
الباحث "تشارلز ليستر" يوضح خيارات "قسد" أمام تطورات ما بعد سقوط الأسد
رأى الباحث البارز ومدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف بمعهد الشرق الأوسط، تشارلز ليستر، في مقال نشره في مجلة "فورين أفيرز"، أن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تواجه ثلاث خيارات رئيسية، ولكل منها مخاطره الخاصة.
الخيار الأول: التمسك بالحكم الذاتي والمواجهة مع الحكومة السورية
أوضح ليستر أن الخيار الأول أمام "قسد" يتمثل في مواصلة التمسك بالحكم الذاتي والانخراط في قتال القوات الحكومية بدعم من تركيا. ورغم أن هذا الخيار يضمن الحفاظ على بعض الاستقلالية، إلا أنه محفوف بالمخاطر، خاصة في ظل غياب الدعم الأميركي. هذا الخيار قد يؤدي إلى تدمير ما تم بناؤه ويعرض المدنيين لمخاطر كبيرة جراء التصعيد العسكري.
الخيار الثاني: البحث عن حلفاء جدد
أضاف ليستر أن الخيار الثاني هو السعي لإيجاد حلفاء جدد مثل روسيا أو إيران. ورغم دور روسيا وإيران الكبير في دعم النظام السوري، إلا أن هذا الخيار يبقى غير مرجح بحسب الباحث. فروسيا، التي لديها قواعد عسكرية في سوريا، قد تفضل التعامل مع الحكومة الجديدة في دمشق بدلاً من دعم "قسد"، للحفاظ على نفوذها. بينما إيران، التي تركز على تعزيز محور المقاومة الشيعي، ليس لديها مصلحة واضحة في دعم الأكراد العلمانيين.
الخيار الثالث: التفاوض مع الحكومة السورية الجديدة
أما الخيار الثالث، الذي يعتبره ليستر الأكثر واقعية رغم صعوبته، فيتمثل في التفاوض مع الحكومة السورية الجديدة، وقال ليستر إن هذا الخيار قد يتطلب التخلي عن الحكم الذاتي الكامل مقابل ضمانات بحقوق ثقافية محدودة أو تمثيل سياسي في سوريا موحدة، ورغم أن هذا الخيار لن يكون حلاً مثالياً بالنسبة لـ"قسد"، إلا أنه قد يكون السبيل الوحيد لتجنب حرب جديدة.
الصفقة المحتملة بين "قسد" والحكومة السورية
منذ سقوط النظام السوري السابق، دخلت قوات سوريا الديمقراطية في محادثات مع الحكومة السورية الجديدة بشأن صفقة محتملة قد تفضي إلى اندماجها في سوريا موحدة. على الرغم من الاشتباكات المحدودة والهجمات التي استهدفت المدنيين في منبج، إلا أن هذه الصفقة لا تزال خيارًا مفضلاً للجميع.
وفي هذا السياق، ذكر ليستر أن ضباطًا أميركيين شاركوا بنشاط في تسهيل المحادثات بين دمشق و"قسد"، حيث حضروا اجتماعات رفيعة المستوى في قاعدة ضمير الجوية قرب دمشق، والتي جمعت قائد "قسد" مظلوم عبدي والرئيس السوري أحمد الشرع قبل تعيينه في الرئاسة.
بنود الصفقة المحتملة
بحسب تسريبات حول بنود الصفقة المحتملة، وعدت الحكومة الانتقالية في دمشق الأكراد في سوريا بالحقوق المتساوية، حيث تم اقتراح اعتبار اللغة الكردية لغة ثانية في البلاد. كما تضمن الاتفاق منح شخصيات من "قسد" والإدارة الذاتية مقاعد في جميع الهيئات الانتقالية في سوريا، بما في ذلك البرلمان المؤقت واللجنة الدستورية. وورد في بنود الصفقة أيضًا تخصيص عائدات قطاعي النفط والغاز والزراعة في سوريا بشكل متناسب لصالح شمال شرقي البلاد.
التطورات الأخيرة في المحادثات
بعد أسابيع من المحادثات، أعلنت "قسد" قبولها جزءًا كبيرًا من الصفقة من حيث المبدأ، لكن ما يزال هناك خلافات حول كيفية دمج "قسد" في القوات المسلحة السورية الجديدة. وكان قائد "قسد" قد طالب بأن تظل قواته كتلة متميزة ضمن الجيش السوري، لكن التقارير الأخيرة تشير إلى أن "قسد" قد تخلت عن هذا المطلب ووافقت على دمج عناصرها بشكل فردي، رغم أن بعض المسائل الجوهرية لا تزال عالقة.
السياسة الأميركية تجاه سوريا
في ظل هذه التطورات، بدا أن السياسة الأميركية تجاه سوريا بدأت بالتكيف مع التغيير الذي مرّت به البلاد منذ ديسمبر/كانون الأول 2024. وفقًا لتقرير "واشنطن بوست"، بدأت الاستخبارات الأميركية في تبادل المعلومات بشكل فعال مع الحكومة الانتقالية السورية، مع التركيز على مكافحة تنظيم الدولة.
وأشاد الجيش الأميركي بتقدم محادثات "قسد" مع دمشق، داعيًا إلى ضرورة التوصل إلى صفقة قبل أن يصبح من غير المرجح أن تحصل "قسد" على اتفاق مناسب. في المقابل، تستعد تركيا لشن عملية عسكرية ضد "قسد" إذا انهارت المحادثات بالكامل، بينما بدأ المكون العربي في "قسد" يمارس ضغوطًا لتحقيق تسوية عادلة.
"الدفاع التركية" تؤكد رفضها تشكيل كيانات مستقلة
أكد المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية زكي أكتورك، رفض تركيا القاطع لتشكيل كيانات مستقلة داخل القوات المسلحة السورية، مشددًا على ضرورة توحيد البنية العسكرية السورية تحت سلطة واحدة دون وجود كيانات منفصلة.
وفي تعليق على التقارير الإعلامية التي تحدثت عن إمكانية انضمام قوات سوريا الديمقراطية (قسد) إلى الجيش السوري الجديد، أكد أكتورك أنه يجب على تنظيم PKK/PYD/YPG/SDG الإرهابي أن يلقى السلاح، ويغادر قادته والعناصر الأجنبية الأراضي السورية.
وشدد على ضرورة أن تكون الجماعات المسلحة جزءًا من الجيش الوطني السوري ضمن وزارة الدفاع، دون تشكيل أي كيان منفصل داخل القوات المسلحة السورية، وأوضح أكتورك أنه يجب التعامل بحذر مع التقارير الإعلامية وتوخي الدقة، والتركيز على ما يجري تطبيقه فعليًا على الأرض.
وشدد المتحدث التركي على أن بلاده لن تقبل بوجود تعددية في القيادة العسكرية أو أي هياكل ذاتية الحكم داخل سوريا. وأكد أن موقف تركيا واضح بخصوص إعادة الإعمار في سوريا وإرساء الاستقرار والسلام، مشيرًا إلى أن تركيا ستواصل التعاون مع الحكومة السورية الجديدة في هذا الإطار، سواء على المستوى السياسي أو العسكري.
وشكل سقوط نظام الأسد، ضربة موجعة لميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية، التي وجدت نفسها في مواجهة مع السلطات السورية في دمشق، التي ترفض السماح لأي مشروع انفصالي في البقاء ضمن الإراضي السورية، في ظل إصرار دولي على رأسه تركيا لأي مشروع يهدد أمن حدودها ويخلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة، أدت تلك المتغيرات الدولية والمحلية لفرض واقع جديد على "قسد" التي يبدو أن مشروعها بات في مهب الريح.