مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٥ يونيو ٢٠١٥
الأسد و سوريا الصغرى !

اقتربت واشنطن وموسكو من "تفاهم" جديد على التعامل مع الأزمة السورية. اضطلعت باريس وعواصم أخرى – بعضها عربي وإقليمي – بدور في التأسيس لـ"مبدأ" جديد لأي تسوية. لا مستقبل للأيادي الملطخة بالدماء في النظام السوري. لا مكان للرئيس بشار الأسد، كما أن لا هوادة في الحرب الدولية على الجماعات الإرهابية.

حوّل البعثيون العروبة شعوبية. عبادة الشخص جوهر في الفكر القومي والديني. على غرار "الزعيم الخالد" جمال عبد الناصر، راقت الألقاب الرئيس السوري حافظ الأسد حتى جعل نفسه "قائدنا الى الأبد"، ليس فقط في بلده بل حتى أيضاً عند البعض في لبنان. فات ابنه بشار أنه ليس في مراتب الآلهة. لا يمكن "الرئيس الشاب" أن يشيب على كرسيه.

شرع المبعوث الخاص للأمم المتحدة الى سوريا ستيفان دو ميستورا في البناء على التفاهم الأميركي – الروسي الجديد. يجري منذ أكثر من ستة أسابيع مشاورات مع أكبر عدد ممكن من أطراف النزاع ومنظمات المجتمع المدني، فضلاً عن ممثلي الجهات الإقليمية والدولية الفاعلة والمؤثرة في سوريا. صندوق عدته الوحيدة بيان جنيف في 30 حزيران 2012. التفسيرات المتباينة لبنوده أبقته حبراً على ورق. تركز الوساطة على ترجمة الإجماع على البيان بنقله الى مرحلة "التفعيل".

يستوجب هذا التفعيل مزيداً من الجهود على ثلاثة مستويات. لا بد أولاً من توفير غطاء دولي جامع لأي تسوية. ظهرت التباينات واضحة باستخدام روسيا حق النقض "الفيتو" أكثر من مرة ضد مشاريع قرارات قدمتها الولايات المتحدة في مجلس الأمن وغايتها إطاحة نظام الأسد. هل يمكن التخلص من الأسد والأيادي الملطخة بالدماء مع المحافظة على مؤسسات النظام؟ الإيجاب يمكن أن يكون معادلة مرضية لكل من البيت الأبيض والكرملين. ينبغي ثانياً تركيب معادلات أكثر تعقيداً على المستوى الإقليمي. كيف يمكن أن تقبل السعودية وتركيا وايران بمعادلة كهذه؟ يسود اعتقاد أن الإتفاق النووي المرتقب بين الدول الكبرى والجمهورية الإسلامية سيكون له مفعول غير منظور حالياً، علماً أن موعد 30 حزيران الجاري لاتفاق كهذا "ليس مقدساً".

أنهكت الحرب ثالثاً كل المشاركين فيها. مثل الوسطاء السابقين، أخفق دو ميستورا في محاولته الأولى تسويق عمليات "تجميد القتال" محلياً انطلاقاً من حلب. ها هو يبحث الآن عن الأيادي غير الملطخة بالدماء ضمن النظام. يأمل في معارضة موحدة تستبعد العناصر المتطرفة العنيفة.

الحرب في سوريا شقّت جروحاً غائرة. يمكن من يشاء من البعثيين والقوميين أن يتغنى بسوريا الكبرى وما "سلخ" منها. غير أن الواقع الجديد يرسم بالدماء حدوداً جديدة حتى ضمن سوريا الصغرى!

اقرأ المزيد
١٤ يونيو ٢٠١٥
من يقرر مصير سورية، دولة أمة أو فدرالية طوائف؟

هناك كلام كثير اليوم عن تقسيم سورية وانقسامها. بعضه من قبيل التهويل وبعضه من قبل رصد التحولات الجارية على الارض. وفي نظري لا تنقسم البلدان ولا تنهار الدول إلا بانهيار وحدة نخبها الاجتماعية وتشتتها. وما لم يحصل ذلك كل الانقسامات والانهيارات قابلة للتراجع.

لا توجد أسباب واحدة لتفكك النخب الوطنية. قد يحصل هذا التفكيك نتيجة انهيار الدولة وسقوطها كما كان عليه الحال في أوروبة الشرقية بعد انهيار الشيوعية ونهاية عهد الوصاية السوفياتية. وقد يحصل بسبب ضعف الدولة واختراقها من قبل القوى الخارجية المحيطة، دولا او جماعات دينية أو إتنية، كما هو الحال في لبنان، وقد يكون نتيجة احتكار نخبة من أصول مذهبية أو إتنية واحدة او شبه واحدة للسلطة والقرار وحرمانها النخب الأخرى من حقها في المشاركة أو الانتقاص الواضح من ممارسة هذا الحق، كما هو الحال في معظم الدول العربية التي تسيطر فيها نخبة قبلية أو عائلية أو مذهبية على القرار، بواجهة وطنية واحيانا من دون واجهة وطنية شكلية على الإطلاق.

هذا يعني أن آليات توحيد النخب الوطنية ودمجها في إطار واحد مرتبط هو ذاته بوجود مشروع بناء أمة ووطنية سياسية. وهذا المشروع لا يوجد من تلقاء نفسه ولا نعثر عليه في الطبيعة كما هو وإنما هو ثمرة جهد فكري وسياسي منظم لبناء علاقات الوحدة من قبل النخب أو اجزاء منها ومن قبل القادة الوطنيين الكبار. ولا يمكن ان يتقدم إلا بمقدار ما ينجح هؤلاء في تأسيس قواعد هذه الوحدة الوطنية من أسس دستورية ومساواة قانوية ومشاركة فعلية لجميع أبناء الطوائف والعشائر على قدم المساواة،. فالوطنية كرابطة فوق اتنية وفوق طائفية هي الثمرة المباشرة لتوسيع دائرة المواطنة وتطبيق نموذجها بوصفها شراكة في بناء الدولة الحرة لأفراد أحرار ومتساوين، وبالتالي كمشروع مشترك وجامع وصاهر أيضا لكل النخب ومن جميع الطوائف والمذاهب. وأصل توحيدها هو الاشتراك في هذا المشروع الوطني المواطني نفسه، فهي موحدة عليه ومن اجله وفيه.

ومستقبل سورية كدولة واحدة ومصيرها لن تقرره إرادة الدول ولا الاختلافات الطائفية والإتنية، كما يعتقد الكثيرون، وإنما النخبة الثورية نفسها، التي تسيطر عليها أكثرية "سنية" عددية من دون شك، في معالجتها لقضية الأقليات. وحتى الآن، باستثناء النخبة المنحدرة من أصول علوية والتي نجح الأسد في تعبئة قسم كبير منها في مشروع تدمير سورية أو استعبادها، جميع نخب الجماعات المذهبية السورية، بما فيها فئات واسعة من النخبة العلوية الاجتماعية، لا تزال تقاوم التفكك وتتمسك بوحدتها الوطنية بعد خمس سنوات من الحرب. وعلى وعي النخب المنتصرة في هذه الحرب ومقدرتها على الارتفاع إلى مستوى الرؤية الوطنية، وتحكيم منطق الدولة والسياسة بدل منطق العشيرة وحق الثأر والانتقام، يتوقف مستقبل سورية ومصيرها: كدولة أمة تقودها نخبة واحدة وموحدة، تضم جميع فئات النخب السورية المتمسكة بمشروع الخيار الوطني، أو فدرالية طوائف وقوميات وعشائر متنابذة ومتنازعة من دون مستقبل ولا هوية واحدة ولا أمل في أي تقدم أو تنمية أو استقرار.

اقرأ المزيد
١٤ يونيو ٢٠١٥
قرارات

قررت إدارة أوباما إرسال 500 مستشار عسكري إلى العراق. الرجل نفسه يُحارب إلى جانب إيران في العراق، وضدها في سوريا، ويفاوضها في جنيف، ويُطمئن أهل الخليج في كامب ديفيد، ولا يدري ماذا يفعل في مصر. ونحن، طبعًا، لا نُسهِّل عليه الأمور. إيران تُرسل وزير خارجيتها لمفاوضة جون كيري، وتترك للمرشد الأعلى والرئيس روحاني لعن الاتفاق الموعود. والتلفزيونات تعرض فيلمًا لحيدر العبادي يحاول الجلوس إلى جانب أوباما، وأوباما يدير ظهره بدل أذنه. وواضح أن العبادي يطلب القرب في السر، وسوف يتغطرس في العلن، لأن القرب من الشيطان الأكبر ضرورة في الحكم، وحريق شعبي يجب تداركه.
ولذلك، كانت العلاقة العربية – الأميركية قائمة دومًا على ازدواجية، متبادلة أحيانا، وعربية دائمًا. ونحن نريد من أمريكا توازنا في الموضوع الفلسطيني، ودعمًا عسكريًا في العراق وسوريا، ودعمًا سياسيًا في مصر، وتدخلاً في ليبيا. لكننا نريد أيضا أن نحرق أعلامها في شوارعنا، وأن نشتمها في صحفنا، وأن نبحث عن بطولة واحدة هي العداء لها. والمشكلة مع الأميركيين الذين كنا نعتقد أنهم لا يقرأون، هي أنهم يترجمون كل حرف عنهم، حبرًا وصوتًا وصورة.
لكن هناك مشكلة أخرى أيضًا: لا بديل! لم تقدم روسيا السوفياتية، ولا روسيا البوتينية للعرب أكثر من الكلام وصفقات السلاح. وأما الفيتو، فهذه نتائجه في سوريا. لا روسيا ولا أوروبا مجتمعة لها الوزن الدولي الذي تمارسه، أو تتردد أمريكا في ممارسته في ظل رئيس محتار ومحيَّر.
يجب على الفريقين اتخاذ قرار صعب عل كليهما. أولاً، تقرر الولايات المتحدة أننا لسنا نفطاَ فقط. نحن أمَّة، صحيح أنها مُتعثّرة اليوم، لكننا دائمًا هناك، سواء اكتفت أمريكا بالنفط الرملي أم لم تكتف. إنها لا تستورد النفط من أوروبا، ولا من أفريقيا، ولا من آسيا، لكن مصلحتها الكونية لا تتنقل ولا تتجزأ.
وأما نحن، فيجب أن نقرر أننا لم نعد مضحكين. مرة نأخذ على أمريكا أن فيها 30 مليون فقير ونحن 300 مليون فقير. ومرة تُقصف أبراجها لتدمير الاقتصاد. ومرة نشمت لاضطرابات في مدينة بين السود والبيض، بينما مدننا ركام وأحزان و16 ألف طفل قتلوا في أربع سنين.
على الأقل يجب أن نستحي. ويجب أن نتصرف كدول وشعوب جديّة تجيد أصول المخاصمة والمعارضة وشرح الحقوق والدفاع عنها. «طز في أمريكا» لم تفدنا في شيء ولم تضر أمريكا في شيء. هذه ليست لغة للتعامل مع خصم، أو للدفاع عن صديق. هذه لغة رعاع تنتهي دائمًا إلى وبال على ثقافة الاحتكام إلى الشارع وإلهائه بسقط الكلام. تأملوا صورتنا اليوم. حاولوا أن تراهنوا على لغة العقل وسياسة المنطق. وهذا لا يعني أن نحب أمريكا، بل أن نحترم أنفسنا.

اقرأ المزيد
١٤ يونيو ٢٠١٥
العراق وسوريا دولة وحرب واحدة

قبل عام، حاول الرئيس الأميركي باراك أوباما تبرير سبب الاختلاف في التعاطي مع الأزمتين، ترسل درونًا ومستشارين وأسلحة إلى العراق، وتبعث بطانيات وأدوية إلى سوريا. قال إن إدارته ملتزمة بأمن العراق لأنه يمثل لبلاده قيمة استراتيجية، أما سوريا فإن التعاطي معها سيستمر على مستويين سياسي وإنساني، ولا ينوون التورط هناك بأكثر من ذلك.
معظم الحكومات تتحدث عن عراق وسوريا، لكن هذا التقسيم مجرد خرائط ورقية قديمة، لم يعد له أثر على أرض الواقع. لا يوجد هناك بين العراق وسوريا، كحدود وقوات حرس، وجوازات، وجيوش فاصلة. العديد من النقاط أصبحت مجرد محطات تمويل لمقاتلي «داعش» والعابرين من وإلى الأنبار. وحدت الحرب والإرهاب بين البلدين. «داعش» هي السباقة والأكثر دقة عندما سمت نفسها بـ«دولة العراق والشام الإسلامية».
وسبق أن كتبت حينها، بعد سقوط الحدود، كيف أن المرء يفقد قدرته على فهم عمق الأزمة عندما يسير وفق القواعد التقليدية، مثل علامات الحدود، والأعلام، والدول والأديان. الآن الصورة أكثر وضوحا. ما يحدث في العراق اليوم جزء لا يتجزأ من الحدث السوري، ولم تعد الحدود سوى مجرد خط قديم باهت على الورق في وزارات الخارجية. اليوم نحن أمام مستطيل أزمة يوحد البلدين من باب الهوى الحدودي السوري أقصى الشمال مع تركيا، إلى أقصى جنوب العراق عند منفذ الجديدة السعودي، وغرب العراق، حيث منفذ طربيل الأردني. وصار مقاتلو «داعش» في محيط العاصمة السورية دمشق، مثلما هم أيضا في محيط العاصمة العراقية بغداد.
إذا أرادت الدول المعنية مواجهة الكارثة المزدوجة، ووقف تمدد «داعش»، فعليها أن تتعامل مع العراق وسوريا كدولة واحدة، النجاح والفشل في واحدة يؤثر على الثانية. ولم يعد يصلح تعريف هذه الدول، وخصوصا الولايات المتحدة، أن العراق دولة نفطية استراتيجية وأن سوريا مجرد مزرعة فجل؛ لأننا أمام توأم سيامي، وصارت الحرب تقريبا واحدة. هذه المصيبة المزدوجة تعني أن فكرة الاعتماد على حكومة بغداد الضعيفة لن تحقق الكثير، وأن مساندة الميليشيات الشيعية في العراق من خلال «الحشد الشعبي» ستوسع من الجرح، وتعظم من التحول السني الجماعي ضد الحكومة العراقية، وبالطبع تزايد العداء ضد الولايات المتحدة، وفي الأخير تجعل «داعش» حقا دولة تمثل غالبية السنة في البلدين!
الخيار المعقول المتبقي، بعد فشل الحلول الأخرى، دعم القوى السنية المعارضة في سوريا ومثلها العشائر السنية في العراق لمقاتلة «داعش» السنية. والتوقف عن استخدام الحشد الشعبي وميليشياته الشيعية في العراق تحت إدارة الإيرانيين، لأنه يخدم أهداف تنظيم داعش السني. أيضا لا بد من تصحيح الوضع المأساوي المستمر. فلا يعقل أن تسكت غالبية السوريين السنة، وهم ثمانون في المائة من السكان، على نظام الأسد بعد أن قتل منهم أكثر من ربع مليون. ولن يبدأ الإيرانيون وحليفهم الأسد القبول بحل سياسي، ويؤدي إلى مداواة الغالبية السنية، إلا بمواجهة القتل اليومي من الجو ومنعه. فطيران الأسد يُسمح لَهُ بالتحليق وإلقاء براميله المتفجرة على الأحياء المدنية في عملية تطهير عرقية مستمرة، وفي نفس الوقت يحظر على المعارضة التسلّح بما يمنحهم الدفاع عن مناطقهم من طيران الأسد، وزيادة في الألم والمهانة يرفض المجتمع الدولي فرض حظر طيران يوقف المأساة.
دون فهم هذه الصورة المأساوية، ومعالجتها، فإن «داعش» سيتمدد ويتمدد، وسيجد المزيد من المقاتلين والموالين له، أكثر من المائة ألف حاليا يقاتلون له في سوريّا والعراق.

اقرأ المزيد
١٣ يونيو ٢٠١٥
أين الخير في الانتخابات التركية؟

إن القراءة الظاهرية لنتيجة الانتخابات التركية الأخيرة تبدو مقلقة، ولا سيما بالنسبة لأهل سوريا الذين كانت تركيا لهم في السنوات الماضية خيرَ صديق وخيرَ ظَهير، وكانت هي العمق الإستراتيجي للثورة والحاضنةَ الكبرى لمؤسساتها وناشطيها ولعدد هائل من اللاجئين.

ولكن الدنيا ليس فيها شَرٌّ محض وليس فيها خير محض، إنما يكون هذا في الآخرة، أما الدنيا فإن الخير فيها مَشوب بشيء من الشر والشرّ مَشوب بشيء من الخير لا محالة. وإن من علامة عقل العاقل أن يبحث في كل شر عن الخير ليَجْتَبِيَه، وفي كل خير عن الشرّ ليَجْتَنِبَه، وكثيراً ما يسوقنا الله إلى الخير أو يسوق الخيرَ لنا بما ظاهرُه شر، فإذا نفرنا منه وأعرضنا عنه لظاهره خسرنا الخيرَ الذي فيه: {فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعلَ الله فيه خيراً كثيراً}.

-1-

يقول آرنولد تويْنبي في نظريته الشهيرة، "التحدي والاستجابة"، إن الجماعة البشرية التي تواجه تحديات كبيرةً تستجيب لها بإحدى طريقتين: استجابة سلبية ينشأ عنها ضعف وضمور، أو استجابة إيجابية تنتج عنها حضارة عظيمة. أي أنّ ما يدمّر الجماعات ليس التحدي نفسه، بل طريقة التعامل معه والاستجابة له، على أن لا يبلغ درجةً من القوة تدمّر الجماعة، ولا درجةً من الضعف تقتل حاجتَها إلى الاستجابة.

هذه النظرية لا تنطبق على الحضارات الكبرى فحسب، بل إنها تنطبق أيضاً على الجماعات والمنظمات وعلى أفراد الناس، وهي تشبه نظرية كارل يونغ الرائدة في علم النفس السلوكي، حيث يقول إن الإنسان الذي يتعرض لصدمة يُصاب بالاضطراب والضياع لوقت قصير، ثم تتبلور استجابته للصدمة بإحدى طريقتين: استجابة سلبية، فيرتدّ إلى الماضي فراراً من الواقع المرير، أو استجابة إيجابية، فيعترف بالمصيبة ويتقبلها، وبدلاً من الاستسلام لنتائجها المُحبطة فإنه يتطلع إلى المستقبل، ويبدأ بالتخطيط الإيجابي للتغلب عليها والخروج منها بفوائد ومكتسبات.

-2-

إن القراءة الأولية لاستجابة حزب العدالة لنتائج الانتخابات تُثبت أنه حزب حيّ ديناميكي قادر على تجاوز الأزمة والانتقال من النجاح الجزئي الذي حققه في الانتخابات (وهو فشل جزئي أيضاً) إلى نجاح أكبر، فقد طالبَ قادةُ الحزب الكبار (آغابيلِرْ) بمراجعة شاملة ونقد ذاتي لأداء الحزب، وتمت الدعوة على عجل لعقد لقاءات تشاورية تضم قيادة الحزب ورؤساء فروعه في المحافظات ورؤساء البلديات وأعضاء الأمانة العامة، وسوف تسعى هذه اللقاءات إلى البحث في أسباب تراجع شعبية الحزب وتحديد مسؤولية الإخفاق الأخير واستشراف المستقبل والتخطيط الجيد للغد القريب والبعيد.

إن هذا التحرك السريع يعبّر عن امتصاص للصدمة ويمثل استجابة إيجابية للتحدي، حيث يُنتظَر أن يجدّد الحزبُ نفسَه ويطور أداءه وينوّع أداوته، وهذه الاستجابة الإيجابية تحملنا على التنبؤ منذ الآن بعودة قوية لحزب العدالة في الانتخابات القادمة بعد أربع سنين.

-3-

إذا كانت هذه هي استجابة حزب العدالة الذي يلعب على أرضه والذي ما يزال هو القوةَ الكبرى في البلاد، فكيف كانت استجابة ثورتنا التي تمثل تركيا عمقَها الإستراتيجي الضروري للبقاء؟ وماذا صنعت مؤسساتنا الثورية التي صارت تركيا موطناً لها فاستقرت وتجذرت فيها منذ عدة سنوات؟

لقد كانت الضريبة التي دفعها السوريون في مصر بعد الانقلاب قاسية. بالتأكيد لا يتوقع أحدٌ أن تتدهور حالة السوريين في تركيا بتلك الصورة التراجيدية، ولكن لا بد أن تحصل تغيّرات، ولا يمكن أن نتجاهل أن بعض الأحزاب حصلت على أصوات كثيرة بناء على برنامج انتخابي يتضمن وعداً بالحدّ من تمدد السوريين في البلاد، وأن أي حكومة ائتلافية قد تُضطر إلى ممارسة بعض الضغط على أفراد السوريين ومنظماتهم الثورية والسياسية والإغاثية، ولا بد أن ينعكس أيُّ تغير في السياسة الخارجية على العمل العسكري في الداخل السوري بطبيعة الحال.

هذه كلها صعوبات محتمَلة، ولكنها ليست كارثة تستحق الشكوى بقدر ما هي تحديات تحتاج إلى استجابة إيجابية خلاّقة. لقد أثبت أحرار سوريا منذ بداية هذه الثورة المباركة أنهم يتفاعلون بإيجابية مع التطورات والتحديات وينجحون بفضل الله، ولكنهم كثيراً ما يترددون فيتأخرون، فعسى أن لا يصنعوا ذلك الآن، وعسى أن يكون أهل الرأي والقرار في المنظمات الثورية والفصائل العسكرية أسرعَ في التفكير والتدبير مني بكتابة هذه الكلمات.

-4-

وثمة وجه آخر من أوجه الخير لا ينبغي أن يغيب عن البال: إن للعمل السياسي نتائجَ خطيرةً على الأفراد والمؤسسات، فإن السلطان يُطغي، هذه واحدة من قواعد الحياة الكبرى ومن سنن الخلق المطّردة، وقد عبّر عنها القرآن بجملة فريدة بديعة يمكن أن تُشرَح في مجلدات: {إنّ الإنسان ليطغى أنْ رآه استغنى}. أي أن الإنسان إذا رأى نفسه مستغنياً عن الناس، بجاهه أو بماله أو بقوته وسلطانه، فإنه يميل فطرياً إلى الطغيان، وإذا طغى السلطانُ أفسد آخرتَه وأفسد دنيا الناس.

لذلك كان من أفضل المنتجات السياسية التي طوّرها البشر عبر الأجيال مبدأ "تداول السلطة"، وهو مبدأ سياسي ينبغي على الأمم الحية أن تعضّ عليه بالنواجذ وأن تقدّم في سبيل تكريسه والمحافظة عليه أعظمَ التضحيات، ولو أردنا أن نكون في سوريا أمة حية فلنحرص على أن يكون هذا المبدأ من المبادئ العليا التي تحكم نظامنا السياسي في المستقبل.

لقد انقضى وقت طويل وحزبُ العدالة هو الحزب الوحيد الذي يمارس السلطة في تركيا بتفرد كامل، ولا ندري، فلعلّه صار بحاجة إلى "دورة تدريبية تطبيقية" في العمل المشترك، فإن هذا هو الطريق إلى ترويض السلطة ومنعها من الجموح ومنحها التكاملَ والتنوعَ والثراء، وفي هذا التدريب خيرٌ له وللبلاد والعباد.

-5-

ووجه ثالث: إن العمل السياسي هو في حقيقته رعاية لمصالح الناس، فهو عبء وغرم ثقيل على صاحبه. ولا ريب أن المحسن ينال مكافأته شكراً واستحساناً من الناس وثواباً من ربّ الناس إذا صلحت النيّات، ولكن الناس يألفون الجديد مع الوقت، فمن سنن الحياة أن الأُلفة تُذهب الدهشةَ كما يقولون، ومن ثَمّ فقد صارت منجزات حزب العدالة في أعين عامة الناس من المسلَّمات التي لا تستحق الشكر والتقدير. فلماذا لا يشارك الحزب غيرَه ويلقي عليه جزءاً من المسؤولية، وليترك للناس الحكم على أداء هذا الفريق وذاك؟

ربما كان هذا هو الخطأ الأكبر الذي وقع فيه الإخوان المسلمون في مصر، يوم تصدّروا لإدارة البلاد فُرادى فاحتملوا وحدَهم إرث عشرات السنين من التخريب والفساد، ولو حمل العبءَ ائتلافٌ من قوى سياسية متنوعة لضاع الدم بين القبائل واشترك الكل في حمل الإرث الثقيل.

لو كنت مسؤولاً في حزب سياسي أو فصيل عسكري في سوريا لما فكّرتُ طرفةَ عين في السعي إلى حكم البلاد منفرداً، حتى لو امتلكت قوة عسكرية عظيمة وأغلبية برلمانية ساحقة، لأنني أعرف أنه اختبارٌ مُعْجز وأن النجاح فيه مُحال، فإن إعادة بناء سوريا وإدارتها تحتاج إلى موارد دول عظمى وإلى سنوات طويلة من الصبر والكفاح والعمل الجماعي الذي يستهلك طاقات الشعب كله. فواعجبي ممّن يعيش في الأحلام فيحسب أن سوريا خَلُصت له من دون الناس، فما يزال يجادل في شكل الدولة وشكل الحكم وكأنه سيكون فيها صاحبَ الملك والحكم والسلطان!

-6-

ووجه رابع: إن الحروب والنزاعات الداخلية تُنهك الأمم وقد تتسبب في تفكّك الدول إذا بقيت بلا علاج، وقد عانت تركيا طويلاً من مشكلة الأكراد، ولا ريب أن حل هذه المشكلة مكسب إستراتيجي سيعود بالنفع على الأجيال التركية القادمة ولن يقتصر أثره الإيجابي على الجيل الحاضر فحسب.

وإن من أفضل وسائل حل المشكلة الانفتاحَ الثقافيَّ والاحتواء الاجتماعي والتطبيع السياسي، ولعل أفضل طريقة لتحقيق ذلك كله هي وجود حزب كردي مستقل يمثل الأكرادَ في البرلمان. إن أول سؤال سوف يخطر في أذهان عامة أكراد تركيا الآن هو: لقد قاتلْنا في الماضي من أجل حقوقنا، وها نحن اليوم نحصل عليها بالطريق السلمي من خلال العمل السياسي الرسمي، فلماذا نستمر بالقتال؟ أيْ أنّ مشاركة الأكراد في الحكم ستضع النهاية الحتمية لصراع مسلح استمر لأكثر من ثلاثة عقود.

إن المجتمعات المتعددة الثقافات والمذاهب والأعراق تعيش على سطح بركان ساكن معرَّض للانفجار في أي يوم، وهي لا تصل إلى الأمان والاستقرار إلا عندما يحصل الجميع على حقوقهم الكاملة. لقد كان هذا هو الدرس الذي تعلمته أممٌ كثيرة بعد حروب طاحنة مدمرة، وهو ما وصل إليه الأترك بعد نزاع مسلح منهِك طويل لم يستفد منه غير أعداء تركيا، وهو أيضاً ما يحتاج أهل سوريا إلى إدراكه قبل فوات الأوان.

اقرأ المزيد
١٣ يونيو ٢٠١٥
"مطار الثعلة" ليس درزياً .. و "التحرير" ليس داعشياً

الحديث عن "مطار الثعلة" ، يحتاج إلى عدة تأكيدات تدخل في إطار المسلمات حتى يكون هناك منطق لطرح أي شيء فيما بعد ، وأول هذه المسلمات هي أن : "مطار الثعلة" ليس مكان ديني أو تابع لطائفة  الدروز ، "مطار الثعلة" ليس أرضاً خاصة لأبناء السويداء ، "مطار الثعلة" ليس معرضاً للزهور ، "مطار الثعلة" ليس مركزاً للسلام ، فـ "مطار الثعلة" لا يملكه شخصٌ أو منطقة أو طائفة معينة .

"مطار الثعلة" هو عبارة عن ثكنة عسكرية تابعة لنظام قاتل ، "مطار الثعلة" عبارة عن وحش قاتل ، "مطار الثعلة" سبب في موت المئات و تشريد عشرات الآلاف ، "مطار الثعلة" مصدر كل خراب حدث في درعا ، "مطار الثعلة" سرطان فرّق بين شطري حوران "سهلها و جبلها" ، حاول الثوار إنتزاعه ليعود الربط بينهما .

الدفاع عن "مطار الثعلة" ليس دفاع عن الأرض ، و ليس دفاعاً عن العرض ، و الأهم من هذا كله ليس دفاعاً عن الدروز ، بل هو دفاعاً عن الباطل في وجه الحق ، هو دفاعاً عن الذل في وجه العز ، "مطار الثعلة" و الدفاع عنه و مساندته و استرداده من يد حرره ، هو خلق لشيء تعجز اللغة عن وصفه ، و تحار الديمغرافية في تقييمه ، فمهما بحثنا عن تبريرات لا نجد ما يفي بالغرض ، أو يخفف من حجم الضرر الذي وقع ، و لا أقصد الضرر المادي ، فهو يعوض حتماً لأن الثأر من "مطار الثعلة" مسألة وقت بالنسبة لثوار درعا ، و إنما عن الضرر المعنوي و "كسرة الخاطر" التي لحقت بالثوار بعدما اضطروا لمواجهة أهلهم و أخوتهم بعد إنسحاب قوات الأسد منه ، مما اضطرهم للإنسحاب منعاً لإراقة الدماء و زرع الثار بين شطري حوران ، و لا مكان لكلام عن قوة المؤازرات أو حجم القصف المساند ، فهذه ليست المعركة الأولى التي يخوضها ثوار درعا ، فهو اعتادوا مواجهة النار بالنار و غلبتها.

من المكن الحديث عن وجود أصوات شريفة صدرت من أبناء الطائفة الدرزية  وقفت إلى جانب الحق و واجهة أبناء جلدتها و قالت أنه خطئٌ ما حدث ، وماكان يجب أن يحدث ، كـ النائب وليد جنبلاط ، و فيصل القاسم الذي قال "عندما كان أهلنا وجيراننا في درعا يشتكون لأهلنا في السويداء من ان القصف الهمجي الذي يدمر درعا ويقتل ويشرد ساكنيها يأتي من مواقع عسكرية في السويداء، كان اهلنا في السويداء يتبرؤون من تلك المواقع ويقولون انها مواقع تابعة للنظام ولا سيطرة لهم عليها. طيب. بما انها مواقع تابعة للنظام الفاشي، فلماذا يدافع بعضكم الآن عن تلك المواقع عندما أراد أهل درعا وثوارها وضع حد لشرور تلك المواقع وإسكات نيرانها التي تحرقهم منذ سنوات؟ لماذا لا تقولون نفس الكلام القديم وهو انكم تتبرؤون من تلك المواقع؟ فلتعلموا يا اهلنا في السويداء ان المواقع التي يحاول بعضكم المشاركة في حمايتها الآن ستحرقككم وستقتلكم كما قتلت وتقتل اهلنا في درعا فيما لو رفعتم صوتكم قليلاً ضد النظام المجرم. وقد لاحظتم قبل ايام كيف امطرتكم مواقع المخابرات العسكرية في الجبل والحرش بوابل من قذائف الهاون لمجرد انكم لم تستجيبوا لطلباتهم الداعية للالتحاق بجيش القتل والوحشية".

و لكن في الوقت ذاته لا يمكن أن نغفل بوجود الكثر من قرروا المواجهة مع الجيران و الأهل و العزوة لأسباب خبيثة ، مبررات سازجة ، كالخوف من داعش التي يحاربها ثوار درعا بالتوازي مع حربهم ضد النظام ، و لا صحة للقول الخوف من الثوار و هم على يقين تام بأن بين درعا و السويداء أكبر من أي أي خلاف ، و لكن الخوف كان من المتورطين في دم السوريين ، و يخشون العقابة الذي سيلحقهم مهما طال الزمن .

لست هنا أتحدث عن شخص بعينه ، و إنما داخل السويداء يوجد من وظف الجانب الديني ليساند النظام كما يحدث في كل منطقة في سوريا و في كل طائفة و مذهب ، و يهدف لتوريط الجيمع بدم بعضهم البعض ، ليغلب صوت الدم على صوت الحق.

اقرأ المزيد
١٣ يونيو ٢٠١٥
النظام السوري والمتاجرة بالأقليات على الطريقة الاستعمارية

حاول نظام بشار الأسد أن يقدم نفسه للداخل والخارج منذ بداية الثورة على أنه حامي الأقليات. لكنه نسي أن لعبة حماية الأقليات ليست جديدة، بل استخدمها المستعمرون لأغراض حقيرة مرات ومرات قبله لتبرير غزوهم لبلادنا أو تمرير بعض سياساتهم الإجرامية، فبحجة حماية الأقليات كانوا يفعلون الأفاعيل، مع العلم أن آخر ما يهمهــــم كان حماية الأقليات التي استغلوها لأهداف استعمارية قذرة وممارسة سياستهم المعروفة «فرق تسد». لقد أساء المستعمر للأقليات أكثر بكثير مما أفادها، وجعل بعضها يبدو أحياناً في أعين الأكثرية على أنها مجرد طابور خامس.

طبعاً لا تختلف سياسات النظام السوري عن السياسة الاستعمارية، فهو استخدم الأقليات لنفس الأغراض السلطوية المفضوحة ودق الأسافين بين الأكثرية والأقليات كي يحمي نظامه ويعيش على تناحرها. لا بل إنه استغل حتى طائفته العلوية المسكينة من أجل بقائه في السلطة، فقد خسر العلويون حتى الآن، حسب إحصائياتهم هم، أكثر من مائة وخمسين ألف قتيل. وكان النظام يبتزهم دائماً بأن الأكثرية ستسحقهم إذا لم يشاركوا معه في الحرب ضد الثورة. وقد وقع العلويون كما غيرهم من الأقليات في حبال النظام الشيطانية. والسؤال إذاً: إذا كان النظام يتاجر بأبناء الطائفة العلوية التي ينتمي إليها، ويقدمها قرباناً من أجل البقاء في السلطة، حتى لو أصبحت طائفة بلا رجال، فكيف يتوقع أبناء الأقليات الأخرى كالمسيحيين والاسماعيليين والدروز أن يحميهم النظام؟ أليس الأقربون العلويون أولى بالمعروف؟ مع ذلك لم يقدم لهم النظام أي معروف، بل حارب بأشلائهم. وحتى المصابون منهم الآن يتسولون حبة الدواء، ولا يجدون ما يسد رمقهم. أما الدروز فقد عوّضهم عنزتين عن كل «شهيد».

كيف تصدق الأقليات أن النظام يحميها إذا كان عدد المسيحيين في عهدي حافظ وبشار الأسد قد تناقص بنسبة مهولة، فلم يبق منهم حوالي 300 ألف مسيحي من أصل مليونين في سوريا؟ وقد هاجر معظمهم إلى الغرب أيام حافظ الأسد، حسب الباحث المسيحي جورج كدر. وقد لحق بهم عشرات الألوف أثناء الثورة، ولم يستطع بشار الأسد أن يؤمن لهم أي حماية. وحدث ولا حرج عن الدروز الذين هاجر منهم مئات الألوف بسبب الفقر والظلم والطغيان، فعدد الدروز خارج سوريا أكبر بكثير من عددهم داخل سوريا. هل كانوا ليهاجروا بمئات الألوف يا ترى لو كان النظام يحميهم ويراعيهم كما يدعي ليل نهار؟ بالطبع لا.

وتنقسم لعبة المتاجرة بالأقليات من قبل النظام السوري إلى مرحلتين. المرحلة الأولى عندما كان يحرضهم ضد الأكثرية الثائرة بحجة أن الأكثرية ستسحقهم إذا لم يقاتل أبناء الأقليات إلى جانبه. وقد نجح مرحلياً، بحيث امتنعت الأقليات، على الأقل، عن الانضمام إلى الثورة، لا بل إن بعضها انضم إلى قطعان الشبيحة والنبيحة. لكن من المؤسف أن بعض الأقليات انطلت عليه اللعبة القذرة، ولم يكتشف الملعوب إلا متأخراً، أو بالأحرى حتى انتقل النظام إلى المرحلة الثانية من المتاجرة بالأقليات، خاصة بعد أن فشل في تجنيد أبنائها في الجيش كما حصل في السويداء، حيث تخلف حوالي ثلاثين ألف شاب عن الجندية لرفضهم أن يكونوا قرابين في حرب الأسد المجنونة ضد الشعب السوري.

الآن وبعد أن انتهى بشار الأسد من المرحلة الأولى، وأصبح في وضع بائس عسكرياً بعد أن خذلته بعض الأقليات، ولم يعد قادراً على المواجهة العسكرية، أو توفير أبسط أنواع الحماية للذين وقفوا معه من الأقليات، راح الآن يسلم مناطق الأقليات لقوى التطرف أولاً عقاباً لمن رفض الانضمام إلى جيشه، وثانياً بهدف لفت انتباه العالم إلى أن الأقليات باتت مهددة من داعش ومثيلاتها. وبهذه اللعبة، يكون النظام قد بدأ بالمتاجرة بالأقليات دولياً. ها هو يقول للعالم الآن بعد أن أوصل جحافل المتطرفين إلى الموحدين الدروز في السويداء والاسماعيليين في السلمية، ها هو يقول للعالم: انظروا: الأقليات في خطر، وعليكم أن تقفوا معي ومعها. إنها المتاجرة بالأقليات في أقذر صورها.

لكن من الواضح أن لعبته انفضحت وانكشفت، ولم تعد تنطلي على الأقليات، ففي السويداء مثلاً بدأ الموحدون الدروز يقتربون أكثر فأكثر من جيرانهم في درعا بعد أن فشل النظام في دق الأسافين وإثارة الفتن بين الطرفين. وقد انفضح أمر النظام أكثر عندما اكتشف دروز السويداء أن النظام قام بإفراغ المتاحف من الآثار ونقلها إلى مناطقه، ناهيك عن أنه أفرغ صوامع الحبوب، وسحب الأسلحة الثقيلة إلى مناطقه كي يترك الدروز لمصيرهم. لقد كان يريد من وراء ذلك المتاجرة بمحنتهم في مواجهة قوى التطرف التي جاء بها إلى مشارف السويداء. لكن هذه اللعبة القذرة انكشفت. وحسبه الآن أن يهرب من المنطقة الجنوبية بعد أن تهاوت قلاعه فيها تباعاً، وبعد أن بات أهل السويداء يدركون أن النظام كان يتاجر بهم لأغراضه الخاصة.

نرجو أن تكون الأقليات قد استوعبت اللعبة تماماً، وأنه من الأفضل لها أن تتحالف مع الأكثرية لا مع نظام طاغوتي زائل مهما طال الزمن.

اقرأ المزيد
١٣ يونيو ٢٠١٥
معركة دمشق الممتنع غير السهل ...

تتخذ المعارك التي تدور شمالاً و جنوباً ، شرقاً و غرباً ، محور واحد و هدف باتجاه موحد ، وهو دمشق ، و أي خسارة يعني الإبتعاد عن القضية المركزية ، و أي إنتصار مهما كان بعيداً يعني أن القضية باتت في حكم "القضية المقضية" ، و أي خيانة أو تقصير ، تأخر أو تباطئ يعني أن أنك تلعب بمصير البلاد و العباد ، وكأنها قضية من نوع "السهل الممتنع" و إن كان الوصف المثالي لها "الممتنع غير السهل" .

قبل سنوات وُضعت ثمانية خطط لإقتحام دمشق و إنهاء حكم الأسد في عقر دار الحكم و مركز قوته ، و ليس بسر أن الخطط الثمان لم يتوافر في أي واحدة منهم الأسباب التي تجعل معركة دمشق قاب قوسين أو أدنى مننا ، فالخط الأساسي لخمسة خطط يتمثل بمدينة التل التي تقع في أول سلسلة القلمون التي لم تتمكن من بناء سدها القوي و خطوط الإمداد اللازمة ، و تكللت باسترجاع النظام لغالبية النقاط في باقي المدن الخلفية و كذلك الجرود ، أما باقي الخطط فتعتمد على جنوب دمشق المحصن بفرق دفاعية حصينة ، تحتاج لإنهيارات في درعا و القنيطرة بشكل كامل حتى يتم تجاوزها ، و أخيراً عن طريق الغوطة التي تقع في حصار لا يمكّنها من الإقدام على الإنتحار وحدها .

والحقيقة أن الخطط جميعها تصب في قالب الإقتحام من الخارج لا من الإنفجار من الداخل ، و هذا ما يوضح كثير من النقاط التي أبرزها الإنجرار صوب التخون و الإتهام لهذا أو ذلك ، و اعتباره سبب في تأخير النصر و تأجيل الإنهاء و إطالة أمد الموت .

اليوم دمشق تحولت لثكنة عسكرية تحتاج لقوة هائلة حتى يتمكن من اقتحامها مع مساعدة من "الطابور الخامس" ، بالمعنى العسكري الإيجابي لصالح القوات المهاجمة لزرع البللة و خللة صفوف المدافعين ، مع وجود طريقة أخرى تتمثل بإنهيار داخلي نتيجة ضربات متنوعة و موزعة يتعرض لها الأسد في الشمال و الجنوب و المناطق الشرقية (الساحلية) ، مع بعض المناكفات و الضربات من المناطق القريبة بالعاصمة ، كضرب مراكز القرار ابتداء من القصر الرئاسي و إنتهاء بالإذاعة و التلفزيون.

قد أُتهم بأني أدافع عن هذا أو ذاك ، و لكن نحن بحاجة لقراءة الواقع كما هو و التحضر لكل السيناريوهات ، و تبقى الفرضية الأقوى أن الإنهيار سيتم بفعل الضربات على غالبية جسد النظام في عدة مناطق بنفس الوقت هو الذي يعجل من سقوط النظام ككل و تصبح مسألة "معركة دمشق" هي مسألة حماية الأمن في الفترة التي تلي الإنهيار.

اقرأ المزيد
١٢ يونيو ٢٠١٥
الحسم في دمشق

نقلت وسائل إعلامية ما قالت إنه تصريحات لمسؤول كبير في نظام بشار الأسد يقول فيها إن إيران جلبت مؤخراً سبعة آلاف مقاتل إلى سوريا، من أجل تشكيل طوق حول العاصمة دمشق لحمايتها.

وتسعى إيران لزيادة هذا العدد ليصل إلى عشرة آلاف مقاتل، وبطبيعة الحال سينضم هؤلاء إلى آلاف المقاتلين الذين سبقوهم والذين جيء بهم من العراق، فشكلوا لواء أبي فضل العباس، وبعض الأفغان والباكستانيين في لواء الفاطميين، وهم يشكلون طوقاً أمنياً حول ما تبقى من العاصمة دمشق في قبضة النظام.

النظام السوري، ورغم ادعاءاته المتكررة، لا يستطيع إنكار الحقيقة التي تقول إنه لا يحكم السيطرة على دمشق بالكامل، وإنما ضاقت مساحة العاصمة كثيراً وتحولت إلى مربع أمني تتولى عناصر ميليشيا حزب الله اللبناني الإشراف على الحواجز داخله.

وقد تخلى النظام السوري عن سياسة الإنكار التي كان يتبعها في أوقات سابقة عن استعانته بمرتزقة أجانب للقتال إلى جانب قواته التي منيت بالكثير من الهزائم مؤخراً، وباتت وسائل إعلامه، مؤخرا، لا تتردد في ذكر أولئك «المقاومين» كما تسميهم.

وبالتـزامن مع هـذه التحركات العسكـرية التي تديرها طهران، تواصل فصائل الثوار استعداداتها لخوض المعركة الكبرى الفاصلة، والتي يجمع المراقبون على أنها ستكون في دمشق، وليس في الساحل كما كان يروج في أوقات سابقة، خاصة بعد أن تمكنت هذه الفصائل الثائرة، مؤخراً، من السيطرة على محافظة إدلب بأكملها، وهي ما زالت قادرة على مقاومة جنون حزب الله اللبناني في القلمون، بل إنها تمكنت من تكبيده خسائر كبيرة، ما جعله، هو الآخر، يستنجد ببعض المرتزقة ليشكلوا ما يمكن تسميته خط دفاع أول له في وجه جيش الفتح.

وكانت بعض الفصائل في الجبهة الجنوبية في درعا الخاضعة لسيطرة الجيش الحر قد استعرضت قوتها على الملأ، وقدمت عرضاً عسكرياً لجيش متماسك تلقى تدريبا جيدا على أيدي ضباط منشقين، وهو لا يبعد بطبيعة الحال عن دمشق سوى مئة كيلومتر، تضاف إلى ذلك بكل تأكيد الكتائب والفصائل المختلفة في غوطة دمشق، والتي ينضوي بعضها تحت لواء جيش الإسلام.

كل هذه التطورات تجري على الأرض السورية، بينما توقفت عجلة الجهود الدبلوماسية تقريبا، ولم تعد ثمة في الأفق مبادرات من أي نوع لتقديم حل إسعافي أو ربما جراحي سريع لإنقاذ ما تبقى من سوريا.

وفيما كانت الأنظار تتجه إلى العاصمة السعودية الرياض على أمل رؤية دخان أبيض يبشر بالبدء جدياً بعمل عسكري على غرار ما حدث في اليمن، فإن المنتظر، بعد مؤتمر القاهرة الذي عقد مؤخرا والذي وصف بالخلّبي، أن تستضيف العاصمة السعودية الرياض اجتماعا موسعا للمعارضة السورية يبحث مستقبل سوريا ما بعد الأسد، وهو الإشعار الأول الذي أرسلته المملكة العربية السعودية لتؤكد، من خلاله، أنها تأخذ الأمور على محمل الجد وهي لن تترك إيران تستفرد بسوريا، بعد أن نجحت بالاشتراك مع حلفائها في تقليم أظافرها في اليمن، وتحطيم طموحها التوسعي.

وإن كان التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية قد فشل، حتى الآن، في الحد من خطورة تنظيم الدولة الإسلامية ومنع تمدده، عموديا وأفقيا، داخل الأراضي السورية، ناهيك عن الأراضي العراقية، فإنه بات من شبه المؤكد أن المستفيد الوحيد من تمدّد هذا التنظيم هو نظام دمشق الذي ما زال يبني آمالا على ما يبدو بأن تمتد إليه يد التحالف ليكون شريكا في محاربة تنظيم داعش، ولذلك فإنه لا يفوت الفرصة في منح التنظيم تفوقا على حساب قوات الثوار، وهو يقدم الغطاء الجوي للتنظيم أثناء تمدده، وحتى لو أدى ذلك إلى وصوله إلى دمشق.

وبهذا فإن الأطراف جميعا قد تلتقي في دمشق، حيث ستكون ساحاتها التي شهدت أولى المظاهرات ضد حكم الأسد على موعد مع صدام سيكون، في النهاية، كفيلا بإنهاء ما بات يعرف عالمياً بالمأساة السورية، أو ربما ليزيدها مأساوية وتعقيدا.

اقرأ المزيد
١١ يونيو ٢٠١٥
استيقظوا... بشار انتهى

انتهى بشار، وجميع العواصم المعنية تبحث عن بدائل لمرحلة ما بعد النظام الذي يلفظ أنفاسه. خرجت ثلاثة أربع سوريا عن سيطرته: قسم كبير منها سلمه الى تنظيم "داعش" في محاولة يائسة لخلط الأوراق، وإعادة إحياء معادلة سقطت منذ مدة، كانت تقول إن النظام يجب ألا يسقط لأن البديل سيكون الإرهاب. وهذا ما أطال عمر النظام بتضافر عاملي الدعم الهائل لإيران وروسيا، ومنع الولايات المتحدة الدعم عن فصائل الثورة. القسم الآخر سقط بالقتال بيد فصائل الثورة المتنوعة التي استطاعت في الأشهر الأخيرة أن تردم جانباً كبيراً من خلافاتها، وأن تتحالف في أطر عسكرية أكثر تنظيماً وفاعلية، مما انعكس على جبهات القتال في الشمال فيم حافظة ادلب وريف اللاذقية، وفي الجنوب في درعا والمعابر الحدودية. أما في الوسط في القلمون فقد تحوّل هجوم "حزب الله" الى حرب استنزاف مكلفة جداً، ولا انتصارات.

لم يعد البحث في المحافل الدولية عن حل مع بشار الأسد، كما كان المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا يقول قبل عام، على أساس أنه أهون الشرين. أصبح البحث عن حلّ من دون بشار، كما أفادت صحيفة "ديلي تلغراف" في تقرير كتبه كون كوغلين. ففي قمة الدول السبع الكبرى طرح موضوع نفي بشار الأسد الى الخارج بجدية، وأن إمكان تحقيق حل سياسي بات أكبر مما كان قبل أشهر. وأن التوصل الى تفاهم بين الغرب وروسيا يقوم على مبدأ إخراج بشار من الحكم قد يكون أفضل سبيل لمواجهة "داعش" في المرحلة المقبلة. وبحسب الكاتب عينه، فإن تقديرات يتم تداولها في العواصم الكبرى تفيد أن النظام يوشك على الانهيار التام في كل مكان، وأن الايرانيين الذين يقاتلون بكل ما يملكون من امكانات لحماية خطوط امداد "حزب الله" في لبنان، قد يكونون مستعدين لترك بشار لمصيره اذا جرى ضمهم الى تفاهمات يحفظون من خلالها مصالحهم في لبنان. بمعنى آخر، ما يهمّ الايرانيين هو مصير "حزب الله" قبل أي شيء آخر.
في مطلق الأحوال، فإن التطورات المتسارعة من الشمال السوري الى جنوبه تشي بعلامات انهيار وشيك للنظام، وخصوصاً أن الأخير ما عاد يملك من خيارات سوى فتح معابر آمنة لتنظيم "داعش" نحو كل المناطق الحساسة في سوريا لوضعه في مواجهة الثوار من ناحية، ولإشاعة فوضى شاملة. ولعل الوضع الحساس لمحافظة السويداء الذي يقوم النظام بإفراغها من القسم الأكبر من قواته وفتح طريق لـ"داعش" أملاً في دفع الدروز الى حسم القتال في صفوفه، يكشف لأبناء جبل العرب حقيقة الفخ الذي ينصبه لهم النظام لتوريطهم في حرب سبق أن خسرها مع الثوار.
انتهى بشار، ولو تأخر رحيله بعضاً من الوقت، ولذلك فإن كل الحروب التي تخاض لمنع السقوط المحتوم لن ينتج منها سوى مزيد من الموت والدمار. هذا ما ينبغي ان يدركه "حزب الله" الذي يخوض حرباً بلحم الطائفة العاري ولا يرف لقادته جفن أمام هذا السيل من النعوش العائدة من ساحات الانتصارات الوهمية. استيقظوا.

اقرأ المزيد
١١ يونيو ٢٠١٥
الائتلاف .. مراقب على الثورة و ليس للثورة !!

قبل أن يذهب الفكر بعيداً تعتبر الجريمة التي ارتكبت من بعض عناصر جبهة النصرة في بلدة "قلب لوزة" في ريف ادلب هي جريمة نكراء و مستهجنة و غير مقبولة و يجب أن يتم حساب مرتكبيها أمام الجميع و أن ينالوا قصاصاً عادلاً ، و أن يكونوا عبرة لغيرهم لعدم التمادي على المدنيين من كل الطوائف و الملل و الأعراق .

بعد هذا التأكيد أستطيع أن ألج إلى الموضوع بشكل مباشر ، هو سرعة الإدانة التي تلقتها هذه الجريمة النكراء من قبل الجميع ، و لا سيما من قبل الائتلاف الذي يعتبر الممثل الأكثر ظهوراً للثورة السورية ، ظهوراً و ليس حضوراً ، ظهوراً و ليس فعلياً ، ظاهرياً و ليس واقعياً .

السرعة في الإدانة و الشجب و التأكيد على مساواة كافة مكونات الشعب و ضرورة رص الصفوف و نبذ التطرف و الكره و العداء ، كما اعتاد على هذه المصطلحات اتجاه كل عمل يرتكبه فصيل بعينه ، و كأنه ينتظره ليسقط حتى يوجه له سهام االنقد .

ليس دفاعاً عن النصرة ، و ليس تمجيداً بها ، و ليس مهاجمة للائتلاف ، و إنما التصرفات التي يقدم عليها الائتلاف ، و يعمل من خلالها تجعل الحنق يركب الجميع ، و يحوله لكافر بالسياسة و الساسة و يفقد أي أمل مهما كان صغيراً بأن يكون هناك سياسيين قادرين على إدارة دفة سوريا الحرة في المستقبل.

ففي الوقت التي تحتاج تصرفات بعض الفصائل التي تملك أذرع لها في الائتلاف آلاف الحسابات و الدراسات حتى يظهر بيان إدانة أو شجب أو مجرد تذكير أن ما يحدث فيه شبه الخطأ ، نجد الائتلاف بكامل هيئته يصب جام غضبه على النصرة للجريمة التي حدثت ، و ليست المرة الأولى ، ففي كل مرة تخطئ النصرة يكون الائتلاف لها بالمرصاد ليدين و يشجب و ينّفر ، وكأنها رجس لا يجب الإقتراب منه أو الحديث عنه إلا بالسلبي .

الائتلاف الذي يسعى لكسب ود العالم من خلال إدانة النصرة كونها ذراع القاعدة في سوريا ، فشل و يفشل و مستمر في الفشل في كسب لو واحد بالألف من شعبيتها ، و فشل في أن يكون ممثل للثورة و السوريين ، وفشل في الدفاع عن حقوقهم و مكتسباتهم ، بل دائماً يهتم بآراء العالم أجمع إلا الشعب السوري ، دائم يلهث وراء الرضا العالم و لو كلفه ذلك سخط كل السوريين .

ليس الهجوم دفاعاً عن النصرة أو أي فصيل آخر ، و إنما هو إشارة إضافية للائتلاف بأعضائه و هيئاته التي رغم كل التنازلات و الصمت على التجاوزات بحق الشعب السوري ، لم يحصل على أي اعتراف من أي دولة بشكل رسمي و فعلي ، و إنما عبارة عن كلام على ورق ، و لا يحق له أن يمثل سوريا ولا داخل اجتماع متعلق بالمخيمات ، و غير قادر على مساعدة أي سوري بأي مكان .

لازالت قضايا السوريين في مختلف بقاع الأرض عالقة و معلقة بنظام قاتل و فاسد بسب عجز الجهاز العام للمعارضة بكل أصنافها بمافيها الشكل الائتلافي ، و لا تستطيع أن تزود عن أي سوريا و لو داخل مكاتبها ، و لا يمكنها أنة تزوده و لو بكسرة خبز ، فالمصاريف التي تحتاجها لموظفيها و مؤتمراتها ، هي أهم حتى تظهر بمظهر الدولة الفارغة .

و صدق من قال أن الائتلاف هو كالنظم العربية لاتتحرك مالم يتم تحريكها من الخارج ، و إن تحركت يكون سكوتها و صمتها أوجب.

اقرأ المزيد
١١ يونيو ٢٠١٥
أوباما لن يطلق "رصاصة الرحمة" على الأسد

في ظل التطورات الميدانية الأخيرة التي أظهرت تراجعاً كبيراً في قدرة جيش بشار الأسد على الصمود، وارتفاعاً في مستوى التنسيق بين قوى معارضة متنوعة، وكشفت الترابط المباشر وغير المباشر بين نظام دمشق و»داعش»، وزادت من ضغوط مطالبي الإدارة الأميركية بالتحرك للتعجيل بسقوط النظام، سارعت إسرائيل إلى تكرار «كلمة السر» في الأزمة السورية: الوضع الحالي مريح بالنسبة إلينا واستمرار القتال سنوات أخرى يريحنا أكثر.

وفي الواقع، لم يكن باراك أوباما بحاجة إلى هذا التذكير بأن استمرار الحرب في سورية مصلحة إسرائيلية بحتة، لأنه مقتنع أصلاً بأنه مصلحة أميركية. وهذا يعني انه سيخيب أمل المتفائلين بدور أميركي أكبر بعد اشتداد الخناق على بشار الأسد، ولن يطلق «رصاصة الرحمة» على نظامه، بل سيحرص على بقائه معلقاً بين الحياة والموت، إلى أن تحين فرصة قطف فوائد رحيله.

وتبدى هذا الهروب الأميركي المتواصل من «الاستحقاق السوري» جلياً خلال قمة «مجموعة السبع» في ألمانيا قبل أيام، عندما سرب الأميركيون معلومات عن سيناريو خيالي يقوم على منح الروس اللجوء إلى الرئيس السوري والإتيان بشخصية علوية (لا أحد يعرف من هي ولا من أين ستأتي ولماذا يجب أن تكون علوية)، لتشكيل حكومة جديدة تلقى قبول موسكو وواشنطن وتشكل غطاء سياسياً وعسكرياً للحرب على الإرهاب.

لكن الذين استفسروا عن «الجديد» في الموقف الأميركي، اكتشفوا بأنه ليس سوى حلقة في سلسلة الهروب وإلقاء المسؤولية على الآخرين لتبرير عدم القيام بأي خطوات جدية، وخصوصاً أن روسيا لم تدع أصلاً إلى قمة ألمانيا التي انتهت بتقريعها على دورها في أوكرانيا، وتهديدها بمزيد من العقوبات. ويعرف الأميركيون تماماً أن الروس لا يفصلون بين ملفات السياسة الخارجية وخصوصاً ملفات سورية وأوكرنيا والإرهاب، فكيف ينتظرون أن توافق موسكو على خطتهم، إذا كان هذا ما يسعون إليه فعلاً، ولماذا «تبرئة» أطراف أخرى، مثل إيران، من المسؤولية؟

وكان ضباط أميركيون طالبوا معارضين سوريين بدأ تدريبهم على الأراضي التركية قبل أسابيع قليلة، بتوقيع وثائق يتعهدون فيها عدم محاربة الجيش النظامي، وقصر عملياتهم على مواجهة «داعش»، وإلا حرموا من الدعم اللوجستي والتغطية الجوية التي لم يتحدث عنها سوى الأتراك، فيما تؤكد واشنطن أنها لا تزال تعارض بشدة اقامة أي منطقة حظر جوي في شمال سورية لحماية المدنيين في مناطق سيطرة المعارضة.

ويكرر المسؤولون الأميركيون أن بلادهم لا تريد أن يكون لها أي دور مباشر في الإطاحة بالنظام، وان هذه المهمة يجب أن تكون «سورية مئة في المئة»، متناسين أن الأسد ما كان ليصمد لولا الدعم الروسي والإيراني غير المحدود عسكرياً واقتصادياً، ولولا مشاركة ميليشيات لبنانية وعراقية وأفغانية وإيرانية في الدفاع عنه. أي أن الحياد الذي يدافعون عنه معمول به من جانب واحد فقط.

وترد واشنطن على منتقديها بالقول إن نظام الأسد لا يشكل أي تهديد أمني للولايات المتحدة، على عكس القسم الأكبر من معارضيه، وأن الحرب في سورية، على ضراوتها وبشاعتها، لم تشهد منذ اتفاق تسليم الأسلحة الكيماوية، تطوراً يدفع أميركا والمجتمع الدولي إلى التدخل، وانه ليس هناك بعد أي تهديد بحصول مجازر جماعية بحق أقليات أو حشر مجموعات طائفية أو اتنية في مناطق معزولة بهدف الإجهاز عليها.

وفي ذلك إنكار غير منطقي لدور النظام السوري في اختراع «داعش» ودعمه وتعزيز قدراته، سواء بالتسليح أو التمويل غير المباشر (شراء النفط) أو بإطلاق مئات المتطرفين من السجون للالتحاق بصفوفه.

ومع أن تهديد التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق قائم ويتزايد، إلا أن أوباما نفسه اعترف بعد لقائه رئيس وزراء العراق حيدر العبادي الاثنين الماضي بأنه ليس لدى إدارته «استراتيجية متكاملة» لمحاربة «داعش»، ما يعني أن الكلام المسرب عن احتمال التغيير في سورية للتفرغ لمحاربة التطرف لا أساس له، وان نظام الأسد باق بحماية إسرائيلية – أميركية مشتركة، حتى إشعار آخر.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٢٤ يناير ٢٠٢٥
دور الإعلام في محاربة الإفلات من العقاب في سوريا
فضل عبد الغني - مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)