مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٣ يونيو ٢٠١٥
"مطار الثعلة" ليس درزياً .. و "التحرير" ليس داعشياً

الحديث عن "مطار الثعلة" ، يحتاج إلى عدة تأكيدات تدخل في إطار المسلمات حتى يكون هناك منطق لطرح أي شيء فيما بعد ، وأول هذه المسلمات هي أن : "مطار الثعلة" ليس مكان ديني أو تابع لطائفة  الدروز ، "مطار الثعلة" ليس أرضاً خاصة لأبناء السويداء ، "مطار الثعلة" ليس معرضاً للزهور ، "مطار الثعلة" ليس مركزاً للسلام ، فـ "مطار الثعلة" لا يملكه شخصٌ أو منطقة أو طائفة معينة .

"مطار الثعلة" هو عبارة عن ثكنة عسكرية تابعة لنظام قاتل ، "مطار الثعلة" عبارة عن وحش قاتل ، "مطار الثعلة" سبب في موت المئات و تشريد عشرات الآلاف ، "مطار الثعلة" مصدر كل خراب حدث في درعا ، "مطار الثعلة" سرطان فرّق بين شطري حوران "سهلها و جبلها" ، حاول الثوار إنتزاعه ليعود الربط بينهما .

الدفاع عن "مطار الثعلة" ليس دفاع عن الأرض ، و ليس دفاعاً عن العرض ، و الأهم من هذا كله ليس دفاعاً عن الدروز ، بل هو دفاعاً عن الباطل في وجه الحق ، هو دفاعاً عن الذل في وجه العز ، "مطار الثعلة" و الدفاع عنه و مساندته و استرداده من يد حرره ، هو خلق لشيء تعجز اللغة عن وصفه ، و تحار الديمغرافية في تقييمه ، فمهما بحثنا عن تبريرات لا نجد ما يفي بالغرض ، أو يخفف من حجم الضرر الذي وقع ، و لا أقصد الضرر المادي ، فهو يعوض حتماً لأن الثأر من "مطار الثعلة" مسألة وقت بالنسبة لثوار درعا ، و إنما عن الضرر المعنوي و "كسرة الخاطر" التي لحقت بالثوار بعدما اضطروا لمواجهة أهلهم و أخوتهم بعد إنسحاب قوات الأسد منه ، مما اضطرهم للإنسحاب منعاً لإراقة الدماء و زرع الثار بين شطري حوران ، و لا مكان لكلام عن قوة المؤازرات أو حجم القصف المساند ، فهذه ليست المعركة الأولى التي يخوضها ثوار درعا ، فهو اعتادوا مواجهة النار بالنار و غلبتها.

من المكن الحديث عن وجود أصوات شريفة صدرت من أبناء الطائفة الدرزية  وقفت إلى جانب الحق و واجهة أبناء جلدتها و قالت أنه خطئٌ ما حدث ، وماكان يجب أن يحدث ، كـ النائب وليد جنبلاط ، و فيصل القاسم الذي قال "عندما كان أهلنا وجيراننا في درعا يشتكون لأهلنا في السويداء من ان القصف الهمجي الذي يدمر درعا ويقتل ويشرد ساكنيها يأتي من مواقع عسكرية في السويداء، كان اهلنا في السويداء يتبرؤون من تلك المواقع ويقولون انها مواقع تابعة للنظام ولا سيطرة لهم عليها. طيب. بما انها مواقع تابعة للنظام الفاشي، فلماذا يدافع بعضكم الآن عن تلك المواقع عندما أراد أهل درعا وثوارها وضع حد لشرور تلك المواقع وإسكات نيرانها التي تحرقهم منذ سنوات؟ لماذا لا تقولون نفس الكلام القديم وهو انكم تتبرؤون من تلك المواقع؟ فلتعلموا يا اهلنا في السويداء ان المواقع التي يحاول بعضكم المشاركة في حمايتها الآن ستحرقككم وستقتلكم كما قتلت وتقتل اهلنا في درعا فيما لو رفعتم صوتكم قليلاً ضد النظام المجرم. وقد لاحظتم قبل ايام كيف امطرتكم مواقع المخابرات العسكرية في الجبل والحرش بوابل من قذائف الهاون لمجرد انكم لم تستجيبوا لطلباتهم الداعية للالتحاق بجيش القتل والوحشية".

و لكن في الوقت ذاته لا يمكن أن نغفل بوجود الكثر من قرروا المواجهة مع الجيران و الأهل و العزوة لأسباب خبيثة ، مبررات سازجة ، كالخوف من داعش التي يحاربها ثوار درعا بالتوازي مع حربهم ضد النظام ، و لا صحة للقول الخوف من الثوار و هم على يقين تام بأن بين درعا و السويداء أكبر من أي أي خلاف ، و لكن الخوف كان من المتورطين في دم السوريين ، و يخشون العقابة الذي سيلحقهم مهما طال الزمن .

لست هنا أتحدث عن شخص بعينه ، و إنما داخل السويداء يوجد من وظف الجانب الديني ليساند النظام كما يحدث في كل منطقة في سوريا و في كل طائفة و مذهب ، و يهدف لتوريط الجيمع بدم بعضهم البعض ، ليغلب صوت الدم على صوت الحق.

اقرأ المزيد
١٣ يونيو ٢٠١٥
النظام السوري والمتاجرة بالأقليات على الطريقة الاستعمارية

حاول نظام بشار الأسد أن يقدم نفسه للداخل والخارج منذ بداية الثورة على أنه حامي الأقليات. لكنه نسي أن لعبة حماية الأقليات ليست جديدة، بل استخدمها المستعمرون لأغراض حقيرة مرات ومرات قبله لتبرير غزوهم لبلادنا أو تمرير بعض سياساتهم الإجرامية، فبحجة حماية الأقليات كانوا يفعلون الأفاعيل، مع العلم أن آخر ما يهمهــــم كان حماية الأقليات التي استغلوها لأهداف استعمارية قذرة وممارسة سياستهم المعروفة «فرق تسد». لقد أساء المستعمر للأقليات أكثر بكثير مما أفادها، وجعل بعضها يبدو أحياناً في أعين الأكثرية على أنها مجرد طابور خامس.

طبعاً لا تختلف سياسات النظام السوري عن السياسة الاستعمارية، فهو استخدم الأقليات لنفس الأغراض السلطوية المفضوحة ودق الأسافين بين الأكثرية والأقليات كي يحمي نظامه ويعيش على تناحرها. لا بل إنه استغل حتى طائفته العلوية المسكينة من أجل بقائه في السلطة، فقد خسر العلويون حتى الآن، حسب إحصائياتهم هم، أكثر من مائة وخمسين ألف قتيل. وكان النظام يبتزهم دائماً بأن الأكثرية ستسحقهم إذا لم يشاركوا معه في الحرب ضد الثورة. وقد وقع العلويون كما غيرهم من الأقليات في حبال النظام الشيطانية. والسؤال إذاً: إذا كان النظام يتاجر بأبناء الطائفة العلوية التي ينتمي إليها، ويقدمها قرباناً من أجل البقاء في السلطة، حتى لو أصبحت طائفة بلا رجال، فكيف يتوقع أبناء الأقليات الأخرى كالمسيحيين والاسماعيليين والدروز أن يحميهم النظام؟ أليس الأقربون العلويون أولى بالمعروف؟ مع ذلك لم يقدم لهم النظام أي معروف، بل حارب بأشلائهم. وحتى المصابون منهم الآن يتسولون حبة الدواء، ولا يجدون ما يسد رمقهم. أما الدروز فقد عوّضهم عنزتين عن كل «شهيد».

كيف تصدق الأقليات أن النظام يحميها إذا كان عدد المسيحيين في عهدي حافظ وبشار الأسد قد تناقص بنسبة مهولة، فلم يبق منهم حوالي 300 ألف مسيحي من أصل مليونين في سوريا؟ وقد هاجر معظمهم إلى الغرب أيام حافظ الأسد، حسب الباحث المسيحي جورج كدر. وقد لحق بهم عشرات الألوف أثناء الثورة، ولم يستطع بشار الأسد أن يؤمن لهم أي حماية. وحدث ولا حرج عن الدروز الذين هاجر منهم مئات الألوف بسبب الفقر والظلم والطغيان، فعدد الدروز خارج سوريا أكبر بكثير من عددهم داخل سوريا. هل كانوا ليهاجروا بمئات الألوف يا ترى لو كان النظام يحميهم ويراعيهم كما يدعي ليل نهار؟ بالطبع لا.

وتنقسم لعبة المتاجرة بالأقليات من قبل النظام السوري إلى مرحلتين. المرحلة الأولى عندما كان يحرضهم ضد الأكثرية الثائرة بحجة أن الأكثرية ستسحقهم إذا لم يقاتل أبناء الأقليات إلى جانبه. وقد نجح مرحلياً، بحيث امتنعت الأقليات، على الأقل، عن الانضمام إلى الثورة، لا بل إن بعضها انضم إلى قطعان الشبيحة والنبيحة. لكن من المؤسف أن بعض الأقليات انطلت عليه اللعبة القذرة، ولم يكتشف الملعوب إلا متأخراً، أو بالأحرى حتى انتقل النظام إلى المرحلة الثانية من المتاجرة بالأقليات، خاصة بعد أن فشل في تجنيد أبنائها في الجيش كما حصل في السويداء، حيث تخلف حوالي ثلاثين ألف شاب عن الجندية لرفضهم أن يكونوا قرابين في حرب الأسد المجنونة ضد الشعب السوري.

الآن وبعد أن انتهى بشار الأسد من المرحلة الأولى، وأصبح في وضع بائس عسكرياً بعد أن خذلته بعض الأقليات، ولم يعد قادراً على المواجهة العسكرية، أو توفير أبسط أنواع الحماية للذين وقفوا معه من الأقليات، راح الآن يسلم مناطق الأقليات لقوى التطرف أولاً عقاباً لمن رفض الانضمام إلى جيشه، وثانياً بهدف لفت انتباه العالم إلى أن الأقليات باتت مهددة من داعش ومثيلاتها. وبهذه اللعبة، يكون النظام قد بدأ بالمتاجرة بالأقليات دولياً. ها هو يقول للعالم الآن بعد أن أوصل جحافل المتطرفين إلى الموحدين الدروز في السويداء والاسماعيليين في السلمية، ها هو يقول للعالم: انظروا: الأقليات في خطر، وعليكم أن تقفوا معي ومعها. إنها المتاجرة بالأقليات في أقذر صورها.

لكن من الواضح أن لعبته انفضحت وانكشفت، ولم تعد تنطلي على الأقليات، ففي السويداء مثلاً بدأ الموحدون الدروز يقتربون أكثر فأكثر من جيرانهم في درعا بعد أن فشل النظام في دق الأسافين وإثارة الفتن بين الطرفين. وقد انفضح أمر النظام أكثر عندما اكتشف دروز السويداء أن النظام قام بإفراغ المتاحف من الآثار ونقلها إلى مناطقه، ناهيك عن أنه أفرغ صوامع الحبوب، وسحب الأسلحة الثقيلة إلى مناطقه كي يترك الدروز لمصيرهم. لقد كان يريد من وراء ذلك المتاجرة بمحنتهم في مواجهة قوى التطرف التي جاء بها إلى مشارف السويداء. لكن هذه اللعبة القذرة انكشفت. وحسبه الآن أن يهرب من المنطقة الجنوبية بعد أن تهاوت قلاعه فيها تباعاً، وبعد أن بات أهل السويداء يدركون أن النظام كان يتاجر بهم لأغراضه الخاصة.

نرجو أن تكون الأقليات قد استوعبت اللعبة تماماً، وأنه من الأفضل لها أن تتحالف مع الأكثرية لا مع نظام طاغوتي زائل مهما طال الزمن.

اقرأ المزيد
١٣ يونيو ٢٠١٥
معركة دمشق الممتنع غير السهل ...

تتخذ المعارك التي تدور شمالاً و جنوباً ، شرقاً و غرباً ، محور واحد و هدف باتجاه موحد ، وهو دمشق ، و أي خسارة يعني الإبتعاد عن القضية المركزية ، و أي إنتصار مهما كان بعيداً يعني أن القضية باتت في حكم "القضية المقضية" ، و أي خيانة أو تقصير ، تأخر أو تباطئ يعني أن أنك تلعب بمصير البلاد و العباد ، وكأنها قضية من نوع "السهل الممتنع" و إن كان الوصف المثالي لها "الممتنع غير السهل" .

قبل سنوات وُضعت ثمانية خطط لإقتحام دمشق و إنهاء حكم الأسد في عقر دار الحكم و مركز قوته ، و ليس بسر أن الخطط الثمان لم يتوافر في أي واحدة منهم الأسباب التي تجعل معركة دمشق قاب قوسين أو أدنى مننا ، فالخط الأساسي لخمسة خطط يتمثل بمدينة التل التي تقع في أول سلسلة القلمون التي لم تتمكن من بناء سدها القوي و خطوط الإمداد اللازمة ، و تكللت باسترجاع النظام لغالبية النقاط في باقي المدن الخلفية و كذلك الجرود ، أما باقي الخطط فتعتمد على جنوب دمشق المحصن بفرق دفاعية حصينة ، تحتاج لإنهيارات في درعا و القنيطرة بشكل كامل حتى يتم تجاوزها ، و أخيراً عن طريق الغوطة التي تقع في حصار لا يمكّنها من الإقدام على الإنتحار وحدها .

والحقيقة أن الخطط جميعها تصب في قالب الإقتحام من الخارج لا من الإنفجار من الداخل ، و هذا ما يوضح كثير من النقاط التي أبرزها الإنجرار صوب التخون و الإتهام لهذا أو ذلك ، و اعتباره سبب في تأخير النصر و تأجيل الإنهاء و إطالة أمد الموت .

اليوم دمشق تحولت لثكنة عسكرية تحتاج لقوة هائلة حتى يتمكن من اقتحامها مع مساعدة من "الطابور الخامس" ، بالمعنى العسكري الإيجابي لصالح القوات المهاجمة لزرع البللة و خللة صفوف المدافعين ، مع وجود طريقة أخرى تتمثل بإنهيار داخلي نتيجة ضربات متنوعة و موزعة يتعرض لها الأسد في الشمال و الجنوب و المناطق الشرقية (الساحلية) ، مع بعض المناكفات و الضربات من المناطق القريبة بالعاصمة ، كضرب مراكز القرار ابتداء من القصر الرئاسي و إنتهاء بالإذاعة و التلفزيون.

قد أُتهم بأني أدافع عن هذا أو ذاك ، و لكن نحن بحاجة لقراءة الواقع كما هو و التحضر لكل السيناريوهات ، و تبقى الفرضية الأقوى أن الإنهيار سيتم بفعل الضربات على غالبية جسد النظام في عدة مناطق بنفس الوقت هو الذي يعجل من سقوط النظام ككل و تصبح مسألة "معركة دمشق" هي مسألة حماية الأمن في الفترة التي تلي الإنهيار.

اقرأ المزيد
١٢ يونيو ٢٠١٥
الحسم في دمشق

نقلت وسائل إعلامية ما قالت إنه تصريحات لمسؤول كبير في نظام بشار الأسد يقول فيها إن إيران جلبت مؤخراً سبعة آلاف مقاتل إلى سوريا، من أجل تشكيل طوق حول العاصمة دمشق لحمايتها.

وتسعى إيران لزيادة هذا العدد ليصل إلى عشرة آلاف مقاتل، وبطبيعة الحال سينضم هؤلاء إلى آلاف المقاتلين الذين سبقوهم والذين جيء بهم من العراق، فشكلوا لواء أبي فضل العباس، وبعض الأفغان والباكستانيين في لواء الفاطميين، وهم يشكلون طوقاً أمنياً حول ما تبقى من العاصمة دمشق في قبضة النظام.

النظام السوري، ورغم ادعاءاته المتكررة، لا يستطيع إنكار الحقيقة التي تقول إنه لا يحكم السيطرة على دمشق بالكامل، وإنما ضاقت مساحة العاصمة كثيراً وتحولت إلى مربع أمني تتولى عناصر ميليشيا حزب الله اللبناني الإشراف على الحواجز داخله.

وقد تخلى النظام السوري عن سياسة الإنكار التي كان يتبعها في أوقات سابقة عن استعانته بمرتزقة أجانب للقتال إلى جانب قواته التي منيت بالكثير من الهزائم مؤخراً، وباتت وسائل إعلامه، مؤخرا، لا تتردد في ذكر أولئك «المقاومين» كما تسميهم.

وبالتـزامن مع هـذه التحركات العسكـرية التي تديرها طهران، تواصل فصائل الثوار استعداداتها لخوض المعركة الكبرى الفاصلة، والتي يجمع المراقبون على أنها ستكون في دمشق، وليس في الساحل كما كان يروج في أوقات سابقة، خاصة بعد أن تمكنت هذه الفصائل الثائرة، مؤخراً، من السيطرة على محافظة إدلب بأكملها، وهي ما زالت قادرة على مقاومة جنون حزب الله اللبناني في القلمون، بل إنها تمكنت من تكبيده خسائر كبيرة، ما جعله، هو الآخر، يستنجد ببعض المرتزقة ليشكلوا ما يمكن تسميته خط دفاع أول له في وجه جيش الفتح.

وكانت بعض الفصائل في الجبهة الجنوبية في درعا الخاضعة لسيطرة الجيش الحر قد استعرضت قوتها على الملأ، وقدمت عرضاً عسكرياً لجيش متماسك تلقى تدريبا جيدا على أيدي ضباط منشقين، وهو لا يبعد بطبيعة الحال عن دمشق سوى مئة كيلومتر، تضاف إلى ذلك بكل تأكيد الكتائب والفصائل المختلفة في غوطة دمشق، والتي ينضوي بعضها تحت لواء جيش الإسلام.

كل هذه التطورات تجري على الأرض السورية، بينما توقفت عجلة الجهود الدبلوماسية تقريبا، ولم تعد ثمة في الأفق مبادرات من أي نوع لتقديم حل إسعافي أو ربما جراحي سريع لإنقاذ ما تبقى من سوريا.

وفيما كانت الأنظار تتجه إلى العاصمة السعودية الرياض على أمل رؤية دخان أبيض يبشر بالبدء جدياً بعمل عسكري على غرار ما حدث في اليمن، فإن المنتظر، بعد مؤتمر القاهرة الذي عقد مؤخرا والذي وصف بالخلّبي، أن تستضيف العاصمة السعودية الرياض اجتماعا موسعا للمعارضة السورية يبحث مستقبل سوريا ما بعد الأسد، وهو الإشعار الأول الذي أرسلته المملكة العربية السعودية لتؤكد، من خلاله، أنها تأخذ الأمور على محمل الجد وهي لن تترك إيران تستفرد بسوريا، بعد أن نجحت بالاشتراك مع حلفائها في تقليم أظافرها في اليمن، وتحطيم طموحها التوسعي.

وإن كان التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية قد فشل، حتى الآن، في الحد من خطورة تنظيم الدولة الإسلامية ومنع تمدده، عموديا وأفقيا، داخل الأراضي السورية، ناهيك عن الأراضي العراقية، فإنه بات من شبه المؤكد أن المستفيد الوحيد من تمدّد هذا التنظيم هو نظام دمشق الذي ما زال يبني آمالا على ما يبدو بأن تمتد إليه يد التحالف ليكون شريكا في محاربة تنظيم داعش، ولذلك فإنه لا يفوت الفرصة في منح التنظيم تفوقا على حساب قوات الثوار، وهو يقدم الغطاء الجوي للتنظيم أثناء تمدده، وحتى لو أدى ذلك إلى وصوله إلى دمشق.

وبهذا فإن الأطراف جميعا قد تلتقي في دمشق، حيث ستكون ساحاتها التي شهدت أولى المظاهرات ضد حكم الأسد على موعد مع صدام سيكون، في النهاية، كفيلا بإنهاء ما بات يعرف عالمياً بالمأساة السورية، أو ربما ليزيدها مأساوية وتعقيدا.

اقرأ المزيد
١١ يونيو ٢٠١٥
استيقظوا... بشار انتهى

انتهى بشار، وجميع العواصم المعنية تبحث عن بدائل لمرحلة ما بعد النظام الذي يلفظ أنفاسه. خرجت ثلاثة أربع سوريا عن سيطرته: قسم كبير منها سلمه الى تنظيم "داعش" في محاولة يائسة لخلط الأوراق، وإعادة إحياء معادلة سقطت منذ مدة، كانت تقول إن النظام يجب ألا يسقط لأن البديل سيكون الإرهاب. وهذا ما أطال عمر النظام بتضافر عاملي الدعم الهائل لإيران وروسيا، ومنع الولايات المتحدة الدعم عن فصائل الثورة. القسم الآخر سقط بالقتال بيد فصائل الثورة المتنوعة التي استطاعت في الأشهر الأخيرة أن تردم جانباً كبيراً من خلافاتها، وأن تتحالف في أطر عسكرية أكثر تنظيماً وفاعلية، مما انعكس على جبهات القتال في الشمال فيم حافظة ادلب وريف اللاذقية، وفي الجنوب في درعا والمعابر الحدودية. أما في الوسط في القلمون فقد تحوّل هجوم "حزب الله" الى حرب استنزاف مكلفة جداً، ولا انتصارات.

لم يعد البحث في المحافل الدولية عن حل مع بشار الأسد، كما كان المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا يقول قبل عام، على أساس أنه أهون الشرين. أصبح البحث عن حلّ من دون بشار، كما أفادت صحيفة "ديلي تلغراف" في تقرير كتبه كون كوغلين. ففي قمة الدول السبع الكبرى طرح موضوع نفي بشار الأسد الى الخارج بجدية، وأن إمكان تحقيق حل سياسي بات أكبر مما كان قبل أشهر. وأن التوصل الى تفاهم بين الغرب وروسيا يقوم على مبدأ إخراج بشار من الحكم قد يكون أفضل سبيل لمواجهة "داعش" في المرحلة المقبلة. وبحسب الكاتب عينه، فإن تقديرات يتم تداولها في العواصم الكبرى تفيد أن النظام يوشك على الانهيار التام في كل مكان، وأن الايرانيين الذين يقاتلون بكل ما يملكون من امكانات لحماية خطوط امداد "حزب الله" في لبنان، قد يكونون مستعدين لترك بشار لمصيره اذا جرى ضمهم الى تفاهمات يحفظون من خلالها مصالحهم في لبنان. بمعنى آخر، ما يهمّ الايرانيين هو مصير "حزب الله" قبل أي شيء آخر.
في مطلق الأحوال، فإن التطورات المتسارعة من الشمال السوري الى جنوبه تشي بعلامات انهيار وشيك للنظام، وخصوصاً أن الأخير ما عاد يملك من خيارات سوى فتح معابر آمنة لتنظيم "داعش" نحو كل المناطق الحساسة في سوريا لوضعه في مواجهة الثوار من ناحية، ولإشاعة فوضى شاملة. ولعل الوضع الحساس لمحافظة السويداء الذي يقوم النظام بإفراغها من القسم الأكبر من قواته وفتح طريق لـ"داعش" أملاً في دفع الدروز الى حسم القتال في صفوفه، يكشف لأبناء جبل العرب حقيقة الفخ الذي ينصبه لهم النظام لتوريطهم في حرب سبق أن خسرها مع الثوار.
انتهى بشار، ولو تأخر رحيله بعضاً من الوقت، ولذلك فإن كل الحروب التي تخاض لمنع السقوط المحتوم لن ينتج منها سوى مزيد من الموت والدمار. هذا ما ينبغي ان يدركه "حزب الله" الذي يخوض حرباً بلحم الطائفة العاري ولا يرف لقادته جفن أمام هذا السيل من النعوش العائدة من ساحات الانتصارات الوهمية. استيقظوا.

اقرأ المزيد
١١ يونيو ٢٠١٥
الائتلاف .. مراقب على الثورة و ليس للثورة !!

قبل أن يذهب الفكر بعيداً تعتبر الجريمة التي ارتكبت من بعض عناصر جبهة النصرة في بلدة "قلب لوزة" في ريف ادلب هي جريمة نكراء و مستهجنة و غير مقبولة و يجب أن يتم حساب مرتكبيها أمام الجميع و أن ينالوا قصاصاً عادلاً ، و أن يكونوا عبرة لغيرهم لعدم التمادي على المدنيين من كل الطوائف و الملل و الأعراق .

بعد هذا التأكيد أستطيع أن ألج إلى الموضوع بشكل مباشر ، هو سرعة الإدانة التي تلقتها هذه الجريمة النكراء من قبل الجميع ، و لا سيما من قبل الائتلاف الذي يعتبر الممثل الأكثر ظهوراً للثورة السورية ، ظهوراً و ليس حضوراً ، ظهوراً و ليس فعلياً ، ظاهرياً و ليس واقعياً .

السرعة في الإدانة و الشجب و التأكيد على مساواة كافة مكونات الشعب و ضرورة رص الصفوف و نبذ التطرف و الكره و العداء ، كما اعتاد على هذه المصطلحات اتجاه كل عمل يرتكبه فصيل بعينه ، و كأنه ينتظره ليسقط حتى يوجه له سهام االنقد .

ليس دفاعاً عن النصرة ، و ليس تمجيداً بها ، و ليس مهاجمة للائتلاف ، و إنما التصرفات التي يقدم عليها الائتلاف ، و يعمل من خلالها تجعل الحنق يركب الجميع ، و يحوله لكافر بالسياسة و الساسة و يفقد أي أمل مهما كان صغيراً بأن يكون هناك سياسيين قادرين على إدارة دفة سوريا الحرة في المستقبل.

ففي الوقت التي تحتاج تصرفات بعض الفصائل التي تملك أذرع لها في الائتلاف آلاف الحسابات و الدراسات حتى يظهر بيان إدانة أو شجب أو مجرد تذكير أن ما يحدث فيه شبه الخطأ ، نجد الائتلاف بكامل هيئته يصب جام غضبه على النصرة للجريمة التي حدثت ، و ليست المرة الأولى ، ففي كل مرة تخطئ النصرة يكون الائتلاف لها بالمرصاد ليدين و يشجب و ينّفر ، وكأنها رجس لا يجب الإقتراب منه أو الحديث عنه إلا بالسلبي .

الائتلاف الذي يسعى لكسب ود العالم من خلال إدانة النصرة كونها ذراع القاعدة في سوريا ، فشل و يفشل و مستمر في الفشل في كسب لو واحد بالألف من شعبيتها ، و فشل في أن يكون ممثل للثورة و السوريين ، وفشل في الدفاع عن حقوقهم و مكتسباتهم ، بل دائماً يهتم بآراء العالم أجمع إلا الشعب السوري ، دائم يلهث وراء الرضا العالم و لو كلفه ذلك سخط كل السوريين .

ليس الهجوم دفاعاً عن النصرة أو أي فصيل آخر ، و إنما هو إشارة إضافية للائتلاف بأعضائه و هيئاته التي رغم كل التنازلات و الصمت على التجاوزات بحق الشعب السوري ، لم يحصل على أي اعتراف من أي دولة بشكل رسمي و فعلي ، و إنما عبارة عن كلام على ورق ، و لا يحق له أن يمثل سوريا ولا داخل اجتماع متعلق بالمخيمات ، و غير قادر على مساعدة أي سوري بأي مكان .

لازالت قضايا السوريين في مختلف بقاع الأرض عالقة و معلقة بنظام قاتل و فاسد بسب عجز الجهاز العام للمعارضة بكل أصنافها بمافيها الشكل الائتلافي ، و لا تستطيع أن تزود عن أي سوريا و لو داخل مكاتبها ، و لا يمكنها أنة تزوده و لو بكسرة خبز ، فالمصاريف التي تحتاجها لموظفيها و مؤتمراتها ، هي أهم حتى تظهر بمظهر الدولة الفارغة .

و صدق من قال أن الائتلاف هو كالنظم العربية لاتتحرك مالم يتم تحريكها من الخارج ، و إن تحركت يكون سكوتها و صمتها أوجب.

اقرأ المزيد
١١ يونيو ٢٠١٥
أوباما لن يطلق "رصاصة الرحمة" على الأسد

في ظل التطورات الميدانية الأخيرة التي أظهرت تراجعاً كبيراً في قدرة جيش بشار الأسد على الصمود، وارتفاعاً في مستوى التنسيق بين قوى معارضة متنوعة، وكشفت الترابط المباشر وغير المباشر بين نظام دمشق و»داعش»، وزادت من ضغوط مطالبي الإدارة الأميركية بالتحرك للتعجيل بسقوط النظام، سارعت إسرائيل إلى تكرار «كلمة السر» في الأزمة السورية: الوضع الحالي مريح بالنسبة إلينا واستمرار القتال سنوات أخرى يريحنا أكثر.

وفي الواقع، لم يكن باراك أوباما بحاجة إلى هذا التذكير بأن استمرار الحرب في سورية مصلحة إسرائيلية بحتة، لأنه مقتنع أصلاً بأنه مصلحة أميركية. وهذا يعني انه سيخيب أمل المتفائلين بدور أميركي أكبر بعد اشتداد الخناق على بشار الأسد، ولن يطلق «رصاصة الرحمة» على نظامه، بل سيحرص على بقائه معلقاً بين الحياة والموت، إلى أن تحين فرصة قطف فوائد رحيله.

وتبدى هذا الهروب الأميركي المتواصل من «الاستحقاق السوري» جلياً خلال قمة «مجموعة السبع» في ألمانيا قبل أيام، عندما سرب الأميركيون معلومات عن سيناريو خيالي يقوم على منح الروس اللجوء إلى الرئيس السوري والإتيان بشخصية علوية (لا أحد يعرف من هي ولا من أين ستأتي ولماذا يجب أن تكون علوية)، لتشكيل حكومة جديدة تلقى قبول موسكو وواشنطن وتشكل غطاء سياسياً وعسكرياً للحرب على الإرهاب.

لكن الذين استفسروا عن «الجديد» في الموقف الأميركي، اكتشفوا بأنه ليس سوى حلقة في سلسلة الهروب وإلقاء المسؤولية على الآخرين لتبرير عدم القيام بأي خطوات جدية، وخصوصاً أن روسيا لم تدع أصلاً إلى قمة ألمانيا التي انتهت بتقريعها على دورها في أوكرانيا، وتهديدها بمزيد من العقوبات. ويعرف الأميركيون تماماً أن الروس لا يفصلون بين ملفات السياسة الخارجية وخصوصاً ملفات سورية وأوكرنيا والإرهاب، فكيف ينتظرون أن توافق موسكو على خطتهم، إذا كان هذا ما يسعون إليه فعلاً، ولماذا «تبرئة» أطراف أخرى، مثل إيران، من المسؤولية؟

وكان ضباط أميركيون طالبوا معارضين سوريين بدأ تدريبهم على الأراضي التركية قبل أسابيع قليلة، بتوقيع وثائق يتعهدون فيها عدم محاربة الجيش النظامي، وقصر عملياتهم على مواجهة «داعش»، وإلا حرموا من الدعم اللوجستي والتغطية الجوية التي لم يتحدث عنها سوى الأتراك، فيما تؤكد واشنطن أنها لا تزال تعارض بشدة اقامة أي منطقة حظر جوي في شمال سورية لحماية المدنيين في مناطق سيطرة المعارضة.

ويكرر المسؤولون الأميركيون أن بلادهم لا تريد أن يكون لها أي دور مباشر في الإطاحة بالنظام، وان هذه المهمة يجب أن تكون «سورية مئة في المئة»، متناسين أن الأسد ما كان ليصمد لولا الدعم الروسي والإيراني غير المحدود عسكرياً واقتصادياً، ولولا مشاركة ميليشيات لبنانية وعراقية وأفغانية وإيرانية في الدفاع عنه. أي أن الحياد الذي يدافعون عنه معمول به من جانب واحد فقط.

وترد واشنطن على منتقديها بالقول إن نظام الأسد لا يشكل أي تهديد أمني للولايات المتحدة، على عكس القسم الأكبر من معارضيه، وأن الحرب في سورية، على ضراوتها وبشاعتها، لم تشهد منذ اتفاق تسليم الأسلحة الكيماوية، تطوراً يدفع أميركا والمجتمع الدولي إلى التدخل، وانه ليس هناك بعد أي تهديد بحصول مجازر جماعية بحق أقليات أو حشر مجموعات طائفية أو اتنية في مناطق معزولة بهدف الإجهاز عليها.

وفي ذلك إنكار غير منطقي لدور النظام السوري في اختراع «داعش» ودعمه وتعزيز قدراته، سواء بالتسليح أو التمويل غير المباشر (شراء النفط) أو بإطلاق مئات المتطرفين من السجون للالتحاق بصفوفه.

ومع أن تهديد التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق قائم ويتزايد، إلا أن أوباما نفسه اعترف بعد لقائه رئيس وزراء العراق حيدر العبادي الاثنين الماضي بأنه ليس لدى إدارته «استراتيجية متكاملة» لمحاربة «داعش»، ما يعني أن الكلام المسرب عن احتمال التغيير في سورية للتفرغ لمحاربة التطرف لا أساس له، وان نظام الأسد باق بحماية إسرائيلية – أميركية مشتركة، حتى إشعار آخر.

اقرأ المزيد
١١ يونيو ٢٠١٥
أحداث " قلب لوزة " في إدلب.. رسالة للطائفة في السويداء.

بعد سنوات من غيابها عن الساحة الإعلامية تعود بلدات جبل السماق في شمال إدلب الى واجهة الأحداث بقوة على خبر مفاده إرتكاب جبهة النصرة مجزرة بحق العشرات من أبناء بلدة " قلب لوزة " أحد قرى الطائفة الدرزية في جبل السماق وتهافت إعلام النظام والأعلام المحسوب على الثورة المناهض لجبهة النصرة لتضخيم الحدث ونشر الأخبار التي تفيد بمجازر ومذابح ترتكب بحق الطائفة الدرزية في شمال سوريا.


وحسب ما أفاد ناشطون أن القضية لا تتعدى كونها خلاف بين مجموعة امنية لجبهة النصرة كونها معنية بحماية المنطقة وعائلة من أهالي بلدة قلب لوزة رفضت تسليم منزل لأحد الشبيحة العاملين مع النظام حسب اتفاق مسبق بين النصرة والأهالي لتسليم منازل الشبيحة والعاملين مع النظام من أبناء الطائفة للنازحين الهاربين من مناطقهم الى المناطق الحدودية مع تركيا وأن الخلاف تطور لشجار دفع أحد شباب القرية لحمل السلاح واستهداف الدورية ما أوقع قتيلين من جبهة النصرة والتي ردت بالمثل فوقع عدد من القتلى في صفوف الطرفين تحدثت المصادر العدد النهائي وصل لقتيلين من النصرة وسبعة من أهالي البلدة شاركوا في الاشتباك لتدخل بعدها عدة فصائل كحركة أحرار الشام ووجهاء من الطائفة الدرزية وتحل الخلاف وتتوعد بمحاسبة المسؤولين.


ولكن هذه القضية استغلت من عدة أطراف بالتزامن مع نداءات عدة للطائفة الدرزية ولاسيما في جنوب سوريا لإعادة ترتيب اوراقها واتباع سياسة التصالح مع أهل حوران بعد سقوط اللواء 52 بيد ثوار درعا وإدراك النظام استحالة بقائه في السويداء المركز الرئيسي للطائفة الدرزية فعمل على نقل قطعاته العسكرية منها وهذا ما تحفظت عليه الطائفة وحاولت منع النظام من اخراج السلاح من المحافظة وسط حالة توتر بين الأطراف ودعوات من قيادات معروفة برمزيتها بين أبناء الطائفة لترك النظام والتحرك ضده كان على رأسها رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني وليد جنبلاط الذي استنكر في بيان صادر عنه الحادثة متهماً أطراف عدة بتضخيمها وأن" المعلومات التي تم الترويج لها مغايرة للحقيقة خصوصاً لناحية ما تم تداوله عن ذبح تعرض لها الموحدون الدروز، ويوضح الحزب أن ما حصل هو إشكال وقع بين عدد من الأهالي في بلدة قلب لوزة في جبل السماق وعناصر من جبهة النصرة حاولوا دخول منزل أحد العناصر الذي يعتبرونه مواليا للنظام السوري، وقد تطور الإشكال إلى إطلاق نار أوقع عددا من الشهداء. ولقد تم تطويق هذا الإشكال ووضع حد له في إطار من التواصل والتعاون مع كل الأطراف الفاعلة والمعنية".


وتعتبر منطقة جبل السماق الواقعة في شمال سوريا على الحدود التركية مع محافظة إدلب موطناً لأكثر من عشرين ألف مواطن من أبناء الطائفة الدرزية توزعوا في خمسة عشر قرية صغيرة أهمها " بنابل - قلب لوزة " في منطقة جبلية تمتزج بها حضارات القدامى بالحاضر من خلال عشرات المباني الأثرية والكنائس التي يعود وجودها لعصور بعيدة وقد اتبع أهالي هذه المناطق سياسة الحياد وعدم مساندة النظام أو التعاون معه إلا من كان في مناطق النظام وحافظ على ولائه له فلم تدخل هذه القرى في محاربة الثورة بل كان لها مواقع عدة مؤيدة للثوار والثائرين في الشمال وموطناً لعشرات العائلات من طوائف مختلفة هجرت من مساكنها لتلقى المودة والاستقبال لدى أبناء الطائفة التي فتحت أبوابها لاستقبال النازحين وهذا ما دفع أغلب الفصائل للتواصل مع مشايخ ووجهاء الطائفة وقدموا لهم العطاء والمساعدات الغذائية وبعض المشاريع الخدمية كحفر الأبار لاستجرار الماء وغير ذلك من الخدمات فكانوا جزاً لا يتجزأ من نسيج محافظة إدلب والذي حافظوا عليه رغم كل محاولات النظام لزجهم في الصراع ضد الثورة وضرب النسيج المتنوع في المحافظة ولكن كل محاولاته فشلت ليقين الطائفة الكامل في الشمال أن من يحميهم ويؤمن العون لهم ولأبنائهم هو من يستحق الوقوف معه ولو بالكلمة إذ لم ينخرط شباب الطائفة في الحراك المسلح ضد النظام أبداً واكتفوا بالتأييد للمطالب المشروعة للشعب السوري الثائر.


ويرى متابعون أن إثارة الخلاف بين جبهة النصرة التي تتولى حماية هذه المناطق منذ أكثر من عام بعد أن كانت تحت حماية جبهة ثوار سوريا بقيادة جمال معروف الذي التقى بوجهاء الطائفة وقدم لهم التطمينات والمساعدات مراراً هدفها زعزعة الوضع المتوتر بين النظام ورأس الطائفة في السويداء وايصال رسالة للطائفة الدرزية أن مصير الأقليات في خطر إن وقفوا ضد النظام الحامي لهم حسب إعلامه وأن الفصائل الإسلامية الزاحفة الى السويداء مع فصائل الجيش الحر ستقتل أبنائهم وتسبي نسائهم في حال سقط النظام فكانت هذه الحادثة والتي نظر إليها البعض أنها بفعل عملاء للنظام عملوا على التعرض للنصرة التي ردت بقوة لاستغلال هذه الحادثة بشكل كبير في إيصال أول رسالة للأقلية الدرزية في سوريا عامة وليس في إدلب وهذا ما حصل وتناوب على ترويجها وتضخيمها الإعلام الحاقد من عدة أطراف.

اقرأ المزيد
١٠ يونيو ٢٠١٥
في مؤتمر "القاهرة" .. حضر الجميع إلا "الثورة"

مع تقليب أوراق و مخرجات مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية ، نجد الغياب التام لأي فكرة أو منطق للمحاسبة وإحالة من قتل و دمر و شرد و هجّر ملايين السوريين ، من اعتقل و غيّب مئات الآلاف ولازال كذلك ، غيابٌ تام لأي حديث عن إنهاء كل الطغمة الموجودة حالياً ، و قطع دابر أي بقايا لها مهما كانت صغيرة أو كبيرة.

في مؤتمر القاهرة لم يتم التطرق إلا لشيء وحيد "لامكان للأسد في شخصه في مستقبل سوريا" ، "إلغاء الوجود" لا يعني أن يتم محاسبته ، أو حتى مسائلته على ما فعله ، إلغاء وجوده في المستقبل كشخص ، لا كهيكل ، لا كنظام ، لا كمجموعة حكم فاسدة و مفسدة ، و الأهم قاتلة و مشردة و مُغيّبة ، مجموعة كانت سبب بإنهاء أي مستقبل للحياة لكافة السوريين ، كل هذا يكون طبيعي إذا ما علمنا أن حتى إدراج "لامكان للأسد في مستقبل سوريا" كان بحاجة لسيل من النقاشات و الخلافات حتى خرج بهذا الشكل وفق المثل : "لايموت الديب و لايفنى الغنم" .

في مؤتمر القاهرة الذي ضم 200 شخصية معارضة كأشخاص لا هيئات ، كأفراد لا جماعات ، كدعاة سلام لا حرب ، كمنادين للحرية تحت أي راية إلا راية الثورة ، كمجتمعين تحت ثوب الدكتاتورية العسكرية ليصلوا إلى الحرية المعسكرة .

في مؤتمر القاهرة دعوا من يريد السلام و الحرية ، للإنضمام لهم و تأييد وجهة نظرهم ، وعليه أن يترك دمه يسال و أخوانه الذين قتلوا في قبورهم دون الإقتصاص من المجرم ، فالحياة التي ينشدون لاتحتمل تلك الترهات ، فالحرية التي ينشدون مقبولة لو شارك بها المستبد ، فالحرية التي يركضون ورائها لا مكان فيها لأي حديث عن ظلم و ظالم و مظلوم ، وكذلك عن دم يسيل و نهر جارٍ من القهر ، فالحرية التي ينشدون مبنية على المسامحة لجميع القتلة ، و منحهم مكافئة بالمشاركة بالحرية الجديدة .

من الينود الـ27 لمؤتمر القاهرة يتم التركيز على سوريا المستقبل ، التعددية ، البرلمانية ، الديمقراطية ، التشاركية ، المساواة التامة بين الجميع ، وحتى المساواة بين القاتل و المقتول ، و مشاركة القاتل في حكم المقتول من جديد ، الحرية المصبوغة بدم المقتول و يحمل رايتها القاتل .

الحرية في مؤتمر القاهرة هي محاربة "التنظيمات الإرهابية " ، من خلال الإنضمام و التوحد بين القاتل و المقتول ، ليعود القاتل ليقتل المقتول مرات و مرات ، يبدو أن المؤتمرون في القاهرة ، لم يعرفوا الإرهاب و لم يحددوه ، لذا سهلوا الأمر على أنفسهم ، و إختاروا تعريف القاتل له ، و ساروا على طريقه .

في مؤتمر القاهرة ، يبرئ الأسد و يمنح جائزة نهاية خدمة ، و يمنح رجالاته البراءة و التقديس ، و العودة من جديد لقيادة الدفة ، بمشاركة رافضي "الإرهاب" ...

في مؤتمر القاهرة لامكان فيه لـ"الإرهاب" ... في مؤتمر القاهرة لم يكن هناك مكان لـ"المقتول" .. في مؤتمر القاهرة قتل و إرهاب و إنهاء أي وجود لقيادة مستقبلية لسوريا مترابطة مع الشعب ، و لن تكون هناك قيادة سياسية مالم تقتنع بأن "المظلوم لم يهنئ مالم يتيقن و يرى عقوبة الظالم ..."

اقرأ المزيد
٩ يونيو ٢٠١٥
ثورة شعب …. لامعارضة!

ترسخ في عقول السوريين مصطلح معارضة تماشياً مع المصطلح الغربي للكلمة، فكلمة معارضة تعني أن شخص أو حزب أو عدة أحزاب أو تيارات أو كتل داخل الدولة تعارض الحكومة "الشرعية" الحالية على مبدأ أو قرار معين أو حتى طريقة إدارة للبلاد.

تعمل المعارضة بشكل رسمي داخل الدولة وقد تكون داخل مؤسساتها أحياناً ولها نشاطات داخلية وخارجية تتصرف كحكومة وتطرح لأنصارها بدائل وإصلاحات وتكون أنشطتها داخل البلاد غالباً،  وتدخل الانتخابات وتنافس أو تشارك باقي الأحزاب على إدارة البلاد وحكمها، وهو مصطلح شائع طالما ارتبط هذا بحزب بعينه أو مجموعة معينة تطلق على نفسها معارضة. أحياناً هذه المعارضة لاتحصل على مطالبها بالشكل السلمي وتتحول لمعارضة مسلحة ومن ثم حرب "أهلية" داخلية بين أنصار المعارضة وأنصار الحزب الحاكم الحالي للبلاد. أكبر خطأ وقعنا فيه نحن كسوريين أننا تناولنا هذا المصطلح "المعارضة" و اعتمدناه في بعض مؤسسات الثورة السورية.

الثورة بعيدة كل البعد عن المعارضة. الثورة هي حراك شعبي اجتماعي ينتج عن مجموعة من العوامل التي خلفتها حكومة ديكتاتورية لا تعترف بمعارضة ولا بقانون ولا أحزاب سياسية ولا تطلعات شعبية. الثورة هي غضب وهي وليدة الشعب ويقودها الشعب وتلد عنها مؤسسات ثورية، والثورة دائماً تكون خارجة عن سلطة الدولة ولا تخضع لقوانينها بل هي ثارت على هذه القوانين القمعية الديكتاتورية.

خرج الشعب السوري قبل أربعة أعوام بثورة شعبية دون تنسيق وقيادة وليس له هدف سوى التغيير الكلي الجذري من نظام استبدادي استعبادي يحكم البلد لأكثر من 40 عام مع أن الحكم فيها يخضع لقانون الانتخابات إلا أن الانتخابات محرمة على الشعب؛ إلى نظام سياسي جديد يؤمن بحق الجميع وبدولة ديمقراطية تخدم كل الشعب لا لنظام سياسي مختزل لخدمة ومصلحة عائلة الأسد. طوال فترة حكم آل الأسد من حافظ الأب لبشار الإبن لا بديل لـ"حزب البعث العربي الاشتراكي" وهو الحزب الوحيد والذي يخضع له كل السوريين بالقوة وإلا لا مدارس ولا وظائف في الدولة لهم وحتى بعض المؤسسات الخاصة عليك أن تكون "بعثي" لتنال وظيفة فيها، لذا هذا الحزب الوحيد هو من يتحكم بالدولة وكل مؤسساتها العامة وأغلب الخاصة ويدير الجيش والشرطة والتعليم والقضاء ولايمكن أن يشكل ضده أي حزب يعارض سياسته أو طريقة تعامله طالما درس المواطن السوري في كل الكتب والمراحل الدراسية أنه "قائد الدولة والمجتمع" وأنه صاحب التصحيح والحركات النضالية.

لم نكن في سورية كالدول الديمقراطية التي ترسمها الانتخابات ويقودها ويغيرها صوت الشعب كل فترة انتخابية، ولم يكن لدينا العديد من الأحزاب التي تتنافس فيما بينها لكسب أصوات الشعب، كانت سورية عبارة عن مزرعة يحكمها حزب واحد و مالك واحد يستعبد الناس ويسلب طاقاتهم ويسرق مقدراتهم دون أن يجرأ أحد على معارضته حتى داخل منزله بل حفظ السوريون أن "الحيطان لها أذان" ذلك خوفاً من أن يسمعنا أحد ننتقد الحاكم ونصبح طي النسيان في المعتقلات. على هذا خرج السوريين "ثورة" للتغيير بداية بالطرق السلمية وقابلها نظام الأسد بالقوة والقتل وأجبرها على حمل السلاح لحماية نفسها وتحرير أراضيها بالقوة من نظام لا يؤمن بمطالب الشعب.

كل هذه الأمور استدعت تشكيل جسم سياسي لقيادة ثورة الشعب وغضبه وتنظيمه وإيصال صوته للمجتمع الدولي، فبدأنا بالمجلس الوطني ووصلنا للائتلاف الوطني لقوة الثورة والمعارضة، تعرض هذا الإسم لانتقاد الشباب السوري الثائر، فالائتلاف ليس حزب بعينه وهو مجموعة أحزاب وتيارات معترف به أنه ممثل للشعب السوري ومحاور عنه في المحافل الدولية من أكثر من 100 دولة حول العالم. خطأ هذا الإسم كبير حيث أنه حولهم من جسم يقود ثورة الشعب لجسم معارض يقود مطالب بعينها ويجرده من تمثيل كل الشعب ويختزله بطرف من أطراف الأجسام السياسية الأخرى.

حتى على مواقع التواصل الإجتماعي للأسف، ترى بعض الأشخاص من يسمى نفسه أو غيره معارضاً، أو تلاحظ الشبكات الإخبارية "الثورية" تنقل خبر عن تقدم أو تراجع للمعارضة على الأرض أو حوار بين المعارضة والنظام، ناسفين عظمة كلمة "الثوار" وما تحمله من معاني نبيلة وأهداف عظيمة. وتسحب البساط شيئاً فشيئاً عن شرعية ثورة الشعب العظيم.

سنصل في سورية بعد الكفاح والثورة القائمة لدولة مدنية ديمقراطية تؤمن بحقوق الشعب وأنه صاحب الشرعية في البلد، يقود الشعب أحزاب سياسية تعارض وتنافس بعضها بمشاريع سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها، تصب في خدمة الشعب الذي حرر البلاد من نظام الإستبداد، تعمل هذه الاحزاب ضمن القوانين داخل البلاد ككل الدولة الديمقراطية، وتركيا وأحزابها وانتخاباتها الاخيرة مثالاً.

فما يحصل اليوم في سورية أنها ثورة شعب كامل للتغير والتحرير لا تختزل عظمتها  بوصف معارضة ولامؤسساتها بأحزاب معارضة!

اقرأ المزيد
٩ يونيو ٢٠١٥
معارك سورية.. المشهد الميداني ودلالاته السياسية

بعد سلسلة نكساتٍ عسكريةٍ، تعرّضت لها فصائل المعارضة السورية المسلحة على امتداد عام 2014، تمكنت، خلال الشهور الخمسة الأولى من عام 2015، من تغيير الوضع الميداني لمصلحتها؛ إذ بدأت مواقع النظام السوري تتهاوى على أكثر من جبهة، كما بدأت تظهر على قواته ملامح التعب والإجهاد، وغدت عاجزة عن وقف تقدم تلك الفصائل في أكثر المناطق أهمية وحساسية بالنسبة للنظام.

انقلاب في المشهد الميداني

يُعزى انهيار قوات النظام السوري أمام هجمات قوات المعارضة المسلحة، في أكثر من مكان على امتداد الجغرافيا السوريّة بشكل رئيس، إلى زيادة مستوى التنسيق بين هذه الفصائل، وإنشاء غرف عمليات مشتركة لتوحيد الجهد وقيادة العمل العسكري على الأرض. ففي حلب، مثلاً، تشكّلت الجبهة الشامية، في أواخر العام الماضي، نتيجة اندماج أهم الفصائل العاملة في المنطقة الشمالية، مثل الجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين وحركة نور الدين زنكي وغيرها. وأدى هذا الاندماج إلى تراجع الخطر الذي مثله تقدّم قوات النظام وحلفائه في ريف حلب الشمالي، واقترابه من قطع "طريق الكاستيلو"؛ شريان الإمداد الوحيد لفصائل المعارضة في الجزء الشرقي من حلب. ونجحت الجبهة الشامية، خلال أسابيع قليلة من تشكيلها، في استعادة جميع المناطق التي خسرتها أمام قوات النظام والمليشيات المساندة له خلال عام 2014. أما داخل مدينة حلب، فقد نجحت فصائل جهادية (جبهة النصرة وجبهة أنصار الدين) وعناصر من الجبهة الشامية في منتصف أبريل/نيسان 2015 في خرق خط الدفاع الأخير للنظام غرب المدينة، عبر اقتحام مبنى المخابرات الجوية والمباني العسكرية المحيطة به.
وفي الجنوب، استطاعت قوات الجبهة الجنوبية، وهي ائتلاف عريض مكوّن من نحو 50 فصيلاً معارضاً، من تحويل النصر العسكري الذي حقّقه لواء "فاطميون"، وقوات من حزب الله، مدعومة بإسناد مدفعي وجوي من جيش النظام السوري (10 فبراير/شباط 2015) في محور تل عدس – تل المصيح - الناجي إلى هزائم متتالية، باعتمادها تكتيك حرب العصابات. ومثّلت سيطرة المعارضة على مدينة بصرى الشام، في 25 مارس/آذار 2015، ضربةً موجعةً أخرى للنظام وحلفائه، نظراً لأهمية المدينة، بوصفها حلقة الوصل بين محافظتي درعا والسويداء، ومركز عمليات حزب الله في حوران. ولم تمض أيام قليلة على الاختراق النوعي السابق، حتى باغتت فصائل المعارضة قوات النظام في معبر نصيب؛ لتسيطر بذلك (1 أبريل/نيسان 2015) على آخر معابر النظام الحدودية مع الأردن.

" إن استمرار الصراع من دون نهاية واضحة، أو الانهيار المفاجئ للنظام، فلا تضمن شيئاً سوى استمرار الصراع الأهلي والمعاناة، وتوليد ردود فعل أكثر تطرفاً "

وبينما كانت مواقع النظام تتهاوى في حلب والمنطقة الجنوبية، كانت التحضيرات لمعركة إدلب قد اكتملت، بعد نجاح جبهة النصرة وأحرار الشام، أواخر العام الماضي، في السيطرة على معسكري وادي الضيف والحامدية، أكبر معسكرات النظام في محافظة إدلب، وإطباق الحصار بشكل تام على مطار أبو الظهور العسكري، وهو آخر المطارات العسكرية المتبقية للنظام في المحافظة؛ ما سمح بإطلاق عملية تحرير محافظة إدلب بشكل كامل. وقد ساعد تشكيل جيش الفتح في 24 مارس/آذار 2015، والذي ضمّ فصائل إسلامية وثورية عديدة، في مقدمتها أحرار الشام وجبهة النصرة وفيلق الشام وغيرها، في الاستيلاء على مدينة إدلب في مطلع إبريل/نيسان الماضي؛ لتبدأ بعدها معارك السيطرة على ما تبقّى من مدن المحافظة، ابتداءً بجسر الشغور وانتهاءً بأريحا.
وعلى وقع هذه الإنجازات، أعادت فصائل المعارضة إشعال جبهات هادئة من جديد؛ فبدأ مقاتلو جيش الإسلام في ريف دمشق معركةً استهدفت اللواء 39 في الغوطة الشرقية، ونجحوا في إطباق الحصار عليه، كما شنّ مقاتلو أحرار الشام هجوماً مفاجئاً على قوات النظام في ريف حلب الجنوبي، وسيطروا على عدة قرى محاذية لأوتوستراد حلب - خناصر، والذي يعد طريق الإمداد الوحيد لمناطق سيطرة النظام في الجزء الغربي من مدينة حلب. من جهة أخرى، استغلّ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" فرصة انشغال قوات النظام بالتصدي لتقدّم قوات المعارضة على أكثر من جبهة، وانهيار معنويات جنوده، للتمدّد في البادية السورية؛ فدخل مدينة تدمر في 20 مايو/أيار 2015 ليقطع الإمداد نهائياً عن قوات النظام المتمركزة في مدينة دير الزور ومطارها العسكري، وليهدِّد مدينتي حمص وحماة من جهة البادية.

واقع عسكري وسياسي جديد

لن تؤدي الانتصارات الأخيرة للمعارضة المسلحة إلى حسم الصراع مع النظام. ومع ذلك، فرضت واقعاً عسكرياً وسياسياً جديداً؛ فللمرة الأولى منذ بداية الصراع، يظهر النظام السوريّ مستنزفاً، وفي موقع الدفاع عن بقائه ووجوده، كما بدا هذه المرة عاجزاً عن إقناع أنصاره وحلفائه بإمكانية حسم المعركة لمصلحته. فلطالما تمسّك النظام بتحقيق الحسم العسكري الشامل، وعدّه شرطاً لازماً للبدء بالحديث عن أي حلٍ للأزمة. جاءت مكاسبه العسكرية خلال عام 2014، مع تدخّل حلفائه مباشرة لمساعدته، وتراجع الدعم الإقليمي والدولي للمعارضة، وتركيز الغرب على مواجهة تنظيم الدولة والجماعات الجهادية، بدلاً من حل الأزمة، لتعزّز اقتناعه بإمكانية تحقيق النصر. لكنّ التطورات الأخيرة دحضت هذا الخطاب، وبيّنت أنه بعيد عن الواقع، وأظهرت مدى الإنهاك الذي أصاب قوات النظام، بعد أربع سنوات من المواجهات، كما كشفت اعتماده المفرط على المليشيات الأجنبية.
وفضلاً عن ذلك، ترافقت الانتكاسات العسكرية مع تدهور الوضع الاقتصادي الذي تمثّل في التدهور الكبير في سعر صرف الليرة السوريّة أمام الدولار الأميركي، وعجز البنك المركزي عن فعل شيءٍ إزاء ذلك، على الرغم من استمرار عمليات الضخ الأسبوعية للعملة الصعبة في الأسواق، أملاً في وقف تدهور سعر الصرف. كما تصاعد هروب رؤوس الأموال والتجار والمستثمرين إلى خارج البلاد. وبرزت، في الأسابيع الأخيرة، مؤشرات على تنامي الخلافات داخل الحلقة الأمنية الضيقة للنظام، بعد وفاة رئيس شعبة الأمن السياسي رستم غزالي وعددٍ من القيادات العسكرية في ظروف غامضة. كما تسود حالة ترقبٍ وارتباكٍ ضمن حاضنة النظام، خصوصاً في منطقة الساحل السوري وحمص، بعد اقتراب فصائل المعارضة وتنظيم الدولة منها. وكان لافتاً، في هذا الصدد، ظهور الرئيس بشار الأسد نفسه، أخيراً، وسط مجموعة صغيرة من مؤيديه في محاولة لطمأنة قاعدة دعمه التي بدأت تتململ وتتخوف من مصيرٍ مجهولٍ؛ إذ طالبهم بالمساهمة في رفع معنويات جيشه، ومقاومة "المؤامرة الدعائية" التي تستهدف إحباط معنوياتهم، والتشكيك بقدرة الجيش على ما أسماه "حسم الحرب".

" لا بد أن تأتي مكونات أي حلٍ سياسي يحافظ على سورية، على شكل تسويةٍ تشارك في تقديم ضماناتٍ لتنفذها دول عظمى، مثل روسيا والولايات المتحدة، وكذلك دول إقليمية "

على المستوى الدولي، نجح النظام، خلال العام الماضي، في صرف الاهتمام عن الأزمة السوريّة وأسبابها الحقيقية، والتركيز على مقولة مكافحة التطرف والإرهاب، وطرح نفسه شريكاً في مواجهة تنظيم الدولة والحركات الجهادية الأخرى. كما أسهمت مقترحات المبعوث الأممي، ستيفان دي مستورا، حول "تجميد" الصراع في مدينة حلب، وترويج فكرة تفرّغ قوات النظام والمعارضة لمحاربة تنظيم الدولة، في صرف الانتباه عن عملية التسوية التي أقرها بيان جنيف لعام 2012. وبرزت في الغرب، ولا سيما بعد تفجيرات باريس، دعوات لإعادة تأهيل النظام دولياً، واعتماده شريكاً في مواجهة التطرف، بدلاً من المراهنة على معارضةٍ سياسية متشرذمة و"فصائل مسلحة معتدلة"، لا يمكن الاعتماد عليها في نظر من يروّج للاعتماد على النظام، وخصوصاً بعد أن جرى دحرها بسهولة، واستيلاء جبهة النصرة على مقراتها وعتادها. كما ثار جدلٌ كبيرٌ حول برامج تدريب المعارضة، وما إن كانت ستؤدي دوراً ناجعاً في القضاء على تنظيم الدولة، في ظل استمرار الخلافات بين الإدارة الأميركية وبعض حلفائها في المنطقة عن الدور المنوط بهذه العناصر المدربة وآليات حمايتها من هجمات تنظيم الدولة، أو النظام. لكنّ هزائم النظام في حلب ودرعا وإدلب وتدمر، واستعداد المعارضة للاستفادة من هذا الزخم، للقيام بهجمات باتجاه طرده كلياً من حلب، والتقدّم في ريف حماة وسهل الغاب، أدى إلى تغييرٍ كبيرٍ في هذا المشهد.
وبسبب التدهور السريع في قدرات النظام العسكرية، والخشية من استمرار تساقط مواقعه، سارعت الولايات المتحدة وروسيا إلى إحياء الاتصالات بينهما، بخصوص الأزمة السورية، بعد انقطاعٍ دام أكثر من سنة، إثر فشل مؤتمر "جنيف 2" واحتدام خلافاتهما حول أوكرانيا. كما عادت روسيا التي ما فتئت تشجّع النظام السوري على الحسم العسكري، وتساعده في الالتفاف على مقررات "جنيف1"، للحديث عن ضرورة إحياء مسار جنيف، والتوصل إلى حلٍ سياسي للأزمة. وبالمثل، سارعت الولايات المتحدة للتحرّك لإنقاذ النظام ومنع انهياره على ما تبقى له من الأرض السورية، خشية حلول جماعات جهادية محله، ما أدى بوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إلى زيارة روسيا والاجتماع بالرئيس فلاديمير بوتين، للنظر في إحياء جهد التسوية.

خاتمة

قضت الانتصارات الأخيرة التي حققتها المعارضة المسلحة على فرص تعويم النظام السوري، وتحويله إلى شريكٍ دولي مقبولٍ في محاربة تنظيم الدولة، كما قضت على أي إمكانية لقيام النظام بفرض تسوية وفق شروطه وشروط حلفائه، بعد أن أصبحت فكرة الحسم العسكري جزءاً من الماضي. وفي وقت يتجدد الجهد الدولي لإحياء عملية التسوية، بعد القلق الذي أصاب حلفاء المعارضة قبل خصومها، تجاه إمكانية انتصارها وسقوط النظام، فإنه يترتّب على المعارضة السورية، السياسية تحديداً، أن تضع برنامجاً يقدم بديلاً سياسياً لكلٍّ من النظام وتنظيم الدولة، ويسرّع ببدء عملية انتقالية قائمة على المشاركة، ويتضمن، من بين أشياء أخرى، طمأنة العالم بشأن قدرة المعارضة على ضبط أي فوضى، يمكن أن تنشأ عن رحيل النظام، واستعدادها لدمج كل قوى المجتمع السوري في النظام التعددي القادم، والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية وسيادتها ووحدة أراضيها، ووضع البلد على طريق التحوّل الديمقراطي الذي يكفل حقوقاً متساوية لجميع مواطنيه، بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية أو الدينية أو العرقية، والبدء بعملية مصالحة وطنية شاملة، تستوعب الجميع، ومن دون أن تتهاون في تحقيق العدالة أو إعادة الحقوق. ولا بد أن تأتي مكونات أي حلٍ سياسي يحافظ على سورية، على شكل تسويةٍ تشارك في تقديم ضماناتٍ لتنفذها دول عظمى، مثل روسيا والولايات المتحدة، وكذلك دول إقليمية. أما البدائل الأخرى، مثل استمرار الصراع من دون نهاية واضحة، أو الانهيار المفاجئ للنظام، فلا تضمن شيئاً سوى استمرار الصراع الأهلي والمعاناة، وتوليد ردود فعل أكثر تطرفاً.

اقرأ المزيد
٩ يونيو ٢٠١٥
لماذا «داعش» عدو في العراق وحليف في سوريا؟

عقد وزراء وممثلو 24 دولة من أعضاء «التحالف الدولي ضد الإرهاب» مؤتمراً تقويمياً لعمله مطلعَ الاسبوع الماضي في باريس. مع انعقاد المؤتمر كان طيران «التحالف» قد أنجز اكثر من 4100 غارة على مواقع تنظيم «الدولة الإسلامية – داعش» ومقاتليه، معظمها في العراق وقلّة منها في سوريا.
مردود الغارات كان محدوداً للغاية، الدليل؟ تمّدد «داعش» في العراق إلى الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، وفي سوريا نحو مدينة تدمر ذات الموقع الإستراتيجي بين حمص في الوسط ودمشق في الجنوب، ثم أخذ بالتمدد نحو ريف حلب الشمالي وإلى مدينة الحسكة في شمال البلاد الشرقي، وإلى محافظة السويداء في طرفها الجنوبي الغربي.
عشية انعقاد مؤتمر باريس حرص رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على كشف هزال فعالية «التحالف الدولي» بقوله «إن الحملة الجوية ليست كثيفة بما يكفي، كما أن مراقبة «داعش» ليست فعالة (…) ونحن لا نحصل من التحالف الدولي لا على أسلحة ولا على ذخائر ولا على معلومات جوية كافية».
كل هذا التشكّي والتنديد لم ينفع. فما جرى الاتفاق عليه في المؤتمر كان المزيد من الشيء نفسه: مواصلة الضربات الجوية المحدودة، والضغط على الحكومة العراقية لتحجيم دور «الحشد الشعبي» في مقاتلة «داعش»، والدعوة إلى توسيع مشاركة القبائل السنّية في القوات المسلحة وفي دوائر السلطة.
بلى، ثمة شيء جديد، فقد تضمّن البيان الصادر عن المؤتمر نصّاً غريباً: «النظام السوري لا قدرة له ولا رغبة لديه في محاربة داعش»! الأغرب من النصّ موافقة العبادي وتوقيعه عليه. هل هذا هو موقف حكومته فعلاً؟ إذا كـان الامر كذلك، ما تفسيره لقيام مسؤول الإعلام في «الحشد الشعبي»، وقد اضحى بحسب قول العبادي نفسه «هيئة رسمية تابعة للحكومة»، بالإعلان عن اعتزام «الحشد» التقدم إلى الحدود العراقية – السورية بعد فراغه من تحرير الرمادي؟ هل تمّ الاتفاق ضمناً بين دول «التحالف» في مؤتمر باريس على اعتبار «داعش» عدواً لها في العراق وحليفاً في سوريا؟
الحقيقة أن سلوكية «التحالف» في العراق، ولاسيما قائده الامريكي، تشي بما هو أخطر من هذا التصنيف المريب لـِ»داعش»، ذلك أن واشنطن هدّدت «الحشد الشعبي»، عشية هجمة «داعش» على الرمادي، بقصف وحداته المقاتلة إذا ما تدخلت في المعركة لمساندة الجيش العراقي.
اكثر من ذلك، طائرات «التحالف» لم تقصف ارتال «داعش» المتجهة لمهاجمة الرمادي، كما احجمت عن قصفها ابّان زحفها الطويل في البادية المكشوفة عند اجتياحها تدمر، ثم ها هي كتائب «داعش» اليوم تهاجم مدينة الحسكة، فلا يقصفها طيران «التحالف»، وتطارد فصائل المعارضة السورية «المعتدلة» شمال حلب وتقصف مواقعها، وتقترب من معبر باب السلامة على الحدود مع تركيا، فلا طيران التحالف يتدخل ولا الجيش التركي يفعل، لماذا؟ هل لذلك علاقة باستراتيجية أمريكية كبرى تتناول المنطقة؟
يبدو أن لسلوكية دول «التحالف الدولي»، ولاسيما الولايات المتحدة، إزاء «داعش» دوافع تتعلق بإيران وأخرى تتعلق بـِ»اسرائيل»، فواشنطن تخوض صراعاً دبلوماسياً مع ايران من اجل اقناع حكومتها بتوقيع اتفاق نووي نهائي قبل آخر الشهر الجاري يستجيب للشروط الامريكية، ولاسيما لجهة القبول بتفتيش منشآتها العسكرية واستجواب علمائها النوويين. لذلك، من المنطقي والممكن جداً أن تتواطأ واشنطن ضمناً مع «داعش» أو تكتفي بغض النظر عن انشطته التوسعية بغية توظيفها في استنزاف حلفاء ايران الاقليميين في العراق وسوريا ولبنان للضغط عليها وحملها على الاستجابة لشروطها الاساسية في «الاتفاق النووي النهائي».
الى ذلك، تنهض شكوك اخرى في احتمال أن تكون واشنطن في صدد تطمين «اسرائيل» لوقف حملتها على الاتفاق النووي المرتقب باختلاق وضع جيوسياسي جديد يصبّ في مصلحة أمنها القومي.. كيف؟ بمباشرة تنفيذ مخطط قديم– جديد يرمي إلى تفكيك العراق وسوريا إلى مجموعة من دويلات هزيلة وهزلية قائمة على أسس قبلية او مذهبية او إثنية وعاجزة تالياً عن تكوين قوة قومية رادعة للكيان الصهيوني.
ايران تنبهّت، على ما يبدو، إلى اغراض الولايات المتحدة القريبة والبعيدة، واستشعرت انعكاساتها السلبية على حلفائها الاقليميين وعلى أمنها القومي ايضاً، فبادرت إلى رفد العراق وسوريا بقوات برية كما بأسلحة متطورة لتمكينهما من صدّ «داعش» واخوته وبالتالي تعطيل مخططاتها الجيوسياسية الماثلة.
غير أن ثمة من يعتقد بين المراقبين أن للولايات المتحدة مخططاً اوسع مدى مما تقدّم بيانه: إنه استدراج ايران نفسها إلى ساحات صراعات طويلة في العراق وسوريا ولبنان بغية إنهاكها لتوافق، تحت الضغط، على اتفاق نووي يرضي واشنطن وحلفاءها.
هل يغيب هذا الاحتمال عن ذهن القيادة في ايران؟

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٢ سبتمبر ٢٠٢٥
رسائل "الشرع" من قمة كونكورديا: خطاب يفتح أبواب سوريا على العالم
أحمد نور الرسلان
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني