أثبتت معركة درعا أنّ هناك تفاهما في العمق بين روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة في ما يتعلق بالجنوب السوري. سمح هذا التفاهم لقوات تابعة لإيران بالمشاركة في المعركة التي تستهدف بلوغ الحدود الأردنية وإعادة فتح معبر نصيب. كان ذلك عن طريق ارتداء عناصر من “الحرس الثوري” الإيراني وميليشيات أخرى لبنانية وعراقية تابعة لـ“الحرس الثوري الإيراني” ثياب الجيش السوري النظامي الذي بات يفتقر إلى العناصر البشرية.
يقوم هذا التفاهم، الذي لا يبدو الأردن الحريص على عدم دخول مزيد من اللاجئين السوريين أراضيه بعيدا عنه، على ترتيبات جديدة تقسّم الجنوب السوري إلى منطقتين. سميت إحدى المنطقتين غرب جنوب سوريا مسموح فيها للميليشيات الإيرانية العمل لدعم ما بقي من قوات تابعة لبشّار الأسد تحت غطاء من سلاح الجو الروسي الذي أبلى البلاء الحسن في تدمير قرى وأحياء على رؤوس من فيها من أطفال ونساء ومدنيين. لم يترك ذلك أمام معظم المعارضين في تلك المنطقة سوى التوصل إلى تسويات صبّت ظاهرا في مصلحة النظام السوري.
باختصار شديد، هناك لعبة تدور في الجنوب السوري. من أصول اللعبة عدم الاقتراب من إسرائيل التي باتت تعتبر قضية الجولان السوري المحتلّ منذ العام 1967 قضية منتهية. ولذلك كان ذلك الفصل بين منطقة وأخرى في الجنوب السوري. هناك غرب الجنوب السوري، وهناك جبهة الجولان غير المسموح بالاقتراب منها. هذه الجبهة كانت في كلّ وقت علة وجود النظام السوري القائم منذ كان حافظ الأسد وزيرا للدفاع إبّان حرب العام 1967.
في انتظار قمة دونالد ترامب – فلاديمير بوتين في السادس عشر من الشهر الجاري، مباشرة بعد انتهاء دورة كأس العالم لكرة القدم التي استضافتها روسيا وعززت بها مكانتها الدولية، تبدو الحقيقة الوحيدة التي طفت على السطح إعلان إسرائيل صراحة أنّها متمسكة بالنظام السوري. هذا لا يعني توقّف الضربات الموجهة إلى المواقع الإيرانية في سوريا.
على العكس من ذلك، استمرّت تلك الضربات في الأسابيع القليلة الماضية في وقت كانت الميليشيات التابعة لإيران تقدم الضحايا خدمة للنظام السوري الذي يعتبر نفسه خرج منتصرا من معركة درعا، فيما أثبت الجانب الروسي أنّه الطرف الوحيد القادر على إدارة لعبة في غاية التعقيد. تقوم هذه اللعبة على تفاهم مع إسرائيل وإدارة ترامب قبل أيّ شيء آخر، وعلى استخدام الميليشيات الإيرانية في تأمين النقص في العنصر البشري الذي يعاني منه ما بقي من الجيش التابع للنظام السوري.
تجمع روسيا في إدارة هذه اللعبة بين المفيد والممتع. يتمثّل المفيد في إيجاد وقود بشرية للنظام عبر الميليشيات المذهبية التابعة لإيران، فيما تجد الممتع في الذهاب بعيدا في التعاون مع إسرائيل والعمل في الوقت ذاته على التوصل إلى صفقة مع إدارة دونالد ترامب التي بات معروفا أنّها لا ترفض طلبا للدولة العبرية.
هل بات في الإمكان القول إنّ هناك مستقبلا للنظام السوري؟ قبل الدخول في موضوع مستقبل النظام السوري الذي أدّى، ومازال يؤدي، المطلوب منه، أي تفتيت سوريا وتهجير أكبر عدد من المواطنين من أرضهم، لا بدّ من الإشارة إلى أن إيران التي سعت إلى أن تكون صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في دمشق ذهبت ضحيّة الاعتقاد أن في استطاعتها استخدام الآخرين لتحقيق مآربها. نعم، تستطيع إيران استخدام ميليشيا مذهبية لبنانية أداة لها.
كذلك تستطيع استخدام ميليشيات عراقية في خدمة طموحاتها. هذا شيء، والاستعانة بروسيا لإنقاذ رأس بشّار الأسد شيء آخر. أنقذ فلاديمير بوتين بشّار الأسد عندما أرسل طائراته إلى حميميم في أواخر أيلول – سبتمبر 2015. لم يُقْدم على هذه الخطوة قبل الحصول على ضوء أخضر من إيران. ليس سرّا أنّه سبق إرسال القاذفات الروسية إلى القاعدة، المقامة في الساحل السوري قرب اللاذقية، زيارة لموسكو قام بها الجنرال قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني.
لكلّ شيء ثمنه في الحرب السورية. هناك ثمن على إيران دفعه في مقابل التدخل الروسي. يشمل هذا الثمن الاعتراف بمصالح إسرائيل من جهة، والعلاقة العميقة بينها وبين روسيا من جهة أخرى. إسرائيل تمرّ قبل إيران في روسيا. والأهمّ من ذلك كلّه مستقبل العلاقات الروسية – الأميركية. يعرف الروسي قبل غيره أنّه لولا إبلاغ الأميركيين المعارضة مباشرة أن عليها الاستسلام في درعا، وأن لا تتكّل على أي مساعدة من واشنطن لمّا كانت المعركة في غرب الجنوب السوري مجرّد نزهة.
يبقى أن ما يتجاهله الروسي والإيراني، وكذلك النظام، أن منطقة درعا ومحيطها لن تكون في المدى الطويل لقمة يسهل ابتلاعها. فمن درعا انطلقت الثورة السورية، ومن درعا كانت بداية اهتزاز النظام الذي أسسه حافظ الأسد والذي استند، بين أوّل ما استند إليه، على سنّة الأرياف. كان حافظ الأسد يكره كرها شديدا سنّة المدن الكبيرة. كان حريصا كلّ الوقت على تغطية علويّة نظامه بسنّة الأرياف من جهة، وأقليات مثل المسيحيين والإسماعيليين من جهة أخرى.
سيكون صعبا تخيّل أي مستقبل للنظام في منطقة مثل درعا حيث العلاقات العائلية تطغى على كل ما عداها. هناك مجتمع عشائري في درعا ومحيطها. لهذا المجتمع امتدادات في اتجاه الأردن أيضا. معظم العائلات في تلك المنطقة لديها فروعها في الأردن أيضا. هذه العائلات ليست معروفة بالروابط القائمة في ما بينها فحسب، بل ببؤسها وعادات الثأر الذي يبقى حيّا لسنوات طويلة أيضا.
سيرفع النظام علامات النصر في درعا. حقق هذا الانتصار على السوريين بفضل الميليشيات الإيرانية والقصف الجوي الروسي والتواطؤ الأميركي والإسرائيلي.
هناك انتصار تحقق على المواطن في درعا. لا أفق لهذا الانتصار الذي لا يشبه سوى الانتصارات التي كانت تتحقق بواسطة الدبابة السوفياتية أيّام الحرب الباردة على الشعوب في دول أوروبا الشرقية. ماذا بقي من الاحتلال السوفياتي لدول مثل هنغاريا وبولندا وألمانيا الشرقية ورومانيا وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا، التي صارت الآن دولتين؟
من يتذكر أن الدبابات التي أرسلت من موسكو سحقت انتفاضة بودابست في 1956 و”ربيع براغ” في 1968 وقمعت ثورة الشعب البولندي في ثمانينات القرن الماضي. هذه مجرّد أمثلة تعطي فكرة عن أنّ ثمة حدودا لما تستطيع أن تفعله الدبابة أو الطائرة. هناك بكل بساطة نظام انتهى في سوريا. لن تقوم لهذا النظام قيامة في يوم من الأيّام بغض النظر عن كـل الطائـرات الروسية والميليشيات الإيرانية والدعم الأميركي والإسرائيلي الذي توفّر لبشار الأسد في مناسبة معركة درعا.
ثمّة شيء انكسر في سوريا. ما انكسر هو النظام الذي تكمن مشكلته الأساسية في أنّه يستطيع القضاء على سوريا التي عرفناها، لكنّه لا يستطيع القضاء على الشعب السوري كلّه حتّى لو جمعت له إسرائيل كل الأضداد، وأمّنت له كلّ ما يحتاج إليه من تغطية أميركية…
هذه المرة، لا أكتب مقال رأي سياسي، بل أبوح بحجم الهزيمة المرّة التي تعتصر صدورنا، ونحن نكشف الغطاء عن آخر مراحل الخيانة لثورة حرية وكرامة، شعارها الأول: "سلمية، سلمية". ثورة تنازع على طعنها الأصدقاء والأعداء، ووفّر لهم ذلك من ادّعوا حمايتها، من دول، وأدوات هذه الدول من قادة فصائل مسلحة مشبوهة، نبتت على دم الناس، واقتاتت من أجسادهم، ومن نخبة معارضين سياسيين أخذوا الثورة على محمل الانتقام من النظام، لاستلام السلطة منه، بكل ما فيها وعليها، ليكونوا بديلا مشوها عنه، كما حدث في مناطق نفوذهم، وقدّموا سورية كلها قرباناً لهذا الانتقام، وليس التغيير الذي تقوم من أجله الثورات، عندما يتحول النظام الحاكم إلى ذهنيةٍ عاجزةٍ عن أداء دورها المفترض في الإصلاح، فأبعدوا النضال السياسي، ليتقدم الصراع المسلح، ودافعوا عنه، بل وتبنوا كل انحرافاته المتطرّفة، من الفصائل المؤدلجة إلى جبهة النصرة وحتى "داعش"، (راجعوا تصريحات مسؤولين تولوا مناصب في المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية والهيئة العليا للمفاوضات السورية) المشكوك بها بدايةً، وها هي النهاية تؤكد ضلوعهم الكامل بجريمة خطف الثورة، بل نحرها على أبواب دول التمويل لقتل الثورة في مهدها، وفداء لفكرة الانتقام من النظام.
لا تنفع البكائيات اليوم، على الرغم من دموعي التي تحجب عني رؤية شاشة "اللابتوب". هزمتنا الخيانات. والهزيمة هنا ليست عودة المدن والمناطق إلى حكم نظام الأسد، فالثورة لم تبدأ في مساحاتٍ محرّرة من حكمه، بل انطلقت في أكثر مناطق نفوذه، واستقراره، ووجوده العسكري والأمني، وحيث أكثر بنيته التنظيمية من مسؤولين هم من أبناء محافظة درعا، لعلي كنت واحدة منهم، رئيسة تحرير لإحدى صحيفتين فقط تملكهما الدولة، أي بنسبة خمسين بالمئة من إعلام النظام المكتوب، تقوده امرأة قيد نفوسها درعا، على الرغم من قناعاتي بأن سورية، بكل تفاصيلها ومدنها وقراها، هي مرجعيتي، وأقف على المسافة نفسها منها عند أداء واجبي، وأن العمل الإعلامي لم يكن يوما يحدّه منصب، أو ينتزعه منك قرارٌ أمني كما حدث معي، مرتين أولهما إثر تحميلي عبر لقاء مع قناة الجزيرة قوات الأمن مسؤولية قتل المتظاهرين في درعا (8 أبريل/ نيسان 2011)، وثانيهما عندما حاول "الائتلاف" انتزاع حقي بالتعبير عن رأيي في أدائه السيئ، طالباً محاكمتي على طريقة الأجهزة الأمنية السورية. نعم، فالهزيمة الفعلية التي منينا بها اليوم أننا، نحن المدنيين، بين حدّي منشار، يتنازع تمثيلنا نظام مستبد ظالم من جهة، ومقابله تاجر أو متسلق مرتهن لدولةٍ ما من جهة ثانية، وكلاهما لا يحمل الهدف النبيل لمفهوم الثورة والتغيير.
"هل انهزمت الثورة؟" ربما يكون هذا عنوان سؤال عريض لبسطاء كثيرين اكتووا بنارها، مؤيدين لها كانوا أو معارضين، لكن في الحقيقة يجب أن يكون السؤال: هل كان أمام الثورة طريق للانتصار، واختارت هي الذهاب في طريق الهزيمة؟ أو هل الثورة المهزومة تلك هي الثورة نفسها التي انطلقت من درعا تهلل للحرية، وآمنا بها انتصاراً للحق؟
هذه أسئلة مؤلمة، لكنها جوهر البحث الذي نستخلص منه لماذا نحن هنا، على أبواب درعا نقفل ملف الفصائل المسلحة؟ ونفتح من جديد أبواب مؤسساتنا للنظام العائد إليها، وهو أكثر انكساراً منَا (نحن مجتمع الثورة السلمية). ولا أتحدث عن قادة وتنظيمات وكيانات وروابط (من رابطة)، وما هو مصير شعاراتنا في الحرية والكرامة وحقوق الإنسان؟
نعم، كان أمام الثورة فرصة لاختيار طريق آخر غير طريق الارتهان الذي مارسته الكيانات المحسوبة عليها، من مجلس وطني إلى فصائل مسلحة إلى ائتلاف إلى هيئات تفاوض، وما تفرّع "عنهم" من منظماتٍ تحت مسمى حكومة مؤقتة أو مجالس محلية، أو رابطات، فهذه جميعاً حتى اليوم لم تملك مشروعا وطنياً تدور في فلكه وتدافع عنه، حيث كل كيان أو فصيل أو منظمة تدافع عن مصالح مموليها، أو خلافتها أو دولتها، تحت مسمّى العمل الوطني، وتعطل على بعضها بعضاً فرصة الولوج إلى أي حلٍّ سياسي، ما لم يفصّل على مقاس الدولة التي ترعاها، وهذا ما حدث تباعاً في التشكيلات السياسية والعسكرية، وحتى المجتمعية. سيقول المدافعون: ما كنا نستطيع غير ذلك، ليبرّروا ارتهانهم، وأجندتهم الخارجية التي لا يمكن أن تخدم أجندة وطنية. وهذا ما ينطبق على ما قاله أحمد طعمة، عندما برّر قبوله رئاسة وفد "أستانة"، وهو غير العسكري، والذي "طرد" من هذه الفصائل من على معابرها في سورية، ومنع من دخولها، حين كان يرأس حكومة الائتلاف المؤقتة، في إعلانٍ من هذه الفصائل علناً انقلابها المسلح على أي كيان سياسي، وبرّر قبوله "إذا لم يقبل بالمنصب الجديد فسيكون مصيره الإهمال والجلوس في بيته". ما يعني أننا أمام حالة بيع قضيةٍ مقابل منصب، وهذا ما ينطبق على المعطلين لاتفاق الجنوب، على الرغم مما يشوبه، أنهم لم يجدوا في إتمامه "غنيمتهم المنشودة"، فقرّروا أن يموت المدنيون تحت القصف، حتى يستدرك الروسي المحتل خطأه، ويعيد توزيع الغنائم.
بصراحة، نعم انهزمت ثورة القادة المسلحين المأجورين والأتباع، وانكشفت ارتهانات الكيانات، وضحالتهم الوطنية، لكن تلك الثورة التي تحدت النظام في عقر داره، وبين أجهزته الأمنية، لا تزال ترعب النظام، كما ترعب المعارضة المأجورة، ولا تزال شراراتها قابلةً للاشتعال، فحيث يستطيع مدنيٌّ أن يرفع صوته بوجه الاحتلال الروسي، ويطلب منه ما عجزت بنادق الفصائل وأسلحته عن طلبه، يكمن انتصار ثورة الحرية التي تمضي قدماً، ويظن (وبعض الظن إثم) النظام والمعارضة أنهما أخمداها، بفعل الحرب والقتل والتدمير والتشريد، بينما هي تتمدّد أكثر واكثر، وتطبع سورية الجديدة بملامحها، رغماً عنهم جميعاً، فهذه الثورة التي بدأت سلميةً لا تنتهي بالخيانات العسكرية، بل تستكمل طريقها عبر الصراع السياسي الذي يمكن أن نستعيده حراً مع لحظة إنهاء الصراع المسلح الذي لم تسع إليه الثورة بدايةً، ولا يمكنه أن يكتب بتخاذله النهاية، وانتصار سلاح روسيا لا يمكنه أن يمحي هزيمتها الأخلاقية والسياسية عبر الأجيال القادمة التي لم تلتفت الكيانات المعارضة إلى أهميتها، كحاضنة للثورة، ولم تستشعر أي مسؤولية تجاهها، لتكتب لها وثيقةً تعترف فيها بما صنعته لهزيمة وتعطيل الحريات في كل مناطق نفوذها (حتى في دوائرها السياسية وهيئاتها التفاوضية) في مقابل السلطة والمال.
سيعود النظام ليس فقط إلى درعا، لكنه سيعود حاملاً انكساره أكثر مما تحمله المعارضة من هزيمة، حيث يعود متخلياً عن سيادته الوطنية لروسيا، وحامياً حدود دولةٍ تحتل أرضه، وتتبجح بحمايته، ما يجعل هذا أكثر أنواع السقوط إيلاماً في نظر حاضنته الشعبية الوطنية التي رفضت تصريحات رامي مخلوف بداية الثورة، واستهجنتها، "أن أمن إسرائيل من أمن النظام". وقبل أن يكون سقوطه مدوياً في نفوسنا، نحن الذين ما زلنا نؤمن بقضيتنا فلسطين العربية، وبالجولان أرضاً سوريةً لا تنازل ولا تفريط فيها وبأهلها، شاء النظام أم أبى، هو ومن يتوافق معه.
يبدو أن القرار الذي اضطرّت واشنطن لاتّخاذه في خصوص منبج والذي تسبّب في ضرر كبير لوحدات الحماية الشعبية سيؤدي إلى زعزعة توازن المنطقة بأكملها، إذ بدأ عناصر وحدات الحماية الشعبية بالانسحاب من المنطقة بناء على المسار المحّدد من خلال الاتفاق المعقود قبل شهر من الآن، لكن لا يمكن الاعتقاد بأن أمريكا ستوقف أعمالها الخبيثة وخصوصاً أنها اضطرت لاتخاذ هذا القرار نتيجة الضغوطات السياسية التي مارستها تركيا مؤخراً، لأن احتمال توجّه تركيا لشرق الفرات عقب الانتهاء من منبج بدأ يتسبّب بالقلق للعديد من القوى الدولية.
كما يمكننا رؤية أن القوى المعادية لتركيا والمستاءة من التخلّي عن وحدات الحماية الشعبية بدأت بالسعي لمخططات جديدة في الساحة السورية، وخير دليل على ذلك هو المشروع الذي عرضته أمريكا وإسرائيل على روسيا، علماً أن مضمون هذا الاتفاق يتمثّل في ثلاثة خطوات رئيسة ستعود بالضرر لتركيا وإيران بطرق مباشرة وغير مباشرة، الخطوة الأولى هي تجديد الاتفاقات بين وحدات الحماية الشعبية ونظام الأسد بهدف الوقوف في وجه التقدّم التركي نحو شرق الفرات بعد الانتهاء من منبج، والخطوة الثانية هي السماح لروسيا ونظام الأسد بالنفوذ إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة بي كي كي-وحدات الحماية الشعبية، أما الخطوة الثالثة فهي اعتراف أمريكا بمشروعية بشار الأسد مقابل توقّف تركيا عن التقدّم وخروج إيران من سوريا بشكل نهائي.
هذا وقد بدأت المفاوضات بين نظام الأسد ووحدات الحماية الشعبية في إطار المشروع المذكور، وأشارت المعلومات الواردة إلى أنّ محور المفاوضات يدور حول تسليم حقول النفط ومعابر "الدرباسية واليعربية وسيمالكا" الحدودية للنظام السوري مقابل السماح لوحدات الحماية الشعبية بإدارة القسم الشمالي مثل ولايات الرقّة والحسكة، إضافةً إلى إعفاء عناصر وحدات الحماية الشعبية من إلزامية تأدية الخدمة العسكرية في صفوف الجيش السوري "قوات الأسد"، لكن حسب التطورات الأخيرة سيتم تحديد مستقبل سوريا بناء على الاجتماع الذي سيكون بين أردوغان وترامب وبوتين خلال قمة حلف الشمال الأطلسي التي ستعقد في العاصمة البلجيكية بروكسل بتاريخ 11-12 تموز 2018.
يهدف الرئيس الأمريكي ترامب إلى إيقاف تقدّم تركيا وإخراج إيران من المعادلة السورية بشكل نهائي، ولذلك يُشار إلى أن ترامب سيسوق جميع أوراقه الرابحة خلال اجتماع بروكسل لإقناع تركيا بالقسم المتعلّق بإيران من المسألة، ووفقاً للكاتب الأمريكي "ديفيد إيجناتيوس" في صحيفة "واشنطن بوست" لقد اتفقت أمريكا وروسيا في خصوص دفع إيران للخروج من سوريا وبقاء الأسد في السلطة.
من جهة أخرى صرّح وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" يأن توقّع خروج إيران من سوريا سيكون ابتعاداً عن واقع الساحة السورية، إضافةً إلى أن الدول الأوروبية الحليفة لأمريكا لديها شكوك كبيرة تجاه هذه السياسة المعادية لإيران، والتي تحاول واشنطن تطبيقها على أرض الواقع من خلال الاتفاق مع روسيا، كما أن بريطانيا وفرنسا قد أعربت عن موقفها من خلال تحذير واشنطن بأن مساهمة روسيا في القضاء على إيران سيكون أمراً غريباً للغاية، أما بالنسبة إلى موقف تركيا من هذه المسألة يمكن القول إن الأخيرة تعارض دعم وحدات الحماية الشعبية وتجاهل الجهات المعارضة في سوريا، كما أنها لا تؤيد أمريكا وإسرائيل في السياسة التي تمارسها تجاه إيران.
الخلاصة هي أن جميع المخطّطات التي تتعلّق بسوريا ستبوء بالفشل إن لم تحصل على موافقة تركيا وروسيا وإيران، ولذلك حان وقت استسلام وزارة الدفاع الأمريكية والتوقّف عن هذه المحاولات، لأنها لن تنجح في إنقاذ وحدات الحماية الشعبية مهما فعلت بعد الآن، وإن نهاية الأخير إضافةً إلى بي كي كي ستكون أسوأ بكثير من نهاية تنظيمات داعش والكيان الموازي التي كانت تخدم مصالح القوى الإمبريالية.
على الطريق المفضي إلى سقوط النظام الإيرانيّ، كاحتمال بارز، قد يداهمنا إرهاب يكون للبنان نصيب مؤكّد منه. لغة التهديد بمنع تصدير النفط من المنطقة توحي بالوجهة هذه. وإذا صحّ خبر الشبكة المتّهمة باغتيال معارضين إيرانيّين في الخارج، فإنّه يقطع بالأمر نفسه.
لكنْ دعنا نفترض – وهو افتراض مسنود إلى وقائع باتت معروفة – أنّ النظام المذكور سقط في يوم قريب، وأنّ مواجهته موتَه لم تُجدِ نفعاً. ما الذي يفعله، والحال هذه، حزب الله؟
نتحدّث عن طرفين غير عاديّين، أغلب الظنّ أنّ لاعاديّتهما سبب أساسيّ في نجاحهما معاً حتّى الآن، وفي تكاملهما: حزب الله، قياساً بالأحزاب اللبنانيّة، مسلّح ومقاتل وحديديّ، وهو عقائديّ بالتأكيد، تقف على رأسه زعامة كاريزميّة جدّاً. فوق هذا، هو الحزب الوحيد الطائفيّ والدينيّ في وقت واحد. لكنّه، كذلك، وبفضل المعونات الإيرانيّة، يقدّم خدمات وفرص عمل لجمهوره الواسع، ويلقّن أجيال هذا الجمهور تربيةً وتعليماً يصهرانها فولاذيّاً. إنّه يصنع ما تسمّيه أدبيّات الأحزاب التوتاليتاريّة «إنساناً جديداً».
إيران، قياساً بدول المنطقة وأنظمتها، تحمل برنامجاً لتغيير طبيعة الأشياء، وليس فقط لتغيير الأنظمة: ربط طهران بغزّة وبصنعاء، وإحداث تحويلات ديموغرافيّة ومذهبيّة، على النحو الحاصل في سوريّة، وتزعيم غير العرب على ما يُفترض أنّه قضايا عربيّة، لا سيّما فلسطين...، هذه كلّها من أشكال الفائض الثوريّ – التوسّعيّ لإيران.
سقوط الشطر الإيرانيّ من هذه المعادلة يفضي حتماً إلى سقوط الشطر اللبنانيّ. «إنسان – حزب الله – الجديد» لا ينمو ويترعرع إلاّ مع التغيير الخمينيّ لطبيعة الأشياء. إنّنا، هنا، أمام علاقة السبب بالنتيجة، أو المقدّمة بالاستخلاص المنطقيّ.
مع ذلك، فحزب الله ليس هذا فحسب. هو أيضاً حزب لبنانيّ، استدعت نشأتَه ظروفٌ محلّيّة وإقليميّة تصدّرها احتلال 1982 الإسرائيليّ لبنان، خصوصاً للمناطق المأهولة شيعيّاً. قبل ذلك، تجمّعت مصادر بعيدة وقريبة تؤسّس لهذين الوعي والممارسة: ظاهرة موسى الصدر و «الحرمان» الشيعيّ، والتوتّر الشيعيّ – الفلسطينيّ في المناطق الحدوديّة جنوباً، والاستحواذ على قضيّة الصراع مع إسرائيل بعد تجريد السنّيّة الفلسطينيّة (والعراقيّة الصدّاميّة) منها فيما مصر تسلك طريقاً آخر.
هل يمكن فرز اللبنانيّ - السياسيّ عن الإيرانيّ - العسكريّ في حزب الله؟ مستحيل. لكنْ في حال سقوط النظام الإيرانيّ يتراجع المستحيل إلى سويّة الصعب جدّاً.
هل يستطيع اللبنانيّون من خصوم الحزب، وممّن هم خارج محيطه، أن يجعلوا الصعب جدّاً صعباً فحسب؟ أي أن يجعلوه قابلاً للتفاوض السياسيّ؟ هل يحدث ما يشبه الانعطافات الكبرى التي أقدمت عليها أحزاب شيوعيّة بعد سقوط الاتّحاد السوفياتيّ؟ هل يمكن الأطراف المعنيّة أن تتدخّل كي تسهّل أمراً كهذا؟
هذا السؤال سيُطرح بإلحاح شديد في حال سقوط النظام الخمينيّ، الذي لا بدّ أن يرافقه انحسار للاستثنائيّ وللفائض الراديكاليّ وقدرٌ من رجوع المنطقة إلى العاديّ. العقل والمصلحة يستدعيان من بقية اللبنانيّين التفكير بما يواكب تحوّلاً كهذا. بيتهم الوطنيّ ينبغي أن يتّسع للابن الضالّ إذا قرّر (؟) أن لا ينتحر. فالضلال في ظلّ الرعاية الإيرانيّة يصنع النحر، فيما الضلال من دونها يصنع الانتحار.
وفي تداعي الأسئلة التي لا بدّ أن يُمطرنا بها ذاك اليوم العصيب: هل تكون بقية اللبنانيّين مهيّأين لمناقشة هذه المسألة في حال سقوط النظام الإمبراطوريّ، وهل يناقشون برحابة تستبعد عقليّة الثأر وأحقاد الماضي، مُقرّين بمكانة حزب الله كحزب سياسيّ وشعبيّ يريد، إذا أراد (؟!)، أن يتعافى من ماضي الشقاء المسلّح والحروب القاتلة.
لو عدنا للأشهر القليلة الماضية، واسترجعنا العدد الكبير من الأخبار والتوقعات التي كانت تؤكد على أن انسحاب الإيرانيين من جنوب سوريا وبجهد روسي أحيانا، واستجابة لـ»اشتراطات إسرائيلية» أحيانا أخرى، ثم شاهدنا صور قادة ميليشيا النجباء وأبو الفضل العباس في درعا، لعلمنا مدى تناقض التوقعات مع الواقع، وهي ثنائية تتكرر منذ سنوات في كل محاولة لاستشراف المشهد في النزاع السوري، مردها فقر التقديرات الموضوعية.
وعلينا أن نتذكر أنباء مشابهة ترددت منذ عامين، عن أن الأمريكيين، لن يسمحوا بسيطرة الإيرانيين على الحدود السورية العراقية، في عملية وصل الطريق البري بين طهران لبيروت، التي شاع عنها الحديث سابقا، ولكن ما حصل أن الأمريكيين وبعد دعمهم لفصائل البنتاغون، تعثرت خططهم في إيجاد حليف بري كفوء من المعارضة السورية، يقوم بهذه المهمة في وسط الصحراء السورية، كما الأكراد شمالا، فكان أن أكمل النظام والإيرانيون سيطرتهم على معظم الخط الحدودي بين سوريا والعراق، وتخللت هذه العملية اشتباكات متبادلة لكن محدودة، واستهداف جوي امريكي لميليشيات النظام.
واليوم تكرر المشهد لكن مع إسرائيل، فكيف يمكن للإسرائيليين السماح بتقدم ميليشيات إيران لجنوب سوريا بعد التصريحات الاسرائيلية الرافضة لهذا الامر، والمطالبة بجيش نظامي فقط على الحدود؟
لعل القضية تتعلق أولا، بمدى القدرة على إرغام الإيرانيين والنظام في سوريا، وتتعلق ثانيا بالتوافق مع الروس على التوقيت، فكما الامريكان تعثروا وسط الصحراء السورية بلا أطراف يمكن الاعتماد عليها، فإن الإسرائيليين لا يملكون أوراقا يمكنهم المناورة فيها داخل سوريا، بل إنهم في حالة مواجهة تصل للاعمال الحربية مع من يملك النفوذ الاكبر في دمشق اليوم، وهو الاسد وحلفاؤه الشيعة، وهذه المواجهات نتجت أصلا بسبب محدودية قدرتهم على التحكم في المجريات داخل سوريا، من خلال حلفاء لهم، فتم اللجوء للقوة، وهنا يظهر أن علاقة تل ابيب بموسكو لم تمنحهم القدرة على تحقيق أهدافهم، بتحجيم وإبعاد الايرانيين في سوريا، بدليل انهم لجأوا للقوة العسكرية لقصف مواقعهم داخل سوريا.
وهذا يقودنا لاستنتاج آخر، بدا واضحا منذ البداية رغم محاولة معاندته باستمرار، وهو أن لنفوذ موسكو في سوريا حدودا لا تتجاوز فيها طهران، الاكثر رسوخا وارتباطا بالنظام السوري وعلى عدة اصعدة، وان تحالفهم العسكري والسياسي في سوريا بني على ثوابت مشتركة، أهمها التنافس مع واشنطن، ولكن الروابط المشتركة للايرانيين مع النظام وحزب الله تشكل بحد ذاتها بنية مستقلة، لها مشروعها وسماتها الاقليمية، قد لا تكون روسيا معنية بكافة تفاصيلها، ولا هي قادرة على زج نفسها خارج المساحة المخصصة لها في هذا التحالف، الذي يستفيد منها لايجاد شريك دولي قوي، يمنح اوراق قوة لمنظومة اقليمية كهذه، مقابل تحقيق روسيا لأهدافها في تحجيم اي قوة مناهضة ايديولوجيا لها قد تصل رياحها بسرعة لحدودها الجنوبية في القوقاز الذي قمعته موسكو لسنوات، والأهم هو استعادة مواقعها قرب المياة الدافئة التي خسرتها فترة انهيار الشيوعية امام الولايات المتحدة.
الروس لم يقدموا «تعهدات» لاسرائيل بذلك، كما أشيع، وهي صيغ واطلاقات تجدها فقط في منابر اعلامية، لانه حتى كتصريحات اعلامية معلنة، لا تحمل قيمة عادة، فإن روسيا تحدثت عن خروج القوات «الأجنبية» وحددتهم اولا بالامريكيين، واخيرا بالإيرانيين، كذر للرماد في العيون، ولأنه لا داعي اصلا لبقاء الضباط الايرانيين، إن سيطر النظام على سوريا، وخرج الامريكييون، وهي إحدى الغايات التي تحاول روسيا المساومة عليها، من أجل شراء انجاز مهم بخروج الامريكيين من قاعدة التنف، ومن مناطق الشمال السوري، وهو هدف مهم ايضا للايرانيين، مقابل بيع خروج لا قيمة له لبضعة ضباط بعد إنجاز مهمتهم، التي أفضت إلى تثبيت وجود راسخ لإيران في سوريا من خلال الاسد، وهو يذكرنا ربما بما قاله فاروق الشرع بعد انسحاب القوات السورية من لبنان عقب اغتيال الحريري، بأن نفوذ سوريا في لبنان بات اقوى مما كان عليه في اي وقت مضى من خلال حلفائها، وهو ما ثبتت صحته اليوم بوجود حزب الله في لبنان.
ولأن الامريكيين يدركون جيدا، أن لا قيمة لقضية سحب بضعة ضباط ايرانيين مع بقاء سوريا كلها ضمن الحلف الايراني، فإنهم يستخدمون هذه القضية اعلاميا فقط، كما بقية تصريحاتهم الشهيرة الفارغة بضرورة رحيل الاسد، ولذلك أعلن الامريكيون نيتهم الرحيل من سوريا، بدون مواصلة التفاوض الجدي مع الروس حول الايرانيين، وبحلول العام المقبل، وبعد انتهاء فترة التمديد للقوات الامريكية التي اقرتها الادارة الامريكية لتأمين انسحاب سلس من سوريا، قد تكون معظم القوات الامريكية قد انسحبت من مناطق شمال سوريا وبقت في جيوب حدودية صغيرة مع العراق والاردن، حسب مصادر مطلعة.
ونعود هنا، لقضية المطالب الاسرائيلية من روسيا بما يتعلق بابعاد الايرانيين، ومن الملاحظ اولا، وكما اسلفنا، أن الروس لم يتمكنوا من تلبيتها لحد الان، بدليل تدخل اسرائيل بنفسها بقصف الايرانيين، ولكن الروس، وكما هو معلن في التصريحات، ويعضده سياق الاحداث، قدموا تطمينات لتل ابيب، بأن الوجود الايراني في جنوب سوريا لن يكون مهددا، حاليا، لاسرائيل، وانما هو مخصص لمواجهة المعارضة، وان النظام السوري هو الذي سيبقى في هذه المنطقة الحدودية بعد السيطرة عليها، وستنسحب الميليشيات الايرانية.
هذا التوافق، نجح فيها الروس، لانه ببساطة ينسجم مع المصلحة «المرحلية» للايرانيين بعدم الدخول في صدام واسع مع قوة متفوقة كاسرائيل، قبل انجاز مهمتهم المرحلية بقمع التمرد ضد الاسد بشكل كامل، ولكنه وضع مرحلي قد يستمر لعام أو اثنين حتى تثبيت النظام، وبعد ذلك، علينا أن لا نتفاجأ، كما حدث في مناسبتين بعد مشاركة الميليشيات الايرانية في درعا، وسيطرتها على حدود سوريا والعراق، من أن الايرانيين بدأوا بتحويل حدود الجولان لمنطقة مواجهات مع اسرائيل، وإن بعمليات محدودة، كما فعلوا في جنوب لبنان، لتحقيق رغبة جامحة واستراتيجية لديهم تتعلق بتصدر المواجهة مع عدو يجمع عليها سكان المنطقة، وإن دون فعل عسكري كبير، إذ يمثل طرق هذه القضية، بابا للدخول لقلوبهم بلا استئذان، خصوصا مع السخط العربي والاسلامي المتنامي من مواقف الدول العربية «السنية» التي قد ينتهي بها المطاف، إنها ستخسر الشرعية في قيادة الصراع مع اسرائيل، كما خسرت عواصم عربية كبرى لصالح الايرانيين.
لم يكن مستغرباً أن تصل معارك النظام السوري إلى الجنوب والتركيز على مدينة درعا، منطلق الإنتفاضة. فبالإضافة إلى الأهداف العامة للنظام في مد سلطته إلى كامل الأراضي السورية، فإن مدينة درعا لها خصوصية في أحقاد النظام ورئيسه لكونها كانت أول مدينة تتحدى الاستبداد البعثي، وترفع شعارات «إرحل إرحل يا بشار»، و «الشعب يريد إسقاط النظام». الآن جاءت المناسبة لتصفية الحساب مع هذه المدينة، لتكون درساً لكل من يفكر يوماً في التمرد على حكم آل الأسد.
لم يكن لمعركة الجنوب السوري أن تندلع لولا أن مخطط تقسيم سورية إلى مناطق نفوذ يستوجب استكمالاً، بعد أن خطا خطوات واسعة في مناطق أخرى خصوصاً في الشمال والشرق. ولم يكن لمعركة الجنوب أن تندلع لولا التوافق الأميركي– الروسي على إنهاء وجود المعارضة المتواجدة بقوة في تلك المنطقة، وتسليمها إلى النظام. سبق الصفقة بوقت غير قليل تهديدات أميركية للنظام بعدم التوجه إلى الجنوب، وبقصف قواته، بما أعطى قوات المعارضة الأمل في الصمود. لكن الأميركيين، كعادتهم، ينطلقون من مصالحهم الخاصة، ولا يكترثون بوعود قطعوها، فأعلنت الولايات المتحدة عن الامتناع عن التدخل العسكري لنجدة قوى المعارضة. كان التصريح الأميركي إعلاناً صريحاً بانطلاق المعركة العسكرية، ترافق مع تخلي روسيا عن التزاماتها بالحفاظ على مناطق خفض التوتر، وانخراطها في المعركة العسكرية إلى جانب النظام في إنهاء الوجود المسلح في الجنوب.
لا تُقرأ معركة الجنوب في معزل عن المطالب الإسرائيلية بحصتها في اقتسام مناطق النفوذ. إسرائيل تعتبر هذه المنطقة من حصتها، وترفض وجود أي قوى أخرى على حدودها، وخصوصاً قوى إيرانية مباشرة أو عبر ميليشياتها. وهي حددت سابقاً مسافة أربعين كيلومتراً لوجود قوى من غير النظام السوري. سبق لها وترجمت أهدافها بضربات متتالية للمراكز الإيرانية، ولحزب الله اللبناني الذي كان يطمح لتواجد مسلح على الحدود في الجولان، فعمدت إلى اغتيالات لقادته وتدمير مراكزه. أعلنت إسرائيل صراحة أنها تريد العودة إلى إحياء اتفاق فك الاشتباك الذي وقعته مع الرئيس حافظ الأسد في 1974، والذي ظل سارياً طوال العقود الأربعة الماضية، بحيث تحول الجيش السوري إلى حرس حدود لإسرائيل وحامياً لها من أي عمليات فدائية قد تنطلق من الأراضي السورية. صرح وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان «أن قوات النظام السوري هي أفضل من يحافظ على أمن وسلامة حدود إسرائيل مع سورية»، فيما صرح رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو قبل أيام بـ «أن حكومته تطالب بتطبيق فك الاشتباك مع الجيش السوري في هضبة الجولان».
في ظل هجوم الجيش السوري مدعوماً بالطيران الروسي، يصعب على قوى المعارضة المسلحة الصمود. فخطة الحليفين الروسي والسوري هادفة لتدمير المدينة أسوة بمدن سبقتها في حلب وحمص وغيرها. المجتمع الدولي غير مهتم لا بالحفاظ على المدنيين ولا بالنازحين الذين يناهز عددهم حوالى 270 ألف نازح من مدينة درعا. الكل مهتم ببقاء الأسد في وصفه ضامن الاستقرار في سورية. في الأصل، وخلافاً لتصريحات دولية كانت تصدر من هنا وهناك داعية الأسد إلى الرحيل، فإن القرار الفعلي، من الأميركي إلى الروسي إلى الأوروبي إلى التركي... كلها مجمعة على الحفاظ على النظام وبقاء رئيسه والمجموعة المحيطة به.
هذه الاستعادة للمواقف الدولية تسلط الضوء على الهدف الذي كانت تسعى إليه هذه الدول من منع إسقاط النظام السوري. كان الهدف تدمير سورية، بجيشها ومجتمعها، وإنهاء موقعها الاستراتيجي في الصراع العربي الإسرائيلي. كان الهاجس الدائم لدى هذا المجتمع أن الانتفاضة التي قامت قد تطيح بنظام شكل ضامناً للمصالح الإسرائيلية وحارساً لحدودها، وممارساً لكل الأدوار القذرة في ضرب حركات الاعتراض الوطني في المنطقة العربية، من ضربه لقوى المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، وتدخلاته في أكثر من قطر عربي. هذا النظام، إذا ما سقط، فقد تقع سورية في يد حكم وطني سيشكل تهديداً لأمن إسرائيل، ويمارس أدواراً وطنية ضد القوى الأجنبية التي تستنزف الثروات العربية وتحرم شعوب البلدان العربية من التمتع بها. هذا الهاجس حكم هذه الدول، فالتقت جميعها على تدمير سورية، وقد تحقق لها ذلك، سواء عبر التدخل المباشر من إيران وميليشياتها أو من روسيا وجيشها وسلاحها الحربي.
تبقى كلمة في شأن المعارضة، التي تذررت إلى معارضات كل طرف له مرجعيته الإقليمية والدولية. قبل خلق داعش وأخواتها، سعت أقطار اقليمية إلى تفريخ تنظيمات مسلحة وصل عددها إلى المئات، كما خلق النظام ومعه إيران وتركيا وقطر تنظيم داعش والنصرة وغيرها... لعبت هذه التنظيمات دوراً مهما في تدمير سورية وحرف الإنتفاضة عن أهدافها الأصلية. استخدم النظام هذه المجموعات في ضرب الإنتفاضة، وقد نجح في ذلك في شكل مذهل. وعندما حان موعد إعادة ترتيب البيت السوري، لم يكن من الصعب أن تتلاشى هذه التنظيمات بناء لقرار من أوجدها. تلك واحدة من مآسي الإنتفاضة السورية التي كانت واعدة عند اندلاعها، وقبل أن تخطفها التنظيمات المتطرفة، بما خدم النظام إلى أبعد الحدود.
ربع مليون سوري يفرون من مناطقهم في جنوب غربي سوريا، وسط قتال على الأرض بين قوات النظام وفي الجو المقاتلات الروسية، وبين خليط من تنظيمات مسلحة سورية ثورية، ومحلية تدافع عن مناطقها، وأخرى متطرفة. معظم الهاربين نساء وأطفال، من محافظة درعا، يسيرون على أقدامهم، بعضهم نحو الحدود غرباً إلى إسرائيل، والبعض الآخر إلى الحدود مع الأردن. كلا البلدين، الأردن وإسرائيل، يرفضان السماح للاجئين، على غرار السلطات التركية التي قررت إغلاق الحدود أمام لاجئي الشمال السوري. والأردن، هو الآخر، فاض باللاجئين السوريين، وكان الملاذ منذ بداية الحرب، ولا يزال فيه بقايا من لاجئي العراق من الماضي القريب. أما إسرائيل فمن المستبعد أن تسمح لأحد بالدخول وهي تفكر بشكل مستمر في كيفية التخلص من الفلسطينيين، وتحديداً طرد أهالي الضفة الغربية المحتلة.
القوانين الدولية، واتفاقية اللاجئين لعام 1951 تلزم الدول باستقبالهم، ومن دون مأوى سيموت الآلاف من هؤلاء جوعاً وعطشاً في الصحاري، أو تفجيراً في حقول الألغام الفاصلة بين حدود الدول الثلاث، وفي حال التخلي عنهم، غالباً ستستخدم التنظيمات المتطرفة أولادهم وتعيد تجنيدهم، كما حدث في العراق وأفغانستان من قبل.
لكن، وبعد سنوات من المأساة السورية، وسكوت المجتمع الدولي عن تشريد أكثر من خمسة ملايين سوري في الخارج، وأكثر من عشرة ملايين سوري في الداخل، فإننا نتفهم، ولا نتوقع من جيران سوريا أن يستوعبوا ويتحملوا فوق ما تحملوه. فمزيد من اللاجئين سيهدد أمن الأردن واستقراره. وإن كان هناك من ملامة فإن اللوم يوجه إلى مهندسي التفاهمات الأخيرة بشأن درعا، أرادوا إنهاء القتال وتسليم كل الجنوب دون اعتبار للتبعات على الأهالي، ودون وضع حلول لمشكلة الفارين من القتال الذين يتوقع أن يتجاوز عددهم خلال هذا الصيف أكثر من مليون شخص.
الأطراف المعنية إقليمياً ودولياً، مع المنظمات الدولية، تستطيع أن تعالج مشكلة اللاجئين هذه المرة بطريقة مختلفة، ليس بإرسالهم عبر الحدود بل بإقامة المآوي في داخل سوريا، والإشراف عليها مباشرة، وليس عن طريق الحكومات المضيفة، كما يحدث في الأردن ولبنان وتركيا.
هل يمكن إقامة مخيمات للاجئين داخل سوريا، بوجود أطراف تُمارس القتل الجماعي، ومن بينها قوات النظام نفسه و«داعش» وغيرها؟ سواء سار المشروع في طريقه المرسوم بإنهاء الاقتتال، أو فشل وبالتالي استمرت الحرب، فإن إقامة مآوٍ للمشردين في مناطقهم هو الحل المتبقي. الأردن لا يستطيع، ولا يفترض أن يجبر على استقبالهم، ولا تريدهم إسرائيل، وتركيا أغلقت حدودها، وكذلك العراق. نحن أمام مأساة إنسانية أعظم من سابقاتها، لأن التهجير السابق تم التعامل معه من خلال جهود المنظمات الدولية التي قامت بعمل إنساني ولوجيستي عظيم، وكذلك تعاملت دول الجوار مع الطوفان البشري بمسؤولية وإنسانية على قدر إمكاناتها.
أما الموجة الحالية من اللاجئين ليست مفاجئة، فهي نتيجة للحرب الجديدة في درعا، التي خطط لها منذ أسابيع، ومهدت الطريق لقوات النظام للانتقال إلى الجنوب، وذلك بعد منع قوات إيران وميليشياتها. لقد كان بإمكان المنظمات الدولية والحكومات المعنية وضع حلول مسبقة لمئات الآلاف المتوقع فرارهم من مناطق القتال. لم يفعلوا، ربما لأنهم لا يريدون تشجيع الأهالي على ترك بلداتهم، مع هذا وقعوا في الأزمة نفسها، وهي أن هناك مليون إنسان قد يملأون سهول وجبال تلك المنطقة يهيمون على وجوههم.
وقف إطلاق النار، تفادي كارثة إنسانية، مساعدة المدنيين داخل الأراضي السورية، العودة إلى الحل السياسي، الالتزام باتفاقية خفض التصعيد. .. هذه عناوين رئيسية لموقفٍ أردني عن الوضع المتفجر في جنوب سورية، عبّر عنه وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في الأيام القليلة الماضية وفي منابر مختلفة، بما فيها المؤتمر الصحافي مع وزير الخارجية الروسية، سيرجي لافروف، في موسكو الأربعاء 4 يوليو/ تموز الجاري.
الأردن هو البلد الأكثر تأثراً بما يجري، حتى أن قذائف سقطت في مدينة الرمثا المتاخمة لحدود البلاد الشمالية. ويشكل تدفق اللاجئين قريبا من الحدود الأردنية بالفعل ضغطا نفسيا على الأردن، إذ لا يستطيع تجاهل محنة هؤلاء المهدّدين بالهلاك، ولا يملك، في الوقت نفسه، إدخال عدد هائل منهم لا يُمكن استيعابه لوجستياً واقتصاديا، علاوةً على الجوانب الأمنية للمسألة. لكن هذا الضغط النفسي، وحتى الشعور بقدر من الحرج مع دعوات الأمم المتحدة إلى فتح الحدود جرت مواجهته باتخاذ موقف صائب بالمبادرة إلى تقديم يد العون للمدنيين المشرّدين داخل الأراضي السورية.
وحسناً فعل الجانب الروسي، مُتعهّد الحرب على المعارضة وعلى المدنيين، بعدم اعتراضه على الجهد الأردني الإنساني الرامي إلى تقليص المخاطر، وإنقاذ من يمكن إنقاذهم من العائلات المنكوبة. على أن هذا الجهد يبقى مُهدداً أن لا يؤتي ثماره إذا استمر المُتعهد الدولي الروسي في اندفاعه للقضاء على المعارضة المسلحة، مصحوباً بمليشياتٍ، مثل أبو الفضل العباس وكتيبة الرضوان التابعة لحزب الله، وبقية المليشيات التي تخوض حربا طائفية. ولهذا، تأتي الدعوات لوقف إطلاق النار، فلا يُعقل أن تستخدم موسكو اتفاقية خفض التصعيد لشن حملة عسكرية تلو أخرى، بمشاركة كثيفة من مليشيات إيران: العراقية واللبنانية والأفغانية، فضلاً عن كتائب "المستشارين" الإيرانيين!
والراجح ان موسكو لن تتوقف عن حملتها هذه، فقد باتت أكثر حماسة من النظام نفسه لاعتماد الخيار العسكري التدميري (الأرض المحروقة) بعدما جرى في حلب والغوطة الشرفية، مع ذرّ الرماد في العيون، بتصريحاتٍ عن أهمية الحل السياسي، وحتى عن أهمية انعقاد مؤتمر جنيف. (كان عنوان لقاء الرئيس فلاديمير بوتين وبشار الأسد في سوتشي قبل نحو شهرين: آن الأوان لإطلاق العملية السياسية..).
وعلى الرغم من علاقات الصداقة التي تربط موسكو بعمان، إلا أن سلوك الأولى يفيد بأنها لا تنشغل كثيرا بمصالح الأردن، مقارنةً بانشغالها بمشروعها لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء في سورية، وكما كانت عليه قبل أزيد من سبع سنوات، أو مقارنة بتفاهمات موسكو مع تل أبيب. ويستوقف المرء أن الجهد الأردني يبدو منفرداً بغير إسناد سياسي مستحق من دول شقيقة أو أطراف دولية، فيما لا ترى واشنطن في سورية سوى "داعش" وقوات سورية الديمقراطية (قسد) الكردية، وتحاول اختزال المعضلة بدعم الأخيرة ضد "داعش" الإرهابي بتفاهمات حدٍّ أدنى مع تركيا بشأن المسألة الكردية دون سواها.
ويكمن القلق الأردني في الشعور بأنه يُراد الحؤول دون عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، وإضافة أعداد كبيرة جديدة إليهم، وذلك وفق مخطط إعادة الهندسة الديمغرافية للمجتمع السوري الجاري على قدم وساق. فيما تسعى موسكو، كما يُفهم من تصريحاتٍ أطلقها لافروف أخيرا، إلى جعل مسألة اللاجئين ورقة للمساومة، تتضمن ما يشبه وضع "شروط" على البلدان المستضيفة للاجئين، وخصوصا تركيا والأردن ودول الاتحاد الأوروبي، للبدء بعودتهم. فيما يبدو الأردن مرناً لبحث المسائل السياسية، على أن تتوقف، في الأثناء، مفاعيل الكارثة الإنسانية، ويصار إلى وقف إطلاق نار ضمن تسويةٍ آنية تفتح الباب أمام عودة الحل السياسي بالفعل، وليس ترديد العبارات بشأن هذه المسألة للتغطية على النشاطات العسكرية التدميرية بحق المدنيين والعمران والبنى التحتية والطبيعة، والتي تغلق حُكماً الباب أمام العملية التفاوضية. وهو ما لا تخفيه طهران، مثلا، التي لا تنفكّ تتحدّث، بعد كل حملةٍ عسكريةٍ، عن ضرورة أخد الوقائع الميدانية في الاعتبار! وللأسف الشديد، ليست موسكو بعيدة عن هذا المنطق الذي يقضي عملياً بجعل التفاوض يدور عبر إطلاق الصواريخ والقنابل والبراميل المتفجرة.
أمام هذا المسرح الذي تنفجر فيه نوايا غير سلمية بمحاذاة الحدود الأردنية الشمالية، فقد أخذت أصوات ترتفع تنادي بإقامة مخيمات داخل الأراضي السورية تحميها المنظمة الدولية (مقال الكاتب جميل النمري في صحيفة الغد 3 يوليو/ تموز الجاري). وهي مسألة تستحق أن توضع على الأجندات السياسية. ليس فقط من أجل تفادي موجات لجوء جديدة، بل لتمكين اللاجئين الذين بارحوا بلدهم من العودة إليها بحماية الأمم المتحدة. وهو أمر كان يستحق العمل من أجله منذ سنوات من طرف بلدين، هما تركيا والأردن، وذلك حين اتضح الحجم الهائل للاجئين، مع نوايا النظام المكشوفة في التخلص الدائم منهم، واعتبارهم كتلة اجتماعية غير مرغوب بها. ومن الواضح أن تحقيق هذا الهدف يتطلب معالجةً للوضع المتفجر الحالي، فسلسلة الكوارث لا تتوقف، ومليشيات إيران لن ترعوي عن الفتك بالمدنيين العزل، كجزء من جهادها المقدس على طريق التغيير الديمغرافي، وهي التسمية الملطفة لعملية التطهير الطائفي. والخشية أن تتواصل الحملة المليشاوية بتغطيةٍ من الطيران الروسي، وأن تتسع هذه الحملة، في الفترة الراهنة، حتى قمة ترامب وبوتين في 16 يوليو/ تموز الجاري.
في مباحثاته الشاقة مع موسكو، يستحق الأردن دعما واضحا جديا، يحول دون تدفق اللاجئين المذعورين نحو حدوده الشمالية، ومن دون تسلل مليشيات إيران نحو هذه الحدود، وحتى لا يتم الانتقال من وضع متفجر إلى وضع آخر يحمل نذور التفجر، إذا ما تمركزت قرب الحدود مليشياتٌ لا تكتم عداءها للأردن، ولأبناء منطقة حوران، وتهجس بجعل تلك المنطقة إقليماً شبه إيراني، مع حرمان اللاجئين السوريين من العودة إلى ديارهم، وتحت طائلة التهديد الماحق لحياتهم. وبالتأكيد، فإن التفاهمات وأوجه التعاون السابقة بين القيادتين، الأردنية والسورية، بحاجة لأن تمتد إلى الوضع في حنوب سورية، وحتى لا تتحول هذه المنطقة إلى بؤرة تفجر دائم، وإلا فإن من حق الأردن الدعوة إلى منطقة عازلة، تضم مخيمات اللاجئين، وتطفئ عوامل الانفجار، وتضع حداً لمشاريع إقليمية توسعية، يُراد لها أن تحاذي الأردن، وتتسلل إليه.
ظللت أتابع المصادر الإعلامية العالمية خلال الأيام الماضية، بحثاً عن صدى الهجمة الوحشية غير المسبوقة التي يتعرّض لها قرابة مليون شخص في جنوب سورية المنكوبة. ولكن، يبدو أن هناك أشياء أهم تشغل بال الخلق هذه الأيام: عملية إنقاذ لاعبي الكرة الشباب في تايلاند، تسمّم رجل وزوجته في جنوب إنكلترا، نتائح مباريات كأس العام، هروب سجين فرنسي، تعيين قاض جديد في المحكمة العليا في أميركا وطرد آخرين من محاكم بولندا، هوس الهجرة في أميركا وأوروبا، وحروب ترامب التجارية الدونكيشوتية.. إلخ. أما حالة مئات الآلاف من المدنيين ممن يفترشون العراء، ويلتحفون السماء، ويُطعمون أحدث القنابل الروسية، فهي أقل من أن يلتفت إليه من يسمون أنفسهم بشراً، إلا التفاتة عابرة عجلى. ويشمل هذا العرب، ممن كان ينبغي أن تذكّرهم نكبة سورية المستمرة بنكبة فلسطين. ولكن لعل النسيان أفضل، حتى لا تتحول هذه مثل تلك التي أصبحت خيانتها اليوم أربح تجارة عند بعضهم.
لدي تحفظ على استخدام مصطلح "النكبة" لوصف ما حل بفلسطين والعرب في عام 1948: من تشريد لأكثر من نصف سكان فلسطين (800 ألف من من 1.4 مليون)، وفشل الدول العربية مجتمعةً في تلافي الكارثة، أو التصدّي لذيولها. ذلك أن المصطلح يوحي بأن ما وقع هو أشبه بكارثة طبيعية، مثل الزلازل والبراكين، ما يغيّب مسؤولية من سمح وساهم وتواطأ. وأهم من ذلك، يساهم في التستّر على جريمة الجرائم، وهي التطهير العرقي لفلسطين العربية (لا يزال مستمراً)، وما صاحبه ويصاحبه من فصل عنصري وجرائم مركبة ضد الإنسانية، فاستخدام هذا المصطلح، وما يصحبه من ممارسات خطابية تضخم المقاومة غير الفعالة للاغتصاب، يرقى إلى نزع ذاتي لسلاح اللغة في المواجهة مع المنظومة الصهيونية التي لا يصح كذلك وصفها بأنها استعمارية، فهي تفتقد حرص الأنظمة الاستعمارية، بما في ذلك نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، على بقاء السكان الأصليين بغية استغلالهم، فهي لا ترغب في وجود أهل البلاد حتى للسّخرة، بل إنها تجتهد في استئصالهم. ولهذا، فإن الخطاب السياسي الملتبس هو من أكبر مظاهر فشل مقاومة هذا النوع الجديد من الإجرام، الأقرب إلى النازية في سعيها المهووس إلى استئصال الفئات المحتقرة، حتى على حساب المجهود الحربي والمنافع الاقتصادية المحتملة من استخدامهم في السّخرة.
هذه الملاحظة الاعتراضية على قدر كبير من الأهمية، خصوصا عند استخدام مصطلح النكبة لوصف ما يواجهه أهالي درعا وجنوب سورية في هذه الأيام. ذلك أن ما يحدث اليوم يمثل منحدراً جديداً في مسار الانحطاط الأخلاقي الذي رافق النكبة السورية الكبرى، ففي هذه الحالة، ترك العالم قرابة المليون شخص بدون أي سند إغاثي أو مهرب من بطش نظام كانت وحشيته ضد المدنيين العزل، والأطفال خصوصاً، هي التي فجرت الثورة في الأساس. الفرق، وهو أن العالم لم يكن يتابع مأساة مهاجري فلسطين عام 1948 على الشاشات الحيّة، أو يسمع صراخهم واستغاثاتهم. ويبدو أن عرب اليوم أسوأ بكثير من عرب ذلك الزمان، حيث إنه لم يكن مطلوباً منهم تسيير الجيوش أو الهبّة لنجدة المعذّبين، فقط فتح الحدود لاستقبالهم في صحارى تترامى مد البصر، لكنهم اليوم أغلقوا أبوابهم وأعينهم وقلوبهم، ووقفوا يتفرّجون على جريمة هم شركاء في صنعها. فهذا العمى والتعامي هو تواطؤ أعطى عملياً الضوء الأخضر للنظام السوري، وأعوانه من البرابرة، من روس وأعاريب وفرس لممارسة وحشيتهم، بدون أي رقيب أو حسيب.
وهذه نقطة سوداء، ليس فقط في تاريخ العرب والمنطقة، بل في تاريخ الإنسانية، فمنذ فجر التاريخ الإنساني، كان هناك رد فعل فطري أمام أي حالة لإنسان آخر (بل حتى حيوان) يتعرّض لخطر على حياته، وهو التحرّك للمساعدة، فكما نشهد من حالة الشباب التايلاندي المحصور في الكهف، فإن الغريزة البشرية هي التحرّك للإنقاذ، فقد سارع حتى البعداء، بمن فيهم الأميركان والإسرائيليون (لم نسمع بعرب ساهموا) لتقديم العون لعمليات الإنقاذ. وقبل أسابيع قليلة، قرأت عن شاب سوداني كان يتجول على شاطئ البحر في الإسكندرية مع عروسه، وهما في شهر العسل، حين شاهد شخصين يغرقان، فقفز في البحر لإنقاذهما، ونجح في ذلك، لكنه فقد حياته.
تلك هي الإنسانية في أروع تجلياتها. ولكن هذا ليس ولم يكن المطلوب في حالتنا هذه، فلم يكن المطلوب التضحية من أجل إنقاذ السوريين، فقط التصرّف بأدنى درجات الحس الإنساني. فيكف إذن نفسر رد الفعل العالمي شبه الإجماعي، المعبر عن غياب كامل لهذا الحس في أبسط أشكاله تجاه أعدادٍ أكبر، وحاجةٍ أكثر إلحاحاً، ومشاهد ماثلة للعيان، لا تحتاج إلى خيال أو تمثل حتى تصل إلى عقول وضمائر القادرين على فعل شيء؟
إنها نكبةٌ من نوع جديد، تتعدّى فقدان الأوطان أو المساكن أو الأمن إلى فقدان الإنسانية، وفقدان الحس الأخلاقي. ولا أتحدث هنا عن القادة الفاسدين والمتواطئين، ممن باعوا ضمائرهم بثمنٍ بخس، دراهم معدودة وكانوا فيها من الزاهدين. لا نعني من شاركوا بهمة وحماسة في القتل والتعذيب، أو هللوا لهلاك الأبرياء، وانحازوا لفراعنة العصر. ولا من دخل في حلف نتنياهو - بوتين لتصفية القضيتين، ومباركة النكبتين، متوهمين أن ذلك سينقذ عروشاً أينعت، وحان قطافها، فجعلوا لله على أنفسهم حجة وسبيلاً. ما نعنيه هو البقية الباقية من أصحاب الضمائر والعقول والقلوب، من لم ينقرض كإنسان مع المنقرضين. أين هم، وأين أصواتهم، سوى قلة من أصحاب الضمائر في أردن الصمود وتركيا النجدة؟
في القرآن، هناك قصة للاعتبار عن أصحاب تلك القرية اليهودية التي فقد فيها الحسّ الأخلاقي، حتى لم يبق فيها إلا قلة تستنكر الإجرام، فمسخ غالبية أهلها إلى قردة. ما نخشاه هو أن نستيقظ غداً فنجد شوارع بلداننا مكتظة بالقرود، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
روى لي الصديق هادي الدمشقي حكاية طريفة عن فريق الجيش السوري لكرة القدم. قبل أن أنقل لكم الحكاية، سأحدّثكم عن مادة صحافية عنوانها "فريق الجيش ليش؟" كُتِبَتْ، على ما أذكر، بإشراف الصديق لقمان ديركي في العدد الأول من صحيفة الدومري (26 فبراير/ شباط 2001)، واعتبرناها آنذاك جريئةً، لأن فريق الجيش كان مصنفاً بين الخطوط الحمراء للسُّلْطة، إذ لم يكن ممكناً آنذاك تناول الوريث بشار الأسد، وأبيه، وعائلته، ووزارة الدفاع، وضباط الأمن، والفرقة الرابعة، والحركة التصحيحية، والحرس الجمهوري، والقيادة القُطرية، ووزارة الدفاع، ووزارة الإعلام، وقوى الأمن الداخلي، وفريق الجيش، وفريق الشرطة.. ولكن الرقباء، على ما يبدو، تساهلوا مع بعض مواد "الدومري" إكراماً للفنان الكبير علي فرزات، باعتبار أنه سيُصدر أول جريدة غير حكومية منذ ما قبل عصر الوحدة التي جعلت "الواقفَ فوق الأهرام يرى أمامَه بساتين الشام"، فهل يُعقل أن يُجبروه، منذ البداية، على جعل صحيفته شبيهة بـ "البعث" و"الثورة" و"تشرين" من حيث تقييدها بالخطوط الحمراء كلها؟
كانت الفرق الرياضية السورية تعاني من الفقر، والعوز، وينطبق عليها القول الشعبي "تشحد المنخول"، يعني أنها لا تطلب من المحسنين إعطاءها كميةً من الطحين الأصلي نمرة زيرو الذي يَصلح لصناعة الكعك، والمعمول، والغريبة، والبيتزا، وإنما تقبل بـ "المنخول" الذي ينزل تحت المنخل وعمادُه الشوائب، والغبرة، والهرارة.. وأعضاء إدارة النادي في كل مدينة كبيرة، أو صغيرة، أو متوسطة، يذهبون إلى المحافظ، ويرجونه أن يجمع التجار والصناعيين والملاكين الزراعيين، ويفرض عليهم التبرّع لناديهم، أو أن يعطيهم تعميماً يقضي بإجبار كل مَنْ يشتري كمية من الخشب، أو الشمينتو، أو الدواليب، أو السمنة النباتية، على التبرع بمبلغ ما لهذا النادي المسكين، أو أن يشتري بطاقة دخولٍ إلى الملعب، لحضور مباراةٍ لا يعرف متى موعدها. وفي الوقت نفسه، غير مستعد أن يذهب لحضورها مهما كلف الأمر.. وأما فريق الجيش، فقد وُضِعَتْ تحت تصرفه ميزانية الجيش العربي السوري التي كان نبّيحةُ النظام يقنعوننا بأنها تَلتهم 75% من ميزانية هذا القطر العربي الصامد، ثم يصلون، أعني النبّيحة، إلى نتيجةٍ مرعبة، هي أن سورية، لولا وجودُ الكيان الصهيوني الذي زرعه الاستعمار في قلب الوطن العربي، ولو لم يكن قَدَرُ سورية قد جعلها من دول المواجهة، لكانت ميزانيتنا كافيةً لجعل المواطن السويسري يحسد المواطن السوري على عيشته، حيث الخضرةُ، والماءُ، والوجهُ الحَسَن، والقادةُ التاريخيون.
لم يكتفِ هذا الجيشُ العقائدي الباسل، خلال مسيرته التاريخية، بأنه تَخَلَّى لإسرائيل عن مرتفعات الجولان، وانسحب كيفياً من القنيطرة، ودخل لبنان ليضرب قواها الوطنية، ويعفّش خيراتها، وابتكر سرايا الدفاع وأفلتَ كلابها على المدنيين، بل إنه أوجد فريق الجيش، وأعطاه صفةً رسمية شبه قانونية؛ إذ أصبح الفتى الذي يلمع نجمُه في كرة القدم في أية مدينةٍ سورية، يُساق إلى خدمة العَلَم، ويفرز، أتوماتيكياً، للخدمة في فريق الجيش. والفتيان، بدورهم، يسرّهم هذا الفرز، لأنهم يعيشون، خلال الخدمة، حياةً تستحق الحسد، ففي حين تحترقُ قلوب أقرانهم في الخدمة الميدانية، حيثُ الركض والغبرة وقلة القيمة، يمضون خدمتهم معزّزين، مكرمين، يأكلون أطايب الطعام، ويزورون مختلف الدول، ويقبضون الرواتب والمكافآت العالية.. هذا الوضع المخملي جعل المسؤولين، سواء أكان أبناؤهم مساقين إلى خدمة العلم أو لا، يسعون إلى إدخالهم في صفوف فريق الجيش..
ما سبق يقودنا إلى الحكاية الطريفة التي رواها هادي الدمشقي، وهي أن قيادة الجيش استقدمت، ذات يوم، فريقاً طبياً بلغارياً، للاطمئنان على لياقة لاعبي فريق الجيش، وجاهزيّتهم من الناحية البدنية، وبعد فحص العناصر البالغ عددهم ثلاثين لاعباً، ذهل الفريق الطبي، إذ وجدوا أن لاعباً واحداً يستطيع الجري خلال الشوطين من دون توقف، بينما الـ 29 الآخرون يستطيع واحدهم الجري من 10 إلى 15 دقيقة فقط!
اعتقد أصحاب القرار في عالمنا العربي لفترة طويلة، أن نـــشر برامج الترفيه والتسلية من خلال القنوات الفضائيـــة ودعـــم مــسلــسلات الدراما المبتذلة، يساعد في تخدير الشعوب وإلهائها، وذلك على منوال برامج الشو والتوك شو التي اعتمد عليها أصحاب القرار في الغرب، لكن المـــفاجأة كانت حين شعر أصحاب القرار، في الشرق والغرب معاً، بالصدمة والدهشة من انفجار الربيع العربي، فمن كان يتابع تلك البرامج إذاً
ومع ذلك، يشير واقع الحال الى نجاحهم، وذلك بعد جهد جهيد، في إفشال الربيع العربي وحصاره بالخراب والإرهاب. هذا من جهة، أمَّا من جهة أخرى، فيشير الى أن عقولهم وأساليبهم في التعامل مع الأزمات لم تتجدد، لذلك عملوا على إيصال وجوه شابة الى سدة الحكم، كما في فرنسا وكندا وبلجيكا، في محاولة منهم لذر الرماد في العيون والالتفاف على الأزمة الكامنة بين الأجيال التي تتعاظم رويداً رويداً، وهي، أي الأزمة، مع أنها ليست جديدة بنيوياً، إلا أنها بفضل الإنترنت أخذت أبعاداً واسعة وعميقة، عابرة للحدود والقارات كذلك، فهل هنالك متسع من الوقت ليشعر أصحاب القرار، في المرة المقبلة، بالصدمة والدهشة؟!.
لطالما كان التوحد والاعتصام مطلباً شعبياً كبيراً لجميع القوى العسكرية والمدنية والسياسية، وشرطاً أساسياً وسبباً من أسباب الانتصار ومواجهة أي عدوان على المناطق المحررة، وهذا ما عمل النظام ودول غربية وعربية جاهدين على تمكين التشرذم بين أقطاب المعارضة على كافة المستويات لمنع توحدهم من خلال إغراقهم بالدعم المتعدد الاتجاهات لتحقيق التفرقة الحالية.
ومع تمكن النظام من السيطرة على مساحات واسعة في سوريا كانت بالأصل محررة، بغض النظر عن حجم الدعم الذي يتلقاه من حلفائه على كل المستويات، وخذلان حلفاء المعارضة لنا في المرحلة الأخيرة وتخليهم عن دعم المعارضة وتكشف مشاريعهم التي كانت جلها لتحقيق الفرقة ومنع وجود كيان عسكري وسياسي ومدني موحد يمثل المعارضة والذي لو تحقق لكانت رقماً صعباً في الحسابات الدولية، إضافة للطعنات الكثيرة التي تلقتها الثورة من جهات عدة.
واليوم باتت محافظة إدلب في الشمال السوري المرهونة باتفاق "خفض التصعيد" في مواجهة قد تكون شبيهة لما حصل من خرق لهذا الاتفاق في حمص والغوطة ودرعا مؤخراً، وقد لا تكون، ولكن تغير المصالح الدولية ومراوغة الروس تفرض علينا لزاماً اتخاذ التدابير والاحترازات اللازمة لأي طارئ، لمنع أي انهيار مفاجئ شعبياً وإعلامياً وعسكرياً ومدنياً وأمنياً، وعدم التعويل على أي ضمانات أو تطمينات نقضت سابقاً واتخذت كإبر مسكن في مناطق عدة أخرها الجنوب السوري.
وربما ينتاب الحاضنة الشعبية التي وصلت لأكثر من 3 مليون إنسان في إدلب من شتى بقاع سوريا تساؤلات كبير وحالة تخوف لا يمكن إنكارها عن مصير إدلب وما ستؤول إليه في ظل تهديدات النظام والحملات الإعلامية المستمرة ضد المحافظة، لاسيما أن تثبيت نقاط المراقبة لم يفض لوقف إطلاق نار شامل وكذلك لم يوقف القصف، وهذا ما يزيد من مخاوفهم.
ومن خلال ما لمسناه سابقاً من غدر روسي وإيراني للمناطق التي صنفت على أنها ضمن اتفاقيات خفض التصعيد مع أن الأمر في إدلب مختلف قليلاً بوجود تركيا الدولة الجارة التي تتقاطع مصالحها مع مصالح أبناء المحافظة وقاطنيها في استمرار الهدوء والأمن، وكذلك كونها اول منطقة تثبت فيها نقاط مراقبة وتتمركز فيها قوات عسكرية إلا أن الاحتياط ووضع كل الاحتمالات أمراً لابد منه في ظل هذه الظروف المريرة التي تواجه سوريا والثورة السورية.
مصير إدلب اليوم مرهون في الدرجة الأولى بـ "وحدة قرارها" على كافة المستويات أبرزها عسكرياً والتي تتطلب من جميع الفصائل إعادة الثقة بينها وبين الحاضنة الشعبية سريعاً من خلال إعلان غرفة علميات شاملة والإسراع في تثبيت خطوط دفاعاتها والتحرك سريعاً لتنظيم صفوفها ووضع الخطط اللازمة لأي مواجهة قد تحصل في حالة استنفار تامة، من شانها أن تطمئن الحاضنة الشعبية التي ستقف لامحال مع الفصائل وتدعمها في حال لمست منها الجدية والصدق في التحرك.
كذلك يلقى على عاتق الفصائل تشكيل قوة أمنية سريعة لحفظ الأمن في المناطق المحررة وتأمين حماية المدنيين من الخلايا التي قد تتحرك في حال أي عدوان او هجوم لاسيما خلايا المصالحات التي تعمل على تفكيك كل منطقة على حدة واستمالتها لصالح النظام وقبول التسوية، وكذلك تنظيم القطاعات المدنية ووقف التضييق على المدنيين وترك الجهات الإنسانية والطبية وفرق الاستجابة تنظم نفسها وتتخذ تدابير الطوارئ بعيداً عن تدخلها واستغلالها.
كما أن توحيد القرار الإعلامي والعمل على مواجهة الحرب الإعلامية وطمأنة الحاضنة الشعبية أمر بالغ في الأهمية، لمواكبة أي طارئ ومواجهة الحملات المشوهة التي تعمل على خلق الفوضى والوهن في نفوس المدنيين، في وقت ينقل الإعلام الواقع ويكون صادقاً مع نفسه ومع الحاضنة الشعبية دون مراوغة أو التفاف بما يخدم قضيتنا، كون النظام يعول على الحملات الإعلامية بشكل كبير وهذا ما لمسناه في حملات الغوطة الشرقية وحمص ودرعا مؤخراً.
إن "وحدة القرار" في إدلب لكافة فعالياتها الشعبية والمدنية والعسكرية والإعلامية والإنسانية بأنواعها هو وحده الكفيل بحفظ إدلب وحمايتها من السقوط، دون التعويل على أي دعم خارجي أي كان، فإدلب تملك مقومات كبيرة للصمود، وطاقات بشرية وعسكرية وإمكانيات لوجستية كبيرة ولكن لن تنفع إلا أن كانت جميعاً تحكم بقرار موحد وتنظيم ودراية بخطورة الوضع الراهن في تاريخ الثورة وإلا فإن مصيرها لن يكون بأقل من سابقاتها وهذا ما يحتم علينا العمل جاهدين للضغط بشتى الوسائل حتى تحقيق "وحدة القرار" لأن المصير سيكون واحد في السلم والحرب.