
ثورة شعب …. لامعارضة!
ترسخ في عقول السوريين مصطلح معارضة تماشياً مع المصطلح الغربي للكلمة، فكلمة معارضة تعني أن شخص أو حزب أو عدة أحزاب أو تيارات أو كتل داخل الدولة تعارض الحكومة "الشرعية" الحالية على مبدأ أو قرار معين أو حتى طريقة إدارة للبلاد.
تعمل المعارضة بشكل رسمي داخل الدولة وقد تكون داخل مؤسساتها أحياناً ولها نشاطات داخلية وخارجية تتصرف كحكومة وتطرح لأنصارها بدائل وإصلاحات وتكون أنشطتها داخل البلاد غالباً، وتدخل الانتخابات وتنافس أو تشارك باقي الأحزاب على إدارة البلاد وحكمها، وهو مصطلح شائع طالما ارتبط هذا بحزب بعينه أو مجموعة معينة تطلق على نفسها معارضة. أحياناً هذه المعارضة لاتحصل على مطالبها بالشكل السلمي وتتحول لمعارضة مسلحة ومن ثم حرب "أهلية" داخلية بين أنصار المعارضة وأنصار الحزب الحاكم الحالي للبلاد. أكبر خطأ وقعنا فيه نحن كسوريين أننا تناولنا هذا المصطلح "المعارضة" و اعتمدناه في بعض مؤسسات الثورة السورية.
الثورة بعيدة كل البعد عن المعارضة. الثورة هي حراك شعبي اجتماعي ينتج عن مجموعة من العوامل التي خلفتها حكومة ديكتاتورية لا تعترف بمعارضة ولا بقانون ولا أحزاب سياسية ولا تطلعات شعبية. الثورة هي غضب وهي وليدة الشعب ويقودها الشعب وتلد عنها مؤسسات ثورية، والثورة دائماً تكون خارجة عن سلطة الدولة ولا تخضع لقوانينها بل هي ثارت على هذه القوانين القمعية الديكتاتورية.
خرج الشعب السوري قبل أربعة أعوام بثورة شعبية دون تنسيق وقيادة وليس له هدف سوى التغيير الكلي الجذري من نظام استبدادي استعبادي يحكم البلد لأكثر من 40 عام مع أن الحكم فيها يخضع لقانون الانتخابات إلا أن الانتخابات محرمة على الشعب؛ إلى نظام سياسي جديد يؤمن بحق الجميع وبدولة ديمقراطية تخدم كل الشعب لا لنظام سياسي مختزل لخدمة ومصلحة عائلة الأسد. طوال فترة حكم آل الأسد من حافظ الأب لبشار الإبن لا بديل لـ"حزب البعث العربي الاشتراكي" وهو الحزب الوحيد والذي يخضع له كل السوريين بالقوة وإلا لا مدارس ولا وظائف في الدولة لهم وحتى بعض المؤسسات الخاصة عليك أن تكون "بعثي" لتنال وظيفة فيها، لذا هذا الحزب الوحيد هو من يتحكم بالدولة وكل مؤسساتها العامة وأغلب الخاصة ويدير الجيش والشرطة والتعليم والقضاء ولايمكن أن يشكل ضده أي حزب يعارض سياسته أو طريقة تعامله طالما درس المواطن السوري في كل الكتب والمراحل الدراسية أنه "قائد الدولة والمجتمع" وأنه صاحب التصحيح والحركات النضالية.
لم نكن في سورية كالدول الديمقراطية التي ترسمها الانتخابات ويقودها ويغيرها صوت الشعب كل فترة انتخابية، ولم يكن لدينا العديد من الأحزاب التي تتنافس فيما بينها لكسب أصوات الشعب، كانت سورية عبارة عن مزرعة يحكمها حزب واحد و مالك واحد يستعبد الناس ويسلب طاقاتهم ويسرق مقدراتهم دون أن يجرأ أحد على معارضته حتى داخل منزله بل حفظ السوريون أن "الحيطان لها أذان" ذلك خوفاً من أن يسمعنا أحد ننتقد الحاكم ونصبح طي النسيان في المعتقلات. على هذا خرج السوريين "ثورة" للتغيير بداية بالطرق السلمية وقابلها نظام الأسد بالقوة والقتل وأجبرها على حمل السلاح لحماية نفسها وتحرير أراضيها بالقوة من نظام لا يؤمن بمطالب الشعب.
كل هذه الأمور استدعت تشكيل جسم سياسي لقيادة ثورة الشعب وغضبه وتنظيمه وإيصال صوته للمجتمع الدولي، فبدأنا بالمجلس الوطني ووصلنا للائتلاف الوطني لقوة الثورة والمعارضة، تعرض هذا الإسم لانتقاد الشباب السوري الثائر، فالائتلاف ليس حزب بعينه وهو مجموعة أحزاب وتيارات معترف به أنه ممثل للشعب السوري ومحاور عنه في المحافل الدولية من أكثر من 100 دولة حول العالم. خطأ هذا الإسم كبير حيث أنه حولهم من جسم يقود ثورة الشعب لجسم معارض يقود مطالب بعينها ويجرده من تمثيل كل الشعب ويختزله بطرف من أطراف الأجسام السياسية الأخرى.
حتى على مواقع التواصل الإجتماعي للأسف، ترى بعض الأشخاص من يسمى نفسه أو غيره معارضاً، أو تلاحظ الشبكات الإخبارية "الثورية" تنقل خبر عن تقدم أو تراجع للمعارضة على الأرض أو حوار بين المعارضة والنظام، ناسفين عظمة كلمة "الثوار" وما تحمله من معاني نبيلة وأهداف عظيمة. وتسحب البساط شيئاً فشيئاً عن شرعية ثورة الشعب العظيم.
سنصل في سورية بعد الكفاح والثورة القائمة لدولة مدنية ديمقراطية تؤمن بحقوق الشعب وأنه صاحب الشرعية في البلد، يقود الشعب أحزاب سياسية تعارض وتنافس بعضها بمشاريع سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها، تصب في خدمة الشعب الذي حرر البلاد من نظام الإستبداد، تعمل هذه الاحزاب ضمن القوانين داخل البلاد ككل الدولة الديمقراطية، وتركيا وأحزابها وانتخاباتها الاخيرة مثالاً.
فما يحصل اليوم في سورية أنها ثورة شعب كامل للتغير والتحرير لا تختزل عظمتها بوصف معارضة ولامؤسساتها بأحزاب معارضة!