فنانين بالاسم وأعداء الأمة بالباطن
فنانين بالاسم وأعداء الأمة بالباطن
● مقالات رأي ١٤ يوليو ٢٠١٥

فنانين بالاسم وأعداء الأمة بالباطن

كثر الحديث عن الدراما السورية والتي أُفضل تسميتها بالدراما الأسدية لأنها بعيدة عن واقع الشعب السوري وقريبة من الواقع الذي يحاول أن يصوره الأسد لأنصاره منذ بداية الثورة.

لا أمل في نصر عسكري لأحد في سوريا، أيضاً لا مجال للتعبير بحرية عما يجري في سوريا من داخل سوريا ولا مجال للحصول على موارد أو إمكانيات النظام في الإنتاج الفني، لذك لابد من إنتاج ما يتماشى مع المؤامرة وفكرها، فكان باب الحارة 7 وبقعة ضوء وغيرها من المهازل التي هبطت بالدراما السورية إلى قاع الأسدية بعد أن سبقت الدراما المصرية سابقاً.

يجب أن نعرف بأن إيران ليست هي فقط من يناصر الأسد في حربه على سوريا بل إن السعودية أيضاً تمد له يد الدعم بما يتعلق بالفن وبالتأثير على الرأي العام العربي ككل من خلال إنتاجها لباب الحارة 7 وعرضه مع جميع المغالطات التاريخية داخله والرسائل المبطنة التي ترسم للرأي العام العربي صورة مغايرة للمجتمع الدمشقي والسوري عن الواقع.

ما الذي يحدث؟

هل سمعتم بالمثل الشعبي القائل "مال الداشر بيعلم السرقة"؟ عندما اندلعت الثورة في آذار 2011 لم نشهد أي تحركات فنية على مستويات عالية من الحرفية سوى القليل القليل ولعل أغنية "يا حيف" هي أصدق مثال على القليل، لكن عدا ذلك لم نشهد أي عمل فني آخر على مستوى يمكن عرضه على القنوات التلفيزيونية، أو على الأقل يملك بداخله محتوى واسع قادر على محاكاة تجربة شعب ثائر، ومنتج بإمكانيات أقرب ما تكون إلى الوسط من القوية، هل رأينا عمل يشبه ذلك؟ طبعاً لا! لم نرى شيئاً من هذا بعد. كل ما رأيناه كان محاولات بسيطة جداً ومبتدئة، كما أن جميع الأعمال الفنية "الثورية" تتميز بأنها لا تتعلم من بعضها ولا تراكم خبراتها في أعمال مستقبلية قد تحمل قيم جميع الأعمال التي سبقتها، بل جميعها تبدأ من الصفر وتعيد بناء العجلة بالأخطاء نفسها. ولعل هذا أهم ما يميز منتجات الأسد الفنية عنا.

تهديد آخر من الدراما الأسدية يتمثل بتصويرها لواقع وتاريخ مختلف تماماً عما هو موجود حقيقةً، لكن إن كنا نعتقد بأن الأسد ومن يدعمه يحاولون تغبيش التاريخ السوري وتشويه صورة المجتمع السوري الآن من خلال الدراما فيجب علينا أن نبحث أكثر عن أصل المشكلة. في الحقيقة حملة التشويه ابتدأت منذ تولي حافظ الأسد السلطة عندما عمد إلى تشويه التاريخ السوري من خلال طمس التاريخ السوري تماماً في الفترة الممتدة ما بين جلاء الفرنسيين وحتى تسلمه السلطة. من منكم يعرف التاريخ السوري في هذه الفترة كما يعرف أهداف ومنجزات الحركة التصحيحية؟ من منا يعرف من هو حسني الزعيم أو شكري القوتلي؟

النظام الأسدي ومن معه يحاول من خلال الدراما أن يزيد عمق الهوى بين السوريين من خلال تصوير واقع مزيف لمؤيديه والمبالغة في استفزاز المعارضين لدرجة إعراضهم عن مشاهدة الأعمال الفنية مما يؤدي في النهاية إلى خلق واقعين مختلفين.

ضعفنا الذي يستغله النظام وحلفائه هو عدم وجود توثيق لتاريخنا المشرق من خلال أفلام ومسلسلات أو حتى على مواقع ويب بأسلوب المراجع والتي من شأنها أن توضح موقف الفئة الثائرة من الفئة المستبدة وتاريخ نضالها. لقد تجرأ النظام كثيراً وبدأ يمهد الطريق للتطبيع مع إسرائيل من خلال شخصيات اليهود في باب الحارة وانجذاب "عقيد" الحارة لهم والذي يعد من أهم الشخصيات في الحارة بحكم غياب "الزعيم"، إنها ليست صدفة أليس كذلك؟

لذا يجب علينا اعتبار هؤلاء "الفنانين" أعداء الأمة ولا يختلفون شيئاً عن مجرمي الحرب بسوريا الملطخة أيديهم بالدماء والذين تسببوا بتدمير المجتمع السوري مادياً ومعنوياً.

من أهم نقاط الضعف هي عدم اعتلاء الثوار السوريين للسلم الفني بعد! وذلك بسبب عدم وجود الإمكانيات اللازمة. لكن الإمكانيات المطلوبة تكتسب ولا تعطى وتأتي نتيجة تضافر رؤوس الأموال مع الجهود الفنية والإنتاجية والتي تؤدي إلى افتتاح شركات إنتاج قد لا تكون ضخمة في البداية لكنها بالتأكيد ستجمع تحتها جميع الفنانين والمخرجين والكتّاب والممولين وغيرهم. سلّم الحرفية الفنية يبدأ بإعطاء أصحاب المواهب التوجه الضروري المبني على معرفة علمية لأهم مبادئ الاختصاص، وهو عمل الدولة! لكن الدولة غائبة، والجهود ما تزال مفتتة وفردية تستمر في إعادة بناء العجلة في كل مرة وتقع في أخطاء سابقتها، أضف لذلك التكرار الدائم واعتماد المشاهد والأفكار نفسها. مثلاً افتح على أي قناة تعرض تقريراً يصف ما يحدث في سوريا على أنه ثورة ستجد أن الفيديوهات التي يستخدمونها تختلف في الزمن والمكان لكنها تتشابه في المضمون (سحابة دخانية داخل مدينة شبه مدمرة) بينما إفتح على قنوات النظام فستجد بأن الفيديوهات في أغلب الوقت تحتوي على لقطات إخراجية بكاميرا ثابتة وتقوم بتصوير قوات الأسد على أنهم أبطال يحررون ويقتلون وإلى ما هنالك، لذلك فإن كلاب النظام قد تمكنوا فعلاً من إعتلاء الدرجة الأولى من سلّم الفن بتقديم أبسط أنواع الفيديو بشكل محترف ثم اتقنوا إنتاج الأفلام القصيرة والتي نراها على شكل برموهات على القنوات الفضائية الموالية. بعد ذلك اتجهوا نحو تمويل المسلسلات السورية التي تحمل توجهات حكومة الأسد فأدى ذلك إلى إنتاج عدد كبير من المسلسلات التي تحمل بالنهاية فكر هذه الحكومة.

الثورة لديها الكثير من الفنانيين والكتّاب والمخرجين والممولين لكنهم لم يجتمعوا إلى الآن تحت سقف واحد ولم يفكروا في اختصار تجاربهم في عمل فني واحد، إلى الآن لم يتم دعم فنان سوري واحد مغترب جالس في منزله يحاول أن ينتج فيلم كرتوني، مع العلم بأن أغلب الفنانين الحقيقين هم معارضين ومنفيين خارج سوريا.

عندما تتصفح الإنترنت ستجد أن المواليين قد تمكنوا من توثيق حربهم على الإرهاب في سوريا وقد تمكنوا أيضاً من الهيمنة على أهم المواقع الإنترنت التي تتحدث عن الثورة السورية (مثل ويكيبيديا) وقد تمكنوا أيضاً من طمس أرشيف الثورة السورية من خلال هجماتهم المنظمة على الصفحات الثورية وإغلاقهم لها. بالمقابل ماذا فعل الثوار الالكترونيون سوى أن يكرروا عبارات "الأسد سفاح" "يجب محاسبة الأسد على جرائمه" "الله أكبر انظر إلى البراميل تسقط وتقتل الأطفال"... لم نتمكن – كثوار الاكترونيين- من توحيد جهودنا وتقديم صورة واضحة بجميع اللغات عن الثورة السورية، ماذا تعرف ماليزيا أو إندونوسيا عن الثورة السورية؟ ماذا تعرف كازاخستان أو الأرجنتين عن ثورتنا؟ أيضاً هل رأيت يوماً ما أي صفحة ثورية باللغة الألمانية تستهدف الشعب الألماني بعيداً عن حكومته؟ 

إن كنا جميعاً نحقد على الدراما الأسدية الحالية ونصفها بأنها بعيدة عن الواقع من حيث تصويرها للجنود الأسديين على أنهم أبطال وعلى أن الحياة الاجتماعية في سوريا حالياً تمر بمرحلة حرجة وستعود طبيعية قريباً وأن جميع السوريين ما زالوا يجلسون في منازلهم ويناصرون الرئيس الأوحد ضد المؤامرة، فإن جزءً ليس صغيراً من اللوم يقع علينا لأننا لم نقم بواجبنا كما يجب تجاه نشر صورة الثورة بالشكل المطلوب، أين هم السوريين المستعدين لفداء الثورة بدمائهم مجاناً؟ أين هم مصممي مواقع الإنترنت؟ مصممي الغرافيكس؟ الكتّاب؟ الممثليين؟ الشعراء؟ المغنيين؟ المسوقين؟ المفكرين؟ الرساميين؟ الموسيقيين؟ أرباب رؤوس الأموال؟

أنتجت الثورة "الناشط الإعلامي" بكثرة لكن ما الذي يفعله بالتحديد هذا الناشط/ة؟ أكثر من 95% منهم لا يفعلون شيئاً سوى أنهم يشكلون عبئاً إضافياً على الثورة وينشئون صفحات على الإنترنت تعبر عن أرائهم التافهة والبالية التي لا تسمن ولا تغني والأهم من ذلك بأن هؤلاء الناشطين هم من يخونون من يريدون ويرفعون على درجة الوطنية من يريدون. أليس بالجدير بهؤلاء الناشطين أن يحاولوا ربط الفنانين المغمورين مع الممولين مثلاً أو أن يفسحوا لهم مجالاً بجانبهم على صفحاتهم في الإنترنت؟ أليس بالجدير بهم أن يربطوا الفنانين السوريين برجال الأعمال السوريين بحكم علاقاتهم الواسعة؟

الثورة السورية عظيمة وستغير من بناء مجتمعات بأسرها، وهي أفرزت مبدعين وفنانين يحاولون رسم صورة عنها من عدة وجوه وبحسب اختصاصاتهم وإمكانياتهم مثل الأخوين ملص، أمجد وردة، سميح شقير، نديم قطيش... لكن ذلك لا يعني بأننا يجب أن نكتفي وأن نلقي عليهم بالحمل كله لتمثيل الثورة فنياً بل يجب أن نحاول دائماً أن نرص صفوفنا بجميع الاختصاصات ونسعى لأرشفة الثورة وتوثيق أحداثها تاريخياً وذلك من أجل نجاري النظام لعلنا ننتصر عليه، ومن أجل أن نترك للأجيال خلفنا ما يستطيعون الاستشهاد منه والاعتماد عليه. كما أنه يجب أن نطمئن بأن جميع دعايات النظام وتشويهه للمجتمع السوري ستمحى بزواله وستذهب الدراما خاصته إلى مزبلة التاريخ وستكتب أسماء فنانوه مع من خان بلده وعرضه من أجل حفنة أموال قليلة وربما لجاه بالي لم ينفعه شيئاً بعد زمنٍ قصير.

الكاتب: محمد سكر
مشاركة: 

اقرأ أيضاً:

ـــــــ ــ