وُضع أساس المفاوضات بين النظام والمعارضة في فيينا وكانت هذه البداية سيئة ومهينة للغاية لكل ممثلي قوى الثورة والمعارضة سواءا كان تمثيلهم حقيقيا أو مصطنعا لأن اللاعبين الكبار بالقضية السورية لم يوجهوا دعوة واحدة لأي سوري على الاطلاق ولا حتى بصفة مراقب أو مستمع وكان النظام حاضرا عبر إيران و روسيا اللتان تديران الشأن الداخلي و الخارجي للنظام بشكل شبه كامل .
ولم يُصدر الائتلاف أي بيان يحفظ له و للسوريين الثائرين هيبتهم ويعترض على تغييب السوريين عن تقرير مستقبل بلادهم...ولمّا كُلفت الرياض باختيار واستدعاء تشكيلة من المعارضين وممثلين لبعض الفصائل واجتمعوا هناك لتُملى عليهم قرارات فيينا جملة وتفصيلا ...وحضر ممثلون حقيقيون لفصائل هامة تحت ضغط وعود أن يكون هناك مساعدات مالية وعسكرية مؤثرة في تعديل ميزان القدرات بين الفصائل والنظام واستجاب أغلب الحاضرين في الرياض للضغوط وراحوا يقصقصون مطالب وثوابت الثورة ويقلّصون ويضغطون ويغيّرون ويعدّلون ليصلوا إلى إطار فيينا الصغير المستفز...
ففي هوية الدولة استجابوا لما حدده اللاعبون الكبار وأسكتوا من حاول أن يضيف مبادئ مرجعية خاصة تلازم الهوية...وعندما وصلوا إلى مؤسسات الدولة اتفقوا على الحفاظ عليها وكأن سورية امتلكت دولة في يوم واحد قبل الثورة... وعندما وصلوا للجيش واجهزة المخابرات جمعوا ليتوافقوا بين عبارتين إحداهما تنسف الأخرى فقالوا "إعادة هيكلة وتشكيل المؤسسات الأمنية والعسكرية" وضاعت كلمة الإعادة بين الهيكلة و التشكيل...واستمروا في ذلك يسيرون باتجاه نهايته رفض قطعي كامل من الثوار والمقاتلين على الأرض السورية لما وافقوا عليه إلّا أن كابحا أوقف تدهورهم نحو الهاوية السحيقة فاتفقوا بشان بشار الأسد :
"أن يغادر وأركان ورموز حكمه سدة الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية"
جملة طولها أقل من سطر اوقفت التدهور والتهاوي وحفظت للمؤتمرين الحد الأدنى المقبول لدى الثوار وفصائلهم المقاتلة...بهذه الكلمات خرجوا من دائرة الرفض و التبرؤ الشعبي منهم ومما وصلوا إليه....
بهذا الإعلان للأساس الثابت وهو رحيل بشار الاسد كأول خطوة للحل السياسي القادم ابتعد عن الوفد المفاوض المعارض شعار "لا يمثلني" وهو شعار ثوري سوري أنتجته الثورة السورية وله قوة وحسم يعلمهما جميع المعارضين والمتعارضين...
ولأن بشار الأسد ذروة هرم استبدادي إجرامي مقلوب...هرم قاعدته العريضة للأعلى و يرتكز على ذروته المقلوبة إلى الأسفل فعلى الثوار السوريين الذين يرفعون عدة ثوابت للثورة السورية أن يدركوا اليوم أكثر من أي يوم مضى ما هو قاسم الثورة المشترك ومفتاحها الوحيد وأن يركّزوا مطالبهم وقتالهم ومفاوضاتهم على تحقيقه ألا و هو إزاحة بشار الأسد عن السلطة ....فقط إزاحة بشار عن السلطة ... فبشار الأسد في أسفل هرم مقلوب إذا انزاح تداعى سائر الهرم بالانفراط والتدحرج وأغلب كتل هذا الهرم كتلٌ مخابراتية قمعية أسست نظام آل الأسد وجُبلت معه وسُكبت و تصلبت به منذ السبعينيات وستفقد تماسكها وصلابتها إن زال الأسد....و التطلع إلى زوال ذروة هرم الاستبداد في سوريا أسكت كثيرين وأوقف كثيرين ونقل الجميع إلى موقع التريث والمتابعة والترقب.
و بلا أدنى شك أن الوصول في هذه النقطة المحورية مع وفد يمثل النظام و كل أعضائه من المخابرات الفعليين أو الفخريين هو أمر أقرب للهستيريا بل للجنون الكامل... أن تفاوض مجموعة لتقنع أفرادها بالانتحار, وكل حين يؤكد ممثلو النظام أن مصير بشار ليس مطروحا للتفاوض والباب إليه موصد وفي نفس الوقت ليس أمام وفد المعارضة من صلاحيات ولا من تفويض إلا أن يمروا عبر هذا الباب وطرح باقي الأمور والتفصيل الشديد فيها غرض للنظام ولن يجني منها وفد المعارضة شيئا غير توفير الوقت للنظام ليستمر في تمدده العسكري.
تمدد عسكري مستمر متسارع لاهث للوصول إلى فرض واقع ميداني جديد يثبّته وقف دائم لإطلاق النار...وقف لإطلاق النار سيكون الشغل الشاغل لديمستورا في النصف الثاني من شهر نيسان ولن يستطيع بعده أي فصيل أن يستعيد شبرا واحدا من النظام بدون أن يخرق وقف إطلاق النار.
ووقف إطلاق النار ليس كالهدنة فالهدنة كانت تفاهما أوليا ووقف إطلاق النار اتفاق دائم موقّع موثّق مشهود ويكفي أن نعلم في متانة مثل هذه الاتفاقيات أن ما بين نظام الأسد واسرائيل اتفاقية لوقف إطلاق النار منذ عام 1974 وهي أطول وأنجح اتفاقية بين خصمين في الشرقين الأوسط والأدنى وسيكون أمام النظام والميليشيات المتحالفة معه شهر عسكري إضافي لقضم المزيد من الأرض في ريف دمشق وحوران والساحل وحلب بوجود الغطاء الجوي الروسي.
وفي نفس الوقت سيستمر النظام في بحثه وسعيه عبر وسطائه وشركات العلاقات الغربية لعقد صفقة مغرية مع الإدارة الأمريكية واسرائيل كما فعل بعد مجزرة الكيمياوي.
ورغم أن الجعفري ختم جولة آذار في جنيف بنسف جديد لمادة المعارضة الوحيدة في التفاوض فأكد مجددا على أن مقام بشار الأسد ليس موضعا للتفاوض فقد استلم المعارضون هذه الخاتمة بروح رياضية أولمبية "روح الهواة" وتحلوا بالصبر والكياسة واللين وأعلنوا عن استمرارهم في المفاوضات , وهذا غريب حقا ... بل غريب ومريب إلا إذا كان وفد المعارضة يفاوض من بيده القرار من الروس من وراء ستارة وفد النظام المهلهلة ليصل إلى ثابته الوحيد "رحيل بشار الأسد" باي شكل ممكن...
أو أن يكون الأمر درءٌ للذرائع ونزعٌ لورقة سوداء من يد النظام الذي لا يريد من المفاوضات التي أُكره عليها إلا أن يلقي تبعة فشل المفاوضات على المعارضة.
و فرض نظام بشار الأسد على الجميع مسرحيته الساخرة في إجراء انتخابات مجلس الشعب وفرض عليهم أن ينتظروا انتهاء هذه المسرحية قبل أن يعود إلى جنيف.
النظام يكسب الوقت ليكمل حسمه العسكري بإشراف روسي وأميركا تعلم ذلك وأقصى ما فعله كيري هو تذكير للافروف أنه أكبر منه سنا وأن على لافروف أن يحترم فارق العمر بينهما, هذا إن كان كيري معترضا أصلا على الخطة الروسية فما صدر عن موسكو في نهاية المداولات المطولة مع كيري أن واشنطن تفهمت ووافقت على أن لا ضرورة لبحث مصير الأسد في هذه المرحلة,
و على هذا المشهد الختامي لجولة مفاوضات آذار في جنيف ليس أمام وفد المعارضة ليَخرج سالما من بين الذئاب إلا ثلاثة أمور:
- أن يُبلغ وفد المعارضة الفصائل المقاتلة بخطة النظام ومن معه "وكل الكبار معه", وأن لابد من تعديل الخرائط ميدانيا على الأرض لصالح الثوار وفي كل الجبهات ومهما كلف الأمر.
- أن يعود الوفد إلى جنيف في نيسان ليفاوض الروس وأن لا يلق بالا لوفد النظام إلا كناظرٍ مُكرَه عبر زجاج عاتم إلى ما وراءه.
- أن تشكل الهيئة العامة للمفاوضات لجنة تفاوض الحاضنة الموالية للنظام حتى لو كانت غير حاضرة ...يفاوضوا مندوبا اعتباريا مفترضا على كرسي فارغ فيضعوا كل الاحتمالات المفترضة التي في ذهن الموالين ويضعوا لها الحلول والتطمينات ويعلنوها مكتوبة مشهودة فليس هناك وقت أقرب لتخلي الحاضنة عن بشار من هذا الوقت بعد خمس سنين وصمود متين وإرادة للثوار لم تلين وهتافات انتهت إلى ما بدأت به...الشعب يريد اسقاط النظام.
وفي النهاية هي إرادات تصطرع وتضحيات تنتظر الوفاء وجهود تُبذل ولكل مجتهد نصيب.
بيعت ، مؤامرة ، مخطط لها .. صمدوا أمام العالم أجمع ، ضحوا ، استبسلوا ... أعادوها من براثن الظلام ، أوقفوا اللعنة ، هم الأقوى ... أصوات تتضارب في الآذان ، كلمات تمارس العصف الذهني ، أفكار تحرك الذاكرة المليئة بالذل و القهر و الاستبداد و السرقة ، سجن تدمر ، اعدامات الليل ، وقطع رؤوس على المسارح الرومانية ، نيران حقول الغاز و النفط ، قطع الآثار المتنقلة في كل العواصم و البلاد إلا في بلدها و موطنها.
بضع من الكثير ، ما يختلج الانسان مع متابعة أخبار معارك تدمر و أخيراً انتقالها من هذا لذلك ، وقبلها من ذلك لأؤلائك ، وكيف تبادلا أدوار السيطرة على بقعة صحراوية ، عمدا خلال التبادل على محي فصول عميقة من الدلائل الدامغة على الحقبة الأسوأ ، التي لازالت تتابع استمرارها ، إن غيرت جلدها من المقاومة لمكافحي الإرهاب .
اليوم و بعد مرور عشر من الشهور على تغيب تدمر كـ تاريخ و أرشيف ، تعود كما كانت مكان للقتلة الذين لبسوا "التحرير" ، وامتطوا خيول الفتح العظيم ، و لكن بخيل مستعار و سيف الممحاة لإلغاء كل ما حدث في خمسين عاماً بينها خمس من القتل العلني ، ليكون السفاح بطل مغوار .
لا يمكن النظر إلى سقوط تدمر من جديد بيد النظام ، بأنه شيء إيجابي و نطبل له على أن الانتقال تم بين عدويين لا فرق بينهما ، فما حدث اليوم له آثاره و تبعياته الخطيرة سيما على توزيع الأدوار المستقبلية للمتعاركين في سوريا ، و الخاسر الأكبر بلا شك كما العادة الشعب السوري ، الذي انحصر في خيارين اثنين لا أكثر ، إما سواد داعش أو قرمزية دمه مع الأسد ، وبين هذا وذلك و فترة الاختيار ، يتم محي الجرائم و نهب الإرث ، ليكون أي خيار هو موت لا محال .
داعش صنعت المبرر بغباء أم بخبث ، سلمت أم تحملت إلى حد الانهيار ، ليس المبحث في الوقت الراهن ، و إنما الأمر يبدو بحاجة لمراجعة سريعة من الجميع ، عذراً من المتشتتين ، لاختيار الجبهة التي سيكونون عليها بعد أن بات موقوفهم الأضعف ، نظراً لدخول منافس قوي في محاربة الإرهاب ، المتمثل بثالوث الشر "الأسد – روسيا – مليشيات ايران" ، إضافة للمليشيات الكردية الانفصالية و الأخرى العربية بطعم العشائرية .
أوجز ما قيل عن وضعنا أن الجميع استفاد من الهدنة من تحقيق مكتسبات ، إلا نحن لم نستفد منها إلا بعقد الخلافات و الاستيلاء على أبعاض ما نملك ، ونلعب "الكر و الفر" على مزرعة أو بستان هنا أو هناك .
أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سحب "الجزء الرئيس" من قواته من سوريا في أول يومٍ من الجولة الثانية من مفاوضات جنيف3، والتقى بوزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، عشية اليوم الأخير من الجولة.
ثمة كلامٌ كثير عن (اتفاقٍ) أمريكي روسي يتعلق بالوضع الراهن والمستقبلي في سوريا. لكن فهم الصورة بشكلٍ أوضح لا يكون ممكناً إلا إذا عرفنا ماذا جرى في الأسابيع السابقة للإعلان الروسي، وما يجري بعدها إلى اليوم، وفي كثيرٍ من الأحيان في غياب ربطٍ واضح للأحداث في أذهان عامة الناس يفسر التطورات بصورةٍ أقرب للدقة. خاصةً فيما تواجهه روسيا جدياً، في الجوانب الاقتصادية والعسكرية، بغض النظر عن كل تصرفات (الماتشو) التي يُظهرها الرئيس بوتين.
ففي حين كانت وسائل الإعلام تركز، في مؤتمر ميونيخ، يوم 13 شباط (فبراير) على ما يُسمى قضايا التعاون المشترك، مرر ينس ستولتينبرغ، الأمين العام لحلف الناتو تصريحات تتهم موسكو بزعزة الاستقرار والأمن في أوروبا، مع التأكيد على الحاجة لحوارٍ بناء معها، موضحاً "أننا في واقعٍ جديد مع روسيا"..
قبلها بيومين، كانت الأهداف الحقيقية لاجتماع الناتو واضحة في اجتماع قادة الحلف في بروكسيل. حيث وافق وزراء دفاع الحلف على تعزيز وجود الحلف على طول حدوده الشرقية. واعتبر الأمين العام للحلف أن الموافقة على تعزيز وجود الناتو شرقا يستهدف ردع العدوان الروسي، و"سيبعث برسالة واضحة مفادها أن الحلف سيرد على أي اعتداء على أي حليف".
ووجّه الرجل – خلال مؤتمر صحفي في بروكسل عقب اجتماع لوزراء الدفاع بالحلف- انتقادات لروسيا وحمّلها مسؤولية المساس بالتوازن الإستراتيجي في المنطقة، وضرب الجهود المبذولة لإيجاد حل سلمي في سوريا، وطالبها بتخفيف التصعيد. جدير بالذكر أن قيمة هذا الكلام من هذه الشخصية في هذا المقام، يؤخذ بجديةٍ أكثر بكثير من بعض (المناكفات) السياسية لكيري وغيره من ساسة أوروبا التي لا تؤخذ على محمل الجد.
وقال الأمين العام إن ما تقوم به روسيا يتطلب ردا من الناتو، دون أن يوضح طبيعة هذا الرد. وسيكمل قرار الناتو تعزيز تواجده شرقا، ضمن الجهود التي تبذل منذ 18 شهرا لتمتين قدرتي الرد والردع لدى قوات الحلف، ردا على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في مارس/آذار 2014 وهجوم الانفصاليين الموالين لموسكو في شرق أوكرانيا.
وفي هذا السياق، ستعزز "قوات متعددة الجنسية" إجراءات سبق أن اتخذت لطمأنة الدول الحليفة في شرق أوروبا منذ ربيع 2014، على غرار إقامة مراكز لوجستية ونشر معدات وإرسال مقاتلات إلى دول البلطيق أو نشر مزيد من البوارج في بحر البلطيق أو البحر الأسود، وفق ما أوضح ستولتنبرغ.
وستضاعف أمريكا أربع مرات – حتى سقف 3.4 مليارات دولار- النفقات الهادفة إلى تعزيز الوجود الأمريكي في أوروبا، وذلك عبر نشر معدات قتالية ثقيلة (دبابات وقاذفات صواريخ) تلائم فرقة أمريكية من 15 ألفا إلى عشرين ألف عنصر. وإضافة إلى ذلك، سينشر الحلف ما بين 3200 وأربعة آلاف جندي في دول شرق أوروبا لعمليات تمرين وتدريب.
بعد أقل من ثلاثة أسابيع، في 4 مارس (آذار)، بدأ حلف شمال الأطلسي مناورات عسكرية ضخمة في محافظة "تروندلاغط" وسط النرويج. وشارك في هذه التمارين حسب بيان لحلف الناتو في بروكسل أكثر 15000ألف جندي والعديد من البوارج والسفن الحربية والغواصات والوحدات البرية.
أطلق على هذه المناورات اسم "الرد البارد" وتستمر عشرة أيام. وتجمع التمارين وحدات من ألمانيا وبلجيكا وكندا والدانمارك وإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة ولاتفيا والنرويج وهولندا وبولندا والمملكة المتحدة والسويد. وقد نشر الناتو في النرويج، التي تحد روسيا، ثلاث قاذفات إستراتيجية من طراز "بي-52" للتدرب على تنفيذ ضربات نووية ضد أهداف أرضية.
على سبيل الرد، وفي نفس اليوم، صرح مدير جهاز الإعلام التابع للأسطول الروسي في البحر الأسود، أن الأسطول حصل على سرب من طائرات مقاتلة جديدة من طراز "سو-30إس إم". وشرعت روسيا في تحديث أسطولها في البحر الأسود منذ عام 2014، عندما استعادت شبه جزيرة القرم التي ترابط فيها وحدات أسطول البحر الأسود البحرية والجوية، الهوية الروسية.
كانت هذه الحرب الباردة الدبلوماسية والسياسية والإعلامية بين أمريكا وروسيا تحصل على هامش الأضواء والكاميرات المسلطة على تعاون البلدين، الذي قيل لنا إنه متناغمٌ ولطيف، فيما يتعلق بالوضع السوري، يعمل على تهيئة الأجواء بشكلٍ مشترك ومتناغم، لدعم المسار السياسي والجهود الدبلوماسية. لكن قلةً قليلة، من العرب والسوريين بالتأكيد، كانت في صورة ما يجري في الخلفية العسكرية والأمنية بين البدين الكبيرين، من وقائع تكاد تكون ملامح حربٍ باردة.
وما من شكٍ أن ربط هذه الظواهر بشكلٍ متقدم ومدروس هو ما يعطي صورةً تفسيرية لما يجري، وهذا أمرٌ يستحق جهداً مستمراً نتابعه الأسبوع المقبل.
مسرحية سيلان الدم انتهت, و التراجيديا التي سفقت لها كل بلاد العالم , قد أسدلت ستارها , و انكشفت لعبة قذرة , بعد أن كشف الشعب السوري أن حرباً ضروس دامت 5 أعوام , ستنتهي ببقاء أجهزة أمن الأسد أن لم يكن بقاء الأسد ذاته.
وجاءت الصفعة الخليجية بعد أن طالب الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة , قادة الدول العربية مساندة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين , بعد محادثاته مع مفتي روسيا الشيخ راوي عين الدين , و الذي أكد أن بوتين يملك سياسة حكيمة.
في الوقت ذاته ابدى وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" ’تخوفه من العقوبات الأوروبية , لان موسكو لم تضغط على الأسد , لكن لافروف لم يذكر ماهي نوعية الضغوط التي طالبت بها الدول الأوربية , و التي أجاب عليها طرح المبعوث الأممي "ستيفان دي ميستورا" , يوم امس الأول في مسودة وثيقة جنيف, و التي نصت أنه سيتم إعداد دستور جديد خلال جدول زمني محدد , يلتزم من خلاله السوريين بإعادة بناء "جيش وطني موحد" , وسط حكومة انتقالية , ما يعني توضيح لمبتغى ليس فقط أوروبا بل كافة الدول العظمى وعلى راسها الأمم المتحدة , التي و أن قبلت برحيل الأسد , ستجعل من جيش النظام السوري قاعدة تنصهر ضمنها كافة الفصائل الثورية , لتبقى جذور الأسد ممتدة في الحكم السوري , بعد ثورة 5 سنوات.
صمت السعودية , بعد صدور الوثيقة , و برنامج هش و نرجسي لفنانة خليجية يشغل قنوات دبي وزوجة حاكمه , و ضبابية في الرأي القطرية بعد أن أشعلت فتيل النار في سوريا , و مباركة أوروبية تتسم باللباقة الباردة الخبيثة بعد أن صدروا كافة المتطرفين الذين يشكلون لهم أزمة إلى سوريا , بالرغم من تحذيرات الحكومة التركية لهم , و بالرغم من معرفتهم المسبقة بانهم مطلوبين في الإنتربول الدولي , و حقيبة حمراء مع وزير خارجية الأمريكية "جون كيري" , لا يعرف ما فيها سوى بوتين . أمور تجعل الأذهان تفكر و تذهب إلى ما أبعد من أرنبة الأنف , ليدرك الجميع أن الحرب السورية ما كانت تهدف لتحرير الشعب السوري من عبودية الأسد , إنما ليخضع لعبودية كافة دول العالم , لكن صمود الشعب السوري , أذهل دول العالم اجمع من المحيط إلى الخليج , و أدركوا أن الشعب السوري لا يمرغ أنوفه إلا التراب الممزوج بالدماء , انه شعب قرر ألا يخضع , ما أرجف قلوب الجميع , خوفاً أن تكون إرادة الشعب السوري عدوى تنتقل إلى باقي الشعوب عبر المحيطات و الخلجان.
مع صدور سلسلة التعيينات في هيكلية جبهة النصرة، ظهر إلى السطح العديد من الأمور التي كانت في الماضي مخبئة ، و غير مسموح تداولها أو السؤال عنها ، فهي من صلب السياسية السرية للنصرة ، التي تفضل أن تبقى في الظلام، و تظهر ما تشتهي لتستلب به الاعجاب .
و لعل أبرز ما تضمنت قائمة التنقلات ، هو تعيين الأردني "أبوجليب" أميراً للنصرة في الساحل، وترفيع أحد أبرز المنظرين للتيار القاعدي "أبوماريا القحطاني"، إلى منصب عضو لمجلس الشورى المركزي للنصرة ، بعد وصلوهما قبل عام لأرض ادلب الخضراء قادمين من درعا عبر طريق "الشوك" لنعيم "الجهاد" .
أهم من سرد بقية التعيينات ، يبدو أن هناك سؤال يستبق الاتمام ، وهو حول كيفية انتقال كل من أبو جليب والقحطاني من أقصى الجنوب السوري إلى شماله و بحره ، في خارطة لا تمنح للمتنقلين سوى خيارين لا ثالث لهما ، نظام الأسد أو تنظيم الدولة ، و كلا الطريقين يكشفان أن "النصرة" لم تعد ذلك الفصيل الذي جاء نصرة لهذا الدين أو ذلك الشعب، سواء سلكا هذا الطريق أم ذلك.
والانتقال عن طريق تنظيم الدولة ، وسط وجود عداوة علنية "شرسة" بين القحطاني و بين التنظيم على مستوى الأفراد و القيادات ، الأمر الذي يجعل الانتقال عبارة عن المرور في حقل ألغام بخريطة مقطعة ، قد تودي به في القبر بأي لحظة ، و بالتالي الانتقال كان عن طريق النظام من خلال الصفقة "الأشهر" و الأغمض، التي تمت بين النصرة و النظام في أوائل العام الماضي ، وبقيت طي الكتمان و السرية و الانكار طوال عام وثلاثة أشهر ، حتى أفصحت النصرة اليوم عنها ، عبر التعيينات الجديدة و ظهر اسما "أبو جليب و القحطاني" من أصل ٢٥٠ عنصراً آخراً .
قرارات التعيينات الجديدة التي تتالى معالمها، تتضمن رسائل غريبة وتدعو للشك و الريبة منها، فتعيين أبو جليب على "امارة اللاذقية" أو الساحل ، الغير موجودة، بعد سيطرة النظام على كامل ريف اللاذقية المحرر، وبات على أبواب ادلب ، يمثل بمثابة دعوة صريحة للعالم بأسره للدخول في معركة ادلب كون النصرة هي الحاكم ، وهذا ما دأبت عليه طوال الأسابيع الماضية و ظهر بأكمل صورته أمس ، عبر نشرها لراياتها في مدينة ادلب لتظهر أنها تحت سيطرة "النصرة" ، التي باتت عدو الجميع كما هو حال الأصل "داعش" ، والفروع الشبيهة أمثال "جند الأقصى".
سيقال الآن أني من العابثين المارقين ، الدخلاء على الدين و المتلاعين ، ومحاربي "المجاهدين" الصادقين ، و سيكون هناك قائمة من الانجازات التي حققتها "النصرة" نصرة للشعب السوري ، و دور المفخخات في تحرير ادلب و قهر "الصفويين" في ريف حلب الجنوبي ، ولم لا ، فصفقات الشبهة و الخيانة التي تصدر عن هؤلاء يبقى لها "سند" شرعي يبررها ، و يبقى لها ملتحي يدافع عنها حتى الكفر.
مرت بعض العبارات في وثيقة المبعوث الأممي إلى سوريا استيفان دي مستورا ، مرور الكرام ، و عاد و كررها وفد الهيئة العليا للمفاوضات ، كذلك وجدت طريقها للمرور ، و لكن بمجرد إعادة الشريط قليلاً، سيقف من تلقاء نفسه عند عبارة "تشكيل جيش وطني موحد " ، ليكون بمثابة الصفعة التي تعيد شريط خمس سنوات أمامك و أنهار الدم التي لم تعرف الجفاف أو حتى انخفاض حدة الجريان .
فالخطة تقضي بأن تذوب الفصائل الثورية التي قاتلت على مدى السنوات الخمس الماضية داخل قوات الأسد بطائفتيها الحاقدة ، تأسيسها الاستبدادي ، بغية توحيد الجهود وفق الرغبة الدولية ، للقضاء على الوحش "الدولي أيضاً" ، داعش .
منذ البداية كانت الشروط المطروحة للحل تتمثل في نقطتين أساسيتين لا مناص عنهما ، أولهما عدم تفكيك النظام برمته ، و النقطة الثانية عدم الاقتراب من الأمن و الجيش ، وماعدا ذلك هو مساحة خصبة للحوار و المفاوضات ، بل حتى للاستلام و التسليم بلا حرب أو حتى صراخ .
خمس سنوات مرت بكل مآسيها ، بغية تغيير هاتين النقطتين ، فكان الشعار "الأسد أو تدمير البلد" ، الأسد هنا هو النقطتين ( نظام – أمن – جيش) ، و لكن للهرب من تلك النقاط التي لا تعنيان إلا أن الأسد للأبد ، اخترنا دمار البلد بغية الخلاص من الأسد ، و بالفعل سرنا في طريق الموت على أقدامنا ، وشهدنا دمار البلد بكل ما للكلمة من معنى ، ورضينا ، على اعتبار أن الركام يعاد تعميره ، لكن إعادة التعايش مع الأسد غير ممكنة .
الآن و بعد تدمير البلد ننتظر أن يرحل الأسد تبعاً للمتلازمة "الأسد أو تدمير البلد" الواجبة التحقق وفق لمنطق العقل ، و لكن يبدو أن هذا المنطق غير مناسب للوجود في هذا الوقت و ليس لنا ، فالمصالح الدولية تقتضي حالياً بعد تدمير البلد أن يبقى الأسد ، ومن يرغب بالعيش عليها العودة إلى حظيرة الأسد ، و تنفيذ النقطتين اللتين كانتا في متناول أيادينا منذ أو صرخة في درعا أم في الأموي ، و لكن يبدو أننا شعب مشؤوم ، رغبنا في تدمير البلد لينعم الأسد ، ببلد بلا بشر .
صدمة كبيرة تلقتها الأوساط الشعبية والشرعية بالأمس مع إعلان اللجنة المكلفة بفصل النزاع الحاصل في مدينة معرة النعمان بين جبهة النصرة والفرقة 13 بعد سيطرة النصرة على مقرات ومستودعات الفرقة لأسباب رأي فيها الشارع غير مقبولة فثار ضدها وطالب النصرة بإعادة الأمور لما كانت عليه ليصل الأمر للجنة شرعية من أهل العلم كلفت بفصل النزاع وحله توافق عليه الطرفان لتهدئة الشارع وحل جميع القضايا.
وبعد أقل من اسبوع على تكليف اللجنة الشرعية جاء بالأمس اعتذارها عن اكمال مهمتها لتترك الخلاف دون حل وتزداد حدة التوتر في الشارع المشتعل وسط تخوف كبير من وقوع أي صدامات بين مناصري الطرفين في المدينة لاسيما بعد اصرار مؤيدي الفرقة على التظاهر والمطالبة بعودة الفرقة 13 وسلاحها وإطلاق سراح معتقليها.
هذا العجز القضائي والشرعي في حل الخلاف والتبريرات التي قدمها يعود بالذاكرة الى أحداث أواخر عام 2014 في جبل الزاوية بين جبهة النصرة وحليفها جند الأقصى وبين فصائل الجيش الحر كحركة حزم وجبهة ثوار سوريا والتي كان للشرعيين فيها أراء وأقوال ومواقف سعت لفض النزاع وحل الخلاف إلا أن اصرار النصرة على متابعة عملياتها والسيطرة على مقرات ومستودعات فصائل الجيش الحر ورفضها كل المبادرات على الرغم من قبول الطرف الثاني لها لتكون النهاية كما وصلت إليه اليوم بنفس الطرق والحجج والأسلوب وكأن الشريعة فصلت لخدمة مصالح طرف على حساب اخر وباتت بيد الأقوى يديرها ويحركها ويخلق لها التبريرات كما يشاء منهياً فصائل ربما كان بعض قادتها مفسدين لكن لا يقل فسادهم عمن رفض حكم الشرع وتلاعب في الأحكام وخلق المبررات لنفسه دون سواه.
وبين تنوع القضاء واختلاف المشرعين أزهقت أرواح ودمرت فصائل وزج بمئات الثائرين في سجون مظلمة وحرم الكثير من حقوقهم بعد أن غدا جلادهم هو الخصم والحكم في ان واحد على الرغم من النداءات المستمرة لتشكيل جسم قضائي مستقل وموحد يفصل في النزاعات الفصائلية والفردية ويكون له السلطة المطلقة في فرض حكمه وفق شرع الله ومصلحة الشعب السوري الثائر بعيداً عن المشاريع والتبعيات والكيانات العسكرية.
استمرار هذه «الهدنة» الخجولة التي تعاني من اختراقات يومية مقصودة من قبل النظام، وفي بعض الأحيان من قبل الروس، ورغم تواصل هذه المفاوضات الكسيحة، فإن ما يبدد الأمل في التوصل إلى الحل السياسي المرتقب، إنْ على أساس بيان أو اتفاق «جنيف 1» أو غيره، هو أنّ الأميركيين ما زالوا مترددين ولا يزال موقفهم غير حازم وهم يقدمون رِجْلاً ويؤخرون أخرى، بينما يواصل الروس هجومهم الكاسح، سياسيًا وعسكريًا، في حين أنّ بشار الأسد لم يتوقف عن مناوراته البائسة والسخيفة، وكل هذا بينما بات من الواضح وكأن الأوروبيين قد خرجوا من هذه الحلبة نهائيًا بعد موجة الإرهاب «المشبوهة» التي ضربت باريس وعددًا من المدن الأوروبية الأخرى، وضربت بروكسل في بلجيكا، أول من أمس (الثلاثاء).
كان المفترض، قبل استئناف المفاوضات التي تدور في حلقة مفرغة، أنْ يتوقف قصف النظام للأهداف المدنية والمدارس والمستشفيات، وأن يتوقف أيضًا التحرش المستمر باسم تنظيم داعش بالدول المجاورة بتركيا أولاً وبالأردن ثانيًا، على غرار ما جرى في مدينة إربد الحدودية التي هي ثاني مدينة أردنية، بعد العاصمة عمان، قبل أكثر من أسبوعين.
هناك مثل شعبي مستخدم في بلاد الشام، وربما أيضًا في بعض الدول العربية الأخرى يقول: «لو أنها فعلاً ستشْتي لكانت غيّمت أولاً»، ولذلك، لو أن الروس يريدون حلاً سياسيًا على أساس بيان «جنيف 1» وعازمون فعلاً على التخلي عن «صاحبهم»، على أساس هذا البيان، فلمَ بقوا يتصرفون بهذه الطريقة غير المفهومة، ولمَ حاولوا فرض وقف إطلاق النار من جانب واحد الذي من الواضح أنّ المقصود به هو المعارضة السورية وليس النظام؟!
ولعل ما هو مضحك فعلاً أن بشار الأسد، الذي من المفترض أنه يعرف أن هناك هدنة غدت سارية المفعول وقّعها دون استشارته سيرغي لافروف، لم يتورع عن إطلاق «نكتة» ثقيلة الظل، عندما قال في حديث لإحدى قنوات التلفزيون الألماني ودون أن يرفّ له جفن: «أقترح على مقاتلي المعارضة عفوًا عامًا مقابل تخليهم عن أسلحتهم وتسليمها للحكومة السورية». إن المعروف أن رئيس هذا النظام الذي أصبح كالزوج المخدوع آخر مَنْ يعلم أنه لم يعد بيده أي قرار، لا بالنسبة لهذه الهدنة المتأرجحة ولا بالنسبة للمفاوضات البائسة الحالية في جنيف، لكن ومع ذلك فإن هناك مثلاً يقول: «خذوا أسرارهم من صغارهم»، وأنّ هذا العرض الآنف الذكر إذا كان جديًا بالفعل، فإن صاحبه الحقيقي هو قيصر هذا العصر فلاديمير بوتين، وليس مَن أصبح لا علاقة له بكل ما يجري في بلد من المفترض أنه بلده إلا بمتابعة المواقع الإلكترونية ومشاهدة شاشات الفضائيات العربية والعالمية.
ثم إن ما يدل على أن الروس لديهم «موّال» غير موال «جنيف 1» والمرحلة الانتقالية أنهم تقدموا بعرض على لسان أحد كبار مسؤوليهم، من الواضح أنه عرض جدي، كانوا تحدثوا فيه عن تحويل هذا البلد إلى دولة فيدرالية «اتحادية»، وذلك في حين أن «الصديق العزيز»!! جون كيري، كان قد أطلق تصريحًا استفزازيًا قال فيه إنه «إذا استمر القتال فإن سوريا ستنتهي إلى الانقسام والتقسيم»، وهنا فإنه لا يمكن أن يكون ما قاله وزير الخارجية الروسي وما قاله وزير الخارجية الأميركي هو مجرد «توارد خواطر» بين صديقيْن عزيزين لكل واحد منهما رأسه الخاص به، لكنهما يفكران تجاه هذه الأزمة بعقل واحد هو عقل الماركسي - اللينيني السابق والرأسمالي - الإمبريالي اللاحق!!
وهنا، فإن ما يوجع القلب فعلاً هو أن بعض «الكتبجية» العرب الذين كانوا شاركوا في وفد من الشيوعيين السابقين زار موسكو قبل فترة قد انبروا فورًا للترويج لهذه المؤامرة الخبيثة، والقول دون أي خشية وأي حياء إن الصيغة الفيدرالية هي سمة الدول المتقدمة والناجحة كالولايات المتحدة وروسيا والهند والعديد من الدول الأوروبية الصغيرة والكبيرة، وكل هذا في حين أنّ المفترض أن هؤلاء يقولون هذا الذي يقولونه وهم يعرفون ليس بحكم اطلاعهم المفترض على التجارب الناجحة للشعوب، وإنما بحكم شيوعيتهم السابقة، أن أنماط الحكم الفيدرالي والاتحادي تكون مطلوبة وضرورية عندما تكون الدولة المعنية مستقرة وقوية ومتماسكة، وليس عندما تكون تعاني من حرب أهلية ومن نزعات انشطارية وتقسيمية على غرار الوضع في سوريا والعراق واليمن وليبيا.
والسؤال هنا أيضًا هو: هل يا تُرى «لا مركزية» بول بريمر المطبَّقَة في بلاد الرافدين هي نمط فيدرالي «اتحادي» متقدِّم على غرار ما هو مطبَّق في روسيا الاتحادية والولايات المتحدة وألمانيا والهند ودول أخرى، أم أنه تشظٍّ مذهبي وطائفي كانت نتيجته هذه الحرب القذرة المدمرة في العراق التي لا يستفيد منها إلا الولي الفقيه في طهران، والتي لا تخدم إلا تطلعات إيران التمددية في العراق وفي المنطقة العربية..؟!
لقد تحول العراق العظيم بـ«فَضْل» هذه اللامركزية، التي أبدعتها عقول مريضة وأسهمت في فرضها على بلاد الرافدين جهات ومجموعات تآمرية، إلى شظايا وطن تتحارب فيه فيما بينها على أساس مذهبي وطائفي وعرقي تنظيمات تتنافس على السلب والنهب، وهذا يعني أن هذا البلد العربي الذي غدا خاضعًا للوصاية الإيرانية المباشرة سيحتاج ربما إلى قرن بأكمله وأكثر ليستعيد وحدة أرضه ووحدة شعبه ووحدة وجدانه ووحدة ترابه.. وأيضًا وحدة لغته العربية.. لغة القرآن الكريم.
ثم كيف من الممكن يا تُرى أنْ تكون اللامركزية ضرورية وصيغة حضارية ومتقدمة في سوريا، وهي تعاني حاليًا من حرب طاحنة مستمرة منذ نحو خمسة أعوام، وأيضًا وهي تعاني من هذا التدخل الروسي المستمر، ومن هذا الاحتلال الإيراني المذهبي، ومن احتلال حزب الله، واحتلال أكثر من أربعين تنظيمًا طائفيًا كلها تأتمر بأوامر الولي الفقيه في طهران.. وتذبح في هذا البلد العربي على الهوية الطائفية والمذهبية؟!
لقد تحدث بشار الأسد بعظمة لسانه عن أنه يريد أن تقتصر دولته المنشودة، التي لن تكون إلا طائفية ومذهبية، حتى وإنْ هو رفع فوقها شعار «أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة»، على «سوريا المفيدة» فقط، والواضح هنا أن هذا التهجير، الذي قال حلف شمال الأطلسي (الناتو) إنّ الروس ومعهم هذا النظام السوري يقفون خلفه، هدفه أن تصبح هذه الـ«سوريا المفيدة» الدولة المذهبية المطلوبة التي إنْ هي قامت، ونأمل ألاّ تقوم إطلاقًا، فستشعل نيران حروب طائفية في هذه المنطقة كلها قد تستمر لمئات السنين، وعندها فإنه ستكون هناك مؤامرة العصر التي ستكون بالتأكيد أخطر كثيرًا من مؤامرة «سايكس بيكو»!
بعد عشرة أيام من اجتماع وفدي المعارضة السورية و النظام السوري , في جنيف , بشكل انفرادي مع المبعوث الاممي إلى سوريا "ستيفان دي ميستورا" , و انتهاء جولة جديدة من جولات المفاوضات , رُحلت الجولة القادمة لأجل ليس ببعيد , وعادت الكرة الى الملعب الامريكي - الروسي , بعد ان أدرك الجميع استحالت الحل السوري - السوري ٫ الذي يمثل ضرب من ضروب الخيال , و أن النظام السوري لن يساوم على بقاء الأسد والوصول الى حكم انتقالي
سارع وزير الخارجية الامريكي "جون كيري" , لزيارة موسكو , يوم امس , و اجتمع بالرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" , ليبحثا في القضية السورية , و كانت ثمار اجتماع الطرفان , على مدى أربع ساعات , توصلهما لضرورة إعداد مشروع دستور جديد في سوريا بحلول شهر أغسطس/آب المقبل , دون ان يتضح ما اتفق الطرفان حول مصير الأسد , الذي بقي "غامضاً" , و لم يعبر كيري ما توصل له مع الطرف الروسي بشأن الاسد الا بجملة واحدة حين قال "اتفقنا على انه يتعين على الأسد أن يفعل ما يلزم" , و ان ينخرط في عملية السلام.
في الوقت الذي اكد فيه دي ميستورا أن المباحثات تم تأجيلها إلى الفترة الواقعة ما بين 9 و 11 من نيسان / أبريل القادم , و شدد على ان مسألة المعتقلين لها اولوية في المباحثات , اضافة لرفع الحصار , بعد ان طالب وفد النظام تأجيل المفاوضات الى ما بعد انتخابات مجلس الشعب الذي من المقرر أن يكون في 13 نيسان , و لكن دي ميستورا لم يبالي بتبريرات وفد النظام , وقال أن "الانتخابات الوحيدة التي سيعتد بها هي التي يشملها قرار مجلس الأمن
و يشكل تحديد موعد لاطلاق الدستور الجديد بحد ذاته , توافقاً أميركياً ـ روسياً , على الذهاب بسرعة الى الانتخابات , دون ان تحدد طبيعتها رئاسية أو برلمانية , لكن تحديد منتصف آب موعدا للدستور الجديد يضع حكماً الانتخابات في مطلع العام 2018، وفق البند الرابع من القرار 2254، الذي يضع الانتخابات السورية، تحت إشراف أممي بعد 18 شهراً من كتابة الدستور الجديد.
و ادرك الروس , اخيراً أنه ينبغي عليهم ان يحلوا كل القضايا في سوريا , قبل انقضاء حزيران المقبل , وتشكيل حكومة سورية جديدة , للاحتفاظ بهامش من الوقت مما تبقى من عمر الإدارة الحالية , و معرفة ترتيب أوراقه في سوريا قبل موعد الانتخابات المحدد وفق الامم المتحدة
و تشير مصادر ديبلوماسية إن الجولة المقبلة ستشهد تبديلاً كبيراً في وفد الهيئة العليا للمفاوضات, وتواردت انباء لم تتأكد بعد عن وجود نية لإقالة رئيس الوفد "أسعد الزعبي" , و كبير المفاوضين "محمد علوش" , كذلك جورج صبرا , فضلا عن التفاهم على إشراك الأكراد في الجولة المقبلة ٫ الأمر الذي ينذر بأن ناقوس الاجتماع القادم قد يقرع في آذان الشعب السوري قريباً , و يبدو انه سيكون اجتماعاً وفد معارض بمباركة امريكية و امتياز روسي .
حين اخترع «جيمس ماديسون» ورفاقه من الآباء المؤسسين فى أمريكا فكرة الفيدرالية لم يكونوا يقصدون بها أن تكون على أساسى دينى أو عرقى، وإنما على أساس مواطنة كاملة بحرية كاملة، قانونياً وثقافياً، فى التنقل والحراك المكانى والطبقى دونما نظر لاعتبارات العرق أو الدين.
لكن معضلة الحل الفيدرالى فى سوريا أنه سيكون على أساس طائفى وعرقى كما تترجمه القوة النيرانية للمتنازعين حالياً.
نشرت مجلة «فورين بوليسى» تقريراً، ترجمه موقع «ساس بوست» مؤخراً عن هذه القضية. يقول التقرير إن البعض ينظر إلى الفيدرالية على أنها الحل فى الأزمة السورية، لكن المفاوضين فى جنيف لديهم أسباب وجيهة لتجنب هذا الحل.
لطالما ظهر مصطلح الفيدرالية فى سياق عملية السلام التى تلى أى صراع مسلح. فأحياناً يعتبرها المفاوضون الدوليون والأطراف المحاربة كأفضل نظام يشمل العرقيات المختلفة والأطراف المتحاربة الذين قد يخشون من سيطرة فصيل بعينه على مقاليد السلطة.
فى الأسبوع الماضى، يقول التقرير، أعلن الأكراد السوريون خطة لتحويل المنطقة الواقعة تحت سيطرتهم شمال سوريا إلى منطقة فيدرالية، وهو ما يمنحهم حكماً ذاتياً.
خلال الأيام القليلة الماضية كشف مصدر فى الأمم المتحدة عن أن روسيا وقوى غربية لم يسمِّها تفكران فى الفيدرالية كحل للصراع فى سوريا. طبقاً للمجلة تنظر روسيا إلى الفيدرالية على أنها وسيلة لحفاظ نظام «الأسد» على سيطرته على المناطق التى تسكنها الأغلبية العلوية على الأقل، والتى تضم قاعدة طرطوس البحرية الاستراتيجية بالنسبة لموسكو.
أما بالنسبة للقوى الغربية، يشير التقرير، تبدو الفيدرالية السيناريو الواقعى الوحيد لبلد تشرذم بالفعل إلى مناطق عديدة تسيطر عليها جماعات مسلحة ذات توجهات متباينة. وبالنسبة لأولئك الذين يخشون تقسيم سوريا، تعتبر الفيدرالية أفضل حل يمكنهم أن يتطلعوا إليه.
لكن الأمر لا يتطلب أكثر من النظر إلى ليبيا لإدراك إلى أى مدى أدى الحديث عن الفيدرالية إلى تدمير البلاد. فبعيد سقوط «القذافى»، انقسم الليبيون ما بين مؤيد ومعارض لفكرة الفيدرالية. وقد أسهم هذا الانقسام فى تأجيج الصراع، كما أن ذلك الانقسام جعل من عملية صياغة الدستور الجارية أمراً يتسم بالصعوبة بلا داعٍ. يشير التقرير أيضاً إلى أن البعض يرى الفيدرالية من منظور مختلف تماماً. فالمتشائمون يخشون من أن منح الحكم المستقل للمكونات الفيدرالية يمكنه أن يقود سريعاً إلى انفصال كامل، مما يدعم تقسيم البلد بدلاً من جمع مكوناته معاً.
يقول الكاتب إن المفاوضين الحكوميين والمعارضين رفضوا فكرة الفيدرالية، لأنها ستقود إلى تقسيم البلاد. كما أنه من المرجح أن تفعل تركيا كل شىء لمنع تطبيق نظام الفيدرالية فى سوريا، وذلك خشية تكرار ما حدث فى العراق، بعد أن حصل الأكراد على حكم ذاتى فى المنطقة الشمالية، فضلاً عن أن مجرد ذكر مصطلح الفيدرالية قد خلق تعقيدات دبلوماسية.
تكمن مشكلة الفيدرالية فى أنها ستحمل المفاوضين عبء شكل محدد للدولة يمكنه تقسيم الأطراف المتفاوضة إلى كتل من المعارضين أو المؤيدين. وفى الواقع ليس هناك حاجة لإعطاء اسم على أى حل يجرى التفاوض حوله.
يقول الكاتب إن ثمة أسباباً أخرى تدعو إلى مقاومة فكرة الفيدرالية فى سوريا. فتطبيق الفيدرالية يعنى رسم حدود لإنشاء المناطق الفيدرالية، ويخشى السوريون أن تكون هى نفس الحدود التى خطتها الأطراف المتحاربة.
كما أن إنشاء تلك الحدود ربما يؤدى إلى تقسيم البلاد على أساس عرقى أو دينى، مما ينشئ دولة طائفية لا يرغب بها السوريون. ورغم أن هذا ليس ما تعتزم الأطراف الدولية فعله، فإن قيام القوى العظمى كروسيا أو أمريكا برسم الحدود سيكون له نفس الآثار السلبية على المنطقة التى سببتها اتفاقية سايكس - بيكو فى عام 1916 التى أفضت إلى إنشاء الشرق الأوسط الجديد.
هناك نقطة انطلاق أفضل لأية مفاوضات هى أن نعترف أنه لا توجد قوالب محددة لتحديد شكل الدولة. فمن الناحية العملية، لا توجد اليوم أى دولة تتمتع بحكم لا مركزى كامل، ولكن هناك، فى الواقع العديد من أشكال اللامركزية.
المسؤول الأمني السوري الذي يدير «داعش»، أو على الأقل جناحاً رئيساً فيه، ناجح في مهمته ويستحق ربما ترقية ومكافأة. فهو تمكن دوماً من اختيار التوقيت الملائم للتفجيرات والاعتداءات الدموية التي يشنها التنظيم، وخصوصاً في أوروبا، لتشكل رداً مباشراً على مواقف وإجراءات لا ترضي تحالف «الممانعة» الذي باتت روسيا عضواً فاعلاً فيه، أو لتخفف الضغوط عن نظام بشار الأسد.
وهذا الأسلوب نفسه يستخدمه التنظيم في «الداخل الإسلامي»، وخصوصاً في سورية، سواء ضد المدنيين أو فصائل المعارضة المعتدلة، في مسار لا يستهدف إلا نادراً القوات النظامية التي تتولى تأمين حاجات «داعش» المالية والتسلحية، عبر انسحابات متكررة تقوم بها، مخلية مواقعها، لا سيما القريبة من حقول النفط، للتنظيم المتطرف.
وكان آخر «نجاحات» ضابط الاستخبارات السوري المسؤول عن ملف «دولة الخلافة»، الاعتداءات التي شهدتها العاصمة البلجيكية الثلثاء، بعد تلك التي طاولت باريس قبل نحو خمسة أشهر واستهدفت «تأديب» فرنسا بسبب إصرارها على رحيل الأسد، ودفعها إلى تغيير أولويات سياستها الخارجية، وهو ما حصل تقريباً.
فمع وصول مؤتمر «جنيف 3» المنعقد حالياً إلى ملامسة «عقدة الأسد»، وشبه الإجماع الإقليمي والدولي على ضرورة بدء المرحلة الانتقالية التي تعني البت في مصير الرئيس السوري، وتصاعد الضغوط الدولية على موسكو لتواصل التزامها مبدأ التوصل الى تسوية معقولة تشمل تنازلات متبادلة، والمقاربة الناضجة والجدية التي تطبع مواقف وفد المعارضة الى المفاوضات، وضعت كلها النظام السوري في موقف حرج جعله يطلب تأجيل المؤتمر، بل يعتبره بحكم المنتهي. وكان لا بد من ان يحصل «أمر ما» يحرف الأنظار والأضواء عن الاستحقاق المقترب، ويعزز إدعاء النظام باعتبار نفسه «شريكاً» في مكافحة الإرهاب لا بد من الحفاظ عليه والتعاون معه.
وقعت الاعتداءات ايضاً عشية وصول وزير الخارجية الأميركي كيري إلى موسكو في زيارة هدفها إقناع روسيا بممارسة مزيد من الضغط على حليفها لالتزام مبادئ بيان جنيف ومواصلة المفاوضات، لتزكّي الموقف الروسي القائل بـ «أولوية محاربة الإرهاب» بدلاً من الغرق في تفاصيل ترتيب البيت السوري.
وفي رأي الضابط السوري، كان لا بد من «معاقبة» أوروبا ورمزها بروكسيل، مقر الاتحاد، بسبب اتفاقها مع تركيا الذي نزع مبدئياً فتيل أخطر أزمة هدّدت الوحدة الأوروبية، وأجهض محاولات روسيا للمقايضة بين ملف اللاجئين السوريين وبين العقوبات عليها نتيجة تدخلها في أوكرانيا.
المعلومات التي يملكها «داعش» عن الثغرات الأمنية في بلجيكا تؤكد أن مشغّليه يحصلون عليها من أجهزة منظمة ومحترفة تدرك النقص الفادح في عمل الاستخبارات البلجيكية التي لا يتجاوز عدد عناصرها 600 شخص، وتعلم أنه ليس بين الأقاليم الثلاثة في البلاد تنسيق أمني كبير، ولا بينها وبين الدول الأوروبية الأخرى، ما يجعلها بيئة مثالية لاحتضان خلاياه.
وفي حال لجأت السلطات البلجيكية، مثلما هو متوقع، إلى حملة أمنية واسعة تطاول مناطق في بروكسيل ذات غالبية سكانية من أصول عربية، فسيسهل ذلك مهمة التنظيم في تجنيد المزيد من «البلجيكيين» الذين يشكلون العدد الأكبر بين مقاتلي «داعش» في سورية والعراق.
لكن أوروبا التي ارتضت حصر علاقتها بالأزمة السورية بمسألة وقف تدفق اللاجئين إلى أراضيها، متذرعة بأن الملف السياسي بات في عهدة الثنائي الأميركي - الروسي، إنما تعالج عبر تشديد إجراءاتها الأمنية، على رغم ضرورته، نتائج وجود «داعش» وليس أسبابه، متخلية عن دورها في مواجهة من يقف وراءه ومن يوفر له وسائل توجيه ضرباته.
بعد أن فشلت روسيا في اقحام وفد معارض كما تشتهي ، بغية تشتيت الانتباه عن وفد المعارضة الذي انبثق عن مؤتمر الرياض ، و بات بشكل أو بآخر هو الممثل الشرعي المواجهة لنظام الأسد في المفاوضات التي اسدل الستار على جولتها اليوم .
هذا الفشل لن يكون نهاية التدخل الروسي أو كف يده عن الشق المتعلق بالمعارضة ، بل هناك خطة ثانية يتم العمل عليها ألا وهو استقدام الائتلاف الوطني إلى موسكو ، و الدخول معه في مفاوضات تمكن روسيا من لعب دور في إتمام رسم للمرحلة القادمة من المفاوضات التي يقال أنها ستعقد بعد أسبوعين .
مصادر مسؤولة في الائتلاف أكدت وجود نية لدى الائتلاف في الاستجابة للطلب الروسي و السفر إلى موسكو ، دون أن يحدد الأمور التي سيتم طرحها هناك كون الأمر يدرس على نطاق ضيق جداً و لن يتم الحديث عنه بصوت عالٍ .
رغم أن السياسية لا تعرف مبادئ أو أخلاق، لكن من المتوقع أن تسبب زيارة وفد الائتلاف ، الممثل الأكبر للمعارضة السورية من حيث الاعتراف الرسمي ، مشكلة كبيرة لهذه المؤسسة سواء من حيث القاعدة الشعبية أو التعاون مع الفصائل العسكرية ، فالزيارة ستكون لبلد كان يصفه الائتلاف بأنه احتلال و معتد و مجرم حرب ، فما الذي تغير حتى يتحول لمكان يزار و يتم مناقشة مستقبل سوريا التي ساهمت روسيا و لازالت حتى الآن بتدميره و قتل أهله و تشريدهم .
قد يكون الوصف السابق عاطفي ، لا وزن له في السياسة و لكن الروس الذين عرفوا كيف يطوعون الميدان لصالحهم ببطش قوتهم العسكرية ، لن يستسلموا في ميدان السياسة الذي قد يجعل ميزان الربح يميل للخسارة ، ومن الممكن أن تقدم بعض العروض التي تمكنها من تملك عقول الذاهبين إلى موسكو ليكونوا شركاء في سوريا التي تم رسمها من قبل ( روسيا – أمريكا) و بحاجة للاعبين لتنفيذ الأدوار لتظهر للعلن وتأخذ الشكل المطلوب.
اذا زيارة الائتلاف هذه المرة التي يبدو أنها قريبة جداً و خلال الأسبوعين القادمين ، و هي فترة الراحة بين جولات جنيف التفاوضية ، سيكون لها نكهة مغايرة ، وان كانت ردود الفعل ستكون عنيفة و ستجعل الائتلاف كـ"هيئة و أعضاء" ملفوظ شعبياً و عسكرياً ، لكن ردة الفعل ستكون أقسى اذا حمل الزوار من أفواههم عبارات تمجيد أو إشارات لصداقة روسية تاريخية غيرتها ظروف آنية .