحاب القوات المقتحمة وبدأت بعد ذلك عمليات القصف العشوائي باستخدام المدافع والرشاشات والطائرات، مما دمر الأحياء السكنية بشكل كبير، وطال القصف المساجد والعيادات وأماكن العبادة، مما أسفر عن مقتل وجرح أعداد كبيرة من المدنيين.
الاقتحام البري .. شباط 1982 تاريخ لن ينسى
في 4 فبراير 1982، بدأت المرحلة الثانية من المجزرة باقتحام بري نفذته دبابات اللواء 47. دارت معركة عنيفة في الأحياء السكنية، وقامت القوات بنصب راجمات صواريخ وقاذفات هاون، مما أدى إلى تدمير العديد من المنازل في المدينة.
نتائج المجزرة: قتلى بالآلاف يوم دمرت قوات الأسد مدينة بأكملها
خلفت مجزرة حماة التي استمرت 27 يوماً نحو 30 إلى 40 ألف قتيل مدني، وتوثق بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 7984 منهم، كما تم تقدير المفقودين بحوالي 17 ألف شخص. كما دمر القصف العديد من الأحياء في المدينة بنسبة متفاوتة، حيث سويت بالأرض بعض المناطق بشكل كامل مثل الكيلانية والعصيدة الشمالية، ولايمكن وصف هول المجزرة التي أغفلها الإعلام الرسمي والعربي والدولي، كما لم تحظ المجزرة التي كانت أبشع إبادة في تاريخ سوريا القديم والمعاصر بأي موقف دولي.
وجه الشيخ سليمان عبد الباقي، قائد فصيل "تجمع أحرار جبل العرب" في السويداء، رسالة مفتوحة إلى أهالي السويداء والسوريين عامة، شدّد فيها على ضرورة تجاوز عقلية الانتقام، وتغليب لغة القانون والوحدة الوطنية، مؤكدًا التزامه بمسار بناء الدولة السورية الجديدة القائمة على العدل والكرامة والمؤسسات.
وفي بيان نشره عبر صفحته الرسمية، قال عبد الباقي إن أبناء الثورة الأحرار وقفوا بوجه النظام البائد في ذروة قوّته، ورفعوا صوتهم دفاعًا عن المظلومين، ودفعوا في سبيل مواقفهم ثمناً باهظاً، تمثل في الشهداء والاعتقالات والاستهداف المباشر، سواء من قوات النظام أو من "دواعش الداخل"، على حد وصفه.
مواجهة الفتن والعمل على توحيد الصف
وكشف عبد الباقي عن جهود كبيرة بذلت في الأيام الأخيرة لإطفاء شرارات الفتنة في الجنوب السوري، لافتًا إلى أن ما وصفها بـ"حملات الكذب والتضليل" التي يتعرض لها، يقف خلفها أطراف شاركت في سفك دماء أبناء السويداء، وتورطت في عمليات تسليم المعتقلين للنظام وتواطأت في جرائم خطف وسرقة.
وشدد على أن حماية أبناء السويداء تظل أولوية بالنسبة له ولرفاقه، مؤكدًا استعدادهم لتقديم أرواحهم فداء لأبناء الجبل، وداعيًا إلى وقف المزايدات السياسية، قائلاً: "لم نتأخر يومًا عن أي معركة، وكنا السبّاقين، ولن نقبل أن يزايد أحد علينا".
لا ولاء إلا لسوريا... ورفض قاطع للتقسيم
وأكد عبد الباقي أن لا ولاء له ولرفاقه سوى لسوريا، مشددًا على أن الوطن لا يحتمل مشاريع انفصالية أو أجندات مشبوهة، داعيًا الجميع إلى الالتقاء تحت سقف الدولة السورية الواحدة.
وأضاف: "نحن سوريون، نختلف في الآراء والمعتقدات، لكننا نلتقي في وطن واحد اسمه سوريا، ولن نقبل بأي محاولة لتقسيمه أو احتلاله تحت أي ذريعة".
تنسيق يومي مع السلطات لخدمة الأهالي
وأوضح عبد الباقي أن فريقه يعمل بشكل يومي على التنسيق مع الجهات الرسمية لتأمين طريق دمشق – السويداء، وتوفير الخدمات الأساسية من محروقات وطحين ودواء وغاز، وتأمين الطلاب داخل الحرم الجامعي، ونقل المرضى والمحتاجين.
وأشار إلى أنه تم تكليفه رسميًا من أهالي جرمانا وصحنايا والأشرفية بمتابعة ملفات المعتقلين والمغيبين، وأنه يجري متابعة هذه الملفات مع الجهات الرسمية المختصة للمطالبة بمحاكمة المجرمين ومحاسبة المتورطين.
الرفض المطلق للوصاية والطائفية
وفي ما يخص التعليم، شدد عبد الباقي على أنه "أمانة في أعناق الجميع"، ولا يحق لأي طرف تقرير مصير أبنائنا، مضيفًا: "لا شيخ عليكم ولا رئيس إلا بما يطابق الحق، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم"، واستنكر كل خطاب طائفي أو تحريضي، مشيرًا إلى أن من يسعى لتأجيج الانقسامات "ينبغي محاسبته وفق القانون".
دعوة إلى دولة القانون والمؤسسات
وختم عبد الباقي بيانه بالتشديد على ضرورة الالتفاف حول مشروع الدولة، قائلاً: "لا بديل لنا عن الدولة. عقلية الانتقام لا تبني وطنًا، بل تُبنى الأوطان بالعدالة والمؤسسات والعمل الجماعي".
وأضاف: "نحن اليوم أمام فرصة تاريخية لبناء سوريا جديدة، واليد الواحدة قادرة على تجاوز كل العقبات، إذا ما اجتمعت على الحق ونبذت التفرقة، وعملت بإخلاص لأجل الوطن".
خلال حكم المجرمين آل الأسد، لم يكن المثقف من يطرح الأسئلة أو يبتكر أو يشتبك مع قضايا شعبه، بل من يتماهى مع العائلة الحاكمة، ويمجد الزعيم، ويصفق دون توقف. هكذا أراد النظام أن تكون النخبة: أداة دعائية لا ضميراً حياً، تابعين لا مفكرين. ولأجل ذلك، صُنع مثقفون على مقاس السلطة، فيما زُج بأصحاب الرأي والفكر المستقل في السجون أو قُذف بهم إلى المنافي.
ثقافة القائد: أكذوبة التفوق
منذ حكم الديكتاتور حافظ الأسد، عمل النظام على ترويج صورة الزعيم الشامل: القائد المفكر، والمعلم الأول، والمهندس الزراعي، والطبيب المجدد، والناقد الفني. استُخدمت الثقافة لخدمة عبادة الفرد، لا لترقية الوعي أو كشف الحقائق. وقد ورث المخلوع بشار الأسد هذه العقلية، فكان تلميذاً بارعاً في تحويل كل مساحة فكرية أو فنية إلى منبر تمجيد شخصي.
بل وامتد تزييف الصورة إلى أبنائه، كما حدث في أولمبياد ريو دي جانيرو للرياضيات، حين روّجت الصفحات الموالية لفوز حافظ بشار الأسد بمراكز "عالمية"، بينما الواقع أنه جاء في المركز 528 من أصل 615 مشاركاً، والأخير بين زملائه السوريين. أرادوا صناعة صورة باهتة من إنجاز لا وجود له، بينما الآلاف من المتفوقين الحقيقيين كانوا في الظل أو في المنفى.
المفكرون الرسميون... أدوات لا رموز
لم يكن التمكين الثقافي في سوريا يقوم على الكفاءة، بل على الولاء. وكانت الدكتورة نجاح العطار أبرز نموذج لذلك. تولّت وزارة الثقافة لعقود ثم منصب نائب رئيس الجمهورية، لكنها لم تُعرف بإسهامات فكرية أو نقدية، بل بمواقفها الانسجامية الكاملة مع خط النظام.
استخدمت كواجهة مدنية "ناعمة" لتجميل وجه السلطة القمعي. لكنها اختفت بصمت حين بدأت الثورة، واهتزّ عرش النظام. لم يكن صمتها موقفاً أخلاقياً، بل هروباً من مشهد تتساقط فيه الأقنعة. وبعد انتصار الثورة وهروب الأسد كوعت كغيرها من الموالين والشبيحة.
ومثلها كان أحمد بدر الدين حسون، المفتي السابق، الذي تحوّل إلى ظاهرة للتهريج الديني السياسي. اشتهر بتصريحاته المثيرة للسخرية، مثل اعتباره أن "والتين والزيتون" في القرآن ترمز إلى سوريا، وأن "ثم رددناه أسفل سافلين" تشير إلى من غادروا البلاد! حتى الموالون باتوا يتندرون عليه، بعدما تحوّل من "رمز ديني" إلى أضحوكة.
الزنازين تنتظر أصحاب الرأي
في ظل هذه المنظومة، لم يكن من الغريب أن يُلاحق المفكرون الأحرار والمثقفون المستقلون. الآلاف اعتُقلوا لمجرد رأي أو مقالة أو كتاب. آخرون اختاروا المنفى، هرباً من الزنازين التي امتلأت بكل من لم يركع. في المقابل، استمر النظام في تكريس مثقفي الصدفة، وشخصيات تصطف مع الجريمة باسم الوطن، لتصفيق لا ينقطع.
المنفى: حيث تُزهر العقول السورية
بعيدًا عن قبضة الأمن والمخابرات، أبدع السوريون في ميادين لا حصر لها، بعدما وجدوا في المنافي بيئة تمنحهم ما حُرموا منه: الحرية، والفرصة، والتقدير.
سامر كرم – جسر الشغور، هولندا
في هولندا، طوّر سامر كرم حقيبة ظهر ذكية ITC-Backpack، تستخدم المسح الليزري لرسم خرائط ثلاثية الأبعاد دقيقة للمباني خلال دقائق. تُستخدم اليوم في أوروبا في حالات الطوارئ. سامر، الذي كان مشروعاً مهدوراً في سوريا، تحوّل في المنفى إلى رمز للابتكار والنجاح.
مايا غزال – دمشق، بريطانيا
خرجت من دمشق في السادسة عشرة، لتحقق في المنفى ما لم يكن ليُتاح لها في الداخل: أول لاجئة سورية تصبح طيارة. درست هندسة الطيران في جامعة برونيل البريطانية، وأصبحت رمزاً نسوياً وإنسانياً عالمياً، حاملة جائزة إرث الأميرة ديانا، ومشاركة في فعاليات كبرى للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
جين داوود – سوريا، تركيا، أوروبا
أسست جين داوود منصة إلكترونية للصحة النفسية موجهة للاجئين والناجين من الحرب، وقدّمت خدمات مجانية لآلاف المحتاجين. وخاصة خلال فترة الزلزال في عام 2023، نالت على جهودها جائزة نانسن للاجئين عن أوروبا عام 2024. جين قالتتقول: "إن ردود الفعل من المستفيدين من خدماتنا هي أكبر مكافأة بالنسبة لي، ولكن الفوز بهذه الجائزة له معنى كبير، فهو يمنحني الدافع والشجاعة لمواصلة هذا العمل".
بين المثقف الحقيقي وصوت التطبيل
في عهد الأسد الإرهابي، لم يكن المثقف من يبدع أو يواجه، بل من يحفظ أقوال القائد عن ظهر قلب، ويُتقن سرد "منجزات" ثورة الثامن من آذار، ويمجّد "الحركة التصحيحية"، ويردد منطلقات حزب البعث التي لا معنى لها ولا قيمة، سوى أنها أوراق مرور نحو رضا السلطة.
كان الولاء أهم من العقل، والحفظ أهم من الإبداع، والتصفيق أهم من الموقف. أما من خرج عن هذا القالب، فكان مصيره التهميش أو الاعتقال أو النفي، لكن الثورة والمنفى أثبتا أن الفكر لا يُدفن، والمثقف الحقيقي لا يُشترى. رُوّج للأسد على أنه الأول في كل شيء، بينما الحقيقة أنه الأول في القمع والقتل وتزييف الوعي، فالطغاة يصنعون المصفقين، لكن الشعوب تصنع التاريخ.
وثّق "مرصد بصمة لحقوق الإنسان" المحلي، وفاة الشاب "محمود عبد الحسن"، من مواليد عام 1990 ومن أبناء بلدة الكسرة بريف دير الزور، وذلك داخل سجن الحسكة المركزي الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في ظروف وصفتها مصادر حقوقية بـ"المقلقة"، لا سيما مع غياب الرعاية الصحية والشفافية في إدارة مراكز الاحتجاز.
وكان عبد الحسن، وهو متزوج وأب لطفل، قد أُوقف في يونيو/حزيران 2018 بعد اتهامه بالانتماء إلى تنظيم الدولة، وهي تهمة نفتها مصادر محلية مطّلعة تحدثت إلى فريق الرصد في "بصمة"، مؤكدة أن الضحية لم يكن منتمياً للتنظيم، بل كان مدنياً لا علاقة له بالنشاط المسلح.
تدهور صحي دون علاج... وانتهاء مأساوي
وخلال فترة اعتقاله، أُبلغت عائلة عبد الحسن مؤخراً بإصابته بمرض السل، إلا أن المرصد أكد عدم اتخاذ أي خطوات واضحة لعلاجه أو نقله إلى مركز طبي مختص، ما فاقم من وضعه الصحي.
وفي الجمعة 16 أيار/مايو 2025، تسلّمت عائلته جثمانه من المستشفى الوطني في الحسكة، دون تقديم أي تفسير رسمي أو توضيحات حول ظروف وفاته، وهو ما زاد من حجم الشكوك حول الإهمال الصحي، وربما مسؤولية محتملة عن الوفاة داخل السجن.
مطالب بتحقيق فوري وزيارات ميدانية
وفي بيانه الرسمي، أعرب "مرصد بصمة" المحلي، عن قلقه العميق حيال الأوضاع الصحية والإنسانية داخل مراكز الاحتجاز التابعة لـ"قسد"، مطالباً بـ: فتح تحقيق عاجل وشفاف لتحديد ملابسات وفاة محمود عبد الحسن، وتمكين المنظمات الطبية والحقوقية من الوصول إلى السجون ومراقبة ظروف الاحتجاز.
وشدد على ضرورة ضمان توفير الرعاية الطبية الفورية للمحتجزين، لا سيما في الحالات التي تنطوي على أمراض معدية كالسل، ومساءلة الجهات المسؤولة عن أي تقصير أو انتهاك يعرّض حياة المعتقلين للخطر.
استمرار المتابعة الحقوقية
وأكد المرصد استمراره في متابعة هذه القضية وسواها من حالات الوفاة أو الإهمال داخل مراكز الاحتجاز، داعياً إلى تبني نهج إنساني شفاف في إدارة شؤون المعتقلين، يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
واختتم البيان بالتشديد على أن صمت الجهات المسيطرة لا يُعفيها من المسؤولية، مطالباً بتفعيل آليات الرقابة الدولية وفتح تحقيقات مستقلة تضمن عدم الإفلات من العقاب وتكفل كرامة وسلامة جميع المحتجزين.
سلّط موقع "زمان الوصل" الضوء على كواليس نشاط "حزب الوطن السوري"، الذي ظهر مؤخراً على الساحة السياسية في دمشق عبر تنظيم فعالية برعاية مباشرة من ثابت الجوهر، أحد أبرز قادة ميليشيا "الدفاع الوطني" سابقاً، والمعروف بسجله الأمني والعسكري المثير للجدل.
ووفق تحقيق الموقع، فإن الحزب الذي يُقدّم نفسه بوصفه حزباً ديمقراطياً سورياً، لا ينفصل عن المشروع السياسي والعسكري لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) وذراعها السياسي "مسد"، بل يمثل أحد أدوات التجميل السياسي لمشروع "الإدارة الذاتية" وواجهة عربية لتسويقه، خاصة في المناطق ذات الغالبية العربية.
من "التطوير والتغيير" إلى "الوطن السوري"... حزب يتبدل بالاسم ويثبت بالمضمون
ويشير الباحث السياسي "مهند الكاطع" إلى أن الحزب تأسس في عام 2014 تحت اسم "حزب التطوير والتغيير الوطني الديمقراطي"، ثم غيّر اسمه إلى "حزب الوطن السوري" خلال مؤتمره الرابع في آذار/مارس 2024، دون أن يغيّر من توجهاته العامة، التي ظلت مطابقة تقريباً لخطاب "مسد".
منذ تأسيسه، تبنى الحزب خطاب "اللا مركزية"، وروّج لمفاهيم "الاعتراف بالتنوع"، في الوقت الذي يهاجم فيه بانتظام كل من يعارض هيمنة "قسد"، سواء من المكون العربي أو الكردي.
تطابق مع خطاب "مسد" ودور وظيفي مكشوف
يشارك الحزب بانتظام في فعاليات ومسارات "مجلس سوريا الديمقراطية"، ويُكرر قادته تصريحات تصبّ في الدفاع عن "قسد" وتبرير سطوة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، وهو ما يثير تساؤلات حول استقلاليته وجدواه كحزب سياسي فعلي.
وبحسب الكاطع، فإن "حزب الوطن السوري" لا يخرج عن كونه أداة وظيفية لتقديم "صوت عربي" ضمن بنية "الإدارة الذاتية"، بغرض امتصاص النقمة الشعبية، لا سيما في مناطق مثل دير الزور والرقة والحسكة التي شهدت توترات متكررة بسبب ممارسات "قسد" الأمنية والعسكرية.
ثابت الجوهر... من ميليشيا الدفاع الوطني إلى ناطق باسم "قسد"
اللافت أن المشرف على نشاط الحزب، ثابت الجوهر، لا يُعد شخصية سياسية، بل يُعرف بعمله السابق ضمن "الدفاع الوطني" التابع للنظام البائد، قبل أن يتحوّل إلى شخصية مقربة من "قسد"، ويُتهم بتنفيذ اعتقالات ومداهمات بحق معارضين عرب، لا سيما خلال اقتحام حي غويران في الحسكة.
سجله الأمني الطويل، وتحركاته الأخيرة تحت لافتة "الحزب"، تُظهر كيف يُعاد تدوير بعض الأسماء الأمنية السابقة لتقديم أنفسهم بصيغ جديدة تناسب مشاريع السيطرة والهيمنة في المناطق الخارجة عن سلطة النظام المركزي.
أحزاب بلا مشروع… واجهات تُلمّع السلطة القائمة
ويخلص التقرير إلى أن "حزب الوطن السوري" لا يمثل حالة سياسية مستقلة، بل يعيد إنتاج سياسات "مسد" بمسميات جديدة، ويُستخدم كواجهة عربية لتلميع خطاب "الإدارة الذاتية" في الوقت الذي يتم فيه إقصاء الأصوات المحلية الحقيقية، خاصة من العشائر والفعاليات المجتمعية المستقلة.
في ظل هذا الواقع، يرى مراقبون أن مثل هذه التحالفات لا تصنع حلاً سياسياً، بقدر ما تُكرّس واقع التبعية والارتهان لمشاريع فئوية، تُدار بمنطق أمني تحت ستار "التغيير الديمقراطي".
أطلق ناشطون وثوّار من مدينة حلب حملة إلكترونية تحت وسم "القصر_العدلي_عدو"، رفضاً لاستمرار وجود قضاة ومحامين داخل مؤسسة القضاء، ممن ارتبطوا سابقاً بمنظومة النظام البائد، وكانوا جزءاً من أدواته القمعية.
وقال منظّمو الحملة إن هذه الخطوة تأتي انطلاقاً من "المسؤولية الثورية والإعلامية، ووفاءً لدماء الشهداء والمعتقلين وضحايا الظلم"، مؤكدين أن مؤسسات العدالة لا يمكن أن تُدار بأدوات النظام الذي شرعن القمع واستباح كرامة الإنسان.
القصر العدلي... منصة الظلم في عهد القمع
وتابعت الحملة في بيانها أن "القصر العدلي في حلب" كان خلال سنوات حكم النظام بمثابة "منصة لتوقيع قرارات الظلم، وشرعنة الاعتقالات التعسفية، والتغطية على جرائم المخابرات"، على يد قضاة ومحامين تورطوا في خدمة منظومة الاستبداد، وتحوّلوا إلى أذرع أمنية بغطاء قانوني.
وأضافت: "اليوم، وبعد كل ما قدّمه السوريون من تضحيات، لا يمكن القبول ببقاء هؤلاء في مفاصل الدولة، لأن من ساند القمع بالأمس، لا يؤتمن على العدالة اليوم، ومن وقّع على الظلم، لا يحق له الحديث باسم القانون".
مطالب ثورية واضحة لإصلاح القضاء
وتقدّمت شبكة "أخبار المعارك" التي تضم نخبة واسعة من النشطاء والثوريين والحقوقيين السوريين، المطالبة بالحملة بجملة من المطالب، تمثلت في: العزل الفوري لكل قاضٍ أو محامٍ ثبت تورطه في التنسيق أو العمل مع أجهزة النظام الأمنية أو القضائية، وفتح ملفات التعيين والمساءلة لكل من تلوث سجله بالتواطؤ على الثورة أو ساهم في تلفيق الاتهامات بحق الأبرياء، وتأسيس سلطة قضائية ثورية ونزيهة، تمثل روح الثورة وتحفظ كرامة الإنسان وحقوقه بعيداً عن تركة القمع والتوظيف السياسي للقضاء.
لا شرعية لقضاءٍ يحتضن رموز القمع
وختم البيان بالتأكيد على أن "لا عدالة بوجود من خانها، ولا هيبة لقضاءٍ يحتضن من شرّع السجون ومهّد لسنوات من الدم والظلم"، مشددين على أن تطهير المؤسسة القضائية هو شرط أساسي لبناء دولة عادلة بعد عقود من الاستبداد.
وسبق أن أشاد نشطاء وحقوقيون سوريون بالقرار الصادر عن مجلس فرع نقابة المحامين في حلب، المتعلق بوقف الترافع أمام القاضي "حسين فرحو" في جميع القضايا المعروضة عليه، وتجميد أي نشاط قانوني أو محاماة أمامه من قِبل المحامين المنتسبين للفرع، وذلك على خلفية اتهامه بالضلوع في ارتكاب "جرائم جسيمة" بحق الشعب السوري خلال فترة توليه مهامه القضائية.
وأوضح المجلس أن القرار جاء حفاظًا على مهنة المحاماة ومبادئ العدالة، واستنادًا إلى معلومات وشهادات موثقة تشير إلى ارتكاب القاضي المذكور مخالفات خطيرة تنتهك القيم القانونية والإنسانية، مؤكدًا أنه إجراء احترازي لحين اتخاذ التدابير القانونية بحقه من الجهات المختصة.
وشدد القرار على ضرورة التزام جميع المحامين في فرع النقابة بحلب بتنفيذه، محذرًا من أي مخالفة قد تعرض مرتكبها للمساءلة المسلكية أمام مجلس التأديب، وذلك بموجب أحكام قانون تنظيم مهنة المحاماة رقم 30 لعام 2010 والنظام الداخلي للنقابة.
وأكد مجلس النقابة على التزامه الكامل بمتابعة قضايا الشعب السوري، والعمل على ضمان حق المواطنين في محاكمات عادلة، داعيًا إلى حماية حقوق الإنسان وتعزيز استقلالية القضاء.
وقالت "نور الخطيب"، مديرة قسم التوثيق في "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، إن قرار فرع نقابة المحامين في حلب بمقاطعة القاضي المتهم بانتهاكات جسيمة يُعدّ خطوة جريئة تُسجل لصالح استعادة الدور الحقيقي للنقابات كمؤسسات مهنية مستقلة وفاعلة في الشأن العام، لا سيما عندما تُسخّر لخدمة العدالة ومحاسبة الجناة بدلاً من التواطؤ معهم.
وأوضحت الخطيب أن مقاطعة قاضٍ لا يزال يشغل منصباً قضائياً، بناءً على تورطه في جرائم ضد السوريين، ليست مجرد خطوة إجرائية داخلية، بل تمثل رسالة سياسية وأخلاقية قوية، تُعيد الاعتبار لمبدأ المحاسبة من الداخل، وتشكل دعوة مفتوحة لبقية النقابات والهيئات القانونية لتحريك الضمير المهني والقانوني.
وأضافت أن هذا القرار يضع مجلس القضاء الأعلى أمام اختبار حقيقي: فإما أن ينحاز لنداء العدالة ويباشر بمحاسبة القضاة المتورطين، أو يكرّس صورة القضاء كركن أساسي في منظومة الإفلات من العقاب. ولفتت إلى أن هذا النوع من الضغط المهني الداخلي قد يكون أكثر تأثيراً من عشرات البيانات الصادرة عن جهات خارجية، لأنه نابع من قلب المؤسسة القضائية ذاتها.
وفي تعليقه على القرار، اعتبر المحامي السوري عارف الشعال أنه يشكل "سابقة قانونية وتاريخية" تُحسب لنقابة المحامين في حلب، لما لها من أثر مباشر على تعطيل القاضي عن عمله، إذ إن المحامين ملزمون قانونيًا بعدم الترافع أمامه تحت طائلة المسؤولية المسلكية.
ورأى الشعال أن القرار سيُحرج مجلس القضاء الأعلى، الذي وصفه بالتباطؤ في محاسبة القضاة المتورطين بانتهاكات، مشيرًا إلى أن تحركات بعض القضاة، مثل عمار بلال، تحاول إعادة تدوير أنفسهم رغم سجلهم السلبي، وهو ما يستوجب المساءلة العاجلة.
وأضاف أن القرار يمثل محطة مفصلية تعيد لنقابة المحامين دورها الوطني كرافعة للعمل النقابي، بعد أن أفرغها نظام حزب البعث من مضمونها منذ عام 1980، وجعلها أداة أمنية بيد المنتفعين.
ونوّه الشعال بأهمية الجهود القانونية في المحافظات الأخرى، مشيدًا بالعمل الحقوقي الذي تنهض به نقابة المحامين في درعا من خلال لجنة رصد انتهاكات حقوق الإنسان، بالإضافة إلى نشاط لجنة العدالة الانتقالية في نقابة حمص، معتبراً أنها خطوات هامة لاستعادة دور النقابات في الدفاع عن الحريات العامة والحقوق المدنية.
وقال الحقوقي "غزوان قرنفل": "كل الشكر والاحترام لمجلس فرع نقابة المحامين بحلب على قراره بالامتناع عن الحضور والمرافعة في محكمة يرأسها القاضي ( حسين فرحو ) لفجوره وتباهيه بمناصرة سلطة الأسد المجرمة طوال سنوات الثورة"، واعتبر أن هذا هو صراط المحامين الحقيقي الانتصار لحقوق الناس وكراماتهم.
ناشط إعلامي يكشف عن استمرار قاضٍ من عهد الأسد في عمله رغم إصدار أحكام قمعية بحق المتظاهرين
وكان أثار ظهور القاضي حسين فرحو، الذي ارتبط اسمه بإصدار أحكام قاسية بحق ناشطي الثورة السورية، موجة جدل واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، بعدما وثّق الناشط الإعلامي لؤي أبو الجود، من أمام القصر العدلي في حلب، مشهد لقائه المفاجئ بالقاضي الذي حكم عليه بالسجن 22 عاماً في العام 2012 بسبب مشاركته في التظاهرات السلمية ضد نظام بشار الأسد.
وقال أبو الجود في مقطع فيديو صوّره من أمام مبنى المحكمة: "كنت بصدد إنجاز معاملة قانونية في القصر العدلي بحلب، حين تفاجأت بوجود القاضي حسين فرحو، لا يزال على رأس عمله"، مضيفاً: "هذا القاضي هو من أصدر بحقي حكماً بالسجن لمدة 22 سنة بتاريخ 5 آذار 2012، بعد أن تم اعتقالي خلال مشاركتي في إحدى المظاهرات".
وأشار الإعلامي إلى أن عائلته اضطرت حينها لدفع مبالغ مالية لإطلاق سراحه بكفالة، مستعرضاً جانباً من الانتهاكات التي ارتكبها القاضي ذاته بحق معتقلين آخرين، بعضهم – كما قال – لا يُعرف مصيرهم حتى اليوم، متسائلاً بمرارة: "هل لا يزالون على قيد الحياة؟".
ووجّه أبو الجود نداء إلى الحكومة السورية الجديدة ووزارة العدل، قائلاً: "ما الذي يفعله الشبيحة في مؤسسات الدولة حتى الآن؟"، داعياً إلى فتح ملفات أولئك القضاة الذين تورطوا في قمع الحراك الثوري وتلفيق التهم ضد المواطنين، مطالباً بمحاسبتهم ضمن مسار العدالة الانتقالية.
تفاعل واسع ودعوات لمحاسبة الجناة
انتشر الفيديو بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، وأثار استياء واسعاً في أوساط السوريين الذين رأوا في استمرار وجود شخصيات كهذه في مناصب حساسة "إهانة لذاكرة الضحايا"، وانتهاكاً واضحاً لوعود الحكومة الجديدة بتحقيق العدالة.
ودعا العديد من المتابعين الناشط أبو الجود إلى تقديم شكوى رسمية بحق القاضي فرحو، مؤكدين أن "العدالة لا تُطلب على فيسبوك"، بل من خلال القنوات القانونية. وكتب أحدهم: "قدم شكوى واطلب محاسبة من تسبب في اعتقالك... وإذا لم يستجب أحد، حينها تحدّث للعامة"، فيما أضاف آخر: "لا تصمت، وأبلغ الجهات المختصة، فربما هناك آخرون مثلك بحاجة إلى صوتك".
أمل بمحاسبة رموز القمع
وعبّر ناشطون عن تطلعهم إلى مرحلة جدية من المحاسبة الشاملة لكل من ارتكب انتهاكات بحق السوريين خلال عهد النظام المخلوع، سواء من الأجهزة الأمنية أو القضائية، مؤكدين أن التغاضي عن هذه الأسماء سيُفقد الدولة الجديدة مصداقيتها في أعين من دفعوا أثماناً باهظة في سبيل الحرية والكرامة.
وأكدت تعليقات أخرى أن "الكثير من رموز القمع ما زالوا طلقاء، يمارسون وظائفهم، بل ويُمنح بعضهم مناصب جديدة"، وهو ما وصفه ناشطون بأنه "تهديد حقيقي لمسار العدالة الانتقالية"، داعين إلى تشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق ومتابعة ملفات القضاة المتورطين بجرائم ضد الإنسانية.
أكدت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، هند قبوات، أن التفاعل الواسع من قبل السوريات والسوريين مع عمل الحكومة الجديدة يعكس وعياً شعبياً متقدماً، وحرصاً حقيقياً على وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، بما يساهم في بناء مؤسسات قوية، شفافة، وفاعلة.
وقالت قبوات، في تصريح لها، إن "الاهتمام الشعبي بأداء الحكومة ليس فقط دليلاً على متابعة دقيقة، بل يعبر أيضاً عن **إحساس عميق بالمسؤولية الجماعية تجاه مستقبل الدولة، ورغبة واضحة في تجاوز إرث المرحلة السابقة".
ورثنا منظومة فساد… وبدأنا بتفكيكها
وأضافت الوزيرة: "منذ استلامي مهامي، واجهنا تركة ثقيلة من الفساد العميق والممنهج، الذي تجذّر على مدى سنوات طويلة في مؤسسات الوزارة، وبدأنا على الفور بالعمل لتفكيك هذا الواقع، ولبناء بيئة عمل جديدة تقوم على الثقة، تحترم القانون، وتلتزم بالإجراءات الشفافة والواضحة".
وأشادت قبوات بجهود حكومة تسيير الأعمال التي تولّت المسؤولية عقب سقوط النظام السابق، وقالت: "رغم الظروف الصعبة والاستثنائية، بذلت تلك الحكومة جهداً كبيراً للحفاظ على المؤسسات من الانهيار. لكننا اليوم، أمام مسؤولية إعادة تقييم عدد من القرارات التي صدرت في تلك المرحلة، ومراجعتها وفق قواعد العمل المؤسساتي السليم".
لجنة وطنية للتحقيق في مصير المغيبين… وتجميد مؤقت لبعض الأسماء
وفي سياق الإصلاحات الجارية، أعلنت الوزيرة تشكيل لجنة تحقيق وطنية خاصة بملف المعتقلين والمغيبين قسراً، تضم ممثلين عن وزارات العدل والداخلية والأوقاف، إضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني وذوي الضحايا، وترأسها وزارة الشؤون الاجتماعية.
وأوضحت أن اللجنة باشرت أعمالها فعلياً، وتعمل بجدية ومسؤولية لكشف مصير المفقودين، مشيرة إلى أن دور اللجنة لا يقتصر على التحقيق، بل يشمل مراجعة ملفات وأسماء أثارت الجدل، حيث تم تجميد عمل بعض الأشخاص مؤقتاً لحين صدور نتائج موثقة.
إدارة جديدة للهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان
وفي إطار التنظيم الإداري، كشفت قبوات عن تشكيل مجلس إدارة مؤقت لتسيير أعمال الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، يضم كفاءات وخبرات معروفة، وذلك إلى حين صدور مرسوم رسمي من رئاسة الجمهورية لتشكيل المجلس الدائم وفق الأصول القانونية.
مسار شفاف ومستدام لبناء مؤسسات الثقة
وختمت الوزيرة تصريحاتها بالتأكيد على أن الهدف اليوم هو ترسيخ عمل مؤسساتي شفاف، حقيقي، ومستدام، يمكن تقييمه وقياس أثره، ويعتمد على قواعد واضحة لمعالجة الملفات الحساسة.
وقالت قبوات: "نعلم أن الطريق طويل، لكنه طريق لا رجعة فيه، ونحن ماضون فيه بثقة، وبتعاون صادق مع كل السوريين والسوريات الذين يحملون هذا الوطن في قلوبهم".
وسبق أن شاركت "هند قبوات" وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل في ورشة عمل بعنوان "العدالة الانتقالية في سوريا: آفاق وتحديات"، لافتة في كلمة لها إلى أنها تفاجأت بحجم الفساد الذي وجدته منذ تنصيبها كوزيرة، مضيفة أن الفساد داخل الوزارة "متجذر" ولا يمكن التخلص منه في فترة قصيرة، مؤكدة أن إصلاح المنظومة يحتاج وقتاً وجهداً مشتركاً.
تحركات إصلاحية مرحلية في سوريا
أعلنت الوزيرة قبوات عن تأسيس هيئة مخصصة لقضايا المعتقلين ضمن الهيكل التنظيمي الجديد للوزارة، وذلك في إطار السعي لمعالجة هذا الملف الحساس وفق مبادئ العدالة الانتقالية. وأشارت إلى أن الوزارة تعتمد بشكل كبير على التعاون مع منظمات دولية ومؤسسات المجتمع المدني من أجل ضمان حقوق المتضررين وتعزيز مسار العدالة المستدامة.
وأكدت الوزيرة على ضرورة التحلي بالصبر وتفهم التحديات، موضحة أن القضاء على الفساد ليس بالأمر الذي يُنجز خلال فترة قصيرة، لكنها تعمل على تنفيذ خطوات عملية تهدف إلى إصلاح القطاع الاجتماعي بوتيرة متدرجة.
وتناولت الورشة، التي حضرها عدد من الخبراء والمهتمين، محاور متعددة تتعلق بتطبيق العدالة الانتقالية في سوريا، شملت كشف الحقيقة، المساءلة، إصلاح المؤسسات، التعويض وجبر الضرر، بالإضافة إلى تخليد ذكرى الضحايا. وأجمع الحضور على أهمية اتخاذ إجراءات ملموسة تضمن تحقيق العدالة في المستقبل القريب.
ورشة عمل لدعم ذوي الإعاقة
قبل أيام قليلة نظمت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، ورشة عمل حملت عنوان "المبادئ التوجيهية لإعداد التقرير الوطني حول واقع الإعاقة" في مقر الوزارة بدمشق. واستمرت هذه الورشة لمدة خمسة أيام، حيث ركزت على دراسة تطور مفهوم الإعاقة وفقاً لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى استعراض المناهج المختلفة للتعامل مع هذه القضية الهامة.
وخلال لقاءات إعلامية، أكدت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل هند قبوات أن الهدف من الورشة هو تعزيز الفهم والمعرفة باتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى التعريف بالتشريعات الوطنية ذات الصلة. وأشارت إلى أهمية تنمية مهارات المشاركين في جمع وتحليل البيانات وفق معايير حقوق الإنسان، وصياغة تقارير شاملة ومتقنة. كما شددت على ضرورة مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في صنع القرار لضمان فعالية السياسات على أرض الواقع.
هند قبوات توجه رسالة للصم
وكان تداول ناشطون وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو للوزيرة هند قبوات وهي توجه رسالة حب وتقدير للأشخاص الصم. ظهر في الفيديو علم سوريا الحرة خلف الوزيرة، التي خاطبت الصم بلغة الإشارة قائلة: "لكل الأشخاص الصم، أنا عم فكر فيكون، والسبب أنتو وين، أنتو بقلوبنا".
ردود الأفعال
لاقى الفيديو تفاعلاً واسعاً بين المتابعين الذين أعربوا عن إعجابهم بالمبادرة، معتبرين أن الاهتمام بقضية الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية خطوة مهمة نحو تعزيز الوعي. وأشاد البعض بتوصيل الرسائل التشجيعية بلغة واضحة ومباشرة، مؤكدين أن هذه المبادرات تسهم في توفير بيئة أكثر شمولية. كما شارك آخرون تجاربهم الشخصية وأبرزوا أهمية تضمين لغة الإشارة في المحتوى الإعلامي لتسهيل التواصل مع الصم، متمنين أن تقدم الحكومة السورية المزيد من المشاريع الداعمة لهذه الفئة في المجتمع.
التحديات التي تواجه عمل الوزارة
وسبق وتحدثت قبوات عن التحديات التي تواجه الوزارة، وأوضحت أن الصعوبات الراهنة "متوقعة وطبيعية" في بلد أنهكته سنوات الحرب وفساد النظام السابق، لكنها أكدت أن العزيمة والقدرة على تجاوز هذه التحديات لا تزال حاضرة ومستمرة.
في حوار خاص مع "الجزيرة نت"، كشفت الوزيرة عن ملامح خطة الوزارة للمرحلة المقبلة، التي ترتكز على محورين أساسيين: عودة النازحين وتعزيز السلم الأهلي والتعايش، معتبرة ذلك الأساس لأي عملية تعافٍ مجتمعي واقتصادي حقيقي. وأوضحت أن الوزارة تعمل على تطوير برامج خاصة تستهدف الفئات الأكثر هشاشة عبر مسح شامل للواقع الاجتماعي، بهدف توجيه الدعم بكفاءة وعدالة وضمان وصوله لمن هم في أمس الحاجة إليه.
على صعيد التعاون الدولي، أكدت قبوات أن الشراكات مع دول أوروبية مثل فرنسا وهولندا تلعب دوراً محورياً في دعم جهود التعافي، من خلال المساهمة في إعادة الإعمار وتمكين الفئات الضعيفة، وتوفير الظروف الملائمة لعودة النازحين بأمان وكرامة. وأضافت أن الوزارة ناقشت مع مبعوثين دوليين آليات خلق فرص عمل جديدة وتطوير قطاع العمل، دعماً للاستقرار والتمكين المجتمعي.