اليوم نستطيع أن نرتاح و نُرّيح الضمير بعد أن تم إنهاء الفتنة و ضرب الغداّر و المتعامل مع الغرب ، فالفرقة ١٣ باتت صديق ، و انضمت إلى قائمة الازالة دون ضجيج أو اعتراض من أحد كما جرت العادة، وكيف يعترضون والفرقة "بغت" و أخطأ أفرادها و ارتكبوا الموبقات و أكملوها بالخروج في المظاهرات و رفع الرايات التي تعارض و تقتل "الشهداء" مرة أخرى ،الذي أتوا "نصرة" للشعب و دعماً له ، لا لـ"حكمه" ، و لعن الله موقظ "الفتن" ، نقطة تم طي الملف و حان وقت التحضير للملف الثاني ( الفرقة الوسطى – جيش النصر – فيلق الشام ) و القادم غير ببعيد "أحرار الشام" .
من الممكن أن يكون الكلام السابق عبارة عن ملخص بسيط جداً للرؤية التي سيقت لانهاء الفرقة 13 ، وطردها من مقرتها و الاستيلاء على أسلحتها ، و هي أيضاً رواية تعجب الصامتين و الجالسين على كراسي الانتظار ريثما يأتي "الجزار" لإنهاءه فلا مكان للمقاومة ، فالمتفرقون لايملكون من الحول والقوة إلا ميزة "الانتظار".
بالأمس كتبت عن "النصرة الجريحة" و شبهتها بأنها "نمر" جريح بعد أن بقيت وحدها دون وقف اطلاق للنار ، وأن الخيارات أمامها محصورة بين فتح الحرب علي الجميع من الخارج و الداخل ، أو الانصهار من جديد مع داعش و عودة الفرع إلى الأصل ، و يبدو أن النصرة قد قررت الاثنين معاً و بدأت بالحرب و تدمير المحيطين و من ثم تنتقل لمرحلة الانصهار ، وفق تخطيط مدروس و حجج حاضرة ، فهنا الفرقة ١٣ اقتحمت بيوت المجاهدين و اعتدت على الحرمات ، و تحقق الشرطان الموجبان للقتل ( الدين - العرض ) .
عاشت بالأمس مدينة معرة النعمان ليلة دموية وكانت الأرتال التي سيرت من قبل المختلفين بالقيادات و المتفقين بالمنهج كافية لمحاربة فيلق ايران وملحقاته الرابضين بمحيط الجميع ،و لكن يبدو أن مقاتلي معرة النعمان أشد خطراً من أؤلائك ، و من الممكن أن يكون أصحاب العَلم أكثر خبثاً و يملكون أجندة أكبر شراً من الكفرة أنفسهم .
من المفروض أن نناقش الأمور بروية و موضوعية ، و لكن هذا النقاش يتطلب أن يكون السلاح جانباً ، و يكون هناك تكافئ بين المتواجهيين ، و لكن في ظل هذا الوضع لايبقى لأي منطق مكان إلا في عقول المبررين ، الذين وجدوا أن ماحدث عبارة "فتنة" أثارها الخبثاء و أطفئها العقلاء ، في تكرار حقيقي و فعلي لفتنة الثورة التي انطلقت قبل خمس سنوات ، ولازال شيوخ السلطان يكرروها إنها فتنة "فاجتنبوها".
لايمكن توقع ماذا سيحدث أو ماهي اتجاهات الامور بعد أحداِث الأمس ، و لكن السؤال هل ستحمي النصرة و أصدقائها السكان من القصف و الغارات ،وماهو موقف الصامتون عندما تقترب السكين من رقابهم في القريب غير البعيد ، ليس تحريضاً على القتال أو الاقتتال ، إنما دعوة لردع المعتدي و الباغي وتطبيق حد "القاتل يقتل" أم أن الرأي قد استقر على "لو بعد حين".
نحن ..! أصحاب السوابق
ولا فخر !.
ينحدر بعضنا إلى قبيلة قيس أو كنانة، الذين اشعلوا حرب الفجار،
وينحدر أخرون إلى اﻷوس أو الخزرج، الذين بدأوا حروبهم بحرب سمير ،وتوالت حروبهم /140/ عاما" ، لتنتهي بحرب بعاث،
وينحدر غيرنا إلى عبس وزبيان، الذين أشعلوا داحس والغبراء.
كيف لنا أن ننسى أجدادنا أبناء تغلب و بني شيبان وحربهم البسوس الضروس .
نعم ..
ولا فخر !
نحن أحفاد هؤلاء العرب ، الذين أشعلوا حروبا" لعقود ، من أجل طلاق إمرأة أو مرعى ناقة .
حروب تفني الشباب وتحرق الممتلكات وتهجر النساء والأطفال ، وتنهك العرب و تقلل من هيبتهم ومكنت خصومهم منهم .
و للأسف ...
ما أشبه اليوم بالأمس، وقد بدأت حربنا الباردة، ليس من أجل الإنسان أو الحيوان أو المال .
الخلاف اليوم من أجل خرقة.
تلك الراية التي ترفع كرمز تعبيري، ويفتخر بها حاملها لمجاهرته بانتماءه، تتحول في نظر الجميع لخرقة بالية مثيرة للفتنة، تجلب الويلات لأصحابها
... ومع من ؟
مع رفقاء الدرب شركاء الأسى الذين أنهكتهم الحرب .
الحكاية........ باختصار تبدأ
عندما نفقد الوعي، ونتحول جميعاً لجسور تمر من فوقنا المشاريع ، وتتقاسمنا المعسكرات . فنضيع بين المصالح الغربية و الشمالية ، أو بين المصالح الشرقية و القبلية ، وننفذ أجندتها بحذافيرها .
لا بل بسناريو أسرع و أشد دموية مما توقعه المخرج ، وبأخف كلفة مما أعده لنا المنتج ،
ثم نشعل من أجل (الخرق) حروباً فيما بيننا كحرب البسوس و بعاث .
نصبغها باسم الحرية أو الإسلام و باسم الفتح أو النصر لافرق
فكلنا الحق وغيرنا الباطل .
نحن لم نتجاوز بعد، جاهليتنا الأولى الضاربة في عمق تاريخنا الدموي .
فليس ..!
صدفة في رسالة الإسلام ، أن لا تجد وصفا دقيقا لراية واحدة، اعتمدها النبي الذي نقلت عنه أدق التفاصيل من داخل حجراته بينه وبين أزواجه، إلى كبرى مراسلاته بينه وبين أعظم ملوك الأرض آنذاك .
ولا تكاد تجد راية معتمدة مجمع عليها في كتب السيرة .
لأن الشريعة أوسع بكثير من نفوس حملتها،
ولا تهتم بالشكليات عندما تكون الوجهة صحيحة ، والقبلة واحدة وتصل الأتباع بالهدف المنشود .
أما عند الخلاف فتعتمد على الدعوة و التنوير، لتوجيه الأخ الحبيب لا الخصم المنازع للطريق الصحيح .
فكيف يسمح للمسلم أن يخسر أخاه من أجل خرقة بالية ؟.
ولا ننكر الحقيقة
فتعدد الرايات تدل على تعدد المشاريع القادمة من الخارج، التي تحاول الهيمنة على ماتبقى من الشعب،
وتلونه بصبغتها.
لا يهمنا كثيرا" أعرف أصحابها أم لا ؟
ولا حاجة للبحث عن خلفياتهم أو نواياهم .
لأننا لانعرف من هم أصلا"، ولا حتى مكان إقامتهم إلا من خلال تسريبات الإعلام المتهم ، وصاحب السوابق المتكررة في تشويه الحقائق، والترويج لمشاريع استعمارية كبيرة باسم الإسلام .
لا حاجة لمعرفة البعيد الغائب .
إن كان الأتباع على الأرض يمثلون المنهج بحذافيره ، وينفذون قرارات القادة ، فنستدل على الغائب بأفعال الحاضر ، إلا أن يصدر الغائب بيان استنكار و براءة من تلك الأفعال . فنعلم حينها حقيقة المنهج وأي نوع من النصوص التي سيعتمدها في سلوكه القادم .
وكذلك نقرأ السياسة التي سيتبعها الخصم في تعامله مع الأمر الواقع .
وما الخطة المعدة بعد هذه الحرب الباردة
هل تأخذ مسار تصعيدي، أو باتجاه التهدئة ، و تفهم القلق وامتصاص الغضب .
فهل صراع الخرق، هو صراع المناهج أم موجة عابرة، إثر نازلة حديثة غير متوقعة، أحدثت خلافا عابرا" بين العناصر ،
و سيرسم بعدها خطة طريق توافقية، تضع نصب عينيها العدو المتربص -بشار الأسد-المنتظر لينقض على الثور الأخير المنهك ،
ولن ينفع بعدها الندم
طفت للسطح بشكل فاضح التصرفات التي يرتكبها بعض منتسبي جبهة النصرة ، التي زادت من الاحتقان الشعبي ضدها ، وانعكست على سويت القبول الشعبي و لتصل لمرحلة قريبة من فقدان الآمان "الحاضني" لها ، تصرفات لايمكن الدفاع عنها دون وجود هجوم عكسي عليك أو التعامي عنها الذي يقود هو الآخر لحملة أقسى ، و بين هذا و ذلك يوجد تبرير يجب سوقه في خضم الضياع الحالي الناتج عن جهل عميق بالسيناريو المرسوم لسوريا .
الهجوم على جبهة النصرة و انتقاد تصرفات بعض أمراء القواطع ، لايمكن أن يكون بمعزل عن قراءة الوضع العام للنصرة بعد الهدنة ، التي تسببت بجرح غائر نتيجة شعور النصرة أنها وحيدة بين جميع من حولها ، الذين وافقوا على هدنة توجب قتالها ، الأمر الذي حولها لـ"نمر جريح" يعاني من تخبطات كثيرة و ضياع حول العمل في المرحلة القادمة اذا ما تمت امور المفاوضات السياسية ووصلت إلى بر الهدوء التام و الانطلاق نحو التسوية النهائية ، التي أحد بنودها قتال النصرة و المتشددين .
لايبدو أن خيارات النصرة متعددة و متشعبة ، فهي أمام خيارين لاثالث لهما و كل خيار يحمل من المرارة ما يكفي لأن يكون بمثابة الذهاب للموت .
و أول الخيارات المطروحة هو اجراء نوع من الاندماج و التوحد مع الفصائل التي اتخذت مسميات عديدة و لكن تتفق نسبياً بالمنهج كـ"جند الأقصى"و "التركستان" و آخرون ، ليشكلوا جبهة موحدة لمحاربة الجيمع سواء على المستوي العالمي أم علي المستوى الداخلي ، مواجهات ستقود لقتال رفقاء المعارك في الماضي ، داخل مناطق متداخلة السيطرة لحد كبير ، لدرجة أن تخاض الاشتباكات داخل الحي الواحد ، و هي تشبه الجلوس داخل “أتون” النار و الحرب مع كل الجهات .
ثاني الخيارات الذي قد يكون أكثر قرباً للواقع ، وهو حللت الأمور الخلافية بينها و بين "داعش" و العودة إلى ذات الحالة الأصيلة ، فالنبع واحد و خلافات البيعة يمكن حلها ، و بالنسبة للعجلة التي اتهمت بها داعش باعلان الخلافة ، هي أيضاً تملك امكانية الحل ، وهنا سيكون الموقف نسبياً أقوى اذ أن الطرفان يملكان امكانيات بشرية و مادية و تسليحية يجعل منهما قوة لايستهان بها ، وهي ما يمكن تسميته بـ”الانصهار “ مجدداً في الأصل.
بين الحرب داخل النار ، الانصهار من جديد ، تقف النصرة حائرة ، تتصرف بتصرفات مريبة و متوترة، لتنفس عن جزء من النقمة و الألم المتولد عن ماتعتبره جرح "الخيانة" بعد تركها وحيدة ، و هي تعتبر نفسها فرداً أصيلاً في التركيبة السورية بعد أن قدمت ماقدمته .
يبدو أن تصريح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف قبل نحو أسبوعين أن موسكو تأمل بأن يتوصل المشاركون في المفاوضات السورية إلى فكرة إنشاء جمهورية فيدرالية، وهو المطلب الذي يطالب به الأكراد لم يأت في سياق المناكفة الروسية لتركيا ضمن سلسلة من الاستفزازات المستمرة منذ ثلاثة أشهر. يؤيد هذا التصور كلام رئيس الهيئة العليا للمفاوضات في المعارضة السورية رياض حجاب الذي قال إن المعارضة رفضت مقترحاً روسيا بتحويل سوريا إلى دولة فيدرالية.
الرؤية الغربية بشكل عام سواء كانت قادمة مما كان يعرف يوماً بالمعسكر الشرقي أو منطلقة من المعسكر الغربي على ضفتي الأطلسي، فإن الحلول التي تحملها دائما إلى مشاكل الشرق الأوسط المستعصية هي التقسيم. في لبنان جربنا شيئاً من هذا القبيل خلال الحرب الأهلية لكن المخطط لم يفلح لاعتبارات لا مجال لذكرها الآن. الولايات المتحدة كرّرت النموذج نفسه مع العراق ما بعد الاحتلال عام 2003. المشروع ما زال متعثرا، فلا العرب السنة يقبلون به وهم من يمثلون رأس الحربة في مواجهة المشروع الأمريكي في العراق، ولا الشيعة المهيمنون على الحياة السياسية يرتضونه حلاً.
وحدهم الكرد في العراق وسوريا يدعمون عملية الفدرلة، كخطوة أولى نحو الاستقلال التام وتأسيس دولة كردستان الكبرى. لكن سوء حظ الكرد في الشرق الأوسط أنهم مقسّمون على جغرافية هي جزء لا يتجزأ من دول أربع، سوريا، العراق، تركيا وإيران. وإذا كانت الأحوال السياسية التي يمرّ بها العراق وسوريا لا تسمح لهما بمواجهة مشاريع الفدرلة والتقسيم، فإن إيران وتركيا، وهما اللاعبان الكبيران في المنطقة، لن يسمحا بتمرير هكذا مشروع لأنه سيكون على حساب دولتيهما أكثر ممّا سيكون على حساب العرب أنفسهم.
إقليمياً هناك مستفيد وحيد آخر، لطالما كانت إسرائيل صاحبة طروحات التقسيم. ومشروع الفدرلة المطروح روسيا-أمريكيا تراه حلما طال انتظاره. في دراسة صدرت الاثنين الفائت لـ"مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة" الذي يرأس مجلس إدارته دوري غولد، وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية، تتحمس حكومة بنيامين نتنياهو لفكرة تقسيم سوريا لأنها تقلص مستوى المخاطر الاستراتيجية على إسرائيل مستقبلا. الدراسة التي تؤكد رغبة أمريكية روسية مشتركة لتقسيم سوريا تحثّ الحكومة الإسرائيلية للدّفع نحو تقسيم سوريا وفق المعايير الأمريكية، وليس الروسية التي قد تفضي إلى تحسين مكانة إيران هناك.
وإذا كانت زيارة داود أوغلو إلى طهران مفاجئة تماما بقدر إعلان الرئيس روحاني بأنه يستعدّ لزيارة أنقرة قريبا، فإن التصريحات التي صدرت عن كلا المسؤولين لم تكن مفاجئة طالما أنّ ما ذلّل العقبات، وهدّأ من وتيرة القصف الإعلامي المتبادل بين الجارين هو استشعار عظم الخطر المحدق بهما.
أبرز نتائج زيارة أوغلو لطهران اتفاق البلدين على إدارة خلافاتهما المتعلقة بأزمات المنطقة، وفتح صفحة جديدة من العلاقات الاقتصادية والسياسية، لاسيَّما مع وجود نقاط مشتركة إقليمياً، أهمها معارضة البلدين لـ "تقسيم سوريا".
لا شك أن التقارب التركي الإيراني الأخير ناتج عن مخاوف الطرفين من مسألة نشوء كيان كردي في الشمال السوري، ما قد يؤثر بدوره على كلا البلدين بإثارة طموحات الأكراد فيهما. إيران متوجسة قطعا من الوجود الروسي في سوريا. لم يعد الأمر سراً ولا لغزاً. روسيا تقطف جهود إيران في سوريا وتتصرف بأنها السيد الأمر الناهي في أي حلّ سوري، حتى وإن تحدث الروس طويلا عن تنسيق مع الإيرانيين. يبقى الأمر مصروفاً في إتيكيت العمل الدبلوماسي. شيء مما سبق يظهر على لسان الرئيس روحاني "أبلغنا جميع الأصدقاء والجيران وروسيا والآخرين، صراحة، أن سيادة بلدان المنطقة على أراضيها، مبدأ يحظى بتأكيدنا، سواء فيما يتعلق بالعراق أو سوريا أو أي بلد في المنطقة، فالسيادة الوطنية ووحدة التراب أمر مهم بالنسبة لنا".
الأتراك متوجسون هم بدورهم من الأمريكان وأجدادهم التاريخيين الأوروبيين. فلقد ذاق الترك والفرس مرارة التقسيم الذي فرضه الغرب عليهم وعلى العرب بالتنسيق مع روسيا القيصرية. لا مجال بتاتا لتكرار الأمر. قد لا يكون السيناريو أكثر من مقترح مطروح، لكن من ذاق طعم الحرق يوماً سيبقى يتحسسه في كل مرة يرى فيها ناراً متقدة.
فهل الخوف من مشروع تقسيم جديد قد يقرّب وجهات النظر التركية الإيرانية ويسحب البساط من تحت القوى الدولية في حلّ قضايا المنطقة سوريا والعراق واليمن؟ نجاح الأمر مرهون بمدى نضوج الدبلوماسية التركية الإيرانية ومعهما الدبلوماسية العربية، تحديداً السعودية منها.
تقول وزارة الدفاع الروسية إن عدد الجماعات المتشددة التي وافقت على وقف الأعمال القتالية في سوريا وصل إلى 35 جماعة، وذلك بحسب وكالة «رويترز»، والسؤال هنا هو: كم عدد الجماعات المتشددة هناك أصلا؟
موقع «بي بي سي» العربي نشر تقريرا في يناير (كانون الثاني) 2014 بعنوان «الأزمة السورية: دليل الجماعات المسلحة في سوريا»، يقول: «يقدر عدد الجماعات المسلحة المعارضة في سوريا بنحو ألف جماعة، وتضم ما يقرب من مائة ألف مقاتل، معظمها جماعات صغيرة وتعمل بشكل محلي». هذا في 2014، ماذا عن اليوم؟ كم عدد تلك الجماعات؟ والأسئلة لا تقف عند هذا الحد، فعندما نفكر بعدد الجماعات المتشددة يجب أن نستحضر الحديث المتكرر عن فكرة تقسيم سوريا إلى ثلاث دويلات، أو كدولة اتحادية، فما معنى ذلك؟
الواضح أن الروس، ومعهم الأميركيون، لا يقدرون عواقب خطورة الوضع بسوريا اليوم، وضرورة رحيل الأسد بانتقال سياسي من شأنه تسهيل توحيد الجهود غدا لمواجهة هذه الجماعات، وأيا كان عددها. والخشية من عدم اكتراث الروس والأميركيين هذا يدفع المتابع للقلق من الحديث المتكرر عن فكرة التقسيم، والدولة الاتحادية، والخشية هي أن يكون التفكير السائد بموسكو وواشنطن هو أنه بحال حصل التقسيم فسيكون بمقدور الأكراد تأمين أنفسهم، ومناطقهم، وبمقدور روسيا تأمين الدويلة، أو الجزء العلوي، أو منطقة الأقليات، وبالتالي فعلى السنة، المكون الأساسي، مواجهة الجماعات المتشددة بمناطقهم، ومواجهة مستقبلهم، فإما يصلح السنة أوضاعهم، وإما يواصلون الاقتتال فيما بينهم، وبالتالي تكون فرصة للأكراد، والأقليات، لتحسين أوضاعهم. وبالنسبة للأكراد هناك نموذج حي، وإن لم يكن بشكل رسمي، وهو نموذج كردستان العراق.
والحقيقة إذا صدقنا ما يسرب بالإعلام عن تقسيم سوريا، أو لم نصدق، فيبدو أن هناك من هو متحمس لهذه الفكرة، مما يعني أننا مقبلون على كارثة أكبر مما نحن فيه الآن حيث علينا التفكير بوضع العراق وأكراده، وتركيا وأكرادها، وكيف سيكون عليه حال لبنان، وكل المنطقة؟ وربما يقول البعض إن هذا طرح مبالغ فيه، لكن الظاهر أمامنا الآن أمر واحد وهو أن لا حرص روسيا – أميركيا حقيقيا على سوريا كدولة، ولا على المكون الأساسي فيها وهم السنة، وهذا أمر واضح من أول يوم عملت فيه آلة القتل الأسدية حيث لم يكن السؤال كيف نوقف آلة القتل هذه، وإنما كيف نضمن حقوق الأقليات!
وعليه، فإذا كان الروس، والأميركيون، جادين في محاربة الإرهاب، وتقدير خطورته، فإن عدد الجماعات المتشددة في سوريا وحدها يجب أن يكون مدعاة للقلق، ودافعا لتسريع الانتقال السياسي، وخروج الأسد، فكل يوم يمضي دون حل جاد للأزمة يعني مزيدا من المتشددين، كما أن تقسيم سوريا، حتى لو كان فكرة، فإنه لن يؤدي إلا إلى مزيد من الكوارث والحروب، فالدرس الذي تعلمناه بمنطقتنا هو أنه لا يمكن أن تأمن ودار جارك خربة.
لعل «أهضم» ما في موضوع حسن نصر الله هو قناعته ومؤيديه أنه من غير المسموح أبداً انتقاده أو التعرض لشخصه بأي صورة من الصور، لأن له «قدسية»، وأنه شخصية «دينية» لا يمكن التعرض لها. حقيقة لا أعلم شروط وماهية التصنيف الديني الذي اعتمد عليه حسن نصر الله! فالكتب السماوية مليئة بالشخصيات الشريرة المذكورة في سياق السرد الديني، شخصيات مثل إبليس وفرعون وأبو لهب، لكن بطبيعة الحال من الممكن التعرض لهذه النوعية من الشخصيات بعين الاعتبار، خصوصاً إذا ما تمعنا في سجل حسن نصر الله الأسود المتعلق بالإرهاب والدموية والغدر والقتل، والأمثلة المذكورة لذلك كثيرة جداً. والغريب أن أحد أهم وأكبر أبواق تنظيم حزب الله الإرهابي النائب في البرلمان اللبناني محمد رعد، حينما تم انتقاده وبشدة، بسبب هجومه العنيف على بطريرك الموارنة في لبنان نصر الله صفير آنذاك، قال مدافعاً عن موقفه إنه ما دام البطريرك «دخل» في المعترك السياسي فلا قدسية ولا مكانة خاصة له، ويصبح بالتالي مثله مثل أي سياسي آخر في لبنان عرضة للانتقاد، وطبعاً حسن نصر الله تخطى مكانه السياسي، ليصبح إرهابياً وبامتياز ومنذ زمن ليس بالقليل.
اللعبة الخبيثة التي يلعبها حسن نصر الله وميليشياته في لبنان هي جزء من فكرة شيطانية أكبر، الغرض منها تفريغ لبنان تماماً من عمقه الطبيعي والاستفراد بالسلطة بالقوة الجبرية، فهو تمكن من تعطيل انتخاب رئيس جمهورية، بل وبالامتناع التام عن حسم الترشح لصالح أحد المرشحين الاثنين المعلنين في الانتخابات الرئاسية اللبنانية، وكلاهما محسوب على التيار المؤيد لحزب الله، وطبعاً يبقى الموقف غريباً ومريباً جداً، لماذا يرفض حزب الله حسم قرار الترشيح إلا إذا كان هناك غرض آخر في نيته، وهو تفريغ البلد بأكمله من مؤسسات الحكم كافة، ليبقى الوضع تحت السيطرة للفريق الوحيد المسلح، والقادر على الحسم على أرض الواقع. بمعنى آخر حزب الله يستعد لاختيار رئيس الجمهورية القادم من «جماعته» وليس من «التيار المؤيد له»، ولعل خطابات الإرهابي حسن نصر الله الأخيرة أظهرت نوعاً من السذاجة السياسية المتطورة في وصفه بأن أعظم لحظات حياته كان موقفه من أحداث اليمن، وليس المواجهة مع إسرائيل، وهو يؤكد بذلك دوره الخبيث والحقير في تأجيج الصراعات في المنطقة بالأسلوب الإجرامي الذي خطه لنفسه.
أكثر ما يضحك هو قناعة حسن نصر الله ومؤيديه بأنه شخصية مقدسة، وهو يطرح فكرة التقديس بصورة عامة باعتبارها طرحاً فكرياً يستحق النقاش، فهناك من عبد البقر وأجلّ الفيلة وتبارك بالأسود وعبد الأشجار، وبالتالي لا غرابة أن يتم الاعتقاد بقدسية حسن نصر الله. العقول المغيبة تفعل أكثر من ذلك بكثير. مسكين لبنان إذا كان فيه ناس تعتقد بقدسية نصر الله، لكنه ذات البلد الذي لم يستطع أن يجمع قمامته بعد مضي سبعة أشهر على أزمتها.
تلامس الجغرافيا السياسية التي ترغب موسكو في إرسائها في سورية بقوة الضربات الجوية، وتراً حسّاساً لدى الأكراد والعلويين من موقعين مختلفين. فإذْ نشاهد صعوداً وانتعاشاً للهوية الكردية وأحلام الاستقلال وبناء كيانية على جغرافيا أغنى في الموارد والسكان والأرض، نرى أنّ مقترح أو مخطط موسكو لفيديرالية سورية يُقدَّمُ إلى العلويين كطوقِ نجاةٍ بعدما استنزفتْ حربُ السنوات الست في سورية أبناءَ الطائفة العلوية، وأفنتْ طيفاً واسعاً من شبانها.
ولا أدري ما إذا كانت ثمة مبالغة في القول أن العلويين سينظرون، ربما، إلى مقترح الفيديرالية بوصفها «غيتو» يحميهم ويمنع تقلّصهم واستنزافهم وخسارتهم، فيما سيستقبلها الأكراد بوصفها نتاجاً لصلابتهم وقوتهم المتصاعدة، ومحضهم من جانب الأميركيين والروس على حدّ سواء الدعمَ والإسنادَ والاعتراف بهم كشركاء أساسيين، والاستثمار فيهم إلى درجة عدم الاكتراث الأميركي بانزعاج أنقرة من تنامي هذا الاستثمار، وتقصّد موسكو إزعاجها عبر هذه الشراكة التي أجهضتْ المنطقة الآمنة شمال سورية، وجعلت الصراع التركي - الكردي اليوم ينتقل إلى مرحلة جديدة ستتضح معالمها أكثر فأكثر إنْ قُيّض لمشروع الفيديرالية الجديد أن يرى النور، وهو احتمال وارد في ظل صمت أميركي ملتبس يُسهّلُ على بعضهم الاستنتاج المجانيّ والحديث عن «تفاهم أميركي - روسي» على إعادة رسم الخرائط وتعديل أوزان المكونات وإبعاد السنّة إلى جغرافيا أقل استراتيجية ونفوذاً وتأثيراً.
هي إذاً وصفة للتدمير الذاتي، وإذا صحّ هذا الاتهام فإن تاريخ المنطقة يُذكّر بأنّ مشاريع الوحدة العربية القسرية التي تمّت قبل عقود عنوةً ومن دون ظروف كافية للنجاح أورثت أهل المنطقة مزيداً من المآسي والخيبات والتخلّف والضياع والعنف والتمزق، فكيف بمشاريع إعادة تقطيع سايكس - بيكو بالدم وغارات السوخوي والتشريد والقهر والصمت الأميركي على إعادة هندسة الديموغرافيا والاجتماع والخرائط بطريقة تؤبّدُ «الهويات القاتلة»، وفق تعبير أمين معلوف، وتُبقي براميل البارود مشتعلة في سورية وجوارها (...) إلى سنوات مديدة!
بالطبع، النواح لا يفيد، ومن المهم، على الأقل، بلورة رؤية خليجية لقيادة جهد ديبلوماسي وبناء خطوات وشراكات على الأرض تستهدف إقناع القوى الدولية بأن الاستعجال بفرض الحلول المشوّهة في سورية سيضرّ بالأمن الإقليمي والدولي ويُحفّز نوازع العنف والكراهية والإرهاب، ويستنزف موارد الجميع في سعيهم لمحاصرة ألسنة النيران ووقف الكارثة.
لم يكن فشل محاولة إطلاق مفاوضات في جنيف هو العامل الوحيد وراء التحرك الأميركي الروسي المفاجئ لترتيب هدنة في سوريا بدأت في منتصف ليلة 27 فبراير الماضي. كان هذا الفشل هو العامل المباشر وراء التحرك لترتيب الهدنة. أما العامل الأساسي فهو القلق من احتمال توسع نطاق الحرب في سوريا، وإدراك أن النقاش الدائر في بعض المؤسسات الأكاديمية حول احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة ليس مجرد «عصف ذهني» بعيد عن الواقع. فعندما تسارع التحرك لترتيب الهدنة، كان التوتر بين موسكو وأنقرة قد بلغ مستوى أعلى منذ بدء تركيا في قصف مواقع سورية تسيطر عليها القوات التابعة لـ«الحزب الديمقراطي الكردي» ومنظمات صغيرة متحالفة معه.
كان هذا التطور مقلقاً لكل من واشنطن وموسكو اللتين توزعان الأدوار بينهما في دعم تلك القوات، وازداد قلق روسيا بصفة خاصة عندما أعلنت السعودية استعدادها لإرسال قوات برية إلى سوريا في إطار التحالف الدولي ضد الإرهاب، سعياً لخوض مواجهة حاسمة ضد تنظيم «داعش» الذي تتخذه قوى دولية وإقليمية ذريعة لدعم نفوذها في المنطقة.
وعندما حذّر رئيس الوزراء ميدفيديف من احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة، كانت روسيا أول دولة تعبر رسمياً عن عدم استحالة هذا الاحتمال الذي يدور جدل في مراكز أبحاث وتفكير ووسائل إعلام عدة في العالم بين من يستبعدونه ومن يرونه ممكناً.
وفي إطار هذا الجدل ذهب بعض من لا يستبعدون احتمال الحرب الثالثة إلى أن مقدماتها صارت موجودة بالفعل، بل تضمن أحد التقارير التي نُشرت قبيل الهدنة أن هذه الحرب ربما تكون قد بدأت فعلاً بشكل مُصغر في حلب السورية.
وقارن بعض الخبراء في سياق هذا الجدل بين الأجواء الراهنة في المنطقة، وتلك التي كانت قائمة في أوروبا عشية الحرب العالمية الأولى عندما تحولت عملية اغتيال ولي عهد النمسا على يدي طالب صربي إلى أزمة أشعلت هذه الحرب، رغم أن الأزمة كانت بعيدة عن القوى الأوروبية الرئيسية في حينه.
ورغم صعوبة استبعاد أي احتمال في ظل تعقيدات الوضع الراهن في المنطقة، ربما تكون عولمة حرب «الميليشيات» التي فرضتها إيران، وجاءت روسيا لدعمها، أقوى من سيناريو حرب على نسق حربي 1914 -1918، و1939 -1945، فهناك حرب «ميليشياوية» جارية بالفعل وهي آخذة في التوسع، وقابلة لأن تأخذ طابعاً عالمياً، بعد أن تراكمت العوامل المغذية لها على مدى أكثر من عشرة أعوام.
فقد تسبب الغزو الأميركي للعراق في إعادة إنتاج ما أدى إليه الاحتلال السوفييتي لأفغانستان من زاوية نشوء «ميليشيات» لا يقتصر هدفها على مواجهة الغزاة.
وتورط النظام السوري بشكل مباشر في دعم بعض «الميليشيات» الأكثر تطرفاً بدءاً بتنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين»، في إطار دعوته في تلك الفترة إلى «زلزلة الأرض تحت أقدام» الاحتلال الأميركي للعراق، كما حصلت هذه «الميليشيات»، وفي مقدمتها «القاعدة»، على دعم إيراني، قبل أن تسفر عن موقفها المعادي للشيعة.
ثم تحولت طهران باتجاه إقامة «ميليشيات» تابعة لها. وتنامى نفوذ هذه الميليشيات وصارت أقوى من الجيش الرسمي الجديد، كما دعمت واشنطن نوعاً آخر من الميليشيات في المناطق الشمالية «السُّنية» تحت مسمى «الصحوات».
وعندما اندلعت الانتفاضة السلمية في سوريا، كان تكتيك نظام الأسد وإيران هو إغراقها في محيط من العنف، الأمر الذي فتح الباب لتنظيمات متطرفة وإرهابية بدءاً بـ«جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة»، ووصولاً إلى «داعش»، ووفرت تلك الظروف لإيران فرصة مواتية لإرسال بعض «الميليشيات» التابعة لها، فلم تترك طهران جماعة موالية لها في العالم إلا أشركتها في القتال في سوريا.
وخلق التدخل العسكري الروسي بيئة مهيأة لعولمة هذه الحرب «الميليشياوية»، في الوقت الذي تدعم واشنطن إنشاء مجموعات مسلحة جديدة على نسق «الصحوات» في شمال العراق.
وهكذا يبدو أن حرباً عالمية «ميليشياوية» أولى قد تكون أقرب من حرب عالمية تقليدية ثالثة، لأن خطرها يظل قائماً ما لم يحدث تقدم نحو حلول مستديمة، لا هدنات أو تسويات مؤقتة، للأزمات الكبيرة في المنطقة.
تستغل أنقرة على نحو فاضح معاناة اللاجئين السوريين الهاربين من الحرب لتحقّق مكاسب اقتصادية وسياسية على حساب الدول الاوروبية المرتبكة حيال التعامل مع أزمة انسانية تتحول أزمات سياسية واقتصادية في عدد من تلك الدول.
تفاوض حكومة أردوغان من موقع قوي. تلوح للأوروبيين بـ"اغراقهم" باللاجئين، فلا تكتفي بلائحة مطالب سخية عرضت عليها، وإنما ترفع سقف المزاد مطالبة بثلاثة مليارات أورو، اضافة الى ثلاثة مليارات أُقرّت لها سابقاً، مقابل التزامها الافساح في المجال لعودة كثيفة للاجئين انتقلوا بطريقة غير شرعية، من اراضيها الى دول اوروبية. بل إن تقارير أوروبية تفيد أنها تبدي استعدادا لقبول بعض من سبق لهم أن جازفوا بحياتهم وانتقلوا الى اليونان بحراً وقدّموا أوراقاً شرعية للحصول على لجوء.
الثابت أن هذه "العودة" لن تكون طوعية للسوريين، ولا شيء يمنع أن تستخدم فيها كل اساليب الاكراه والعنف. وهي تقوم على مبدأ "سوري مقابل سوري" أي أن يستقبل الاتحاد الأوروبي، مباشرة، لاجئاً سورياً من تركيا مقابل كل سوري توافق تركيا على عودته إليها من الجزر اليونانية. وبالطبع لن يقبل السوري الذي خاطر بحياته وربما دفع كل ما لديه للوصول الى اوروبا، بالعودة الى الوراء.
من حق الدول الاوروبية أن تنظم الهجرة الى أراضيها. ومن حقها أن تحمي أمنها ونسيجها الاجتماعي واقتصادها. لكنّ دولاً تتشدق بحقوق الانسان والحرية تتخلى في صفقات كهذه عن كثير من مبادئها.
والمطالب التركية لا تقتصر على المليارات فحسب، وإنما تتعداها الى طلب الغاء تأشيرات الدخول للمواطنين الأتراك الراغبين في دخول دول الاتحاد الأوروبي في رحلات قصيرة، واعادة تحريك المحادثات المتعثرة في شأن انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي.
هذه الاقتراحات ترمي بحسب داود أوغلو الى انقاذ اللاجئين والتصدي لمهربي البشر و"تؤذن بعهد جديد من العلاقات بين بروكسيل وأنقرة". ولكن ما لم يقله المسؤول التركي همست به المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فهي تخوّفت على مصير اللاجئين الذين يعادون الى تركيا، آملة في ضمانات اضافية كي يتسنى النظر في طلبات اللجوء الخاصة بـ"العائدين".
في اجتماع له في بروكسيل مع مسؤولين أوروبيين بينهم رئيس المفوضية الاوروبية جان - كلود يونكر ورئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك، هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي بشحن آلاف اللاجئين من مناطق النزاع الى الاتحاد الاوروبي اذا لم تقبل اوروبا طلباته الخاصة بالاسراع في محادثات العضوية وتأشيرات الدخول. فاذا كانت السياسة هي المحرك الوحيد لتركيا في ادارتها لملف اللاجئين، من المعيب أن تتواطأ أوروبا في تحويل هؤلاء النساء والاطفال والشيوخ مجرد بيادق في لعبة الشطرنج الدولية.
ماذا كان الهدف من الهدنة؟ إيجاد مناخ ملائم للمفاوضات السياسية، وأساساً لم تكن هذه الهدنة إلا لأن الثلاثي، الروسي - الإيراني - الأسدي، استشرس على مناطق المعارضة لحظة كانت تستعد للمشاركة في مفاوضات جنيف. لم يعد هناك شك في أن الروس تقصّدوا قتل المدنيين، باستهدافهم المستشفيات والمدارس التي تؤوي مهجّرين، كما أن ممارسات الميليشيات الإيرانية وشعارات المذهبية في المواقع التي استعادتها الى سيطرة النظام، لم تترك مجالاً للشك في الخطورة البالغة لما يحصل.
أدركت المعارضة وداعموها أن الطرف الآخر دخل في ذهنية «الهجوم النهائي» لإنجاز الحسم العسكري. وفي هذه الحال علامَ التفاوض، ولماذا كانت لقاءات فيينا، ولماذا استُصدر قرار من مجلس الأمن؟ بل طُرح السؤال الأهمّ: ما هي التفاهمات السرّية بين الولايات المتحدة وروسيا، وهذا ما استدعى التفاوض مجدّداً بين جون كيري وسيرغي لافروف؟
ما كان للهدنة، ولو هشّة، أن تحصل لولا التزام فلاديمير بوتين وضغوط موسكو على الأسد والإيرانيين، حتى لو بقي هذا الالتزام ضعيفاً ومخادعاً. وما دامت الهدنة بدت ممكنة، على رغم كل الشكوك، فلماذا لا يُصار الى تثبيتها، ولماذا يستمر التحشيد والاستعداد للحظة انهيارها المتوقّعة؟ أولاً، لأن الأهداف العسكرية في خطط روسيا وحليفيها لم تتحقق بعد، بل يُراد استكمالها كعنصر ضاغط على المفاوضات. وثانياً، لأن بوتين لم يوافق على الهدنة لأسباب إنسانية، بل بشرط أن تكون مدخلاً لمفاوضات تُظهر فيها المعارضة سريعاً استعدادها لقبول التسوية السياسية، كما رسمتها روسيا وحليفاها، وكما باتت أميركا تشاركهم إياها. ومن الواضح أن إثارة واشنطن احتمال التقسيم، وموسكو احتمال الفدرلة، استهدفت خصوصاً المعارضة التي لم يُعرف لها أي طرح تقسيمي في أي مرحلة، أما النظام وحليفه الإيراني فكشفا قبل عامين مشروع «سورية المفيدة»، واستمرّا يروّجان له واستدعيا التدخل الروسي ليكون «ضماناً» له. ويتمثّل التهديد الموجّه للمعارضة في القول بأنها أمام «فرصة أخيرة» للحفاظ على «وحدة سورية»، وأنها ستحبط هذه «الفرصة» إذا أصرّت على شرط رحيل بشار الأسد للحل السياسي.
ينبغي الكثير من الغباء السياسي والتعامي عن الإجرام لتقديم الأسد على أنه «الضامن» لوحدة سورية، خصوصاً إذا كان هو نفسه لم يعد يحلم إلا بـ «سورية المفيدة» التي يعرف أنها مفلسة ولا يستطيع ابتلاعها خالية من أهلها الذين اقتلعهم منها، لكنه يراهن على الوحشية الروسية لتمكينه من الاستئثار بها أو تأمين الاستقرار فيها. ويبدو أن المنطق/ اللامنطق الروسي (والإيراني) - الأميركي يواصل تغليب معادلة «داعش - الأسد» ليدعم بقاء الأخير باعتبار أن شريراً تعرفه أفضل من شرير لا تعرفه. لكن هذا يعني في شكل واضح وفاضح، أن «الحل السياسي» المزمع مرشحٌ لأن يُبنى على إحدى كذبتين: بقاء الأسد ضرورة للقضاء على «داعش»، وبقاء الأسد ضرورة للحل السياسي... وكلا الكذبتين من صنع الإيرانيين، لأن «بقاءه» يساعده ويساعدهم في الحفاظ على «سر داعش»، كما يكفل تعطيل أي حلٍّ لا يؤمّن لهم مصالحهم. ومثلما أن تسرّع الروس أحبط المفاوضات واضطرهم للذهاب الى الهدنة، فإن أوهام الإيرانيين والأسد وحتى الأميركيين ستضطرهم الى تعديل صيغة الحل السياسي ومفهومه وأهدافه.
في الحالين، كانت مفاهيم ثورة الشعب هي التي تتغلّب، وبالتأكيد ستتغلّب، على الدسائس ومحاولات تركيب صفقات بين الأطراف الخارجية. أُريد للهدنة أن تكون مجرد ممر شكلي الى المفاوضات، كما أُريد للمفاوضات أن تكون فخّاً للمعارضة، للشعب، لمصادرة طموحاته وتحريفها، ولبيع تضحياته وطمسها كأنها لم تكن. وبعقلية التلفيق هذه، لا يمكن التفاوض ولا التوصّل الى أي حل. وفي ضوء الهدنة عاد الشعب فقال كلمته، مستعيداً تظاهراته ووقفاته السلمية كما في آذار (مارس) 2011، ومجدّداً رفع مطلبه الرئيسي بوجوب رحيل الأسد. فمع التزام موثّق بوقف إطلاق النار من جانب غالبية الفصائل المقاتلة، بما فيها «جبهة النصرة»، وعودة المدنيين الى التظاهر، برهن الشعب أنه لم يفقد اتجاه البوصلة على رغم كل ما أصابه. في المقابل، كانت الانتهاكات للهدنة تزداد خطورة: غارات الروس، براميل النظام، قصف الميليشيات الإيرانية، وعمليات قتالية لكسب مواقع جديدة... وقد شمل الإصرار العلني على إنهاء الهدنة عرقلة المساعدات الإنسانية لاثنتي عشرة منطقة محاصرة من أصل ثماني عشرة، وعدم البحث في تبادل إطلاق الأسرى، وهو أحد بنود اتفاق الهدنة.
في السنة السادسة للمحنة السورية، لم يعد العنف والقمع والإجرام حكراً على آلة القتل الأسدية، بل أصبحت دولية، فكما أخافت التظاهرات السلمية النظام، ها هي تقلق الأطراف الدولية التي لم تتوقّعها، واستشعرت بأنها تهدّد الأهداف الحقيقية للهدنة. كانت هذه الهدنة ولدت اتفاقاً أميركياً - روسياً، ثم صارت قراراً دولياً أصدره مجلس الأمن، ولأن مراقبة تنفيذه لم تُعهد الى طرف محايد، بل أبقيت في كنف الدولتين الكُبريين، فهذا ما يفسّر عدم الاكتراث بشكاوى المعارضة والمداومة على القول بأن الهدنة «صامدة». ذاك أن «الخروقات» تتمّ من جانب النظام وحلفائه، ولذا فهي حظيت بسكوتٍ، أي بتواطؤٍ أميركي - روسي صار ستيفان دي ميستورا ناطقاً باسمه وليس باسم الأمم المتحدة. فالمبعوث الدولي يعرف أن ما حققته الهدنة ضئيل جداً ولا يكفي للذهاب الى مفاوضات، إلا أنه يدافع عنه كـ «أفضل الممكن» مساهماً بدوره في الضغط على المعارضة للمجيء الى التفاوض وهي تحت ضغط ميداني.
«جنيف» قبل شهر قد لا تختلف عن «جنيف» هذا الشهر. فالسيناريو نفسه مرشحٌ للتكرار: محاولة لإطلاق التفاوض على خلفية اجتياحات وتصعيد عسكري. تسقط الهدنة عملياً في اللحظة المتوقّعة، وهذا من «تقاليد» الهدنات وتجارب وقف النار، سواء لإجبار المعارضة على الرضوخ للأمر الواقع أو لإخضاعها للابتزاز، ما لن تقبله، ففي كل الأحوال سيُستخدم التهديد الميداني للتأثير في مسار المفاوضات. لكن المعارضة ليست وحدها في وضع صعب، فالأميركيون والروس يعرفون أن محاولة تصفيتها عسكرياً غير مجدية بل تديم الصراع في أشكال مختلفة قد تكون أكثر خطورة، أي أنهم يحتاجون إليها لإعطاء شرعية لأي حل سياسي قابل للتطبيق أكثر من حاجتهم الى الأسد فاقد الشرعية أصلاً والمؤكّد أن لا دور له في مستقبل سورية. وإذا كان الروس والإيرانيون يعوّلون على «معارضين» أشرفوا على تدجينهم كـ «شركاء» بدلاء في «حكومة جديدة»، وفقاً لتعبير دي ميستورا الذي نسي فيه مفهوم «الانتقال السياسي» المثبت في كل الوثائق (بيان جنيف، بيانات فيينا، والقرار 2254).
هذه المسمّاة «حكومة» المقترحة، إذا نجح الأميركيون والروس في فرضها، ستكون تحت سلطة بشار الأسد وزمرته، وعنواناً لـ «انتصاره» مع حلفائه على شعب سورية، لا خطوة نحو إنهاء الصراع. إذا كانت موسكو تحمل في أجندتها الخفيّة ورقة إطاحة الأسد، على ما يردّد المتكهّنون أو الواهمون، فقد حان الوقت لاستخدامها. كانت المحادثة الهاتفية بين الرئيس الروسي مع قادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا واضحة في إشارتها الى أمرين: أولهما، أن التقويم الأميركي - الروسي «الإيجابي» للهدنة ليس كافياً لاعتبارها ناجحة أو لحفز المعارضة على الذهاب الى المفاوضات. وثانيهما، أن الحل السياسي المنشود لن يتبلور في المفاوضات، إذا انعقدت، طالما أن أفقه محكومٌ بوجود الأسد... أي أن هذه اللحظة التي ينبغي أن تقرّر فيها روسيا إذا كانت تتبنّى انتقالية سياسية أو استمرارية للنظام. فالمغزى الواضح لموافقة المعارضة على التفاوض، أنها أيضاً إقرارٌ بالحفاظ على الدولة ومؤسساتها وليست قبولاً باستمرار هذا النظام أو رئيسه، وكلاهما واحد. كان اللعب على الغموض ممكناً في بعض المراحل، لكن الصراع السوري بلغ حدوده القصوى ولا بد من الوضوح، فإمّا أن يكون انتقال سياسي أو تكون «المفاوضات» مجرد خدعة روسية أخرى.
موسكو تبتلع «جنيف 1»... المعارضة السورية لا تستطيع أن تهضم ما وراء أفعال الكرملين، خصوصاً تحجيمه الفصائل المعارِضة المقاتِلة، غير المصنّفة إرهابية، و «تسريب» مشروع الفيديرالية الذي يشجّع أكراد البلد ويحرّضهم على رفض العيش تحت سقف الدولة الموحّدة، ولو بُنِيت ديموقراطية.
واشنطن ابتلعت «الطُّعم» الروسي، أو أنها واثقة بـ «صواب» خيارها تفويض الكرملين ملف الحرب التي أدت إلى مقتل أكثر من ثلاثمئة ألف سوري، ومحت مدناً وبلدات عن الخريطة، وهزّت حدود أوروبا... وانتزعت من العرب ما بقي لديهم من ثقة بوعود الرئيس باراك أوباما الذي أجاد قرع الطبول ثم ترك شعباً في محرقة الجلاّد وحلفائه.
بات واضحاً من فصول الحرب- المحرقة، أن تقاطع مصالح- على الأقل- يجمع أربعة أطراف: أميركا التي تخشى على جنودها وتفضّل التفرُّج ولو أمام إبادات، وروسيا الثائرة لـ «كرامتها» في مواجهة «غطرسة» الغرب و «غدره»، وإسرائيل النائمة على حرير تدمير دولة أخرى عربية، بما يمكّنها من ضمان أمنها لخمسين سنة مقبلة... وأخيراً إيران الحليف الثاني للنظام السوري والذي لم يستطع إنقاذه رغم إرساله فِرَق «الخبراء» لإدارة المعركة.
موسكو تنسّق مع إيران وإسرائيل وأميركا، وطهران وموسكو تديران نظام الرئيس بشار الأسد، وإن كانت الريبة الإيرانية واضحة حيال مدى إصرار الكرملين على التشبُّث بـ «شرعية» الأسد. صحيح أن الروس ما زالوا يقصفون مواقع ومناطق تحت سيطرة المعارضة المعتدلة، لكن الصحيح ايضاً أن لا أحد يشكّك بـ «مرونتهم» حين تأتي ساعة التسوية. فقيصر الكرملين يُدرك أن أي مفاوضات جدية لطيّ صفحة الحرب، لا بد أن تكون مع المعارضة، بما فيها الفصائل المسلّحة «غير الإرهابية». واستقواء الأسد باستعادة مناطق منها، لن يمكّنه من فرض جدول أعمال لجنيف بمعايير النظام، أي الإصرار على أولوية مكافحة الإرهاب. المهزلة أن الجميع يعرف تماماً أن الذريعة ذاتها للتنصُّل من المرحلة الانتقالية، ستجعل المرحلة في خبر كان قبل أن تبدأ، ما يفسّر غضب الهيئة التفاوضية العليا.
أربعة متفقون على السوريين، على حساب دمائهم... أربعة أيضاً محشورون في زاوية الوقت والتسوية المريرة: طهران المشكّكة التي أجّلت روسيا تسليمها منظومة صواريخ حديثة، وموسكو الساعية إلى خفض موازنة الدفاع لجيشها، ونظام الأسد القلِق من نيات الكرملين، والمعارضة السورية التي تلقّت ضربات وخسرت مناطق ومواقع بعد تدخُّل الروس. وإذا صح أن واشنطن تريد بالتفاهم مع الرئيس فلاديمير بوتين فرض تسوية في سورية، خلال ما تبقى من عهد أوباما، ينتقل قلق النظام وحليفه الإيراني الى مرحلة حرجة، قد تستتبع «مبادرات» مفاجئة من الأسد لعرقلة قطار الحل، ليست من النوع المسرحي الذي اكتسته دعوته الى انتخابات عامة الشهر المقبل.
الأكثر مرارة لدى السوريين، أن القطار الروسي الذي تحرُسُه غارات على الأخضر واليابس، قد يخذل بوتين أولاً، ولا يصل إلى أي محطة... مسار الحرب لا تحسمه دائماً معركةٌ هنا وكرٌّ وفرٌّ هناك، ولا الحرب الجوية وحدها قادرة على إرغام الفصائل المقاتلة على رفع الراية البيضاء.
أما سيناريو العودة إلى الخيار الإيراني، فيعني- رغم استبعاده- إعفاء موسكو من كلفة الحرب، واستكمال انتحار سورية ونحر السوريين. وإذا كان صحيحاً ما أكّدته واشنطن عن سحب طهران عناصر من «الحرس الثوري» من ساحات الحرب، فأغلب الظن أن الخطوة مرتبطة بقطار التطبيع الأميركي– الإيراني أكثر مما هي من مستلزمات إدارة الكرملين القتال. وتعيد إلى الذاكرة وقائع النفي الإيراني المتكرر للتفاوض مع الولايات المتحدة على ملفات إقليمية.
مَنْ يكسب الرهان، موسكو أم طهران؟ الجواب معروف إذا كانت المنطقة في مخاضها العسير على عتبة خرائط جديدة. ولكن، حتى لو أراد الكرملين تفادي ما فعله الغرب في ليبيا، وتركه إياها لاقتتال الميليشيات، فأي تسوية مضمونة في سورية، وبين جولة قتال وأخرى تتضخّم الأحقاد وألغام وحدة البلد؟ إذا أصرّت المعارضة على رحيل الأسد في بداية المرحلة الانتقالية، فهل يخرّب النظام وقف النار، ليستدرج ضربات أخرى روسية، من أجل إنهاك كل الفصائل؟... أم أن القلق التركي– الإيراني من مشروع الفيديرالية السورية وطموحات الأكراد، سيوحّد تطلُّعات أنقرة ومصالح طهران في مشروع تعطيل القطار الروسي؟
يقول المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، إن مصير بشار الأسد يحدده السوريون
وليس الأجانب، مضيفا بمقابلة مع تلفزيون «فرنسا 24»: «ألا نستطيع أن نترك
السوريين يقررون فعلا هذا؟ لماذا نقول مسبقا ما يفترض أن يقوله السوريون،
طالما أتيحت لهم الحرية، والفرصة لفعل ذلك؟» فمن يقصد دي ميستورا؟
الأكيد أنه يقصد السعوديين، والأميركيين، والأوروبيين، الذين يقولون: إن لا
مكان للأسد في أي عملية انتقالية سياسية، لكن هل تصريحات دي ميستورا مقبولة
من حيث المبدأ، وما تقتضيه الحكمة، والظروف؟ نعم بكل تأكيد، وكلامه هذا هو
عين العقل، وعليه فليسمِ دي ميستورا «الأجانب»، ويطالبهم بترك السوريين
وحدهم، ليقرروا مصيرهم! فهل يجرؤ؟ أتحدى! الواضح هو أن دي ميستورا يتحدث عن
المدافعين عن السوريين، وليس المدافعين عن مجرم دمشق الأسد. فلا يوجد
بسوريا جندي واحد منتمٍ للدول المدافعة عن السوريين، الذين قتل منهم قرابة
أربعمائة ألف على يد الأسد، بينما في سوريا القوات الجوية الروسية،
وميليشيا «حزب الله» الإرهابي، وميليشيات شيعية أخرى، ومقاتلون من إيران،
وكل هدفهم هو الدفاع عن الأسد، والإمعان في قتل السوريين، والتنكيل بهم.
إذن، هل يقصد دي ميستورا الدعم العربي، والغربي، للمعارضة السورية
المعتدلة؟ الجميع يعلم، والحقائق تقول، إن هذا الدعم لم يأتِ إلا بعد أن
أقدم الأسد على استخدام العنف، وبدأت آلة قتله تحصد أرواح الأبرياء
السوريين الذين خرجوا في مظاهرات سلمية، وفي ثورة هي الأصدق في المنطقة
العربية. ويفترض أن يعرف دي ميستورا، وهو الذي زار، ويزور، دمشق أن العاصمة
السورية الآن تحت حماية قوات إيرانية، وأن الأجواء هناك تحت حماية روسية،
وكلها دفاعا عن الأسد قاتل أربعمائة ألف سوري، فعن أي أجانب يتحدث المبعوث
الدولي؟ فهل كان بمقدور الأسد البقاء في دمشق ساعة واحدة لولا الدعم
الإيراني، والروسي؟ هل كان سيصمد الأسد للآن من دون ميليشيات إيران، وبعض
مرتزقتها، حتى يطالب دي ميستورا «الأجانب» بأن يتركوا السوريين في حالهم
ليقرروا مصيرهم؟ بالتأكيد لا، ولذا فإن ما يقوله دي ميستورا هو فعلا أمر مذهل!
إذا كان المبعوث الدولي يريد معرفة ما يريده السوريون فهو رحيل الأسد،
وتوقف إيران وروسيا عن التدخل بسوريا العربية، فهم الأجانب، وليس العرب.
والواجب أن يخرج دي ميستورا علنا، ويطالب الروس والإيرانيين بضرورة الرحيل،
وترك السوريين في حالهم، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالواجب أن يحرص دي
ميستورا على القانون الدولي الذي يمثله، ويتخذ موقفا صارما حيال قتل
المدنيين السوريين من قبل الأسد، وبمشاركة إيرانية روسية، ويطالب بمعاقبة
الأسد دوليا بسبب استخدامه الأسلحة الكيماوية، وفي عدة مراحل، وحتى بعد
اتفاق تسليم الأسد لأسلحته الكيماوية، وبوساطة روسية. على دي ميستورا فعل
ذلك، وهذا هو صميم عمله، كمبعوث أممي، بدلا من تصريحاته الفضفاضة التي لا
معنى لها إلا مناصرة الأسد.