بعد سنوات من غيابها عن الساحة الإعلامية تعود بلدات جبل السماق في شمال إدلب الى واجهة الأحداث بقوة على خبر مفاده إرتكاب جبهة النصرة مجزرة بحق العشرات من أبناء بلدة " قلب لوزة " أحد قرى الطائفة الدرزية في جبل السماق وتهافت إعلام النظام والأعلام المحسوب على الثورة المناهض لجبهة النصرة لتضخيم الحدث ونشر الأخبار التي تفيد بمجازر ومذابح ترتكب بحق الطائفة الدرزية في شمال سوريا.
وحسب ما أفاد ناشطون أن القضية لا تتعدى كونها خلاف بين مجموعة امنية لجبهة النصرة كونها معنية بحماية المنطقة وعائلة من أهالي بلدة قلب لوزة رفضت تسليم منزل لأحد الشبيحة العاملين مع النظام حسب اتفاق مسبق بين النصرة والأهالي لتسليم منازل الشبيحة والعاملين مع النظام من أبناء الطائفة للنازحين الهاربين من مناطقهم الى المناطق الحدودية مع تركيا وأن الخلاف تطور لشجار دفع أحد شباب القرية لحمل السلاح واستهداف الدورية ما أوقع قتيلين من جبهة النصرة والتي ردت بالمثل فوقع عدد من القتلى في صفوف الطرفين تحدثت المصادر العدد النهائي وصل لقتيلين من النصرة وسبعة من أهالي البلدة شاركوا في الاشتباك لتدخل بعدها عدة فصائل كحركة أحرار الشام ووجهاء من الطائفة الدرزية وتحل الخلاف وتتوعد بمحاسبة المسؤولين.
ولكن هذه القضية استغلت من عدة أطراف بالتزامن مع نداءات عدة للطائفة الدرزية ولاسيما في جنوب سوريا لإعادة ترتيب اوراقها واتباع سياسة التصالح مع أهل حوران بعد سقوط اللواء 52 بيد ثوار درعا وإدراك النظام استحالة بقائه في السويداء المركز الرئيسي للطائفة الدرزية فعمل على نقل قطعاته العسكرية منها وهذا ما تحفظت عليه الطائفة وحاولت منع النظام من اخراج السلاح من المحافظة وسط حالة توتر بين الأطراف ودعوات من قيادات معروفة برمزيتها بين أبناء الطائفة لترك النظام والتحرك ضده كان على رأسها رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني وليد جنبلاط الذي استنكر في بيان صادر عنه الحادثة متهماً أطراف عدة بتضخيمها وأن" المعلومات التي تم الترويج لها مغايرة للحقيقة خصوصاً لناحية ما تم تداوله عن ذبح تعرض لها الموحدون الدروز، ويوضح الحزب أن ما حصل هو إشكال وقع بين عدد من الأهالي في بلدة قلب لوزة في جبل السماق وعناصر من جبهة النصرة حاولوا دخول منزل أحد العناصر الذي يعتبرونه مواليا للنظام السوري، وقد تطور الإشكال إلى إطلاق نار أوقع عددا من الشهداء. ولقد تم تطويق هذا الإشكال ووضع حد له في إطار من التواصل والتعاون مع كل الأطراف الفاعلة والمعنية".
وتعتبر منطقة جبل السماق الواقعة في شمال سوريا على الحدود التركية مع محافظة إدلب موطناً لأكثر من عشرين ألف مواطن من أبناء الطائفة الدرزية توزعوا في خمسة عشر قرية صغيرة أهمها " بنابل - قلب لوزة " في منطقة جبلية تمتزج بها حضارات القدامى بالحاضر من خلال عشرات المباني الأثرية والكنائس التي يعود وجودها لعصور بعيدة وقد اتبع أهالي هذه المناطق سياسة الحياد وعدم مساندة النظام أو التعاون معه إلا من كان في مناطق النظام وحافظ على ولائه له فلم تدخل هذه القرى في محاربة الثورة بل كان لها مواقع عدة مؤيدة للثوار والثائرين في الشمال وموطناً لعشرات العائلات من طوائف مختلفة هجرت من مساكنها لتلقى المودة والاستقبال لدى أبناء الطائفة التي فتحت أبوابها لاستقبال النازحين وهذا ما دفع أغلب الفصائل للتواصل مع مشايخ ووجهاء الطائفة وقدموا لهم العطاء والمساعدات الغذائية وبعض المشاريع الخدمية كحفر الأبار لاستجرار الماء وغير ذلك من الخدمات فكانوا جزاً لا يتجزأ من نسيج محافظة إدلب والذي حافظوا عليه رغم كل محاولات النظام لزجهم في الصراع ضد الثورة وضرب النسيج المتنوع في المحافظة ولكن كل محاولاته فشلت ليقين الطائفة الكامل في الشمال أن من يحميهم ويؤمن العون لهم ولأبنائهم هو من يستحق الوقوف معه ولو بالكلمة إذ لم ينخرط شباب الطائفة في الحراك المسلح ضد النظام أبداً واكتفوا بالتأييد للمطالب المشروعة للشعب السوري الثائر.
ويرى متابعون أن إثارة الخلاف بين جبهة النصرة التي تتولى حماية هذه المناطق منذ أكثر من عام بعد أن كانت تحت حماية جبهة ثوار سوريا بقيادة جمال معروف الذي التقى بوجهاء الطائفة وقدم لهم التطمينات والمساعدات مراراً هدفها زعزعة الوضع المتوتر بين النظام ورأس الطائفة في السويداء وايصال رسالة للطائفة الدرزية أن مصير الأقليات في خطر إن وقفوا ضد النظام الحامي لهم حسب إعلامه وأن الفصائل الإسلامية الزاحفة الى السويداء مع فصائل الجيش الحر ستقتل أبنائهم وتسبي نسائهم في حال سقط النظام فكانت هذه الحادثة والتي نظر إليها البعض أنها بفعل عملاء للنظام عملوا على التعرض للنصرة التي ردت بقوة لاستغلال هذه الحادثة بشكل كبير في إيصال أول رسالة للأقلية الدرزية في سوريا عامة وليس في إدلب وهذا ما حصل وتناوب على ترويجها وتضخيمها الإعلام الحاقد من عدة أطراف.
مع تقليب أوراق و مخرجات مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية ، نجد الغياب التام لأي فكرة أو منطق للمحاسبة وإحالة من قتل و دمر و شرد و هجّر ملايين السوريين ، من اعتقل و غيّب مئات الآلاف ولازال كذلك ، غيابٌ تام لأي حديث عن إنهاء كل الطغمة الموجودة حالياً ، و قطع دابر أي بقايا لها مهما كانت صغيرة أو كبيرة.
في مؤتمر القاهرة لم يتم التطرق إلا لشيء وحيد "لامكان للأسد في شخصه في مستقبل سوريا" ، "إلغاء الوجود" لا يعني أن يتم محاسبته ، أو حتى مسائلته على ما فعله ، إلغاء وجوده في المستقبل كشخص ، لا كهيكل ، لا كنظام ، لا كمجموعة حكم فاسدة و مفسدة ، و الأهم قاتلة و مشردة و مُغيّبة ، مجموعة كانت سبب بإنهاء أي مستقبل للحياة لكافة السوريين ، كل هذا يكون طبيعي إذا ما علمنا أن حتى إدراج "لامكان للأسد في مستقبل سوريا" كان بحاجة لسيل من النقاشات و الخلافات حتى خرج بهذا الشكل وفق المثل : "لايموت الديب و لايفنى الغنم" .
في مؤتمر القاهرة الذي ضم 200 شخصية معارضة كأشخاص لا هيئات ، كأفراد لا جماعات ، كدعاة سلام لا حرب ، كمنادين للحرية تحت أي راية إلا راية الثورة ، كمجتمعين تحت ثوب الدكتاتورية العسكرية ليصلوا إلى الحرية المعسكرة .
في مؤتمر القاهرة دعوا من يريد السلام و الحرية ، للإنضمام لهم و تأييد وجهة نظرهم ، وعليه أن يترك دمه يسال و أخوانه الذين قتلوا في قبورهم دون الإقتصاص من المجرم ، فالحياة التي ينشدون لاتحتمل تلك الترهات ، فالحرية التي ينشدون مقبولة لو شارك بها المستبد ، فالحرية التي يركضون ورائها لا مكان فيها لأي حديث عن ظلم و ظالم و مظلوم ، وكذلك عن دم يسيل و نهر جارٍ من القهر ، فالحرية التي ينشدون مبنية على المسامحة لجميع القتلة ، و منحهم مكافئة بالمشاركة بالحرية الجديدة .
من الينود الـ27 لمؤتمر القاهرة يتم التركيز على سوريا المستقبل ، التعددية ، البرلمانية ، الديمقراطية ، التشاركية ، المساواة التامة بين الجميع ، وحتى المساواة بين القاتل و المقتول ، و مشاركة القاتل في حكم المقتول من جديد ، الحرية المصبوغة بدم المقتول و يحمل رايتها القاتل .
الحرية في مؤتمر القاهرة هي محاربة "التنظيمات الإرهابية " ، من خلال الإنضمام و التوحد بين القاتل و المقتول ، ليعود القاتل ليقتل المقتول مرات و مرات ، يبدو أن المؤتمرون في القاهرة ، لم يعرفوا الإرهاب و لم يحددوه ، لذا سهلوا الأمر على أنفسهم ، و إختاروا تعريف القاتل له ، و ساروا على طريقه .
في مؤتمر القاهرة ، يبرئ الأسد و يمنح جائزة نهاية خدمة ، و يمنح رجالاته البراءة و التقديس ، و العودة من جديد لقيادة الدفة ، بمشاركة رافضي "الإرهاب" ...
في مؤتمر القاهرة لامكان فيه لـ"الإرهاب" ... في مؤتمر القاهرة لم يكن هناك مكان لـ"المقتول" .. في مؤتمر القاهرة قتل و إرهاب و إنهاء أي وجود لقيادة مستقبلية لسوريا مترابطة مع الشعب ، و لن تكون هناك قيادة سياسية مالم تقتنع بأن "المظلوم لم يهنئ مالم يتيقن و يرى عقوبة الظالم ..."
ترسخ في عقول السوريين مصطلح معارضة تماشياً مع المصطلح الغربي للكلمة، فكلمة معارضة تعني أن شخص أو حزب أو عدة أحزاب أو تيارات أو كتل داخل الدولة تعارض الحكومة "الشرعية" الحالية على مبدأ أو قرار معين أو حتى طريقة إدارة للبلاد.
تعمل المعارضة بشكل رسمي داخل الدولة وقد تكون داخل مؤسساتها أحياناً ولها نشاطات داخلية وخارجية تتصرف كحكومة وتطرح لأنصارها بدائل وإصلاحات وتكون أنشطتها داخل البلاد غالباً، وتدخل الانتخابات وتنافس أو تشارك باقي الأحزاب على إدارة البلاد وحكمها، وهو مصطلح شائع طالما ارتبط هذا بحزب بعينه أو مجموعة معينة تطلق على نفسها معارضة. أحياناً هذه المعارضة لاتحصل على مطالبها بالشكل السلمي وتتحول لمعارضة مسلحة ومن ثم حرب "أهلية" داخلية بين أنصار المعارضة وأنصار الحزب الحاكم الحالي للبلاد. أكبر خطأ وقعنا فيه نحن كسوريين أننا تناولنا هذا المصطلح "المعارضة" و اعتمدناه في بعض مؤسسات الثورة السورية.
الثورة بعيدة كل البعد عن المعارضة. الثورة هي حراك شعبي اجتماعي ينتج عن مجموعة من العوامل التي خلفتها حكومة ديكتاتورية لا تعترف بمعارضة ولا بقانون ولا أحزاب سياسية ولا تطلعات شعبية. الثورة هي غضب وهي وليدة الشعب ويقودها الشعب وتلد عنها مؤسسات ثورية، والثورة دائماً تكون خارجة عن سلطة الدولة ولا تخضع لقوانينها بل هي ثارت على هذه القوانين القمعية الديكتاتورية.
خرج الشعب السوري قبل أربعة أعوام بثورة شعبية دون تنسيق وقيادة وليس له هدف سوى التغيير الكلي الجذري من نظام استبدادي استعبادي يحكم البلد لأكثر من 40 عام مع أن الحكم فيها يخضع لقانون الانتخابات إلا أن الانتخابات محرمة على الشعب؛ إلى نظام سياسي جديد يؤمن بحق الجميع وبدولة ديمقراطية تخدم كل الشعب لا لنظام سياسي مختزل لخدمة ومصلحة عائلة الأسد. طوال فترة حكم آل الأسد من حافظ الأب لبشار الإبن لا بديل لـ"حزب البعث العربي الاشتراكي" وهو الحزب الوحيد والذي يخضع له كل السوريين بالقوة وإلا لا مدارس ولا وظائف في الدولة لهم وحتى بعض المؤسسات الخاصة عليك أن تكون "بعثي" لتنال وظيفة فيها، لذا هذا الحزب الوحيد هو من يتحكم بالدولة وكل مؤسساتها العامة وأغلب الخاصة ويدير الجيش والشرطة والتعليم والقضاء ولايمكن أن يشكل ضده أي حزب يعارض سياسته أو طريقة تعامله طالما درس المواطن السوري في كل الكتب والمراحل الدراسية أنه "قائد الدولة والمجتمع" وأنه صاحب التصحيح والحركات النضالية.
لم نكن في سورية كالدول الديمقراطية التي ترسمها الانتخابات ويقودها ويغيرها صوت الشعب كل فترة انتخابية، ولم يكن لدينا العديد من الأحزاب التي تتنافس فيما بينها لكسب أصوات الشعب، كانت سورية عبارة عن مزرعة يحكمها حزب واحد و مالك واحد يستعبد الناس ويسلب طاقاتهم ويسرق مقدراتهم دون أن يجرأ أحد على معارضته حتى داخل منزله بل حفظ السوريون أن "الحيطان لها أذان" ذلك خوفاً من أن يسمعنا أحد ننتقد الحاكم ونصبح طي النسيان في المعتقلات. على هذا خرج السوريين "ثورة" للتغيير بداية بالطرق السلمية وقابلها نظام الأسد بالقوة والقتل وأجبرها على حمل السلاح لحماية نفسها وتحرير أراضيها بالقوة من نظام لا يؤمن بمطالب الشعب.
كل هذه الأمور استدعت تشكيل جسم سياسي لقيادة ثورة الشعب وغضبه وتنظيمه وإيصال صوته للمجتمع الدولي، فبدأنا بالمجلس الوطني ووصلنا للائتلاف الوطني لقوة الثورة والمعارضة، تعرض هذا الإسم لانتقاد الشباب السوري الثائر، فالائتلاف ليس حزب بعينه وهو مجموعة أحزاب وتيارات معترف به أنه ممثل للشعب السوري ومحاور عنه في المحافل الدولية من أكثر من 100 دولة حول العالم. خطأ هذا الإسم كبير حيث أنه حولهم من جسم يقود ثورة الشعب لجسم معارض يقود مطالب بعينها ويجرده من تمثيل كل الشعب ويختزله بطرف من أطراف الأجسام السياسية الأخرى.
حتى على مواقع التواصل الإجتماعي للأسف، ترى بعض الأشخاص من يسمى نفسه أو غيره معارضاً، أو تلاحظ الشبكات الإخبارية "الثورية" تنقل خبر عن تقدم أو تراجع للمعارضة على الأرض أو حوار بين المعارضة والنظام، ناسفين عظمة كلمة "الثوار" وما تحمله من معاني نبيلة وأهداف عظيمة. وتسحب البساط شيئاً فشيئاً عن شرعية ثورة الشعب العظيم.
سنصل في سورية بعد الكفاح والثورة القائمة لدولة مدنية ديمقراطية تؤمن بحقوق الشعب وأنه صاحب الشرعية في البلد، يقود الشعب أحزاب سياسية تعارض وتنافس بعضها بمشاريع سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها، تصب في خدمة الشعب الذي حرر البلاد من نظام الإستبداد، تعمل هذه الاحزاب ضمن القوانين داخل البلاد ككل الدولة الديمقراطية، وتركيا وأحزابها وانتخاباتها الاخيرة مثالاً.
فما يحصل اليوم في سورية أنها ثورة شعب كامل للتغير والتحرير لا تختزل عظمتها بوصف معارضة ولامؤسساتها بأحزاب معارضة!
بعد سلسلة نكساتٍ عسكريةٍ، تعرّضت لها فصائل المعارضة السورية المسلحة على امتداد عام 2014، تمكنت، خلال الشهور الخمسة الأولى من عام 2015، من تغيير الوضع الميداني لمصلحتها؛ إذ بدأت مواقع النظام السوري تتهاوى على أكثر من جبهة، كما بدأت تظهر على قواته ملامح التعب والإجهاد، وغدت عاجزة عن وقف تقدم تلك الفصائل في أكثر المناطق أهمية وحساسية بالنسبة للنظام.
انقلاب في المشهد الميداني
يُعزى انهيار قوات النظام السوري أمام هجمات قوات المعارضة المسلحة، في أكثر من مكان على امتداد الجغرافيا السوريّة بشكل رئيس، إلى زيادة مستوى التنسيق بين هذه الفصائل، وإنشاء غرف عمليات مشتركة لتوحيد الجهد وقيادة العمل العسكري على الأرض. ففي حلب، مثلاً، تشكّلت الجبهة الشامية، في أواخر العام الماضي، نتيجة اندماج أهم الفصائل العاملة في المنطقة الشمالية، مثل الجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين وحركة نور الدين زنكي وغيرها. وأدى هذا الاندماج إلى تراجع الخطر الذي مثله تقدّم قوات النظام وحلفائه في ريف حلب الشمالي، واقترابه من قطع "طريق الكاستيلو"؛ شريان الإمداد الوحيد لفصائل المعارضة في الجزء الشرقي من حلب. ونجحت الجبهة الشامية، خلال أسابيع قليلة من تشكيلها، في استعادة جميع المناطق التي خسرتها أمام قوات النظام والمليشيات المساندة له خلال عام 2014. أما داخل مدينة حلب، فقد نجحت فصائل جهادية (جبهة النصرة وجبهة أنصار الدين) وعناصر من الجبهة الشامية في منتصف أبريل/نيسان 2015 في خرق خط الدفاع الأخير للنظام غرب المدينة، عبر اقتحام مبنى المخابرات الجوية والمباني العسكرية المحيطة به.
وفي الجنوب، استطاعت قوات الجبهة الجنوبية، وهي ائتلاف عريض مكوّن من نحو 50 فصيلاً معارضاً، من تحويل النصر العسكري الذي حقّقه لواء "فاطميون"، وقوات من حزب الله، مدعومة بإسناد مدفعي وجوي من جيش النظام السوري (10 فبراير/شباط 2015) في محور تل عدس – تل المصيح - الناجي إلى هزائم متتالية، باعتمادها تكتيك حرب العصابات. ومثّلت سيطرة المعارضة على مدينة بصرى الشام، في 25 مارس/آذار 2015، ضربةً موجعةً أخرى للنظام وحلفائه، نظراً لأهمية المدينة، بوصفها حلقة الوصل بين محافظتي درعا والسويداء، ومركز عمليات حزب الله في حوران. ولم تمض أيام قليلة على الاختراق النوعي السابق، حتى باغتت فصائل المعارضة قوات النظام في معبر نصيب؛ لتسيطر بذلك (1 أبريل/نيسان 2015) على آخر معابر النظام الحدودية مع الأردن.
" إن استمرار الصراع من دون نهاية واضحة، أو الانهيار المفاجئ للنظام، فلا تضمن شيئاً سوى استمرار الصراع الأهلي والمعاناة، وتوليد ردود فعل أكثر تطرفاً "
وبينما كانت مواقع النظام تتهاوى في حلب والمنطقة الجنوبية، كانت التحضيرات لمعركة إدلب قد اكتملت، بعد نجاح جبهة النصرة وأحرار الشام، أواخر العام الماضي، في السيطرة على معسكري وادي الضيف والحامدية، أكبر معسكرات النظام في محافظة إدلب، وإطباق الحصار بشكل تام على مطار أبو الظهور العسكري، وهو آخر المطارات العسكرية المتبقية للنظام في المحافظة؛ ما سمح بإطلاق عملية تحرير محافظة إدلب بشكل كامل. وقد ساعد تشكيل جيش الفتح في 24 مارس/آذار 2015، والذي ضمّ فصائل إسلامية وثورية عديدة، في مقدمتها أحرار الشام وجبهة النصرة وفيلق الشام وغيرها، في الاستيلاء على مدينة إدلب في مطلع إبريل/نيسان الماضي؛ لتبدأ بعدها معارك السيطرة على ما تبقّى من مدن المحافظة، ابتداءً بجسر الشغور وانتهاءً بأريحا.
وعلى وقع هذه الإنجازات، أعادت فصائل المعارضة إشعال جبهات هادئة من جديد؛ فبدأ مقاتلو جيش الإسلام في ريف دمشق معركةً استهدفت اللواء 39 في الغوطة الشرقية، ونجحوا في إطباق الحصار عليه، كما شنّ مقاتلو أحرار الشام هجوماً مفاجئاً على قوات النظام في ريف حلب الجنوبي، وسيطروا على عدة قرى محاذية لأوتوستراد حلب - خناصر، والذي يعد طريق الإمداد الوحيد لمناطق سيطرة النظام في الجزء الغربي من مدينة حلب. من جهة أخرى، استغلّ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" فرصة انشغال قوات النظام بالتصدي لتقدّم قوات المعارضة على أكثر من جبهة، وانهيار معنويات جنوده، للتمدّد في البادية السورية؛ فدخل مدينة تدمر في 20 مايو/أيار 2015 ليقطع الإمداد نهائياً عن قوات النظام المتمركزة في مدينة دير الزور ومطارها العسكري، وليهدِّد مدينتي حمص وحماة من جهة البادية.
واقع عسكري وسياسي جديد
لن تؤدي الانتصارات الأخيرة للمعارضة المسلحة إلى حسم الصراع مع النظام. ومع ذلك، فرضت واقعاً عسكرياً وسياسياً جديداً؛ فللمرة الأولى منذ بداية الصراع، يظهر النظام السوريّ مستنزفاً، وفي موقع الدفاع عن بقائه ووجوده، كما بدا هذه المرة عاجزاً عن إقناع أنصاره وحلفائه بإمكانية حسم المعركة لمصلحته. فلطالما تمسّك النظام بتحقيق الحسم العسكري الشامل، وعدّه شرطاً لازماً للبدء بالحديث عن أي حلٍ للأزمة. جاءت مكاسبه العسكرية خلال عام 2014، مع تدخّل حلفائه مباشرة لمساعدته، وتراجع الدعم الإقليمي والدولي للمعارضة، وتركيز الغرب على مواجهة تنظيم الدولة والجماعات الجهادية، بدلاً من حل الأزمة، لتعزّز اقتناعه بإمكانية تحقيق النصر. لكنّ التطورات الأخيرة دحضت هذا الخطاب، وبيّنت أنه بعيد عن الواقع، وأظهرت مدى الإنهاك الذي أصاب قوات النظام، بعد أربع سنوات من المواجهات، كما كشفت اعتماده المفرط على المليشيات الأجنبية.
وفضلاً عن ذلك، ترافقت الانتكاسات العسكرية مع تدهور الوضع الاقتصادي الذي تمثّل في التدهور الكبير في سعر صرف الليرة السوريّة أمام الدولار الأميركي، وعجز البنك المركزي عن فعل شيءٍ إزاء ذلك، على الرغم من استمرار عمليات الضخ الأسبوعية للعملة الصعبة في الأسواق، أملاً في وقف تدهور سعر الصرف. كما تصاعد هروب رؤوس الأموال والتجار والمستثمرين إلى خارج البلاد. وبرزت، في الأسابيع الأخيرة، مؤشرات على تنامي الخلافات داخل الحلقة الأمنية الضيقة للنظام، بعد وفاة رئيس شعبة الأمن السياسي رستم غزالي وعددٍ من القيادات العسكرية في ظروف غامضة. كما تسود حالة ترقبٍ وارتباكٍ ضمن حاضنة النظام، خصوصاً في منطقة الساحل السوري وحمص، بعد اقتراب فصائل المعارضة وتنظيم الدولة منها. وكان لافتاً، في هذا الصدد، ظهور الرئيس بشار الأسد نفسه، أخيراً، وسط مجموعة صغيرة من مؤيديه في محاولة لطمأنة قاعدة دعمه التي بدأت تتململ وتتخوف من مصيرٍ مجهولٍ؛ إذ طالبهم بالمساهمة في رفع معنويات جيشه، ومقاومة "المؤامرة الدعائية" التي تستهدف إحباط معنوياتهم، والتشكيك بقدرة الجيش على ما أسماه "حسم الحرب".
" لا بد أن تأتي مكونات أي حلٍ سياسي يحافظ على سورية، على شكل تسويةٍ تشارك في تقديم ضماناتٍ لتنفذها دول عظمى، مثل روسيا والولايات المتحدة، وكذلك دول إقليمية "
على المستوى الدولي، نجح النظام، خلال العام الماضي، في صرف الاهتمام عن الأزمة السوريّة وأسبابها الحقيقية، والتركيز على مقولة مكافحة التطرف والإرهاب، وطرح نفسه شريكاً في مواجهة تنظيم الدولة والحركات الجهادية الأخرى. كما أسهمت مقترحات المبعوث الأممي، ستيفان دي مستورا، حول "تجميد" الصراع في مدينة حلب، وترويج فكرة تفرّغ قوات النظام والمعارضة لمحاربة تنظيم الدولة، في صرف الانتباه عن عملية التسوية التي أقرها بيان جنيف لعام 2012. وبرزت في الغرب، ولا سيما بعد تفجيرات باريس، دعوات لإعادة تأهيل النظام دولياً، واعتماده شريكاً في مواجهة التطرف، بدلاً من المراهنة على معارضةٍ سياسية متشرذمة و"فصائل مسلحة معتدلة"، لا يمكن الاعتماد عليها في نظر من يروّج للاعتماد على النظام، وخصوصاً بعد أن جرى دحرها بسهولة، واستيلاء جبهة النصرة على مقراتها وعتادها. كما ثار جدلٌ كبيرٌ حول برامج تدريب المعارضة، وما إن كانت ستؤدي دوراً ناجعاً في القضاء على تنظيم الدولة، في ظل استمرار الخلافات بين الإدارة الأميركية وبعض حلفائها في المنطقة عن الدور المنوط بهذه العناصر المدربة وآليات حمايتها من هجمات تنظيم الدولة، أو النظام. لكنّ هزائم النظام في حلب ودرعا وإدلب وتدمر، واستعداد المعارضة للاستفادة من هذا الزخم، للقيام بهجمات باتجاه طرده كلياً من حلب، والتقدّم في ريف حماة وسهل الغاب، أدى إلى تغييرٍ كبيرٍ في هذا المشهد.
وبسبب التدهور السريع في قدرات النظام العسكرية، والخشية من استمرار تساقط مواقعه، سارعت الولايات المتحدة وروسيا إلى إحياء الاتصالات بينهما، بخصوص الأزمة السورية، بعد انقطاعٍ دام أكثر من سنة، إثر فشل مؤتمر "جنيف 2" واحتدام خلافاتهما حول أوكرانيا. كما عادت روسيا التي ما فتئت تشجّع النظام السوري على الحسم العسكري، وتساعده في الالتفاف على مقررات "جنيف1"، للحديث عن ضرورة إحياء مسار جنيف، والتوصل إلى حلٍ سياسي للأزمة. وبالمثل، سارعت الولايات المتحدة للتحرّك لإنقاذ النظام ومنع انهياره على ما تبقى له من الأرض السورية، خشية حلول جماعات جهادية محله، ما أدى بوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إلى زيارة روسيا والاجتماع بالرئيس فلاديمير بوتين، للنظر في إحياء جهد التسوية.
خاتمة
قضت الانتصارات الأخيرة التي حققتها المعارضة المسلحة على فرص تعويم النظام السوري، وتحويله إلى شريكٍ دولي مقبولٍ في محاربة تنظيم الدولة، كما قضت على أي إمكانية لقيام النظام بفرض تسوية وفق شروطه وشروط حلفائه، بعد أن أصبحت فكرة الحسم العسكري جزءاً من الماضي. وفي وقت يتجدد الجهد الدولي لإحياء عملية التسوية، بعد القلق الذي أصاب حلفاء المعارضة قبل خصومها، تجاه إمكانية انتصارها وسقوط النظام، فإنه يترتّب على المعارضة السورية، السياسية تحديداً، أن تضع برنامجاً يقدم بديلاً سياسياً لكلٍّ من النظام وتنظيم الدولة، ويسرّع ببدء عملية انتقالية قائمة على المشاركة، ويتضمن، من بين أشياء أخرى، طمأنة العالم بشأن قدرة المعارضة على ضبط أي فوضى، يمكن أن تنشأ عن رحيل النظام، واستعدادها لدمج كل قوى المجتمع السوري في النظام التعددي القادم، والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية وسيادتها ووحدة أراضيها، ووضع البلد على طريق التحوّل الديمقراطي الذي يكفل حقوقاً متساوية لجميع مواطنيه، بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية أو الدينية أو العرقية، والبدء بعملية مصالحة وطنية شاملة، تستوعب الجميع، ومن دون أن تتهاون في تحقيق العدالة أو إعادة الحقوق. ولا بد أن تأتي مكونات أي حلٍ سياسي يحافظ على سورية، على شكل تسويةٍ تشارك في تقديم ضماناتٍ لتنفذها دول عظمى، مثل روسيا والولايات المتحدة، وكذلك دول إقليمية. أما البدائل الأخرى، مثل استمرار الصراع من دون نهاية واضحة، أو الانهيار المفاجئ للنظام، فلا تضمن شيئاً سوى استمرار الصراع الأهلي والمعاناة، وتوليد ردود فعل أكثر تطرفاً.
عقد وزراء وممثلو 24 دولة من أعضاء «التحالف الدولي ضد الإرهاب» مؤتمراً تقويمياً لعمله مطلعَ الاسبوع الماضي في باريس. مع انعقاد المؤتمر كان طيران «التحالف» قد أنجز اكثر من 4100 غارة على مواقع تنظيم «الدولة الإسلامية – داعش» ومقاتليه، معظمها في العراق وقلّة منها في سوريا.
مردود الغارات كان محدوداً للغاية، الدليل؟ تمّدد «داعش» في العراق إلى الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، وفي سوريا نحو مدينة تدمر ذات الموقع الإستراتيجي بين حمص في الوسط ودمشق في الجنوب، ثم أخذ بالتمدد نحو ريف حلب الشمالي وإلى مدينة الحسكة في شمال البلاد الشرقي، وإلى محافظة السويداء في طرفها الجنوبي الغربي.
عشية انعقاد مؤتمر باريس حرص رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على كشف هزال فعالية «التحالف الدولي» بقوله «إن الحملة الجوية ليست كثيفة بما يكفي، كما أن مراقبة «داعش» ليست فعالة (…) ونحن لا نحصل من التحالف الدولي لا على أسلحة ولا على ذخائر ولا على معلومات جوية كافية».
كل هذا التشكّي والتنديد لم ينفع. فما جرى الاتفاق عليه في المؤتمر كان المزيد من الشيء نفسه: مواصلة الضربات الجوية المحدودة، والضغط على الحكومة العراقية لتحجيم دور «الحشد الشعبي» في مقاتلة «داعش»، والدعوة إلى توسيع مشاركة القبائل السنّية في القوات المسلحة وفي دوائر السلطة.
بلى، ثمة شيء جديد، فقد تضمّن البيان الصادر عن المؤتمر نصّاً غريباً: «النظام السوري لا قدرة له ولا رغبة لديه في محاربة داعش»! الأغرب من النصّ موافقة العبادي وتوقيعه عليه. هل هذا هو موقف حكومته فعلاً؟ إذا كـان الامر كذلك، ما تفسيره لقيام مسؤول الإعلام في «الحشد الشعبي»، وقد اضحى بحسب قول العبادي نفسه «هيئة رسمية تابعة للحكومة»، بالإعلان عن اعتزام «الحشد» التقدم إلى الحدود العراقية – السورية بعد فراغه من تحرير الرمادي؟ هل تمّ الاتفاق ضمناً بين دول «التحالف» في مؤتمر باريس على اعتبار «داعش» عدواً لها في العراق وحليفاً في سوريا؟
الحقيقة أن سلوكية «التحالف» في العراق، ولاسيما قائده الامريكي، تشي بما هو أخطر من هذا التصنيف المريب لـِ»داعش»، ذلك أن واشنطن هدّدت «الحشد الشعبي»، عشية هجمة «داعش» على الرمادي، بقصف وحداته المقاتلة إذا ما تدخلت في المعركة لمساندة الجيش العراقي.
اكثر من ذلك، طائرات «التحالف» لم تقصف ارتال «داعش» المتجهة لمهاجمة الرمادي، كما احجمت عن قصفها ابّان زحفها الطويل في البادية المكشوفة عند اجتياحها تدمر، ثم ها هي كتائب «داعش» اليوم تهاجم مدينة الحسكة، فلا يقصفها طيران «التحالف»، وتطارد فصائل المعارضة السورية «المعتدلة» شمال حلب وتقصف مواقعها، وتقترب من معبر باب السلامة على الحدود مع تركيا، فلا طيران التحالف يتدخل ولا الجيش التركي يفعل، لماذا؟ هل لذلك علاقة باستراتيجية أمريكية كبرى تتناول المنطقة؟
يبدو أن لسلوكية دول «التحالف الدولي»، ولاسيما الولايات المتحدة، إزاء «داعش» دوافع تتعلق بإيران وأخرى تتعلق بـِ»اسرائيل»، فواشنطن تخوض صراعاً دبلوماسياً مع ايران من اجل اقناع حكومتها بتوقيع اتفاق نووي نهائي قبل آخر الشهر الجاري يستجيب للشروط الامريكية، ولاسيما لجهة القبول بتفتيش منشآتها العسكرية واستجواب علمائها النوويين. لذلك، من المنطقي والممكن جداً أن تتواطأ واشنطن ضمناً مع «داعش» أو تكتفي بغض النظر عن انشطته التوسعية بغية توظيفها في استنزاف حلفاء ايران الاقليميين في العراق وسوريا ولبنان للضغط عليها وحملها على الاستجابة لشروطها الاساسية في «الاتفاق النووي النهائي».
الى ذلك، تنهض شكوك اخرى في احتمال أن تكون واشنطن في صدد تطمين «اسرائيل» لوقف حملتها على الاتفاق النووي المرتقب باختلاق وضع جيوسياسي جديد يصبّ في مصلحة أمنها القومي.. كيف؟ بمباشرة تنفيذ مخطط قديم– جديد يرمي إلى تفكيك العراق وسوريا إلى مجموعة من دويلات هزيلة وهزلية قائمة على أسس قبلية او مذهبية او إثنية وعاجزة تالياً عن تكوين قوة قومية رادعة للكيان الصهيوني.
ايران تنبهّت، على ما يبدو، إلى اغراض الولايات المتحدة القريبة والبعيدة، واستشعرت انعكاساتها السلبية على حلفائها الاقليميين وعلى أمنها القومي ايضاً، فبادرت إلى رفد العراق وسوريا بقوات برية كما بأسلحة متطورة لتمكينهما من صدّ «داعش» واخوته وبالتالي تعطيل مخططاتها الجيوسياسية الماثلة.
غير أن ثمة من يعتقد بين المراقبين أن للولايات المتحدة مخططاً اوسع مدى مما تقدّم بيانه: إنه استدراج ايران نفسها إلى ساحات صراعات طويلة في العراق وسوريا ولبنان بغية إنهاكها لتوافق، تحت الضغط، على اتفاق نووي يرضي واشنطن وحلفاءها.
هل يغيب هذا الاحتمال عن ذهن القيادة في ايران؟
اقتصت درعا من اللواء 52 الذي أذاقها الموت و الدمار خلال ثمان ساعات ، و تمكن ثوار درعا بعد صمت طال قليلاً بالعودة من جديد إلى ساحات الإنتصار ، معلنين العودة من جديد الدخول في المنافسة مع جيش الفتح في الشمال ، للظفر بجائزة من يوجه ضربات أقسى و أسرع لقوات الأسد و مواليه و مسانديه.
معركة اللواء 52 ليست بالمعركة الإعتيادية أو التي كان من المتوقع اطلاقها ، على أكبر مراكز الأسد في جنوب سوريا ، فهو لواء محصن بشكل قوي جداً و مجهز بأن يصمد و يقاتل لسنوات ، لكن لم تكن تلك السنوات إلا ساعات قليلة منّ الله بها على ثوار درعا بالإجهاز على كل ما يحيط به من حواجز و من فيه من عناصر ، لينهوا مركز قتل جديد و يرفع سيطرة الثوار إلى شبه كاملة في محافظة درعا .
درعا احتاجت لفترة من الزمن تخلف فيها الثوار عن المواجهة مع قوات الأسد و المليشيات الشيعية المساندة له ، بعد أن أشغلها داعش بمعاركة جانبية كعادته و عمل على إيقاف أي مخطط أو عملية ، اعتادت درعا و ثوارها توجيهها للأسد كل شهر.
اللواء 52 هي نقطة بارزة و خطوة قوية تحمل في مضمونها أن بقاء أي مركز للأسد و مليشياته داخل محافظة درعا ما هو إلا مسألة وقت ، والوقت هنا قد يكون قريب و قريب جداً فبداية قوية مثل اليوم ، بعد توقف لفترة ، هو دليل عافية اعتدناها في ثوار درعا ، و هو دليل همة كبيرة مخزّنة داخل قلوب و زنود الثوار في درعا ، فالموعد القادم درعا المدينة ، و خربة غزالة التي بدأ التمهيد اتجاهها ، و طبعاً سيكون موعد "قرفا" قريبا ، و الذي سيتناسب ، وفقاً للسباق بين درعا و الفتح ، مع ضرب القرداحة ، ليسقطا معاً كما سقط صاحب مقولة "تسقط القرداحة و لا تسقط قرفا" .
يفرض الثوار سيطرتهم على مزيد من الأراضي السورية ولا سيما في الشمال السوري في محافظة ادلب , فقد اعتاد المراقب أن يرى ميليشيا الأسد ومن معها و هي تفر كقطعان الغنم تاركة مواقعها باتجاه الساحل أمام زئير جيش الفتح , أنباء وصلت إلى مسامع الأسد صاعقة مدوية ما من شأنه إلغاء كل خياراته المتاحة وألاعيبه السياسية في إعادة فرض سيطرته على البقاع التي يخليها ,
وقد تعود على إظهار الوجه الجميل للمجتمع الدولي من وزراء للمصالحة الوطنية إلى دعوات لمحاربة الإرهاب محاولا توسيع مصطلح الإرهاب لكل من يمس من هيبته الشخصية باعتباره هو الدولة والدولة هو ( في نظره ) , وقد تصل في بعض الأحيان أن يتهم شخصاً ما بالإرهاب لأنه نظر من شرفة منزله فوقعت عيناه على مظاهرة مست من هيبته , أو اضطر لتقديم كأس شاي إلى مسلحين نصبوا حاجزا أمام بيته , فهذا العمل بنظره هو إعانة للإرهاب وبالتالي فهو إرهاب
ويخطئ البعض بالاعتقاد أن بشار الأسد لا يقيم وزناً للمجتمع الدولي بل على العكس, فهو عندما يصرف ثمن ذخيرة على حربه المسعورة ضد الشعب ليرة واحدة فإنه يصرف ضعفيها على تجميل صورته أمام العالم الرسمي من تسويقه لنفسه أنه بطل الحرب على الإرهاب , أو رعايته للعلمانية , أو حمايته للأقليات , أو العناية بحقوق المرأة , وهي مفاهيم مقدمة في العقل الجمعي الغربي ,
ويستغل ثغرات وهنات موجودة في القانون الإنساني الدولي لينفس بها عن حقده وحقد من والاه متكئاً على حلفاء يساعدونه في تسويق أكاذيبه ومنها طائرات الموت التي يرسلها لتعصف بأرواح الأبرياء مدعيا بأنه يقصف الإرهابيين فاتحا الباب أمام تأويلات فضفاضة أنه لم يتجاوز المعايير التي تخرجه عن الدفاع المشروع عن دولته ضد متمردين أرادوا أخذ السلطة عنوة لا عن طريق الانتخاب وهو الرئيس الذي قدم بالانتخابات .
ولكن دعنا نكن واقعيين أصبح العالم بأسره عالماً علم اليقين ادعاءاته وأكاذيبه ويعود ذلك إلى جهود الفرق السورية العاملة , التي عرضت نفسها للخطر و دخلت غمار الموت لتخرج للعالم بصورة أو فيديو أو دليل يثبت كذب ادعاءات الأسد وقد لا تخرج لتبقى شهيدة الحقيقة , وما يؤخر تحرك المجتمع الدولي عن إنقاذ سورية هي حقيقة العالم الرسمية والتي كانت وما زالت ترفع شعارات حقوق الإنسان لتتخذها مطية للتدخل في دول أخرى وتتخذ من حقوق المرأة والأقليات ذريعة للتغلغل في الدول وتوجيه سيرورة الحياة فيها لمصالح الدول المتدخلة ,
اذاً نستطيع القول أن الثورة السورية قد كشفت حقيقة العالم واضحة للعيان بعد أن اضطرته للتخلي عن قشرة الأخلاق التي كان ينادي بها ويسوق نفسه أنه قائم عليها ويسعى لنشرها في أرجاء المعمورة .
لكن وبعد صدمتنا بهذه الحقيقة المرة ماذا نحن فاعلون ؟
أمامنا خياران لا أرى لهما ثالثا :
1- أن نتمرد على المجتمع الدولي و ننغلق على أنفسنا ونقضم من نفسنا حتى نتلاشى فلا أحد يستطيع العيش في قوقعة منعزلا عن العالم وإن كان فلمدة محدودة في قياس عمر الأمم والشعوب لا سيما أن المجتمع الدولي أقفل جميع أبواب الاقتصاد والتكنولوجيا والعلوم والإعلام و الأمور الحربية إقفالا موصدا وجعل المفاتيح في أياديه حصراً
2- أن نستفيد من أعدائنا ونقلدهم في هذه الجزئية بمعنى أن نقابل العالم يشيء مما يريد , ونحن نبني ونؤسس لما نريد , ألا ترون كيف يحرص الإيرانيون على عدم قطع شعرة معاوية بينهم وبين الغرب وهم يبنون قنبلتهم النووية , و دعاوى بشار المتكررة إلى الصلح والتفاهم والحوار وأنه رجل الدولة المسؤول عن كل المواطنين بعيدا عن الطائفية وقد استطاع أن يغري الكثير بأنه المسالم المجدد ابن الجامعات الأوروبية الطبيب حتى من السوريين ومنهم سنة أيضا وفي الحقيقة هو ماهو و أصبح الجميع يعرف ما هو ,
الكاتب صلاح الدين
هل حدقتم في صورة الطفل الحلبي الذي تدلى من سقف إسمنتي مهدم، ملتصقا ببرميل متفجر سقط على منزله في حلب فدمر المنزل وقتله..
لا تخافوا!! لا أشلاء في الصورة..
إنها لقطة للجزء العلوي لصبي بالكاد يبلغ الثامنة، مديرا لنا جانبا من وجهه الذي غطته التربة، معلقا عبر سقف إسمنتي هوى بفعل البرميل الذي استقر معانقا إياه. تمعنوا في يده الصغيرة متهدلة قربه.
جسد الصغير ظاهر وغير مشوه، وكذلك البرميل استقر وكأنه يستهدف الصبي ولا أحد غيره. تجمد البرميل قرب جسد الصبي كما هبط من الطائرة فلم تخرقه سوى بعض ثقوب ودماء قليلة امتزجت بالرماد عليه.
قد لا نعثر على صورة تعكس الوضع السوري منذ أربع سنوات قدر هذه الصورة: هناك طفل حلبي هو حكاية السوريين، وهناك برميل متفجر هو يد النظام وآلته.
نحن عالقون هنا، عالقون بين الطفل والبرميل. ولا نبالغ إن اعتبرنا هذه الصورة أشبه بدرس عبثي لمن يريد أن يتعلم ألف باء المأساة السورية. ألم تبدأ الثورة السورية بأطفال رسموا على الجدران فعمد النظام إلى قلع أظافرهم وسجنهم؟ نعم.. نحن بشر نصاب بالإحباط وبالتشبع حتى من الموت ومن الألم ولربما فعلاً ملّ كثيرون من صور الموت السوري التي ما عاد هناك صور غيرها ترد من تلك البلاد. لكن هذه الصورة تعيد المعادلة السورية إلى جوهرها الأول: ماذا فعل نظام البعث بالشعب السوري، بصغاره قبل كباره..
مثل صورة الطفل الحلبي تجعل للموت، قصفا بالبراميل، وللألم الذي يسبق ذاك الموت، مسيرة يمكن مشاهدتها ومعاينتها، وهذا حتما أمر يفوق قدرة البشر على الاحتمال أو العيش معه، حتى ولو كان في مكان بعيد. هذه الصورة خلقت من دون شك معنى وعبرة، فنحن من شاهدها بات بوسعنا أن نصف حكاية الموت الذي عاشه هذا الصبي. فصورته معانقا برميل موته هي صورة البرزخ الذي يفصل الحياة عن الموت. إنها ألم تحول من تجربة طفل صغير إلى شعور عام ومشترك.
اليوم يناقش مثقفون وكتاب سوريون حقيقة أن السنوات الأربع الماضية باتت بمثابة ذاكرة قتل وموت جماعية موثقة بالصور، فبالفعل لا توجد حالة مصورة كما الحالة السورية. وصورة الصبي الحلبي تعني رسالة مباشرة غير ملتبسة لمن كان يشيح وجهه..
براميل النظام تسقط على رؤوس أناس حقيقيين.
إنها صورة جارحة توضح لنا ذاك الرعب الذي لا يستطيع معظمنا حتى تخيله.
قرابة المائة شخص سقطوا في قصف البراميل على حلب الأيام الماضية وحدها، والأخبار عن تلك البراميل وضحاياها لم تعد تغري لتتصدر صفحات الصحف وعناوين نشرات الأخبار وتحليلات الخبراء. لقد اعتدنا الموت وألفنا صوره، حتى تلك التي لا حدود لفظاعتها.
لم يعد الموت بحد ذاته خبرا أو تفصيلا مهما.. فلنواصل غرقنا في فك شفرة تنقلات قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني متنقلا ما بين العراق وسوريا معلنا أنه يحضّر مفاجأة. ولنتابع مسلسل تصريحات زعيم النصرة أبو محمد الجولاني عاكفين على فك شفرة إخفائه لوجهه. أما والد ذاك الطفل الحلبي فقد قبع يبكي وينشج بقهر قرب المبنى المدمر طويلا قابضا بيده على قلبه حيث وجعه الذي لا يطاق..
مع ظهور نتائج الإنتخابات في تركيا و فشل حزب العدالة و التنمية من الوصل إلى نسبة الأغلبية البسيطة أو المطلقة ، تتحول الأنظار إلى دمشق و الأسد القابع في قصره ، فهو سبب تلك الخسارة و هو من دفع بهذا الإتجاه ، له ينسب الفضل في تحقيق جزء من المعارضة التركية الموالية له مكاسبها .
نعم و لم لا فالأسد ، ينتصر و يسحق الأعداء عن بُعد ، يتسبب بإنهيارات السياسة العالمية ، و له تداخلات مع النجوم و الكواكب ، إضافة لإمتدادات في باطن الأرض ، فهو أسد يحكم أقوى سلطة و يضبط الأمور ، و يحرك العالم على أصابعه كـ لعبة .
بغض النظر عن كل شيء ، فـ"أردوغان" الذي خسر الأغلبية التي كان ينشدها ، لم يأذي بلاده بشيء ، و نقلها إلى الدول العشرين الأقوى اقتصادياً ، و رفع مستوى المعيشة و غيّر التركيبة الإنتاجية و حول تركيا لبلاد جذابة للاستثمار و أنشئ أقوى صناعة سياحية في العالم ، أردوغان و طبعاً أقصد حزب "العدالة و التنمية" جاهر بإنسانيته و لم يراعي لعنة السياسة ، جاهر بمواجهة الظلم و الإستبداد و لم ينحن أمام المصالح ، فتركيا قدمت اليوم نموذج متقدم آلاف السنين من الديمقراطية التي تعتبر الوجبة الحلم لمن "فتك " الجوع به لها .
ورغم ذلك تبقى تركيا عصية عن الوصول إلى الأسد و نظامه الأخلاقي و الديمقراطي ، تبقى الإنتخابات التركية متخلفة ، فلا أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية تتصدر المشهد ، و لاصور للرمز الحالي و الصنم السابق ، و لادبكات و لا حتى رقصات ، ولا الأفواه تتشقق من شدة الصراخ للقائد المفدى و لوالده الخالد ، و ليس هناك أي أفكار عن معنى التكنولوجيا في إصدار النتيجة ، التي تصور أنها تتأخر لما بعد الإنتخابات بينما في نظام الأسد معروفة قبل سنوات و لسنوات للأمام .
في تركيا عجز غريب في الإدارة ، و غياب تام لسلطة الدولة و الأمن و الأمان ، في تركيا الحكومة عاجزة عن السير بمركباتها في أكثر 75% من مساحة الأرض و في 25% المتبقية تكون بحاجة إلى حراسات و حراسات و حراسات للحراسات ، و رغم ذلك قد "تتبول" على نفسها من شدة الخوف .
أما في سوريا ، فالأسد قابع في قصره ، و يستطيع أن يتحكم بالعالم و بالديمقراطية ، و يوقد حركات التحرير و التقدم ، و يعطي كتب و مجلدات عن "التحديث و التطوير" ، و يقدم خبرة طويلة من "التصحيح" ، في سوريا الأسد ، شعب لا يمكن إحصاء سعادته ، و لا يمكن إحصاء حجم مكاسبه من النظام الفذ .
فيا حسرتي على تركيا التي لا تملك شيء و تتبجح بأنها تسيطر على كل شيء ، و يبدو أن الأمر يصب في مصلحة أرودغان و حزبه و شعبه أن الأسد لم يعلن عليه الحرب ، فنم يا أردوغان شاكراً للرب بأن "لعنة الأسد" إكتفت بهذا القدر ...
و لله في خلق الأسد و مواليه شؤون ...
الحمد لله على نعمائه، فلقد أصبحنا نتحدثُ في شؤون الأديان، والطوائف، والمذاهب، والفرق الناجية، والفرق المُدَانة، من دون أن نتلكأ، أو نخجلَ من أنفسنا.
بداية أقول: إن وقوف فريق من أبناء المذهب الشيعي في وجه حسن نصر الله، وشقهم عصا الطاعة على حزبه، هو شأن، أو تصرُّفٌ، أو نهجٌ لبناني، أكثر مما هو سوري. إخوتنا اللبنانيون لديهم تراث يستحق التقدير من ممارسة الحرية السياسية، والحرية الاجتماعية، تقابلُه، لدينا نحن السوريين، جبالٌ شامخات من الكبت، والخوف، والكراهية.
على سبيل المثال: في سنة 2006، وَقَّعَ مثقفون سوريون ولبنانيون بياناً سياسياً، سلمياً، ورقياً، غير مسلح، أسموه "بيان دمشق- بيروت"، نصوا فيه على أن الشعبين، اللبناني والسوري، شقيقان، رفيقان، متحابان، متضامنان، لا علاقة لهما بما يشتغل عليه أو يخطط له حكامُ البلدين.
بعد صدور البيان، لم يقل أحدٌ من الحكام اللبنانيين للموقعين على ذلك البيان: ما أحلى الكحل في أعينكم! وأما الموقعون السوريون فقد شُحِطُوا، بكل ما تعنيه كلمة "شُحِطُوا"، من بيوتهم، مع اللطم، والركل، والرفس في المؤخرات، والبصاق في الوجوه، والسباب على الزوجات والشقيقات والأمهات، وسيقَ كلٌّ منهم إلى أقرب فرع مخابرات، وهنالك أهينوا، وذُلُّوا، ثم طُردوا، مع الاحتفاظ بميشيل كيلو مدة طويلة. وبعد أيام قليلة، أصدر رئيسُ مجلس الوزراء، الدكتور محمد ناجي عطري (أبو منير)، فرماناً يقضي بتسريحهم تعسفياً؛ لأسبابَ تمسُّ النزاهة! أتبعه بتعميم على جهات القطاع الخاص بعدم تشغيل هؤلاء المجرمين في منشآته. وقد حدث، بالفعل، أن عُيِّنَ أحدُهم، وهو طبيب باختصاص نادر، في جامعةٍ خاصة، فسُيِّرَتْ دوريةُ مخابرات مؤللة نحو مكتب عميد الجامعة، والدورية أبلغت العميد بضرورة طرد هذا الخاسئ الموقع على البيان، فنفذ الأمرَ صاغراً.
قادنا حظُّنا العاثر، نحن أبناءَ هذا الجيل المخضرم، إلى معاصرة أكثر الحكام الديكتاتوريين العرب شراسة، وحقارة، ولؤماً، فتعلمنا من فصولهم ما تشيب لهوله الولدان، وحفظنا أساليبَهم في الأخذ والرد عن ظهر قلب. والحكاية لا علاقة لها بقومية، أو دين، أو مذهب، فصدام حسين (السني)، حينما سئل عن عشرات الألوف من المعتقلين السياسيين العراقيين الذين يذوقون الأمَرَّيْن في معتقلاته؛ قال: ماكو عندنا معتقلين سياسيين، أكو شوية عملاء لأمريكا يلقون جزاءهم. وحافظ الأسد (العلوي) كان يصرح إن السجون السورية لا يوجد فيها سوى سجناء الحقوق الشخصية والحق العام. أما عبد الحليم خدام (السني) فقد أوضح للرفاق، في سنة 2001، على مدرج كلية الآداب في جامعة دمشق، أن الهدف الأساسي للمثقفين السوريين الموقعين على بيان المجتمع المدني هو تسليم سورية الحبيبة لقمة سائغة لربيبة الإمبريالية والصهيونية العالمية إسرائيل. وها هو السيد حسن نصر الله (الشيعي) الذي يؤكد، دائماً، على أنه جندي صغير في جيش مولاه الفقيه، يقولُ عن رافضي السير ضمن قطيعه إنهم عملاء للسفارة الأميركية.
رحب بعض الثوار السوريين (السنة) بهؤلاء المعارضين (الشيعة)، وصنعوا لهم هاشتاغاً يقول "كلنا- شيعة- السفارة"، بينما ارتاب آخرون منهم، وقالوا إنهم زهور قليلة لا تصنع ربيعاً، وشكك مغالون منهم بهذا التصرف، موضحينَ أن أبناء المذهب الشيعي، كما تقول المراجع السنية، يعتمد (التقية)، أي المراوغة في تصرفاتهم.
ولكن؛ ما يجب الإشارة إليه، والتأكيد عليه، أن هؤلاء المثقفين (الشيعة) لم ينشقوا عن جندي الفقيه في لبنان، حسن نصر الله، لأنهم، في الأساس، لم يكونوا معه. وليكن في معلومكم أن كل واحد منهم يحمل اسماً أكبر وأهم من اسم نصر الله نفسه. وبالتالي، ليس بينهم واحدٌ يقبل أن يكون ضمن قطيعه، مثلما يربأ أيُّ مثقف (سني) بنفسه أن ينضوي تحت راية البغدادي أو الجولاني، أو حتى أحمد حسون.
يواجه نظام بشار الأسد في سوريا ما يصفه خبراء أميركيون بأكثر الضغوط قوة منذ بداية الصراع الذي دخل عامه الرابع. يضع هذا الضغط الجديد عددا من الخيارات الواضحة أمام الولايات المتحدة، وروسيا، وإيران، ودول جوار سوريا.
ويرى مسؤول استخباراتي أميركي أنه «استنادا إلى التوجهات الحالية، فإنه قد آن أوان التفكير بشأن سوريا ما بعد الأسد». وحتى وقت قريب، كان المحللون الأميركيون يصفون الوضع هناك بأنه متجمد، غير أنه على مدار الشهر الماضي، بدأت مكاسب المعارضة في شمال سوريا وجنوبها تحدث تغيرا في الأوضاع القائمة.
ويرى المسؤولون الأميركيون الضغوط تتراكم على الأسد من أربعة اتجاهات. نجح ائتلاف قوي جديد للمعارضة يسمى «جيش الفتح»، الشهر الماضي، في الاستيلاء على عاصمة محافظة إدلب. تقاتل «جبهة النصرة» المنتسبة لتنظيم القاعدة بضراوة إلى جانب هذا الائتلاف، كما أن الثوار المعتدلين المعروفين باسم «الجبهة الجنوبية»، المدعومة من الولايات المتحدة، بدأوا أخيرا يكسبون أرضا في جنوب سوريا. أما تنظيم داعش، وهو التنظيم الأكثر ترويعا بين هذه الجماعات كافة، فهو يعيث فسادًا في أنحاء شمال سوريا ووسطها وشرقها.
يقول محلل استخباراتي أميركي: «يواجه الأسد خيارات عسيرة مع زيادة خسائره في ميدان القتال». ومع تزايد الضغط، فإن البعض من مؤيدي الأسد يتخذون إجراءات احترازية. وثمة تقارير تشير إلى قيام روسيا بإجلاء بعض موظفيها من اللاذقية، مسقط رأس الأسد، في شمال غربي سوريا. وفي الوقت ذاته، يقال إن عددا من أفراد الدائرة المقربة من الأسد يسعون للحصول على تأشيرات للخارج، أو يستعدون لاحتمال سقوط النظام.
تسرب الإحساس باحتدام وتيرة القتال من خلال مكالمة هاتفية يوم الخميس مع النقيب إسلام علوش، الناطق باسم جماعة تعرف بـ«جيش الإسلام»، التي تنسق مع ائتلاف «جيش الفتح». أوضح النقيب علوش، الذي تمت مقابلته في ما وصفه بأنه موقع بالقرب من حلب، أن الثوار الآن يتحركون باتجاه اثنين من أهم معاقل الأسد وهما اللاذقية ودمشق. وقال: «لا شك أن جيش الأسد بات أكثر ضعفا».
ولكن هناك تحذير واجب بشأن هذا الحديث عن «اللعبة النهائية»، فقد بدا الأسد في مأزق من قبل، ولكن يد الإنقاذ مُدت إليه من إيران ووكلائها. وزاد الرئيس الإيراني حسن روحاني رهانه هذا الأسبوع، إذ أعلن أنه سيدعم حكومة الأسد «حتى نهاية الطريق». ويوحي هذا بأن طهران تدرك الضغوط الجديدة، ولكنها لا تعتزم التراجع. وتقول مصادر إن قوى أخرى عميلة لإيران قد دخلت سوريا في الآونة الأخيرة للعمل على دعم الصفوف.
مع ذلك، يثير هذا الضغط من قبل الثوار على الأسد عددا من المشكلات المزعجة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وهذا لأن الكثير من المكاسب الميدانية الأخيرة قد تحققت على أيدي جماعات تعتبرها الولايات المتحدة جماعات متطرفة، مثل «جبهة النصرة»، وتنظيم داعش. ويخشى بعض المسؤولين من أنه في حال سقوط الأسد، فستندفع هذه الجماعات لملء الفراغ مما يزيد عدم الاستقرار في المنطقة.
ترفض الولايات المتحدة التعاون مع «جبهة النصرة»، فهي تعتبر أفرادها فرقة من أتباع تنظيم القاعدة غير التائبين، حتى وإن قيل إن الجماعة تتلقى دعما غير مباشر من تركيا وقطر. ولم تكن المقابلة مع أبو محمد الجولاني، القائد الميداني لـ«جبهة النصرة»، والتي بثتها قناة «الجزيرة» الأسبوع الماضي، مقنعة للمسؤولين الأميركيين. وكانت تصريحاته تتجه نحو التصالح مع جماعات الأقلية في سوريا، وقال خلالها إن معركته ليست مع الولايات المتحدة.
لم يتبرأ الجولاني من «القاعدة»، كما كان يأمل البعض، وهو الأمر الذي كان من الممكن أن يفتح الطريق أمام تحالف مرحلي. ولا يزال الخبراء الأميركيون يعتبرونه خصما خطيرا، ويواصلون التحذير من التعاون مع مقاتليه. ويتسبب هذا في تعقيد عملية التخطيط في الشمال، حيث تعمل «جبهة النصرة» في غرفة قيادة العمليات مع «جيش الفتح» في إدلب وحلب.
لقد سيطر تنظيم داعش على الكثير من الأراضي في سوريا والعراق مؤخرا، لدرجة أن بعض الخبراء الاستراتيجيين في الشرق الأوسط يحاولون الآن الترويج لفكرة التحالف مع أقل الشرين ضررًا، وهو «جبهة النصرة» وغيرها من المتشددين، من أجل التصدي لتنظيم داعش.
يقول المنطق، كما يوضح أحد المسؤولين: «اهزم هتلر أولا، ثم اهزم ستالين»، غير أن محللين آخرين يرون أن الضربة القاضية الوحيدة هي أن يقوم الجيش التركي بتدخل عسكري، مدعوما بغطاء جوي أميركي.
يظل تركيز إدارة أوباما منصبا على التسوية الدبلوماسية. ويقول المسؤولون إن موسكو وطهران في نهاية المطاف ستريان الضغوط الهائلة على الأسد من قبل جماعات متشددة خطيرة كثيرة، ومن ثم ستقبلان بالمفاوضات على عملية انتقال سياسي من النظام الحالي.
وتتمسك الولايات المتحدة بالأمل بأن تغير روسيا وإيران النهج الذي تتبنيانه، ولكن بعد أربع سنوات من هذه الحرب الشنيعة، الأمل لا يعد استراتيجية. وللأسف، لم تشكل الولايات المتحدة بعدُ قوة معتدلة يعتمد عليها، قادرة على الإطاحة بالأسد عند المنعطف، وحكم سوريا من بعده.
باتت إدلب بشكل شبه كامل محررة اللهم بعض الجيوب (مطار أبوضهور – كفريا – الفوعة ) التي هي مسألة وقت و تنتهي ، ليكتمل اخضرار ادلب بشكل كامل ، و هذا الوقت منوط بغايات يعرفها جيش "الفتح" و يعمل على الإستفادة منها حتى آخر لحظة و بعدها ، سيتم تحديدة آلية و كيفية إنهاء هذه الجيوب ، و إن كانت امكانية اجراء مبادلة على معتقلين هي الأبرز بين الخيارات سيما بعد مناشد الدكتور عبد الله المحيسني لأهالي المجاهدين بمغادرة مناطق النظام خشية من غدر النظام و تحويل المبادلة من معتقلين قدماء إلى محتجزين و مخطوفين.
عملياً باتت إدلب في حكم صفحة و طواها "الفتح" ، و باتت المرحلة القادمة هي مرحلة "الجد" الفعلي و الإمتحان الأهم للمسيرة ، فإدلب تحولت لقاعدة إرتكاز لما بعدها ، و "مابعدها" هي نقطة في غاية الأهمية و التعقيد و بحاجة لكثير من التحضير و التخطيط و رسم الخطط لأنه على ضوئها سيتحدد الهدف و كيفية الوصول إليه .
بشكل مبدئي ستكون الوجهة القادمة لـ"الفتح" سهل الغاب ، و هو نقطة الإمتحان الأولى و الأبرز و تحديداً المفتاح لكل المراحل التي تليه ، فالخط من حدود إدلب مروراً بسهل الغاب ، وصولاً إلى جورين ، هو خط صعب و معقد كونه أولى الضربات التي ستواجهها المناطق الموالية و المساندة و الداعمة للأسد بالعنصر البشري ، و تجاوزها يعني أن ما يحدث فيها سينطبق على غيرها إبتداءً بالقرداحة على سبيل المثال ، وصولاً إلى دمشق .
جورين و الوصول إليها ، يعني رسائل عديدة و بالغة الأهمية ، أولها و أهمها هو كسر الحلف "ايران – حزب الله – قوات الأسد" سوية و بضربة واحدة ، و سيؤدي إلى إنهيار آخر بقايا الأمل و المعنويات و بالتالي الإنهيار التام لكل شيء ، و التراجع و التقهقر يبقى مسألة وقت ، كما حدث أيام معركة "مثلث الموت" في درعا ، فكسر هذا المثلث حوّل قوات الأسد و كل من يسانده إلى جدران خلبية تنهار مع أول ضربة أو صفعة تتعرض لها.
جورين النقطة أو الهدف العام للمرحلة لمابعد إدلب ، و منها سيكون مفترق الطرق ، بين الإتجاه جنوباً نحو حماه فحمص و دمشق ، كما قال حسام أبو بكر قيادي أحرار الشام عندما تحرر معسكر وادي للضيف ، أو تكون اللاذقية بقراها و مدنها كما ردد الثوار في الإنتصارات التي حدثت في إدلب .
و يبقى الخشية من الطعن الذي قد يأتي من جهة عبثت جيداً و فتكت بقوة في تكوين الجسد الثوري ، في ريف حلب كان آخرها ، و حالياً يخشى أن تقلب الموازين و تغير الخطط إذا ما غيّرت وجهتها و تحولت إلى حماه لتقطع الطريق على "الفتح" باتجاه دمشق ، و تغيير المخططات و اجبار الإتجاه نحو الساحل.