أعلنت وزارة الطوارئ والكوارث السورية، بالتنسيق مع وزارة الخارجية، أن السلطات التركية استجابت للطلب السوري وأرسلت مروحيات للمشاركة في عمليات إخماد الحرائق المستمرة في منطقة الربيعة بجبل التركمان شمالي اللاذقية. وهذه الحرائق التي اندلعت منذ أربعة أيام، ما تزال تهدد المناطق المحيطة بسبب الرياح الشديدة وارتفاع درجات الحرارة.
تصاعد المخاوف وتحديات التضاريس
أفادت الوزارة أن المخاوف تتزايد من امتداد النيران إلى القرى المأهولة نتيجة الرياح القوية وارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى التحديات التي تفرضها التضاريس الجبلية الوعرة. كما يعوق وجود مخلفات الحرب في المنطقة وصول فرق الإطفاء إلى بعض بؤر النيران، مما يزيد من صعوبة التعامل مع الحريق.
السيطرة على أكثر من 60% من الحريق
أكدت غرفة العمليات المشتركة التي تضم وزارات الطوارئ والزراعة والداخلية والدفاع أن فرق الإطفاء تمكنت من السيطرة على أكثر من 60% من حريق الأحراج في منطقة الربيعة. ورغم التقدم المحرز، لا يزال هناك تحديات كبيرة تتعلق بتأثير الرياح على جهود الإطفاء في الساعات القادمة، ما يهدد بتوسيع نطاق الحريق.
انفجار لمخلفات حرب يعقد العمليات
وخلال عمليات الإطفاء، سجلت فرق الدفاع المدني السوري انفجارًا لمخلفات حرب في منطقة الربيعة أثناء محاولاتها للسيطرة على الحرائق الضخمة المستمرة. هذا الانفجار يعكس المخاطر المتزايدة التي تواجه فرق الدفاع المدني السوري، في وقت تتضاف فيه صعوبات جديدة بسبب سرعة الرياح وارتفاع درجات الحرارة.
خطة استجابة شاملة لإخماد الحرائق
لليوم الرابع على التوالي، تواصل فرق الدفاع المدني السوري جهودها المكثفة لإخماد الحرائق التي تلتهم المناطق الحراجية في منطقة الربيعة بجبل التركمان. وقد وضعت الفرق خطة استجابة كاملة بالتنسيق مع وزارة الطوارئ والكوارث السورية، حيث تُرسل فرق إضافية من الكوادر البشرية والآليات الثقيلة للمشاركة في عمليات الإخماد.
في الوقت الذي يواصل فيه الدفاع المدني السوري تفعيل خطة استجابة متكاملة، يظل الوضع معقدًا، مع استمرار انتشار النيران في مناطق جديدة. ومع استجابة تركيا، يبقى الأمل معقودًا على التعاون المشترك بين البلدين في مواجهة هذه الكارثة البيئية.
قالت فاطمة عمر، وهي تنقل لنا تفاصيل اللقاء العاطفي الذي جمعها بابنها محمد بعد غياب دام أكثر من عشر سنوات: "لم أصدق عيناي عندما رأيت ابني، كنت أتواصل معه عبر الهاتف، وكان قلبي يتقطع كلما أعددت أكلة يحبها، إذ كنت أتحسر على غيابه. عندما طُرق الباب، لم أتخيل أن يكون هو. على الفور، أمسك يدي وقبلها، وعانقنا بعضنا البعض وصرنا نبكي". كان محمد قد عاش في مدينة أعزاز ولم يجرؤ على العودة إلى وطنه، بسبب انتمائه للفصائل العسكرية.
التشتت السوري: معركة على الأرض والذاكرة
عانت عائلات سورية من شتات طويل بسبب الحرب، لم تكن مجرد معركة على الأرض، بل كانت معركة على الروح والذاكرة والعائلة. سنوات من التشريد والدمار أسفرت عن واقع قاسٍ، حيث تفرقت العائلات السورية في كل مكان، حتى أصبح أفراد الأسرة الواحدة غرباء موزعين بين قارات العالم. لا يجمعهم سوى الحنين وذكريات منزل قديم في قرية دمرتها الحرب.
الشتات: هجرة وأمل في العودة
رحل العديد من السوريين إلى تركيا، وآخرون عبروا البحار والحدود ليستقروا في أوروبا. البعض فضل البقاء في مناطق سيطرة النظام، رغم الظروف الأمنية الصعبة. بينما لجأ آخرون إلى مخيمات النزوح شمال سوريا، حيث عانوا من ظروف حياتية صعبة. أما آخرون فقد حاولوا بناء حياة جديدة في مدن الشمال المحرر وسط الركام.
لكن في قلب هذا التشتت، ظلّ حلم لمّ الشمل حاضرًا. كانت كل مكالمة فيديو محاولة لجمع أطراف العائلة، وكل صورة قديمة تفتح أبوابًا للبكاء على الأحبة الذين فُقدوا أو طال غيابهم.
عودة بعض الأهالي: لمّ الشمل يتحقق جزئياً
مع بداية عودة بعض الأهالي إلى قراهم المدمرة، بدأت لحظات لمّ الشمل تتحقق، وإن كان ذلك جزئيًا. في كفرنبودة، اجتمع رجال القرية في حلقة دبكة، ولم تكن الدبكة مجرد تعبير عن الفرح بالعودة، بل كانت رمزًا للقاء الأحبة بعد سنوات من الفراق. كانت هذه اللحظة تجسد صمود الناس ورسالة للعالم بأن السوريين، مهما تباعدوا، لا يفقدون صلتهم بجذورهم.
مشاهد لمّ الشمل: لقاءات لا تُنسى
في العديد من القرى، تم توثيق لقاءات عائلية مؤثرة مليئة بالمعنى. أم تقابل ابنتها التي كانت في مناطق سيطرة النظام، أخ يلتقي بشقيقه بعد سنوات من الغربة في تركيا، وجار يزور جاره لأول مرة منذ عشر سنوات.
ساحات رمزية: لمّ الشمل في قلب الوطن
بعض اللقاءات العائلية جرت في أماكن ذات رمزية خاصة: في ساحة المسجد، أو عند دوار البلدة، أو حتى في المقبرة حيث يرقد من لم تُتح له فرصة العودة. كانت هذه اللقاءات تمثل مشاهد اختصرت الحكاية السورية بكل ما فيها من دمار وفراق وأمل وعودة.
تعليق عاطفي: بداية جديدة بعد الفراق
أحد العائدين شارك تعليقًا مؤثرًا على صورة جمعته بعائلته: "البيت لم يعد كما كان، والقرية تغيرت كثيرًا... لكن أن نكون معًا، هذا وحده يكفينا لنبدأ من جديد".
لمّ الشمل: فعل مقاومة ضد الشتات والنسيان
اليوم، أصبح لمّ الشمل فعل مقاومة ليس فقط ضد الشتات، بل أيضًا ضد النسيان. وهو تذكير دائم بأن الوطن ليس مجرد مكان نعود إليه، بل هو الأشخاص الذين نعود لأجلهم.
قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في مقابلة مع قناة "24 TV" التركية، إن المقاربة التركية تجاه سوريا تقوم على مبدأ أن "القرارات الأساسية المتعلقة بسوريا يجب أن يتخذها السوريون بأنفسهم".
وأضاف فيدان أن الوضع في سوريا والعراق يظل "هشًا وخطيرًا"، مشيرًا إلى أن تركيا تتبع سياسة خارجية شاملة تهدف إلى تحسين هذا الوضع، وأعرب فيدان عن أمله في بناء "منطقة خالية من الكفاح المسلح" في سوريا، حيث يسود الاحترام المتبادل ويتمتع الجميع بالحرية والرفاهية
وأكد فيدان أن بلاده تشارك في مشاورات مع الحكومة السورية الجديدة، وتولي أهمية خاصة لوحدة الأراضي السورية. كما أشار إلى ضرورة الحوار مع الدول الأخرى لخفض التباين في المواقف، خاصة في ظل العقوبات المفروضة على سوريا من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في فترة النظام السابق.
محادثات تركيا مع إسرائيل وآلية لخفض التوتر
كما تطرق فيدان إلى المحادثات بين تركيا وإسرائيل في باكو بشأن آلية منع الاشتباك، موضحًا أن هذه الآلية تهدف إلى تقليل التوترات بين البلدين، مشددًا على أهمية الحوار قبل اتخاذ أي إجراءات أخرى.
حل "بي كي كي" والإرهاب في المنطقة
من جهة أخرى، تحدث فيدان عن عملية حل تنظيم "بي كي كي" الإرهابي بعد النداء الذي أطلقه زعيمه عبد الله أوجلان، مؤكدًا أن تركيا تنتظر استجابة التنظيم لهذه الدعوة. وأضاف فيدان أنه في حال تم تفكيك التنظيم، فإن ذلك سيؤدي إلى استقرار أكبر في المنطقة، بما في ذلك سوريا والعراق.
.
أكد الشيخ حكمت الهجري، أحد مشايخ عقل طائفة المسلمين الموحدين (الدروز) في سوريا، في مقابلة أجراها من قريته قنوات في السويداء، ونشرتها صحيفة "واشنطن بوست"، أن "إسرائيل ليست العدو"، داعيًا إلى تدخل دولي لحل الأزمة التي تمر بها مناطق جنوب سوريا.
وأضاف في تصريحات تزامنت مع تصاعد التوترات في المنطقة: "نحن في أزمة، وندعو إلى تدخل دولي"، مشيرًا إلى أن هذا الموقف يعارض بشكل كبير الآراء السائدة بين كثير من السوريين، لا سيما تلك المرتبطة بمواقف النظام المخلوع الذي لطالما ربط نفسه بالقضية الفلسطينية وعداءه لإسرائيل.
دعوة للحماية الدولية بعد المجازر
في خطوة تصعيدية، سبق أن أصدر الشيخ حكمت الهجري بيانًا شديد اللهجة عبّر فيه عن استنكاره لما وصفه بـ"المجازر الدامية" ضد المدنيين، محذرًا من الانزلاق إلى الفتن المنظمة. وأكد في بيانه على فقدان الثقة الكاملة بالحكومة السورية الحالية، والتي وصفها بأنها "تغذي التطرف وتنشر الموت بأذرعها التكفيرية".
وأوضح الهجري أن طلب الحماية الدولية هو "حق مشروع لكل شعب يُباد"، داعيًا المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري لحماية المدنيين والحد من المذابح الموثقة.
رفض الإعلان الدستوري والمطالبة بنظام ديمقراطي
سبق للشيخ الهجري أن عبّر عن رفضه للإعلان الدستوري الذي وقع عليه الرئيس السوري أحمد الشرع مؤخرًا. وطالب الهجري بإعادة صياغة هذا الإعلان بما يتناسب مع خصوصية سوريا الثقافية والتاريخية، داعيًا إلى تأسيس نظام ديمقراطي تشاركي يعكس تعددية البلاد.
المجلس العسكري في السويداء: فرض منطقة آمنة تحت إشراف دولي
من جهته، تبنّى "المجلس العسكري في السويداء" بيانه بالكامل، مطالبًا بفرض منطقة آمنة في السويداء والمناطق المحيطة بها تحت إشراف قوات دولية محايدة. ودعا المجلس إلى رفض دخول قوات الأمن العام في المنطقة، وذلك في أعقاب ما وصفه بـ"الانتهاكات" التي تعرض لها أبناء الطائفة الدرزية في منطقة صحنايا بريف دمشق.
كما طالب المجلس مجلس الأمن الدولي بتدخل عاجل لفرض المنطقة الآمنة في السويداء، داعيًا مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى إرسال فرق تحقيق لتوثيق الانتهاكات ومحاكمة المتورطين في الجرائم ضد الإنسانية.
التمسك بوحدة الدولة السورية ورفض التقسيم
في بيان وطني شامل، شددت مشيخة عقل طائفة المسلمين الموحدين الدروز على تمسكها بوحدة الدولة السورية، ورفضها القاطع لأي شكل من أشكال الانفصال أو مشاريع التقسيم. أكدت المشيخة أن الطائفة الدرزية ستظل جزءًا أصيلًا من الهوية الوطنية السورية الجامعة.
تصريحات حركة رجال الكرامة: مواجهة العصابات المسلحة في السويداء
في سياق متصل، كان أشار الشيخ ليث البلعوس، نجل مؤسس حركة "رجال الكرامة"، إلى الاعتداءات التي تعرض لها أبناء محافظة السويداء من عصابات خارجة عن القانون. وأعلن أن الحركة قد اتخذت خطوات حاسمة لتفعيل الضابطة العدلية في المحافظة، مؤكدًا ضرورة ضبط الوضع على الحدود الإدارية للسويداء من خلال فرض إجراءات لحماية الأمن والاستقرار في المنطقة.
دور الطائفة الدرزية في تعزيز السلم الأهلي
في نفس السياق، دعا الشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، إلى تعزيز السلم الأهلي في سوريا، وذلك بعد اجتماع عقده مع عدد من الشخصيات الدرزية من مناطق الـ48. وأكد المجتمعون أن أبناء الطائفة الدرزية في سوريا "ليسوا بحاجة إلى أي حماية خارجية"، مشددين على أن وحدة سوريا أرضًا وشعبًا تبقى خيارًا لا رجعة عنه.
التناقضات السياسية في السويداء: الهوية الدرزية والتوجهات الوطنية
تشير الأحداث الأخيرة في السويداء إلى التناقضات السياسية التي تحكم الطائفة الدرزية في المنطقة، والتي تتجلى في مطالبها بحقها في إدارة المحافظة مع رفضها الخضوع لحكم الأغلبية السورية السنية. بينما يصرّ الدروز على خصوصيتهم السياسية والأمنية، يواجهون تحديات في التوفيق بين رغبتهم في استقلالية محلية وبين التمسك بوحدة الدولة السورية.
مستقبل الطائفة الدرزية في سياق التغيرات السورية
يبدو أن الطائفة الدرزية في سوريا تجد نفسها في مفترق طرق، حيث تسعى للتمسك بهويتها الثقافية والسياسية في وقت عصيب، بينما تواجه تهديدات متعددة سواء من الداخل أو الخارج. إن التحديات التي تواجهها هذه الطائفة تضعها في موقع حساس في ظل التغيرات التي تشهدها البلاد، ما يفرض ضرورة اتخاذ مواقف واضحة حيال مستقبل سوريا ككل.
سلّطت صحيفة "وول ستريت جورنال" الضوء في افتتاحيتها الأخيرة على الخيارات الاستراتيجية المتاحة أمام الولايات المتحدة في سوريا، بعد التغيرات السياسية التي شهدتها البلاد مؤخراً، وبخاصة بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024. التقرير تناول أبرز المواقف الدولية تجاه الوضع السوري، مشيرًا إلى عدة عوامل تؤثر على التوجهات الأمريكية في المنطقة.
الزيارة الفرنسية وأولويات الشرع
في تطور دبلوماسي لافت، استقبل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حاكم سوريا الجديد، أحمد الشرع، في باريس. ورغم أن الشرع كان يُعتبر من قادة المعارضة الذين تم تصنيفهم من قبل الولايات المتحدة كـ"إرهابيين"، إلا أنه أظهر نبرة بناءً خلال اللقاء، حيث ارتدى بدلة رسمية وزار برج إيفل، وهو ما يمثل تحولًا في خطابه وموقفه. الرئيس الفرنسي رحب به ودعا إلى إنهاء العقوبات المفروضة على سوريا.
موقف الشرع من الجهاديين الأجانب
عندما سُئل الشرع عن الجهاديين الأجانب الذين لا يزالون يتواجدون في سوريا، لم يقدم خطة واضحة لطردهم، بل اكتفى بالقول: "الذين بقوا معنا سيلتزمون بالقانون السوري ولن يشكلوا أي تهديد". كما أشار إلى أن بعضهم أصبحوا قادة في الجيش السوري، مما يعكس تعقيد المسألة ويعزز من صعوبة اتخاذ خطوات ملموسة نحو تخفيف العقوبات.
الاستراتيجية الأوروبية والمصلحة في إعادة اللاجئين
تستفيد المصلحة الأوروبية من التغيرات في سوريا، حيث تسعى القارة إلى إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. لكن العقوبات المفروضة على سوريا تشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق هذا الهدف، وهو ما يعكس توجهًا أوروبيًا نحو تخفيف الضغوط السياسية والاقتصادية على دمشق.
الانسحاب الأمريكي وتوجهات ترامب
رغم الجدل الدائر حول السياسة الأمريكية في سوريا، يظل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ميالًا نحو الانسحاب من المنطقة. يرى البعض أنه من الممكن أن يعمل الشرع، بدعم مالي قطري ورعاية تركية، على توحيد سوريا وتوفير الاستقرار الكافي الذي يسمح بانسحاب القوات الأمريكية. وتدعم تركيا هذا التوجه، حيث ترى في الشرع شخصية محورية لتحقيق الاستقرار في سوريا.
إسرائيل تحذر من التهديدات الجهادية وأطماع تركيا
إسرائيل، من جهتها، تبدي توجسًا كبيرًا تجاه الأوضاع في سوريا. إذ تحذر من المخاطر التي قد تشكلها الجماعات الجهادية على أمنها، خاصة بعد تزايد الوجود الجهادي في بعض المناطق السورية. كما تنبه إلى نوايا تركيا في سحق الأكراد وتحويل سوريا إلى قاعدة عمليات متقدمة. وفي الوقت نفسه، تدعو إلى فرض حكم ذاتي في المناطق الجنوبية من دمشق للدروز، فيما يطالب الأكراد في الشمال الشرقي بالحكم الذاتي أيضًا.
سوريا لا مركزية: هل هي الحل؟
يعتبر التقرير أن نموذج سوريا اللامركزية ليس حلاً سحريًا، بل قد يفتح الطريق أمام فراغات في السلطة قد تستغلها التنظيمات الإرهابية مثل داعش، أو حتى إيران. مما قد يحوّل القلق من العنف الجهادي إلى نبوءة تتحقق إذا لم يتم اتخاذ تدابير فعّالة.
الآراء الأكاديمية: ما هو الحل؟
برنارد هيكل، أستاذ في جامعة برينستون، أشار إلى أنه قد لا يكون هناك حل مثالي للوضع في سوريا، مؤكدًا أن الأمريكيين يجدون صعوبة كبيرة في تقبل هذا الواقع الصعب.
الموقف السعودي: مراقبة وتقييم الوضع
فيما يتعلق بالموقف السعودي، يرى العديد من المراقبين أن المملكة قد تميل إلى منح الشرع فرصة لإثبات قدرته على حماية الأقليات وتجنب الصراعات الخارجية، مع مراقبة تطورات الوضع قبل اتخاذ أي خطوات إضافية.
خيارات الولايات المتحدة في تخفيف العقوبات
يُقترح على الولايات المتحدة أن تخفف العقوبات تدريجيًا وفقًا للالتزامات التي يمكن أن تتخذها سوريا في ملفات حيوية مثل مكافحة الجهاديين الأجانب والحد من استخدام الأسلحة الكيميائية. مع ذلك، لا يتعين على واشنطن أن تتخلى عن أوراق الضغط السياسية دفعة واحدة، خاصة إذا كانت سوريا لا تقدم ضمانات أمنية للأكراد.
التقارب الإسرائيلي والسوري: المحادثات السرية
أحد الأخبار الإيجابية التي ظهرت هو أن إسرائيل وسوريا قد أجروا محادثات سرية، كما فعلت إسرائيل مع تركيا، وهو ما يعكس تطورًا مهمًا في العلاقات بين الأطراف الفاعلة في المنطقة.
دور الولايات المتحدة: منع التصادم الإقليمي
أحد الأدوار الأكثر أهمية التي يمكن أن تلعبها الولايات المتحدة في سوريا، حسب التقرير، هو المساعدة في منع تصادم القوى الإقليمية مثل إسرائيل وتركيا. كلا البلدين لديهما خلافات مع إيران، ومن الممكن أن يسهم التدخل الأمريكي في تقليل حدة الصراع بين هذه القوى.
خاتمة: خيارات صعبة وأفق ضبابي
تستمر التحديات والفرص أمام الولايات المتحدة في سوريا في ظل المشهد المعقد، مع ضرورة اتخاذ قرارات دقيقة في وقت حساس. الخيارات الأمريكية في سوريا تبدو محكومة بالتوازن بين حماية مصالحها وحماية الاستقرار الإقليمي، في وقت تتعدد فيه الأصوات الدولية والإقليمية التي تدفع باتجاه حلول مختلفة.
أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات تقريرًا استراتيجيًا جديدًا بعنوان "مستقبل القضية الفلسطينية في سورية"، أعدّه الباحث السياسي د. طارق حمود، والذي يسلط الضوء على الآفاق المستقبلية للاجئين الفلسطينيين في سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024.
واقع جديد للفلسطينيين في سورية: التحديات تتضاعف مع التحول السياسي
التقرير يشير إلى أن التحول السياسي الذي شهده البلد يمثل نقطة مفصلية في مسار القضية الفلسطينية في سورية، حيث يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام واقع أمني وإداري هش، نتيجة غياب سياسات واضحة من قبل الحكومة الجديدة فيما يخص أوضاعهم القانونية والسياسية.
أهم التحديات التي تواجه اللاجئين الفلسطينيين في المرحلة المقبلة
التقرير يحدد ثلاثة تحديات رئيسية تواجه الفلسطينيين في سورية بعد التغيير: الأول هو إعادة إعمار المخيمات المدمرة، وخاصة مخيم اليرموك، والثاني هو الكشف عن مصير آلاف المعتقلين والمختفين قسريًا في سجون النظام السابق، والثالث هو ملف عودة النازحين، داخليًا وخارجًا. كما يركز على ضرورة توفير بيئة قانونية وإنسانية تضمن حقوق اللاجئين وتحفظ لهم كرامتهم وأمانهم.
الضغوط الدولية والخيارات السياسية أمام دمشق
تناول التقرير أيضًا الشروط الأمريكية المفروضة على سورية مقابل تخفيف العقوبات، خاصة ما يتعلق بإنهاء الوجود العسكري والسياسي للفصائل الفلسطينية. وقد أشار إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة للتعامل مع هذا الملف: الالتزام التام بالشرط، فرض قيود على العمل العسكري فقط، أو تجاهل الشرط والإبقاء على الوضع القائم.
التوصيات الأساسية لمستقبل فلسطينيي سورية في المرحلة الانتقالية
ختم التقرير بتوصيات هامة، مثل التأكيد على "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين، إعادة تنشيط التنسيق المؤسسي بين سوريا وفلسطين، وصياغة إطار قانوني انتقالي يضمن الحقوق المدنية والسياسية للفلسطينيين داخل الدولة السورية الجديدة.
الفلسطينيون في سورية: بين الأمل والتحديات في مرحلة ما بعد الأسد
يأتي هذا التقرير في وقت حاسم، حيث يعيد الفلسطينيون في سورية تقييم موقعهم داخل الخارطة السياسية والاجتماعية للبلاد بعد عقود من التهجير والاستقرار النسبي. التقرير يعيد طرح الأسئلة المتعلقة بمستقبلهم في وطن اللجوء، ويقترح سياسات من شأنها تحسين أوضاعهم في المرحلة القادمة.
أكد "فضل عبد الغني" المدير التنفيذي للشبكة السورية لحقوق الإنسان، في مقال نشره موقع "تلفزيون سوريا"، أهمية العدالة الانتقالية في سوريا لمنع الانتقام وضمان الاستقرار ما بعد النزاع.، لافتاً إلى طي صفحة مظلمة من تاريخ سوريا امتدت لأكثر من نصف قرن مع سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024.
وأكد "عبد الغني" أن هذا التحول التاريخي، الذي جاء بعد أربعة عشر عاماً من نزاع مسلح مدمّر، يضع المجتمع السوري أمام مفترق طرق مفصلي: إما المضي نحو بناء دولة قائمة على العدالة وسيادة القانون، أو الانزلاق نحو دوامة من الفوضى والانتقام وتصفية الحسابات.
تبرز اليوم معضلة جوهرية في المشهد السوري تتمثل في التوازن بين الرغبة المشروعة للضحايا في تحقيق العدالة، وخطر تحول هذه الرغبة إلى أعمال انتقام فردية خارج إطار القانون. بدأنا نشهد بالفعل حالات متزايدة من الانتقام الشخصي ضد عناصر محسوبة على النظام السابق، وإن استمرار هذه الظاهرة وتوسعها يهدد بتقويض أي فرصة لبناء سلام مستدام، ويضع العملية الانتقالية برمتها على محك خطير. من هنا تبرز الأهمية القصوى لوجود إطار مؤسسي للعدالة الانتقالية، يستجيب لتطلعات الضحايا في الإنصاف ويكفل حقوقهم، ويحمي المجتمع من الانزلاق نحو حلقة جديدة من العنف المدمر.
ثانياً: إرث الانتهاكات الجسيمة وتداعياتها المجتمعية
يواجه المجتمع السوري اليوم إرثاً ثقيلاً من الانتهاكات الجسيمة التي ارتُكبت على مدار 14 عاماً من النزاع المسلح. وفقاً لقاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد وُثّق مقتل ما لا يقل عن 231 ألف مدني، من بينهم 202 ألف قُتلوا على يد قوات نظام الأسد. كما تم توثيق 157 ألف حالة إخفاء قسري، إضافة إلى استخدام أسلحة محرمة دولياً بشكل ممنهج، حيث ألقى الطيران الحربي ما لا يقل عن 81,916 برميلاً متفجراً، ونفّذ 217 هجوماً كيميائياً، و252 هجوماً بذخائر عنقودية. وقد أدت هذه الانتهاكات الممنهجة إلى تشريد قرابة 14 مليون سوري – أي ما يعادل نصف السكان – بين نازح داخلي ولاجئ في دول الجوار والعالم.
تتجاوز هذه الأرقام المجردة حدود الإحصاءات لتشكل جروحاً عميقة في الوجدان الجمعي السوري. فالأثر النفسي والاجتماعي لهذه الانتهاكات يمتد بشكل متشعب ومعقد في أنسجة المجتمع بأكمله. لقد شهدنا انهياراً حاداً في منظومة القيم الاجتماعية، وتفككاً بنيوياً في النسيج المجتمعي التقليدي، وتدميراً شاملاً لشبكات الأمان والتضامن المحلية. وقد أدت عمليات النزوح القسري الهائلة إلى تمزيق النسيج الديموغرافي للمدن والقرى السورية، وخلق واقع جديد من الاستقطاب الحاد والفرز السكاني على أسس طائفية وسياسية. كما تركت تجارب الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري آثاراً نفسية عميقة وممتدة، لا تقتصر على الضحايا المباشرين فحسب، بل تمتد لتشمل دوائر أوسع من عائلاتهم ومجتمعاتهم المحلية.
في ظل هذا الواقع المأزوم والمعقد، بات خطر الانتقام الشخصي وتصفية الحسابات تهديداً وجودياً للاستقرار المجتمعي في مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد. وتؤكد تجارب الدول الخارجة من نزاعات مشابهة أن غياب آليات العدالة المؤسسية والمنظمة يؤدي حتماً إلى تنامي ظاهرة "العدالة الشعبية" أو "محاكم الشارع". وتُستغل هذه العمليات غالباً لدوافع انتقامية شخصية ولمصالح اقتصادية أو طائفية. هذا الواقع المنفلت من الضوابط القانونية والأخلاقية يؤدي إلى تآكل ثقة المواطنين بالعدالة، ويُسهم في إنتاج موجات جديدة من العنف، الأمر الذي يزيد من تعقيد إمكانيات الوصول إلى السلم الأهلي، ويقوّض بشكل جذري أسس بناء الدولة ويعرقل أي مسار حقيقي للمصالحة الوطنية.
إن التجربة العراقية بعد سقوط نظام صدام حسين تمثل مثالاً صارخاً على مخاطر غياب استراتيجية متكاملة للعدالة الانتقالية، حيث أدى ذلك إلى تفاقم الانقسامات الطائفية وإطلاق موجات متعاقبة من العنف الانتقامي. وفي جوهر المسألة، فإن المواطنين لا يلجؤون إلى الانتقام الشخصي إلا عندما يفقدون الثقة تماماً في قدرة المؤسسات الرسمية على تحقيق العدالة الحقيقية والفعالة.
ثالثاً: رؤية شاملة للعدالة الانتقالية في سوريا
طورت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، استناداً إلى خبرتها الميدانية الممتدة على مدار 14 عاماً، رؤية متكاملة للعدالة الانتقالية في سوريا. تقوم هذه الرؤية على فهم عميق للسياق السوري وخصوصياته الفريدة، وتستلهم أفضل الممارسات الدولية في مجال العدالة الانتقالية، مع تكييفها بشكل دقيق بما يتناسب مع التعقيدات المحلية.
الخطوة الأولى تتمثل في إنشاء هيئة وطنية للعدالة الانتقالية، تكون بمثابة المظلة المؤسسية الجامعة لإدارة العملية برمتها وضمان تناسقها. تتمتع الهيئة المقترحة باستقلالية مالية وإدارية تامة عن السلطة التنفيذية، مع صلاحيات واسعة تتيح لها القيام بمهامها بفعالية ونزاهة. وتضم الهيئة خبراء متخصصين من اختصاصات متنوعة - كالقانون المحلي والدولي، والتوثيق وجمع الأدلة، والاقتصاد، والدعم النفسي والاجتماعي - وتراعي في تشكيلها بدقة التنوع الديني والعرقي والسياسي للمجتمع السوري، مما يضمن تمثيلاً شاملاً وعادلاً.
وتتمحور هذه الرؤية حول أربعة أركان أساسية تشكل معاً منظومة متكاملة ومترابطة لتحقيق العدالة، والمساءلة، والمصالحة، وضمان عدم تكرار انتهاكات الماضي المؤلمة.
الركن الأول هو المحاسبة الجنائية، التي تشكل حجر الزاوية في أي عملية عدالة انتقالية فعّالة. لذا يجب إنشاء محاكم خاصة مختلطة، تجمع بكفاءة بين القضاة والخبراء المحليين والدوليين، للنظر بشكل محايد ومهني في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت خلال سنوات النزاع المريرة.
الركن الثاني يتمثل في عمليات الحقيقة والمصالحة، ويتضمن توثيقاً منهجياً للانتهاكات وتحديداً دقيقاً لمرتكبيها، وإنشاء لجان متخصصة للحقيقة تضم خبراء قانونيين ونفسيين واجتماعيين وممثلين عن المجتمع المدني والضحايا، لضمان معالجة شاملة للماضي تمهد الطريق نحو المصالحة الحقيقية.
الركن الثالث يركز على جبر الضرر وإصلاح المؤسسات، ويشمل تعويض الضحايا مادياً ومعنوياً بصورة عادلة وشاملة. فعلى المستوى المادي، يجب تقديم منح نقدية وخدمات تفضيلية للضحايا وأسرهم، وإعادة حقوق الملكية المنهوبة، وتمويل مشاريع الإسكان وبرامج إعادة التأهيل الاقتصادي. أما على المستوى المعنوي، فيجب تطوير برامج متكاملة لإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي، وبناء نصب تذكارية تخلد ذكرى الضحايا، وتخصيص أيام وطنية لإحياء ذكراهم بكرامة، وإنشاء متاحف ومراكز توثيق تحفظ الذاكرة الجماعية.
الركن الأخير هو إصلاح المؤسسات التي تورطت في الانتهاكات، خاصة المؤسسات القضائية والأمنية والعسكرية، بما يضمن بناء حكم القانون ومنع تكرار انتهاكات الماضي.
رابعاً: ضرورة التنفيذ العاجل
تشير الدراسات والأدبيات المتخصصة في مجال العدالة الانتقالية إلى وجود "نافذة فرصة" حرجة تعقب مباشرة سقوط الأنظمة الاستبدادية وانتهاء النزاعات المسلحة. هذه النافذة الزمنية، التي نادراً ما تمتد لأكثر من عام واحد، تمثل فترة حاسمة وذهبية يمكن استثمارها بفعالية لوضع أسس متينة للعدالة الانتقالية. وفي السياق السوري الراهن، نجد أنفسنا الآن في خضم هذه الفترة الحرجة والفاصلة، وأي تأخير في التحرك السريع والمدروس قد يؤدي حتماً إلى ضياع فرصة تاريخية لا تعوض لإرساء أسس العدالة والمصالحة المستدامة. تقدم تجارب دول مثل تشيلي والأرجنتين وجنوب أفريقيا دروساً قيّمة وملهمة حول أهمية التحرك السريع والمنهجي في هذه المرحلة الحساسة، في حين تُظهر تجارب العراق وليبيا وكمبوديا بوضوح العواقب الوخيمة والتكاليف الباهظة للتأخير والارتجالية.
إن تأجيل تطبيق آليات العدالة الانتقالية يعرّض المجتمع السوري لمخاطر متعددة ومتشعبة، أبرزها ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب التي سادت لعقود طويلة، مما يقوّض بشكل خطير الثقة في شرعية المؤسسات الجديدة ويبعث برسالة مدمرة مفادها أن ارتكاب الانتهاكات الجسيمة لا يستتبع مساءلة حقيقية. كما أن التأخير يعمق شعور الإحباط والغبن لدى قطاعات واسعة من الضحايا، ويغذي بشكل مباشر نزعات الانتقام الفردي. وهناك حقيقة اجتماعية-نفسية جوهرية لا يمكن تجاهلها: فراغ العدالة الرسمية سرعان ما تملؤه أشكال من "العدالة الشعبية" التي غالباً ما تكون عشوائية وانتقامية وتفتقر للضمانات القانونية الأساسية.
تشكل الأشهر الأولى بعد سقوط نظام الأسد، والتي توشك على الانقضاء، فترة مفصلية ونوعية تتيح فرصة نادرة لإرساء قواعد جديدة وراسخة للتعامل مع إرث الماضي الثقيل. ففي هذه الفترة الحاسمة، يتوفر اهتمام وطني ودولي استثنائي بقضايا العدالة، وتكون الذاكرة الجماعية لما جرى حاضرة بقوة وحيوية. كما أن الفصائل والمجموعات المسلحة تكون أكثر استعداداً للتعاون في هذه المرحلة المبكرة، قبل أن تترسخ مصالح جديدة وتتبلور تحالفات قد تعرقل بشدة مسارات العدالة مستقبلاً. لذا، من الضروري والحتمي استثمار هذه النافذة الزمنية الضيقة لوضع الأطر القانونية والمؤسسية المتينة التي ستحكم عملية العدالة الانتقالية برمتها.
تواجه سوريا مجموعة من المخاطر المحددة والملموسة التي تجعل التنفيذ العاجل للعدالة الانتقالية أمراً لا يحتمل التأجيل أو التسويف:
1. اختفاء الأدلة: مع مرور الوقت، تتزايد بشكل كبير مخاطر فقدان أدلة حاسمة وجوهرية على الانتهاكات. لقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بالفعل محاولات من بعض الأطراف لتدمير وثائق وأدلة خاصة في الأيام الأولى والحاسمة لسقوط نظام الأسد.
2. فرار المسؤولين عن الانتهاكات: تجري حالياً محاولات من قبل متورطين رئيسيين في انتهاكات جسيمة للهروب خارج البلاد والإفلات من المساءلة. كل يوم يمر دون إنشاء آلية واضحة وفعالة للمساءلة الجنائية يزيد من فرص هروب المزيد من المتورطين، مما يهدد بشكل مباشر بضياع فرصة العدالة الحقيقية للضحايا.
3. تصاعد أعمال الانتقام الفردية: في غياب آليات مؤسسية فعالة للعدالة، يتزايد بشكل مقلق خطر انتشار أعمال الانتقام الفردية والجماعية. وكما يُظهر التاريخ بوضوح، فإن دورات الانتقام تميل إلى توليد دورات مضادة من العنف المضاد، مما يؤدي إلى استمرار دوامة العنف بأشكال جديدة ومتجددة.
4. ترسيخ الانقسامات المجتمعية: أدى النزاع السوري إلى استقطاب حاد وعميق في المجتمع على أسس سياسية وطائفية وإثنية متعددة. وبغياب آليات رسمية وشاملة للكشف عن الحقيقة والمساءلة والمصالحة، تترسخ هذه الانقسامات بشكل متزايد وتتحول إلى هويات متصلبة يصعب تجاوزها مستقبلاً. لقد أثبتت تجارب دول مثل رواندا ويوغوسلافيا السابقة وإيرلندا الشمالية أن التأخير في معالجة الانقسامات المجتمعية بعد النزاع يجعلها أكثر استعصاءً على الحل مع مرور الوقت.
5. تآكل الذاكرة الجمعية والتطبيع مع الإجرام: في ظل غياب مسار واضح وفعال للعدالة الانتقالية، تظهر بوادر خطيرة تهدد الذاكرة الجمعية، بما في ذلك احتمالات طمس الحقيقة وتشكيل روايات متضاربة حول سنوات النزاع تغذيها بدرجة كبيرة حالة من التطبيع مع الوجود العلني للجناة في الحياة العامة.
في سوريا اليوم، لا يزال عدد من الأفراد المتورطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك مجرمو حرب بارزون (مثل فادي صقر ومحمد حمشو)، يعيشون داخل المجتمع السوري ويواصلون حياتهم اليومية دون الخضوع لأي مساءلة قانونية. التراخي في محاسبة هؤلاء لا يضعف فقط من ثقة الضحايا بعدالة المرحلة الانتقالية، بل يخلق أيضاً مناخاً مطبعاً مع الإجرام ويقلل من خطورته في الوعي العام، ويبقي على عناصر خطيرة داخل المجتمع قد تعيد إنتاج العنف في أي لحظة.
6. إعاقة المصالحة الوطنية: تُعد المصالحة الوطنية الحقيقية هدفاً رئيسياً وأساسياً للعدالة الانتقالية، لكنها لا تتحقق تلقائياً بمجرد انتهاء النزاع. إنها عملية معقدة ومتعددة الأبعاد تتطلب بناء الثقة، والاعتراف العلني بمعاناة الضحايا، وتقديم المسؤولين للمحاسبة العادلة، وإصلاح المؤسسات التي سمحت بالانتهاكات. كل يوم يمر دون خطوات ملموسة في هذا الاتجاه، يزيد من تجذر الضغائن ويُصعِّب مسار المصالحة مستقبلاً. في سوريا اليوم، تتوفر فرصة نادرة وثمينة لبدء عملية حوار وطني شامل حول الماضي وكيفية التعامل معه بشكل بنّاء، لكن هذه الفرصة تتآكل بسرعة مع مرور الوقت. إن آليات العدالة الانتقالية توفر منصة مثالية لهذا الحوار وتضمن أن يكون بناءً ومنتجاً، وليس مجرد تبادل للاتهامات أو محاولة لطمس الحقيقة.
في ضوء هذه المخاطر المتعددة والملموسة، أعتقد جازماً أن تأجيل تطبيق العدالة الانتقالية لا يجب أن يكون خياراً مطروحاً لسوريا، بل إن التحرك السريع والمنهجي والشامل هو ضرورة وطنية ملحة وحتمية لبناء مستقبل آمن ومستقر لجميع السوريين.
خامساً: العدالة الانتقالية وبناء الدولة: موازنة الأولويات في سياق الدول الهشة
تثير المسارات المعقدة للعدالة الانتقالية في الدول الخارجة من النزاعات العديد من التساؤلات العميقة حول الأولويات والتوقيت والمقاربات المثلى. إن الموازنة الدقيقة بين مقتضيات إعادة بناء الدولة وتحقيق العدالة للضحايا تمثل تحدياً استراتيجياً محورياً يستلزم فهماً عميقاً ومتبصراً للسياقات المحلية والمخاطر المحتملة. في السياق السوري الراهن، تبرز هذه المعضلة بشكل جلي وملموس، حيث تتنافس احتياجات التعافي الاقتصادي العاجلة، وتحقيق الأمن المستدام، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، مع مطالب العدالة والمساءلة المشروعة، في ظل موارد محدودة للغاية وقدرات مؤسسية هشة وضعيفة.
يرتكز خطاب "الاستقرار أولاً، العدالة لاحقاً" على فرضية أساسية مفادها أن إعادة بناء الدولة ومؤسساتها تشكل أولوية قصوى وملحة، وأن المساءلة القانونية قد تهدد هذا المسعى الحيوي من خلال إثارة الانقسامات المجتمعية وتقويض التسويات السياسية الهشة. غير أن دراسات الحالة المقارنة المعمقة من تجارب السلفادور وغواتيمالا وسيراليون وتيمور الشرقية تشير بوضوح إلى أن تأجيل مسارات العدالة يمكن أن يؤدي إلى ترسيخ نماذج خطيرة للإفلات من العقاب وإعادة إنتاج دورات العنف على المدى المتوسط والطويل. لذا أعتقد أن المقاربة الأكثر توازناً واستدامة هي النظر إلى العدالة الانتقالية وبناء الدولة ليس كمسارين متعارضين بالضرورة، بل كعمليتين متكاملتين ومترابطتين يعزز كل منهما الآخر بشكل عضوي، شريطة تصميمهما بحساسية عالية ودقة متناهية للخصوصيات السياقية المحلية.
تؤكد الأدبيات المتخصصة أن مفهوم العدالة الانتقالية يمثل في جوهره "مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية المتكاملة التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان". بيد أن خصوصية كل سياق وطني تتطلب تكييفاً دقيقاً لهذه الآليات والتفكير الاستراتيجي في توقيتها وتسلسلها المنطقي. وتكشف بعض التجارب الدولية المقارنة أن فرض آليات العدالة الانتقالية بشكل شامل ومتسرع في سياقات هشة ومأزومة قد يؤدي إلى نتائج عكسية غير مقصودة. فقد أشارت دراسات متعمقة تناولت عدة حالات دولية إلى أن "حجم الفظائع المرتكبة وتعقيدات المشهد السياسي تمثل تحديات هائلة تستدعي مقاربات مدروسة ومتأنية".
في ضوء كل ما سبق، هناك ضرورة للتفكير بمقاربة متدرجة ومتوازنة تراعي بدقة خصوصية الحالة السورية الفريدة، حيث المؤسسات الرسمية في حالة انهيار شبه تام، والانقسامات المجتمعية عميقة ومتشعبة، واحتياجات إعادة الإعمار هائلة وملحة. لذا أعتقد أن هناك ضرورة حتمية لتبني مسار متدرج ومتسلسل للعدالة الانتقالية، يبدأ بالخطوات الأكثر إلحاحاً وقابلية للتنفيذ، مع وضع خارطة طريق واضحة المعالم وزمنية للمدى المتوسط والبعيد. وفي المقابل، تكمن مخاطر النهج المتسرع والشامل في احتمالية تحميل المؤسسات الناشئة والهشة أعباءً تفوق قدراتها الفعلية، وخلق توقعات غير واقعية لدى قطاعات واسعة من الضحايا، مما قد يؤدي إلى خيبات أمل مؤلمة وتأجيج للتوترات المجتمعية الكامنة.
سادساً: خاتمة
تقف سوريا اليوم على مفترق طرق تاريخي ومصيري، بعد أربعة عشر عاماً من نزاع مدمر، وعقود طويلة من الحكم الأسدي الاستبدادي القاسي. إن الخيارات الاستراتيجية التي ستتخذها الدولة والمجتمع خلال هذه المرحلة الانتقالية الحرجة ستحدد بشكل حاسم مسار البلاد لعقود قادمة، وستؤثر بصورة مباشرة وعميقة على فرص تحقيق الاستقرار المستدام والسلام الاجتماعي الحقيقي. في هذا السياق المفصلي، تبرز العدالة الانتقالية بوضوح كطريق وسط استراتيجي ومتوازن بين نقيضين خطيرين: سياسة الإفلات من العقاب التي تديم الظلم التاريخي وتزرع بذور الصراعات المستقبلية المحتومة، ودوامة الانتقام والثأر العشوائي التي تهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي الهش وإشعال حلقة جديدة من العنف المدمر.
إن العدالة الانتقالية، بمفهومها الشامل والمتكامل الذي يتجاوز حدود المحاكمات القضائية ليشمل آليات الحقيقة والمصالحة وجبر الضرر وإصلاح المؤسسات، توفر إطاراً متكاملاً ومرناً يتيح للسوريين المضي قدماً نحو المستقبل دون التنكر للماضي المؤلم أو الانغماس الكامل فيه. إنها تقدم مقاربة متوازنة وعملية تعترف بحق الضحايا الأصيل في العدالة والإنصاف، وتضع حداً لثقافة الإفلات من العقاب المتجذرة، وتمهد الطريق للمصالحة الوطنية الحقيقية القائمة على الاعتراف الصريح بالحقيقة، وليس على طمسها أو تجاهلها.
نوجه دعوة صريحة وعاجلة وملحة إلى السلطات السورية الانتقالية للتحرك الفوري والجاد في هذا المسار الحيوي. إن نافذة الفرصة التاريخية المتاحة لإرساء أسس متينة للعدالة الانتقالية ضيقة للغاية، ولا تحتمل التأجيل أو التسويف. ندعوكم بكل إخلاص للاستجابة العاجلة لتطلعات ملايين السوريين الذين عانوا ويلات الظلم والانتهاكات الجسيمة، وللتعامل بمسؤولية تاريخية مع الإرث الثقيل للنزاع. إن استثمار الموارد والجهود في مسار العدالة الانتقالية لا يمثل أبداً رفاهية يمكن تأجيلها، بل هو شرط أساسي وجوهري لبناء دولة مستقرة وديمقراطية تقوم على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية.
إن سوريا تقف اليوم أمام فرصة تاريخية نادرة لكسر دورة العنف والظلم التي استمرت لعقود طويلة. إن اختيار مسار العدالة الانتقالية المدروس والمتوازن والشامل يمثل فرصة فريدة لا تعوض لبناء سوريا جديدة ومختلفة، ليس فقط من خلال إعادة بناء ما دمرته الحرب من حجر وبنيان مادي، بل الأهم والأعمق، من خلال معالجة الجروح النفسية العميقة التي تركها النزاع المرير في النفوس والمجتمع. إن هذه اللحظة التاريخية الفارقة تتطلب شجاعة استثنائية وحكمة بالغة وبصيرة نافذة، لتحويل المحنة الوطنية القاسية إلى فرصة حقيقية للتعافي الشامل والمصالحة الوطنية وبناء مستقبل أفضل وأكثر عدلاً لجميع السوريين دون استثناء.
لنجعل من العدالة الانتقالية جسراً متيناً نعبر به من ظلمات الماضي المؤلم إلى نور المستقبل الواعد، ومن مرارة الصراع الدامي إلى السلام المستدام، ومن تشظي الهوية الوطنية إلى وحدة الوطن وتماسكه. هذه هي الرسالة الأساسية التي نوجهها بكل إخلاص إلى صناع القرار في سوريا الجديدة: لقد آن الأوان لسوريا العريقة أن تتعافى وتنهض بقوة من رمادها، ولن يتحقق هذا التعافي الحقيقي والشامل إلا إذا كان متكاملاً في أبعاده كافة - جسداً وروحاً، أرضاً وإنساناً، حاضراً ومستقبلاً.
المصدر: تلفزيون سوريا
ترأس وزير الأوقاف السوري الدكتور محمد أبو الخير شكري، اليوم، وفدًا رسميًا من الوزارة في زيارة إلى المملكة العربية السعودية، بهدف تعزيز العلاقات الدينية والتنسيق المشترك بين البلدين الشقيقين.
وأفادت وزارة الأوقاف عبر قناتها على التلغرام أن الزيارة تتضمن سلسلة من الاجتماعات واللقاءات مع الجهات المعنية بالشؤون الدينية في المملكة، بهدف تعزيز التعاون وتنسيق الجهود المشتركة بين الجانبين.
وتتماشى الزيارة مع إستراتيجية وزارة الأوقاف التي تهدف إلى تعزيز التواصل مع المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي، بما يسهم في خدمة البلاد والمجتمع.
تعاون سوري سعودي لتسهيل خدمات الحجاج السوريين
في وقت سابق، عقد رئيس الهيئة العامة للطيران المدني والنقل الجوي السوري، السيد أشهد الصليبي، اجتماعًا رسميًا مع رئيس الهيئة العامة للطيران المدني السعودي ورئيس المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للطيران المدني، السيد عبد العزيز الدعيلج، بحضور وفدين من الجانبين. جاء الاجتماع على هامش فعاليات مؤتمر المنظمة الدولية للطيران المدني (الإيكاو) في العاصمة القطرية الدوحة.
وبحسب بيان الهيئة السورية، تناول الاجتماع سبل تعزيز التعاون في مجال الطيران المدني وتطوير الشراكات الاستراتيجية بين البلدين، بما في ذلك رفع مستوى السلامة الجوية وتسهيل إجراءات النقل. كما تم مناقشة ملف نقل الحجاج السوريين خلال موسم الحج المقبل.
تحضيرات موسم الحج 1446 هـ
وجاء الاجتماع في إطار التعاون المتزايد بين سوريا والسعودية في ملف الحج، حيث أعلنت وزارة الأوقاف السورية عن بدء التحضيرات الرسمية لموسم الحج لعام 1446 هـ، بعد اجتماع في مدينة جدة بين وفد الوزارة ونظرائه من وزارة الحج والعمرة السعودية.
وخلال الاجتماع، تم الاتفاق على تخصيص حصة قدرها 22,500 حاج سوري لموسم الحج القادم، كما بدأ التنسيق مع شركات النقل والإقامة والرعاية الصحية لتوفير خدمات متكاملة وفق أعلى المعايير.
وأكدت وزارة الأوقاف السورية أن الاستعدادات جارية بالتعاون مع الشركاء لضمان سلاسة موسم الحج، مع الالتزام بالبروتوكولات الصحية والتنظيمية المعتمدة دوليًا.
استمرار التنسيق بين سوريا والسعودية
يعكس لقاء الصليبي بالدعيلج استمرار التنسيق بين المؤسسات المعنية في البلدين لضمان وصول الحجاج السوريين إلى الأراضي المقدسة بأمان وتنظيم عالٍ. ويعتبر هذا التنسيق خطوة مهمة نحو تطبيع العلاقات الخدمية بين الرياض ودمشق الجديدة، بما يعزز انفتاح سوريا على محيطها العربي ويخدم مصالح المواطن السوري.
يشهد مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق تحولاً ملموسًا في عمليات إعادة الإعمار والنشاط التجاري منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، وفقًا لشهادات العديد من سكان المخيم، وفق ماأفاد تقرير لـ "مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا".
بعد سنوات من القيود الأمنية والابتزاز المالي الذي فرضته سلطات النظام على عمليات الترميم والإعمار منذ سيطرته على المخيم في 2018، بدأت الحياة تعود تدريجيًا إلى شوارعه وأزقّته.
عودة الحياة التجارية إلى اليرموك
قال نشطاء من أبناء المخيم: "في الماضي، كنا ننتظر شهورًا لرؤية أي تغييرات في الحي، أما اليوم، فكل يوم يشهد تغييرات جديدة؛ محل يفتح، منزل يُسكن، شارع يُنظف. الحياة عادت إلى اليرموك من جديد، والحركة التجارية باتت نشطة بشكل لافت."
وأشار أحد الناشطين إلى أن أكثر من عشرين محلًا تجاريًا في طور التجهيز لافتتاحها قريبًا، بما في ذلك مطعم "الوسيم" للشاورما والعصائر، إضافة إلى افتتاح "مسجد الوسيم" في الأيام القادمة. هذه التطورات تشير إلى زيادة في عدد السكان والإقبال على السكن والاستثمار في المخيم، خاصة مع قرب انتهاء العام الدراسي وعودة المزيد من العائلات.
التحديات المستمرة: النفايات والنقل
رغم هذا التحسن الملحوظ، يواجه المخيم تحديات كبيرة تؤثر على سرعة الانتعاش، وفقًا لشهادات الأهالي. حيث عبّر عدد منهم عن استيائهم من تراكم الأنقاض والنفايات على الأرصفة، مما يجعل التنقل داخل المخيم صعبًا، خاصة في المناطق التي لم تُفتح فيها محلات بعد.
قالت أمل، إحدى سكان المخيم: "نطالب الجهات المعنية بتخصيص فرق تنظيف دائمة للمخيم، وتنبيه أصحاب المنازل والمحال بضرورة الحفاظ على النظافة. لا يجوز أن تبقى الأرصفة مغلقة بالنفايات بينما المخيم يستعيد عافيته."
أما فيما يخص المواصلات، فقد اعتبرها الأهالي "العقبة الأكبر" أمام عودة السكان بشكل أسرع. حيث تعاني مناطق المخيم من غياب شبه تام لوسائل النقل العامة. تحدثت أم أحمد، وهي أم لثلاثة أطفال، عن معاناتها اليومية قائلة:
"السرافيس لا تدخل المخيم إلا نادراً، وإذا دخلت، لا تقبل بأقل من 3000 ليرة للراكب، أما الوصول إلى منطقة التربة فحدث ولا حرج، ننتظر ساعات ولا نجد وسيلة نقل، وغالبًا ما نضطر لأخذ تاكسي لا يقل أجره عن 25 ألف ليرة، وفي طريق العودة نمشي على الأقدام."
وأضافت: "هذه التسعيرة نصل بها إلى الحميدية، أما هنا فالأمر بات استغلالًا واضحًا، حيث كل من يملك وسيلة نقل أو عقار يسعى للربح دون مراعاة للناس العائدين بعد سنوات من التشرد والمعاناة."
الحاجة إلى حلول فورية
تؤكد هذه الشهادات أن مخيم اليرموك بدأ ينهض من تحت الركام، ولكن استمرار هذا الزخم يتطلب معالجة فورية للمشكلات الخدمية الأساسية، خاصة فيما يتعلق بالنظافة والمواصلات، لضمان عودة آمنة وكريمة للسكان الذين دفعوا ثمناً باهظًا خلال سنوات الحرب والتدمير والتهجير.
انطلقت في العاصمة دمشق فعاليات مؤتمر "نهضة تك"، الحدث التقني الأول من نوعه في سوريا، بحضور وزير الاتصالات والتقانة المهندس عبد السلام هيكل، وعدد من المختصين والمهتمين بريادة الأعمال والتقنيات الحديثة.
وشهد المؤتمر إطلاق منصة "هدهد"، التي تُعد أول منصة سورية رقمية متخصصة بتصدير المنتجات المحلية إلى الأسواق الخارجية، في خطوة تهدف إلى دعم الاقتصاد الوطني، وتعزيز فرص النفاذ الرقمي للمنتج السوري على المستوى العالمي.
ويأتي هذا الحدث ضمن مساعي تعزيز الابتكار والتحول الرقمي، وفتح آفاق جديدة أمام الصناعات الوطنية في الأسواق الدولية.
وشهد مؤتمر سوريا الأول للذكاء الاصطناعي في دمشق انطلاقة تقنية بارزة، مع تجربة أول برج يعمل بتقنية الجيل الخامس (5G)، وذلك بحضور وزير الاتصالات والتقانة عبد السلام هيكل، الذي ظهر في صورة خلال المؤتمر وهو يختبر سرعة الاتصال بالإنترنت باستخدام البرج الجديد.
وأقيم المؤتمر في فندق الشيراتون بدمشق جمع نخبة من الخبراء والمبتكرين والمهتمين في مجالات الذكاء الاصطناعي، لعرض أحدث التطورات في هذا المجال على المستوى المحلي والإقليمي.
وتأتي تجربة الجيل الخامس ضمن توجه أوسع لوزارة الاتصالات لتحقيق نقلة نوعية في البنية التحتية الرقمية، إذ سجلت الوزارة، وفق متابعين، مؤشرات تطور ملموسة خلال الربع الأول من العام الجاري.
وفي سياق موازٍ، أجرى الوزير هيكل زيارة إلى المؤسسة السورية للبريد، حيث ناقش مع القائمين فيها آليات تحسين جودة الخدمات البريدية ورفع كفاءتها، بما يلبي حاجات المواطنين، إلى جانب خطط تطوير شاملة وتوسيع نطاق الخدمات وتعزيز التنسيق مع الجهات الحكومية المختلفة.
ويرى مراقبون أن مثل هذه الخطوات تشير إلى مساعٍ حثيثة لوضع سوريا على خارطة التحول الرقمي، وسط آمال بأن تسهم التقنيات الحديثة كالجيل الخامس والذكاء الاصطناعي في تحسين مستوى الخدمات وتفعيل أدوات التنمية.
وكانت أعلنت مؤسسات قطاع الاتصالات في سوريا عن حزمة من الإجراءات الجديدة تشمل باقات مخفّضة، وخدمات مجانية، وتصفحاً مجانياً للمواقع السورية، وذلك ضمن خطة إعادة هيكلة شاملة تهدف إلى تعزيز الشمول الرقمي، وتوسيع الوصول إلى المعلومات.
وصل رئيس الجمهورية العربية السورية، السيد "أحمد الشرع"، اليوم السبت 10 مايو، إلى مملكة البحرين على رأس وفد رسمي. كان في استقباله الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، نجل ملك البحرين.
وقالت رئاسة الجمهورية العربية السورية، إن رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع والوفد المرافق له يصل مطار قاعدة الصخير الجوية في مملكة البحرين، حيث كان في استقباله كلٌّ من سمو الشيخ ناصر بن حمد بن عيسى آل خليفة ممثل صاحب الجلالة للأعمال الإنسانية وشؤون الشباب، وسعادة وزير الخارجية الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني، وعدد من كبار المسؤولين في المملكة.
تعد هذه الزيارة هي الأولى للرئيس الشرع إلى البحرين بعد سلسلة من الزيارات إلى دول خليجية أخرى، مثل قطر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، إضافة إلى تركيا وفرنسا والأردن ومصر. ومن المتوقع أن تتركز المباحثات على الوضع في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وكذلك الدور المحتمل الذي يمكن أن تلعبه البحرين في دعم المرحلة الانتقالية في سوريا.
وفي سياق متصل، كان الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة قد بعث برسالة تهنئة إلى الرئيس الشرع بمناسبة توليه رئاسة الجمهورية العربية السورية في المرحلة الانتقالية، معربًا عن تمنياته له بالتوفيق والنجاح، وللشعب السوري الشقيق بالمزيد من التقدم والازدهار.
التعاون الثنائي بين سوريا والبحرين
سبق وأن استقبل الرئيس "أحمد الشرع" في 8 يناير، وفدًا رفيع المستوى من البحرين برئاسة وزير الخارجية الدكتور عبد اللطيف الزياني في قصر الشعب بدمشق. وتناولت المباحثات بين الجانبين تعزيز التعاون الثنائي في مجالات متعددة، بما يخدم مصالح الشعبين السوري والبحريني.
وأكد الرئيس الشرع على أهمية العلاقات التاريخية بين سوريا والبحرين، مشيرًا إلى أن الإدارة السورية الجديدة تسعى لتطوير هذه العلاقات بما يتماشى مع التحديات الحالية في المنطقة، من جانبه، أشاد وزير الخارجية البحريني بالجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في سوريا، معربًا عن استعداد بلاده للمساهمة في عملية إعادة الإعمار وتقديم الدعم في مجالات الاقتصاد والتنمية.
كما ناقش الطرفان قضايا إقليمية ذات اهتمام مشترك، وأكدا على أهمية التعاون العربي لمواجهة التحديات الراهنة وتعزيز وحدة الصف العربي. يأتي هذا اللقاء ضمن سلسلة من الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الإدارة السورية الجديدة لتعزيز حضورها الإقليمي والدولي وتوطيد علاقاتها مع الدول العربية الشقيقة.
موقف البحرين من الثورة السورية ونظام الأسد
موقف البحرين من الثورة السورية ونظام بشار الأسد شهد تحولات ملحوظة على مر السنوات، متأثرًا بالتغيرات الإقليمية والدولية. ففي بداية الثورة عام 2011، كانت البحرين من الدول الخليجية التي أدانت قمع النظام السوري للاحتجاجات الشعبية. وفي مارس 2012، أغلقت البحرين سفارتها في دمشق، دعمًا للمعارضة السورية ورفضًا لسياسات النظام القمعية.
لكن في 2018، بدأ الموقف البحريني في التغير، حيث كانت البحرين من أولى دول الخليج التي أعادت فتح سفارتها في دمشق. في ديسمبر 2018، صرح وزير الخارجية البحريني، الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، بأن بلاده لم تقطع علاقاتها مع سوريا، مشيرًا إلى أهمية تعزيز الدور العربي في الحفاظ على استقلال سوريا وسيادتها.
وفي مايو 2024، شارك بشار الأسد في القمة العربية التي عقدت في المنامة، وهي المرة الثانية له بعد استعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية. رغم ذلك، لم يُلقِ الأسد كلمة في القمة، وهو ما أثار تساؤلات حول الأسباب، حيث يُعتقد أن البحرين ربما نصحت الأسد بعدم إلقاء كلمة لتجنب استفزاز القادة العرب في تلك الفترة.
بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، أبدت البحرين استعدادها للتعاون مع الحكومة السورية الجديدة. في 13 ديسمبر 2024، أعرب الملك حمد بن عيسى آل خليفة عن استعداد البحرين للتعاون مع سوريا في المرحلة المقبلة، مؤكدًا على أهمية تعزيز العلاقات بين البلدين.
قال وزير النقل في الحكومة السورية "يعرب بدر"، إن وزارته تعمل على تقديم خدمة نقل داخلي "حضارية يرضى عنها المواطن السوري"، من خلال إدخال أنظمة ذكية لتنظيم المرور، وضبط وقوف المركبات الخاصة في مراكز المدن المزدحمة عبر الوقوف المدفوع.
وكشف عن وصول سفينة إلى ميناء طرطوس تحمل 50 حافلة نقل ركاب مقدّمة من بيلاروسيا كهبة، إلى جانب مجموعة من قطع الغيار الخاصة بها، واصفاً الخطوة بأنها "بداية متواضعة لكنها مهمة" في طريق تطوير منظومة النقل العامة.
وأوضح أن سعر الحافلة الواحدة يتراوح بين 100 و150 ألف دولار، دون تحديد موعد دخولها الخدمة وأعلن أيضاً عن رؤية حكومية جديدة لإعادة هيكلة وزارة النقل خلال 3 أشهر، تستهدف إجراء إصلاح تنظيمي شامل لمنظومة نقل الركاب والبضائع ضمن مفهوم "النقل المستدام".
وكشف عن وجود رؤية جديدة لإعادة هيكلة وزارة النقل السورية، "تتمثل في إصلاح تنظيمي شامل لتنظيم خدمات نقل الركاب والبضائع في سوريا ضمن منظور النقل المستدام".
وأضاف أن الرؤية تتضمن تجهيز البيئة المؤسساتية للتحول الرقمي بتخفيف التدخل البشري، ويجعل العلاقة مباشرة بين الطلب والعرض على النقل، لاسيما نقل البضائع، وصولاً إلى إنفاذ كامل عملية النقل بشكل إلكتروني، بما في ذلك الدفع الإلكتروني.
ولفت إلى أنها تشمل "إعادة توزيع الأدوار بين الدولة والقطاع الخاص"، على أن يتركّز دور الدولة السورية على التنظيم والضبط، بينما "يُترك الاستثمار والتشغيل للقطاع الخاص ضمن الضوابط التي تحقق جودة الخدمات والتعرفة التي يمكن أن يتحملها المواطن".
وأكد أن وزارة النقل ستعمل على تحويل هذه الرؤية إلى إطار تنظيمي خلال 3 أشهر، مع البيئة التشريعية والمؤسساتية الموافقة، لافتاً إلى أن هناك عملية دفع الكتروني تتم لعدد من الخدمات المتعلقة بالنقل، بينها دفع رسوم المركبات.
وورث السوريون عن نظام الأسد في عهدين الأب والأبن، قطاع نقل متهالك مثله كسائر القطاعات الحكومية، يقوم على منح القطاع الخاص امتيازات النقل الداخلي، عدا عن تآكل البنى التحتية اللازمة لتطوير هذا القطاع، جراء 14 عاماً من الحرب.
وكان قطاع النقل السوري مزدهراً قبل سيطرة الأسد الأب على مقاليد الحكم في سوريا في سبعينيات القرن الماضي، إذ كان يقوم القطاع قبل ذلك، على حافلات نقل كبيرة، إلى جانب حافلات "ترامواي"، تعمل بواسطة الكهرباء على خطوط حديدية، تغطي أغلب أحياء دمشق.
وحتى الآن، لا يزال السوريون يعتمدون على حافلات نقل جماعي (14 راكباً)، بعد أن ألغى الأسد الأب "الترامواي" لدى وصوله للحكم، وبشكل أقل على حافلات النقل الداخلي الممنوحة بشكل شبه كامل لقطاع خاص، كان على ارتباط بالدائرة الاقتصادية المحيطة بالنظام المخلوع.