ما قاله وزير خارجية سوريا صحيح، ردًا على اقتراح الرئيس الروسي قبل أسبوع. قال وليد المعلم: "أعرف أن روسيا بلد يصنع المعجزات لكن أن نتحالف مع السعودية وتركيا وقطر والولايات المتحدة فهذا أمر يتطلب معجزة كبيرة جدًا".
أيضًا، أرى أن الرئيس فلاديمير بوتين على حق، في أن هذا الحلف وحده قادر على دحر "داعش"، إلا من جزئية واحدة، وهي أن إشراك النظام السوري كما هو اليوم سيفشل المشروع. وبإمكان روسيا أن تصنع معجزة كبيرة لو دفعت باتجاه نظام سوري من دون الأسد، وفق مؤتمر جنيف الأول حول سوريا، وبناء تحالف معه يضم دول الخليج مع تركيا والأردن لمحاربة "داعش". بمثل هذا التكتل متأكد أنه قادر على القضاء على الإرهاب، وتأمين استقرار سوريا، وسلامة المنطقة والعالم.
المشكل في المشروع الروسي، وكما عبر عنه الرئيس بوتين، التهوين من الخلاف مع الأسد. يرى أن الحرب في سوريا مجرد سوء فهم بين الجيران، وأنه يمكنهم التصالح والتعاون من أجل محاربة الإرهاب العالمي، أي "داعش". وقد حدد بوتين أن الدول المعنية بالحلف هي السعودية وتركيا والأردن.
والعلة ليست في الفكرة بل في قائمة الدول المطلوب منها الانخراط في التحالف.
والمسألة ليست سوء فهم، فنحن نعرف بعضنا جيدًا، وقد تحملنا النظام السوري حتى عندما قتل رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري وعشرون زعيمًا لبنانيًا آخرون، في العقد الماضي، لكنه عندما قتل أكثر من ربع مليون سوري وشرد تسعة ملايين آخرين خلال السنوات الأربع الماضية، تهشمت العلاقة ولم يعد ممكنًا إصلاح الزجاج المكسور. وأصبحت المصالحة ليست مهمة صعبة بل مستحيلة، وستزيد من القلاقل في المنطقة ولا تطفئ نار "داعش".
الأمر الثاني، وبعيدًا عن الضغائن، علينا أن نفهم المتغيرات الجيوسياسية الحاصلة. نحن أمام منطقة تتشكل خريطتها، حيث ترضخ واشنطن للواقع الجديد الذي تفرضه إيران، بمشروعها النووي ومد هيمنتها جغرافيًا على سوريا والعراق. هذا التمدد يهدد وجود دول الخليج وتركيا والأردن، ويخل بتوازن القوة القائم منذ نصف قرن مع مصر بشكل خطير للغاية. والإيرانيون اليوم يديرون نظامي بلدين كبيرين، العراقي والسوري، وعندما تتحالف تركيا والأردن والسعودية مع الأسد يكون فيه اعتراف بهيمنة إيران على سوريا! من الخطر على دول مثل الخليج وتركيا أن تتجاهل الزحف الإيراني وتختصر المشكلة في زاوية واحدة، هي الإرهاب وتنظيم داعش تحديدًا. خطر إيران علينا أعظم من "داعش"، هذه حقيقة لا بد أن توضع في الحسبان دائمًا.
ومع أن مشروع التحالف الإقليمي (الأسدي السعودي التركي الأردني) الذي اقترحه الروس جيد من حيث اختيار الدول القادرة على مواجهة "داعش"؛ السنة المعتدلون ضد السنة المتطرفين، لكنه بإشراك الأسد تفسد المعادلة الدينية السياسية.
والحقيقة أن ما يقترحه الرئيس الروسي أكثر منطقية مما يطرحه المسؤولون الأميركيون الذين أظهروا أنهم لا يميزون بين الطوائف، ولا يفهمون التاريخ المعقد للمنطقة. بوتين يطلب من السنة محاربة السنة، يطلب من الدول "السنية"، مثل السعودية وتركيا والأردن، محاربة "داعش"، الجماعة السنية الإرهابية. أما الأميركيون فيستنجدون بالإيرانيين، متطرفي الشيعة، لمحاربة متطرفي السنة، وهذا خطأ مريع؛ لأن ذلك سيعزز قوة "داعش" وليس العكس، حيث سيهب السنة من أنحاء العالم لدعم أبناء مذهبهم، والسنة هم الأغلبية الساحقة من المسلمين، أي أن الخطر سيتضاعف.
خطأ كبير استعانة الأميركيين بالإيرانيين، لأنه لن يمكنهم من القضاء على الإرهاب الديني في المنطقة وسينفخ النار فيه. فكل مفهوم تنظيمي "القاعدة" و"داعش" قائم على صراع تاريخي مذهبي يقوده أناس متطرفون، يشبه حروب الثلاثين عامًا بين البروتستانت والكاثوليك في وسط أوروبا في القرن السابع عشر التي جلبت الدمار والمجاعة والأوبئة والإفلاس. لقد نجحت السعودية في دحر تنظيم القاعدة في العقد الماضي بعد حرب دامية، وكذلك نجح الأميركيون في هزيمة "القاعدة" وزعيمها الزرقاوي، فقط بعد أن استعانوا بالعشائر السنية. ومحاربة "داعش"، والتطرّف الديني، قد يطول أو يقصر، قد يستغرق عشرين سنة، وهو عمر الحرب مع تنظيم القاعدة منذ عام 1996، وقد يستغرق ثلاث سنوات، فالأمر يعتمد على من يحارب الإرهاب، سواء كان نظام الأسد ونظام المرشد في إيران أم كانت تركيا مع السعودية والأردن!
انطلقت عاصفة الجنوب في سوريا، وانطلقت مقابلها عاصفة همجية إعلامية وسياسية مضادة لها، محاولة إيقافها وبث الفتنة بين الفصائل المشاركة في العملية، وإحباط العزائم والتشكيك بالنوايا والمقاصد، لمنع الجيش الحر من التقدم والسيطرة على مدينة درعا مهد الثورة السورية والطريق الأقصر إلى القصر الجمهوري.
وفي هذا المقال سنلقي الضوء على ما لها وما عليها.
1. تعتبر عاصفة الجنوب عملية تحول في مسار العمليات القتالية من الأرياف والقرى وأطراف المدن إلى قلب المدن، بشكل مكمل لمعركة الفتح التي كان من أهم نتائجها تحرير مدينة إدلب بشكل كامل من سيطرة قوات الأسد.
2. تحرير درعا سيمكن المعارضة السورية من تأمين حدود سوريا مع الأردن، و كسب حليف إقليمي متذبذب _الأردن - بات يشد الخطى نحو تأمين منطقة عازلة، في الجنوب السوري، لحماية حدوده من خطر تقدم تنظيم الدولة أولا، وتخفيف أعباء اللاجئين السوريين الذين باتوا يشكلون نحو ربع سكان الأردن- وما ترتب على ذلك من أزمات اقتصادية، وضغوطات اجتماعية و ما أنذره من تغيرات ديموغرافية مقلقة باتت تعتبر إشكالية حقيقة في الشارع الأردني- و اليوم بات حلها ضرورة أمن قومي للأردن، ولم تعد مجرد أزمة عابرة و خصوصا مع اتساع وتيرة التفجيرات التي تبناها تنظيم الدولة حديثا في عدة دول عربية و أجنبية.
3. عاصفة الجنوب جاءت بدعم و تنسيق مع غرفة العمليات الدولية المشتركة، والتي ترأسها الولايات المتحدة الأميركية بالتعاون مع الدول التي توصف بصديقة الشعب السوري "غرفة الموك" وبالتالي فهي مطلب دولي قبل أن تكون مطلبا للمعارضة السورية المسلحة.
4. فشلت غرفة الموك، لأنها حاولت تهميش دور الفصائل الإسلامية المقاتلة، وأهمها جيش الفتح، في تحقيق ما تصبو إليه من غربلة داخل المقاومة الشعبية المسلحة، و ذلك عبر استمالة ودعم الفصائل والكتائب التي تقييمها معتدلة، خلافا لتلك التي تتهمها بأن لها مشاريع إسلامية مخالفة لمبادئ الثورة التي لم يؤمن أي من قيادات الموك و أعضائها يوما بأهدافها و مشروعيتها. ويعود فشل الموك في تحقيق أي انتصارات تذكر من خلال الاعتماد على بعض من فصائل الحر فقط دون باقي أطياف المقاومة الشعبية و يعلل سلوكهم بتعقيد بنية الصراع في سوريا عامة وفي المنطقة الحنوبية و الشمالية منهاخاصة، و خطأ في المقومات و المعطيات التي تم على أساسها تحديد الفصائل المشاركة في عملية عاصفة الجنوب، إضافة إلى الأخطاء التكتيكية على أرض المعركة، والتي يتضح من خلالها أن تخطيط و تنسيق العملية لم يعتمد الخبرات السورية، وإنما اعتمد على شخصيات لا تمتلك المعلومات الدقيقة لجغرافيا المنطقة وما فيها من مداخل ومخارج و هذا تحديدا ما تسبب في بطء تقدم قوات الحرالتي لم تستطع سد كافة منافذ إمداد نظام الأسد.
و أخيرا: إن تشكيل جيش الفتح غرفة عمليات منفصلة لمساندة العاصفة قد تركه الباب مفتوحا لكل من يرغب بالانضمام إلى صفوفه مما يشكل ثغرة ويسمح بالاختراق.
كما أن الحكومة الأردنية، كما هو واضح تهتم اليوم بتأمين حدودها مع سوريا، عبر تسليمها لقوات قادرة على إيقاف أي تمدد لقوات تنظيم الدولة، التي باتت تشكل رعبا للقيادات الأمنية الأردنية، و ما كان قرار تحييد الفصائل الإسلامية عن المشاركة في عاصفة الجنوب إلا إجراء احترازيا من قبل قوات الموك لمنع أي تقدم لقوات تنظيم الدولة على الحدود السورية الأردنية، و خصوصا بعد مبايعة أفراد من جبهة النصرة و الفصائل الإسلامية التابعة للمقاومة الشعبية تنظيم الدولة في أكثر من مناسبة. وعليه ربما وجدت تحييد أي فصيل إسلامي أكثر أمنا وسلامة لحدودها وأمنها القومي. إلا أننا و بعد مقاربة للواقع و نظرا لتشرذم الجهود بين غرفتي عمليات الأولى لعاصفة الجنوب و الثانية لجيش الفتح و ما جره من نتائج كارثية، نرى أن مصلحة الدولة العليا تتطلب أن تنحى التوجهات الإيديولوحية و الدينية جانيا و يسارعوا إلى التعاون بينهما و ذلك لاعتبارات أهمها:
أن غرفة عمليات عاصفة الجنوب تتلاقى في المصالح و الأهداف مع غرفة عمليات جيش الفتح والذي يعتبر قوة لا يستهان بها وأن هذا التناحر بدوره قد يؤدي إلى نتائج كارثية بحق الجبهتين و يسحب من فوقهما غطاء الحاضنة الشعبية التي بدأت تتململ و تشكك بالجهود و النوايا، كما يسبب شرخا كبيرا بين الحر والفصائل الإسلامية لن تحمد عقباه و سيكون المستفيد الأول بكل تأكيد تنظيم الدولة الذي يتقدم في الحسكة و الشمال السوري بكل بساطة.
الاعتبارالثاني نقول في حال تم تحرير درعا على أيدي الفصائل التي تعتبر دوليا أكثر اعتدالا فإن أمامها خيارين لا ثالث لهما إما أن تقع في مواجهة مع جيش الفتح و تأزيم الصراع في المنطقة، أو التعاون معه وإلغاء الفصائلية لصالح جيش موحد يكون النواة لجيش يمسك البلاد بعد تحريرها، و يضبط الأمن الحدودي الذي بات منفلتا بطريقة قد يصعب ضبطها دون قوات حفظ السلام، التي تحاول الإدارة الأميركية تجنب إنزالها على الأقل قبل استقرار نظام سياسي جديد في سوريا أي أننا بهذا نقارب بين المصالح الدولية والإقليمية، ومصالح المقاومة الشعبية دون أي تنازع أو تنازل.
الاعتبار الثالث أن مقاتلي عاصفة الجنوب سيكون أمامهم خوض معارك قادمة في قلب العاصمة دمشق فيما إذا تم لهم تحرير درعا بحيث يؤمن لمعركة دمشق فتح الحدود مع الأردن، وبالتالي تكون مصادر التمويل مفتوحة لمعركة نعتقد بأنها ستكون الأشرس والأعنف مع قوات الأسد، وبكل تأكيد لن يكون أمل الانتصار كبيراً، ونحن نتابع اليوم تقدما بطيئاً لفصائل الحر و هي تواجه جزءاً صغيراً من القوات الخاصة للأسد، و لكن إذا تم بعون الله توحد جيش الفتح مع فصائل الجنوب فإن هذا سيقود بالضرورة إلى أن تترافق هجماتهم مع تقدم مماثل لمقاتلي المقاومة الشعبية في القنيطرة و نقل العاصفة إلى قلب القصر الجمهوري.
الاعتبار الرابع الذي نأخذ به ما يطرح اليوم من إمكانية توفير منطقة عازلة على الحدود مع سوريا والمساعي السياسية الحثيثة لاستبعاد الأسد والضغوطات الأميركية للإبقاء على نظامه مقابل مشاركة المعارضة في العملية السياسية، وإعادة إنتاج نظام استبدادي جديد، يلبي المصالح الدولية و الإقليمية ويضغط لأن يكون خط المواجهة الأول مع تنظيم الدولة،على الأراضي السورية.
وفيما إذا لم تتوحد أيادي المعارضة المسلحة على الأراضي السورية، لن يكون لأي قيادة سياسية القدرة على فرض إرادتها و رؤيتها وسيبقى إيقاف نزيف الدم السوري هدفا مستحيلا لأعوام قادمة كما هو حال العراق و مصر اليوم .
من المهم أن تدرك دول الجوار السوري اليوم، أن سياسية النأي بالنفس، وضبط النفس لم تعد مقبولة بل إن ما يحدث من صراعات على الأراضي السورية يهدد أمنها القومي بشكل مباشر وخصوصا أن المستفيد الأول من الخلافات في صفوف المقاومة الشعبية المسلحة لا يصب إلا في مصلحة تنظيم الدولة، باعتبار الأسد بات دمية من ورق، ولا يمكن أن يكون أملاً في أي استقرار أو هدوء على الحدود الساخنة.
و لن يحدث هذا الاستقرار ما لم يستتب الأمن في سوريا ويحصن بجيش سوري موحد ومنظم ويخضع لقرارات سلطة دستورية وطنية وشرعية مستقلة.
كتب عبد القادر سلفي: انتهى اجتماع مجلس الأمن القومي التركي، برئاسة أردوغان، حيث إن ثقل الاجتماع كان متركزا على المجريات الأخيرة على حدودها مع سوريا، وإنشاء المنطقة الآمنة في الداخل السوري. ومن خلال الاتصالات الدبلوماسية التي أجراها وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، فقد قدم لمجلس الأمن القومي آخر المستجدات السياسية.
رئيس الاستخبارات التركية، هاكان فيدان، الذي يتابع الملف السوري قدّم عرضا موسّعا عن التطورات الميدانية الأخيرة في سوريا. ومن المعلومات التي قدمها، مواقع المنظمات الإرهابية، والتهديدات المتوقعة وحركة النزوح المحتملة. كان واضحا أنه يعلم تضاريس الأرض السورية ككف راحته.
أما بالنسبة للجيش، فقد تم تأجيل فقرة أخذ قرار إنشاء المنطقة الآمنة بعد قمتين لمجلس الأمن القومي. وفي الحقيقة، إن التهديدات التي تمس الأمن القومي التركي، تجبرها على إقامة المنطقة الآمنة، وتقترب نحو إنشائها خطوة كل يوم.
قدّمت تركيا فكرة إنشاء منطقة عازلة في سوريا، وتباحثت في ذلك مع الولايات المتحدة الأمريكية، عندما بدأت حالات النزوح الجماعية، وتجاوزت مئات الآلاف وبدء التحالف الدولي بضرب مواقع تنظيم داعش. والمنطقة العازلة هذه كانت ستتم حمايتها عن طريق حظر الطيران فوقها.
والمنطقة العازلة تم تطبيقها في العراق بعد حرب الخليج الأولى. بعد تلك المنطقة العازلة لم تتشكّل أي موجة نزوح إلى تركيا إلا عندما ضرب صدام حسين حلبجة بالمواد الكيميائية. واليوم لا ندري لماذا لا تريد أمريكا إنشاء المنطقة العازلة في سوريا. بل بالعكس، ساهمت في نقل براثين الحرب إلى دول الجوار لسوريا وخاصة تركيا. وبعد فشل تركيا في إقناع حلفائها بتشكيل المنطقة العازلة في سوريا، فقد قرّرت أن تشكّل منطقة آمنة وحدها.
أعطى البرلمان التركي تفويضا للحكومة بالتدخّل العسكري في سوريا سابقا، إن اضطر إلى ذلك. لكن الجيش طلب توجيهات جديدة من الحكومة اليوم، وتجديد توجيهات الحكومة، بسبب دخول أنشطة تنظيم داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي على الميدان السوري. وعلى الفور، أصدر رئيس الوزراء، أحمد داود أوغلو، أمرا خطّيا وجّهه إلى الجيش التركي بضرورة تحرك الجيش لإنشاء المنطقة الآمنة في سوريا. وبعد أوامر الحكومة، فقد بدأت رئاسة الأركان التركية بإعادة الخطط المطروحة لإنشاء المنطقة الآمنة.
وفي الاجتماع الأخير لمجلس الأمن القومي، قدّمت رئاسة الأركان عرضا مفصّلا عن خطتها في إنشاء تلك المنطقة.
ونحن بانتظار دخول القوات التركية إلى سوريا، فقد خرج مجلس الأمن القومي التركي بتصريحات، طغت عليها لغة السكينة والهدوء. هذه الحركة الحكيمة من تركيا كانت بغاية العقلانية، فتركيا بلد كبير، وليست دولة على الهامش. ولا تتحرك بشكل عشوائي وفجائي. خاصة ونحن ندخل مرحلة نحتاج فيها إلى برود الأعصاب. وبرود الأعصاب التركية، كان نتيجة المتغيرات الداخلية السورية، حيث إن نظام الأسد أوقف غاراته على إدلب، ووجّه غاراته إلى اللاذقية، واللاذقية هي آخر ملجأ يلجأ إليه. كما أن الحزم التركي بالدخول في سوريا كان له تأثير مباشر على حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.
حدّد الجيش التركي مسافة توغّل دخول الجيش إلى داخل الأراضي السورية، في العرض الذي قدّمه لمجلس الأمن القومي. وخلال عرض الجيش، فإنه شرح لمجلس الأمن القومي، إمكانية توغل الجيش مسافة خمسة كيلومترات في الداخل السوري، وحدد أعداد المدرعات التي يحتاجها. وأضاف السيناريو نفسه وحدد عدد الجند والمدرعات في حال وجود نية في دخول الجيش بعمق 15 كيلومترا. وكل هذا جرى فوق خريطة تبرز تضاريس مناطق العملية للجيش التركي.
وحدات الجيش التركي التي ستتواجد ضمن المنطقة الآمنة، ستكون بموضع المراقب، وقوة نارية في الوقت نفسه. وفي حال تشكّل أي خطر على الجيش التركي في المنطقة الآمنة، فإن القوات الجوية التركية ستحمي تلك الوحدات على الأرض، بالإضافة إلى تدخل المدرعات التركية من البر.
المنطقة الآمنة ستتشكّل في منطقة جرابلس بطول 110 كيلو مترات، بين عين العرب (كوباني) وعفرين، حيث إن تلك المنطقة بيد تنظيم داعش. ويخطط الجيش التركي بالتوغل بعمق 15 كيلومترا حاليا فقط من أصل 33 كيلومترا.
في اجتماع مجلس الأمن القومي، أشار المجلس إلى "الخطوط الحمراء" التي لا يمكن لتركيا أن تتنازل عنها. واليوم هناك خطان أحمران بالنسبة لتركيا:
أولا: امتداد حزب الاتحاد الديمقراطي من عين العرب نحو جرابلس وعبوره إلى غرب نهر الفرات. في هذه الحال فإنه سيكون قد استولى على جرابلس ليبسط يده على المسافة الواقعة بين عين العرب وعفرين، وهذا يتيح له التمدد أكثر إلى أن يصل إلى ميناء اللاذقية في البحر الأبيض المتوسط.
ثانيا: قيام تنظيم داعش بمجازر كبيرة، ما يشكّل موجة نزوح أكبر إلى تركيا.
وقمت بإضافة خط أحمر ثالث من خلال ملاحظاتي الشخصية، وهي أنه في حال سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على جرابلس، فإن خط التجارة التركية سيتوقف داخل سوريا، ومنها سيتوقف خط التجارة التركية في الشرق الأوسط. ورغم الحرب المستمرة في سوريا، فإن تركيا تمتلك بوابتين حدوديتين فعالتين إلى اليوم.
تسعى تركيا إلى عدم سقوط المنطقة الواقعة بين عين العرب وعفرين بيد حزب الاتحاد الديمقراطي، لأن نظام الأسد وتنظيم داعش ومعهما حزب الاتحاد الديمقراطي، يقومون بتحركات خطيرة، لا سيما بعد اكتشاف الاستخبارات التركية اللقاء السري الذي جمع بين قادة النظام السوري وتنظيم داعش في الحسكة.
انتهى اجتماع الأمن القومي، وبحثت فيه خطة تحرك الجيش، وأُبرزت الخطوط الحمراء لتركيا. ودخلت تركيا بمرحلة التحضيرات الديبلوماسية والعسكرية، وانتقل الأمر الآن إلى وحدات الجيش التركي، الذي سيحدد من هي الجهة التي تهدد أمن تركيا. ولا شك أن هذه المرحلة ستكون مرحلة صعبة.
وإذا ما عدنا للسؤال الأول، هل ستدخل تركيا حربا مع سوريا؟ لا لن تدخل تركيا أي حرب ما لم يُهدَّد أمنها. وهذا أمر قطعي.
اعترض نقاد كثر على مسلسلات البيئة الشامية التلفزيونية من نواحي تنافر أحداثها مع الوقائع التاريخية ووقوعها في النمطية في تصوير سلوك أبناء الشام المقتصر على بعض المواقف الرجولية والعنترية وخضوع النساء التام لأوامر الذكور ونواهيهم.
وقدّم مؤرخون وباحثون سوريون ما ينقض تماماً ما تعرضه تلك المسلسلات في مقالات تتحدث عن التطور الاجتماعي في دمشق ومحيطها، حيث كانت الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية مختلفة أشد الاختلاف عما تصوره المسلسلات عن حارات مغلقة وعادات منقرضة وأنماط تفكير متخلفة.
تركزت الانتقادات على مسلسل «باب الحارة» الذي يعرض في رمضان الحالي موسمه السابع، ذلك أن الأخطاء فيه بلغت حد الفضيحة والمهزلة. المفروض أن المسلسل يغطي أحداث ثورة الغوطة التي امتدت من منتصف عشرينات القرن الماضي إلى أوائل ثلاثيناته، فإذا به «يبقى ويتمدد»، فيعود أموات وتكبر أجيال وتدخل «المكونات الوطنية» في فترة زمنية يفترض أنها لا تتجاوز العقد الواحد من الزمن في أفضل الأحوال. هذا ناهيك عن التجاهل التام لكل البيئة الشامية الواقعية التي كانت قائمة في تلك الفترة، حيث ظهرت الجامعات وخريجوها كمؤثرين في الحياة العامة وغيرت وسائل النقل الحديثة من طبيعة الاقتصاد والعلاقات بين المراكز المدنية والأرياف، وبرز خطاب وطني –إذا صح التعبير- عند السياسيين السوريين لا علاقة له بالنخوة والقسم بالشوارب والضرب على الصدر... لا شيء من ذلك في هذا المسلسل وما يشبهه.
لا يعنينا هنا نقد مسلسلات البيئة الشامية فنياً، بل ملاحظة أن الأكثرية العظمى منها تحيل إلى زمن جمد فجأة وراح يعيد نفسه. قيمه وأخلاقه وعلاقات الناس فيه تبقى على حالها ولا تتغير. شخصياته تعبر عن أفكار ثابتة وليس عن أفراد لهم حيواتهم الخاصة. العدو فيه واضح والصديق بديهي والمخادع معروف منذ ظهوره الأول.
يحيل جمود الزمن هذا إلى «سورية الأسد» وركودها، حيث يظل الخير خيراً تُعرفه وتحدد صفاته السلطة الأبوية التي لا يمكن التشكيك في مصدر تسلطها ولا في سببه، والشر شرّاً يمثله رقيب أبله يعمل في خدمة «الشر المطلق»، الأجنبي، في مخفر تافه.
لكن، وعلى غرار كل ركود، يغيب عن بال القائمين على هذا العمل والأعمال التي اتخذته نبراساً ودليلاً، أن الركود لا يحيط سوى بالسطح وان التفاعلات العميقة تظل نشيطة وإن لم يلاحظها كليل البصيرة والبصر. يذكر ذلك بـ «زمن الركود» الذي عاشه الاتحاد السوفياتي في عهد زعيمه ليونيد بريجنيف ومهّد لمرحلة البريسترويكا ثم للانهيار الشامل لمنظومة سياسية وأيديولوجية وعسكرية بدت للحظة أنها لا تُقهر، في حين كانت عوامل الضعف والتفكك قد نخرت الأسس التي تقف عليها. الأمر ذاته في سورية، ففيما كانت تقدم هذه المسلسلات زمناً راكداً تؤكد كل أحداثه منعة «أهل الحارة» وقيمهم وعصيانهم على كل غريب، اندلعت الثورة السورية التي فككت كل عناصر السيطرة والسطوة لسلطة عاتية دموية على نحو لم يعد معه معروفاً كيف ستتم في المستقبل إعادة تركيب الدولة السورية.
ذلك الزمن الراكد في «البيئة الشامية» الذي لا يُعرف متى بدأ ومتى سينتهي، ليس في واقع الأمر غير أمنية سلطة لا مشروع لها إلا بقاؤها وخلودها على رقاب أبناء الحارة الطيبين الذين انسلخوا من العصر وغاصوا في شجارات مملة منتظرين ما تطبخه لهم نساء يزداد مع الوقت تورم خدودهن جراء عمليات وحقن تجميل رخيصة.
بعد ثلاثة أسابيع على بدء الانتفاضة السورية، في نيسان (ابريل) 2011، أسرّ رئيس الأركان السوري السابق حكمت الشهابي لصديقه الزعيم السياسي اللبناني وليد جنبلاط خشيته من أن سورية ذاهبة إلى حرب أهلية، ومن أن بشار الأسد، في تقديره، «يريد التقسيم». ثم عاد فأكد لجنبلاط في 2012 أن سورية «متجهة إلى ما يشبه الصومال». وقبيل وفاة الشهابي (آذار/ مارس 2013) قال لجنبلاط الذي اتصل به في لوس انجليس «تذكّر كلامي، يريدون التقسيم، سورية التي نعرفها لن تعود». وبعد الوفاة نُشر أن الشهابي قال لقريبين منه قبيل مغادرته سورية نهائياً أن بشار وماهر الأسد «أولاد ذاهبون في المعركة إلى النهاية، لن يصلحوا ولن يسلموا السلطة ولن يتركوا الشام إلا وهي أنقاض... أولاد ذاهبون إلى التقسيم، ولكن ليس قبل أن يحرقوا البلد بما عليها وبمَن عليها».
ويروي ديبلوماسي عربي، نقلاً عن وزيره الذي التقى مسؤولاً روسياً رفيع المستوى، أن الروس نقلوا كلاماً من الأسد إلى وزير الخارجية الإسرائيلي السابق افيغدور ليبرمان يدعو فيها إلى تأييد «دولة الساحل» كونها «لن تكون معادية لإسرائيل»، وردّ ليبرمان مطالباً بتسليم رفات نحو ثلاثين جندياً إسرائيلياً قتلوا خلال اجتياح لبنان في العاشر من حزيران (يونيو) 1982 في معركة السلطان يعقوب (البقاع الغربي)، وعندما عاد الديبلوماسي الروسي بردٍّ إيجابي من الأسد طرح ليبرمان مطلباً آخر وهو رفات جاسوس الموساد الياهو كوهين الذي أُعدم شنقاً في ساحة المرجة في دمشق عام 1965. وفيما كان جوهر «الرسالة» (دولة الساحل) واضحاً لم يؤكد المصدر ما إذا كان الأسد لبّى المطالب، لكن الواقعة تظهر أن موضوع «دولة الساحل» متداول بين الأسد والروس، وبطبيعة الحال مع الإيرانيين. المتداول أيضاً أن سيناريوات لهذه «الدولة» تضعها في إطار تطبيع أميركي - إيراني - إسرائيلي متوقع نظرياً ويعتبره كثيرون نتيجة موضوعية إذا كانت إيران تتطلّع إلى اعتراف بدورها ونفوذها الإقليميين.
ليس الحديث عن التقسيم ترويجاً له، بل تحذيراً منه، ولمقاومته لا بدّ من وعيه وإدراك أنه يكمن حالياً في خلفية الاتصالات الدولية والإقليمية التي تواصل الثرثرة عن «حل سياسي» بذل أصحابه كل شيء لإحباطه وأهدروا الوقت في تقويض مقوّماته حتى بات غير ممكنٍ بل مستحيلاً. في الأساس كان هناك حلّان، أولهما إسقاط النظام عسكرياً وهو بدا ممكناً منتصف 2012 لكن القوى الخارجية خذلت «الجيش الحر» وفرملت اندفاعه، والآخر انتصار النظام وإسقاط الشعب وقد جرّبه الإيرانيون وميليشياتهم واضطرّوا للاعتراف بحدوده فراحوا يرسمون تلك الحدود ويدافعون عنها. في غضون ذلك طُرحت فرصة الحل السياسي الذي يفترض تسوية بين الطرفين، طالما أنهما عجزا عن الحسم، لكن إيران عارضتها لأنها ليست جزءاً منها فأوعزت إلى الأسد بإفشالها وعدم الانخراط فيها، ولم تبدُ روسيا متحمسة لذلك الحل بل اعتبرت مفاوضات جنيف مجرد مناورة ضرورية للتخلص مما التزمته في إطار صفقة حماية الأسد من العقاب على استخدامه السلاح الكيماوي.
منذ ذلك الوقت، لم يعد الحل السياسي مطروحاً سواء بسبب القطيعة الاوكرانية بين أميركا وروسيا أو حتى قبل ذلك في 2013 لم يعد واقعياً لأن النظام والإيرانيين تصلّبوا في السعي إلى حسم عسكري، وأيضاً لأن ظروف المعارضة تغيّرت، فالفصائل تشرذمت في مناطق سيطرتها وتداخلت فيها التيارات الجهادية و «القاعدية»، واخترقها النظامان السوري والإيراني بتنظيم «داعش» مستقدمَين الإرهابيين والتكفيريين لإثبات أنهما يحاربانهم. وإزاء وضع كهذا وجدت إدارة باراك اوباما ذرائع كافية لاتباع السلبية وتعميمها على دول غربية أخرى، بل حتى لترويج اقتناع ضمني بأنه بين أطراف سيئة جميعاً قد يكون النظام الأقلّ سوءاً لمجرد أنه، وفقاً لموسكو، لا يزال «ممسكاً بالدولة والمؤسسات». وعندما خرق الأميركيون القطيعة أخيراً لمعاودة التشاور مع الروس بشأن سورية، وجد الطرفان أن دوافع حمايتهما المباشرة وغير المباشرة لنظام الأسد لم تعد مجدية ولا مفيدة، فهو يتهاوى من تلقائه. وليس واضحاً ما إذا كانا دخلا في مصارحات ثلاث: أولاً بشأن الأوهام التي سوّقاها سابقاً، طالما أن الجيش والدولة والمؤسسات لم تعد في حال يمكن الاعتماد عليها، وثانياً حول تكاذبهما في صيغتي الحل المتناقضتين وفقاً لـ «بيان جنيف»: بوجود الأسد وبقيادته (روسيا) أو من دون الأسد (أميركا)، وثالثاً بالنسبة إلى عدم توافقهما، حالت دون ارتسام إرادة دولية حقيقية لدفع الأزمة إلى حل انتقالي.
لعل الأسوأ أن روسيا وأميركا لم تعطيا مؤشرات إلى مراجعات منفردة أو مشتركة للسياسات والخيارات، بل تبديان ميلاً إلى ترك الأوضاع تزداد تعفّناً ريثما يُنجز الاتفاق النووي لاستكشاف إمكانات اختراق الأزمة عبر الأوراق الإيرانية. لكن إيران ستبرز الخريطة لاستدراجهما إلى الأمر الواقع، فـ «الجيش» و «الدولة» و «المؤسسات» موجودة بالنسبة إليها حيث يوجد النظام وحيث ينشط «خبراؤها» فيما يقوم «حزب الله» والميليشيات المستوردة بالدفاع عن «سورية الحيوية» هذه في القلمون غرباً كما في الجنوب والشمال. ولا شك في أن روسيا وإيران شريكتان متضامنتان في هذا الأمر الواقع، الذي لن تجد أميركا خياراً آخر غير التعامل معه.
وفيما يبدو اليوم أن حلفاء النظام لم يستبعدوا ورقة التقسيم ولم يُسقطوها، حتى وهم يدعمونه ليتمكن من حسم الصراع عسكرياً، يتبين أن داعمي المعارضة ظلّوا طويلاً من دون استراتيجية واضحة أو تأخروا في بلورتها. لذلك أعلن رجب طيب اردوغان أخيراً أن تركيا «لن تسمح إطلاقاً ببناء دولة في حدودنا الجنوبية (شمال سورية) مهما كان الثمن، ولن تتغاضى عن عملية تغيير التركيبة السكانية في المنطقة». لكن التطوّرات الميدانية لا تنفكّ تتجاوز تركيا، فهي ليست مسيطرة على ورقة «داعش» كما يقال عنها، كما أن غموض النيات الأميركية يربك تطوير تدخلها في سورية. أما الائتلاف السوري المعارض فأكّد حصول «تجاوزات» على أيدي «وحدات حماية الشعب» الكردية في تل أبيض والقرى المجاورة لها، إذ أقدمت على إجبار السكان العرب والتركمان على النزوح نحو الأراضي التركية، ولم تسمح بالعودة إلا للأكراد. وكانت واشنطن صرّحت بأن التهجير القسري «إذا صحّ، فهو غير مقبول»، ورغم تأكيده لاحقاً من جانب الأتراك والمعارضة السورية، إلا أن الأميركيين لم يقولوا أنهم سيمنعونه. ذاك أن «الأولوية» الأميركية، إن صحّت، هي الآن لمَن يساهم في «الحرب على داعش»، وما دامت «الوحدات» مستعدة للمهمة فإنها تريد «مكافأتها» بأن يُجاز لها بإقامة «دولة» أو «كيان» كردي، وتأكيداً لذلك لم تكتف عناصر «الوحدات» بالتهجير بل دعّمته بنهب البيوت والممتلكات، محواً لأي أثر للسكان.
لم يهتم المسؤولون عن «الوحدات» بنفي الاتهامات، والأهمّ أنهم لم يسمحوا للناس بالعودة إلى قراهم ومنازلهم. وعندما يحدّد صالح مسلم رئيس «الحزب الاتحاد الديموقراطي» (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله اوجلان) «اللامركزية» كهدف لحزبه في سورية ما بعد نظام بشار الأسد، فإنه يراوغ لأن مقاتليه يذهبون أبعد من ذلك على الأرض. فما حدث هو عملية اقتلاع سكان من منطقة غير كردية. وما أظهره الاستهداف الطائفي والعرقي للمهجّرين أثبت أن الحزب الاوجلاني السوري أراد كشف عدائه لتركيا، وأنه جيّر ذلك التهجير لمصلحة العلاقة التي لم تنقطع بينه وبين النظام السوري وحليفه الإيراني. ومنذ معارك حلب عام 2012 وما تلاها في المحافظات المجاورة اتخذ حزب صالح مسلم موقفاً مناكفاً للمعارضة، ثم اعتمد على دعم دمشق وطهران للشروع في بلورة «استقلالية» المناطق الكردية، لا لأن الأسديين أو الإيرانيين محبذون أصلاً لـ «دولة كردية» وإنما لأن مشروعاً كهذا يضرب طموح المعارضة بإبقاء سورية موحدة ويهدّد تركيا في عمقها، وبالأخصّ لأنه يقدّم مساهمة مهمّة في عملية تفكيك سورية. فإذا افتتح الأكراد عمليات الانفصال فإنهم يعطون مبرراً وحتى «مشروعية» لـ «الدولة العلوية» أو «دولة الساحل».
يبدو أن تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن بلاده لن تسمح بدويلة كردية، لم يأت من سراب وليس مجرد موقف في الهواء، وبدأت ترجمته بحشد عسكري كبير على الحدود التركية - السورية، والحديث في الصحف التركية عن تدخل عسكري بنحو 18 ألف عنصر مدعومين بالأليات الثقيلة.
الخوف التركي بدأ منذ طرد تنظيم "الدولة الاسلامية" من تل أبيض في محافظة الرقة، وبدأ الحديث عن تهجير للأهالي تقوم به و"حدات حماية الشعب الكردية"، ما عزز المخطط المروج له تقسيم سوريا واقامة دولة كردية، فما صحة السيناريو الذي ستتضح معالمه مساء اليوم بعد اجتماع الامن القومي التركي وما تبعاته على الأزمة السورية والمنطقة؟
يؤكد الباحث التركي المقرب من "حزب العدالة والتنمية" محمد زاهد غول لـ"النهار" صحة الخطة، ويوضح: "منذ عشرة أيام تداول اجتماع مجلس الأمن القومي التركي بمسألة هذه الخطة، وبدأ حشد قوة عسكرية كبيرة عند الحدود التركية - السورية، وتحدثت الصحف عن ذلك، ما يؤكد حقيقة الخطة العسكرية التي تنوي تركيا القيام بها، ومساء اليوم سيجتمع مرة ثانية مجلس الامن القومي التركي وربما يتحدث عن تنفيذ الخطة".
خطة دفاعية
هذا التحرك يؤكد أن تركيا بدأت تنظر إلى الأزمة السورية من منظور مختلف عن السابق، إذا كانت كل السيناريوات تصب في مصلحة المعارضة السورية، فيما اليوم يبدو أن الهدف المروج له هو "ضرب سياسة التقسيم في سوريا"، ويشدد غول على أن "تدخل تركيا، إن حصل، فهو ليس لمصلحة فريق سوري ولن تكون تركيا كطرف في المسألة السورية بقدر ما انها ستتدخل من أجل أمنها القومي التركي، ومن أجل جزئية بسيطة لمنع التقسيم في سوريا، خصوصا في ظل ما يحكي عنه في الدول الغربية وأميركا عن مخطط لدولة كردية ،وكأن الامر أصبح يقترب من تحقيقه على الأرض ولم يبق من تنفيذه سوى القليل". ويضيف: "مساحة تل أبيض أكبر من لبنان وتم تسليمها من داعش إلى وحدات الجيش الكردي من دون قتال، وهناك قرى كثيرة تُرفع فيها أعلام الـ PYD، وهذا يدل على أن هناك مؤامرة، المستهدف الاول والاخير فيها سوريا وتبدأ بالتقسيم".
دخول لأشهر من أي طلقة
يؤكد غول "وجود حشود تركية على الحدود ويتواصل وصول الآليات الثقيلة، وهذا يعطي مصداقة للمخطط"، لكن غول على اقتناعات أن دولته "لا تريد اطلاق أي طلقة نارية داخل الاراضي السورية وأنها ستنسق مع قوى دولية قبل أن تقوم بأي عمل ولن تتدخل من أجل اسقاط النظام ولا دعم المعارضة السورية ولا قتال داعش ولا الاكراد، بل هي ربما ستدخل لفترة محدودة من الزمن، قد تطول لأشهر، من اجل منع مشروع سياسي يتم وضع لمساته الاخيرة ووقف مشروع الكانتونات التركية وبعدها تعود القوات إلى أراضيها، تماماً كما حصل في عملية نقل ضريح سليمان الشاه".
تنسيق مع "الناتو"
احتمال تنفيذ الخطة قوي جداً "وربما في حال حصل قد يدفع إلى تنسيق بين تركيا وروسيا أو ايران ربما أيضاً بطريقة غير مباشرة مع النظام في سوريا"، يحب غول الذي يشدد على أن "تركيا سترد على أي طرف يقرر مقاتلتها"، مستبعدا أن "يقدم النظام على قصف القوت التركية ولكن في حال حصل ذلك سترد عليه".
ماذا عن وجودها ضمن حلف الناتو؟ يجيب غول: "أظن أن هناك تنسيقاً مع حلف الناتو في شكل واضح وتركيا لن تتصرف بمعزل الموقف الدولي ولا حلف الناتو ولا الدول الاقليمية التي ستقدم لها ولحلفاء النظام التطمينات بان تركيا ستدخل من أجل مصلحة أمنها القومي، وخطتها دفاعية وليس هجومية".
الجميع ينتظر قرارات مجلس الأمن القومي، فدخول الاراضي السورية لم يعد هاجساً بالنسبة إلى تركيا، خصوصاً إذا كانت مستعدة لثمن تدخلها، فسبق أن وصلت إلى منبج بنحو 40 دبابة و50 مدرعة و750 عنصراً تركياً لرفع رفات "سيلمان شاه" وعادت من دون أي ضربة كف من أي طرف.
أقليات تركية
من جهته يشير المحلل العسكري واللواء المتقاعد الأردني فايز الدويري إلى أن "تركيا لديها أقليات بحجم مزعج جداً، سواء كانت أثنية كأكراد أو مذهبية كعلويين (هناك علويون أكراد) وألاقليات تشكل هاجساً قديماً في تركيا لأنها كبيرة"، معتبراً أن "الاكراد كأي عرق بشري يطمح إلى أن يكون لديه دولة، كالعرب الذين يطمحون بدولة موحدة، وسواء اختلفنا مع الأكراد أو اجتمعنا معهم حول التقسيم فهناك حلم كردي موجود والدول التي تتأثر من تحقيق هذا الحلم ا تتوجس فيه في أي لحظة". ويضيف: "هناك مخططات للوصول إلى كانتون كردي وبدأ ذلك مع الادارة الذاتية التي يقوم بها الاكراد، لهذا السبب كان هناك توجه تركي لمنع هذا المشروع حتى لو كلف ذلك استخدام القوة".
حرب برية أم منطقة بغطاء ناري
ويتوقف الدويري "عند ما روج له في وسائل الاعلام من خطة عسكرية باتت في حكم المؤكدة". ويقول: "برزت خطة بانشاء شريط حدودي بطول 110 كيلومترات وعمق 35 وكي يتم تأمينه يحتاج إلى 18 الف عنصر من الجيش التركي"، ويتوقف عند تساؤلين:
الأول: "هل تستطيع تركيا القيام بهذا العمل منفردة، من دون قوة دولية فاعلة وضوء أخضر من الخارج؟ أعتقد لا، إذ لا بد من تنسيق مع أميركي حول الدور التركي".
الثاني: "هل ستدخل تركيا بمفهوم الحرب البرية أو ستفرض منطقة آمنة جوياً وتجمع قواتها التركية في مناطق معينة لتعزيز هذه المنطقة؟".
ويوضح: "هناك فرق بين الاثنين، بين الدخول بقوات عسكرية وخوض المعارك على الارض، والسيطرة على منطقة معينة انشاء الحزام الأمني وبين تحقيق الهدف نفسه من خلال الضربات الجوية والنيران بعيدة المدى وتكون بذلك القوات الارضية مستعدة لتحقيق أي أمر لا تستطيع العوامل الاخرى تحقيقه.... وهذا ما أتوقعه".
بين ضرب العروبة ومساعدة المعارضة
يمكن قراءة التدخل من منظورين، الأول أن سوريا أرض عربية وأي تدخل تركي سيكون انتهاكاً للاراضي العربية، الثاني أن هذا التدخل سيكون ايجابياً في منع التقسيم وتأمين منطقة آمنة للمعارضة السورية. ويقول الدويري: "من المنظور العروبي سيكون التدخل اختراقاً لأرض عربية وانها باتت مستباحة، ومن منظور آخر ايجابي، قد يشكل التدخل منطقة آمنة لقوات المعارضة المسلحة وقد تستطيع حينها قوات "الجيش الحر" التنقل فيها براحة وربما تدخل قيادات الائتلاف السوري وتكون ايجابية لمصلحة الثورة، فضلا ًعن ايجابيتها على المدى البعيد لمنع تقسيم سوريا الى كانتونات ،لأن منع الكانتون الكردي قد يكون سابقة لمنع تشكيل كانتون درزي واخر علوي"، لكن الدويري يسأل: "هل حسبت تركيا الاخطار والكلفة؟".
أما في شأن امكانية التصادم مع النظام فيشدد الدويري على أن "لم يعد هناك أي حساب للنظام ويجب اسقاطه من حساباتنا، فهو ليس شاطراً إلا على الشعب السوري، وبات مطية لكل العالم، ومناطقه خاضعة لايران وحزب الله والميليشيات العراقية، وبات النظام "مختار" حي المهجرين"
سقط يوم الخميس الماضي طالب جامعي أردني شهيداً، في مدينة الرمثا المحاذية للحدود الشمالية مع سورية، بعد أن سقطت قذائف على سوق المدينة، وأدت إلى جرح عدد من الأشخاص أيضاً.
كانت المشاهد المحدودة المتوفرة للحظات سقوط القذائف، وما أحدثته من فوضى ودمار ودماء، صادمة للأردنيين الذين كانوا يشعرون بأنّهم بعيدون تماماً عمّا يجري في الجوار، ليشعروا، مباشرةً، بحرارة الجغرافيا المحيطة وبخطورتها. وتنتاب الحيرة الرأي العام فيما إذا كان سيدعم أي خطوات للردع أو درء الخطر خارجياً، كما يدعو بعضهم، أو إذا كان سيكتفي بالدعوات بأن تبقى المخاطر محدودة، ويلتزم الأردن بضبط النفس وعدم الانجرار إلى مواجهة كارثية في الجوار.
وجاء المشهد المؤثّر لجنازة الشهيد في مدينة الرمثا، اليوم التالي، بحضور آلاف المواطنين، بعد جدل كبير في الأوساط السياسية والإعلامية حول موقف الأردن مما يحدث من فوضى إقليمية في المنطقة، وهو جدل تفجّر بعد مقالٍ جريء لأحد الكتّاب في صحيفة شبه حكومية بعنوان مثير (مملكة عربية عاصمتها عمّان)، يُحاجّ فيه بأنّه ليس أمام الأردن إلّا خياران؛ التمدد أو التقسيم، ويسند هذا التحليل على فرضية انتهاء الدور الوظيفي الإقليمي (التاريخي) للأردن، فإمّا أن يضم أجزاء من العراق (الأنبار) وسورية (درعا)، والضفة الغربية، أو العكس تماماً، مع تلميح إلى أنّ المسار الثاني (التفكيك) قد يكون إذا ما وقف الأردن في وجه هذا السيناريو، الذي من المتوقع أن تتبناه دوائر غربية!
"كيف ستبحر السفينة الأردنية بأمان، وسط هذا البحر المتلاطم بالفوضى والدماء والدمار، وفي مناخات ضبابية غير واضحة؟"
ما أعطى هذا الجدل زخماً داخلياً كبيراً، وفجّر التكهنات والتساؤلات، تصريحات للملك (خلال تلك الفترة) خلال لقائه مع عشائر البادية الشمالية عن ضرورة دعم الأردن وإسناده عشائر سنية في العراق وسورية، ما فُهم منه، أيضاً، بالتلميح لاحتمالية تورط الأردن في الأحداث الجارية خارج الحدود. وتزامن ذلك كله مع رفع الراية الهاشمية في احتفال كبير للجيش، وتصريحات لرئيس هيئة الأركان يتحدث فيها، ضمنياً، عن التحول من مفهوم الدفاع إلى الردع، لمواجهة الأخطار الإقليمية المحدقة، متوعداً من يفكّر المساس بأمن الأردن بردٍّ قاسٍ.
استمرّ الجدل أياماً، قبل أن يتدخل وزير الدولة لشؤون الإعلام، نافياً أي توجه أردني للتمدد، والطريف أنّ الحكومة احتاجت هذه المدة الطويلة إزاء حوار ساخن احتل المناخ السياسي في البلاد، ما يعني أنّها احتاجت معلومات من جهاتٍ سيادية أخرى، لكي تطمئن لعدم وجود مثل هذا التوجّه المعلن، والإذن بمثل هذا التصريح.
المفارقة أنّ حادثة الرمثا أثبتت، بعد أيّام قليلة على هذه النقاشات والتطورات، أنّ الظروف الإقليمية معقّدة وصعبة، وأنّ سيناريو التمدد وهم كبير، وغير مطروح واقعياً، حتى لو تبنّته بعض دوائر القرار، أو مراكز تفكير غربية، ذلك أنّه يتطلب شرطين رئيسين. الأول، توفر قبول ورضا عام من الأقاليم المقترحة لهذا الضم. والثاني، قابلية الأردن اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً لمثل هذا الدور، وهذا أيضاً غير متوفر بأيّ حالٍ.
انفجرت التساؤلات الداخلية عن خيارات الأردن في التعامل مع بيئة محيطة، بدأت نيرانها تقترب من الحدود، فيما لو زادت مثل هذه الفوضى، وارتفعت وتيرة تأثيرها على الأردن، خصوصاً مع اندلاع (عاصفة الجنوب) التي تخوضها فصائل المقاومة لتحرير مدينة درعا بالكامل من جيش النظام، وفيما إذا أراد النظام السوري أن يذيق الأردن من (كأس السمّ) الذي يتهم إعلامه الأردن بـ "إعداده"، عبر غرفة عمليات مشتركة في مدينة المفرق، تقف وراء صعود "الجبهة الجنوبية" الموالية لعمّان والرياض في مواجهة النظام السوري.
إلى الآن، ما يزال الرهان المعلن لمطبخ القرار واضحاً؛ فسيستمر الأردن في دعم الجبهة الجنوبية التي باتت تسيطر على مناطق واسعة من الجنوب السوري، لكنّ هذا على المدى القصير، أمّا المدى البعيد إذا شهد مزيداً من التدهور السياسي والأمني، وتبدّت التقسيمات الطائفية، فإنّ خيار التعامل مع الجنوب السوري، وربما الشرقي أيضاً، سيحتاج إلى تصوّر استراتيجي آخر، فلا استقرار مع غياب أي دولة على الحدود، ومع تبدل وتغيّر موازين القوى الدائم بين الفصائل السورية، ما يجعل الأخطار الأمنية والهجرة مطروحة بقوة ومقلقة.
وعلى الحدود الشرقية، تبدو المسائل أكثر تعقيداً، فمشروع تسليح العشائر في مواجهة داعش يعاني من صعوبة وبطء كبير، بسبب الخلافات بين الحكومة العراقية والقوى السنية، ما أتاح لتنظيم داعش، أخيراً، السيطرة على الرمادي والتمدد في المناطق المحاذية للأردن، فإذا ما ارتفعت وتيرة الفوضى في هذه المناطق، وامتدت إلى الأراضي الأردنية، ما هي الخيارات المتاحة؟
مع بداية الحرب على الإرهاب، كان شعار مطبخ القرار "إنها حربنا" ومشاركة الأردن الرمزية في الحملة الجوية موضع جدل داخلي كبير، طالما أنّ الحديث عن مناطق بعيدة، الموصل والرقة، فلماذا الزجّ بالأردن في "حرب وكالة" دولية وإقليمية، إلاّ أنّ المعادلات على الأرض اختلفت تماماً اليوم، فالأردن لم يعد معنياً بتبرير مشاركة محدودة في حرب جوية، بل هو معنيّ بمراقبة شديدة ومتابعة يومية لتطورات الأزمتين، السورية والعراقية، ولحدود لم تعدّ آمنة بالجوار، ولحركات دينية صاعدة تحمل خصومة مع المملكة، ولتيار راديكالي ينمو في الداخل، ولعلاقات ضبابية مع كل من إيران والسعودية والحكومة العراقية.
كيف ستبحر السفينة الأردنية بأمان، وسط هذا البحر المتلاطم بالفوضى والدماء والدمار، وفي مناخات ضبابية غير واضحة؟ هذه التساؤلات لم تنفجر مع قذيفة الرمثا، بل ارتفعت وتيرتها، وأصبحت مقلقة بدرجة أكبر بكثير للأردنيين بانتظار القادم.
شهدت الذكرى الأولى لإعلان خلافة "الدولة الإسلامية" هجمات منسقة مفتوحة في الزمان والمكان طالت الكويت وتونس وفرنسا، فضلا عن الهجمات التي قام بها التنظيم على جبهاته الحدودية في العراق وسوريا وخصوصا في مناطق السيطرة الكردية في الحسكة وكوباني، بالإضافة إلى هجماته التقليدية اليومية في ولاياته الخارجية وخصوصا اليمن وسيناء وليبيا وأفغانستان، وذلك استجابة لخطاب تنظيم الدولة الذي جاء على لسان الناطق باسم الخلافة أبي محمد العدناني، الذي دعا أتباع وأنصار "الدولة" إلى تكثيف العمليات والهجمات خلال شهر رمضان على أعداء التنظيم من الشيعة والصليبيين والمرتدين.
جاء الإعلان عن قيام دولة "الخلافة" في 29 حزيران/ يونيو 2014، عقب سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل في 10حزيران/ يونيو 2014، وذلك بعد أن تمكن التنظيم من خلق فضاء جيوسياسي جديد ممتد من الموصل في العراق إلى حلب في سوريا، في تحد غير مسبوق للمنظومة الدولية التي دشنتها اتفاقية "سايكس ــ بيكو"، وعلى الرغم من تشكيل تحالف دولي واسع بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على التنظيم وتنفيذ ضربات جوية يومية على معاقل التنظيم والاعتماد على قوات الجيش والشرطة العراقية ومليشيات الحشد الشعبي الشيعي المسند من إيران وقوات البيشمركة الكردية في العراق ومواجهة القوات العسكرية للنظام السوري وغيره من فصائل المعارضة السورية المسلحة ومن ضمنها قوات حزب الاتحاد الديمقراطي وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، إلا أن تنظيم الدولة الإسلامية تمكن من الصمود والتوسع وبرهن على قدرته على الاحتفاظ بمساحات جغرافية كبيرة مع وجود خسارات في بعض المناطق وخصوصا الجغرافية الواقعة تحت سيطرة المكونات الديمغرافية الكردية.
في سياق الاحتفال بمرور عام على إعلان خلافة الدولة الإسلامية ظهر الناطق باسم الخلافة أبو محمّد العدناني في كلمة صوتيّة بعنوان "يا قومنا أجيبوا داعي الله" نشرتها "مؤسسة الفرقان"، وهي إحدى الأذرع الإعلامية للتنظيم في 23 حزيران/ يونيو 2015، وقد جاءت الكلمة حافلة بالدلالات والمضامين، فضلا عن اللهجة الجديدة الهادئة للعدناني التي غايرت أسلوبه الحاد العنيف الغاضب مع احتفاظه بالعنف الخطابي اللفظي المعهود، وهو نهج خطابي يشير إلى تحول في بنية الخطاب العام من خطاب جماعة وتنظيم إلى خطاب دولة وخلافة، الأمر الذي يقتضي الاعتراف بحدوث خسائر وهزائم حينا ومكاسب وانتصارات أحيانا أخرى، إذ يقول: "يا جنود الدولة الإسلامية في كل مكان، اعلموا أن الله لم يعط عهداً للمجاهدين بالنصر في كل مرة، بل إن من سنّته أن جعل الأيام دولاً والحرب سجال"، وأضاف: "قد يخسر المجاهدون معركة أو معارك، وقد تدور عليهم الدوائر فيخسرون مدناً ومناطق، إلا أنهم لا يهزمون أبداً.. فإن خسرتم أرضاً فستستعيدونها إن شاء الله وزيادة"، وقد ركز العدناني في كلمته على شرعية دولة الخلافة وتمثيلها للسنة في العالم، حيث خصص مساحة واسعة للحديث عن العراق ووضع السنة وخطر التمدد الإيراني الشيعي وحذر بلدانا مخصوصة بنداء إلى: "أهل السنّة في الأردن ولبنان، وبلاد الحرمين"، وقال محذرا: "إن لم تتداركوا سنّة العراق والشام فأدركوا أنفسكم، لا يكن حالكم كحال من قال أكلت يوم أكل الثور الأبيض"، وأكد على ضرورة الانتفاضة ضد "حكامهم الطغاة"، ودعا الفصائل التي تقاتل الدولة في مناطق عديدة إلى الاعتبار والتوبة والالتحاق بركب الدولة الإسلامية، داعيا "الصحوات في الشام وليبيا إلى الكف عن قتال الدولة الإسلامية والرجوع إلى ربهم، كما دعا "المجاهدين في خراسان للالتحاق بركب الخلافة ونبذ الخلافات"، وأشار إلى تمدد الدولة في مناطق جديدة، حيث أعلن العدناني أن "الخليفة قبل بيعة أسود الدولة في القوقاز"، وعيّن "الشيخ الفاضل أبا محمد القَدَري والياً" هناك، كما شن حملة شعواء على أعداء الدولة من "الشيعة والصليبين والمرتدين"، حيث بدأ بــ"الرافضة" و"الطواغيت" و"حمير العلم"، وخصّ الرئيس الأمريكي وحملته العسكرية وحلفه بالقول: "بغل اليهود أوباما الفاشل وحزبه العاجز وحلفه الضعيف" وأشار إلى الحملة الجوية ونعتها بالفشل، وتندر بقوله: "لم نسمع عبر التاريخ من قبل عن نكسة تكتيكية، ولكننا نعدكم بنكسات ونكسات ومفاجآت إثر مفاجآت"، مؤكدا على أن "الدولة وجدت لتقاتل النصارى، واليهود والطواغيت".
حملت كلمة العدناني تهنئة للمسلمين بشهر رمضان الكريم، وتضمنت رسائل واضحة بتصعيد الهجمات خلال شهر رمضان باعتباره "شهر الجهاد والاستشهاد"، حيث دعا إلى تنفيذ هجمات على المسيحيين والشيعة والسنة الذين يقاتلون ضمن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وشدد على تحويل شهر الصيام إلى "شهر وبال على "الكافرين"، والشيعة "والمرتدين من المسلمين"، وقال: "أيها المسلمون في كل مكان نبارك لكم قدوم شهر رمضان المبارك فاغتنموه، وأفضل القربات لله هو الجهاد فسارعوا إليه، واحرصوا على الغزو في هذا الشهر الفضيل، والتعرض للشهادة فيه فهنيئا لمن أمضى رمضان غازيا في سبيل الله".
تزامنت كلمة العدناني مع إصدار شريط مصور بعنوان "وإن عدتم عدنا"، أصدره المكتب الإعلامي لولاية نينوى، يظهر عمليات إعدام جديدة واعترافات لــ (16) شخصا ممن وصفهم التنظيم بأنهم "جواسيس" يعملون مع الحكومة العراقية لرصد مناطقهم داخل الموصل، ويظهر التسجيل سلسلة من الاعترافات تليها عمليات إعدام بطرق مروعة، الأولى عن طريق وضع مجموعة من الأسرى داخل سيارة قبل نسفها بقذيفة "آر بي جي"، في حين تم وضع المجموعة الثانية داخل قفص حديدي ومن ثم إغراقهم داخل المياه، ثم قتل سبعة آخرين بلف متفجرات حول أعناقهم.
عقب دعوة العدناني بشن هجمات واسعة خلال شهر رمضان على الشيعة والمرتدين والصليبيين، جاءت الاستجابة سريعا في 26 حزيران/ يونيو 2015، عبر سلسلة من العمليات المنسقة تترجم طبيعة إيديولوجيا تنظيم الدولة واستراتيجيته، فقد استهدفت هجمات التنظيم ثلاثة أهداف تكشف عن بنيتها وأولوياتها، حيث شملت الهجمات كلا من فرنسا وتونس والكويت، ففي الكويت فجر انتحاري نفسه خلال صلاة الجمعة، في مسجد الإمام الصادق الذي يرتاده الشيعة بمنطقة الصوابر في مدينة الكويت، وأسفرت عن سقوط 27 قتيلا و227 جريحا، وقد تبنى تنظيم الدولة العملية في بيان باسم "ولاية نجد"، وهي فرع تنظيم الدولة الاسلامية في السعودية، قائلا إنه "في عملية نوعية.. انطلق أحد فرسان أهل السنة الغيارى وهو الأخ أبو سليمان الموحد ملتحفا حزام العز الناسف مستهدفا وكرا خبيثا ومعبدا للرافضة المشركين (حسينية الإمام الصادق) في حي الصابري بمنطقة الكويت".
وكان تنظيم الدولة الإسلامية قد شن هجمات عديدة على مساجد شيعية في اليمن والسعودية، ففي 17 حزيران/ يونيو 2015 تبنىت ولاية اليمن التابعة للدولة الاسلامية سلسلة من التفجيرات ضد مساجد للشيعة ومنزلا لأحد قادة الحوثيين في صنعاء ما أسفر عن مقتل 31 شخصا وإصابة العشرات، كما نفذ هجوما بعبوة ناسفة داخل مسجد "الصياح" شرقي صنعاء، مما أدى إلى جرح 13 شخصا، وكان تنظيم الدولة قد تبنى في آذار/ مارس 2015 تفجيرين استهدفا مسجدين يرتادهما حوثيون بالعاصمة صنعاء أسفرا عن مقتل نحو 140 شخصا وإصابة 350 آخرين.
وفي السعودية أعلن تنظيم الدولة الإسلامية من خلال ولاية نجد في 22 أيار/ مايو 2015 مسؤوليته عن التفجير الذي استهدف مسجد الإمام علي بن أبي طالب في بلدة القديح بمحافظة القطيف في قرية القديح بمحافظة القطيف وأودى بحياة 22 شخصًا وجرح عشرات آخرين، وقال التنظيم، في بيان نشره على الإنترنت: "أبو عامر النجدي قام بتفجير نفسه بحزام ناسف داخل مسجد القديح في محافظة القطيف السعودية"، وبعد أسبوع في يوم الجمعة 29 أيار/ مايو 2015 شهدت مدينة الدمام الكائنة في شرق السعودية عملية أخرى في مسجد الإمام الحسين الخاص بالشيعة في الدمام، وقد أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" مسؤوليته عن الهجوم الذي أسفر عن مقتل أربعة أشخاص، وجاء في بيان نشره التنظيم على موقع تويتر: "انغمس الأخ الغيور جندي الخلافة أبو جندل الجزراوي في جمع... وقد يسر الله له الوصول إلى الهدف رغم تشديد الحماية"، وأفادت الشرطة السعودية بمقتل أربعة أشخاص.
وفي عملية متزامنة أخرى تعرضت مدينة سوسة الساحلية التونسية، إلى هجوم نفذه مهاجمان من المسلحين تبادلوا إطلاق النار مع أجهزة الأمن التونسية ما أسفر عن سقوط 39 قتيلا بينهم عدد من السائحين الأجانب و39 جريحا، وقد تبنى تنظيم الدولة الهجوم عبر مواقع مقربة على تويتر، وكان تنظيم "الدولة الإسلامية" قد شن هجوما في العاصمة تونس بتاريخ 18 آذار/ مارس 2015 باستهداف متحف باردو، وأسفرت العملية عن مقتل 23 شخصا بينهم 20 سائحا، وإصابة أكثر من 50 جريحا.
وفي فرنسا اعتقلت الشرطة رجلا يشتبه بمشاركته في تنفيذ هجوم على مصنع للكيمياويات بالقرب من مدينة ليون الفرنسية، أسفر عن مقتل شخص وإصابة اثنين آخرين، وكان تنظيم الدولة قد شارك بشن هجمات على باريس في 7 كانون ثاني/ يناير 2015، وانتهت يوم الجمعة 9 كانون ثاني/ يناير بالقضاء على ثلاثة مسلحين وهم: سعيد ورشيد كواشي، وأحمد كوليبالي، وقد خلفت الهجمات 17 قتيلا و20 جريحا.
خلاصة القول، إن تنظيم الدولة الإسلامية عقب مرور عام على إعلان خلافة الدولة الإسلامية، لا يزال يحتفظ بمساحات شاسعة في العراق وسوريا، وقد تمكن من اختراق منظومة سايكس ــ بيكو وخلق فضاء جيوسياسي جديد ممتد من حلب إلى الموصل، وهو قادر على التمدد والتوسع عبر ولاياته الخارجية وقادر على زعزعة الاستقرار في مناطق عديدة عبر خلاياه النائمة وذئابه المنفردة، وكشفت عملياته الأخيرة في الكويت وتونس وفرنسا عن طبيعة بنائه الإيديولوجي واستراتيجياته وتكتيكاته القتالية، فالتنظيم يستند إلى سردية خطابية تحتكر تمثيل السنة كممثل للإسلام القويم، وتتحدد قائمة أعدائه "باليهود والصليبيين والشيعة الصفويين والطواغيت المرتدين".
تحتفل أرض الخلافة بإضاءة أولى شموعها ، التي كما هو واضح أنه لن تكون الأخيرة ، و قد تتجاوز أصابع اليدين ، و من الممكن أن تكتفي بشيء من أصابع الكف .
هكذا تم الإبلاغ : "قررت الدولة الإسلامية، ممثّلة بأهل الحل والعقد فيها؛ مِن الأعيان والقادة والأمراء ومجلس الشورى إعلان قيام الخلافة الإسلامية"،وتنصيب خليفة للمسلمين، ومبايعة الشيخ المجاهد، العالم العامل العابد، الإمام الهمام المجدد، سليل بيت النبوّة، عبد الله: إبراهيم بن عواد بن إبراهيم بن علي بن محمد، البدري القرشي الهاشمي الحسيني نسبًا، السامرائي مولدًا ومنشأً، البغدادي طلبًا للعلم وسكنًا، وقد قبل البيعة؛ فصار بذلك إمامًا وخليفة للمسلمين في كل مكان".
عامٌ على "الخلافة" ، سبقه قرابة ثلاثة أعوام على ظهور بدايتها بأرضنا، و إعلانها الدخول إلى جانب فرعها آنذاك "جبهة النصرة" ، لنصرة أهل الشام والدفاع ضد الغي و القتل و التدمير ، سبق هذا العام أشهر من تحول القتال ، من النظام ومليشياته ، إلى قتال الثوار ، وسحب ما تم استرداده بالقوة تارة ، و بالسطوة و الترهيب تارة أخرى ، فإُعلنت من الموصل في خطبة الجمعة ، أن البغدادي بات "الخليفة" ، و أن الخلافة قد إنطلقت رسمياً بعد طلاقها عن القاعدة لخلافات بين المتباييعن بـ"الدم" على الموت ، و للموت ، حتى بلوغ الإسلام كل أصقاع الأرض أو الهلاك دون ذلك .
عامٌ على "الخلافة" ، مضى في كل تفاصيله الزمانية ، و بقي في أدق بصماته حاضراً ، جاثماً ، قابعاً في نفوس الجميع ، بأن الجرح بات جرحين ، و أن القاتل قد وجد من يساهم معه ، و يسانده ، و يؤازره ، يمدد العون له ، مقابل بضع حركات ، و تضحيات بهذه المنطقة أو تلك ، و لكن دون المساس بالخطوط الحمر .
عامٌ على "الخلافة" ، و يمضي الخليفة و أتباعه في صناعة أرض الخلافة على أرض المسلمين ، و بناء الدولة الرشيدة على أجساد المسلمين ، و نحت المجسمات بأيدادي المسلمين على أكفان المسلمين ، و أكفان كل من رأى في الحياد وسيلة للنجاة ، فلا المخالف له مكان ، و لا للخلاف أي فعالية ، فالوأد حاضر لهما .
عامٌ على "الخلافة" ، عجزت الخلافة إلا عن كسر بعض الحصون لتذر الرماد ، و عجزت عن الممنوع ، فعجزت عن مطار ديرالزور العسكري ، و اجتاحت كل النقاط في العراق ، و ووسعت و هدمت كل المحرر في سوريا .
عامٌ على "الخلافة" ، اكتفت الخلافة بجمع النفط و الإتجار به ، و تحويل كل المعدات التي تملكها لبناء الإسطورة .
عامٌ على "الخلافة" ، نسي لماذا آتوا .. عامٌ على "الخلافة" ، أنسوا العالم بأسره لم قدموا .. عامٌ على "الخلافة" ، فعلوا ماعجز كل العالم على فعله .
عامٌ على "الخلافة" ، شاركوا فيه بمزيد من القتل ، و التحقير ، و احضار بدل المستبد الآلاف ، و صنعوا بدل الصنم ، مقدسات على شكل بشر ، لا يحق لك إلا أن تقول "الأمر و الطاعة" ، فالبيعة لهم يعني أن تبيع كل شيء حتى عقلك ، و لا يحق لك الفكاك ، بينما هم يتمكنوا من الفكاك و تأسيس "الخلافة" .
عامٌ على "الخلافة" .. و خلق الخلاف ، بين الجميع و ضد الجميع ، و لأجل الجميع إلا أنفسنا .
عامٌ على "الخلافة" .. و خلق الخلاف ، و خلق الأشباح و صناعة الأعداء و زيادتهم .
عامٌ على "الخلافة" .. و خلق الخلاف ، و اختلاق الفصال و التشظي .
عامٌ على "الخلافة" .. و خلق الخلاف ، و إهمال المشكلة الأم و التركيز هل "أدخل الحمام بقدمي اليمين أم اليسار" .
هل لاحظتم في بداية الثورة السورية أن أكثر شيء أزعج نظام بشار الأسد هو مطالبة الشعب بالحرية. وقد لاحظنا كيف كانت أجهزة الأمن تنكّل بالمتظاهرين الثائرين، وتتلذذ بتعذيبهم بطرق وحشية وهي تقول لهم: «بدكن حرية، أي خذوا حرية» (وهي تسحقهم طبعاً). هرش النظام وحلفاؤه وكل من يريد إفشال الثورة رؤوسهم وهم يفكرون بالانتقام من الثوار، ثم صاحوا: وجدناها، وجدناها: نحن نعرف كيف نجعل الشعب الثائر يحن إلى أيام الطغيان الخوالي، ويلعن الساعة التي طالب فيها بالحرية. أحضروا له جماعات متطرفة تجعل النظام يبدو «ديمقراطياً» للغاية بالمقارنة معها. سنجعل تلك الجماعات تتدخل حتى في لباسكم وشرابكم وأكلكم وسجائركم.
عندئذ ستقولون: «ما أحلى أيام المخابرات، على الأقل لم تمنعنا من التدخين، وتركتنا نلبس، ونأكل، ونشرب، ونسمع ما نشاء».
إياكم أن تستهينوا بهذه الحريات البسيطة. تخيل أنك تمشي في الشارع، وجاء شخص، وضربك، وطالبك بالدعس على السيجارة فوراً، أو منعك من الاستماع إلى موسيقى معينة. كيف سيكون شعورك، إذا لم يكن بإمكانك أن تنظر في وجهه، فما بالك أن تصرخ؟
ومما يجعل الطواغيت أكثر شعبية من بعض الإسلاميين المتطرفين أن بعض المجتمعات التي ثارت فيها الشعوب هي عبارة عن موزاييك ديني وطائفي وعرقي، وبعضها فيه نسبة كبيرة من العلمانيين. أي أن ذلك الموزاييك ليس مستعداً للعيش في مجتمع محكوم دينياً، وبالتالي فهو سيفضل الطاغية العسكري، على علاته الكثيرة، على «الخليفة المُعمم». وحتى المسلمون العاديون الذين تعودوا على حياة اجتماعية غير متزمتة لن يقبلوا بنظام حكم ديني صارم. وقد سمعت من كثيرين من المسلمين السوريين أنهم بعد الثورة سيحملون السلاح فوراً لتحرير البلاد من أي جماعة دينية متطرفة. أي أنهم لم يثوروا ضد النظام العسكري المخابراتي ليستبدلوه بنظام ديني متطرف.
ألا يحق للبسطاء الآن أن يتساءلوا بعد أن وجدوا أن الجماعات المتطرفة اختطفت الثورات؟ من أين أتت تلك الجماعات؟ لماذا لم نرها قبل الثورات؟ من أين أتت بالسلاح؟ كيف تغولت، وسيطرت على الساحات بسرعة وبقوة؟ لماذا لا تسقط مواقع النظام في سوريا إلا أمام جماعات إسلامية معينة؟ لماذا اختفت الجماعات الثورية الأصلية التي كانت تريد بناء أنظمة ديمقراطية حديثة تصون الحقوق والحريات الأساسية؟ أسئلة مشروعة جداً بعيداً عن الفلسفات. أليس من عادة الثورات أن تنقل الشعوب إلى الأمام لا إلى الوراء؟ ألم تثر الشعوب لتنتقل من الواقع البائس إلى مستقبل مشرق؟ هل أرسلوا لها جماعات متطرفة لتنتقم منها، وتعيدها مئات السنين إلى الوراء؟ ألا تحاول الجماعات المتطرفة التي تتزعم الساحات الآن إعادة الشعوب إلى الخلف فعلاً؟ ألا تهدد بالتدخل في أبسط حرياتها؟ فمن المستفيد إذاً من تصرفات تلك الجماعات وطغيانها؟ أليس الطواغيت الذين ثارت على ظلمهم وطغيانهم الشعوب؟ ألا يفرك بشار الأسد وأمثاله وحلفاؤه أيديهم فرحاً عندما يرون تلك الجماعات تنافسهم في القمع والطغيان؟ النظام السوري وأتباعه يشتمون الدواعش نهاراً، ويشكرونهم ليلاً، لأنهم وفروا لهم متنفساً عظيماً.
سؤال للجماعات التي تريد أن تعود بالشعوب الثائرة إلى ما قبل القرون الوسطى: ألا تعتقدين انك بذلك تقدمين خدمة جليلة جداً لأعداء الثورات ولطواغيت الذين يواجهون ثورات شعبية؟ الشعوب ثارت للتخلص من الظالمين، وليس للوقوع في حضن الظلاميين الذين يريدون أن يعودوا بالشعوب إلى غياهب الماضي. إما أنك لا تفقهين ألف باء الثورات كونها قفزة إلى الأمام وليس نكوصاً إلى الخلف أيتها الجماعات، أو أنك من صنع الطواغيت وأعوانهم كي يجعلوا الشعوب تقول: «خليك على قردك كي لا يأتيك الأقرد منه». أليس من حق الشعوب أن تظن أن الديكتاتوريات المحاصرة بالثورات تعمل مع حلفائها على خلق جماعات تدعو للعودة الى الوراء، فتتوقف الشعوب عن مطالبها الثورية، وتقول: فلنبق على ما نحن عليه، أفضل من أن نعود الى الماضي السحيق.
لا شك أن البعض سيقول لنا: وما العيب في أن نعود مئات السنين إلى الوراء؟ ألم نكن أفضل في تلك الأيام الخوالي؟ نعم بالتأكيد كنا أفضل وأقوى. لكنه بصراحة سؤال ساذج؟ ومن قال لك إن تلك الجماعات المتطرفة ستعيدك إلى العصر الإسلامي الذهبي؟ ولو افترضنا جدلاً أن تلك الجماعات تريد ذلك فعلاً، هل تسمح لها القوى الكبرى بذلك؟ صحيح أن كثيرين صفقوا لبعض الجماعات المتطرفة في سوريا وغيرها، لكن ليس لأنهم يريدونها بديلاً عن النظام، بل فقط نكاية بالنظام وانتقاماً منه، دون أن يعلموا أن بعض الجماعات تقوم بتلميع صورة النظام بطريقة غير مباشرة داخلياً وخارجياً. ثم أين انتصرت تلك الجماعات المتطرفة، ثم بنت دولة أفضل من الموجود؟ في أفغانستان؟ في الصومال؟ في الجزائر؟ في ليبيا؟ أم إنها انشغلت بمقاتلة بعضها البعض بعد أن نفذت مشاريع الاخرين هناك؟ انظر كيف تصفّي بعضها البعض في سوريا وغيرها؟ أليست الجماعات الإسلامية أكثر من يردد القول الكريم: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم»، لكنها أكثر الجماعات تنازعاً فيما بينها وخاصة أثناء الثورات وبعدها؟ قد يقول البعض إن الثورة المصرية لم يقتلها المتطرفون الإسلاميون. وهذا صحيح، لكن الثورة المضادة نجحت نجاحاً باهراً في استغلال البعبع الإسلامي لإعادة الشعب إلى بيت الطاعة.
لقد حققت الجماعات المتطرفة هدفين لأعداء الثورات في الداخل والخارج. أعادت بعض الأنظمة الساقطة للسلطة، وأطالت بعمر النظام السوري وغيره بعد أن انشغل بها الداخل والخارج، واستغلها الخارج وعملاؤه في الداخل لحرف الثورات عن مسارها، واستخدموها سكيناً لإعادة رسم خرائط المنطقة. تدخل داعش إلى منطقة، فترسل لها أمريكا وإيران طائراتها وجماعات لتقاتلها على الأرض، فتخرج داعش من تلك المنطقة لتحل محلها جماعة أخرى، كما يفعل الأكراد الآن في الشمال والجماعات الإيرانية في العراق. وبحجة ذلك يتم تهجير شعوب وإعادة تقسيم المناطق بتنسيق أمريكي إيراني لا تخطئه عين. وحتى لو صدقنا أن تلك الجماعات مستقلة تماماً، ولا تخدم أحداً، وانتصرت، وحلت محل الأنظمة الساقطة، ألا يحق للشعوب أن تسأل: هل ثرنا كي نستبدل الفالج بالسرطان، أو الظلم بالظلام؟
اقصائية منذ وجودها دموية منذ نشأتها خاضت حروب أهلية عديدة طردت أهل الأرض الأصليين ، توسعية بفكرها اخطبوطية باقتصادها متعددة الوجوه متبدلة الثياب مدعية للسلام مدعية للديمقراطية تعمل من تحت الطاولة ومن فوقها . همها واهتمامها مصلحة نخبتها لا تتورع عن فعل أي شيء مقابل حصولها على ما تريد تخلق العدو وتخلق الصديق مادام يخدم سياستها ومخططها تستقطب خيرات الفكر العالمي وتبرمجه لخدمتها . تمتلك أكبر مخزون للطاقة بالعالم وترغب بالمزيد حتى التراب لا يملأ عيون نخبتها استبدادية بوجه جديد .
إنها أمريكا ذلك القطب الأوحد الذي يعيش على حروب الأخرين ومن خيرات الأخرين ويشعل الفتن بالدسائس والمكر والخداع تاريخها مع العالم العربي والإسلامي سيء جداً فهي من تدعم إسرائيل وهي من احتل العراق وسلمه لإيران وهي من حاربت القاعدة بأفغانستان وهي من ساعدت بقتل المسلمين في يوغسلافيا و الآن دورها في سوريا ظاهر للعيان لها وجهان وكلاهما أصبح مكشوفاً للسوريين تدعي وقوفها مع الشعب السوري لكنها تريد الإبقاء على الأسد لفترة طويلة وتعمل على إنهاك الطرفين ( العصابة المافيوية الأسدية ) و الجيش الحر والفصائل الثورية.
وإذا عدنا لبداية الثورة السورية صرح الأمريكان وفي العديد من المناسبات أن الأسد فاقد للشرعية وأنه يقتل شعبه فلا يجب التعامل معه لكنهم بالمقابل حاوروه وغازلوا الثوار عن طريق سفيرهم فورد الذي توجه إلى حماه فاستقبله أهلها بأغصان الزيتون ووضعوا للأسد خطاً أول أن لا تضرب حماة وهذا ما نشأ عن تحييد حماة المدينة بالوقت الذي كانت حمص وبابا عمرو تدك بكل أنواع الصواريخ لم يحركوا ساكناً وقاموا بدراسات لجميع الفصائل العسكرية الثورية وللحراك الشعبي من خلال منظمات اصطنعوها وصرفوا عليها الأموال وعناصر من جلدتنا تجلب لهم كل ما يحتاجون من معلومات عسكرية وإغاثية وطبية و مناطقية ومذهبية وبدأوا بتوجيه وتحريك عملائهم السوريين وبعض العملاء الخارجيين بإدارة الصراع وتوجيه الدعم لفئات محددة على حساب أخرى وعندما تنامي الدور الإسلامي للفصائل العسكرية والتقدم الحاصل على الجبهات و تم رفع شعارات إسلامية وتسمية الكتائب بهذه الأسماء كان لا بد للخطة أن تتحرك بسرعة كي تجهض وتقضي على ما يمت بصلة لذلك ، فعملت على طرح شعارات قومية من خلال عملائها و استغلت البعد الطائفي للعصابة الأسدية ، وعندما وضعت خطوط حمراء للأسد في حال ضربه للمواد الكيماوية ليس الهدف منه مصلحة الشعب السوري وحمايته و إنما تدمير ما لدى الأسد وعصابته وتسليمه لجهات أخرى تَدعي تدميره لكنها تحتفظ به لبيعه مرة أخرى لجهات متعددة موجودة على خارطة الصراع المستقبلي ، وقامت بتحريض النظام وبشكل غير مباشر على ضرب الغوطة بالكيميائي لتجد مسوغاً لسحبه بالاتفاق مع الروس وليس بمعزل عنهم فهناك اتفاق تحت الطاولة بينهما يقضي بإخراج تمثيلية إخراج الكيماوي من سورية لمصلحة الطرفين .
وبدأت أمريكا بجنيف واحد وجنيف اثنان ووضعت نقطة أساسية للقضاء على الفصائل الإسلامية المقاتلة التي لن ترضى بالحل التفاوضي مع الأسد حيث ستعتبرها جماعات إرهابية إن لم توافق على الحل السياسي المعتمد من الأمم المتحدة وبالطبع الفصائل الإسلامية لن توافق على الخطة الأمريكية الغربية وعندما لم تنجح هذه الخطة أجَلوها و بدؤوا باختراع المعارضة المعتدلة ومن ثم تدريبها ليس لقتال الأسد ونظامه وإنما لقتال تنظيم هم أنشاؤه بغرض الدخول بلعبة الكنتونات والفيدراليات والكنفيدراليات وكانت جميع تصريحاتهم منافية لتصرفاتهم فهم يبحثون عن عدو دائم يستفيدون منه اقتصادياً فالمنطقة فيها أكثر ثروات العالم وفيها من التنوع الطائفي الشيء الكثير فلِمَ لا يستغلون ذلك وشكلوا غرف الموك والموم وهي غرف عمليات تديرها عناصر الاستخبارات الأمريكية بالتعاون مع بعض استخبارات الدول المتوافقة معها وبعض الضباط المنشقين التابعين بالفكر والمال لهم والغرض منها معرفة تامة لحركة العناصر والكتائب والعتاد والعدة وحيدوا الضباط المنشقين الموجودين بالأردن وبتركيا عن عمد .
بالمجمل هم يعتمدون على إنهاك الطرفين كي يسهل تقسيم المنطقة ليس تقسيماً معلناً و إنما بحجة حماية الأقليات ( وما المؤتمرات التي تعقد لهذا السبب بعيدة عنا ) وعندما تتقوقع كل أقلية بمنطقتها ستحاول الاكتفاء ذاتياً بكل شيء وعندما تصل له ستنكفئ وتعلن إقليمها المستقل وسيتم الصراع بين هذه الكنتونات التي بدورها تبحث عن ظهر قوي يساندها فلن تجد غير إسرائيل هي المعين والحامي لها .
فلم نجد للسياسة الأمريكية أي دور إيجابي في الثورة السورية المباركة بل على العكس هي تطيل بعمر النظام وتحاول إيجاد بديل مؤقت توجهه كما تريد ويكون لعبة بيدها .
منتصرون ...... بهمة رجالنا
ربما يوافقني الكثيرون أن توضع المنطقة العربية أمام قبول أحد الخيارين إما قبول المشروع الصهيوني في المنطقة وإما المشروع الصفوي الفارسي الذي يريد ابتلاع المنطقة برمتها لتنفيذ مشروع شرق اوسط جديد.
فمنذ سنوات طويلة والدول العربية تهاجم ملالي ايران وقم وهم يجلسونهم في أحضانهم ويتحكمون في اقتصادهم ويعدون مشروعهم الصفوي الكبير فماذا أعدت الدول العربية مجابهة لذاك المشروع للوقوف في وجهها وفي مقابلة أطماعها في بناء حلمها الكبير منذ أسقط عمر بن الخطاب دولتهم الفارسية.
فمنذ وصول نظام الاسد الجبان الى سدة الحكم في سورية كان ذراعه الاولى ممدودة وهي تحمي حدود اسرائيل ومن ناحية أخرى يدعم نفسه باليد الأخرى التي مدت الى ملالي طهران التي أصبحت تهدد أمن المنطقة العربية دون مجابهة من الجميع بإيجاد مشروع عربي يقف في وجه الامتداد الصفوي وأطماعهم في سيطرة كاملة.
فالساحة السورية أصبحت مسرحاً لقوى وأجندات عديدة تتلاعب في ثورتها التي كانت هي مطلب الشعب وذلك لتخوفهم مما ينتج عنها لاحقاً فيكون تهديداً لتلك المخططات الطويلة الامد بالنسبة للدولة اليهودية وهنا لابد من المرور حول رفض الجميع في اقامة دولة اسلامية مقابلة بالدولة اليهودية فلما هذا التناقض وسياسة الكيل بمكيالين.
إن من حق الشعوب تقرير مصيرها وليس من حق الاخرين لتنفيذ سياسات معينة في المنطقة فقد عانت لمدة مئة سنة المنطقة من نتائج تقسيمها بمعاهدة سايكس بيكو الاستعمارية والتي تغير شكلها الان وتأتي بحلة جديدة لتقسم المنطقة وفق قوميات ومذهبيات تضعف الجميع مرة أخرى أمام هيمنة يهودية وشيعية وهم لديهم مشروعهم الذي يعملون عليه.
وللاسف لم يكن لدى الدول العربية مشاريع مقابلة في هذا الاتجاه والان وبعد أن وصلت سورية والمنطقة الى ماوصلت اليه فأيهما الاولى في المجابهة والوقوف أمام خطره المحدق هو المشروع الصفوي الفارسي ويجب الربط بين المشروع الوطني في سورية وبين المشروع العربي المجابه للمشروع الفارسي الشيعي.
وأي مشروع يسعى لتقسيم المنطقة العربية والاقتطاع منها وبغير هذا لن نصل الى حلول تتوافق من أجل سلامة باقي البلدان العربية فالسوريين هم من يقفون حتماً الآن في وجه المخطط الشيعي ولذا كان الموقف الامريكي بحماية الأسد ومنع سقوطه فعلياً وسمحت لايران بتحويل سورية الى مستعمرة لها.
بقي أن أقول نهاية إن عدم الوقوف العربي بجدية كاملة سوف يسقط الأنظمة العربية بكاملها ويجعل إنهيارها على يد شعوبها التي لن تصمت عن هذا التخاذل وسوف تكون مقولة صدام حسين هي الاصدق لمعرفته بما كان يخطط له سابقاً ..أنا أعدمتني أمريكا وأنتم سوف تعدمكم شعوبكم ...فسارعوا قبل أن يفوتكم القطار