مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١٠ يوليو ٢٠١٥
أكذوبة "طريق القدس" الإيرانية .. لن تمر من الزبداني

حيرنا حزب الله و زعيمه و من خلفه إيران في أي طريق يجب أن نسلك حتى نصل إلى القدس و نحررها من إسرائيل ، فتارة من بغداد و مرات في الرمادي و الفلوجة ، مروراً بحلب و ادلب و حمص و ريف دمشق ، و بتنا امام طريق يضيق أكثر ليشمل مدن صغيرة كـ"الزبداني " اليوم ، ومن الممكن أن يكون بالغد شارع المفروشات في درايا داخل قائمة الخارطة التي تأخذ إلى القدس ، مما يجعل الطريق إلى القدس طريق ملتوي و ضيق و ملتف على ذاته.

لا شك ان كذبة القدس قد مر عليها من السنين ما يجعلها إسطورة غير موجودة إلا في عقول اللاعبين ، و محفورة داخل ضمائر الشرفاء الذين باتوا اليوم داخل أهم المعارك التي تدور حالياً في سوريا ، والممهدة للدخول إلى دمشق فالقدس ، بعد التخلص من الحماة الذين فعلوا كل ما بيدهم ليقفوا في وجه أي جهد يصل إلى تلك المدينة الغارقة في ظلمات الإحتلال و تجار الدين و حقد صراع الحضارات.

تبدأ كذبة "الطريق القدس" التي اجتهدت ايران عبر موجه ثورتها الشيعية "روح الله الخميني" الذي دأب على تحويل الأنظار عن كل الجرائم و اسبغاها الصبغة الدينية ، و عززها بالأحاديث الموضوعة و الروايات الدينية التي يتمسك بها "شيعة ايران" بشكل كبير لأنها تعتبر احد اهم اللبنات التي يقوم عليها النظام "الثيوقراطي" الإيراني .

تنشأ القصة أن القدس سيدخلها جيش محمد بقيادة "مهدي الشيعة" ، هم وفق ذلك يقنعون الجميع أنهم يسعون للتواجد إلى جانب القدس و الدول المحيطة بها بغية أن يكونوا في عداد هذا الجيش ، هذه الإسطورة التي تأتي في إطار الثناء و الشكر والعرفان بالجميل لإسرائيل التي وقفت إلى جانب الشيعة الإيرانيين أيام حرب السنوات الثمان مع العراق.

ايران التي تعتمد على الدين و توجيهه وفق اهداف تتفق مع أحقاد حضارية نابعة عن الرغبة في العودة إلى أمجاد الفرس ، و تتفق بهذا الشأن مع اسرائيل التي تسعى في نفس الإتجاه في القضاء على العرب و عنصر اجتماعه من الناحية المذهبية "السنة".

اليوم نحن امام امتحان جديد في الطريق المزعوم ، صحيح أنه نجح في القصير قبل سنوات ، لكنه فشل أمام اسماء أخرى ، مع توقف معركة القلمون مؤخراً ، فشل المعارك بحل و ادلب و ريف دمشق و قبلها كانت الضربة الأبرز في مثل الموت في درعا.   

اقرأ المزيد
٩ يوليو ٢٠١٥
إلى جبهة النصرة : ليت الشعب .."طياراً" ...!؟

ظهر بالأمس الطيار الاسير لدى جبهة النصرة "علي عبود" على قناة الجزيرة وافر الصحة ، بهي الطلة ، يمضي أيام الأسر في راحة و استجمام ، فلا هم له سوى مرور الوقت و العودة إلى حضن الوطن من جديد لمتابعة القصف وفق "إن لم نقتلهم سيقتلونا" ، عقيدةٌ مؤجلة حالياً فالوقت وقت أسر ، و لم يحن بعد وقت الحرب.

شكل و اسلوب و كلام الطيار و تحدثه بكل أريحية ، دليل جيد على حسن المعاملة و الضيافة التي اعترف بها ، استعرض بثقة إنجازاته و ماحققه لصالح قضية "نظامه" ، و لم يخلو الأمر من بعض الإفك و الكذب و التغابي ، فهو عادي بالنسبة لأمثاله .

لم يعني لي كثيراً ظهور احمد منصور بهيئة محقق أو مُستجوب ، و ما اذا كان ضغط عليه ليقول معلومات أو لم يضغط ،ولم يعني لي المعلومات التي ادلى بها فهي عبارة عم جملة من الكذب والتضليل والسعي للتبرئة المبطنة ، ولكن الحقيقة الذي أثر فيّ هو المعاملة التي تلاحق الجميع من فئة الأقليات ولو كانوا من أعتى القتلة ، لانحظى بها كسوريين .

كيف تعامل جبهة النصرة هذا المجرم بهذا الاسلوب الحضاري و تظهر على أن الإنسانية و الخلق و كل السمات الفضلى يتمتعون بها ، ولانجد هذا الأمر مع بقية السوريين الخاضعين لسلطتها في المناطق المحررة ، فماذا لو كان الطيار ناشطاً أخطأ و ذكر سلبية للنصرة ، ماذا لو كان الطيار أحد الذين رُفع بهم تقرير على أنه من جماعة معادية و لو تقرير كاذب أو مفبرك ، ماذا لو كان ذلك الطيار أحد الذين يعدمون هنا و هناك بتهمة التشبيح بغياب المحاكمة ، ماذا لو كان هذا الطيار داعراً و مسهلاً للدعارة ، ماذا و ماذا و ماذا ..... فليحمد الطيار عبود انه ليس مواطناً سورياً من تلك الفئة التي تسمى "السنة" لكان الآن في نار جهنم .

اجتهدت النصرة لكسب ود العالم أجمع ، و اجتهدت لتظهر بمظهر المتحضر ، اجتهدت بارسال التطمينات المطلوبة للطائفة "العلوية" بأنها تعاملت مع أشد المجرمين بهذه الرحمانية ، و لكن هل أرسلت النصرة طمئنة للسوريين أجميعين بأن من يأتي إلى أرضها له حرية العمل و الحركة ، هل سيجد من يختلف معها مكان للإقامة و التواجد ، هل من يرفض تنفيذ التعليمات سيكون مصيره كمصير الطيار مثلاً ..!؟

انتقلت عدوى كسب الجميع إلا الشعب ، إلى النصرة ، فالجميع لديه رسائل خارجية ، ولا أحد يملك رسالة للداخل ، لذا فإن الجميع سيسقط و سيبقى الشعب ، فلا حصانة لمخطئ مهما بلغت قوته أو استفحل ظلمه .

عذراً قد يهاجمني الجميع و لكن سأهاجم بدوري ، كل من يؤيد بشكل أعمى و بتعامى عن الأخطاء و التجاوزات ، فالفصائلية العمياء هي استبداد جديد ، و القدسية للبشر غير موجودة ، و العصمة لم تلحق بشري ، و ليتني طياراً لأنجوا من كلام "التكفير – العمالة- المأجور".

اقرأ المزيد
٩ يوليو ٢٠١٥
أسوأ الهدايا !!

بعد خمس سنوات عجاف مرَّت على هذا الشعب المسكين ، تجرَّع فيها غصص المؤامرات الدولية والحقد الطائفي ، وذاق فيها مرارات الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات فصبر وصابر ، واستخدمت ضده أشد أنواع الأسلحة فتكًا وتدميرًا فوقف أمام قاتله عزيزًا شامخًا..


بعد ذلك كله فإن أسوأ هدية يمكن أن يقدمها فصيلٌ من الفصائل أو جماعةٌ من الجماعات لهذا الشعب المكلوم هي أن يقول لهم : " شكر الله سعيكم " !!.


وهذه رسالتي إليكم :
أنا المسلم الوحيد على هذه الأرض ، ومنهجي هو المنهج الخالي من الشوائب ، وعقيدتي هي العقيدة الصافية النقية ، وإن دماءكم وأموالكم ليست حرامًا علي لأنكم كفرتم بالله بعد أن جئتُ لنصرتكم مسلمين ، وارتددتم عن دينكم حين لم تتبعوني !!
وإن قتالكم أولى من قتال من جئت لنصرتكم منه.


إن أقبح المكافأة لهذه الشعب هي أن يقوم ذلك الفصيل بإغلاق المنطقة التي تقع تحت نفوذه ، فيمنع أي كيانٍ شرعي أو عسكري أو مدني من التواجد في تلك المنطقة ما لم يدن له بالولاء والتبعية ، فينظر المجاهدون الذين حرروا تلك البقاع فإذا هم محرومون من دخولها ، وإذا بيوتهم قد أصبحت كلأ مباحا ونهبا للعابرين ، وإذا بتلك البقاع تحتاج إلى تحرير من نوع آخر ، فيا لفرحة المجرمين ويا لحسرة المجاهدين.


أتأمل هذه المحنة وأسائل نفسي :
لو قُدر للشيطان أن ينثر كنانته ثم يعجم عيدانها عودًا عودًا ، وأن يفكر ويقدر ليضع بين يدي أعداء الله عدة خطط وسيناريوهات لقتل خيار المجاهدين والتنكيل بصالح المسلمين ، ووأد ثورتهم وتصويرها بأبشع الصور ، واستعداء أمم الأرض عليها ليجلِبوا عليها بخيلهم ورَجِلِهم ويرموها عن قوسٍ واحدة ؛ فهل تراه سيجد أخبث من هذه الخطة أو أدهى من هذا السيناريو ؟!

الشيخ أسامة اليتيم - القاضي العام في دار العدل في حوران

اقرأ المزيد
٨ يوليو ٢٠١٥
علوش يهاجم الجميع .. فهل لديه ما يخفيه !؟

شن قائد جيش الاسلام زهران علوش هجوماً هو الأوسع تقريباً على الجميع ، بثقة و هدوء يدل على أن لديه شيء ما يخفيه ، بعد عودته من زيارته الخارجية التي شملت تركيا و دول اخرى بقيت طي الكتمان .

اللهجة الحادة التي استخدامها علوش في التسجيل الذي بُث وقيل انها من اجتماعه مع قيادات جيشه ، وخلط فيها كل الأوراق حتى تصل لمرحلة تتيقن أن ليس لجيش الإسلام أي حليف أو مقرب أو خارج الهجوم سواء بالحرب الكلامية أم بالسلاح .

ولم تكن رسالة علوش لنظام الأسد و ايران جديدة ، بل هي كلام مكرر , إن كان أضاف إليه قرب إنهائه ، و مطالبة ايران بإرسال المزيد من المقاتلين لـ"يذبحوا" في سوريا .

داعش العدو اللدود و الذي بات مقدماً على الأسد ، كان هجومه لايعكس الواقع الذي يقول أن داعش لازالت موجودة في القلمون و المعارك فيها كر و فر ، و لا حاسم بينهم ، و لكن الجديد في الأمر هو التوعد بضرب داعش في عقر دياره في الرقة ، و كرر نفس الوعيد كل من ينوي الإنضمام لداعش بـ"رحى الموت" ستدور فوقهم .

في المقابل و كما كان منتظر كان لجبهة النصرة ، نصيب في هجومه التي أخذت نوع الحرب الكلامية أو الرد على دعوات النصرة بتشكيل "جيش فتح الغوطة" ، مستهزأ بالدعوة و معتبراً إياها مجرد كلام عن شيء موجود ، و لكن باسم مغاير و المتمثل بـ"القيادة العسكرية الموحدة" .

و اللافت أن لايوجد في الأفق عملية لفك الحصارعن الغوطة الذي قارب على الثلاثة أعوام ، والذي عزاه لمؤامرة دولية لإنهاء وجود "المسلمين" بالقرب من دمشق ، و إطلاقه لدعوة "حملة فك الحصار" هي اعتراف ضمني بأن جيش الإسلام غير قادر على ذلك ، و لكن بعد هذه الرسائل هل سيكون هناك من يلبي دعوته ..!؟

خطاب علوش كان هادئ مع "المجاهدين" بكل انتمائتهم في رسالة مبطنة أن لاخلاف مع العناصر و لكن مع القيادات ، و الموجهين كما قال عن غرفة الموك.

رسالة مدتها ساعة و بضع دقائق ، حملة ظهور بنكهة جديدة لعلوش ، يُنظر إليها من قبل محبيه و مؤيديه على أنها رسالة تبشر بأن القادم شيء جيد و الإنتصار بات قريب ، في حين يقرأها من يخالف علوش أو يعاديه بأن علوش بات محاصر داخل الغوطة ، و كلامه دليل يأس و فشل من الحصول على المطلوب من الجولة التي خاضها مؤخراً.

اقرأ المزيد
٨ يوليو ٢٠١٥
إخفاق أوباما في سورية

أبلغنا الرئيس باراك أوباما في مؤتمره الصحافي ليلة الاثنين انه سيكثف القصف على «داعش» في سورية وسيضرب منشآت النفط والغاز السورية التي هي مصدر تمويل لـ «داعش» وسيستمر في مساعدة المعارضة السورية المعتدلة سعياً الى تغيير سياسي في سورية من دون الأسد. شكراً للسيد أوباما لأنه بعد أكثر من ٢٠٠ ألف قتيل منذ شن الأسد هجومه على شعبه في درعا وملايين اللاجئين السوريين في لبنان والاردن وتركيا وفي العالم يقول لنا انه يسعى لانتقال سياسي من دون الاسد وانه يريد إنهاء «داعش». كم كان من الأفضل لو جاءت هذه اليقظة (إذا كانت التزاماً حقيقياً أو وعداً مثل خطابه الشهير في القاهرة فور تسلمه الرئاسة) منذ ٢٠١١ عندما لم يكن الأسد قد فتح أبواب السجون لـ «داعش» كي يتغلغل ويتغذى من جميع أنحاء أوروبا والعالم كي يطرح نفسه كالخيار الأفضل أمام العالم.

منذ سنتين ونحن نسمع ان الادارة الاميركية تساعد المعارضة المعتدلة على الارض. أين هي هذه المساعدات ولمن وكيف تساعدها ضد قصف جوي من النظام بالبراميل من دون أي حظر جوي أو صواريخ مضادة للطائرات؟ ومن هم هؤلاء المعتدلون من المعارضة الذين اختارتهم الادارة الاميركية وهي تحتقر الائتلاف المعارض السوري؟ واقع الحال ان أوباما بدأ يهتم بسورية فقط لانتشار «داعش» فيها. ومثلما ترك العراق لإيران عندما أخرج القوات الاميركية منه، ترك إيران ووكيلها في لبنان «حزب الله» يقاتلان دفاعاً عن نظام الأسد الذي لم يزعجه لولا انتشار «داعش». فالكل يعرف ان طموح أوباما هو إنهاء ولايته بصفقة على الملف النووي مع إيران بحجة انه سيمنعها من الحصول على القنبلة الذرية. ولكن التركيز على هذا الملف أتاح لإيران ان تكثف تدخلها في سورية من منطلق ان المفاوضات حول النووي ستعطيها المزيد من حرية التحرك في المنطقة من سورية الى لبنان الى العراق ومع الحوثيين. في ٢٠١٣ كان أوباما عازماً مع فرنسا على ضرب القواعد الجوية للنظام ولكنه غيّر رأيه في اللحظة الاخيرة ولا أحد يعرف لماذا. البعض يتكهن ان لقاءه ببوتين في إحدى القمم العالمية واتفاقه معه على الحصول من سورية على تدمير سلاحها الكيماوي أدى الى ذلك. الا انه منذ ذلك الحين ازداد القتل في سورية والدمار والتطرف والارهاب وتشريد الملايين وتفتيت البلد والآن يتوعد أوباما بالمزيد من الضغط على الأسد وتكثيف ضرب «داعش». أوباما يريد الآن التوصل الى حل سياسي مع روسيا للقضية السورية من دون بشار الاسد ولكن كيف يكون ذلك وروسيا تتعرض للعقوبات من الولايات المتحدة واوروبا بسبب اوكرانيا؟ ان السياسة الاميركية التي ترتكز على تفريق الملفات ساذجة وغير فاعلة. فكيف يمكن التعاون بين أوباما وبوتين حول مستقبل سورية من دون الاسد بينما بوتين يخضع للعقوبات الاميركية والاوروبية؟ وكيف يمكن تغيير سياسة إيران في المنطقة إذا تم التوصل الى اتفاق بينها وبين الدول الست فيما ايران ستحصل على ١٤٥ بليون دولار من الاموال المجمدة في بنوك العالم سيسيطر عليها «الحرس الثوري» الايراني الذي يتصرف فعلياً بالأموال في إيران؟ وقد أشارت وكالة «رويترز» في هذا الصدد الى ان مستوى العائدات السنوية لـ «الحرس الثوري» من الاعمال والتجارة وسواها يقدر بـ ١٠ الى ١٢ بليون دولار. ومع رفع العقوبات عن إيران سيكون في متناول «الحرس الثوري» الذي يحمي الاسد ونظامه و»حزب الله» وحربه في سورية بلايين اضافية للقتال والتخريب أينما كان في المنطقة. ومَن يعتقد ان انفتاح الغرب على إيران سيليّن سياستها في الدول التي تحارب فيها على خطأ. فـ «الحرس الثوري» مثل حليفه اللبناني متغطرس لأن الغرب غير قادر أو بالأحرى غير راغب في مواجهته بسبب إصرار أوباما على إعادة العلاقة مع إيران مثلما فعل مع كوبا. ولكن الملفين مختلفان. فإيران بلد غني رغم ان «الحرس الثوري» أفقر شعبه من أجل مصالحه وتوسعه وسيطرته في المنطقة.

ان الكارثة التي ألمت بسورية وشعبها من أجل بقاء الأسد لا يمكن أن تحل بالقصف الجوي الاميركي أو ببقاء سياسة أوباما الحالية والاكتفاء بوعود مساعدة معارضة معتدلة لا أحد يعرف أين هي وكيف ولمن، فلو أراد أوباما فعلاً تكريس الجهود الاميركية من دون تأخير عليه ان يتفاهم مع بوتين على مجمل الملفات كي لا يكون تخلي روسيا عن الأسد مقايضة على المسألة الاوكرانية وغيرها. الا ان الامور لا تسير بهذا الاتجاه والكارثة السورية مستمرة مع بقاء الاسد وتغلغل «داعش» ولامبالاة أميركا.

اقرأ المزيد
٨ يوليو ٢٠١٥
ولايات الخلافة الإسلامية تمدد للخلافة أم بداية النهاية لها

 

لا شك أن نشوء تنظيم الدولة كان نتيجة حالة مرضية تمر بها الأمة، وتم تغذية هذه الحالة محليا ودوليا عبر دعم الاستبداد وقمع القوى الثورية الوطنية والإسلامية المعتدلة بأساليب وحشية، وانسحب الأمر ذاته على تمدد التنظيم في القارة الأفريقية وظهور ولايات وعقد بيعات سواء في مصر (سيناء) أو ليبيا (سرت ودرنة) أو تونس (جبال الشعانبي) وحتى جماعة بوكو حرام في نيجيريا، إذ أجاد تنظيم الدولة استثمار حالة الفوضى والتهميش والمظلومية، وأحسن دغدعة العاطفة الدينية.

وتقدم تنظيم الدولة أشواطا بعيدة على تنظيم القاعدة إذ نجح –حتى الآن- في السيطرة على مساحات شاسعة تمتلك ثروات مادية وبشرية هائلة مكنته من البقاء وشراء بيعات خارج سورية والعراق والتخطيط لبناء مؤسسات الدولة على كافة الأصعدة، وإن كان القصور ملمحا بارزا في جميع النواحي، قصور يبرره أنصار التنظيم ويرجعونهم لحداثة النشوء المترافقة مع عداء العالم لدولة الخلافة.

ويلفت الانتباه الخط السياسي الواضح لدى تنظيم الدولة القائم على استثمار وتجنيد أي متطرف في العالم يؤمن بفكره، وكانت فكرة الولايات ومبايعتها للخليفة البغدادي في سورية والعراق فكرة فريدة إذ توهم أنصار التنظيم أنَّ ذلك يثبت فكرة الدولة، ومنطق الدولة الذي يفكر به التنظيم خلافا لتنظيم القاعدة رغم أنّ العمل في الولايات المبايعة يأخذ طابع العصابات.

وسعى تنظيم الدولة عبر فكرة الولايات تحقيق جملة مكاسب أهمها المكسب الإعلامي سواء للخاضعين تحت سلطته أو للمؤمنين بفكره خارج هذه المناطق، فقبول البغدادي بيعة هذه الولايات أوحى لأنصار التنظيم أن دولة الحلم ستتحقق وتصل روما التي لا يفصلها عن الولايات في الشمال الأفريقي إلا البحر.

ومكنت مبايعة الولايات التنظيم تأمين دعم مالي ومعرفي كبيرين، فأنصار التنظيم باتوا أكثر سخاء في الدعم وتقديم التضحيات عندما لامسوا نمو البذرة، وبالتالي يجب التضحية والبذل ليشتد العود وينمو.

ويتمثل النجاح الأكبر لخطوة الولايات في تجنيد التنظيم المقاتلين غير القادرين على الهجرة لدولة الخلافة، واستثماره لهم في الولايات المُبايعة فقد وصلت الخلافة إليهم، ولا يفصل الأنصار في أوروبا عنها سوى البحر، فلم تعد القيود الأمنية والرقابة على الحدود التركية عائقا أمام العيش في ظل الخلافة التي أصبحت على مرمى حجر، فدرنة الليبية لا تتجاوز نسبة الليبيين فيها 20% والبقية مهاجرون.

ويأتي المكسب العسكري تتويجا لخطوة قبول مبايعة الولايات، وخطوة القيام بعمليات متطرفة خارج سورية والعراق لصالح التنظيم حيث يُشغل ذلك الدول وجيوشها بأنفسها، ويحول –وفق اعتقاد التنظيم- دون مشاركتها في توجيه مقدراتها لمحاربة دولة الخلافة في المركز.

وتبقى هذه المكاسب للتنظيم -إن حصلت- آنية لا تحقق أهدافا إستراتيجية بعيدة إذ يتوقف نجاح التنظيم على العوامل التي أدت لنشوئه وأسهمت في تغذيته ومده بأسباب الحياة، ويأتي في مقدمتها الظلم وغياب الأفق الذي يدفع الشباب لسلوك منهج التطرف، وهذا الحاصل حاليا في سيناء الجريحة التي دمر السيسي بيوت أهلها، واعتبر أهلها إرهابيين في وقت يمد يده نحو إسرائيل ويستعدي القوى الفلسطينية الشريفة مما أعطى للحرب ضده طابع القداسة عند المتطرفين.

ويسري الأمر بدرجات متفاوتة على المسلمين المهمشين في نيجيريا رغم أنهم يشكلون الأكثرية، أما ليبيا فقد لعبت العصي دورها في عجلات الانتقال السلمي عبر تدخلات دول خارجية أرادت تأزيم الوضع مما وفّر بيئة خصبة لتنظيم الدولة، وفي تونس تسعى الدولة العميقة لتوفير البيئة الحاضنة عبر ممارسات خاطئة تمثلت بإغلاق 80 مسجدا بدلا من إصلاحها، وإعلان حالة الطوارئ بدلا من محاسبة المقصرين وتطبيق القانون على الجميع.

لن تنجح عمليات القضاء على التطرف دون وضع السكة في المسار الصحيح، وتوفير البيئات الصحية التي تمنع تفريخ التطرف، والسير في المسار السليم سيؤدي لذوبان التنظيم وتلاشيه رغم إعلانه الولايات إذ النتائج البعيدة للولايات نفسها ستكون مسمارا في نعش التنظيم.

فقد أدى إعلان الولايات إلى تناقص أعداد المهاجرين لمركز دولة خلافة البغدادي في سورية والعراق، مما يعني خسارة دولة المركز نخبة المقاتلين المؤمنين عقائديا وتناقصهم، وقد لعب هؤلاء دورا بارزا في عمليات التمدد الأولى في سورية حيث تتسع قاعدة الرفض الشعبي للتنظيم.

وستلعب اللامركزية التي يتبعها التنظيم في إدارة الولايات المُبايعة ومنح أمراء وولاة هذه الإمارات صلاحيات واسعة دورا في كثرة الأخطاء، وبروز الفوارق بين الولايات البعيدة والمركز مما ينذر بتشظي دولة الخلافة قبل وصولها لروما، وربما تلعب الظروف المحلية دورا في طغيان الشعور الوطني على الانتماء الديني مما ينسف فكرة دولة الخلافة من أساسها.

وتبقى الضربة الأقوى متمثلة بفقدان ما تبقى من تعاطف العالم الإسلامي إذ ستنكشف لهم حقيقة التنظيم من خلال ممارساته العملية المتطرفة، ويتبين حينها عبثية التنظيم، وزيف ادعاءاته وشعاراته الدينية كما أنَّ الجهود العالمية ستكون أكثر ميلا للوحدة ضد التنظيم بعد استشعار خطره.

ولا يغيب هنا الشرخ العميق الذي تركته البيعات في شق تيار السلفية الجهادية على مستوى العالم مما ينذر بصراعات داخلية محلية، وبدا ذلك واضحا بالصراع الدموي بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة شرق سورية حيث سقط مئات القتلى ومازالوا يسقطون في مناطق أخرى في سورية، ويتوقع امتداد الشرخ لباكستان وأفغانستان ودول القوقاز إذ هاجم أبو محمد الداغستاني أمير القوقاز البغدادي علنا، واتهمه بتفريق صفوف المجاهدين بعد أن أخذ بيعة كبار القادة دون أن يقدم شيئا.

وتبقى بيعات الولايات سلاحا ذا أبعاد خطيرة حيث الاحتمالات مفتوحة، فنحن أمام سيناريو دمار المنطقة العربية ودخولها في صراعات لا يمكن التكهن بنهايتها، أو القضاء على التطرف من خلال الانفتاح على الشعوب ومنحها حريتها.

اقرأ المزيد
٧ يوليو ٢٠١٥
شركاء الأسد في "دولة الساحل" !

مع تراجعه في الشمال والجنوب والشرق، بات واضحاً عند بشار الأسد أنه لن يستطيع إستعادة السيطرة على كل سوريا وان "الخطة - ب" هي البديل الوحيد الذي طالما كان في الحسبان منذ وصول والده حافظ الأسد الى السلطة عام ١٩٧٠.

وأهم من يظن ان بشار الأسد سيعلن قيام الدولة العلوية او "دولة الساحل" التي يستميت في ترسيخ حدودها على الأرض، بعدما كان والده قد تحسّب لقيامها فخصّها دائماً بحصة الأسد من خطط التنمية السباعية للدولة السورية، لأن إعلانها الآن سيكشف شركاءه المضاربين في تقسيم سوريا أي الروس والأميركيين والإيرانيين.

هل كثير القول إن هؤلاء هم شركاؤه في التقسيم؟

لا ليس كثيراً، فمن الواضح ان اميركا تراهن منذ زمن على دفع سوريا والعراق الى التقسيم، ومن المفهوم ان الروس الذين تترسخ مصالحهم في دمشق وطرطوس باتوا يفضلون الدولة الصغيرة التي تحمي هذه المصالح بعد فشل بشار في الإحتفاظ بسوريا كلها!

الإيرانيون الذين تمثل سوريا بالنسبة اليهم قاعدة الجسر الإستراتيجي الى شاطىء المتوسط عبر لبنان وغزة، والتي سبق لهم ان ضخوا فيها المليارات لدعم النظام قبل عام ٢٠١١ وبعده، باتوا يطمحون الى الإحتفاظ بدولة علوية كجائزة ترضية بعدما خسروا سوريا "الولاية الإيرانية رقم ٣٥"!

العمل على هذا واضح، فالروس تولّوا دائماً تعطيل التسوية التي تحفظ وحدة سوريا، وراهنوا على الحل العسكري الذي دعموه بجسر من السلاح وبحق الفيتو الذي عطّل دور الشرعية الدولية، ثم أحبطوا مؤتمرات جنيف وكل حديث عن "الإنتقال السياسي"، لهذا يبدو دعم بوتين قبل ايام لبقاء الأسد كأنه دعم للتقسيم وقيام الدولة العلوية.

الأميركيون شركاء يديرون سكاكين التقسيم بالريموت كونترول. فليس من المفاجئ ان يلتقي اوباما الذي تعامى عن مذابح النظام منذ البداية، مع الكونغرس الذي أوقف فجأة قبل ايام دعم قوات المعارضة بعد التقدم الذي حققته على جبهة الجنوب.

والسؤال : لماذا يتقدم "داعش" مثلاً مسافة ٢٠٠ كيلومتر من دير الزور الى تدمر فلا ترصده الطائرات الأميركية ولا تقاومه قوات الأسد التي انسحبت تاركة أسلحتها [على الطريقة العراقية في الموصل ثم في الرمادي] ولماذا يقاتل الأسد الآن مع حلفائه بشراسة كما يحصل في الزبداني التي تشكّل امتداداً لمعركة حمص القلمون؟

الجواب بسيط لأن خط الزبداني دمشق حمص اللاذقية يمثّل الحدود المرتجاة لدولة الساحل، التي تحفظ لإيران بوابات الإتصال مع بعلبك والهرمل وصولاً الى الجنوب، وتحفظ للروس ميناء طرطوس، وتسهّل على أميركا واسرائيل ترسيخ تقسيم سوريا!

لكن الأسد سيظلّ يقول من الجيب العلوي انه هو الذي يمثل الدولة الشرعية السورية، مراهناً على الفوضى الصومالية التي ستثيرها "داعش" في المناطق الأخرى !

اقرأ المزيد
٧ يوليو ٢٠١٥
مشروع حلف سعودي تركي مع الأسد

ما قاله وزير خارجية سوريا صحيح، ردًا على اقتراح الرئيس الروسي قبل أسبوع. قال وليد المعلم: "أعرف أن روسيا بلد يصنع المعجزات لكن أن نتحالف مع السعودية وتركيا وقطر والولايات المتحدة فهذا أمر يتطلب معجزة كبيرة جدًا".

أيضًا، أرى أن الرئيس فلاديمير بوتين على حق، في أن هذا الحلف وحده قادر على دحر "داعش"، إلا من جزئية واحدة، وهي أن إشراك النظام السوري كما هو اليوم سيفشل المشروع. وبإمكان روسيا أن تصنع معجزة كبيرة لو دفعت باتجاه نظام سوري من دون الأسد، وفق مؤتمر جنيف الأول حول سوريا، وبناء تحالف معه يضم دول الخليج مع تركيا والأردن لمحاربة "داعش". بمثل هذا التكتل متأكد أنه قادر على القضاء على الإرهاب، وتأمين استقرار سوريا، وسلامة المنطقة والعالم.

المشكل في المشروع الروسي، وكما عبر عنه الرئيس بوتين، التهوين من الخلاف مع الأسد. يرى أن الحرب في سوريا مجرد سوء فهم بين الجيران، وأنه يمكنهم التصالح والتعاون من أجل محاربة الإرهاب العالمي، أي "داعش". وقد حدد بوتين أن الدول المعنية بالحلف هي السعودية وتركيا والأردن.

والعلة ليست في الفكرة بل في قائمة الدول المطلوب منها الانخراط في التحالف.

والمسألة ليست سوء فهم، فنحن نعرف بعضنا جيدًا، وقد تحملنا النظام السوري حتى عندما قتل رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري وعشرون زعيمًا لبنانيًا آخرون، في العقد الماضي، لكنه عندما قتل أكثر من ربع مليون سوري وشرد تسعة ملايين آخرين خلال السنوات الأربع الماضية، تهشمت العلاقة ولم يعد ممكنًا إصلاح الزجاج المكسور. وأصبحت المصالحة ليست مهمة صعبة بل مستحيلة، وستزيد من القلاقل في المنطقة ولا تطفئ نار "داعش".

الأمر الثاني، وبعيدًا عن الضغائن، علينا أن نفهم المتغيرات الجيوسياسية الحاصلة. نحن أمام منطقة تتشكل خريطتها، حيث ترضخ واشنطن للواقع الجديد الذي تفرضه إيران، بمشروعها النووي ومد هيمنتها جغرافيًا على سوريا والعراق. هذا التمدد يهدد وجود دول الخليج وتركيا والأردن، ويخل بتوازن القوة القائم منذ نصف قرن مع مصر بشكل خطير للغاية. والإيرانيون اليوم يديرون نظامي بلدين كبيرين، العراقي والسوري، وعندما تتحالف تركيا والأردن والسعودية مع الأسد يكون فيه اعتراف بهيمنة إيران على سوريا! من الخطر على دول مثل الخليج وتركيا أن تتجاهل الزحف الإيراني وتختصر المشكلة في زاوية واحدة، هي الإرهاب وتنظيم داعش تحديدًا. خطر إيران علينا أعظم من "داعش"، هذه حقيقة لا بد أن توضع في الحسبان دائمًا.

ومع أن مشروع التحالف الإقليمي (الأسدي السعودي التركي الأردني) الذي اقترحه الروس جيد من حيث اختيار الدول القادرة على مواجهة "داعش"؛ السنة المعتدلون ضد السنة المتطرفين، لكنه بإشراك الأسد تفسد المعادلة الدينية السياسية.

والحقيقة أن ما يقترحه الرئيس الروسي أكثر منطقية مما يطرحه المسؤولون الأميركيون الذين أظهروا أنهم لا يميزون بين الطوائف، ولا يفهمون التاريخ المعقد للمنطقة. بوتين يطلب من السنة محاربة السنة، يطلب من الدول "السنية"، مثل السعودية وتركيا والأردن، محاربة "داعش"، الجماعة السنية الإرهابية. أما الأميركيون فيستنجدون بالإيرانيين، متطرفي الشيعة، لمحاربة متطرفي السنة، وهذا خطأ مريع؛ لأن ذلك سيعزز قوة "داعش" وليس العكس، حيث سيهب السنة من أنحاء العالم لدعم أبناء مذهبهم، والسنة هم الأغلبية الساحقة من المسلمين، أي أن الخطر سيتضاعف.

خطأ كبير استعانة الأميركيين بالإيرانيين، لأنه لن يمكنهم من القضاء على الإرهاب الديني في المنطقة وسينفخ النار فيه. فكل مفهوم تنظيمي "القاعدة" و"داعش" قائم على صراع تاريخي مذهبي يقوده أناس متطرفون، يشبه حروب الثلاثين عامًا بين البروتستانت والكاثوليك في وسط أوروبا في القرن السابع عشر التي جلبت الدمار والمجاعة والأوبئة والإفلاس. لقد نجحت السعودية في دحر تنظيم القاعدة في العقد الماضي بعد حرب دامية، وكذلك نجح الأميركيون في هزيمة "القاعدة" وزعيمها الزرقاوي، فقط بعد أن استعانوا بالعشائر السنية. ومحاربة "داعش"، والتطرّف الديني، قد يطول أو يقصر، قد يستغرق عشرين سنة، وهو عمر الحرب مع تنظيم القاعدة منذ عام 1996، وقد يستغرق ثلاث سنوات، فالأمر يعتمد على من يحارب الإرهاب، سواء كان نظام الأسد ونظام المرشد في إيران أم كانت تركيا مع السعودية والأردن!

اقرأ المزيد
٥ يوليو ٢٠١٥
عواصف الجنوب السوري

 

انطلقت عاصفة الجنوب في سوريا، وانطلقت مقابلها عاصفة همجية إعلامية وسياسية مضادة لها، محاولة إيقافها وبث الفتنة بين الفصائل المشاركة في العملية، وإحباط العزائم والتشكيك بالنوايا والمقاصد، لمنع الجيش الحر من التقدم والسيطرة على مدينة درعا مهد الثورة السورية والطريق الأقصر إلى القصر الجمهوري.  

وفي هذا المقال سنلقي الضوء على ما لها وما عليها.

1. تعتبر عاصفة الجنوب عملية تحول في مسار العمليات القتالية من الأرياف والقرى وأطراف المدن إلى قلب المدن، بشكل مكمل لمعركة الفتح التي كان من أهم نتائجها تحرير مدينة إدلب بشكل كامل من سيطرة قوات الأسد.

2. تحرير درعا سيمكن المعارضة السورية من تأمين حدود سوريا مع الأردن، و كسب حليف إقليمي  متذبذب _الأردن - بات يشد الخطى نحو تأمين منطقة عازلة، في الجنوب السوري، لحماية حدوده من خطر تقدم تنظيم الدولة أولا، وتخفيف أعباء اللاجئين السوريين الذين باتوا يشكلون نحو ربع سكان الأردن-  وما ترتب على ذلك من أزمات اقتصادية، وضغوطات اجتماعية و ما أنذره من  تغيرات ديموغرافية مقلقة باتت تعتبر إشكالية حقيقة في الشارع الأردني- و اليوم بات حلها ضرورة أمن قومي للأردن، ولم تعد مجرد أزمة عابرة و خصوصا مع اتساع وتيرة التفجيرات التي تبناها تنظيم الدولة حديثا في عدة دول عربية و أجنبية.  

3. عاصفة الجنوب جاءت بدعم و تنسيق مع غرفة العمليات الدولية المشتركة، والتي ترأسها الولايات المتحدة الأميركية بالتعاون مع الدول التي توصف بصديقة الشعب السوري "غرفة الموك" وبالتالي فهي مطلب دولي قبل أن تكون مطلبا للمعارضة السورية المسلحة.

4. فشلت غرفة الموك، لأنها حاولت تهميش دور الفصائل الإسلامية المقاتلة، وأهمها جيش الفتح، في تحقيق ما تصبو إليه من غربلة داخل المقاومة الشعبية المسلحة، و ذلك عبر استمالة ودعم الفصائل والكتائب التي تقييمها معتدلة، خلافا لتلك التي تتهمها بأن لها مشاريع إسلامية مخالفة لمبادئ الثورة التي لم يؤمن أي من قيادات الموك و أعضائها يوما بأهدافها و مشروعيتها. ويعود فشل الموك في تحقيق أي انتصارات تذكر من خلال الاعتماد على بعض من فصائل الحر فقط دون باقي أطياف المقاومة الشعبية و يعلل سلوكهم بتعقيد بنية الصراع في سوريا عامة وفي المنطقة الحنوبية و الشمالية منهاخاصة، و خطأ في المقومات و المعطيات التي تم على أساسها تحديد الفصائل المشاركة في عملية عاصفة الجنوب، إضافة إلى الأخطاء التكتيكية على أرض المعركة، والتي يتضح من خلالها أن تخطيط و تنسيق العملية لم يعتمد الخبرات السورية، وإنما اعتمد على شخصيات لا تمتلك المعلومات الدقيقة لجغرافيا المنطقة وما فيها من مداخل ومخارج و هذا تحديدا ما تسبب في بطء تقدم قوات الحرالتي لم تستطع سد كافة منافذ إمداد نظام الأسد.  

و أخيرا: إن تشكيل جيش الفتح غرفة عمليات منفصلة لمساندة العاصفة قد تركه الباب مفتوحا لكل من يرغب بالانضمام إلى صفوفه مما يشكل ثغرة ويسمح بالاختراق.  

كما أن الحكومة الأردنية، كما هو واضح تهتم اليوم بتأمين حدودها مع سوريا، عبر تسليمها لقوات قادرة على إيقاف أي تمدد لقوات تنظيم الدولة، التي باتت تشكل رعبا للقيادات الأمنية الأردنية، و ما كان قرار تحييد الفصائل الإسلامية عن المشاركة في عاصفة الجنوب إلا إجراء احترازيا من قبل قوات الموك لمنع أي تقدم لقوات تنظيم الدولة على الحدود السورية الأردنية، و خصوصا بعد مبايعة أفراد من جبهة النصرة و الفصائل الإسلامية التابعة للمقاومة الشعبية تنظيم الدولة في أكثر من مناسبة. وعليه ربما وجدت تحييد أي فصيل إسلامي أكثر أمنا وسلامة لحدودها وأمنها القومي. إلا أننا و بعد مقاربة للواقع و نظرا لتشرذم الجهود بين غرفتي عمليات الأولى لعاصفة الجنوب و الثانية لجيش الفتح و ما جره من نتائج كارثية، نرى أن مصلحة الدولة العليا تتطلب أن تنحى التوجهات الإيديولوحية و الدينية جانيا و يسارعوا إلى التعاون بينهما و ذلك لاعتبارات أهمها:

أن غرفة عمليات عاصفة الجنوب تتلاقى في المصالح و الأهداف مع غرفة عمليات جيش الفتح والذي يعتبر قوة لا يستهان بها  وأن هذا التناحر بدوره قد يؤدي إلى نتائج كارثية بحق الجبهتين و يسحب من فوقهما غطاء الحاضنة الشعبية التي بدأت تتململ و تشكك بالجهود و النوايا، كما يسبب شرخا كبيرا بين الحر والفصائل الإسلامية لن تحمد عقباه و سيكون المستفيد الأول بكل تأكيد تنظيم الدولة الذي يتقدم في الحسكة و الشمال السوري بكل بساطة.

الاعتبارالثاني نقول في حال تم تحرير درعا على أيدي الفصائل التي تعتبر دوليا أكثر اعتدالا  فإن أمامها خيارين لا ثالث لهما إما أن تقع في مواجهة مع جيش الفتح و تأزيم الصراع في المنطقة، أو التعاون معه وإلغاء الفصائلية لصالح جيش موحد يكون النواة لجيش يمسك البلاد بعد تحريرها، و يضبط الأمن الحدودي الذي بات منفلتا بطريقة قد يصعب ضبطها دون قوات حفظ السلام، التي تحاول الإدارة الأميركية تجنب إنزالها على الأقل قبل استقرار نظام سياسي جديد في سوريا أي أننا بهذا نقارب بين المصالح الدولية والإقليمية، ومصالح المقاومة الشعبية دون أي تنازع أو تنازل.

الاعتبار الثالث أن مقاتلي عاصفة الجنوب سيكون أمامهم خوض معارك قادمة في قلب العاصمة دمشق فيما إذا تم لهم تحرير درعا  بحيث يؤمن لمعركة دمشق فتح الحدود مع الأردن، وبالتالي تكون مصادر التمويل مفتوحة لمعركة نعتقد بأنها ستكون الأشرس والأعنف مع قوات الأسد، وبكل تأكيد لن يكون أمل الانتصار كبيراً، ونحن نتابع اليوم تقدما بطيئاً لفصائل الحر و هي تواجه جزءاً صغيراً من القوات الخاصة للأسد، و لكن إذا تم بعون الله توحد جيش الفتح مع فصائل الجنوب فإن هذا سيقود بالضرورة إلى أن تترافق هجماتهم مع تقدم مماثل لمقاتلي المقاومة الشعبية في القنيطرة و نقل العاصفة إلى قلب القصر الجمهوري.

الاعتبار الرابع الذي نأخذ به ما يطرح اليوم من إمكانية توفير منطقة عازلة على الحدود مع سوريا والمساعي السياسية الحثيثة لاستبعاد الأسد والضغوطات الأميركية للإبقاء على نظامه مقابل مشاركة المعارضة في العملية السياسية، وإعادة إنتاج نظام استبدادي جديد، يلبي المصالح الدولية و الإقليمية ويضغط لأن يكون خط المواجهة الأول مع تنظيم الدولة،على الأراضي السورية.

وفيما إذا لم تتوحد أيادي المعارضة المسلحة على الأراضي السورية، لن يكون لأي قيادة سياسية القدرة على فرض إرادتها و رؤيتها وسيبقى إيقاف نزيف الدم السوري هدفا مستحيلا لأعوام قادمة كما هو حال العراق و مصر اليوم .

من المهم أن تدرك دول الجوار السوري اليوم، أن سياسية النأي بالنفس، وضبط النفس لم تعد مقبولة بل إن ما يحدث من صراعات على الأراضي السورية يهدد أمنها القومي بشكل مباشر وخصوصا أن المستفيد الأول من الخلافات في صفوف المقاومة الشعبية المسلحة لا يصب إلا في مصلحة تنظيم الدولة، باعتبار الأسد بات دمية من ورق، ولا يمكن أن يكون أملاً في أي استقرار أو هدوء على الحدود الساخنة.

و لن يحدث هذا الاستقرار ما لم يستتب الأمن في سوريا ويحصن بجيش سوري موحد ومنظم ويخضع لقرارات سلطة دستورية وطنية وشرعية مستقلة.

اقرأ المزيد
٣ يوليو ٢٠١٥
اجتماع مجلس الأمن القومي التركي والخطوط الحمراء لتركيا

كتب عبد القادر سلفي: انتهى اجتماع مجلس الأمن القومي التركي، برئاسة أردوغان، حيث إن ثقل الاجتماع كان متركزا على المجريات الأخيرة على حدودها مع سوريا، وإنشاء المنطقة الآمنة في الداخل السوري. ومن خلال الاتصالات الدبلوماسية التي أجراها وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، فقد قدم لمجلس الأمن القومي آخر المستجدات السياسية.

رئيس الاستخبارات التركية، هاكان فيدان، الذي يتابع الملف السوري قدّم عرضا موسّعا عن التطورات الميدانية الأخيرة في سوريا. ومن المعلومات التي قدمها، مواقع المنظمات الإرهابية، والتهديدات المتوقعة وحركة النزوح المحتملة. كان واضحا أنه يعلم تضاريس الأرض السورية ككف راحته.

أما بالنسبة للجيش، فقد تم تأجيل فقرة أخذ قرار إنشاء المنطقة الآمنة بعد قمتين لمجلس الأمن القومي. وفي الحقيقة، إن التهديدات التي تمس الأمن القومي التركي، تجبرها على إقامة المنطقة الآمنة، وتقترب نحو إنشائها خطوة كل يوم.

قدّمت تركيا فكرة إنشاء منطقة عازلة في سوريا، وتباحثت في ذلك مع الولايات المتحدة الأمريكية، عندما بدأت حالات النزوح الجماعية، وتجاوزت مئات الآلاف وبدء التحالف الدولي بضرب مواقع تنظيم داعش. والمنطقة العازلة هذه كانت ستتم حمايتها عن طريق حظر الطيران فوقها.

والمنطقة العازلة تم تطبيقها في العراق بعد حرب الخليج الأولى. بعد تلك المنطقة العازلة لم تتشكّل أي موجة نزوح إلى تركيا إلا عندما ضرب صدام حسين حلبجة بالمواد الكيميائية. واليوم لا ندري لماذا لا تريد أمريكا إنشاء المنطقة العازلة في سوريا. بل بالعكس، ساهمت في نقل براثين الحرب إلى دول الجوار لسوريا وخاصة تركيا. وبعد فشل تركيا في إقناع حلفائها بتشكيل المنطقة العازلة في سوريا، فقد قرّرت أن تشكّل منطقة آمنة وحدها.

أعطى البرلمان التركي تفويضا للحكومة بالتدخّل العسكري في سوريا سابقا، إن اضطر إلى ذلك. لكن الجيش طلب توجيهات جديدة من الحكومة اليوم، وتجديد توجيهات الحكومة، بسبب دخول أنشطة تنظيم داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي على الميدان السوري. وعلى الفور، أصدر رئيس الوزراء، أحمد داود أوغلو، أمرا خطّيا وجّهه إلى الجيش التركي بضرورة تحرك الجيش لإنشاء المنطقة الآمنة في سوريا. وبعد أوامر الحكومة، فقد بدأت رئاسة الأركان التركية بإعادة الخطط المطروحة لإنشاء المنطقة الآمنة.

وفي الاجتماع الأخير لمجلس الأمن القومي، قدّمت رئاسة الأركان عرضا مفصّلا عن خطتها في إنشاء تلك المنطقة.

ونحن بانتظار دخول القوات التركية إلى سوريا، فقد خرج مجلس الأمن القومي التركي بتصريحات، طغت عليها لغة السكينة والهدوء. هذه الحركة الحكيمة من تركيا كانت بغاية العقلانية، فتركيا بلد كبير، وليست دولة على الهامش. ولا تتحرك بشكل عشوائي وفجائي. خاصة ونحن ندخل مرحلة نحتاج فيها إلى برود الأعصاب. وبرود الأعصاب التركية، كان نتيجة المتغيرات الداخلية السورية، حيث إن نظام الأسد أوقف غاراته على إدلب، ووجّه غاراته إلى اللاذقية، واللاذقية هي آخر ملجأ يلجأ إليه. كما أن الحزم التركي بالدخول في سوريا كان له تأثير مباشر على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.

حدّد الجيش التركي مسافة توغّل دخول الجيش إلى داخل الأراضي السورية، في العرض الذي قدّمه لمجلس الأمن القومي. وخلال عرض الجيش، فإنه شرح لمجلس الأمن القومي، إمكانية توغل الجيش مسافة خمسة كيلومترات في الداخل السوري، وحدد أعداد المدرعات التي يحتاجها. وأضاف السيناريو نفسه وحدد عدد الجند والمدرعات في حال وجود نية في دخول الجيش بعمق 15 كيلومترا. وكل هذا جرى فوق خريطة تبرز تضاريس مناطق العملية للجيش التركي.

وحدات الجيش التركي التي ستتواجد ضمن المنطقة الآمنة، ستكون بموضع المراقب، وقوة نارية في الوقت نفسه. وفي حال تشكّل أي خطر على الجيش التركي في المنطقة الآمنة، فإن القوات الجوية التركية ستحمي تلك الوحدات على الأرض، بالإضافة إلى تدخل المدرعات التركية من البر.

المنطقة الآمنة ستتشكّل في منطقة جرابلس بطول 110 كيلو مترات، بين عين العرب (كوباني) وعفرين، حيث إن تلك المنطقة بيد تنظيم داعش. ويخطط الجيش التركي بالتوغل بعمق 15 كيلومترا حاليا فقط من أصل 33 كيلومترا.

في اجتماع مجلس الأمن القومي، أشار المجلس إلى "الخطوط الحمراء" التي لا يمكن لتركيا أن تتنازل عنها. واليوم هناك خطان أحمران بالنسبة لتركيا:

أولا: امتداد حزب الاتحاد الديمقراطي من عين العرب نحو جرابلس وعبوره إلى غرب نهر الفرات. في هذه الحال فإنه سيكون قد استولى على جرابلس ليبسط يده على المسافة الواقعة بين عين العرب وعفرين، وهذا يتيح له التمدد أكثر إلى أن يصل إلى ميناء اللاذقية في البحر الأبيض المتوسط.

ثانيا: قيام تنظيم داعش بمجازر كبيرة، ما يشكّل موجة نزوح أكبر إلى تركيا.

وقمت بإضافة خط أحمر ثالث من خلال ملاحظاتي الشخصية، وهي أنه في حال سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على جرابلس، فإن خط التجارة التركية سيتوقف داخل سوريا، ومنها سيتوقف خط التجارة التركية في الشرق الأوسط. ورغم الحرب المستمرة في سوريا، فإن تركيا تمتلك بوابتين حدوديتين فعالتين إلى اليوم.

تسعى تركيا إلى عدم سقوط المنطقة الواقعة بين عين العرب وعفرين بيد حزب الاتحاد الديمقراطي، لأن نظام الأسد وتنظيم داعش ومعهما حزب الاتحاد الديمقراطي، يقومون بتحركات خطيرة، لا سيما بعد اكتشاف الاستخبارات التركية اللقاء السري الذي جمع بين قادة النظام السوري وتنظيم داعش في الحسكة.

انتهى اجتماع الأمن القومي، وبحثت فيه خطة تحرك الجيش، وأُبرزت الخطوط الحمراء لتركيا. ودخلت تركيا بمرحلة التحضيرات الديبلوماسية والعسكرية، وانتقل الأمر الآن إلى وحدات الجيش التركي، الذي سيحدد من هي الجهة التي تهدد أمن تركيا. ولا شك أن هذه المرحلة ستكون مرحلة صعبة.

 وإذا ما عدنا للسؤال الأول، هل ستدخل تركيا حربا مع سوريا؟ لا لن تدخل تركيا أي حرب ما لم يُهدَّد أمنها. وهذا أمر قطعي.

اقرأ المزيد
٣ يوليو ٢٠١٥
البيئة الشامية أو الزمن الراكد

اعترض نقاد كثر على مسلسلات البيئة الشامية التلفزيونية من نواحي تنافر أحداثها مع الوقائع التاريخية ووقوعها في النمطية في تصوير سلوك أبناء الشام المقتصر على بعض المواقف الرجولية والعنترية وخضوع النساء التام لأوامر الذكور ونواهيهم.

وقدّم مؤرخون وباحثون سوريون ما ينقض تماماً ما تعرضه تلك المسلسلات في مقالات تتحدث عن التطور الاجتماعي في دمشق ومحيطها، حيث كانت الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية مختلفة أشد الاختلاف عما تصوره المسلسلات عن حارات مغلقة وعادات منقرضة وأنماط تفكير متخلفة.

تركزت الانتقادات على مسلسل «باب الحارة» الذي يعرض في رمضان الحالي موسمه السابع، ذلك أن الأخطاء فيه بلغت حد الفضيحة والمهزلة. المفروض أن المسلسل يغطي أحداث ثورة الغوطة التي امتدت من منتصف عشرينات القرن الماضي إلى أوائل ثلاثيناته، فإذا به «يبقى ويتمدد»، فيعود أموات وتكبر أجيال وتدخل «المكونات الوطنية» في فترة زمنية يفترض أنها لا تتجاوز العقد الواحد من الزمن في أفضل الأحوال. هذا ناهيك عن التجاهل التام لكل البيئة الشامية الواقعية التي كانت قائمة في تلك الفترة، حيث ظهرت الجامعات وخريجوها كمؤثرين في الحياة العامة وغيرت وسائل النقل الحديثة من طبيعة الاقتصاد والعلاقات بين المراكز المدنية والأرياف، وبرز خطاب وطني –إذا صح التعبير- عند السياسيين السوريين لا علاقة له بالنخوة والقسم بالشوارب والضرب على الصدر... لا شيء من ذلك في هذا المسلسل وما يشبهه.

لا يعنينا هنا نقد مسلسلات البيئة الشامية فنياً، بل ملاحظة أن الأكثرية العظمى منها تحيل إلى زمن جمد فجأة وراح يعيد نفسه. قيمه وأخلاقه وعلاقات الناس فيه تبقى على حالها ولا تتغير. شخصياته تعبر عن أفكار ثابتة وليس عن أفراد لهم حيواتهم الخاصة. العدو فيه واضح والصديق بديهي والمخادع معروف منذ ظهوره الأول.

يحيل جمود الزمن هذا إلى «سورية الأسد» وركودها، حيث يظل الخير خيراً تُعرفه وتحدد صفاته السلطة الأبوية التي لا يمكن التشكيك في مصدر تسلطها ولا في سببه، والشر شرّاً يمثله رقيب أبله يعمل في خدمة «الشر المطلق»، الأجنبي، في مخفر تافه.

لكن، وعلى غرار كل ركود، يغيب عن بال القائمين على هذا العمل والأعمال التي اتخذته نبراساً ودليلاً، أن الركود لا يحيط سوى بالسطح وان التفاعلات العميقة تظل نشيطة وإن لم يلاحظها كليل البصيرة والبصر. يذكر ذلك بـ «زمن الركود» الذي عاشه الاتحاد السوفياتي في عهد زعيمه ليونيد بريجنيف ومهّد لمرحلة البريسترويكا ثم للانهيار الشامل لمنظومة سياسية وأيديولوجية وعسكرية بدت للحظة أنها لا تُقهر، في حين كانت عوامل الضعف والتفكك قد نخرت الأسس التي تقف عليها. الأمر ذاته في سورية، ففيما كانت تقدم هذه المسلسلات زمناً راكداً تؤكد كل أحداثه منعة «أهل الحارة» وقيمهم وعصيانهم على كل غريب، اندلعت الثورة السورية التي فككت كل عناصر السيطرة والسطوة لسلطة عاتية دموية على نحو لم يعد معه معروفاً كيف ستتم في المستقبل إعادة تركيب الدولة السورية.

ذلك الزمن الراكد في «البيئة الشامية» الذي لا يُعرف متى بدأ ومتى سينتهي، ليس في واقع الأمر غير أمنية سلطة لا مشروع لها إلا بقاؤها وخلودها على رقاب أبناء الحارة الطيبين الذين انسلخوا من العصر وغاصوا في شجارات مملة منتظرين ما تطبخه لهم نساء يزداد مع الوقت تورم خدودهن جراء عمليات وحقن تجميل رخيصة.

اقرأ المزيد
٢ يوليو ٢٠١٥
"دولة الساحل" بين الأسد وليبرمان عبر وسيط روسي

بعد ثلاثة أسابيع على بدء الانتفاضة السورية، في نيسان (ابريل) 2011، أسرّ رئيس الأركان السوري السابق حكمت الشهابي لصديقه الزعيم السياسي اللبناني وليد جنبلاط خشيته من أن سورية ذاهبة إلى حرب أهلية، ومن أن بشار الأسد، في تقديره، «يريد التقسيم». ثم عاد فأكد لجنبلاط في 2012 أن سورية «متجهة إلى ما يشبه الصومال». وقبيل وفاة الشهابي (آذار/ مارس 2013) قال لجنبلاط الذي اتصل به في لوس انجليس «تذكّر كلامي، يريدون التقسيم، سورية التي نعرفها لن تعود». وبعد الوفاة نُشر أن الشهابي قال لقريبين منه قبيل مغادرته سورية نهائياً أن بشار وماهر الأسد «أولاد ذاهبون في المعركة إلى النهاية، لن يصلحوا ولن يسلموا السلطة ولن يتركوا الشام إلا وهي أنقاض... أولاد ذاهبون إلى التقسيم، ولكن ليس قبل أن يحرقوا البلد بما عليها وبمَن عليها».

ويروي ديبلوماسي عربي، نقلاً عن وزيره الذي التقى مسؤولاً روسياً رفيع المستوى، أن الروس نقلوا كلاماً من الأسد إلى وزير الخارجية الإسرائيلي السابق افيغدور ليبرمان يدعو فيها إلى تأييد «دولة الساحل» كونها «لن تكون معادية لإسرائيل»، وردّ ليبرمان مطالباً بتسليم رفات نحو ثلاثين جندياً إسرائيلياً قتلوا خلال اجتياح لبنان في العاشر من حزيران (يونيو) 1982 في معركة السلطان يعقوب (البقاع الغربي)، وعندما عاد الديبلوماسي الروسي بردٍّ إيجابي من الأسد طرح ليبرمان مطلباً آخر وهو رفات جاسوس الموساد الياهو كوهين الذي أُعدم شنقاً في ساحة المرجة في دمشق عام 1965. وفيما كان جوهر «الرسالة» (دولة الساحل) واضحاً لم يؤكد المصدر ما إذا كان الأسد لبّى المطالب، لكن الواقعة تظهر أن موضوع «دولة الساحل» متداول بين الأسد والروس، وبطبيعة الحال مع الإيرانيين. المتداول أيضاً أن سيناريوات لهذه «الدولة» تضعها في إطار تطبيع أميركي - إيراني - إسرائيلي متوقع نظرياً ويعتبره كثيرون نتيجة موضوعية إذا كانت إيران تتطلّع إلى اعتراف بدورها ونفوذها الإقليميين.

ليس الحديث عن التقسيم ترويجاً له، بل تحذيراً منه، ولمقاومته لا بدّ من وعيه وإدراك أنه يكمن حالياً في خلفية الاتصالات الدولية والإقليمية التي تواصل الثرثرة عن «حل سياسي» بذل أصحابه كل شيء لإحباطه وأهدروا الوقت في تقويض مقوّماته حتى بات غير ممكنٍ بل مستحيلاً. في الأساس كان هناك حلّان، أولهما إسقاط النظام عسكرياً وهو بدا ممكناً منتصف 2012 لكن القوى الخارجية خذلت «الجيش الحر» وفرملت اندفاعه، والآخر انتصار النظام وإسقاط الشعب وقد جرّبه الإيرانيون وميليشياتهم واضطرّوا للاعتراف بحدوده فراحوا يرسمون تلك الحدود ويدافعون عنها. في غضون ذلك طُرحت فرصة الحل السياسي الذي يفترض تسوية بين الطرفين، طالما أنهما عجزا عن الحسم، لكن إيران عارضتها لأنها ليست جزءاً منها فأوعزت إلى الأسد بإفشالها وعدم الانخراط فيها، ولم تبدُ روسيا متحمسة لذلك الحل بل اعتبرت مفاوضات جنيف مجرد مناورة ضرورية للتخلص مما التزمته في إطار صفقة حماية الأسد من العقاب على استخدامه السلاح الكيماوي.

منذ ذلك الوقت، لم يعد الحل السياسي مطروحاً سواء بسبب القطيعة الاوكرانية بين أميركا وروسيا أو حتى قبل ذلك في 2013 لم يعد واقعياً لأن النظام والإيرانيين تصلّبوا في السعي إلى حسم عسكري، وأيضاً لأن ظروف المعارضة تغيّرت، فالفصائل تشرذمت في مناطق سيطرتها وتداخلت فيها التيارات الجهادية و «القاعدية»، واخترقها النظامان السوري والإيراني بتنظيم «داعش» مستقدمَين الإرهابيين والتكفيريين لإثبات أنهما يحاربانهم. وإزاء وضع كهذا وجدت إدارة باراك اوباما ذرائع كافية لاتباع السلبية وتعميمها على دول غربية أخرى، بل حتى لترويج اقتناع ضمني بأنه بين أطراف سيئة جميعاً قد يكون النظام الأقلّ سوءاً لمجرد أنه، وفقاً لموسكو، لا يزال «ممسكاً بالدولة والمؤسسات». وعندما خرق الأميركيون القطيعة أخيراً لمعاودة التشاور مع الروس بشأن سورية، وجد الطرفان أن دوافع حمايتهما المباشرة وغير المباشرة لنظام الأسد لم تعد مجدية ولا مفيدة، فهو يتهاوى من تلقائه. وليس واضحاً ما إذا كانا دخلا في مصارحات ثلاث: أولاً بشأن الأوهام التي سوّقاها سابقاً، طالما أن الجيش والدولة والمؤسسات لم تعد في حال يمكن الاعتماد عليها، وثانياً حول تكاذبهما في صيغتي الحل المتناقضتين وفقاً لـ «بيان جنيف»: بوجود الأسد وبقيادته (روسيا) أو من دون الأسد (أميركا)، وثالثاً بالنسبة إلى عدم توافقهما، حالت دون ارتسام إرادة دولية حقيقية لدفع الأزمة إلى حل انتقالي.

لعل الأسوأ أن روسيا وأميركا لم تعطيا مؤشرات إلى مراجعات منفردة أو مشتركة للسياسات والخيارات، بل تبديان ميلاً إلى ترك الأوضاع تزداد تعفّناً ريثما يُنجز الاتفاق النووي لاستكشاف إمكانات اختراق الأزمة عبر الأوراق الإيرانية. لكن إيران ستبرز الخريطة لاستدراجهما إلى الأمر الواقع، فـ «الجيش» و «الدولة» و «المؤسسات» موجودة بالنسبة إليها حيث يوجد النظام وحيث ينشط «خبراؤها» فيما يقوم «حزب الله» والميليشيات المستوردة بالدفاع عن «سورية الحيوية» هذه في القلمون غرباً كما في الجنوب والشمال. ولا شك في أن روسيا وإيران شريكتان متضامنتان في هذا الأمر الواقع، الذي لن تجد أميركا خياراً آخر غير التعامل معه.

وفيما يبدو اليوم أن حلفاء النظام لم يستبعدوا ورقة التقسيم ولم يُسقطوها، حتى وهم يدعمونه ليتمكن من حسم الصراع عسكرياً، يتبين أن داعمي المعارضة ظلّوا طويلاً من دون استراتيجية واضحة أو تأخروا في بلورتها. لذلك أعلن رجب طيب اردوغان أخيراً أن تركيا «لن تسمح إطلاقاً ببناء دولة في حدودنا الجنوبية (شمال سورية) مهما كان الثمن، ولن تتغاضى عن عملية تغيير التركيبة السكانية في المنطقة». لكن التطوّرات الميدانية لا تنفكّ تتجاوز تركيا، فهي ليست مسيطرة على ورقة «داعش» كما يقال عنها، كما أن غموض النيات الأميركية يربك تطوير تدخلها في سورية. أما الائتلاف السوري المعارض فأكّد حصول «تجاوزات» على أيدي «وحدات حماية الشعب» الكردية في تل أبيض والقرى المجاورة لها، إذ أقدمت على إجبار السكان العرب والتركمان على النزوح نحو الأراضي التركية، ولم تسمح بالعودة إلا للأكراد. وكانت واشنطن صرّحت بأن التهجير القسري «إذا صحّ، فهو غير مقبول»، ورغم تأكيده لاحقاً من جانب الأتراك والمعارضة السورية، إلا أن الأميركيين لم يقولوا أنهم سيمنعونه. ذاك أن «الأولوية» الأميركية، إن صحّت، هي الآن لمَن يساهم في «الحرب على داعش»، وما دامت «الوحدات» مستعدة للمهمة فإنها تريد «مكافأتها» بأن يُجاز لها بإقامة «دولة» أو «كيان» كردي، وتأكيداً لذلك لم تكتف عناصر «الوحدات» بالتهجير بل دعّمته بنهب البيوت والممتلكات، محواً لأي أثر للسكان.

لم يهتم المسؤولون عن «الوحدات» بنفي الاتهامات، والأهمّ أنهم لم يسمحوا للناس بالعودة إلى قراهم ومنازلهم. وعندما يحدّد صالح مسلم رئيس «الحزب الاتحاد الديموقراطي» (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله اوجلان) «اللامركزية» كهدف لحزبه في سورية ما بعد نظام بشار الأسد، فإنه يراوغ لأن مقاتليه يذهبون أبعد من ذلك على الأرض. فما حدث هو عملية اقتلاع سكان من منطقة غير كردية. وما أظهره الاستهداف الطائفي والعرقي للمهجّرين أثبت أن الحزب الاوجلاني السوري أراد كشف عدائه لتركيا، وأنه جيّر ذلك التهجير لمصلحة العلاقة التي لم تنقطع بينه وبين النظام السوري وحليفه الإيراني. ومنذ معارك حلب عام 2012 وما تلاها في المحافظات المجاورة اتخذ حزب صالح مسلم موقفاً مناكفاً للمعارضة، ثم اعتمد على دعم دمشق وطهران للشروع في بلورة «استقلالية» المناطق الكردية، لا لأن الأسديين أو الإيرانيين محبذون أصلاً لـ «دولة كردية» وإنما لأن مشروعاً كهذا يضرب طموح المعارضة بإبقاء سورية موحدة ويهدّد تركيا في عمقها، وبالأخصّ لأنه يقدّم مساهمة مهمّة في عملية تفكيك سورية. فإذا افتتح الأكراد عمليات الانفصال فإنهم يعطون مبرراً وحتى «مشروعية» لـ «الدولة العلوية» أو «دولة الساحل».

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢٢ سبتمبر ٢٠٢٥
رسائل "الشرع" من قمة كونكورديا: خطاب يفتح أبواب سوريا على العالم
أحمد نور الرسلان
● مقالات رأي
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥
المفاوضات السورية – الإسرائيلية: أداة لاحتواء التصعيد لا بوابة للتطبيع
فريق العمل
● مقالات رأي
١٣ أغسطس ٢٠٢٥
ازدواجية الصراخ والصمت: استهداف مسجد السويداء لم يُغضب منتقدي مشهد الإعدام في المستشفى
أحمد ابازيد
● مقالات رأي
٣١ يوليو ٢٠٢٥
تغير موازين القوى في سوريا: ما بعد الأسد وبداية مرحلة السيادة الوطنية
ربيع الشاطر
● مقالات رأي
١٨ يوليو ٢٠٢٥
دعوة لتصحيح مسار الانتقال السياسي في سوريا عبر تعزيز الجبهة الداخلية
فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
٣٠ يونيو ٢٠٢٥
أبناء بلا وطن: متى تعترف سوريا بحق الأم في نقل الجنسية..؟
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٥ يونيو ٢٠٢٥
محاسبة مجرمي سوريا ودرس من فرانكفورت
فضل عبد الغني