
لماذا «داعش» عدو في العراق وحليف في سوريا؟
عقد وزراء وممثلو 24 دولة من أعضاء «التحالف الدولي ضد الإرهاب» مؤتمراً تقويمياً لعمله مطلعَ الاسبوع الماضي في باريس. مع انعقاد المؤتمر كان طيران «التحالف» قد أنجز اكثر من 4100 غارة على مواقع تنظيم «الدولة الإسلامية – داعش» ومقاتليه، معظمها في العراق وقلّة منها في سوريا.
مردود الغارات كان محدوداً للغاية، الدليل؟ تمّدد «داعش» في العراق إلى الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، وفي سوريا نحو مدينة تدمر ذات الموقع الإستراتيجي بين حمص في الوسط ودمشق في الجنوب، ثم أخذ بالتمدد نحو ريف حلب الشمالي وإلى مدينة الحسكة في شمال البلاد الشرقي، وإلى محافظة السويداء في طرفها الجنوبي الغربي.
عشية انعقاد مؤتمر باريس حرص رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على كشف هزال فعالية «التحالف الدولي» بقوله «إن الحملة الجوية ليست كثيفة بما يكفي، كما أن مراقبة «داعش» ليست فعالة (…) ونحن لا نحصل من التحالف الدولي لا على أسلحة ولا على ذخائر ولا على معلومات جوية كافية».
كل هذا التشكّي والتنديد لم ينفع. فما جرى الاتفاق عليه في المؤتمر كان المزيد من الشيء نفسه: مواصلة الضربات الجوية المحدودة، والضغط على الحكومة العراقية لتحجيم دور «الحشد الشعبي» في مقاتلة «داعش»، والدعوة إلى توسيع مشاركة القبائل السنّية في القوات المسلحة وفي دوائر السلطة.
بلى، ثمة شيء جديد، فقد تضمّن البيان الصادر عن المؤتمر نصّاً غريباً: «النظام السوري لا قدرة له ولا رغبة لديه في محاربة داعش»! الأغرب من النصّ موافقة العبادي وتوقيعه عليه. هل هذا هو موقف حكومته فعلاً؟ إذا كـان الامر كذلك، ما تفسيره لقيام مسؤول الإعلام في «الحشد الشعبي»، وقد اضحى بحسب قول العبادي نفسه «هيئة رسمية تابعة للحكومة»، بالإعلان عن اعتزام «الحشد» التقدم إلى الحدود العراقية – السورية بعد فراغه من تحرير الرمادي؟ هل تمّ الاتفاق ضمناً بين دول «التحالف» في مؤتمر باريس على اعتبار «داعش» عدواً لها في العراق وحليفاً في سوريا؟
الحقيقة أن سلوكية «التحالف» في العراق، ولاسيما قائده الامريكي، تشي بما هو أخطر من هذا التصنيف المريب لـِ»داعش»، ذلك أن واشنطن هدّدت «الحشد الشعبي»، عشية هجمة «داعش» على الرمادي، بقصف وحداته المقاتلة إذا ما تدخلت في المعركة لمساندة الجيش العراقي.
اكثر من ذلك، طائرات «التحالف» لم تقصف ارتال «داعش» المتجهة لمهاجمة الرمادي، كما احجمت عن قصفها ابّان زحفها الطويل في البادية المكشوفة عند اجتياحها تدمر، ثم ها هي كتائب «داعش» اليوم تهاجم مدينة الحسكة، فلا يقصفها طيران «التحالف»، وتطارد فصائل المعارضة السورية «المعتدلة» شمال حلب وتقصف مواقعها، وتقترب من معبر باب السلامة على الحدود مع تركيا، فلا طيران التحالف يتدخل ولا الجيش التركي يفعل، لماذا؟ هل لذلك علاقة باستراتيجية أمريكية كبرى تتناول المنطقة؟
يبدو أن لسلوكية دول «التحالف الدولي»، ولاسيما الولايات المتحدة، إزاء «داعش» دوافع تتعلق بإيران وأخرى تتعلق بـِ»اسرائيل»، فواشنطن تخوض صراعاً دبلوماسياً مع ايران من اجل اقناع حكومتها بتوقيع اتفاق نووي نهائي قبل آخر الشهر الجاري يستجيب للشروط الامريكية، ولاسيما لجهة القبول بتفتيش منشآتها العسكرية واستجواب علمائها النوويين. لذلك، من المنطقي والممكن جداً أن تتواطأ واشنطن ضمناً مع «داعش» أو تكتفي بغض النظر عن انشطته التوسعية بغية توظيفها في استنزاف حلفاء ايران الاقليميين في العراق وسوريا ولبنان للضغط عليها وحملها على الاستجابة لشروطها الاساسية في «الاتفاق النووي النهائي».
الى ذلك، تنهض شكوك اخرى في احتمال أن تكون واشنطن في صدد تطمين «اسرائيل» لوقف حملتها على الاتفاق النووي المرتقب باختلاق وضع جيوسياسي جديد يصبّ في مصلحة أمنها القومي.. كيف؟ بمباشرة تنفيذ مخطط قديم– جديد يرمي إلى تفكيك العراق وسوريا إلى مجموعة من دويلات هزيلة وهزلية قائمة على أسس قبلية او مذهبية او إثنية وعاجزة تالياً عن تكوين قوة قومية رادعة للكيان الصهيوني.
ايران تنبهّت، على ما يبدو، إلى اغراض الولايات المتحدة القريبة والبعيدة، واستشعرت انعكاساتها السلبية على حلفائها الاقليميين وعلى أمنها القومي ايضاً، فبادرت إلى رفد العراق وسوريا بقوات برية كما بأسلحة متطورة لتمكينهما من صدّ «داعش» واخوته وبالتالي تعطيل مخططاتها الجيوسياسية الماثلة.
غير أن ثمة من يعتقد بين المراقبين أن للولايات المتحدة مخططاً اوسع مدى مما تقدّم بيانه: إنه استدراج ايران نفسها إلى ساحات صراعات طويلة في العراق وسوريا ولبنان بغية إنهاكها لتوافق، تحت الضغط، على اتفاق نووي يرضي واشنطن وحلفاءها.
هل يغيب هذا الاحتمال عن ذهن القيادة في ايران؟