نهاية وحدات الحماية الشعبية وبدء العد التنازلي
يبدو أن القرار الذي اضطرّت واشنطن لاتّخاذه في خصوص منبج والذي تسبّب في ضرر كبير لوحدات الحماية الشعبية سيؤدي إلى زعزعة توازن المنطقة بأكملها، إذ بدأ عناصر وحدات الحماية الشعبية بالانسحاب من المنطقة بناء على المسار المحّدد من خلال الاتفاق المعقود قبل شهر من الآن، لكن لا يمكن الاعتقاد بأن أمريكا ستوقف أعمالها الخبيثة وخصوصاً أنها اضطرت لاتخاذ هذا القرار نتيجة الضغوطات السياسية التي مارستها تركيا مؤخراً، لأن احتمال توجّه تركيا لشرق الفرات عقب الانتهاء من منبج بدأ يتسبّب بالقلق للعديد من القوى الدولية.
كما يمكننا رؤية أن القوى المعادية لتركيا والمستاءة من التخلّي عن وحدات الحماية الشعبية بدأت بالسعي لمخططات جديدة في الساحة السورية، وخير دليل على ذلك هو المشروع الذي عرضته أمريكا وإسرائيل على روسيا، علماً أن مضمون هذا الاتفاق يتمثّل في ثلاثة خطوات رئيسة ستعود بالضرر لتركيا وإيران بطرق مباشرة وغير مباشرة، الخطوة الأولى هي تجديد الاتفاقات بين وحدات الحماية الشعبية ونظام الأسد بهدف الوقوف في وجه التقدّم التركي نحو شرق الفرات بعد الانتهاء من منبج، والخطوة الثانية هي السماح لروسيا ونظام الأسد بالنفوذ إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة بي كي كي-وحدات الحماية الشعبية، أما الخطوة الثالثة فهي اعتراف أمريكا بمشروعية بشار الأسد مقابل توقّف تركيا عن التقدّم وخروج إيران من سوريا بشكل نهائي.
هذا وقد بدأت المفاوضات بين نظام الأسد ووحدات الحماية الشعبية في إطار المشروع المذكور، وأشارت المعلومات الواردة إلى أنّ محور المفاوضات يدور حول تسليم حقول النفط ومعابر "الدرباسية واليعربية وسيمالكا" الحدودية للنظام السوري مقابل السماح لوحدات الحماية الشعبية بإدارة القسم الشمالي مثل ولايات الرقّة والحسكة، إضافةً إلى إعفاء عناصر وحدات الحماية الشعبية من إلزامية تأدية الخدمة العسكرية في صفوف الجيش السوري "قوات الأسد"، لكن حسب التطورات الأخيرة سيتم تحديد مستقبل سوريا بناء على الاجتماع الذي سيكون بين أردوغان وترامب وبوتين خلال قمة حلف الشمال الأطلسي التي ستعقد في العاصمة البلجيكية بروكسل بتاريخ 11-12 تموز 2018.
يهدف الرئيس الأمريكي ترامب إلى إيقاف تقدّم تركيا وإخراج إيران من المعادلة السورية بشكل نهائي، ولذلك يُشار إلى أن ترامب سيسوق جميع أوراقه الرابحة خلال اجتماع بروكسل لإقناع تركيا بالقسم المتعلّق بإيران من المسألة، ووفقاً للكاتب الأمريكي "ديفيد إيجناتيوس" في صحيفة "واشنطن بوست" لقد اتفقت أمريكا وروسيا في خصوص دفع إيران للخروج من سوريا وبقاء الأسد في السلطة.
من جهة أخرى صرّح وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" يأن توقّع خروج إيران من سوريا سيكون ابتعاداً عن واقع الساحة السورية، إضافةً إلى أن الدول الأوروبية الحليفة لأمريكا لديها شكوك كبيرة تجاه هذه السياسة المعادية لإيران، والتي تحاول واشنطن تطبيقها على أرض الواقع من خلال الاتفاق مع روسيا، كما أن بريطانيا وفرنسا قد أعربت عن موقفها من خلال تحذير واشنطن بأن مساهمة روسيا في القضاء على إيران سيكون أمراً غريباً للغاية، أما بالنسبة إلى موقف تركيا من هذه المسألة يمكن القول إن الأخيرة تعارض دعم وحدات الحماية الشعبية وتجاهل الجهات المعارضة في سوريا، كما أنها لا تؤيد أمريكا وإسرائيل في السياسة التي تمارسها تجاه إيران.
الخلاصة هي أن جميع المخطّطات التي تتعلّق بسوريا ستبوء بالفشل إن لم تحصل على موافقة تركيا وروسيا وإيران، ولذلك حان وقت استسلام وزارة الدفاع الأمريكية والتوقّف عن هذه المحاولات، لأنها لن تنجح في إنقاذ وحدات الحماية الشعبية مهما فعلت بعد الآن، وإن نهاية الأخير إضافةً إلى بي كي كي ستكون أسوأ بكثير من نهاية تنظيمات داعش والكيان الموازي التي كانت تخدم مصالح القوى الإمبريالية.