مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
٧ يوليو ٢٠١٨
أليس في هذا البلد العريق رجل رشيد؟

في ردّه على المساعي التي تقوم بها الولايات المتحدة لقطع صادرات النفط الإيرانية، وتشديد الضغط على طهران، لتحدّ من تدخلاتها في دول الجوار العربية، قال الرئيس الإيراني، حسن روحاني، مستغلا زيارته جنيف، ولقاءه الاثنين الماضي رئيس الاتحاد السويسري، آلان برسيه، إن "افتراض أن إيران ستصبح المنتج الوحيد غير القادر على تصدير نفطه خاطئ، ومحض خيال وجائر. الولايات المتحدة لن تستطيع قطع إيرادات إيران من النفط". واعتبر أن "سيناريو من هذا النوع يعني أن تفرض الولايات المتحدة سياسة إمبريالية، في انتهاكٍ فاضحٍ للقوانين والأعراف الدولية. العقوبات غير العادلة المفروضة على أمّةٍ عظيمة، هي أضخم انتهاك لحقوق الإنسان يمكن تصوّره". ولمزيد من التفصيل بشأن الرد الذي يمكن لطهران أن توجهه لواشنطن وحلفائها، أضاف في هذه الحالة قول وزير داخليته، عبد الرضا رحماني فضلي، محذرا الأوروبيين: "إذا أغمضنا عيوننا 24 ساعة سيذهب مليون لاجئ إلى أوروبا عبر حدودنا الغربية" من خلال تركيا، بالإضافة إلى إمكان تهريب نحو خمسة آلاف طنّ من المخدرات إلى الغرب. وهذا تهديدٌ مباشر لأوروبا التي تمسّكت بالاتفاق النووي، ودافعت عنه في وجه واشنطن.

ما أثار انتباهي ليس تهديد وزير الداخلية، وإنما أن الرئيس روحاني لا يجهل مفاهيم الامبريالية ومعنى القوانين والأعراف الدولية، بل إنه يحسّ بأن هناك شيئا اسمه حقوق إنسان. لكنه لا يرى انطباق أي من هذه المفاهيم والمعاني والحقوق على ما تقوم به الدولة التي هو رئيسها من انتهاكٍ صارخ لها في بلدان الجوار، والتي تكاد تنطبق حرفيا على ما يتهم به الولايات المتحدة. فكما هو واضح، يشكل تحجيم دور إيران الإقليمي، واحتواء عدوانيتها الطافحة، وإجبارها على إعادة مليشياتها الطائفية إلى داخل حدودها، على الأقل كما تصرح به حكومة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وما تخشى منه علنا طهران، يشكل الهدف الرئيسي لسياسات فرض العقوبات الدولية على إيران، ومنها قطع شريان المال المستخدم في تمويل الأعمال التخريبية للمليشيات الإيرانية في بعض الدول، من خلال تقليص صادراتها النفطية. بمعنى آخر، ما تطمح إليه عقوبات الرئيس الأميركي يتمثل بالضبط في احتواء ما ينبغي تسميته، اقتداءً بروحاني نفسه، سياسة طهران الإمبريالية، وخرقها القوانين والأعراف الدولية التي تنص على احترام سيادة الدول واستقلالها وحقوق شعوبها في تقرير مصيرها، وانتهاكاتها غير المسبوقة لحقوق الإنسان واعتدائها الظالم والمدمر على شعوبٍ ودولٍ لا تقل أحقية في السلام والأمن والبقاء من الأمة الإيرانية "العظيمة". وهذا يعني باختصار إجبارها علي وقف سياساتها التخريبية، وتقويضها أسس الحياة السياسية والاجتماعية والدينية في محيطها المشرقي المباشر، من أجل تحقيق مصالح لا يمكن وصفها، ولا يصفها الإيرانيون أنفسهم إلا بالسعي إلى الهيمنة، بل والاحتلال وتوسيع دائرة النفوذ في المنطقة، أي بمصالح إمبريالية. لماذا يحق في هذه الحالة لإيران أن تحمي سياساتها الإمبريالية في الشرق، وتفتخر بسيطرتها على أربع عواصم لدول أخرى مستقلة، وإرسالها المليشيات والأسلحة والأموال والخبراء والمستشارين العسكريين وغير العسكريين إلى خارج حدودها، من أجل تمكين نظام استبدادي دموي، فاسد وفاقد أي مقومات للحكم السياسي، من ذبح شعبه وإخراجه من وطنه، ولا يحقّ لترامب الذي يرأس بلدا هو مركز الإمبريالية، وموطنها الأكبر، وقاعدتها الرئيسية، الضغط عليها للحد من أطماعها التوسعية، ووضع حد لسعيها إلى انتزاع السيطرة على الشرق الأوسط منه، ومن شركائه، والحكم بالإعدام السياسي على شعوب المنطقة وتحويل دولها، كما حصل في لبنان وسورية، إلى أدواتٍ وبيادق تستخدمها إيران لفرض إرادتها على محيطها والمجتمع الدولي؟

لا يبرر ما تقوم به إيران الخامنئية سياسات الولايات المتحدة الأميركية، ولا يعفيها من أي مسؤولية. وهي بالتأكيد المسؤولة الرئيسية عن الخراب الذي يعم منطقة الشرق الأوسط اليوم، بما في ذلك في إيران، سواء بسبب سياساتها التدخلية، وفي مقدمتها تدخلها الكارثي في العراق، في حربين متتاليتين دمرتا أسس التوازنات الإقليمية عامي 1991 و2003، أو بسبب تشجيعها إيران التي كانت المستفيدة الرئيسية من انهيار العراق، على مد نفوذها إلى سورية، وتغذية الوهم بإمكانية ابتلاعها لها، وضمها إلى ما أطلقت عليه اسم الهلال الشيعي، والذي فتح الباب أمام حربٍ مذهبيةٍ دينيةٍ عصفت بالمنطقة، وسوف تدمر آخر ما تبقى من مكتسباتها المدنية والعمرانية والسياسية الحديثة.

مشكلة طهران هي بالضبط أنها تريد أن تكون ندّا للولايات المتحدة الإمبريالية، وتعمل مثلها، وهي تطلب من الجميع، بمن فيهم ضحاياها، أن يعترفوا لها ويسلموا بهذا الحق. وإن لم يقبلوا ذلك، فسيكون الرد تماما كما ذكّر به وزير الداخلية الإيراني، تصدير اللاجئين وأطنان المخدرات إلى الغرب، وتمويل المليشيات المذهبية والحشود الطائفية المدرّبة على القتل في دول الشرق. واضحٌ أن خيارات بلدان المنطقة لا يمكن أن تكون في نظر طهران سوى القبول بإحدى الإمبرياليتين، الإيرانية أو الأميركية. ولأن إيران بنت المنطقة، ومن صلبها فهي صاحبة الشرعية الوحيدة في التحكّم بمصير شعوبها، وتجاوز الأعراف والتقاليد والقوانين الدولية وانتهاك حقوق الإنسان فيها.

هذا هو أيضا مضمون السياسة التي يسير عليها بشار الأسد الذي عمل، في السنوات الماضية، عميلا علينا لإيران، والذي لا يكفّ، في موضوع أزمة بلده، والحرب التي تطحنها بسببه منذ سبع سنوات، عن الحديث عن الحل السياسي. وعندما تأتي فرصة الحل وتعلن الفصائل والمعارضة استعدادها لكل الخيارات، يأبى أن يعترف بالمعارضة إلا كإرهابيين، ولا يجد ما يعرضه على ملايين السوريين من المدنيين، وليس المقاتلين المسلحين فحسب، سوى الاختيار بين الموت بكرامة تحت قنابل البراميل المتفجرة والغازات السامة أو الموت مجانا بسلاح الانتقام والإعدام أو جوعا وعطشا ومرضا في معسكرات الاعتقال التي أصبحت تسمّى مخيمات.

في النهاية، لم تنتصر إيران، ولن تربح شيئا، لأنها على الرغم من جنون عظمة قادتها الحاليين، أخفقت بالضبط في بناء عظمتها القومية، أي في تنمية إيران، والعناية بشروط حياة شعبها، وتحولت إلى دولةٍ لا هم لها سوى خدمة مليشيات محلية وخارجية، اسمها الحرس الثوري وأزلامه ومريدوه من الطبقة الفاسدة الدينية وغير الدينية، وترك الشعب الذي يصرخ، ويطالب حكومته، أكثر مما يفعل السوريون أنفسهم، بخروج هذه المليشيات من سورية، والكفّ عن استخدامها ذريعةً لتبرير استمرار حكم القتل والإبادة الجماعية واللصوصية والفساد. وطالما بقيت طهران على هذه الحال، ستخسر إيران، مهما أرسلت إلى أوروبا من لاجئين، وصدرت للغرب من مخدرات ومهربين وقتلة وإرهابيين. وسوف تنقل الأزمة إلى داخلها، وتشتعل فيها النيران، كما أشعلتها هي نفسها بمساعدة أتباعها في سورية ولبنان والعراق واليمن، وغيرها من البلدان.

وإذا كان الأسد، كما تبين بوضوح اليوم، قد عمل معولا لتدمير سورية، وفرط عقد شعبها، وتشتيته، وإرساله، بمساعدة طهران، ملايين النازحين واللاجئين إلى أوروبا والعالم، فقد كانت طهران، وحكومتها الحريصة على حقوق الإنسان من الانتهاكات الأميركية الخطيرة لها، هي من دون شك اليد البديل التي استخدمتها تل أبيب، للقيام بالمهمة عوضا عنها. واستغلت من أجل ذلك العزف على عظمة الأمة الإيرانية الغالية على قلب روحاني ومليشياته، وشجعتهم بنأيها عن النفس، وتركها الحبل ممدودا لهم، كما كانت واشنطن قد شجّعت صدام حسين في 1991 على غزو الكويت، على أساس أنها لا تتدخل في النزاعات العربية. في النهاية، ليس أمام طهران اليوم لإنقاذ مشروعها الامبريالي الرثّ إلا التفاهم مع تل أبيب، والتعاون والتنسيق معها، وهو ما يلوح في الأفق، ولو عن طريق الوسيط الروسي، أو الاستمرار في لعب ورقة الخراب الشامل، كما عرّفنا عليها وزير الداخلية، عبد الرضا رحماني فضلي، ناسيا عمدا التهديد بسيف الإرهاب الذي كانت إيران أول من عمم استخدامه في العلاقات الدولية، بالإضافة إلى ملايين اللاجئين وأطنان المخدرات.
ألم يعد يوجد في هذا البلد العريق رجل حكيم أو رشيد؟

اقرأ المزيد
٧ يوليو ٢٠١٨
من خان الثورة السورية ؟

ينقل الصحافي الأميركي، ديفيد أغناطيوس، في مقال له نشر في صحيفة واشنطن بوست الأسبوع الماضي، عن معارض سوري اتهامه الولايات المتحدة بـ"الخيانة"، وذلك لسماحها لقوات النظام السوري، مدعومة بغطاء جوي روسي كثيف، بشن هجوم واسع على الجنوب، والجنوب الغربي من البلاد، الخاضعيْن لسيطرة المعارضة إلى حد كبير، على الأقل إلى الآن. وحسب مصادر المعارضة السورية، أبلغتهم واشنطن، منتصف الشهر الماضي، أنها لن تتدخل لحمايتهم في الجنوب، في حال تقدمت قوات النظام إلى مناطقهم، على الرغم من تحذير قوي كانت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد وجهته، شهر مايو/ أيار الماضي، لنظام بشار الأسد، بأنها ستتخذ "إجراءات حازمة ومتناسبة" للحفاظ على "اتفاق خفض التصعيد" في الجنوب السوري، وتحديدا في منطقة درعا على الحدود الأردنية. وكانت الولايات المتحدة وروسيا والأردن قد توصلوا، العام الماضي، إلى اتفاق لشمل مدينة درعا ضمن منطقة "خفض التصعيد" في الجنوب، وذلك في استكمال اتفاق إنشاء أربع مناطق لـ"خفض التصعيد" على مستوى سورية، اتفقت عليها روسيا وتركيا وإيران العام الماضي: إدلب، وريف حمص الشمالي، والغوطة الشرقية، والمنطقة الجنوبية. ومعلوم كيف ألغى النظام السوري، بدعم وغطاء روسيين، مناطق خفض التصعيد واحدة واحدة، كان آخرها الغوطة الشرقية، شهر أبريل/ نيسان الماضي، بحيث لم يبق الآن إلا المنطقة الجنوبية، وامتداداتها في الجنوب الغربي، على الحدود مع فلسطين المحتلة.

أكتب هذه السطور في ساعات الفجر الأولى ليوم الخميس (5/7) من شمال الأردن، الذي أزور الآن، وتحديدا مدينة إربد، من على بعد حوالي 35 كيلومترا عن مدينة درعا السورية، و45 كيلومترا عن بلدة طفس في ريفها. لا أسمع فحسب صوت القصف الذي تتعدّد أنواعه ومصادر أسلحته، بل يهتز البيت الذي أقيم فيه مرات ومرات في الساعة الواحدة من شدة القصف، ويرتج زجاجه، على الرغم من المسافة البعيدة نسبيا عن مواقع العمليات العسكرية. ولك الآن أن تتخيل نوعية (وحجم) العدوان الوحشي الذي يشنه النظام بغطاء جوي روسي، وبدعم من قوات إيرانية ومليشيات لبنانية وعراقية وغيرهما، على مئات آلاف من المدنيين السوريين العزّل، وهو ما دفع عشرات الآلاف منهم إلى النزوح نحو الأردن الذي أغلق حدوده أمامهم بذريعة عجزه عن استيعاب مزيد من اللاجئين. لا يمكن لمن يملك ذرة من ضمير وموضوعية أن يلوم المدنيين السوريين العزّل، في نزوحهم عن أرضهم طلبا لأمن بعيد المنال، وكرامة أصبحت مستباحة، فمجازر نظام الأسد وحلفائه في الغوطة الشرقية وحلب، وغيرهما، ما زالت حية وحاضرة بقوة.

وعودة إلى مسألة "الخيانة" الأميركية التي يتحدث عنها بعض زعماء المعارضة السورية، وهي تحمل كثيرا من الصِّدْقِيَّةِ. منذ انطلقت الثورة السورية عام 2011، ذهبت كل الوعود والتطمينات الأميركية لقيادات المعارضة أدراج الرياح. لم يكن الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، أشرف من ترامب. توعد النظام إن تجرأ واستخدم السلاح الكيميائي ضد شعبه، فكان أن استخدمه الأسد عام 2012، فمسح أوباما "خطه الأحمر"، وقايض دماء السوريين ببعض السلاح الكيميائي حماية لإسرائيل. ثمَّ إنه وعد بعض فصائلهم المقاتلة بالتسليح والدعم اللوجستي، لكنه حرمهم من الأسلحة الفتاكة، وتركهم حمى مستباحا لطيران النظام، ذلك أنه رفض تزويدهم بصواريخ مضادّة للطيران الحربي. ثمّ كانت الطعنة الأخرى التي وجهها لهم بدعم الانفصاليين الأكراد على حسابهم بذريعة محاربة "داعش"، وصولا إلى التدخل العسكري الروسي في سورية، عام 2015، الذي اكتفى أوباما حياله بالتنديد.

أما ترامب، وعلى الرغم من أنه أقدم مرتين على قصفٍ محدود لقوات النظام السوري، بعد ثبوت استخدامه غازات سامة، في ريف حمص الشرقي العام الماضي، وفي الغوطة الشرقية هذا العام، إلا أنه أوقف برنامج تدريب بعض الفصائل السورية المقاتلة وتسليحها، وعزّز من دعم الانفصاليين الأكراد. الأخطر من ذلك ما تسرب، في الأسبوعين الأخيرين، عن أنباء اتفاق أميركي – روسي – إسرائيلي، يسمح للأسد بالبقاء رئيسا، وهو ما تريده روسيا، مقابل أن تلجم الأخيرة النفوذ الإيراني في سورية، وهو ما تريده الولايات المتحدة وإسرائيل. لا تأخذ هذه المقايضة المدنسة في اعتبارها تضحيات السوريين، والجرائم التي ارتكبها نظام الأسد بحقهم، والتي لا تتوقف عند قتل مئات الآلاف من شعبه، ولجوء ونزوح أكثر من اثني عشر مليونا منهم، وتدمير معظم البلد، وتشظيته إلى مناطق نفوذٍ، تتصارع عليها قوى دولية وإقليمية، ومليشيات طائفية، وعصابات محلية. لا يهم هذا كله الولايات المتحدة، المهم الحفاظ على أمن إسرائيل، وهو ما تكشفه البنود المسرّبة للاتفاق المفترض، والتي تتضمن إبعاد إيران ومليشياتها مسافة ثمانين كيلومترا عن الحدود مع فلسطين المحتلة، والسماح لإسرائيل بحرية استهداف أي تهديد إيراني مفترض داخل الأراضي السورية. وفي المقابل، يبقى الأسد على رأس النظام، ويسمح له باستعادة السيطرة على المنطقة الجنوبية على الحدود مع الأردن، وعلى المنطقة الجنوبية الغربية على الحدود مع فلسطين المحتلة.

ما سبق كله أمور تؤهل الولايات المتحدة لتكون شريكا لنظام الأسد والروس والإيرانيين، والمليشيات التابعة لهم، في الجريمة بحق سورية وشعبها. ولكن لا ينبغي لهذا أن ينسينا جرائم أخرى ارتكبها قادة كثيرون في المعارضة السورية، وفصائلها المقاتلة، بحق ثورتهم. تشرذمهم منذ اليوم الأول وتنافسهم على القيادة. تصارعهم على مناطق النفوذ والوجهة الإيديولوجية للثورة. ورهن كثيرين منهم قراراتهم لعواصم عربية وإقليمية ودولية لا تريد الخير لسورية، ولا لثورتها. الثورة السورية موءودة، ومتآمر عليها في آن. الوائِدُ ليس أجنبيا، بل هو من أهل القضية والدار، أما المتآمر فقد يكون أجنبيا، وقد يكون من أبناء الدار. ظنَّ كثير من المعارضة أن تزلّفهم إلى الولايات المتحدة هو مفتاح نجاح الثورة، وظن بعض منهم أن كسب قلب تل أبيب أقصر الطرق لضمان الدعم الأميركي. لم يكن هذا ولا ذاك هو الطريق، وهذا ما أثبتته الأيام. ما زلت أذكر ذلك القيادي السوري المعارض الذي زارنا عام 2011 في الولايات المتحدة، ليحدّثنا بتباه عن اجتماع عقده في وزارة الخارجية الأميركية بشأن الوضع في سورية. لم يتردد ذلك المعارض في البوح لنا "إدراكهم" (أي بعض المعارضة) أن ما تريده الولايات المتحدة هو ضمان أمن إسرائيل، وَصَدَمَنا بالقول: تريد إسرائيل الثمن في الجولان، ونحن مستعدون لهذا الثمن من أجل نجاح الثورة السورية. ذلك لقاء عليه شهود، وأذكر يومها أني قلت للمعارض العتيد: الولايات المتحدة ليست جمعية خيرية، ولا هي تدار بهذه الطريقة، ونظام ضعيف يحكمه الأسد خير لإسرائيل من معارضةٍ لا يُعْرَفُ كنهها ولم تختبر.

على أي حال، ذلك زمن انقضى. لم يكن جُلُّ المعارضة السورية ممن راموا المتاجرة بوطنهم وقضيتهم، ورهنهما لتجاذبات إقليمية للتخلص من الأسد، لكن أولئك القلة أوهنوا الثورة، وخذلوا، بل وخانوا الشعب السوري العظيم الذي سطر واحدةً من أعظم ملاحم التمرّد على طاغية دموي، وحلفائه المتوحشين، في العصر الحديث. وحتى انتصار الثورة، نقول: لك الله، يا سورية، وذلك بعد أن تخلى عنك القريب قبل البعيد.

اقرأ المزيد
٧ يوليو ٢٠١٨
حقوق المسيحيين… بسلاح "حزب الله"

ما يعيد الحقوق لجميع اللبنانيين يبدأ بنبذ كل سلاح غير شرعي، وصولا إلى الاعتراف بأن هناك حقوقا للبنانيين جميعا ضمنها اتفاق الطائف، رغم وجود بعض الثغرات فيه.

ليس معروفا هل إصرار “حزب الله” على تشكيل حكومة لبنانية على مقاسه مرتبط بقراءة خاطئة للموازين الإقليمية أم أنّه عائد إلى حاجة إيرانية إلى إثبات أن لبنان ورقة في جيب طهران ليس إلا؟

أن تسعى إيران إلى إثبات أن لبنان ورقة من أوراقها الإقليمية دليل ضعف وليس دليل قوّة. تستطيع إيران استخدام ورقة جنوب لبنان. ولكن ما الذي ستكون عليه نتيجة ذلك، خصوصا أن الجميع بات يعرف أن أي فتح لجبهة جنوب لبنان سيكون مختلفا إلى حدّ كبير عن حرب صيف العام 2006 التي سمحت فيها إسرائيل لـ“حزب الله” بالانتصار على لبنان واللبنانيين لحسابات خاصة بها. ليس سرّا لدى كل من لديه علاقة بالسياسة الدولية والإقليمية، من بعيد أو قريب، أن أي حرب جديدة يمكن أن يتسبب بها “حزب الله” ستعود بكارثة على البلد. كارثة بكلّ معنى الكلمة، خصوصا في ظلّ وجود إدارة أميركية ليست مستعدة لممارسة أي نوع من الضغوط على إسرائيل. على العكس من ذلك، تبدو هذه الإدارة في توافق تام معها. لا حاجة إلى دليل على ذلك أكثر من دليل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إلى المدينة المقدّسة.

يثير ما نشهده حاليا في لبنان من مناورات يقف خلفها “حزب الله”، من بعيد طبعا، تساؤلات في شأن السبب الحقيقي للإصرار على أن يقبل الرئيس سعد الحريري بما لا يستطيع القبول به بأيّ شكل… أي بحكومة تعاني في تركيبتها من خلل كبير تعبّر عنه الرغبة في تهميش “تيار المستقبل” و“القوات اللبنانية” و“الحزب التقدمي الاشتراكي” الذي يتزعمه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.

من يضغط في اتجاه تشكيل مثل هذه الحكومة لا يعرف أنّ مثل هذه المناورات مرفوضة، وأن اللبنانيين الذين انتفضوا على الوصاية السورية في 2005 لن يرضخوا للوصاية الإيرانية في السنة 2018.

قبل كل شيء، لا تسمح تركيبة مجلس النواب الجديد باعتبار أن هناك أكثرية وأقلّية، اللهم إلا إذا اعتبر “التيّار الوطني الحر” نفسه من ضمن النواب الـ74 الذين يرى الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني أنهم يمثلون الكتلة الإيرانية في البرلمان. إلى إشعار آخر، لم يصدر عن “التيار الوطني الحر” وعن رئيسه جبران باسيل ما يؤكّد ذلك. لكن الملفت أن كلّ تصرفات باسيل توحي بأنه ليس بعيدا عن هذا الجوّ الذي يعكس، إلى حد كبير رغبة، في تصفية حسابات قديمة مع سمير جعجع من جهة، ورغبة أخرى في الخروج عن اتفاق الطائف من جهة أخرى، وذلك من باب الحساسية الزائدة تجاه أهل السنّة وما يمثلونه على الصعيد الوطني والإقليمي.

بكلام أوضح، ليس من مصلحة لبنان الدخول في مغامرة من هذا النوع في وقت بات معروفا أن سعد الحريري، الذي بات كتاب التكليف في جيبه، لا يستطيع بأي شكل أن يرأس حكومة يشكلها له “حزب الله”.

إنّ الطفل اللبناني يعرف أن ثمّة حاجة قبل كلّ شيء إلى احترام اتفاق الطائف، وليس العمل على تقويضه من منطلق مقولة “العهد القوّي”. يمكن لأيّ عهد في لبنان أن يكون قويّا في حال التفاف اللبنانيين بكلّ طوائفهم حوله. يكون العهد قويّا عندما تتشكل حكومة قوية متوازنة وفاقية تأتي بمساعدات عربية ودولية قبل أيّ شيء آخر. وهذا يعني في طبيعة الحال مراعاة الأصول والقواعد والدستور، بدل الكلام الذي لا معنى له عن استعادة حقوق المسيحيين أو إعادة النازحين السوريين إلى أرضهم من دون مراعاة للوضع في الداخل السوري ولمواقف المنظمات الدولية المختصة التابعة للأمم المتحدة، في مقدّمها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. الأهم من ذلك كله أن القوي فعلا لا يستقوي على اللبنانيين الآخرين بسلاح “حزب الله” غير الشرعي. لا يمكن للبناني عموما وللمسيحي خصوصا تحقيق انتصارات من أيّ نوع بالاعتماد على سلاح غير شرعي تشهره ميليشيا مذهبية ليست، في نهاية المطاف، سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني.

وحدها لغة المنطق تجعل العهد قويا. والمنطق يقول إن من الضروري تشكيل حكومة يتمثل فيها الجميع وتضمّ كفاءات، وليس حكومة يتمتع فيها “حزب الله” بأكثرية الثلثين لتمرير أمور خاصة به وبإيران.

يخطئ من يعتقد أن “حزب الله” يمتلك أيّ مشروع ذي طابع حضاري للبنان. كلّ ما يهمّ الحزب هو استرضاء إيران وتعويض الخسائر التي لحقت بها على كلّ صعيد، بدءا بإيران نفسها. لو كان لدى النظام الإيراني نموذج يقدّمه للإيرانيين أوّلا، لما كان ما يزيد على نصف من المواطنين في هذا البلد الغنّي يعيشون تحت خط الفقر. لا يمتلك النظام الإيراني سوى آلة قمعية متطورة يستخدمها في مجال نشر البؤس والتخلف والفساد على كل صعيد. أما في الخارج، فلا يمتلك النظام الإيراني سوى الهرب المستمرّ إلى الأمام مستخدما أدواته المتمثلة في الميليشيات المذهبية التي يستثمر فيها منذ سنوات طويلة.

يندرج السعي إلى فرض حكومة لبنانية تكون بإمرة “حزب الله” في سياق الهرب الإيراني إلى الأمام. يريد النظام الإيراني أن يقول للإيرانيين إنّه يسيطر فعلا على بيروت التي أدرجها في قائمة العواصم العربية التي يتحكّم بها، أو على الأصح التي يعتقد أنّه يتحكّم بها. أضاف بيروت إلى بغداد ودمشق وصنعاء وذلك مباشرة بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014.

ليس طبيعيا أن تتشكل في لبنان حكومة غير طبيعية وذلك بغض النظر عمّا إذا كان المشروع التوسعي الإيراني يتقدّم أو يتراجع. الواقع الأقرب إلى الحقيقة أن هذا المشروع يتراجع. لم تتحمل إيران انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في شأن برنامجها النووي، كيف ستتحمل العقوبات الجديدة التي ستخنق صادراتها النفطية. لم تتحمّل مقتدى الصدر في العراق. ألغت نتائج الانتخابات لمجرّد ظهور توجه شعبي، لدى الشيعة خصوصا، يرفض الهيمنة التي تمارسها طهران على السياسيين العراقيين.

بعض التواضع أكثر من ضروري لبنانيا. لا حاجة إلى الدخول في تفاصيل الوضع السوري والمأزق الإيراني هناك والذي في أساسه أن لا وجود لأيّ قوة إقليمية أو دولية على استعداد للقبول باستمرار الوجود العسكري الإيراني في أرض سوريا.

كيف يمكن إيجاد ترجمة للتواضع اللبناني على الأرض؟ يبدأ ذلك بالاعتراف بأنّ سلاح “حزب الله” لا يعيد للمسيحيين حقوقهم، هذا إذا كانت للمسيحيين حقوق مغبونة بالفعل. ما يعيد الحقوق لجميع اللبنانيين يبدأ بنبذ كلّ سلاح غير شرعي، وصولا إلى الاعتراف بأنّ هناك حقوقا للبنانيين جميعا ضمنها اتفاق الطائف، على الرغم من وجود بعض الثغرات فيه. الخروج من الطائف عبر تشكيل حكومة بطريقة مضحكة تستهدف إظهار أن الكلام عن “العهد القوي” يمثل خروجا إلى المجهول، أي إلى “المؤتمر التأسيسي” الذي دعا إليه منذ سنوات عدة الأمين العام لـ“حزب الله” حسن نصرالله. إنّه الطريق الأقصر إلى المثالثة بين الشيعة والسنّة والمسيحيين، بدل المناصفة بين المسلمين والمسيحيين.

هل هذا المطلوب حاليا من وراء كلّ الضغوط غير المباشرة التي يمارسها “حزب الله” لتشكيل حكومة ترضي إيران في لبنان؟

اقرأ المزيد
٧ يوليو ٢٠١٨
الإرهابان.. الصغير والكبير

على الرغم من أن كلاما كهذا لم يعد يقال، أشعر بأن الإرهاب الذي يحاربه العالم هو الإرهاب الصغير، إرهاب الفقراء والمأزومين وناقصي العقل والدين واليائسين، الذين يفجرون أنفسهم ضد عالم قذف بهم إلى حالٍ من العدم والخواء، لم تترك لحياتهم معنى، ولهم حاضر يستحق أن يعاش، ومستقبل يرجون أن يتحقق.

والغريب أن من يقتلهم كإرهابيين ليس خيرا منهم، بل هو أشد سوءا بكثير، بما يمتلكه من قوة وثروات، وتقدم تقني وخبرات سياسية، وما له من انتشار في البر والبحر والفضاء، ومن حضور ونفوذ في مؤسسات دولية، تضفي شرعية قانونية على إرهابه، أو تسكت عنه، مثلما تغطي منذ سبعة أعوام ونيف إرهاب روسيا وإيران والأسد في سورية، وتسكت عنه، وتعطي غزاة موسكو حق تعطيل النظام الدولي الذي يستمتع بإرهابها، ويغطي جرائمها بكل امتنان.

قتل الأسد وملالي طهران ومافيات الكرملين خمسمائة ضعف من قتلهما "داعش" و"القاعدة" من السوريين. واستخدموا، قبل ظهور هذيْن بأعوام، جميع أساليب القتل والإبادة والتعذيب وقطع الرؤوس وحرق الأحياء ودفنهم، وهي أساليب أعتقد جازما أن "داعش" و"القاعدة" اقتبساها منهم. كما فاق إرهاب الدولة الأسدي/ الإيراني/ الروسي الفائق التنظيم أي إرهاب آخر عرفه التاريخ القدية والحديث، بما في ذلك إرهاب المغول والتتار والنازية، واستخدم أساليب الكشف والدمار التي لا تبقي حياة فوق الأرض أو تحتها، ما لم يكن يخطر ببال أحد من إرهابيي العصور، وأقدم على ارتكاب جرائم لم تطوّر البشرية بعد لغة قادرة على وصفها، ربما لأن خيالها لم يتصور، خلال عشرات آلاف السنين من وجودها الأرضي، أنها قابلة للحدوث، أو أن منتميا إلى الجنس البشري يمكن أن يقدم على ارتكابها ضد أبرياء لا يعرفهم ولا يعرفونه، لا يكنون العداء له، ولا يقاتلونه. ومع ذلك، فعل بهم الأفاعيل ثم أبادهم، لمجرد أنه قوي وهم ضعفاء، وهو روسي وإيراني وأسدي وهم ليسوا كذلك، وأنه يريد أن يردع غيرهم، ويظهر لهم كم يستطيع الفتك بهم، وكيف عليهم الاستسلام له، متى قرّر إخضاعهم.

عندما ينظر سوري إلى ما يجري من نقض دولي لالتزامات واتفاقيات، ويعلم أنه تم في نيف ونصف عام، أعقب اتفاقيات خفض التوتر تهجير عدد من السوريين يفوق أعداد من رحلهم الإرهاب الكبير في أي عام آخر من أعوام الحرب، فإنه لا يبقى له غير التحسر على الإرهاب الصغير الداعشي/ القاعدي الذي تناسبت جرائمه مع إمكاناته المحدودة، بينما تعبر جرائم الدولة الأسدية/ الإيرانية/ الروسية عن قدرة غير محدودة على الإرهاب، في ظل قوةٍ لا حدود لها، يمتلكها قتلة محترفون، يمسكون بالحكم في دمشق وطهران وموسكو.

ليس هناك ما هو أخطر من الإرهاب الصغير غير استخدامه لتغطية إرهاب أكبر وأشد فتكا منه بكثير، يسمى سياسة، تحظى بغطاء قانوني وشرعي، وتطلق الأناشيد في الثناء عليه، وتمتدح خدماته للبشرية وتضحياته من أجل أمن العالم وسلامه، ودوره في ردع الإرهاب وقمعه، والقضاء عليه.
تنتظر عالمنا حقبة شديدة السواد، إن واصل انتقاله من الإرهاب الصغير إلى الكبير، كما تمارسه الأسدية وطهران وموسكو ضد شعب سوري اتهموه بالإرهاب، ليس لأنه قام بأعمال إرهابية، بل لأنه ثار من أجل حريته، التي لو سمح لها بالانتصار، لاجتثت الإرهاب الصغير، ولما كان هناك إرهاب دول كبير في سورية، تُرتكب جرائمه باسم الحرب ضد الإرهاب.

    مشاركة 63

اقرأ المزيد
٦ يوليو ٢٠١٨
عن إغراق موسكو في الفوضى السورية

 هل أن معركة درعا والجنوب السوري هي فعلاً إنهاء لفصل مهم من الحرب في سورية يقودها الدب الروسي، أم هي مقدمة لمرحلة جديدة من الصراع والحروب الممتدة في بلاد الشام؟

الافتراض الأول بأن إنهاء وجود المعارضة في الجنوب الغربي يتم بتوافق روسي - أميركي ضمني بعدما أبلغت واشنطن قادة فصائل «الجيش السوري الحر» أن تضامنها «الإعلامي» معهم لا يعني توقع تدخلها عسكرياً إلى جانبهم، سيقود إلى أن تظفر الإدارة الأميركية بمقابل لذلك يقضي بإخراج الميليشيات الإيرانية من الجنوب السوري وهو مطلب له أولوية إسرائيلية أميركية. لكن موسكو أعطت إشارات معاكسة، ونفذت في الساعات الماضية تهديدها الذي أطلقه الضابط الروسي الذي يقود المفاوضات مع الفصائل السورية المعارضة بأن 40 طائرة جاهزة لتدمير درعا إذا لم يقبلوا بالاستسلام وبتسليم السلاح الثقيل والمتوسط والانخراط في الفيلق الخامس أو الشرطة المحلية في المنطقة. بين الأمس وقبله كثف سلاح الجو الروسي غاراته إلى حد طاولت أطراف مخيمات للنازحين في محيطها. جاء ذلك بعد أن طلبت القيادة الروسية من القوات الإيرانية الانخراط في المعركة، ولهذا ظهر لواء «ذو الفقار» الذي صنعته طهران من مقاتلين عراقيين وأفغان وإيرانيين ولبنانيين... ليعلن قادته من الشاشات أنهم يشاركون في المعركة.

تستعجل موسكو إنهاء السيطرة على درعا، قبل لقاء القمة بين فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب. وهي تأمل بخفض البحث في الملف السوري إلى حدود ضمان أمن إسرائيل. وما كشفه الإعلام الإسرائيلي أمس عن نقل آلاف النازحين من درعا ومحيطها إلى منطقة منزوعة السلاح على الحدود مع الجولان السوري المحتل إلا دليل إلى نية استخدام هؤلاء لخلق شريط بشري يكون حجة لمنطقة آمنة لإسرائيل، يمكنها التدخل فيها لمنع أي وجود معاد، إيراني، بحجة حماية النازحين، الذين بلغ عددهم حتى أمس زهاء 275 ألفاً، 5 آلاف منهم فقط غادروا المدينة وضواحيها أمس فقط. يتوازى مع التطورات الميدانية إعلان الإسرائيليين «أننا سلمنا باستمرار الأسد في السلطة» وتوالي كتابات المعلقين في تل أبيب عن أن الأسد هو الحليف الأفضل للدولة العبرية. لم يكن في الأمر جديد سوى إعلانه بوضوح. فالجانب الإسرائيلي كان وراء إحجام حليفه الأميركي عن تقديم الدعم للمعارضة منذ عام 2011 بحجة الخشية من استخدام أي سلاح يتلقونه ضدها لاحقاً. ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لم يأت على ذكر الرئيس السوري في مفردات تصريحاته التي تدين قتل السوريين ولا مرة، وكان يركز على وجود إيران وأذرعها و «حزب الله» فقط وهاجم النظام لسماحه له بالتوسع.

كثيرة هي الشواهد على أن هناك صفقة أميركية روسية نتيجة تفاهمات ستتم مناقشة جوانبها أثناء لقاء الرئيسين في هلسينكي في 16 الجاري. ولعل من يبحث عن الحجج لترجيح هذا الاحتمال يستطيع أن يستشهد بما ذكر عن أن «حزب الله» أخذ يسحب قوات له في سورية تمهيداً لتسهيل الحل السياسي فيها بعد درعا.

إلا أن الافتراض الثاني عن أن معركة درعا ستؤسس لمعارك جديدة خلافاً للتوقعات عن ولوج الحل السياسي عند انتهاء كل معركة من المناطق لإخراج المعارضة من حلب ثم غيرها من المناطق وصولاً إلى الغوطة الشرقية أخيراً،لا يقل أهمية. لم تغب تلك عن أذهان الذين يشاهدون عنف ما يجري في درعا أن اتباع موسكو مبدأ «نحن ندمر ولا نعمر» ما هو إلا مزيد من التوريط الأميركي لبوتين كي يغرق في الوحول والدماء السورية. ومثلما أن معركة درعا لن تكون سهلة خصوصاً لدى سكان حوران الذين يشكل الثأر والانتقام واحداً من قيمهم القبلية القديمة، فإن الوعد المفترض بإخراج ميليشيات إيران من سورية ليس نزهة هو بدوره. والحديث عن أن إخراج التشكيلات الإيرانية هو ثمن ستدفعه موسكو مقابل تسليمها سورية من جانب واشنطن، يقابله سؤال كبير عن الثمن الذي ستحصل عليه طهران لقاء مغادرتها سورية بعد التوظيف البشري والمالي والعسكري الذي قامت به في سورية طيلة عقود، ولا سيما بعد اندلاع الحرب فيها.

إذا تمكنت الآلة العسكرية الروسية من إنهاء معركة درعا ماذا يحول دون أن تنفذ الفصائل التي فضلت القتال على الاستسلام أو بعضها (في بياناتها الصادرة) بتحويل مقاومتها إلى حرب تحرير وعصابات من «الاحتلال الروسي» مع ما يعنيه ذلك من فوضى جديدة يصعب ضبطها؟ وماذا يمنع إذا دعمت طهران المقاومة ضد الاحتلال الروسي، (كما فعلت في العراق ضد الأميركيين) إذا أصرت موسكو على إخراجها من سورية؟

الفوضى المقبلة قد تشهد أيضاً سباقاً إيرانياً مع موسكو على التوافق مع واشنطن.

اقرأ المزيد
٦ يوليو ٢٠١٨
نظام الأسد غير قادر على سيطرة يريد استكمالها

لم يسبق أن نظّمت دولة مثل روسيا «مونديال» كرة القدم فيما ترتكب جرائم حرب في بلد آخر، هو سورية، حيث تغير طائراتها على المدنيين في درعا، فتقتل العشرات وتتسبّب بتشريد ألوف العائلات. أليس في ذلك تناقض فاضح بين أهداف روسيا وأهداف «الفيفا»، بين أن تكون كأس العالم رسالة سلام ووئام، وأن تكون وسيلة دعائية لتبييض صفحة نظام استمر في سفك الدماء وأحدث الدمار على خلفية المباريات ودوي الهتاف لـ «الأغوال»، إذ تهزّ أشباك المرامي. ثمة لا أخلاقية دولية في التمسّك بـ «لا سياسة في الفوتبول» والتعامي عن مآسي الشعوب، فعندما اختيرت روسيا لتنظيم الدورة الـ21 للمونديال، لم يكن العالم قد نسي الوحشية التي أخضعت بها غروزني (الشيشان)، ولا استغلال الانشغال بأولمبياد بكين لاحتلال أوسيتيا الجنوبية وانتهاك أراضي جورجيا، وعندما حان موعد المونديال الحالي كانت روسيا أصبحت تحت عقوبات دولية بعد ابتلاعها شبه جزيرة القرم وشروعها في تقسيم أوكرانيا، ومن ثمَّ استدعاها النظام السوري المنبوذ دولياً لإنقاذه، ففعلت وتعاونت مع نظام إيراني، منبوذ دولياً هو الآخر، لتدشين نمط جديد من الاحتلال الاستعماري.

ليست هاشتاغات مثل «#كأس_حرب_ روسيا_2018# أو #مونديال_روسيا_السوري# ما يمكن أن يردع موسكو، إذ يقتصر تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على التعبير عما في الوجدان وتسليط الضوء على الفظاعات التي تمارسها بكل دمٍ بارد ومن دون أي حساسية. كان بعض المواقع الروسية زعم أن فلاديمير بوتين طلب من بنيامين نتانياهو أن تُوقف إسرائيل عمليات القصف في سورية طوال شهر المونديال لئلا «تُحرج» روسيا. لكن هذا الزعم كان تسريبة افتراضية كُذبت من الجانبين. فمن جهة، كان القصف الإسرائيلي موجعاً للنظام والإيرانيين في دير الزور ولـ «حزب الله» في القلمون، تحديداً في القصير، وليس مؤكّداً أن «الحزب» فرض تعتيماً على أنباء القصف لأنه أراد مثلاً عدم التشويش على المونديال. ومن جهة أخرى، استبقت الطائرات الروسية المونديال وخرقته بسلسلة غارات قاتلة لفتح الطرق أمام تقدّم الميليشيات الإيرانية، المتنكّرة بلباس قوات النظام والموصوفة كالعادة بأنها «قواته». وسيستلزم الوضع الميداني مزيداً من تدخّل الطيران الروسي لحسم في درعا، لأن عديد قوات «النمر» لا يكفي، وخطط ميليشيات إيران لا تفلح دائماً، وأيضاً لأنه لم يُترك سبيل آخر لمقاتلي الفصائل غير التصميم على الدفاع عن أرضهم وبيوتهم وذويهم، وبالتالي فإن بوتين سيسترشد مجدّداً بـ «نموذج غروزني» التدميري، وهو ما تخشاه قوافل النازحين في اتجاه حدود مقفلة أردنياً، وإسرائيلياً طبعاً.

كان لا بدّ لروسيا أن تتهيّأ للجنوب بصيغ أخرى غير الغزو والإخضاع، وأن لا تركن فقط إلى اتفاق مع إسرائيل على إبعاد الإيرانيين عن جبهة الجولان في الجنوب الغربي لتعتبر أن «مصالحات» نظام بشار الأسد ستعبّد الطريق إلى درعا من دون صعوبة. مصالحة، لكن كيف؟ بنقل أهالي حوران إلى إدلب؟ ولا أي «مصالحة» سابقة كانت حقيقية، ولا أي ضمانات روسية أو «تسوية أوضاع» للمقاتلين استطاعت الحؤول دون استئناف النظام انتهاكاته واعتقالاته، ولا وجود شرطة روسية استطاع طمأنة السكان وضمان سلامتهم ومنع الاعتداء على ممتلكاتهم. فالمعضلة الصعبة في استعادة النظام السيطرة، أنها عَنَت دائماً إخلاء المناطق وإذلال القليل من السكان الذي يبقى فيها وإفلات زُمَر «التعفيش» لنهب ممتلكات الذين غادروها، وكذلك إدخال قطعان المستوطنين الإيرانيين ليباشروا خطط التغيير الديموغرافي.

فأي «مصالحة» يتفاوض ضباط حميميم عليها مع ممثلي فصائل درعا؟ نعم، كان هناك بند عنوانه «عدم تهجير السكان»، لكن يُفترض أن هؤلاء الضباط باتوا يعرفون شيئاً عن صعوبات التعايش بين الناس وبين نظام عاملهم ولا يزال بكل وحشيته التي تضاعفت مع الدعم الروسي - الإيراني. فـ «المصالحات» لم تجدّد التعايش بل أعادت إنتاج سياسات القهر التي أدّت إلى ما تعيشه سورية منذ سبعة أعوام. حتى لو كانت خطة «مناطق خفض التصعيد» خدعة في الأساس، فقد تم تقديمها على أنها مرحلة على طريق إنهاء الحرب، ولا بدّ أن يواكبها تقدّم ملموس على مسارات الحل السياسي. وهو ما لم يحصل وما يمثل ذروة الفشل الروسي، إذ حوّلها النظام وحليفه الإيراني خطة لمواصلة الحرب وإنهاء سيطرة المعارضة في كل المناطق، مع رفضٍ مطلق لأي بحث في حلّ سياسي ما لم تُستَعَد السيطرة كاملة.

لكن النظام لم يعد يملك الإمكانات لفرض هذه السيطرة إلا بالاعتماد على حليفه الإيراني. وهذا ما ظهر في درعا حيث تخوض ميليشيات طهران المعارك وحدها تقريباً، إذ استُبعد العلويون إلا بأعداد رمزية وأحجم دروز السويداء عن المشاركة. وعدا ذلك أصبح معروفاً أن النظام يعوّل على أجهزته لتسريع إعادة تجنيد مقاتلين كانوا في الغوطة ومناطق أخرى ولالتقاط أي شخص يمكن تجنيده، في موازاة الاعتماد على «حزب الله» والأجهزة اللبنانية لتجنيد نازحين سوريين بعد إرغامهم على العودة. لا شك أن النظام يعتمد في تعنّته على ما أصبح معروفاً وشبه معلن، وهو أن الروس والأميركيين والإسرائيليين متوافقون منذ إدارة باراك اوباما، وأيضاً مع إدارة دونالد ترامب، على جملة أهداف في سورية. أولها مكافحة الإرهاب، وثانيها إخماد الجانب العسكري من انتفاضة الشعب، وثالثها - لكن «أهونها» على ما يبدو!- النظام وسلوكه باجتذاب الإرهاب واستثمار عسكرة الانتفاضة. استفاد النظام إلى أقصى حدّ من ورقة الإرهاب التي صنّعها مع الإيرانيين، ومن العسكرة التي غدت أسلمة تثير مخاوف الغرب، ويراهن على تمسّك الروس والإيرانيين بالأسد للتغلّب على ممانعة الدول الغربية إعادة تأهيله.

هذه الدول، بما فيها الولايات المتحدة، مستعدة للتغاضي عن بقاء الأسد لقاء تسليم سورية كلياً إلى روسيا والتعامل معها بناء على الضمانات التي تستطيع تقديمها. وأولها على الإطلاق إخراج الإيرانيين أو على الأقل سحب الجانب العسكري من وجودهم، فالأميركيون والإسرائيليون يضمنون بقاء الأسد ويتوقّعون منه تعاوناً ملموساً في عملية التخلّص من الإيرانيين. لكن طهران لا تطمئن إلى مصالحها إلا إذا كانت لديها بنية عسكرية تحميها. ومنذ أعلن بوتين ضرورة انسحاب القوات الأجنبية من سورية استطاع الإيرانيون تخويف الأسد بأنه إذا أجبره الروس على الاستغناء عنهم فهذا سيعني تلقائياً نهايته ونهاية نظامه. وبعد سلسلة الضربات الإسرائيلية للمواقع الإيرانية، بدأ الهمس في الحلقات القريبة من النظام بأن طهران بدأت عملياً وضع سيناريوات للمرحلة الأسوأ، فهي لن تخوض مواجهة مع الروس، لكنها قد تلعب ورقة «المقاومة» ضدّهم معتمدة على المجموعات المرتبطة بتنظيم «القاعدة» وبقايا «داعش»، ولن تمتنع عن التواصل مع فلول فصائل مقاتلة لم تعد تتلقى أي دعم خارجي، تحت عناوين «إجلاء الروس» أو «تحرير الجولان». وبمقدار ما يتخوّف النظام من صدام روسي - إيراني، مباشر أو غير مباشر، بمقدار ما يحاول إيجاد الصيغة المناسبة لاستغلال هذا الاحتمال لمصلحته.

أما الضمانات الأخرى المطلوبة من روسيا فيركّز عليها الأوروبيون، إذ إن سكوتهم على بقاء الأسد من دون التعامل الرسمي معه مشروط بأمرين مترابطين: حل سياسي ولو بطيء من طريق اللجنة الدستورية، وخطة إعادة إعمار مبنية على استعادة النازحين واللاجئين. إذا لم يُحرَز تقدم في هذين الاستحقاقَين، فإن الأوروبيين (والعرب) لن يرصدوا أي أموال للمساهمة في تطبيع الوضع السوري. للمرّة الأولى منذ تغيّرت موازين القوى لمصلحته، بدأ النظام يستشعر صعوبة استعادة السيطرة، فالدولة مفلسة ولا موارد لها. لذلك، يصرّ النظام على فتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن لإنعاش الخط التجاري، ويحاول التصالح مع الأكراد في الشمال لاستعادة حقول النفط، ويأمل بأن يتمكّن الروس من تعديل الموقف التركي. لكن ذلك كله لن يكفي مرحلة «السيطرة المستعادة» لتلبية المتطلّبات الهائلة في البيئة الموالية قبل تلك المعارضة.

اقرأ المزيد
٦ يوليو ٢٠١٨
«تمدُّد» إيران الخارجي ليس «تشيُّعاً» بل تصدير لأزمات داخلية!

لم تتوقف إيران عن إصرارها على مواصلة تمددها الاحتلالي في العديد من الدول العربية منذ أنْ بدأت «مبكراً»، قبل نحو خمسة عشر عاماً، بالإعلان عما وصفته بـ«الهلال الشيعي» الذي يبدأ أحد طرفيه باليمن وينتهي في لبنان، على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، مروراً ببعض دول الخليج العربي، الذي تسميه الخليج الفارسي، وبالطبع بالعراق وسوريا، ولعل آخر ما سمعناه بهذا الصدد ذلك التصريح الذي كان قد أطلقه علي خامنئي وأكد فيه أنَّ طهران لن تتخلى عن تمددها في الدول العربية التي توجد فيها والتي وصفها أكثر من مسؤول إيراني كبير بأنها تشكل مجالاً حيوياً لبلاده.
والواضح، لا بل المؤكد، أن إيران لا يمكن أن تنسحب لا من العراق ولا من سوريا وأيضاً ولا من لبنان إلّا بالمواجهة وبالقوة العسكرية وعلى غرار ما يجري الآن في اليمن حيث يشكّل الحوثيون مجرد غطاءٍ زائف لاحتلالٍ عسكري إيراني يشارك فيه «حزب الله» اللبناني الذي وصفه «صاحبه» حسن نصر الله بأنه لواء مقاتل في فيلق الولي الفقيه، ومثله مثل كل هذه الزمر والمجموعات الطائفية والمذهبية التي تقاتل على الأرض السورية والتي تم استيرادها من العراق ومن أفغانستان وباكستان والهند... ومن كل حدبٍ وصوبٍ كما يقال.

لقد اتخذ التدخل الإيراني كل الأشكال الاحتلالية البغيضة واستخدم «الرايات الشيعية» كمجرد غطاءٍ لأهداف ودوافع سياسية متعددة وكثيرة أهمها الحفاظ على هذا النظام البائس فعلاً الذي بدأ ومنذ سنواته الأولى بعد عام 1979 يواجه تحديات داخلية أكثر كثيراً وأخطر من كل تحدياته الخارجية.
إن المعروف أنّ هذا النظام كان قد ارتكب مذابح حقيقية بشعة بعد انتصار ثورته بأيام قليلة ضد أكراد كرمنشاه، لا لقمع ثورة قاموا بها ضده ولكن لاعتراض مطالبهم المحقة بأن تتم مساواتهم، كأتباع لـ«المذهب السني»، بمواطنيهم من الفرس والآذاريين وغيرهم من أتباع المذهب الشيعي الذي إذا أردنا قول الحقيقة فإنه استُخدم ولا يزال يستخدم غطاءً لكل عمليات القمع هذه السابقة واللاحقة التي قام بها حراس الثورة. وقامت الاستخبارات «اطّلاعات» الإيرانية التي تجاوزت بأفعالها الشنيعة أقصى ما كان يفعله جهاز الـ«سافاك» في عهد الشاه السابق محمد رضا بهلوي.

وهكذا، فإن المعروف أيضاً أن كل تجارب التاريخ، إنْ في منطقتنا وإنْ في العالم بأسره، تؤكد أنه عندما تبدأ دولة من الدول في المعاناة من أزمة أو أزمات داخلية فإنها تبادر من قبيل تصدير معاناتها وأزماتها إلى الخارج فِعْل كل هذا الذي فعلته إيران إنْ سابقاً بتفجير حرب الأعوام الثمانية مع العراق وإنْ لاحقاً من خلال كل هذا التمدد العسكري «الاحتلالي» في العراق وفي سوريا وفي لبنان... وأيضاً في اليمن ولاحقاً في ليبيا التي عندما كانت «جماهيرية» بقيادة العقيد معمر القذافي كانت من أقرب الحلفاء للدولة الخمينية.

إنَّ في إيران، وهذه مسألة تاريخية أسبابها متعددة ومختلفة، تركيبة سكانية «فسيفسائية»؛ فهناك قومياً العرب والأكراد والبلوش والآذاريون والأرمن والعديد من القوميات الصغيرة الأخرى. وهناك مذهبياً وطائفياً «السنة» والمسيحيون واليهود والإزيديون وغيرهم، ولذلك ولمواجهة مطالبة هؤلاء ليس بالانفصال وإنما بالمساواة مع الفرس فقد بادر هذا النظام الاستبدادي إلى مواجهتهم بالقمع وبالمذابح العديدة المتلاحقة.

وعليه وبغضّ النظر عن هذا كله فإن المعروف أن تصدير الأزمات الداخلية إلى الخارج مثله مثل تصدير الثورات، يُستخدم لاحتواء التفجيرات الداخلية، وهذا في حقيقة الأمر ما كانت إيران قد بادرت إليه باكراً بعد انتصار ثورتها الخمينية في عام 1979 مباشرة، إذْ كان هناك التحرش المستمر بالعراق الذي استُدرج إلى حرب الأعوام الثمانية المدمرة، وكان هناك استفزاز تبني احتلال الشاه محمد رضا بهلوي للجزر الإماراتية الثلاث، واستفزاز احتضان الحوثيين وإعدادهم عسكرياً وسياسياً لهذه الحرب التي افتعلوها في اليمن، ثم وقد كان هناك استفزاز تحويل «حزب الله»، حزب ضاحية بيروت الجنوبية، إلى قوة عسكرية باتت تتدخل في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية، وكان هناك أيضاً احتضان ما كان قد قام به جميل الأسد شقيق حافظ الأسد الذي أسس تنظيماً باسم «المرتضى» قام بعمليات تغيير طائفي وبخاصة في مناطق سوريا الشمالية - الشرقية.

ما كان من الممكن أن يستمر هذا النظام، البدائي حقاً، كل هذه الفترة الطويلة منذ فبراير (شباط) عام 1979، حتى الآن، لو لم يبادر إلى تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج ومنذ البدايات، ولو لم يشغل الشعب الإيراني العظيم فعلاً بكل هذه الحروب المدمرة التي افتعلها مع العديد من دول المنطقة. وحقيقةً إن أخطرها ليست حرب الأعوام الثمانية التي افتعلها مع العراق فقط، وإنما أيضاً هذا الاحتلال العسكري لسوريا وهذه السيطرة العسكرية على بلاد الرافدين والسيطرة السياسية من خلال «حزب الله» على لبنان. ولعل الأخطر من هذا كله هو استخدام الغطاء المذهبي لكل هذا الذي قامت به طهران في هذه المنطقة كلها وصولاً إلى ليبيا، جماهيرية القذافي السابقة، وإلى الجزائر.

ثم إنّ ما يعزز كل هذا الذي مرَّ ذكره أن قائد الحرس الثوري الإيراني، الذي هو كل شيء في طهران والذي لا قرار إلا قراره في هذا البلد الكبير المهم، قد وجّه قبل أيام قليلة انتقادات شديدة إلى ما وصفه ببطء تمدد «الثورة» في الخارج، وتراجع «التفكير الثوري». والواضح أن هذا قد جاء رداً على مطالبة المتظاهرين الإيرانيين بالانسحاب من سوريا ومن العراق، والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية القريبة والبعيدة.

لقد قال الجنرال محمد علي جعفري في خطاب بمؤتمر لأساتذة الجامعات، المؤيدين للثورة، وبكل صراحة بل بكل وقاحة: «إن انتصارات شعوب العراق ولبنان وسوريا قد حدثت (تحققت) نتيجة التبعية للثورة الإيرانية»! وأضاف: «إن كل هذه العزة والقوة وتمدد الثورة في المنطقة والعالم قد تمت في مرحلة تثبيت النظام الإيراني، وإن ما جرى في هذه الدول (أي الدولة العراقية والدولة السورية والدولة اللبنانية) هو إنجاز كبير لإيران.

فماذا يعني كل هذا الذي قاله قائد الحرس الثوري الذي هو كل شيء في إيران ولا قرار إلا قراره...؟!

إنه يعني أن بقاء هذا النظام كل هذه السنوات الطويلة منذ (فبراير) عام 1979 حتى الآن، كان مستنداً إلى تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج من خلال تمدده العسكري في العراق وسوريا ولبنان وأيضاً في اليمن وليبيا، مما يؤكد أنه لن يكون هناك أي انسحاب إيراني من أيٍّ من هذه الدول وبخاصة الدولة السورية إلّا بالضغط الجدي وبالقوة العسكرية، وهذا وللأسف لم يجرِ منه أي شيء حتى الآن... لا من قِبل الأميركيين ولا من قِبل غيرهم.

لقد أقحم هذا النظام الاستبدادي المتخلّف، إيران أولاً والعديد من دول هذه المنطقة ثانياً، في حروب مدمِّرة بالفعل، والهدف ليس تعزيز المذهب الشيعي ولا العمل على انتشاره وإنما تصدير أزماته الداخلية والهروب من مشكلاته المتلاحقة التي بدأت مع بدايات انتصار «ثورته» في فبراير عام 1979. والغريب أنه حتى الولايات المتحدة في عهد جورج بوش (الابن) قد ساعدته كثيراً في هذا المجال عندما فتحت له أبواب العراق على مصاريعها بعد إسقاط نظام صدام حسين في عام 2003.

وعليه، فإن التصدي لهذا النظام يجب أن يكون من خلال مواجهة تمدده (الاحتلالي) في بعض الدول العربية، وعلى غرار ما يجري الآن في اليمن، فإعادته إلى داخل إيران تعني عودة أزماته ومشكلاته الداخلية إليه، وتعني وضع حدٍّ لكل محاولات استخدام الشيعة العرب الذين باستثناء قلة قليلة مغرَّر بها ثبت أنهم متمسكون بعروبتهم وأنهم يعرفون أنَّ دوافع محمد علي جعفري وقاسم سليماني ليست «شيعية» وإنما للحفاظ على نظام استبدادي بات يغرق في أزماته الداخلية الكثيرة رغم كل محاولات تصديرها إلى الخارج بالعنف والقوة العسكرية.

اقرأ المزيد
٦ يوليو ٢٠١٨
يريدون إشعال فتنة.. احذروا المحرضين على السوريين

أصبح الأمر واضحًا، ولا يمكن ترك الحبل هكذا على غاربه..

من غير الممكن أن يستمر الأمر هكذا بالاعتماد فقط على الحس السليم للناس!

لأن هناك عدد لا حصر له من المحرضين "المتطوعين" أو "المكلفين" في مسألة تأليب الشارع ضد السوريين..

الكذب في هذا الخصوص لا حد له..

والظلم في الذروة..

إن أخطأ ثلاثة سوريون فالمحرضون مستعدون لتحميل المسؤولية إلى ثلاثة ملايين سوري.

أكتب وأكرر، وعلى وجه الخصوص أؤكد أن علينا ألا نندهش إذا واجهنا تحريضات ضد السوريين "مرسومة ومخطط لها"  مسبقًا.

فقد نجحوا في تأجيج العداء للاجئين في أوروبا.

وفي المقابل كوفئوا بكسب دعم شرائح المجتمع، والفوز في الانتخابات..

وعلى أي حال فإن مرشدي المحرضين في بلدنا يعتقدون أن تركيا كالمجر وبولونيا وألمانيا وإيطاليا.

والنتيجة؟

لا يمكنهم الفوز في الانتخابات، إلا أنهم يعكرون صفو المجتمع.

***

لا أدري إن تناهى الخبر إلى علمكم..

هاجم المحرضون بعد الانتخابات بثلاثة أيام السوريين في منطقة "تشام ديبي" في إزمير، وهم يرددون هتاف "يحيا مصطفى كمال باشا (أتاتورك)".

هذا مؤشر خطير ووخيم العواقب.

بل إن هناك من يقولون إن الهجمات لم تنفذ مرة واحدة، واستمرت أيامًا.

ولم يتورع المهاجمون وأنصارهم عن تسمية ما ارتكبوه بـ "تطهير تشام ديبي" من السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي.

أعقب ذلك هجوم على صيدلية في ديار بكر.

ومن أجل تأجيج غضب الحشود نشر البعض على وسائل التواصل الاجتماعي شائعات تقول إن "السوريين هاجموا الصيدلية"..

ولم يقف بعض الساسة من المحرضبن مكتوفي الأيدي، فعملوا على تضخيم الموضوع قدر إمكانهم.

في حين أن من هاجموا الصيدلية ليسوا سوريين، بل إن هناك سوريًّا سقط جريحًا أثناء الهجوم على الصيدلية، لكن الكذبة انتشرت بسرعة أكبر من الحقيقة.

الأمر الملفت للانتباه هو أن بعض المصادر الإخبارية من أمثال سبوتنيك ذكرت أن الحادثة وقعت في مدينة مرسين.

وعند الوضع بعين الاعتبار الطبيعة الحساسة للبنية الديموغرافية/ الاجتماعية في مرسين، ندرك ماهية المكيدة التي تُحاك في مواجهتنا.

***

فماذا يجب علينا أن نفعل؟

هناك الكثير من الأمور..

ربما يكون من الصواب معاودة دراسة فكرة تأسيس وزارة خاصة للاجئين والضيوف السوريين..

لكن أول مهمة مطلوبة..

أن يكون المسؤولون المحليون يقظين تمامًا تجاه التحريضات والاستفزازت، وأن يتصرفوا بسرعة قدر الإمكان عند اندلاع أي شرارة.

فهذه قضية لا تحتمل الإهمال والتقاعس..

اقرأ المزيد
٥ يوليو ٢٠١٨
ماذا تخبئ قمة بوتين ترامب للمنطقة؟

تتجه الأنظار نحو الجنوب السوري، وتسارع العمليات العسكرية في درعا، على ضوء ما جرى تداوله بشأن رغبةٍ أميركيةٍ في تعديل الاتفاق الثلاثي، الأميركي الروسي الأردني، حول جنوب سورية، وكذلك في إطار موافقةٍ إسرائيلية على وجود قوات النظام على الحدود، مقابل إبعاد إيران ومليشياتها، مع استمرار النظام بعمليته العسكرية هناك. وفي هذه الظروف، جاء الإعلان عن اللقاء المرتقب في هلسنكي في 16 يوليو/ تموز الحالي، بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والأميركي دونالد ترامب، وستكون سورية إحدى أبرز ملفاته، بدون أدنى شك، إلا أنها لن تكون الوحيدة أو المحورية.

يعتزم الرئيسان، بوتين وترامب، مناقشة آفاق تطوير العلاقات الثنائية، والقضايا الدولية، وسيكون هذا أول اجتماع كامل لهما، من دون الربط بمؤتمرات وقمم دولية، فقبل عام التقيا أول مرة في هامبورغ، في أروقة قمة مجموعة العشرين، وبعد ذلك بأشهر تم التواصل بينهما فترة وجيزة في فيتنام خلال قمة أبيك.

وهنا يمكن الإحالة إلى الدور التاريخي لفنلندا، والأسباب التي أدت إلى اختيارها مكاناً لاجتماع بوتين – ترامب، فقد كان أول اجتماع "فنلندي" في عام 1975 هو مفاوضات الرئيس الأميركي، جيرالد فورد، مع الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي، ليونيد بريجنيف، وكانت النتيجة اتفاقية هلسنكي، وهي وثيقة وقعها رؤساء 35 دولة، معلنة تحسن العلاقات بين الدول الشيوعية والدول الرأسمالية آنذاك. وفي وقت لاحق، عند الحديث عن هذه الاتفاقية، فإنها تعني "انفراجا" خلال الحرب الباردة.

وفي عام 1990، قبل انهيار الاتحاد السوفييتي بأشهر، ناقش الرئيس الأميركي، جورج بوش (الأب)، والرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، في هلسنكي كذلك، أزمة الخليج العربي. وفي عام 1997، في المقر الرسمي للرئيس الفنلندي، أجرى الرئيسان، الأميركي بيل كلينتون والروسي بوريس يلتسين، محادثات مفصلة. واليوم، يأمل البيت الأبيض والكرملين أن يؤدي الاجتماع المرتقب إلى تحسّن في العلاقات الروسية الأميركية.

وقد يكون هناك سبب آخر، هو أن فنلندا "أرض محايدة"، لأنها ليست جزءاً من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولكن عضويتها في الاتحاد الأوروبي تربطها بالغرب، كما أنها تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من واشنطن وموسكو. وستكون قمة فنلندا التاريخية فرصة "لفتة رمزية"، يمكن أن تكون مهمةً في مستقبل العلاقات الدولية، فالرئيس الأميركي سيغادر قمة "الناتو" المقررة قبل منتصف شهر يوليو/ تموز الجاري، للاجتماع مع بوتين. وهذا تذكير لانتقاده أخيرا قادة حلف شمال الأطلسي. ولم ينس العالم رسالة ترامب الشهيرة إلى قادة "الناتو" بوجوب زيادة إنفاقهم العسكري. ويمكن أن يعتبر الاجتماع في دولة محايدة رسالة ضغط على زعماء دول الحلف، لكي يزيدوا من إنفاقهم الدفاعي، الأمر الذي سيخفف بدوره العبء المالي على الولايات المتحدة، وهو ما يبحث عنه ترامب.

استفادت روسيا استفادةً كبرى من عدم رغبة الولايات المتحدة في التدخُّل في صراعاتٍ مختلفة في الشرق الأوسط، وغياب دور واضح لها في أزماتٍ كثيرة، وخصوصاً سورية، لتُعيد بناء علاقاتها مع عواصم مختلفة في المنطقة، لا سيما الخليجية منها. وقد عملت روسيا، بتدخلها العسكري في سورية، على تحقيق أهداف جيو - استراتيجية، ونجحت، إلى حد كبير فيها، على الرغم من فشلها في تحقيق بعض تلك الأهداف. وعلى الرغم من التدخل العسكري الروسي القوي في سورية لأكثر من عامين، إلا أن موسكو ما زالت تفتقر إلى تفعيل دور سياسي قوي يناسب حجم تدخلها العسكري. ومن هذه الزاوية، تعاونت موسكو سياسياً وعسكرياً مع دول إقليمية في المنطقة، بهدف دعم موقفها السياسي الضعيف، باعتبار أن شقاً ليس قليلا من الشعب السوري يعتبرها دولةً محتلة، ولذلك رأينا كيف تعاونت مع الرياض، وأثنت على جهودها في تشكيل وفدٍ موحدٍ للمعارضة، يضم جميع المنصات، وشارك في الجولة الثامنة لمحادثات جنيف، وكذلك عبر محادثات أستانة التي نظمتها موسكو بالتعاون مع تركيا بداية، ثم تم ضم إيران طرفا ضامنا بعد جولتها الثالثة (لما تملكه طهران من قوات على الأرض السورية، وحتى لا تضع العصي في عجلات أي اتفاق روسي – تركي). واستطاعت الدول الثلاث تهدئة الوضع في سورية، إلى حد ما، إضافة إلى إنشاء أربع مناطق لخفض التصعيد.

أوجد التدخل العسكري الروسي في سورية نوعاً من التوازن العسكري في ميزان القوى بين جميع الأطراف، بحيث لا يسمح لأيٍّ منها بتحقيق أي انتصارٍ يمكن أن يقلب المعادلة على الأرض السورية، واستطاعت روسيا إعادة مناطق كثيرة في سورية إلى يد النظام، باستثناء بعض المناطق في شمال شرقي البلاد.

يبقى القول إن الأنظار ستتجه إلى قمة هلسنكي التي ستجمع بوتين مع ترامب، وما سيكون بعدها من تغيراتٍ، ستظهر ملامحها على الأرض السورية، ربما قبل منتصف شهر يوليو/ تموز الحالي، مع الأخذ بالاعتبار تسارع الأحداث، وقد تكون بدايةً لحقبة جديدة في خريطة المنطقة والعالم، على الأقل من الناحية السياسية، بالنظر إلى قمم فنلندا وما تلاها تاريخياً.

اقرأ المزيد
٥ يوليو ٢٠١٨
"خفض التصعيد".. استراتيجية روسيا في حسم الصراع السوري عسكريًّا

بعد تسريباتٍ إعلامية عن تفاهمات روسية - إسرائيلية بشأن منطقة خفض التصعيد في جنوب غرب سورية، أطلق النظام السوري حملةً عسكريةً، تستهدف السيطرة عليها بالقوة أو عبر فرض اتفاقات استسلام على فصائل المعارضة الموجودة فيها، في استعادةٍ لسيناريو الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي؛ ما أعاد طرح التساؤل ما إذا كانت مناطق خفض التصعيد التي ابتدعتها روسيا مجرّد خدعةٍ للقضاء على المعارضة المسلحة، وإعادة فرض سيطرة النظام على هذه المناطق بالتدريج.


إنشاء مناطق خفض التصعيد قبل الإجهاز عليها
بعد سقوط مدينة حلب بيد قوات النظام السوري في كانون الأول/ ديسمبر 2016، واتفاق روسي - تركي تضمّن سحب قوات المعارضة من جزء المدينة الشرقي، بعد معارك كبيرة، أطلقت موسكو مسار أستانة الذي أصبح ثلاثيًا بانضمام إيران إليه. وبعد جولاتٍ تفاوضية عديدة، توصلت "الدول الضامنة"، في 4 أيار/ مايو 2017، إلى اتفاقٍ لإنشاء أربع مناطق لخفض التصعيد: إدلب، وريف حمص الشمالي، والغوطة الشرقية، والمنطقة الجنوبية. ولاحتواء الدور الإيراني على ما يبدو، نسّق الروس مع أطرافٍ خارجيةٍ مختلفة تفاصيل تنفيذ اتفاقات خفض التصعيد في كل منطقةٍ من هذه المناطق، فتم على هامش قمة دول مجموعة العشرين في مدينة هامبورغ الألمانية في 7 تموز/ يوليو 2017، التوصل إلى اتفاقٍ مع واشنطن حول إقامة منطقة خفض تصعيد في جنوب غرب سورية، ووضعت تفاصيله بمشاركة الأردن، في اتفاقٍ لاحق في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017. وفي تموز/ يوليو 2017، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن الاتفاق مع فصائل المعارضة السورية، عبر وساطة مصرية، على آليات خفض التصعيد في الغوطة الشرقية، وريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي. وخلال الجولة السادسة من مفاوضات أستانة، توصل الروس والإيرانيون والأتراك، في منتصف أيلول/ سبتمبر 2017، إلى اتفاقٍ على تفاصيل منطقة خفض تصعيد التوتر في إدلب، والتي شملت أجزاء من أرياف حماة، وحلب، واللاذقية. وجرى الاتفاق برعايةٍ مصريةٍ بين الروس وفصائل من المعارضة المسلحة، في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2017 على ضم مناطق ريف دمشق الجنوبي إلى منطقة خفض التصعيد في الغوطة الشرقية.

وفي حين كانت روسيا تضع تفاصيل مناطق خفض التصعيد، دخلت في سباقٍ مع الأميركيين للسيطرة على الأراضي التي كان يحتلها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وفيما سيطرت واشنطن، عبر حلفائها الأكراد، على مناطق شرق الفرات، تمكّنت موسكو من انتزاع أكثر مناطق "داعش" في مناطق البادية السورية وغرب الفرات، وصولًا إلى دير الزور. سمح هذا التطور للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأن يعلن من موسكو عن إيقاع "الهزيمة الكاملة" بمسلحي "داعش" على ضفتي نهر الفرات، وذلك قبل أن يصل إلى قاعدة حميميم الجوية، ليؤكد منها أن "المهمة الروسية ضد تنظيم داعش الإرهابي قد أنجزت تقريبًا"، وأمر بـ "بدء سحب القوات الروسية" من سورية (وهو تكتيك يستخدمه بوتين منذ بداية التدخل الروسي، إذ يعلن بعد كل مرة يحقق فيها أحد أهدافه في سورية عن بدء سحب قواته من دون تنفيذ الانسحاب فعلًا).

لكن روسيا كانت، في حقيقة الأمر، تحضر لبدء سلسلةٍ من العمليات العسكرية، للقضاء على المعارضة المسلحة في مناطق خفض التصعيد تباعًا. وما أن أنهى الرئيس بوتين زيارته الخاطفة إلى حميميم، حتى أطلق النظام السوري، بدعم جوي روسي كثيف، عمليةً عسكرية واسعة في منطقة خفض التصعيد المتفق عليها في إدلب. وبعد ثلاثة أيام على إطلاق العملية، أعلن رئيس هيئة الأركان الروسية الجنرال فاليري غيراسيموف أن مهمة قوات بلاده في عام 2018 ستكون "القضاء التام" على جبهة النصرة في مختلف مناطق خفض التصعيد.

تزامنت العملية العسكرية الروسية في إدلب مع دخول المفاوضات مع تركيا بشأن عفرين، وتحضيرات مؤتمر "الحوار الوطني السوري" في سوتشي مرحلةً حاسمة، انتهت بإعطاء موسكو الضوء الأخضر للأتراك لإطلاق عملية عسكرية ضد وحدات حماية الشعب في منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي. في هذه الأثناء، تمكّنت قوات النظام من السيطرة نهائيًا على مطار أبو الضهور في ريف إدلب الشرقي بعد معارك طاحنة، تدخلت فيها تركيا عسكريًا لأول مرة في رد على انتهاك النظام ما سمي حينها اتفاق "سكة الحجاز" الذي تم التوصل إليه في أستانة في منتصف أيلول/ سبتمبر 2017 بين رعاة مناطق خفض التصعيد الثلاث، ونص على إنشاء منطقتين: الأولى بين سكة الحديد وطريق حلب - حمص، وهي منطقة عمليات عسكرية لروسيا ضد هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا)، بحيث تضم هذه المنطقة إلى مناطق النظام. والثانية بين الطريق وريف اللاذقية غربًا، وهي منطقة خفض التصعيد التي تسيطر عليها فصائل المعارضة المدعومة من تركيا.

أثمرت التوافقات التركية - الروسية التي سمحت لتركيا بدخول عفرين، في مقابل الضغط على فصائل في المعارضة للمشاركة في مؤتمر سوتشي الذي كان مهدّدًا بالفشل، عن توقف عملية إدلب، وتوجه قوات النظام إلى غوطة دمشق الشرقية.

أطلق وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الهجوم على الغوطة بتصريحٍ قال فيه إن "تجربة تحرير حلب يمكن تطبيقها في الغوطة". وبعد أيام، شن النظام، مدعومًا بالروس، هجومًا متعدّد المحاور على مواقع فصائل المعارضة في الغوطة، انتهى إلى فرض اتفاقيات "مصالحة" هجّرت مسلحي المعارضة من مناطقهم وقراهم مع أسرهم إلى الشمال السوري الواقع تحت سيطرة فصائل معارضة قريبة من تركيا.

خلال أيام، لاقت المصير نفسه الفصائل المعارضة في قرى القلمون الشرقي وبلداته، وأحياء القدم والعسالي في جنوب العاصمة، إضافة إلى بلدات بيت سحم، وببيلا، ويلدا في الريف الجنوبي لدمشق، ومدن ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي وبلداتهما. ولم يتبق سوى مجموعة صغيرة من تنظيم داعش في حي الحجر الأسود، جرى التفاوض معها على الخروج بعد معارك شرسة. واكتسى اتفاق إجلاء هيئة تحرير الشام من مخيم اليرموك في جنوب دمشق أهمية خاصة؛ لأنه جاء ضمن صفقة شملت أيضًا إخلاء سكان بلدتي كفريا والفوعة، اللتين تقطنهما أغلبية شيعية وترعاهما إيران، في ريف إدلب الغربي.


توزع مناطق السيطرة ومستقبلها
ومع اقتراب النظام من تطهير مناطق سيطرته، في ما تسمى "سورية المفيدة"، من أي وجود مسلح سمحت به اتفاقات خفض التصعيد التي جرى التوصل إليها عبر القاهرة، لم يتبق سوى منطقتي خفض التصعيد في جنوب غرب سورية (درعا والقنيطرة) التي تخضع لتفاهمات روسية – أميركية - أردنية، ومنطقة إدلب التي تخضع لتفاهمات تركية – إيرانية - روسية. وقبل أن يبدأ النظام الهجوم أخيرا على منطقة خفض التصعيد في الجنوب، برزت في سورية أربع مناطق نفوذ رئيسة، تحكمها تفاهماتٌ مختلفة، كما يلي:
• ما تسمى سورية المفيدة؛ وهي أكبر تلك المناطق، يسيطر عليها النظام وتخضع لاتفاقات تنظم علاقة النظام بكل من الإيرانيين والروس، فضلًا عن تفاهمات بين موسكو وطهران، يتخللها تنافس خفي. وقد أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قوانين تستكمل تهجير أعدائه، بسلب حقوقهم المالية والعينية، كان أهمها المرسوم رقم 10 الذي يفوّض البلديات صلاحيات إقامة مناطق تنظيمية في الوحدات الإدارية.

• منطقة شرق نهر الفرات، إضافة إلى جيبي التنف والركبان، والتي يحكمها جميعًا اتفاقا هامبورغ ودا نانغ، بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، وكرّسا اتفاق عدم التصادم الروسي - الأميركي لعام 2015. وقد استخدمت واشنطن في مناسباتٍ عديدة القوة الساحقة ضد محاولات النظام والروس والإيرانيين اختبار التزامها تجاه استقرار هذه المناطق. وتشترك فرنسا والسعودية في تفاهماتٍ مع الجانب الأميركي بشأن الترتيبات الخاصة بشرق الفرات، في حين تعبر تصريحات مسؤولين أتراك عن اهتمامهم بمصير هذه المناطق، خصوصًا الرقة والقامشلي في محافظة الحسكة.

• الشريط الحدودي بين مدينة جرابلس على الضفة الغربية لنهر الفرات في شمال شرق محافظة حلب، وحتى أقصى شمال غرب محافظة اللاذقية، تشرف عليه تركيا. وقد ضم الجيش التركي إلى الشريط منطقة عفرين، وسمح اتفاق سكة الحجاز لتركيا بنشر نقاط مراقبةٍ في مواقع عديدة في أرياف إدلب، وحماة، واللاذقية وحلب، إحداها في عمق الأراضي السورية على مسافة 200 كم من خط الحدود التركية - السورية. وتُحكم هذه المنطقة بتفاهمات روسية – تركية، تسعى إيران إلى تعطيلها أو اللحاق بركبها. وتكثر في هذا الشريط المجموعات العسكرية الفاعلة؛ إذ باتت مدنه وقراه المحطة النهائية لمجموعات المعارضة المسلحة المهجّرة من مناطقها السابقة.

• منطقة جنوب غرب سورية؛ وهي منطقة أسسها اتفاق روسي – أميركي – أردني، جرى التوصل إليه على مرحلتين في صيف وخريف 2017، لكنها تتعرّض حاليًا لهجوم كبير من النظام، في محاولة استعادة السيطرة عليها، وضمها إلى مناطق سيطرته. وقد حاول الأردن التوصل إلى تفاهم مع روسيا لالتزام اتفاق خفض التصعيد بالمنطقة، لكن موسكو رفضت ذلك. وأبلغ لافروف وزيرَ الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، الذي سعى إلى انتزاع ضمانة روسية لتجنيب درعا مخاطر مواجهة عسكرية، أن "مناطق خفض التصعيد لا تشمل الجماعات الإرهابية، التي يجب القضاء عليها"، في إشارة إلى المنطقة الجنوبية.

في المقابل، كانت روسيا قد توصلت إلى اتفاق مع إسرائيل، يسمح للنظام باستعادة السيطرة على المنطقة الجنوبية، شريطة إبعاد إيران ومليشياتها عن الحدود بين سورية والجولان المحتل. ويبدو أن هذا الاتفاق جزء من اتفاق روسي - أميركي أشمل (بالتفاهم مع إسرائيل)، يتضمن إخراج إيران كليًّا من سورية، في مقابل إعادة تأهيل النظام، والسماح له ببسط سلطته على أكثر أجزاء البلاد؛ ما يعني قبول إسرائيل النظام السوري مع روسيا ومن دون إيران، ويفتح احتمالات متعدّدة مستقبلًا.


خاتمة
تبيّن، بمرور الوقت، أن مناطق خفض التصعيد لم تكن سوى خدعة روسية، هدفها الأساسي حسم الصراع في سورية عسكريًّا لمصلحة النظام، والقضاء بالقوة على فصائل المعارضة، بعيدًا عن أي حل يتضمن انتقالًا سياسيًا للسلطة. وبعد الإنجازات العسكرية أخيرا، أصبح النظام أشدّ تصلبًا تجاه استئناف مفاوضات جنيف؛ إذ فشلت الجولة الثامنة منها التي عُقدت في كانون الأول/ ديسمبر 2017، في تحقيق أي تقدم؛ بسبب رفض وفد النظام بحث أي موضوع، قبل "إعادة سلطة الدولة على جميع الأراضي السورية وتحريرها من الإرهاب"، على حد قول رئيسه.

بالمثل، بات الروس أكثر تشددًا في رفضهم مسار جنيف، بعد فوز بوتين بولاية رئاسية جديدة. كما غدت أكثر وضوحًا نياتهم المبيتة في تصفية منطقتي خفض التصعيد في جنوب غرب سورية (درعا والقنيطرة) وشمالها الغربي (إدلب)، بالتوازي مع مساعٍ لاستبدال مسار أستانة ونتائج مؤتمر سوتشي بمسار جنيف. ويسعى الروس إلى التحكم في نتائج أي عملية سياسية محتملة، عبر إعادة فرض وقائع على الأرض بالقوة، أو من خلال مصالحات محلية في المناطق التي يصلها جيش النظام، وتقليصها إلى مجرد مفاوضاتٍ على حدود صلاحيات المركز والأطراف في الدستور، وتعديل عدد من القوانين، كمرسوم الإدارة المحلية رقم 107، ومرسوم إحداث مناطق تنظيمية رقم 10.

تتطلب هذه الاحتمالات من المعارضة العمل على وضع إستراتيجية سياسية جديدة، تتعلق بمجمل سورية، وليس بهذه المنطقة أو تلك، تستهدف إفشال المخطط الروسي الساعي إلى إعادة تأهيل النظام، بالتواطؤ مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول العربية والأوروبية. كما أن المعارضة مدعوةٌ إلى التمسّك برفض إصباغ الشرعية على الأمر الواقع، مع التركيز على مقاضاة النظام، وكل من يسانده أمام المحاكم الدولية والوطنية التي تقبل دعاوى متعلقة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، راح ضحيتها مئات الآلاف من السوريين.

اقرأ المزيد
٥ يوليو ٢٠١٨
سقوط إيران بعد سقوط داعش؟

زجت التنظيمات الظلامية بالشعوب الإسلامية في معركة كبرى مع الحضارة والتمدن والقيم الإنسانية الأساسية. ولكنها كانت ضرورية لتحدث يقظة عند العامة الذين تم تضليلهم. سقوط داعش بهذا الشكل المهين وتغافل دول العالم عما يفعله النظام السوري ببقية التنظيمات الدينية في سورية تأتي تأكيدا على نهاية الفكر الديني. الشعوب الإسلامية صارت تؤيد فكرة القضاء على هذه التنظيمات بأي ثمن. استخدم داعش في معركة الموصل المدنيين دروعا. كان مقاتلوه يتمترسون في الأماكن المكتظة بالسكان على أمل أن تعمل المنظمات الإنسانية العالمية على إحراج جيوش أعدائهم ومن ثمة تضطر هذه الجيوش إلى الدخول في مباحثات تؤصلهم كقوة في أذهان الشعوب الإسلامية المتعطشة لأي انتصار حتى وإن كان انتصاراً إعلاميا فحسب. بيد أن استراتيجية محاربة التنظيمات الدينية عملت بطريقة مختلفة لم يفهمها داعش أبداً. أميركا لم تأت لمحاربة داعش ثم التفاوض معهم وقبول استسلاما مشروطا أو غير مشروط. أميركا جاءت لقتلهم فرداً فرداً وبأي ثمن.

سقوط داعش كان حتميا. ليس لأنه لا يملك القوة الكافية للدفاع عن نفسه ولكن لأنه لم يكن يملك خيالا سياسيا ولأنه أيضا خارج القيم الإنسانية والحضارة. هذا الأمر سهل على الدول القضاء عليه وتبرير قتل مجاهديه دون رحمة. الشأن مع إيران مختلف تماما. إيران هي داعش ولكنها تمتلك الخبرة والقدرة على المناورة وتعرف كيف تبقى بمحاذاة العصر الحديث. دولة ثيوقراطية بملابس عصرية. يستعين رجال الدين في إيران بكل أدوات العصر لنصرة منهجهم الديني بخلاف داعش الذي أنكر هذه المؤسسات وقوضها.

إذا قرأنا التغيرات السياسية التي حدثت في العالم الإسلامي سواء عن طريق الانقلابات أو عن طريق تحرك الشارع والمظاهرات سنرى أنها موجهة ضد المؤسسة الحاكمة وليس ضد الفكر الذي أوصل هذه المؤسسة وحافظ على بقائها. سيختلف الأمر عند اسقاط الملالي. دفعت الثورة الإيرانية بالفكر الديني إلى السلطة. ستصبح المعركة على السلطة في إيران بين الشعب وبين الفكر. اعتاد رجال الدين في العالم الإسلامي على مساندة السلطة أو لعب دور المعارضة عندما يقل نصيبهم من الكعكة. إيران تخطت هذه المعادلة. أصبح رجل الدين هو السلطة. مطالب الناس في المسجد تختلف عن مطالبهم في البرلمان أو في مجلس الوزراء وغيرهما من مؤسسات الدولة. لم يعد لبرامج الدين الخيالية المعتادة مكانا في السياسة. شكلت الثورة الإيرانية نموذجا لكل رجل دين إسلامي طامع في الحكم. سقوط الملالي في إيران سيكون سقوط الثيوقراطية في البلاد الإسلامية وتطهيرا للجسد السياسي من الفكر الديني.

اقرأ المزيد
٥ يوليو ٢٠١٨
متى توقف "الأمم المتحدة" قلقها إزاء قتلنا كسوريين ....!؟

سبع سنوات مرت وتزيد على بدء الحراك الشعبي الداعي لتحقيق تطلعات الشعب السوري كغيره من شعوب العالم في الحرية والتقدم، بعيداً عن سلطة النظام المستبد القمعي الذي أمعن في قتل الشعب السوري ومواجهة طلب الحرية بالرصاص والمدافع والطائرات والعالم يتفرج.

قدم الشعب السوري خلال السنوات الماضية مئات الألاف من الشهداء والمعتقلين والمشردين والمصابين، ونقلت وسائل الإعلام كافة وبشكل يومي مايتعرض له الشعب السوري من قتل وإبادة جماعية وعرقية واضحية، ورغم ذلك لم يقدم العالم المتحضر بمؤسساته "مجلس الأمن والأمم المتحدة وحقوق الإنسان بكافة مكاتبها" أي شيء للشعب السوري إلا القلق والمزيد من القلق.

وبات "القلق" كان آخر حالاته بشأن سلامة المدنيين في محافظة درعا التي تواجه ما واجهته باقي المناطق السورية قبلها من قتل وإجرام، ليغدو سمة بارزة تعبر عن حال مجلس الأمن والأمم المتحدة الغائب والعاجز، إلا أنه لايقر بذلك بل يخرج في كل جريمة ليقول "أنا قلق" كإثبات وجود لا أكثر.

وحق على الشعب السوري المنهك والذي يتعرض لحرب إبادة شاملة وعملية تهجير قسرية وتغيير ديمغرافية وجرائم كبيرة أن يمتنع عن التسبب بـ "القلق" لمنظمات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وأن يعتذر علانية وأمام العالم أجمع عن حجم المعاناة التي تسببها بما ارتكب بحقه من جرائم وما خلفه من "قلق" مستمر لدى مدعي الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، "نعم وجب أن نعتذر لكم ياسادة ونهدئ من قلقكم علينا".

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
١٦ يناير ٢٠٢٥
من "الجـ ـولاني" إلى "الشرع" .. تحوّلاتٌ كثيرة وقائدٌ واحد
أحمد أبازيد كاتب سوري
● مقالات رأي
٩ يناير ٢٠٢٥
في معركة الكلمة والهوية ... فكرة "الناشط الإعلامي الثوري" في مواجهة "المــكوعيـن"
Ahmed Elreslan (أحمد نور)
● مقالات رأي
٨ يناير ٢٠٢٥
عن «الشرعية» في مرحلة التحول السوري إعادة تشكيل السلطة في مرحلة ما بعد الأسد
مقال بقلم: نور الخطيب
● مقالات رأي
٨ ديسمبر ٢٠٢٤
لم يكن حلماً بل هدفاً راسخاً .. ثورتنا مستمرة لصون مكتسباتها وبناء سوريا الحرة
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
٦ ديسمبر ٢٠٢٤
حتى لاتضيع مكاسب ثورتنا ... رسالتي إلى أحرار سوريا عامة 
Ahmed Elreslan  (أحمد نور)
● مقالات رأي
١٣ سبتمبر ٢٠٢٤
"إدلب الخضراء"... "ثورة لكل السوريين" بكل أطيافهم لا مشاريع "أحمد زيدان" الإقصائية
ولاء زيدان
● مقالات رأي
٣٠ يوليو ٢٠٢٤
التطبيع التركي مع نظام الأسد وتداعياته على الثورة والشعب السوري 
المحامي عبد الناصر حوشان