مقالات مقالات رأي بحوث ودراسات كتاب الثورة
١ مارس ٢٠١٦
المجتمع الدولي والإباحية السياسية في دول الربيع العربي

لم أعثر على تعبير يفي ما يمارسه ما يُسمى بـ"المجتمع الدولي" إلا هذا التعبير، فلذلك المعذرة من القراء الكرام، فأنّى تلفتّ منذ اندلاع ثورة الشام المباركة وحتى الآن تجد رقصة الستربتيز تتواصل حتى لم يبق شيء على جسد هذا المجتمع الدولي المتعرّي تمامًا أمام الشعوب، حينها بدأ بممارسة الإباحية السياسية وعلى المكشوف ودون خجل أو مواربة. لا أدري من أين أبدأ بممارساتهم الإباحية، فهي متعددة على امتداد دول الربيع العربي، لكن الخيط والحبل السُري الذي يجمعها كلها هو الوقوف كالجدار الفولاذي بوجه الربيع العربي وأشواق الشعوب إلى الحرية والتخلص من الران الاستبدادي الذي حكمها لعقود.
لنبدأ من آخر تقليعات منظمة الصحة العالمية التي عجزت عبقريتها الصحية المتراكمة لعقود أن تجد من يُقيّم التأثيرات النفسية على اللاجئين السوريين إلاّ زوجة الشبيح نائب وزير خارجية العصابة الطائفية الحاكمة في دمشق فيصل مقداد، وكأن منظمة الصحة العالمية تعيش على كوكب آخر لا علاقة له بإبادة الشام التي تضم أعرق مدن التاريخ، وكأن المنظمة لا تعرف أن زوج موظفتها المصون ليس شريكًا في هذه الإبادة الجماعية، فقد كنّا نسمع عن الخصم والحكم، فبتنا نسمع عن القاتل ومُقيّمك فيما إذا تضررت نفسيًا من جرائمه أم لا؟
ومن قبل مارست، ما تُسمى زورًا وبهتانًا بـ"الأمم المتحدة"، الإباحية السياسية في سنوات الثورة الشامية فأشرفت على اقتلاع شعب بأكمله من مدن عريقة كحمص والزبداني، وعجزت عن إدخال حبة دواء أو علبة حليب بدون استئذان من طاغية الشام، وصمتت صمت القبور عن مشاركة كل الميليشيات الطائفية من باكستان وأفغانستان إلى لبنان والعراق وإيران، وأشغلت نفسها بداعش، بينما تلك العصابات تقتل المدنيين وتفتك بالبلد على مدى سنوات دون أن يرفّ جفن للمنظمة العتيدة.
وعلى امتداد سنوات الجمر السوري كانت المنظمة تُغيّر مبعوثيها إلى طاغية الشام كما نقوم نحن بتغيير ثيابنا، لرفضه التعامل مع هذا المبعوث أو ذاك حتى وقع الاختيار على دي ميستورا، فكان خير مستشار وناصح لطاغية الشام ولا يزال، ولم تحرك المنظمة ساكنًا وهي ترى عشرات الآلاف من صور التعذيب النازي الطائفي، تمامًا كما لم تحرك ساكنًا وهي ترى استخدام كل ما صنفته بأسلحة محرمة دوليًا في أجساد السوريين، والأنكى من ذلك كله تزويرها تقارير عن واقع المأساة السورية بطلب من عملاء العصابة الطائفية، وإرسالها مواد غذائية للمناطق المحاصرة حين سمحت العصابة الطائفية، ولكن كانت مواد فاسدة حيث فضحهم الناشطون في تلك المدن المحاصرة.
نذهب إلى مصر فنرى التآمر الكوني على ثورة شعب عريق ليفرضوا قزما عسكريا على شعب حضاري، ومع كل ساعة وليس يوما نسمع عن أعاجيب السيسي وعصابته، ونسمع عن سخرياته التي فاقت البلهاء والأغبياء و..و.. فساعة يطالب بتبرع بجنيه مصري، وساعة يتمنى أن يُباع ويفتتح بذلك سوق نخاسة، وأخرى يريد التعاون مع دول الرز، وحين ثبت متلبسا بكذبه ومراوغته، رأيته يتجه إلى طهران وحزب الله، فلا دين يحكمهم ولا عقل ولا منطق، وهذا ينطبق على حزب الله كما ينطبق على السيسي، فبالأمس كانت مصر رمز الخيانة وكامب ديفيد، واليوم أصبحت وجهة من أجل مكافحة الإرهاب السني المتمرد على كذبهم وأساطيرهم.
بالطريق نُعرج على اليمن فنجد الكذب العالمي بتعاونه ودعمه عصابة حوثية عفاشية انقلبت على خيار الشعب، ولا يخجل المبعوث الأممي من أن يواصل مهمته بعد أن أوصل الحوثيين إلى صنعاء، والأنكى من ذلك، يخرقون قرارات أممية ويضربون بها عرض الحائط ولا مساءلة، ولو فعلها غيرهم لقامت حرب عالمية ثالثة ورابعة وخامسة.
في ليبيا وما أدراك ما ليبيا، صورة الإباحية السياسية مقززة، فبعد أن دفعت دول مجرمة الانقلابي حفتر لينقلب على ثورة الشعب الليبي وينقلب معها على خياره الانتخابي على الرغم من أنه لم يفز فيها الإسلاميون، وصمتوا وصبروا وقبلوا بنتائج الانتخابات، ولما فشل في فرض إرادته وإرادة أسياده على الشعب الليبي المظلوم، انبرت فرنسا وأوربا من أجل إنقاذه، والذريعة جاهزة: مكافحة داعش، التي أتتهم من السماء على طبق من ذهب.
في العراق المجتمع الدولي متآمر حتى النخاع الشوكي ضد شعب العراق، وبعد أن أسقط صدام حسين سلّم البلد بكل أريحية وفرح وسرور للعصابات الطائفية والصفويين، ولم يكتف بذلك، بل وواصل تثبيتهم في العراق، فأمريكا تقصف من الجو، وسليماني يتقدم من البر، ومن يرفع عقيرته يُتهم بأنه داعشي أو زرقاوي أو صدامي أو تكفيري، والسليم من انضم لحلفهم الطائفي وشاركهم إباحيتهم السياسية.
لكن مع كل هذا الليل المظلم ثمة أضواء باهرة، فإصرار الشعوب على انتزاع حقوقها مهما كلف الثمن وتآمر الشرق والغرب يعكس حجم المؤامرة، تمامًا كما يعكس عظم الشعوب المنتفضة، وتأتي أضواء التحرك السعودي والخليجي والتركي في مواجهة هذا الصلف والإباحية الدولية، ليزيد من جرعة الأمل.

اقرأ المزيد
٢٨ فبراير ٢٠١٦
تسوية بوتين «الصعبة» تحاصر الأسد وخصومه

الهدنة التي توافقت عليها واشنطن وموسكو آخر علاج للأزمة السورية. فإما أن تجدد المواجهات وإما أن تدفع نحو تسوية سياسية شاقة وطويلة. وهي امتحان للرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين وقدرتهما على فرض وقف النار، وإطلاق المفاوضات المقررة في السابع من الشهر المقبل. للمرة الأولى ستكون القوى الكبرى، أو القوتان الرئيسيتان أمام تحد لفرض إرادتهما على جميع اللاعبين الآخرين، كما كان يحدث أيام الحرب الباردة. فهما اتفقتا وحدهما وقررتا وقف النار وهندستاه وحيدتين. ولن يكون مصير هذا الاتفاق مسؤولية روسيا والنظام السوري وحلفائه فقط. إنه مسؤولية الإدارة الأميركية أيضاً. سيكون عليها أن تثبت ولو لمرة وحيدة في هذه الأزمة أنها تلتزم كلمتها. عليها أن تنتقل إلى الخطة باء إذا انهارت الهدنة. هذا ما لوح به وزير الخارجية فيها جون كيري وأثار حفيظة نظيره سيرغي لافروف الذي لا يستسيغ التهديدات وإن أتت من الدولة العظمى!

لم تكن واشنطن وموسكو في حاجة إلى تدخل أحد في هذا الاتفاق، وحتى الدول الكبرى الأخرى في مجلس الأمن فكيف بالقوى الأخرى إقليمية أو محلية! عليهم جميعاً أن يمهروا تواقيعهم. «الائتلاف الوطني» المعارض نابت عنه الهيئة العليا للمفاوضات. هي العنوان الرئيس، في هذه المرحلة، لغالبية القوى السياسية ومجموعة كبيرة من الفصائل المقاتلة. وبات واضحاً أن دور «الائتلاف» يتلاشى تدريجاً، لئلا يقال أن مهمته انتهت فعلاً بفعل حجم التطورات التي شهدتها وتشهدها الأزمة السورية بعد التدخل الروسي الكبير وما خلف من تداعيات عسكرية وسياسية. حتى اجتماعه الذي كان مقرراً في إسطنبول لانتخاب رئيس وهيئات جديدة أرجئ إلى أجل مفتوح بلا موعد جديد! وليس النظام أفضل حالاً. فالرئيس بشار الأسد الذي كان يهدد بأن لا تسوية قبل استعادة السيطرة على أراضي البلاد كاملة، اتصل بالكرملين مبدياً التزامه الهدنة. وكان سمع ردوداً قاسية من موسكو على مواقفه. ولن يكون أمامه قريباً، إذا انطلق قطار المفاوضات في جنيف، سوى إلغاء الانتخابات النيابية التي دعا إليها في 13 نيسان (أبريل) المقبل... وإن كانت «حقاً دستورياً» كما عبرت المستشارة الرئاسية بثينة شعبان! الانتخابات بند في خريطة طريق نص عليها القرار 2254 وكانت موسكو سوقتها في لقاءي فيينا. وقد لا يبدي الأسد ارتياحاً كبيراً لإمساك القوات الروسية بغرفة العمليات وإمرة القيادة والتعامل المباشر مع القادة الكبار وإعادتها الاعتبار إلى بعض الجنرالات الذين قد يساهمون يوماً بالتسوية على طريقتهم!

التحكم بمسار الأزمة ومآلاتها لم يعد ملك اللاعبين المحليين. حتى اللاعبون الإقليميون الكبار يشعرون بضيق الخيارات أمام ضغوط واشنطن وموسكو. وعندما تتدخل الآلة العسكرية الروسية لإنقاذ النظام بعد عجزه وحلفائه، تكون الإمرة والقرار لصاحب الآلة. وبالتأكيد يشعر الرئيس بوتين بالنشوة عندما يتحدث إليه نظيره الأميركي للتوافق على الهدنة. يرمي إلى أبعد من ذلك. هدفه أن تنخرط القوتان الكبيرتان مجدداً لتسوية أزمات كثيرة. قد لا يكون في حاجة إلى اعتراف بشرعية ضمه شبه جزيرة القرم، بقدر حاجته إلى رفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا. هذا الحصار لا يؤلمه اقتصادياً فحسب، إنه يجرح كبرياء بلاده. فهي ليست بلداً صغيراً من بلدان العالم الثالث لترضخ للعقاب. رأى إلى العقوبات نوعاً من الحرب، ولم يكن أمامه سوى رفع التحدي. استعجل ملء الفراغ الذي خلفه انكفاء أميركا عن المنطقة عموماً ومحاذرتها التدخل في سورية. وهو يدرك أن المتضررين من تمدد إيران في الإقليم لا يضيرهم في نهاية المطاف أن تحل موسكو محل طهران. فهذه يصعب التفاوض والمساومة معها، بخلاف تلك التي تملك ما يمكن أن تقايض به هنا وهناك. أفاد من تخلي الأميركيين عن ربط قضايا المنطقة وعلى رأسها تدخلات الجمهورية الإسلامية في المفاوضات النووية. كان على واشنطن أن تضغط لوضع التدخلات بنداً على طاولة التفاوض لإبرام تسوية للبرنامج النووي. لكنها لن تفعل. لذلك، خسرت مرتين. مرة أمام إيران التي تواصل حروبها في الإقليم، ومرة أمام روسيا التي عادت لاعباً رئيسياً في المنطقة. وكل ذلك على حساب المصالح الأميركية.

لا يرغب الرئيس بوتين في حرب طويلة في سورية. همه إعادة بناء المؤسسة العسكرية. ويعرف أن ما حقق لها حتى الآن من إنجازات على الأرض بالكاد يمكنها الحفاظ عليه. لذلك، وضع ثقله وراء الهدنة. حتى استفزازه تركيا وضع له سقفاً. لم يرد إحراجها وإحراج شركائها العرب لإخراجهم. لم يبالغ في إغضابهم. جمد تسليم إيران صواريخ «إس 300». وقف في منتصف الطريق، بخلاف رغبة دمشق وطهران. لم يواصل حملته لإقفال الحدود مع تركيا. ولم يكمل الحصار على حلب. ولم يغب عن ذهنه ربما احتمال لجوء واشنطن إلى «الخطة باء». مثلما لا يغيب عن باله وجوب إدارة الأزمة بالتوافق مع الغرب فلا يضطر إلى التعامل مع إدارة جديدة مطلع السنة المقبلة قد لا تتيح له ما كان في عهد الرئيس أوباما. لذلك، لم يرق لوزير خارجيته أن يلوّح نظيره الأميركي بخطة بديلة عن الهدنة. ولا تحتاج موسكو إلى التحري عن هذه الخطة. لا حرب بين الكبار بالتأكيد. لكن الولايات المتحدة يمكنها رفع الحظر عن بعض الأسلحة الفعالة لفصائل في المعارضة السورية يمكنها أن تعيد نوعاً من التوازن على الأرض. وأن تغض الطرف عن مد قوى إقليمية أخرى هذه الفصائل بأسلحة لمواجهة الآلة الجوية. مثلما يمكن واشنطن أو حلف «الناتو» توفير غطاء لعمليات برية تشنها قوات خاصة تركية وسعودية شرق سورية وشمالها تحت راية التحالف لمحاربة الإرهابيين. في مثل هذه الحال، وتحت هاتين «الرايتين»، الأطلسية والتحالف، لا يمكن روسيا أن تبادر إلى المواجهة. فلا شيء يوحي بأن أميركا تراجعت عن رفضها إقامة منطقة آمنة أو منطقة حظر للطيران.

الهدنة الموقتة تضع صدقية الرئيسين الأميركي والروسي على المحك. أوباما لا يرى نهاية لدولة «داعش» إلا بالقضاء على الفوضى في سورية. وبوتين يعرف أن التسوية السلمية لهذه الفوضى ستكون صعبة، ولكن لا حل سواها. والمهم في الأيام المقبلة أن تصمد الهدنة وتصبح وقفاً دائماً للنار لإطلاق عملية تفاوض جدية وشاقة. سيكون على جميع المعنيين تقديم تنازلات مؤلمة. وهذه مهمة الرئيسين لإظهار مدى قدرتهما على فرض الحل. والمسؤولية الكبرى تقع على عاتق موسكو التي باتت اللاعب الأكبر على الأرض. سيحتم عليها ضربها بعض فصائل المعارضة، والتزام بعضها الآخر شروط التسوية مهمة حل الميليشيات الداخلية وترحيل الخارجية التي تؤازر النظام، إذ لا معنى في أن تنصرف إلى إعادة تأهيل المؤسسات العسكرية والأمنية، وترميم علاقاتها بدول عربية فاعلة، فيما تشكل الميليشيات جيشاً رديفاً يبقي بلاد الشام في فلك الجمهورية الإسلامية. ولا يمكنها أيضاً، كما الولايات المتحدة وأوروبا، أن تتنصل من المسؤولية الأخلاقية عما يدور من مآس ومجازر وتهجير وتدمير في سورية.

تسوية بوتين «الصعبة» تحاصر المعارضة وتهددها بمزيد من الغارات، مثلما تحاصر الأسد وحلفاءه. فالميليشيات التي تؤازر النظام ستغادر الميدان السوري إذا انطلق قطار التسوية. وإذا كانت عودة بعضها العراقي والأفغاني لا تشكل هماً لإيران، فإن عودة «حزب الله» إلى أرضه بعد إخلاء الساحة السورية لروسيا قد تفاقم الوضع الداخلي في لبنان. ستحرص طهران على تعويض ما قد تخسره في دمشق. ستزداد وطأة يدها على بيروت التي تعاني اليوم من أزمتين مصيريتين. قد يكون من باب المصادفة أن تهب في وجه حلفاء إيران في بيروت أكثر من عاصفة. فليس قليلاً أن يعيش لبنان على وقع أزمة غير مسبوقة في علاقاته مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج عموماً، بسبب سياسة خرقاء لحكومة يقبض «حزب الله» على عنقها. أزمة تهدد آلاف العائلات بلقمة العيش وتفاقم الأزمة الاقتصادية. مثلما تهدد الإجراءات الأميركية لمحاصرة الحزب مالياً بضرب القطاع المصرفي. الصدمتان الأخيرتان هزتا الساحة السياسية الراكدة والمستسلمة، واستنفرتا أنصار إيران التي لن ترضخ بتسليم كل أوراقها. لذلك، على اللبنانيين ألا يعلقوا آمالاً كبيرة على حل أزماتهم على وقع مسيرة التسوية في سورية. لن يكونوا بمنأى عن «الصعوبات» والجراحات لرتق الخريطة السورية، خصوصاً مع شعور «حزب الله» بأن معركة حصاره قد بدأت... وقد تتفاقم إذا بدلت نتائج الانتخابات الإيرانية المشهد السياسي ومنحت الرئيس حسن روحاني حرية أكبر لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع الغرب ودول الجوار. وهي صفحة لها شروط وموجبات أولها احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

اقرأ المزيد
٢٦ فبراير ٢٠١٦
هدنة في سورية مجهولة الأهداف!

في اليوم الثالث من غزو العراق (آذار/ مارس 2003)، صدرت عن نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، ملاحظات استفزازية خلاصتها أن القيادة كانت عازمة على تصويب صواريخها باتجاه سورية.

ثم تبعه وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، بإطلاق تهديدات مماثلة تؤكد استعداد القوات البرية لغزو سورية بالسهولة ذاتها التي تمت فيها عملية إسقاط نظام صدام حسين.

ومع أن المغامرة التي ألمح إليها كلّ من تشيني ورامسفيلد لم تُنجَز، إلا أن أصداءها الخطرة تركت لدى النظام السوري هاجساً مقلقاً يصعب تجاهله. ولمحو هذا الهاجس الأمني، قرر الرئيس بشار الأسد، توريط القوات الأميركية في العراق بحرب داخلية تمنعها من التمدّد باتجاه بلاده. لذلك، أمر بإنشاء مكاتب خاصة في دمشق وحلب، يتم بواسطتها تدريب المتطوعين المحليين والعرب الذين جاؤوا من اليمن وتونس وليبيا ودول أخرى، بهدف الانتقال الى العراق لمقاومة الأميركيين الغزاة.

وقد اقتصر عمل تلك المكاتب، في حينه، على استقبال المتطوعين وتغيير أسمائهم، وتزوير هوياتهم، ثم إرسالهم الى بغداد والموصل والكاظمية، حيث يكون في انتظارهم عدد من الأنصار في طليعتهم أبو مصعب الزرقاوي.

بعد مرور ثلاث سنوات تقريباً، ظهرت أسماء جديدة في سورية تولّت عمليات التدريب والتثقيف الأيديولوجي، كان أبرزها «أبو القعقاع». وتدل سيرته على أنه كان شخصاً مغموراً، وغير معروف لدى المتدينين في مدينة حلب. لكنه برز كداعية عقب الاحتلال الأميركي للعراق، فكان يخطب في جامع العلاء بن الحضرمي في حي الصاخور. وقد تميزت خطبه بالدعوة الى الجهاد في العراق لدحر الغرباء وأنصارهم.

ولإثبات الأدلة الدامغة، أرسلت إحدى الدول العربية ثلاثة من أفراد تابعين لقسم الاستخبارات، بغرض استكشاف حقيقة الدور الذي تقوم به سورية.

وكان من الطبيعي أن يمروا بمختلف المراحل التي يمر بها المجاهدون في مركز الخدمات. وبعد أن تسللوا الى العراق بأوراق مزوّرة، والتحقوا بالتنظيمات المعدّة لمقاومة الأميركيين، عادوا أدراجهم الى بلادهم من موقع حدودي بعيد من المراقبة. ثم أبلغوا بالتفاصيل عن الدور المزدوج الذي يقوم به النظام السوري داخل العراق.

ولما عُمِّمَت أخبار هذه الحادثة على الصحف الأميركية، توقفت سورية لفترة طويلة عن لعب هذا الدور، خصوصاً بعد تجديد التهديدات الأميركية.

وتردّد في حينه، أن الأجهزة الأمنية السورية تولّت عملية تصفية المشرفين على تدريب المتطوعين، خوفاً من افتضاح هذا الأمر، وتعريض النظام للمساءلة والانتقام. وكان خطيب جامع الإمام محمد أغاسي، الملقب بأبي القعقاع، أول ضحايا التصفيات حيث اغتيل في حلب سنة 2007. ثم تكررت عمليات الاغتيال في دمشق وحلب، وتوقفت عن العمل كل الأجهزة التي تولّت تلك المهمة السرية.

لكن، الى أين لجأ أكثر من خمسة آلاف مقاتل توزعوا على المحافظات العراقية، وتواروا عن الأنظار؟

مع ظهور «داعش»، التحق الفريق السنّي منهم بهذا التنظيم، وراح يقاتل الدولة التي ساهمت في صنعه مع عدد كبير من ضباط صدام حسين، الذين فصلهم الحاكم العسكري الأميركي بول بريمر من الخدمة.

على كل حال، بعد انقضاء خمس سنوات على الحرب السورية المشتعلة ضد ما وصفه بشار الأسد بـ «مقاومة الإرهاب»، صدر بيان مشترك أميركي - روسي يدعو الى وقف النار بدءاً من يوم الجمعة، أي أمس.

وشملت الهدنة المطلوبة مختلف الجماعات الجهادية، باستثناء «تنظيم الدولة الإسلامية» و «جبهة النصرة». وقد استفاد «داعش» من الاتفاق الموقت لوقف إطلاق النار، حيث قامت عناصره بتفجيرات في منطقة السيدة زينب، جنوب دمشق، أودت بحياة 120 شخصاً.

في هذه المرحلة الحرجة، استغلّ الأسد انتصارات بوتين في حلب ليؤكد لإحدى وكالات الأنباء، إصراره على استرجاع كل الأراضي السورية من العصابات المسلّحة. وكان من اللافت، استقبال تصريح بشار الأسد بالاستهجان من جانب موسكو، التي أعلنت أن تفكير الأسد يتناقض وسياستنا الرسمية. كذلك، انتقدته الصحف الروسية، مدعية أن هذا النهج يعرقل تحويل المكاسب الحربية الى مكاسب سياسية، إضافة الى تسعير العلاقات مع الغرب والدول العربية. ويرى المحللون أن روسيا مستعدة لمساعدة الأسد في جبهات محدودة، مع الاحتفاظ لنفسها بقدرة السيطرة على كل الدولة السورية مع النظام أيضاً.

قبل سنة تقريباً، كان الأسد يعتمد على إيران من أجل تمرير مشروعه العسكري. لكن دخول روسيا على خطوط المعركة، منحها مكانة متفوقة على إيران، كونها قادرة على استخدام طيرانها الحربي، وجاهزة للتفاوض مع الولايات المتحدة حول مستقبل سورية.

يُجمع المراقبون على القول إن أزمة الشرق الأوسط قد خرجت عن المألوف لتصبح مشكلة إقليمية بكوابح دولية. وهذا يعني أن أبعادها السياسية قد تجاوزت قدرات الدول الكبرى، بسبب تشابك المصالح وتضارب الأهداف.

وتعتبر الأمم المتحدة أن تركيا هي الدولة الأكثر تضرراً بين القوى المتخاصمة. وقد رأى الرئيس رجب طيب أردوغان، في افتتاح ممثلية كردية لحزب «الاتحاد الديموقراطي» في موسكو، خطوة استفزاز تبعد التعاون بين الطرفين. وهو يعرف أن التحديات قائمة مع وجود المسلّحين الأكراد في منطقة سنجار. أي في المثلث الذي يصل بين حدود تركيا والعراق وسورية.

والطريف في الأمر، أن الإدارة الأميركية تعترف علناً بأن الكردستاني هو شخص إرهابي ينتمي الى حزب عبدالله أوجلان. لكن نظرتها الى هذا الشخص تختلف في حال انتمائه الى «وحدات الحماية الكردية». ويرى كثر، مثل رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، أن قصف أطراف مدينة «أعزاز» لم يكن أكثر من رسالة سياسية فهمها جيداً نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، أثناء زيارته تركيا. وكانت تلك الرسالة تضم محاذير واضحة، بينها الانسحاب الكردي من «أعزاز» ومن مطار «منغ». وعندما قصف الأتراك «تل رفعت» لمنع الأكراد من احتلاله، تدخلت القوات السورية وقصفت الأتراك بقسوة. وهذا دليل واضح على التنسيق والتعاون بين الأكراد والنظام السوري.

ومثل هذه العلاقة توطدت سابقاً بواسطة عبدالله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني. وقد عُرِف بتطرفه الماركسي الذي أثار حفيظة العسكريين الأتراك. ولما اشتدت حملات المطاردة ضد اوجلان، لجأ الى سورية حيث احتضنه الرئيس حافظ الأسد، وسمح لعناصره بالتدرب على القتال في منطقة البقاع اللبنانية.

ولما ازدادت نشاطات جماعته داخل اسطنبول وأنقرة سنة 1984، حذرت الحكومة التركية دمشق من عواقب دعم «حزب العمال الكردستاني».

وفي سنة 1998، حشدت تركيا قواتها على الحدود السورية، وهدّدت بالاجتياح ما لم يطرد حافظ الأسد أوجلان من سورية ولبنان.

عندها، طلبت دمشق من أوجلان مغادرة سورية. لكن نوافذ الرحيل سُدَّت في وجهه. لذلك هرب الى روسيا، ومنها الى إيطاليا، ومنها الى كينيا حيث لجأ الى السفارة اليونانية. لكنه أخرِجَ منها بواسطة الشرطة الكينية. وفي 16 شباط (فبراير) 1999، تم نقله الى تركيا حيث يقبع في جزيرة نائية بانتظار محاكمته، أو التفاوض على إطلاق سراحه.

المهم، أن هذا الحزب خرج من دائرة الضوء ليحل محله حزب آخر، لا يقل عنه تعاوناً مع النظام السوري. وقد أشار الى هذا التحول وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، الذي أعلن في مجلس العموم عن انزعاج أوروبا حيال التنسيق القائم بين قوات كردية والقوات الروسية وقوات بشار الأسد.

وفي تصريح آخر يتعلق بهذا الشأن، أكدت مسؤولة الأمن الخارجي في الاتحاد الأوروبي أن هذه الدول تعارض حركات الانفصال التي يقوم بها الأكراد في تركيا وسورية والعراق. علماً أن الولايات المتحدة هي التي شجعت هذا المنحى عقب إسقاط نظام صدام حسين.

ويبدو أن تركيا هي التي أحدثت هذا التحول داخل الاتحاد الأوروبي، بعدما هددت بإطلاق موجة اللاجئين التي تؤرق الدول الأوروبية.

تتخوف الأمم المتحدة من هشاشة الهدنة المطلوبة، ومن احتمال فشل اتفاق وقف الأعمال العدائية في سورية. هذا كله لأن الميليشيات الصغيرة لم تُستَشَر، ولأن سلطتها محدودة وضعيفة، وفق معايير واشنطن وموسكو. إضافة الى هذا العامل المؤثر، فإن هناك مجموعات شيعية عراقية موالية للنظام، ووحدات من «حزب الله»، وقوات إيرانية، وقوات سورية نظامية وغير نظامية، وقوات الوحدات الخاصة والاستخبارات.

هذه الأطراف كلها مستعدة لخرق الهدنة، على رغم جهود الدول الكبرى التي ترى في عملية تسليم المساعدات الإنسانية مدخلاً لإبرام اتفاق واسع يشمل كل القوى المحلية والخارجية.

لذلك، من العسير بلوغ أبرز أهداف الولايات المتحدة وروسيا، أي إضعاف «داعش» وإسقاطه قبل أن تتفكّك سورية، وتنسحب روسيا من أوحال المنطقة!

اقرأ المزيد
٢٥ فبراير ٢٠١٦
هل تفهم أميركا الحال السوري؟

صرح أمس الثلاثاء وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند في مجلس العموم، بأنه قلق حيال التنسيق بين قوات كردية سورية، مع نظام بشار والقوات الجوية السورية.


بينما ما زال الأميركان في غياب رؤية تام، من خلال التأكيد على براءة الميليشيات الكردية التابعة لصالح مسلم، نسخة حزب العمال الكردي، في تركيا، فقط لأن قوات صالح مسلم، ومعه أخلاط مسيحية وعربية للتطعيم الديمقراطي الذي «يبهج» الغرب والأميركان، تقاتل «داعش»، وفقط.


حينما تقدمت الميليشيات الكردية، التي تنسّق مع الروس والأسد، حسب وزير الخارجية البريطاني، وليس الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، لمواقع حساسة شمال حلب، قاصدة بلدة أعزاز الاستراتيجية للتواصل التركي مع سوريا، تدخلت المدفعية التركية لتصويب الوضع. وقال الأتراك حينها «سنفعل كل شيء لإحباط هذا».


الروس يعرفون ماذا يفعلون، وكذا الأسد، والأتراك يعرفون ماذا يراد بهم، بقي الأميركان يحلقون في العماء.


سالت أحدَ الخبراء بتركيبة بلاد الشام التاريخية عن الصورة النهائية التي يسعى لها الروس، ومعهم إيران والأسد حاليا.


أجابني: يريدون فصل تركيا عن المحيط السني العربي والتركماني في سوريا، من خلال خلق كيان كردي يمتد من أقصى الشمال الشرقي السوري بالحسكة، لأقصى الشمال الغربي بحلب، بما يعنيه ذلك من تهجير سكاني.


صاحبي يصرّ على أن الأميركان يعرفون بالضبط هذا المغزى، وليسوا ضده، وأن هناك جوانب خفية من الاتفاق النووي الإيراني الغربي، تتعلق بالديموغرافيا والجغرافيا في منطقة الشرق الأوسط، لصالح إيران وحلفاء إيران، ضد العرب والسنة.


لست واثقا تماما من إدراك الأميركان لهذه الأبعاد الخطيرة، عطفا على اعترافات متأخرة من قبل نخب أميركية بكارثية التقديرات والسياسات التي انتهجها الرئيس أوباما، حيال التطورات في منطقتنا ضمن الخمس سنوات الأخيرة. ومن هؤلاء المعترفين الكاتب «الأوبامي» الشهير ديفيد إغناتيوس قبل أيام حول سذاجة التقدير الأوبامي حول ما جرى في برّ مصر يناير (كانون الثاني) 2011.


في العقد الأخير، لاحظنا تبلد الغرب وفي مقدمه أميركا تجاه تحذيرات أهل المنطقة من مجرى الأمور، ومن خطورة الوضع، ومآلاته الأمنية، كما حذر الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز من مصيبة التخاذل الدولي في سوريا، بعد إخفاق مجلس الأمن في إخراج قرار يقي سوريا ما حصل لها، ويحصل هذه الأيام.


هل كانوا بلداء، أم كانوا يخططون عن وعي لهذا المصير؟
لك أن تختار ما تشاء من الإجابات، أنا أميل إلى أن الجزء «الغالب» وليس الوحيد في خطأ السياسات الأميركية مؤخرا، هو في السذاجة. وشيء قليل من التذاكي. والله المستعان.

اقرأ المزيد
٢٥ فبراير ٢٠١٦
تمدد أكراد سوريا يهدد بحرب روسية ـ تركية!

قال مسؤول غربي مخضرم تعليقًا على السياسة الأميركية: «إن من يحفظ (رأسه) من دول الشرق الأوسط هذا العام، من دون التورط في حرب، يُكتب له عمر جديد. المهم أن يمر عام 2016». قد ينطبق هذا التحذير على بلدين بالذات: تركيا ولبنان.

ذكر تقرير أميركي أن «وحدات حماية الشعب» (كردية) تحصل على السلاح من «البنتاغون»، وهي تقاتل أطرافًا من المعارضة السورية تحصل على أسلحة ودعم من وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه)!

حول هذا الأمر، يقول الكولونيل ستيف وارن المسؤول عن محاربة «داعش»، ومقره بغداد، إن واشنطن تحاول إقناع كل الأطراف شمال غربي سوريا بأن تركز على العدو الأهم وهو «داعش»، الأخطر على العالم كله. ويضيف أن واشنطن تعرف أن حلب مشكلة معقدة، لكنها تريد من الكل أن يدركوا أنها «مجرد قطعة صغيرة من الأرض بالمقارنة مع التحدي السوري الكبير»!

لكن الوضع خطير جدًا، فالمسألة الكردية في سوريا قد تكون نقطة الاحتكاك التي تشعل شرارة حرب في المنطقة.

الأسبوع الماضي، أمضى الرئيس الأميركي باراك أوباما ما يزيد على الساعة على الهاتف، مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، يطلب منه عدم التصعيد. ويتساءل الأتراك: لماذا لا يضغط الأميركيون على الأكراد؛ فهم طلبوا منهم عدم استغلال الوضع واحتلال المزيد من الأراضي، لكن الأكراد لم يصغوا للأميركيين. ويقول العسكريون الأميركيون إنه لا خيار أمامنا سوى دعم الأكراد.

أيضًا، ومنذ أكثر من شهر والطيران الروسي يساعد المقاتلين الأكراد على إبعاد المقاتلين الإسلاميين عن قاعدة «منغ» الجوية في حلب، التي أصبحت الآن تحت سيطرة الأكراد.

الصورة الغريبة أن الروس الذين يقاتلون إلى جانب الرئيس السوري يرون في علاقتهم بأكراد سوريا نوعًا من «الزواج الملائم» لكن أكراد سوريا مرتبطون بأكراد تركيا (حزب العمال الكردستاني)، ويريدون التحكم بمنطقة على الحدود التركية تمتد ما بين 70 إلى 80 كيلومترًا، وصاروا يتقدمون صوب مواقع «الجيش الحر». تركيا لن تسمح للأكراد بإقامة إدارة كردية على طول حدودها، وباقتطاع المنفذ على الحدود من أعزاز إلى حلب، لهذا جرى الحديث أخيرًا عن حرب برية بحيث يمكن عندها إقامة الملاذ الآمن الصغير الذي تطالب به تركيا منذ أكثر من 4 سنوات. أمام هذا التوتر، أشار جون كيري وزير الخارجية الأميركي، مساء الأحد الماضي، إلى قرب التوصل إلى اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار يبدأ ليل الجمعة - السبت المقبلين. لكن يبقى الأمر أن المسألة الكردية في سوريا قد تؤدي إلى انفجار، ثم إن روسيا وتركيا في حالة صدام مع ما قد يتأتى عن هذا الصدام من تداعيات خطيرة.

نُقل عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد إسقاط تركيا طائرة «السوخوي» أنه سيجعل إردوغان يندم عدة مرات على هذا الفعل. وحسب مصادر روسية مطلعة، فإن هدف الروس هو إغلاق الحدود التركية بمساعدة الأكراد السوريين، عندها تخنق روسيا المعارضة السورية، وتستعيد حلب وإدلب، وتتجه نحو الجنوب صوب الحدود الأردنية، بعدها تبدأ التفكير بقصف «داعش». هذا السيناريو لن تقبل به تركيا بكل تأكيد، ولن تقبل أن يتمدد الأكراد على حدودها مما يهدد أمنها القومي، وقد تتدخل بريًا، ولن يكفي اتصال هاتفي من واشنطن لوقف التدخل. وربما لا تزال واشنطن متمسكة بما وصل إليها خلال الصيف الماضي - قبل التمدد الكردي - وهو أن إردوغان كان يضغط على الجيش التركي كي يدخل إلى سوريا ويقيم ملاذًا آمنًا، لكن الجيش رفض ذلك.

يقول كريستوفر هيل السفير الأميركي السابق لدى العراق، ومهندس «اتفاقية دايتون» في البوسنة، إن الوضع قد يتفاقم على الحدود، وهذا سيكون له تداعيات على أميركا، فتركيا عضو في الحلف الأطلسي الذي سيُطلب منه دعم تركيا.

والكابوس الذي تتخوف منه إدارة أوباما هو أن ترى قوات الأطلسي داخل الحدود السورية تلاحق أكراد سوريا. يقول هيل: «الوضع يتعقد ويستدعي جلوس قوى خارجية حول الطاولة لترسم أي سوريا ستكون في المستقبل، فحتى الآن لم يُبذل أي جهد لفعل هذا».

يقول مصدر روسي إن الوضع خطير، ويجب النظر إلى الصورة الكبرى، قد تحصل مواجهة حقيقية بين القوات الروسية والتركية. وفيما يشبه المبالغة يحذر من أن التصاعد قد يصل إلى البحر الأسود والقوقاز وأرمينيا وربما كاراباخ وأذربيجان. ويلفت إلى أن الوضع الآن يشبه تمامًا حرب 1973 بين العرب وإسرائيل، عندما كادت الحرب تصبح حربًا أميركية - سوفياتية، لذلك يدعو إلى إبعاد أنقرة وموسكو عن المواجهة المباشرة «بأي ثمن».

لكن، إذا تدخل الجيش التركي ليبعد أكراد سوريا عن حدود بلاده، لماذا قد يصل الأمر إلى مواجهة مباشرة مع الروس؟ يجيب: «لن يدخل الجيش التركي من دون غطاء جوي، فماذا يحصل إذا أسقط الروس طائرة تركية؟».

لا يستبعد الأميركيون احتمال حرب روسية - تركية، وفي هذه الحالة سيكون الوضع خطيرًا جدًا، لذلك عليهم أن يدفعوا الأكراد إلى التراجع، لكن، حسب تجربة هيل، من الصعب دفعهم إلى التراجع عندما تتسنى لهم الفرصة.

من ناحيتها، لم تعد تركيا الآن مهتمة ببقاء أو رحيل الأسد.. الأولوية لديها ألا يكون للأكراد أراض متصلة بعضها ببعض على طول حدودها مع سوريا، فهذه برأيها ستتحول إلى ملاذ آمن وربما نقطة انطلاق لمقاتلي «حزب العمال الكردستاني». روسيا تعرف ذلك، وقد تكون هذه وسيلة لفتح الباب أمام تخفيف حدة التصعيد.

المشكلة الراهنة أن الحكي مقطوع بين موسكو وأنقرة، لهذا يتذكر مراقبون سياسيون في لندن دور هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي السابق. يرى هؤلاء أن هناك حاجة لـ«دبلوماسية المكوك»، ويرد اسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كالمؤهلة للقيام بمهمة بين أنقرة وموسكو عبر الضغط على الطرفين للتخفيف من حدة الوضع المتأزم.

يسترجع المصدر الروسي ما أدت إليه «دبلوماسية المكوك» في هضبة الجولان. لم يتم حل المشكلة بل تجميدها، ولا يزال الوضع هادئًا منذ عام 1973. من جهتهم، يشكو الأوروبيون من أن الأميركيين لم يظهروا قيادة حقيقية، يكتفون بما ردده الرئيس أوباما من أن الروس إما سيغرقون في المستنقع السوري أو أنهم سيدركون أنهم يرتكبون خطأ. إلا أن هذا الخطأ قد يتسبب بحرب تتورط فيها كل أوروبا، وهم - الأوروبيون - يستبعدون أن يصل الأمر بروسيا وتركيا إلى حرب، فالدولتان تحتاج إحداهما للأخرى لأمور أكثر أهمية، اقتصادية وجيو - سياسية داخل آسيا الوسطى والقوقاز. ثم إن موسكو حذرت إسرائيل من محاولة التفكير ببيع الغاز لتركيا، فالسوق التركية للغاز الروسي. لذلك فإن المغامرة مكلفة جدًا «وستكون هناك محاولات لتخفيف التصعيد».

يوم الاثنين الماضي، قال البيت الأبيض إن وقف إطلاق النار الجديد هو خطوة لدفع المفاوضات نحو تغيير سياسي في سوريا، قد يكون هذا هو المطلوب، لأنه يجب أن يتكون إدراك موحد عما سيكون عليه المستقبل في سوريا. هل ستبقى ضمن حدودها المعروفة، هل ستكون دولة فيدرالية؟ أو عدة دول؟

تتوفر الآن فرصة حقيقية لمعالجة الوضع بدل الحديث عن اتفاقات محلية لوقف النار، كما يريد الأسد، أو الحديث عن الانتخابات (حدد موعدها يوم 13 أبريل/ نيسان المقبل، إثبات جديد على أن الأسد يعيش في عالم وهمي). من الأفضل الحديث عن الترتيبات السياسية المستقبلية للدولة السورية، مع الأخذ في الاعتبار أخطار المواجهة التركية - الروسية، قد يكون حان الوقت للحديث عن مستقبل سوريا وعن تحالف دولي لإلحاق الهزيمة النهائية بـ«داعش».

كان مطمئنًا لتركيا ما ورد في الاتفاق الروسي - الأميركي لوقف الأعمال العدائية في سوريا: إحالة سلوك غير الممتثل من قبل أي من الأطراف إلى وزراء المجموعة الدولية لدعم سوريا لتحديد الإجراء المناسب، بما فيه استثناء هذه الأطراف من ترتيبات الهدنة، وما توفره لهم من حماية!

اقرأ المزيد
٢٥ فبراير ٢٠١٦
أوباما والشرق الأوسط: ماذا بعد الانتخابات الرئاسية؟!

تسود قناعة الآن لدى معظم العرب، على صعيد الدول وعلى صعيد بعض الشعوب، وربما حتى وبعض الدول الأوروبية وأيضًا لدى بعض الأميركيين، أنَّ الولايات المتحدة باتت على وشك التخلي عن اعتبار أن الشرق الأوسط منطقة مصالح حيوية واستراتيجية، وأن اهتمامها الأول والرئيسي يجب أن ينتقل إنْ ليس مرة واحدة فتدريجيًا إلى الشرق الأقصى، حيث الانتعاش الاقتصادي، وحيث أعداد السكان المتزايدة، وحيث الصين الدولة الصاعدة كسهم منطلق من قوس مشدودة الوتر من الممكن أن تستحوذ على كل شيء إذا بقيت أميركا غارقة في إشكالات ومشكلات دول شرق أوسطية متناحرة تنخرط بصراعات عبثية مذهبية ودينية وعرقية، وأيضًا قبلية، يبدو أنه لا نهاية لها في المدى المنظور!


ولهذا فإن أصحاب وجهة النظر هذه يصل اعتقادهم حتى حدود اليقين المؤكد بأن هذا التوجه لا يقتصر على «الديمقراطيين» وحدهم، بل يمتد إلى «الجمهوريين» أيضًا، وعلى الولايات المتحدة بمن سيحكمها إنْ على المدى القريب أو في الفترة الأبعد. وحقيقة، إنَّ من ينظُر إلى الأمور من زاوية السياسات التي اتبعتها واشنطن تجاه قضايا الشرق الأوسط الملتهبة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية خلال الأعوام السبعة الماضية، لا بد أن يقترب من هذا الرأي الآنف الذكر، القائل بأن اهتمام أميركا بهذه المنطقة بدأ بالانحسار التدريجي، وأنه قد ينتقل بثقله الرئيسي إلى الشرق الأقصى وإلى الجزء الجنوبي - الغربي من أفريقيا، بالإضافة إلى أميركا اللاتينية.


وحتى بالنسبة إلى الجمهوريين فإن القائلين بأن الولايات المتحدة باتت مصممة إنْ ليس على «الرحيل» عن هذه المنطقة، ونقل اهتمامها إلى أمكنة أخرى، فعلى تهميش وتخفيف وجودها في هذا الشرق الأوسط الملتهب بأكثر من أزمة طاحنة، يعتبرون أنَّ إدارة بوش الابن من خلال تسليم العراق، الذي احتله الأميركيون بـ«غزو» عام 2003، تسليم اليد إلى إيران التي باتت تحتل بلاد الرافدين احتلالاً كاملاً، سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا واقتصاديًا، قد أعطت المؤشر الكافي والدليل المُقنع على أنَّ هذا الانكفاء الأميركي بالنسبة لهذه المنطقة الشرق أوسطية وشؤونها وشجونها هو سياسة أميركية مركزية وعامة لا تقتصر لا على الرئيس باراك أوباما وحده ولا على إدارته وسياساتها الخارجية التي لم تكن عاجزة ولا في أي يوم من الأيام كما هي الآن.. في المرحلة الحالية.


وحقيقة، إنَّ ما يعطي وجهة النظر هذه الآنفة الذكر ولو بعض الصحة وبعض المصداقية هو أن تَرْكَ الرئيس بوش الابن، من خلال موفده بول بريمر، كل المجالات لإيران، الحالمة باستعادة ما يسمى «أمجاد فارس» القديمة، لاحتلال العراق وعلى هذا النحو وبهذه الطريقة يعني أن تراجع الاهتمام بالشرق الأوسط، قياسًا بما كان عليه الوضع في عهد الاتحاد السوفياتي والحرب الباردة وصراع المعسكرات، قد يكون توجهًا أميركيًا كليًا وعامًا وليس توجه باراك أوباما وإدارته فقط، ولا توجه الحزب الديمقراطي الذي أرسل بوزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون إلى حلبة السباق للبقاء في البيت الأبيض مرة ثالثة.. وأيضًا ربما رابعة.


لقد كانت خطوة الانسحاب العسكري من العراق، العاجلة والسريعة والكيفية التي أقدم عليها باراك أوباما دون أي ترتيبات أمنية وسياسية وعسكرية تضع الأمور في هذا البلد، الذي هو بلد عربي، في أيْدي أبنائه وتخرجه من يد إيران التي هي دولة محتلة بكل معنى الاحتلال ومواصفاته؛ هي أول دلالة على عزمه على تقليص اهتمام وانشغال الولايات المتحدة بالشرق الأوسط وبقضاياه وأزماته الملتهبة، وبالتالي الانسحاب تدريجيًا، وعلى أساس خطوة بعد خطوة، وحقيقة أن هذا قد أصبح مؤكدًا وواضحًا كل الوضوح بعد إبرام صفقة القدرات النووية مع الإيرانيين التي ثبت كَمْ أنها كانت صفقة خطيرة ومؤثرة، بالنسبة للعرب تحديدًا، بعد إطلاق يد دولة الولي الفقيه في العراق وفي سوريا وإفساح المجال أمام روسيا «القيصرية» لتحتل هذا البلد العربي احتلالاً كاملاً يشبه أسوأ احتلالات القرن العشرين والقرون التي سبقته بصفقة رخيصة ستكشف الأيام المقبلة كم أنها كانت صفقة تآمرية.


عندما تتخلَّى الولايات المتحدة في أواخر عهد هذا الرئيس، الذي يصفه الأميركيون أنفسهم بأنه أضعف رئيس مرَّ على البيت الأبيض، عن تركيا العضو المؤسس في حلف شمال الأطلسي التي هي الحليف الأهم والأقدر والأقوى للغرب كله في الشرق الأوسط الذي هو المنطقة الاستراتيجية بالنسبة لهذا الغرب التي ستبقى استراتيجية إلى الأبد وتبادر للعب دور الوسيط المتخاذل والمتواطئ بينها وبين روسيا «القيصرية»؛ أفلا يعني هذا أن أميركا قد تخلت عن أصدقائها وحلفائها لمصلحة الذين من المفترض أنهم أعداؤها سابقًا ولاحقًا والآن وفي المستقبل.


ثم وعندما تطْلب الولايات المتحدة، على لسان رئيسها ولسان وزير خارجيتها، من روسيا أن «تضغط» على بشار الأسد لوقف «الأعمال العدائية» في سوريا استجابة وتطبيقًا لقرارات ميونيخ وقرار مجلس الأمن الدولي رقم «2254»، ويطلب باراك أوباما من فلاديمير بوتين «المساعدة» في حل الأزمة السورية.. ألا يعني هذا أنها، أي الولايات المتحدة، تضع نفسها على الحياد بين روسيا، وبين تركيا الدولة المُعتدى عليها والعضو المؤسس في حلف شمال الأطلسي الذي من المفترض أن أميركا لا تزال هي التي تقوده، وعلى اعتبار أنها هي القوة الرئيسية فيه.


هل يعقل يا ترى أن تقف الولايات المتحدة هذا الموقف المخزي والمتخاذل إزاء تدخل روسيا، المتحالفة مع إيران.. ومع كل هذه الشراذم المذهبية والطائفية المستوردة من دول كثيرة قريبة وبعيدة لسوريا الدولة الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط التي كانت ولا تزال، وهي ستبقى استراتيجية إلى الأبد، لولا أنها باتت تفكر في عهد هذه الإدارة الهزيلة بالمغادرة، أو على الأقل بتخفيف وتهميش وجودها في هذه المنطقة، وهي تعرف أن الطبيعة تكره الفراغ، وأن الذي سيحل محلها هو موسكو التي يحلم فلاديمير بوتين باستعادة مكانتها العالمية في العهد القيصري وفي عهد الاتحاد السوفياتي الذي كان منافسًا فعليًا للمعسكر الغربي في كل مكان من الكرة الأرضية.


وهكذا فإن السؤال الذي سيبقى مطروحًا إلى أن تأتي الأيام المقبلة فيما تبقى من أيام من عام معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية بالإجابة عنه هو: هل يا ترى أن الإدارة الديمقراطية المقبلة، هذا إنْ فاز الديمقراطيون بهذه الانتخابات، ستسير على خطى الإدارة الحالية؟ وهل أن الجمهوريين إن هُم فازوا سيسيرون على الطريق الذي سار عليه أسلافهم بالنسبة للشرق الأوسط وأزماته المتفجرة؟!


إن الواضح أن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر هذه المنطقة منطقة مصالح حيوية واستراتيجية، إنْ بالنسبة إليها أو بالنسبة لغيرها، وأن الأفضل لها أن تنقل اهتمامها إلى الشرق الأقصى وإلى أميركا اللاتينية وإلى أفريقيا، ولذلك فإنها باتت تتصرف مع الأزمة السورية بكل عدم المبالاة هذه وبهذه الطريقة المثيرة لكثير من التساؤلات والأسئلة.

اقرأ المزيد
٢٥ فبراير ٢٠١٦
في ليلة الحرب الأخيرة .. حرب أخرى تتحضر و موت آخر قادم على شكل "هدنة"

قد يكون من العبثية متابعة الساعة و البدء بعد الساعات المتبقية أمام الهدنة المرسومة من قبل الروس و الامريكان التي ستبدأ بعد ٢٤ ساعة تقريباً ، وسط غموض يخيم على الأجواء سواء من قبل الراسمين أن من قبل المعنيين بها .

رمى نظام الأسد في البركة اول الحجرات التي تنبئ أن ما سيحدث هو قتل علني و منظم ، بشكل لن يحظى بأن رفض أو استنكار من أحد ، و إنما سيتم تلافي مسالب التجربة الروسية طوال الشهور الأربعة الماضية ، و الدخول بحرب الابادة النهائية بقرار من مجلس الأمن يتم التحضير له على عجل و يتوقع صدوره مساء الغد قبل وقت قصير من الهدنة ، يقضي بالزام الجميع بالهدنة وفق مفهومها الروسي الأمريكي ، و كل ما سيحدث في هذه الهدنة المحددة لمدة اسبوعين عبارة تطبيق دقيق للاتفاق ، و كل ما سيتم استهدافه هو "ارهابي" تابع لاحد ما داعش أو نصرة أم مجموعات ارهابية .

يحصد المتابع للمتواجدين على الأرض المحررة في سوريا كم هائل من اليأس ، ما يكفي لأن يغتاله شعور بأنهم مودعون في القريب العاجل ، ويلتمس في بحة صوت الأهل في الداخل أنهم باتوا على لوائح الموت الدولية كمجرمين و متمردين أمام نظام شرعي يجب أن يستعيد كل الأمور و المقاليد ، ولامكان للتخلي عن شبر واحد من الأرض ، خلافاً لألعوبة "التقسيم" التي تم العزف عليها طوال السنين الماضية .

رغم سوداوية المشهد ، و ازدياد قتامته مع ادراج داريا ضمن قائمة الازالة ، لايزال هناك بعض العابثين هنا و هناك يعزفون على وتر التدخل و قلب الطاولة في اللحظة المناسبة و اعادة الأمور لمجراها لتصل لخواتيمها المتمناة ، ولكن هذا الكلام الذي بات من الماضي و عبارة ثغاء لايجدي و لاينفع ، فالجميع ظهر على حقيقته و حجمه الطبيعي ، و بات من يشاركهم ذات الرؤى و يجلس على قارعة الانتظار ، شريك بشكل أو بآخر .

في هذه الليلة التي من المفروض أن تكون الأخير ، تملئ سماء الشمال حالياً أكثر من ١٥ طائرة حربية روسية و مثلها تتجول في حمص و دمشق و درعا ، باحثة عن أي حركة ، و ترصد و تحضر لمابعد بدء الهدنة ، التي تنذر بأنها ستكون "هدمة" لما تبقى من حجر و بشر ، لتسليمها للنظام ليتابع سلطته على ركام و أشلاء شعب بأكمله .

اقرأ المزيد
٢٤ فبراير ٢٠١٦
هل يتم تسليح المعارضة بالصواريخ؟

حديث وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، عن تأييده لدعم المعارضة السورية بصواريخ أرض جو أعطى أملاً كبيرًا من أجل تصحيح كفة الحرب التي شهدت انقلابًا سيئًا لصالح نظام دمشق وقوات إيران وروسيا في الآونة الأخيرة. الأمل هو في إنهاء الحظر المفروض على «الجيش الحر»، كمعارضة معتدلة، حتى يتمكن من حماية مناطقه، ومواجهة عمليات القتل والتشريد الواسعة التي تستهدف المدنيين ضمن مشروع واضح يهدف إلى تغيير الخريطة الديموغرافية في سوريا. وثانيًا، دعم المعارضة من أجل إجهاض مشروع فرض حل سياسي في المفاوضات، التي على وشك أن تبدأ، يهدف للإبقاء على بشار الأسد ونظامه رغم الجرائم التي ارتكبها.

ولأنه لن تتدخل قوات تركية، أو عربية، أو دولية لحماية الشعب السوري الأعزل في مواجهة قوات نظام الأسد وإيران، والقوات الروسية المتفوقة عسكريًا، يبقى الحل المعقول هو رفع قدرات مقاتلي المعارضة بالأسلحة النوعية التي طالما حرموا منها لأسباب مختلفة، بعضها بداعي الخوف من أن تتسرب منهم وتقع في أيدي تنظيم إرهابي مثل «داعش»، التي غالبًا سيوجهها بالاتجاه الخاطئ.
ولا أتصور أن الحكومات الموالية للمعارضة ترغب في توسيع دائرة الحرب، ولا الخروج عن قواعد الاشتباك المتعارف عليها مسبقًا، بحيث لا تمتد إلى تركيا، أو تدفع بالروس بشكل تام في صف الإيرانيين وحلفائهم. لهذا تحدث الوزير الجبير عن صواريخ تستهدف الطائرات ثم حدد بأنها تستهدف التي ترمي البراميل المتفجرة، وتقصف الأحياء المدنية بالغازات والمواد الكيماوية المحرمة، المسؤولة بشكل كبير عن إلحاق الدمار الرهيب بالمدن.

إنما الوضع الجديد صار أخطر على أرض المعركة من ذي قبل بما يفرض إعادة النظر في تلك السياسة الحذرة. والمعارضة الوطنية السورية لا تزال قادرة على تغيير كفة الحرب لو مكنت من صواريخ أرض جو، وزودت بالمزيد من الصواريخ ضد الآليات المدرعة، مع المعلومات الاستخباراتية.
ويجب ألا نقلل من حجم الدعم الذي يرد من دول المنطقة، ونادرًا ما يعلن عنه، لدعم المعارضة السورية، لأنه لعب، ويلعب دورًا فاعلاً في بقاء ونجاح المعارضة المعتدلة في وجه قوات النظام، وكذلك في وجه التنظيمات الإرهابية. فمنذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي بعد دخول الروس عسكريًا في صف الأسد، والتقارير المستقلة تؤكد نجاح المعارضة السورية في تدمير أعداد أكبر من الآليات السورية المدرعة بأكثر مما حققته في السنوات الماضية، بعد حيازتها المزيد من الصواريخ النوعية. وهذا يفسر التوازن الذي استمر على الأرض على الرغم من نجاح الروس في تدمير مناطق كانت دائمًا أرضًا معتمدة للمعارضة.

ولو أن ما طرحه الوزير الجبير يتحقق بتسليح المعارضة سواء بالصواريخ الصينية، إن لم تتوفر الأميركية، لاستهداف طائرات النظام السوري ومروحياته، وإجبار الطائرات الروسية على طلعات أقل وعلى ارتفاعات أعلى تجنبًا للصواريخ، فإن هذا سيصب في مصلحة التعجيل بالحل السياسي الوسط المقبول لمعظم الأطراف.
فقد كانت من الحجج التي سيقت لرفض تزويد المعارضة بصواريخ أرض جو، هي الخشية من تكرار تجربة صواريخ «ستينغر» الأميركية التي تسربت من أفغانستان بعد مواجهة القوات السوفياتية، واستخدمت لتهديد الدول التي اشترتها وزودت بها المعارضة الأفغانية، مثل الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وتم الإمساك بكثير منها في حوزة تنظيم القاعدة. والشك مبرر في أن المعارضة السورية، بما فيها المعتدلة، قد تكون مخترقة من قبل النظام السوري، أو الجماعات الإرهابية، أو أن يحدث بين صفوفها تمرد على التعليمات المشددة حول طبيعة الأهداف المسموح بضربها عند استخدام هذه الصواريخ. وقد دار نقاش متكرر حول هذه المحاذير، منذ ارتفاع نشاط الحرب في سوريا قبل ثلاث سنوات، وطرح عسكريون في المعارضة المعتدلة فكرة أن يتم ضبط هذا النوع من الأسلحة برقائق إلكترونية تحد من استخدامها في غير أغراضها، وقيل لهم إن هذا غير مضمون وغير كاف. كما طرح اقتراح بأن توضع الصواريخ في عهدة نخبة من المعارضة، تحت إشراف عسكريين من دول لها وجود استخباراتي معهم على الأرض. أيضًا، رفض هذا الاقتراح بحجة أنه غير مقنع.

لكن الحرب تمددت، وصارت أخطر على عموم الشعب السوري، وعلى الدول المجاورة، وبلغت مخاطرها أوروبا. فالروس يمنحون قوات النظام الغطاء الجوي للزحف نحو الحدود التركية، والإيرانيون بدعم الروس جوًا، أيضًا تقدموا جنوبًا واستولوا على بلدة الشيخ مسكين، وما حولها، بما يهدد أمن الأردن. وهنا لا يمكن الاكتفاء بالاتصالات السياسية لوقف دائرة الخطر، ولا بد من تعديل كفة الحرب مرة أخرى حتى تميل لصالح المعارضة المعتدلة، في وقت تجتمع القوى الكبرى، والأخرى المعنية بالصراع في جنيف من أجل إقرار مشروع سياسي، وفق توازنات الوضع الحالي، يقرر مستقبل سوريا. وبين التورط في الحرب في سوريا ضد قوات النظام السوري وإيران وروسيا من جهة، وبين تعزيز وضع المعارضة عسكريًا ومعلوماتيًا، فإن الخيار الثاني يبدو أهون الخطرين وأكثرهما استعجالاً.

اقرأ المزيد
٢٣ فبراير ٢٠١٦
أخطار التوافق الروسي - الأميركي في سورية

يشكل التوافق الروسي - الأميركي على إعادة صياغة مقاربات الأزمة السورية، ميدانياً وديبلوماسياً، دينامية تغيرية تمس عمق مكونات الأزمة الداخلية وترابطاتها الإقليمية والدولية، في محاولة تهدف إلى تغيير مفاعيلها وتأثيراتها، وتستند عدة هذه الصياغة الجديدة على تصورات نظرية وافتراضية في مجملها، من دون مراعاة ثقل وأوزان العناصر التي تشكّل المحركات والحوافز الأساسية للأزمة، والتي أنتجت الديناميات التي تكفّلت باستمرارية اشتغالها على مدار السنوات السابقة وتنذر باستمرارها في الزمن المقبل. تشتمل المقاربة المستجدة، روسياً وأميركياً، على إجراء تحويلات قسرية وسطحية على شكل الصراع وجوهره، تشمل تغيير ديناميات اشتغاله، الظاهرة، أو ما يعتقد الطرفان بأنها بالفعل دينامياته الحقيقية، عبر تقييم نظري يقوم على قراءة الأزمة من زاوية محددة ومن ثم تخريج الوسائل المناسبة لإدارتها والتي تتطابق حتماً مع ذلك التقييم، وتتمثل خلاصات هذا التقييم بالآتي:

- اعتبار الأزمة مشكلة إقليمية بين دول تتصارع على النفوذ وتغذّي أطراف الأزمة، وبالتالي استند تفاهم فيينا، الذي بني عليه قرار مجلس الأمن رقم 2245 على هذا الأساس، عبر محاولة إيجاد توازنات معينة بين هذه الأطراف وأدوارها السياسية والعسكرية، في حين أن واقع المشكلة لم يكن دائماً كذلك، والبعد الإقليمي هو بعد، على رغم تأثيره، يظل طارئاً وبرانياً في كل الأحوال، ولا يلغي جذور الأزمة وأساساتها الداخلية.

- اعتبار الأزمة مشكلة بين نظام ومعارضة، وبالتالي يمكن حلها عبر إعادة توزيع الحصص ضمن إطار النظام نفسه، أو من خلال تعديلات هيكيلية على تركيبة النظام، مع إدخال تغييرات مستقبلية تتعلق بآليات الحكم وصنعة القرار، ولا يتعدى سقف التجربتين العراقية واللبنانية في أفضل الأحوال، وفي ذلك تفريغ للأزمة من بعدها الثوري، وإلغاء كل ما ترتب عنها من ارتكابات وجرائم وإمكانية فتح ملفاتها في المستقبل.

يمكن تعريف هذا الشكل التسووي على أنه نمط من التسوية الفوقية عبر صناعة شبكة ترابطات وقنوات تواصل بين الأطراف الظاهرية للأزمة ودمجها في الحل المنتظر، وهذا نمط ينطوي على إغراء إمكانية حصوله من خلال آليات الضغط التي يمكن ممارستها من قبل روسيا وأميركا على الأطراف التي تشكل واجهة الأزمة وباستخدام المساومات لتشكيل خريطة التوازنات بين هذه الأطراف، ويناسب هذا النمط جميع الأطراف التي تبحث عن حلول سريعة، مثل إدارة الرئيس أوباما التي تعتقد بأنها بتنازلاتها لروسيا تشتري حلاً رخيص الثمن يناسب المقاس الزمني لعمر الإدارة، ويناسب أيضاً الكرملين الباحث عن أي شكل من أشكال النصر لتوظيفه داخلياً في مواجهة جملة من الأزمات المركبة التي بدأت تنتصب في وجه بوتين، كما يناسب إيران وأذرعها في المنطقة كونه يبقي الوضع على ما هو عليه وينطوي على إمكانية تغييره لمصلحتهم في المستقبل. لكن، كل ذلك لن يؤدي إلى حل مستدام وطويل الأمد في سورية، بل سيتحول إلى محرك جديد للأزمة وسيوفر الفرص الملائمة لها لإجراء التعديلات المناسبة في نمط اشتغالها وطبيعة تشابكاتها المحلية والإقليمية، ذلك أن أول تحول سيتمظهر في انفكاك الميدان السوري والجماعات الفاعلة فيه عن داعميه الإقليميين، صحيح أن الخارج يشكل شريان تغذية مهم وبخاصة على مستويات التمويل والتسليح، لكن ذلك لا ينفي حقيقة وجود نظام تغذية متكامل يشكّل الخارج جزءاً منه ولا يشكّله كلّه، وثمة شبكة تغذية داخلية رديفة تقوم على الغنائم وشراء الأسلحة من تجار داخليين ومن الميليشيات والتشكيلات العسكرية المنضوية في إطار جبهة الأسد، كما أن مصادر التمويل يمكن استبدالها بمصادر بعيدة عن سيطرة الحكومات الإقليمية، وبالتالي فإن الثمرة الوحيدة لهذا الانفكاك ستتمثل بخروج تلك الجماعات عن إمكانية السيطرة وصعوبة إخضاعها للتفاوض في أي حل مستقبلي. وهذا التطور، في حال الإصرار على الدفع لإظهاره، سينتج منه تطور موازٍ يتمثل بمنح شرعية للتقسيم الذي يميز بين سورية المفيدة وخارجها، على أساس الأمر الواقع حيث تصبح هذه إطاراً للسلطة المقبولة دولياً والمكوّنات القابلة بالتعايش تحت قوانينها وأنظمتها، كما سيعطي عمليات التطهير الديموغرافي زخماً أكبر طالما توفرت سورية المقابلة لسورية المفيدة وطالما أصبحت هذه الأخيرة تشكل مصلحة دولية للاستقرار وخلاصة التوافق الإقليمي والدولي، بالتزامن مع إطفاء كل الأضواء المسلّطة على الأزمة السورية.

لا يحتاج الوصول إلى هذه السيناريوات وقتاً طويلاً، مجرد الاستمرار في إدارة الأزمة وفق المقاربات الجديدة كفيل بإطلاق الديناميات اللازمة لهذا الفعل وتدعيم أدواته التشغيلية، وطالما ازداد فريق الباحثين عن نصر سريع في سورية، لكن الأزمة الحقيقية ستجد البدائل المناسبة للتعبير عن نفسها دائماً وستعاند كل محاولات التلفيق وتسريع الإنضاج على نار التوافق الروسي - الأميركي.

اقرأ المزيد
٢٢ فبراير ٢٠١٦
«الاتحاد الديموقراطي» أحد أوجه مأساة الكرد السوريين

مع انطلاقة التظاهرات السلمية المطالبة بالإصلاحات في مختلف أنحاء سورية، واجه النظام، بعد عقود من الحكم المخابراتي، احتمالاً قوياً بسقوطه. هكذا بادر إلى اعتماد جملة تدابير، منها الوعود الإصلاحية التضليلية، بخاصة تلك الحزمة التي أعلنتها بثينة شعبان في صورة هستيرية في بداية الثورة، ومنها دفع الثورة نحو العسكرة التي كان من أهدافها تمكين النظام من استخدام القمع بكل أنواع الأسلحة، والحد من التعاطف الإقليمي والدولي مع الشعب السوري ومطالبه المشروعة، وكذلك المحاولات الحثيثة لإبعاد مكونات مجتمعية سورية عدة من الثورة، خصوصاً العلويين والمسيحيين والكرد، لتكوين انطباع خادع بأن ما يجري هو صدام بين القوى الإسلامية المتشدّدة الإرهابية التي تمثّل العرب السنة والنظام «العلماني حامي الأقليات». وقد تنبّهنا إلى هذا الموضوع، وحذرنا منه مراراً وتكراراً، غير أن قوى وقيادات ضمن المعارضة لم تستوعب ذلك كما ينبغي بفعل تأثيرات بقايا الأيديولوجيات القومية والدينية، وحتى الاشتراكية، ولم تبلغ مستوى موجبات المشروع الوطني السوري الذي لم ولن يكون إلا بكل السوريين ومن أجلهم.

وفي ما يخصّ موقف الكرد من الثورة، فإنه توزّع منذ أيامها الأولى بين ثلاثة اتجاهات:

الأول والأهم، هو الذي تجسّد في مواقف وتوجهات التنظيمات الشبابية التي تشكّلت في حضن الثورة، ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات السياسية المستقلة، إلى جانب بعض الأحزاب الكردية. وكان هذا الاتجاه داعماً للثورة، مشاركاً فيها من دون تردد، ولعل صور تظاهرات عامودا وغيرها من المدن الكردية ما زالت في ذاكرة الجميع.

أما الاتجاه الثاني، فتميّز بالتردد والتريّث والتشكيك. وكان هذا الموقف القاسم المشترك بين مجموعة الأحزاب الكردية التي شكّلت لاحقاً المجلس الوطني الكردي السوري، وهي أحزاب كانت تعاني عموماً الانقسام والترهّل، وعدم امتلاك قياداتها الإمكانات التي تؤهلها للتعامل مع تحديات الوضع الجديد، إلى جانب أن قسماً كان يعاني من ضغوطات النظام، فيما اعتمد قسم آخر السياسة الاتكالية، وانتظار ما سيمليه عليه الإخوة في كردستان العراق.

أما الاتجاه الثالث، فهو الذي عبّر عنه حزب الاتحاد الديموقراطي الذي تشكّل بعد إبعاد عبدالله أوجلان من سورية عام 1999، وهو الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، ويتبع مباشرة قيادته العسكرية في قنديل. وقد دخل نشطاء هذا الحزب وقياداته إلى سورية بعد انطلاقة الثورة بموجب اتفاق أمني مع النظام، وبالتنسيق الكامل مع النظام الإيراني، بهدف ضبط الأوضاع ضمن المناطق الكردية، ومنع الكرد من الانخراط بفاعلية في الثورة بوصفه مساهماً فاعلاً في إسقاط النظام، بخاصة أن المناطق الكردية في سورية تمتد على طول الحدود التركية - السورية، كما أن الوجود الكردي الكبير في دمشق (حوالى المليون) وحلب (حوالى نصف مليون) كان من شأنه زعزعة أركان النظام.

واستخدم هذا الحزب في بداية الأمر، لغة العاطفة القومية، واستغلّ تردّد الأحزاب الكردية، وكان يدرك تماماً صعوبات الأحزاب الكردية في كردستان العراق، والضغوط الإيرانية الهائلة عليها، وكان مطلعاً على واقع الأحزاب الكردية السورية، وعلى علم بعدم قدرة قياداتها على التصدي لمهام المرحلة. هكذا بدأ ينظّم قواه ويستفيد من الإمكانات المادية والأسلحة التي حصل عليها من النظام. كما بدأ بتصفية بعض الخصوم فيزيائياً، وعمل في الوقت ذاته على تصفية البعض الآخر معنوياً عبر حملات إعلامية تشبيحية، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بأسلوب غير معهود، بل منبوذ في المجتمع الكردي. ذلك كله لترهيب الكرد، وإرغامهم على السكوت أو الرحيل.

واللافت في أمر هذا الحزب، أنه استخدم استراتيجية الظهور في مظهر الطرف الثالث المحافظ على الخصوصية الكردية، وأمن المناطق الكردية، والمحارب للإرهاب الإسلاموي، في حين أنه لا يطرح فعلياً أي مشروع حقيقي يخص كرد سورية، ولا علاقة له بالثورة السورية في أي شكل من الأشكال. بل إن التنسيق الأمني بينه وبين النظام كان وما زال على أعلى المستويات، بخاصة في القامشلي والحسكة حيث النظام اليوم أقوى فيهما من أي وقت مضى.

ومع تدويل القضية السورية، وجد هذا الحزب نفسه أمام إمكان عقد تفاهمات بخصوص قتال «داعش»، وهي تفاهمات ساهمت العلاقة الأميركية - الإيرانية التناغمية في بلورة معالمها. لكن التحالف الأساسي لهذا الحزب يظل مع الطرف الروسي ضمن إطار حلفه مع النظامين السوري والإيراني.

غير أن الذي يستوقف أكثر من غيره، هو إصرار الإعلام الغربي والروسي، وقسم كبير من الإعلام العربي، على تسويق زعم تضليلي مفاده أن هذا الحزب يمثل الكرد السوريين، وبالتالي فإن أي تصرف أو أي عمل يقوم به يُسوّق على أنه موقف كردي.

فحول مفاوضات جنيف الأخيرة التي أُبعد منها هذا الحزب، قيل إن الكرد قد غُيبوا، مع أنهم شاركوا بفاعلية في مؤتمر الرياض، وفي الوفد التفاوضي للمعارضة. كما أن التنسيق الكامل بين قوات هذا الحزب وقوات النظام وحلفائه والطيران الروسي، كما حصل في ريف حلب ضد قوات المعارضة، نُسب إلى الكرد، على نحو يهدد بتفجير العلاقة العربية - الكردية. وهو هدف عمل، ويعمل، عليه النظام منذ اليوم الأول للثورة، ويبدو أنه بات أكثر إلحاحاً في يومنا الراهن استعداداً لاستحقاقات مقبلة. هذا فيما الجميع يعلم أن هذا الحزب يستغل ورقة كرد سورية، بل يستغل إمكاناتهم المادية، وشبانهم، لتنفيذ مآرب مشروعه الخاص الذي لا يتقاطع أبداً مع المشروع الكردي السوري الوطني، والذي أساسه الاعتراف الدستوري بالوجود القومي الكردي في سورية، والإقرار بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي، والقطع مع جميع المشاريع والسياسات التمييزية التي عانى منها الكرد لعقود، ومنها الحزام والإحصاء والتعريب القسري والقوانين الاستثنائية، وذلك كله يتم ضمن إطار المشروع الوطني السوري المتمحور حول نظام مدني ديموقراطي تعددي، لا تمييز فيه.

إن الفصل بين هذا الحزب وكرد سورية ضرورة لا بد منها، تماماً كضرورة الفصل بين العرب السنة و «داعش». فهذا الحزب مجرد أداة تنفيذية لمخطط لا يتوافق أبداً مع المصلحة الكردية تحديداً، ولا مع المصلحة السورية عموماً. ومن اللغط والإجحاف أن يقدّم بوصفه يمثّل الكرد في سورية.

اقرأ المزيد
٢٢ فبراير ٢٠١٦
هل نحن مجرد أحجار شطرنج على الرقعة الأمريكية؟

يجب ألا يظن أحد للحظة واحدة أن الربيع العربي كان مجرد مؤامرة. حتى لو أراده البعض مؤامرة، فقد كان هناك ألف سبب وسبب لاندلاع الثورات، بغض النظر عمن حرض عليها، أو استغلها لمآربه الخاصة. ليست المشكلة أبدا في الشعوب التي عانت لعقود وعقود من الديكتاتورية والظلم والطغيان والفساد.

لقد كانت الثورات مشروعة مائة بالمائة. وكما قلنا في مقال سابق، ليست المشكلة في الجوهرة إذا سرقها اللصوص. وكذلك الأمر بالنسبة للثورات، فلا يمكن أن نحمل الشعوب وزر تبعاتها الكارثية، فقط لأن بعض القوى الدولية حرفتها عن مسارها، واستغلتها لتنفيذ مشاريع شيطانية على حساب الشعوب وثوراتها.

ليس هناك أدنى شك بأن الثورات خرجت شعبية، لكن ضباع العالم حولوها، كما نرى الآن، إلى مخططات استعمارية جديدة، تماما كما حدث مع الثورة العربية الكبرى عام 1916، حيث خرج العرب مطالبين بالاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن الهدف لم يكن تحقيق الاستقلال للعرب في دول وطنية حرة مستقلة، بل كانت الغاية منه تقاسم النفوذ بين قوى استعمارية أخرى كالفرنسيين والإنجليز. وفعلاً انتهت الثورة العربية الكبرى إلى تقسيم المنطقة العربية إلى دول ودويلات بموجب اتفاقية سايكس-بيكو سيئة الصيت.

وبما أن الاتفاقية التقسيمية ستنتهي صلاحيتها بعد سنتين تقريباً، بحيث تبلغ مئة عام من العمر، فيبدو أن التاريخ يعيد نفسه. وكل ما يجري الآن في الشرق الأوسط يسير باتجاه رسم خرائط جديدة وإعادة توزيع ديمغرافي لا تخطئه عين، وخاصة في سوريا والعراق واليمن. ولا نعتقد أبداً أن الخطة الجهنمية الاستعمارية الجديدة ستنحصر فقط في سوريا والعراق واليمن وباقي بلدان الربيع العربي، بل على الأرجح أنها ستشمل العديد من بلدان المنطقة التي لم تحصل فيها ثورات.

كل شيء يسير حسب خطة مرسومة على ما يبدو. ويمكننا القول إن خارطة الصراعات الجديدة في المنطقة بين إيران والسعودية مثلاً هي جزء لا يتجزأ من مشروع الشرق الأوسط الجديد. وحدث ولا حرج عن الاحتكاك التركي الروسي، فهو ليس أبداً بسبب إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية، بل إن إسقاط الطائرة هو رأس جبل الجليد، الذي يكون عشره فوق الماء وتسعة أعشاره مخفية تحت الماء. ومع مرور الوقت سنرى بقية أجزاء اللعبة الروسية الأمريكية الغربية مع تركيا تتكشف شيئاً فشيئاً.

صحيح أن إيران قضت على ثورتها الخضراء عام 2009، لكن إيران عادت وتورطت في ثورات الآخرين لتصبح جزءاً منها. في اليمن تدخلت لصالح الحوثيين ضد الشعب اليمني، وفي العراق تناصر الشيعة ضد السنة، وفي سوريا تقاتل إلى جانب النظام ضد غالبية الشعب السوري من السنة.
إن دخول إيران على خط الثورات ليس مجرد رغبة إيرانية لتحقيق إمبراطورية فارس الكبرى الجديدة. وحتى لو كان هدف إيران من خلال تمددها في المنطقة تحقيق الحلم الإمبراطوري الجديد، فإن اللعب الإيراني قد لا يكون سوى جزء من المخطط الأمريكي الأكبر. بعبارة أخرى لا نستبعد أبداً أن تكون إيران، كالسعودية، مجرد ورقة في اللعبة الأمريكية الكبرى لإقامة مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي وعدتنا به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة غوندوليزا رايس. وقد بشرتنا رايس وقتها بالفوضى الخلاقة التي ستعيد تشكيل الشرق الأوسط ليصبح، حسب وصفها، "الشرق الأوسط الجديد".

هل تلعب إيران لحسابها فقط، أم أن أمريكا تستخدمها كمخلب قط، وتورطها من حيث لا تدري لتحقيق المشروع الأمريكي الشرق أوسطي الجديد؟ هناك من يتحدث عن توريط أمريكي لروسيا، وهي أكبر وأهم من إيران. وهناك من يرى في تسهيل الغزو الروسي لسوريا محاولة أمريكية ليس فقط لإجهاض الحلم الروسي الإمبراطوري الجديد، بل للمساعدة في إعادة رسم الشرق الأوسط بدعم روسي.

بعبارة أخرى، فإن التحرش الروسي بتركيا، والدور الروسي في سوريا على صعيد إعادة رسم الخارطة السورية قد يكون جزءاً من المخطط الأمريكي الاستعماري الجديد. مغفل من يعتقد أن أمريكا تركت أهم منطقة استراتيجية في العالم لروسيا وإيران، خاصة وأن المنطقة مازالت المصدر الأول للنفط في العالم، ناهيك عن أنها المنطقة التي تعيش فيها الولاية الأمريكية الواحدة والخمسون، ألا وهي إسرائيل.

واضح تماما أنه قد لا يسلم من المخطط الأمريكي الاستعماري الجديد حتى أقرب حلفاء أمريكا في المنطقة. ألا يمكن أن يكون التدخل السعودي في اليمن ولاحقا في سوريا إلا جزءاً من لعبة التوريط والاستنزاف وإعادة الهيكلة الأمريكية؟ اليوم بدأ الإعلام الأمريكي يتحدث علانية عن تفكيك السعودية، وإعادة تشكيلها.

لاحظوا أيضا أن أمريكا تركت النظام السوري منذ خمس سنوات يفعل ما يشاء في سوريا والمنطقة، لا بل إن ما يحدث في سوريا بدأ يضعضع أوضاع البلدان المجاورة كلها، خاصة تركيا.

هل دفع ملايين اللاجئين السوريين باتجاه تركيا مجرد نتيجة طبيعية للحرب، أم هدف ديمغرافي مدروس؟ هل صعود نجم الأكراد على الحدود التركية أمر عابر؟ ألم يصل الأمر بأردوغان قبل أيام إلى اتهام أمريكا بالتآمر مع الفصائل الإرهابية الكردية ضد تركيا؟ هل التنسيق الكردي السوري مجرد لعبة مخابراتية سورية، أم، على ما يبدو، مطلوب أمريكياً لتنفيذ المخطط الموضوع؟ هل ينشط بشار الأسد لصالح نظامه، أم لصالح المشروع الأمريكي؟ لقد ذهب البعض إلى وصف الرئيس السوري بقائد الفوضى الخلاقة، لأنه نجح حتى الآن بتنفيذ تهديده الشهير بعد ستة أشهر على الثورة بإحداث زلزال في المنطقة... هل كانت أمريكا لتسمح لبشار الأسد بإحداث زلزال في المنطقة، لو لم يكن الزلزال جزءاً من الفوضى الهلاكة ومشروع الشرق الأوسط الكبير؟

ألا يمكن القول إن كل دول الشرق الأوسط القديم، بما فيها تركيا وإيران مجرد أحجار على رقعة الشطرنج الأمريكية، وأن اللعبة تسير على قدم وساق لتنفيذ المشروع الأمريكي؟

صدق اللورد الإنجليزي الشهير كيرزون عام 1923 عندما قال: "العالم رقعة شطرنج كبرى نلعب عليها أجمل الألعاب".

اقرأ المزيد
٢٢ فبراير ٢٠١٦
قرار وقف إطلاق النار أم قرار بإنهاء "المعارضة"

الجائل في تفاصيل وحيثيات القرار الأمريكي – الروسي المبارك والمعمد من الرئيس الروسي ونظيره الأمريكي باراك أوباما، يوقن أن القرار فيه الحسم النهائي بأن لا تهديم لنظام الأسد ولا لأي طرف وقف بجانبه، في حين هناك تحطيم للثورة السورية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وما استثناء "الجماعات الإرهابية" إلا السكين المسنون والجاهز للقضاء على كل رافض أو ممتعض من الضرب الذي سيتلقاه في المستقبل.

البنود السردية والحاسمة اتجاه الثوار بكافة تسمياتهم لا تسمح بأي حركة تحضيرية في حال فشلت الهدنة، فلا سماح بالتسليح ولا التحضير، بل ستكون معرضة للضرب بيد من فولاذ من حيث لا تحتسب، فمصطلح "الجماعات الإرهابية" الذي لم ترى النور قائمته سيكون في السيف المنهي وبشكل تدريجي، وفق دراماتيكية فصيل حتى لا يبقى أحد، بكل ما للكلمة من معنى.

وغياب أي إشارة لجميع المليشيات الطائفية والعرقية والقومية، الذين يزيد عددهم عن خمسين، هو دليل أن كل من وقف إلى جانب الأسد نال نصيبه من الحماية الدولية وبقرارات مباركة من أكبر دولتين.

وعمد نص القرار على تسمية قوات الأسد ونظامه بـ "حكومة الجمهورية العربية السورية" الأمر الذي يعطيها كامل الشرعية، فيما تم الاكتفاء بذكر المعارضة المسلحة بمصطلح يشعرك بأنك تتعامل مع "حفنة" وفق وصف أوباما للثوار الذين هزموا قوات الأسد ومن ثم إيران، ولكنه جزم بخسارتهم أمام ثاني أكبر قوة في العالم ألا وهي روسيا.

ولكن هناك من يقول إن الاتفاق بصيغته الحالية، وهو سيفشل لا محال وفقهم، هو بمثابة نهاية الفرصة التي منحت لروسيا للتحكم بالملف، وما هو إلا دليل ادنة دولي على أن روسيا عجزت عن الحل ولذلك عليها لا تنحي جانباً وترك الملف لمن هو قادر على ذلك، وإن كان هذا الرأي غير دقيق ولكن فيه من الواقعية ما يمنحه صك القبول سيما حجم التنازلات التي قدمها العالم أجمع ورضخ لها.

اليوم مع الإعلان الروسي الأمريكي عن الاتفاق والاستعداد للتنفيذ وتجهيز أسلحة الهجوم على مخالف له، نجد أن بشار الأسد يمارس حياته الطبيعية ويصدر مرسوم بتحديد انتخابات مجلس الشعب في آذار القادم، الشهر الذي ستكون خلاله مفاوضات السلام تدور في أروقة سويسرا، في خطوة ليست بغريبة من نظام فيه من الغباء والخبث، بحيث تثق تماماً أن ما سيتكون في جنيف ما هو إلا عبارة عن لعبة إضاعة الوقت ريثما يتم التحضير للإجهاز على ما تبقى من المعارضة التي سيتم تصفيتها رويداً رويداً بسيف "الجماعات الإرهابية".

ولا شك أن الاختبار الأول سيكون ظهر الجمعة القادم بين من سيعلن تمرده (وهو محق) على الهدنة ليكون على رأس قائمة الإزالة، وبين من سيلتزم (وهو محق أيضاً)، ليكون على القائمة التالية، ولا مناص إلا باتفاق واحد على ما يبدو، و هو الاستمرار في القتال في ظل عالم أجمع على الإنهاء.

اقرأ المزيد

مقالات

عرض المزيد >
● مقالات رأي
٢١ مايو ٢٠٢٥
بعد سقوط الطاغية: قوى تتربص لتفكيك سوريا بمطالب متضاربة ودموع الأمهات لم تجف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٢٠ مايو ٢٠٢٥
هكذا سيُحاسب المجرمون السابقون في سوريا و3 تغييرات فورية يجب أن تقوم بها الإدارة السورية
فضل عبد الغني" مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان
● مقالات رأي
١٦ مايو ٢٠٢٥
شعب لا يعبد الأشخاص.. بل يراقب الأفعال
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
١٥ مايو ٢٠٢٥
لا عودة إلى الوطن.. كيف أعاقت مصادرة نظام الأسد للممتلكات في درعا عودة اللاجئين
فضل عبد الغني
● مقالات رأي
١٤ مايو ٢٠٢٥
لاعزاء لأيتام الأسد ... العقوبات تسقط عقب سقوط "الأسد" وسوريا أمام حقبة تاريخية جديدة
أحمد نور (الرسلان)
● مقالات رأي
١٣ مايو ٢٠٢٥
"الترقيع السياسي": من خياطة الثياب إلى تطريز المواقف
سيرين المصطفى
● مقالات رأي
٥ مايو ٢٠٢٥
حكم الأغلبية للسويداء ورفض حكم الأغلبية على عموم سوريا.. ازدواجية الهجري الطائفية
أحمد ابازيد